#1  
قديم 10-26-2017, 12:25 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي عصرنا والعيش في الزمن الصعب


22-4-1428
www.s h a w a t i.com
د. عبد الكريم بكار
بسم الله الرحمن الرحيم















الحمد الله رب العالمين,والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:







فقد كان هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ مكوناً من خمسة أجزاء,حيث تحدثت في الجزء الأول منها عن عصرنا:أوضاعة وملامحه,وتحدثت في الأجزاء الأربعة الباقية عن العيش فيه والصعوبات التي يواجهها المسلم الملتزم بالقيام بأمر الله-تعالى- في ظل ظروف وأوضاع كثيراً ما تكون غير مواتية.وقد تناولت في الأجزاء الأربعة ما يحتاجه العيش في زماننا الصعب من وعي عميق للواقع,وما يحتاجه هذا الواقع من تطوير وتحسين للأبعاد العقلية والنفسية والجسمية والاجتماعية,بالإضافة إلى تحسين إدارة شؤون العيش.
وقد اقترح علينا الكثير من الإخوة أن نجعل الأجزاء الخمسة في كتاب واحد,حيث إنه ليس من المألوف في (كتاب الجيب) أن يكون ذا أجزاء متعددة .وقد كانت هذه الملاحظة في محلها؛ولذا فقد تفق مع رأيي مع رأي الناشر الأستاذ محمد علي دولة على أن تخرج الطبعة الثانية للكتاب على النحو الذي بين يدي القارئ.
وإني أود أن أشكر كل أولئك الذين زكّوا هذا العمل وحثوا على قراءته.
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لما هو خير وأبقى.وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المؤلف:
أ.د.عبد الكريم بكار.






[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image011.gif[/IMG]



الفصل الأول:-
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image012.gif[/IMG]
إنمن عنوان هذا الباب,يثير لدى كثير من الناس سؤالاً كبيراً,هو: كيف يمكن القول:إن الناس في الأرض يعيـشون عصراً واحداً مع تباين معتقداتهم ونظمهم السياسية والاجتماعية,ومع الاختلاف الكبير في مستوى ما وصلوا إليه من التقدم التقني والحضاري عامة؟.
وهذا السؤال وجيه حقاً؛فقد كان الناس في القرون الغابرة,يعيشون في عوالم وعصور مختلفة؛فالعصور الوسطى-على سبيل المثال- تمثل حقبة زاهية بالنسبة إلى المسلمين؛لكنها بالنسبة إلى أوروبا,فقد كانت عصور الظلام وتخلف هائل.وقد كان ذلك هو الشيء الطبيعي,فصعوبة المواصلات والاتصالات,وقلة البعثات العلمية الجوالة بين الأمم,وقلة السلع التي يتبادلها التجار,وتقارب مستويات العيش بين الشعوب المختلفة
-كذلك التقارب الذي كان في الأسلحة وأدوات القتال- كل تلك العوامل ,وعوامل أخرى لم توفّر إمكانات جيدة,ولا مغريات قوية لجعل أمم الأرض تتزامن في أفكارها ونظمها وأساليب عيشهـــا....
لكن النصف الأخير من هذا القرن,قد شهد انقلاباً خطيراً في كل شيء, وكان أشد تطوراته خطورة
ما يسمى اليوم بثورة الاتصالات والمواصلات؛ حيث يشاهد الناس في أقصى المشرق الآن الحدثَ أثناء
وقوعه في أقصى المغرب,بل إن من المألوف اليوم أن يتلقف أهل مدينة في قُطْرٍ ما أخبار ما يحدث في
بعض أحياء مدينتهم عن وكالات أنباء,ومصادر معلوماتية,تبعد عنهم آلاف الأميال(1)[(1)أثناء حرب الخليج الثانية كان سكان الكويت يسألون أبناءهم في (أمريكا) عما يحدث داخل بلادهم!]
لا نعني بما نقوله أن البشر صاروا عجينة واحدة,مصبوبة في قالب واحد, فهذا غير ممكن لأنه مُنافٍ لسنّة الاختلاف التي بثها الله-تعالى- في هذا الكون:
)ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين(118) إلا من رحم ربك ولذالك خلقهم) [هود:118-119]
ولكن المقصود أن فكرة وجود عالم أول وثان وثالث التي هيمنت مدة طويلة في الزمن,لم تعد موجودة الآن ,فعلى الأرض اليوم عام واحد فقط؛وإطلاق كلمات مثل(العالم الإسلامي)و(العالم الغربي) لا يُراد منه سوى التمييز بين بقع وأماكن جغرافية وسوى الدلالة على تباين عَقَدي ومصلحي.
ولا نعني-بالطبع- بواحدية العالم أننا نعيش عصراً واحداً في النظم السياسية ومستويات العيش؛
حيث إن هناك تفاوتاً كبيراً في واقع الأمر بين بلد مثل الصومال أو أوغندا وبين بلد مثل فرنسا أو اليابان...
وإنما نعني أن هناك أفكاراً وقيماً وأساليب وآمالاً وطموحات تهيمن على معظم شعوب الأرض,ونفوذها
آخذة في الأتساع يوماً بعد يوم.
شعوب الأرض تنقسم اليوم إلى قسمين:قسم ينتج ويحقق كثيراً من مبادئ هذا الزمان في حياته
اليومية,وقسم يستهلك,ويتمنى أن يصبح عصريّاً,ويخطط لذلك.
إذا تسـاءلنا:هل هناك شعب في الأرض لا يرى في المؤسسات التعليمية والتربوية والمهنية والتقنية وسيلة,لا بديل عنها للتقدم في مدارج التحضّر؟؟
هل هناك شعب لا يتطلع إلى أن تتوفر له إمدادات المياه والكهرباء,وخطوط الهاتف,والطرق المعبَّدة,وقنوات الصرف الصحي,والخدمات البلدية المختلفة؟؟
هل هناك شعب لا يتطلع إلى أن يؤسس في حياته علاقات قائمة على نيل الحقوق وأداء الواجبات,إلى جانب بناء حياة تسودها الاستقامة الإدارية وتكافؤ الفرص ومحاصرة الفساد والرشوة والتَّسيُّب؟؟
هل هناك شعب لا يتطلع إلى تحقيق ولايته على نفسه عبر مؤسسات شعبيّة ,ورسمّية,تمثل حقوقه,وتنافح عن قضاياه, وتتحسس مشكلاته؟؟
هل هناك شعب لا يرنو إلى أن يساهم في الحضارة الحديثة بغزارة وكفاءة من خلال العطاء الثقافي والمادي, ومن خلال التفوّق والتقني؟
أعتقد أن الجواب على كل هذه الأسئلة وما شابهها هو(لا).
ولا يعني كل هذا بالطبع تساوي درجات التطلّع لدى أبناء الشعوب ولا تساوي درجات الوعي بهذه المطالب,لكن لا خلاف-فيما أظن- أن كل ما ذكرناه يعد مطالب ملخَّة لكل الأمم,ومعظم أفراد الناس,ومن نال حظا من ذلك طالب بالمزيد المزيد ؛لأن الحصول على شيءٍ من تلك المطالب هو نفسه الذي يحفز على العمل لنيل المزيد منها.
هذه المطالب الأممية, تستدعى درجة ما من التوحّد في عدد,لا يكاد يحصى من البنى الفكرية والنظم السياسية والإدارية والأساليب التنفيذية,مما يكسو الناس في هذه الزمان حلية(المعاصرة)في جوانب الحياة
المختلفة.هنا نصيـر إلى السؤال الثاني:عصرنا من يعيش العالم اليوم؟؟
لا ينبغي أن نختلف أن الدول والشعوب التي تنتج القيم المعاصرة,ونظم تحقيقها ووسائله هي الأمم التي تترك أقوى البصمات على العصر الذي نعيش فيه,من خلال ما تضعه من شروط ومواصفات للعيش والارتقاء الحضاري,ومن خلال الهيمنة الأدبية والمادية التي تمكنها من الحراك الولي والاستفادة من ضعف الضعفاء وجهل الجهلاء واحتراب الخصوم والأعداء....
في الحديث الصحيح""لتتبعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا حجر ضبٍّ تبعتموهم.قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟؟قال: فمن""؟.
إن السير خلف الآخرين خطوة خطوة, حتى لو دخلوا مداخل ضيقة ومهلكة,وعملوا أعمالاً لا خير فيها,ولا معنى لها-لم يتحقق في عصر من العصور كتحققه في هذا العصر.إن الحديث يشير إلى أمم تقود,وشعوب تتبع,والذي ينظر اليوم في نهم الشعوب الضعيفة إلى استيراد كل شيء من الدول التي تقود الحضارة؛ ما هو نافع وما هو ضار-على حدًّ سواء- يتأكد له دقة التشبيه بدخول جحر الضب!.
على مقدار ما تسهم الشعوب المقودة في أنتاج قيم ونظم وأدوات,تسهّل الحياة,وتحل المشكلات-تترك بصماتها على العصر الذي نعيش فيه,وتبلَّغ رسالتها ورؤيتها في الحياة0
إن من الثابت أن قدرة بني البشر على التمييز بين الجيد والرديء,ليست قوية,كما أن قدرتهم على مناقشة الأفكار وتمحيصها أيضاً محدودة؛ ولذا فإن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية مناسبة,ويتمكن من الوصول إلى الآخرين,سيجد له أنصاراً ومؤيدين وأتباعاً0
ومشكلة الأمم الضعيفة لا تقتصر اليوم على ضعف إنتاجها الحضاري,وإنما تتجاوز ذلك إلى معاناتها من العجز عن عرض ما لديها من قيم وخبرات ونظم, وتسويقه في بلاد الأمم المتقدمة المغرورة والمصابة بعقدة الأقوى والأكبر والأصلح000
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image013.gif[/IMG]
إن الذي يتأمل في الخلفيات الثقافية, والعوامل غير المرئية التي تشكَّل البنية الأعمق لتصوراتنا وسلوكاتنا-سيجد أن هناك تشابكاً ضخماً بين عدد,لا يكاد يحصى من أنواع المعطيات المكانية والزمانية,وأشكال التلاقي الأممي على الصعد المختلفة0 ولطالما رأت الأمم أنفسها وإنجازاتها في مرايا جيرانها وحلفائها ,كما رأتها في مرايا خصومها ومنافسيها؛بل إنه يمكن القول:
إن وعي الأمم بما لديها,يظل غير مكتمل,ما لم يتوفر لها كيانات مناوئة, تختلف عنها اختلافاً بيّناً, فتتمكن بذلك من المقارنة والموازنة والمحاكمة والنقد والمراجعة والتصحيح000
عند محاولة النظر في المرتكزات والأسس التي تشكل ملامح إحساسنا الحضاري,وتصوُّرنا عن التخلف والتقدم والنهوض-نجد أنها دائماً تتبلور عن طريق تداخلها مع ما يثمر الاتصال بـ (الغرب) با اعتباره(الآخر) بالنسبة إلينا؛فالمسلمون لا يأبهون كثيراً لما يقع في الصين أو اليابان أو روسيا,ولا لما يتم إنجازه هناك,باعتبار أن تلك الأمم –مهما كانت مغايرة لنا- تمثّل بالنسبة إلينا كيانات مغايرة أكثر من أن تكون منافسة,على حين يرون في أوروبا الغربية وحفيداتها من نحو أمريكا وكندا وأستراليا جهات مضادة ومناقضة0
في القرن السابع الميلادي كان يطفو على السطح تشاحن وخلاف بين النصارى حول طبيعة المسيح,وحول صلة اليهودية بالنصرانية,وعلاقة العقل بالإيمان,والفرد بالكنيسة000 آنذاك بزغ فجر الإسلام؛ ليقدم رؤية شاملة للكون والحياة,وليكشف زيف الأوهام والظنون لدى الملل والنحل المختلفة؛لاسيما النصرانية واليهودية0وخلال قرن من الزمان تمددت رقعة الإسلام الفكرية والجغرافية في مناطق,كانت تعدُّ معاقل أساسية للنصرانية,وكان ذلك يمثَّل نقطة الاحتكاك الأولى بين الإسلام والنصرانية,الأول يصعد ويتقدّم ويبني, والثانية تتراجع,وتخسر أرضاً,كانت تعدّها مكاسب ثابتة0
في القرنين السادس والسابع الهجريتين- الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين-تعاظم الاحتكاك والالتقاء بين الإسلام والنصرانية عبر محورين أساسيين:الأول هو المحور الفكري,حيث تأثر الأوروبيون تأثراً بالغاً بالفكر الحضاري الإسلامي عبر تعلَُم العربية0 وعبر الترجمات من العربية إلى اللاتينية على الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض خاصة في أسبانيا وجنوب إيطاليا وصقلية000
أما المحور الثاني:فقد كان يتمثل في الحروب الصليبية التي بدأت قبل نهاية القرن الخامس,ولم تنتهِ إلا قُبيل انتهاء القرن السابع الهجري عندما تمَّ تصفية النفوذ الصليبي في الشام0
كان يصاحب النصر العسكري الإسلامي نوع من الانبهار الغربي بالحضارة الإسلامية وتفوقها في المجالات التنظيمية والمدنية والصناعية000
بعد القرن السابع الهجري-الرابع عشر الميلادي- أخذ نجم العالم الإسلامي في الأفول,واخذ نجم أوروبا في السطوع,حيث ابتلي المسلمون بخبو نار الاجتهاد إلى جانب ضعف الالتزام,والتفكك السياسي, وانتشار الجهل والفقر واجترار الذات,والتباس سبل النجاة والارتقاء000
أما الغرب فقد بدأ يستفيد مما أخذه من المسلمين,وأضاف إليه الكثير من الإبداع والاختراع والاكتشاف00
وظل كل الفريقين مشغولاً بذاته وهمومه إلى أن جاء القرن التاسع عشر,وبدأت حركة الاستعمار الحديثة,وحصل الالتقاء الأخير الذي ما زال يتعمق ويمتدد في أبعاد جديدة إلى يومنا هذا00
ويلاحظ أن مسار المسلمين ومسار الغربيين يشكلان خطين متداخلين على التبادل؛فحين يكون المسلمون في القمة ,يكون الغربيون في القاع0 وإذا كان الغربيون في القمة كان المسلمون في القاعدة0 عندما يكون المسلمون في طور الأستاذية,يكون الغربيون في طور التلمذة0 وعندما يكون الغربيون في طور الأستاذية ,يكون المسلمون في طور التلمذة000
من المهم لفهم العصر الذي يعيشه المسلم اليوم أن نعرف الصور المتبادلة بينا وبين الغرب:ما هي الصور المنطبعة في ذهن الغربيين عن المسلمين,وما هي الصور المنطبعة في ذهن المسلمين عن الغربيين؛لأن تلك الصور,هي التي تحدد المواقف,وتغذي التوجهات الفكرية والتجديدات السلوكية لدى الطرفين؛
ولا سيما الطرف المسلم0
أما صورة الإسلام في ذهن الغربيين فهي صورة غامضة,يكتنفها الكثير من الجهل والتشويش؛فعلى الرغم من الحروب الدامية الني شنّها الغرب على المسلمين في المنطقة العربية من آسيا,وفي الهند والبلقان وافريقية,
وعلى الرغم من كل العلوم والمعارف الإسلامية التي كان قد نقلها إليه من قبل إلا أنه لم يكن يحفل أبداً بمعرفة كنه الإسلام وجوهره- للأوضاع الفردية طبعاً شأن خاص- وكان المأمول من وراء حركة الاستشراق الهائلة أن يتوفر
لغرب معرفة أفضل بالإسلام0
إلا أن الواقع هو أن قلة قليلة من المستشرقين استطاعت النفاذ إلى أعماق الموضوعات التي عالجوها وإقامة دراسات أصلية وافية حولها عبر منهجية منطقية,مدركة لخفايا تلك الموضوعات ومشكلاتها0 وإن النظر في ترجمات القرآن الكريم إلى لغات أوروبا المختلفة,يوقفنا على مدى ضحالة استيعابهم للطرح الفكري الحضاري للإسلام في الجوانب والمجالات المختلفة0
أما العامة وأشبه العامة في الغرب, فإن اعتقادهم بهامشية الشعوب النامية –والإسلامية خاصة- وألاّ فائدة تُرتجى من وراء معرفة أحوالها- أدى إلى جهل عريض بجغرافية العالم الإسلامي وتاريخه ودينه ومجمل شؤونه, مما هيّأهم على نحو فريد للوقوع فريسة سهلة في شباك رغبات كتّاب وصنّاع الروايات والأفلام ووسائل الإعلام ,التي رسمت صورة قاتمة للشرق عامة,فالشرقي ذو نزوات مفاجئة غير مألوفة,كما أنه أسير الغضب الأعمى , فظ غليظ قاسٍ,وهو قبل ذلك سادر في الملذات,أسير الشهوات, معربد بين القيان والحسان والألحان والكؤوس والندمان!!!
الشرق موطن ***** والخرافات والأوهام,وظلام المعابد,وتعاويذ الكهّان0 وهو موطن النسل الوفير والكوارث الطبيعية من الفيضانات والزلازل التي تحصد الألوف0 وهو لا يعرف حرية الأفراد,بل الظلم والجَوْر و أكل الحقوق0 والبلدان الشرقية التي أحرزت بعض التقدم التقني,أحرزته بأموال الغرب ومنهجية الغرب وتقنية الغرب000
ويحظي العالم الإسلامي بنوع من الخصوصية في الصور الذهنية المنطبعة
عند لدى الغربيين؛فهو إلى جانب كل ما ذكرناه عن الشرقيين, عالم دموي متطرف إرهابي أصولي00 0 وحين سقط المعسكر الشيوعي,صار الغرب ينظر إلى العالم الإسلامي على أنه العدو القادم الذي ينبغي أن تُرصد تحركاته وأوضاعه0 وكلما أحرز المسلمون نوعاً من التقدم في اتجاه التمسك بالإسلام, ازداد الخوف الغرب من العالم الإسلامي0 والمتأمل ير أن (الإسلام الأصولي) صار يحتل القمة فيما يشغل الإعلام العالمي,وصار جنرالات حلف الناتو, يضعون في حسبانهم أن أكثر المواجهات العسكرية احتمالاً,لن تكون بين الشرق والغرب,وإنما بين الشمال والجنوب الذي يشغل المسلمون منه حيزاً مهماً0
إن الذي يغذّي هذه الصور,ويعيد تلميعها, هو رواسب الحروب الصليبية, وتنافر المصالح الكونية بين أغنياء الشمال وفقراء الجنوب,والتشويه الإعلامي المتعمد الذي تقف وراءه وسائل الإعلام الصهيونية والعنصرية,بالإضافة إلى سوء أحوال المسلمين في كثير من المجالات,وشناعة الأعمال غير المسئولة التي تقوم بها فئات وجماعات ودول وأحزاب من التعذيب والقتل والاحتراب الداخلي ,والخروج عن القانون,وانتهاك الحرمات,وأكل الحقوق000
أضف إلى كل ذلك أن الغرب لا يستطيع أن يهضم,ويتفهم وضعية لا ينفصل فيها الدين عن الدولة,كما لا يستطيع أن يستوعب منطقية دين تغطي أحطامه كل حياة البشر, وغي جميع لأطوارها؛ فهو دائماً يفهم الدين على أنه شأن شخصي,وعلاقة خاصة بين العبد وربه؛ وهو بذلك ينطلق في نظرته للدين والتدين من خلال معرفته بالنصرانية,وبالكنيسة التي أجْلَتها العلمانية عن كل
مواقعها,وحوَّلتها إلى مؤسسة تعني بالخدمات الاجتماعية!!
ولو أن الأمر اقتصر على ذلك لهان الخطب,لكن الكنيسة قد أصبحت تضفي المشروعية على بعض الأعمال والتصرفات التي لا يمكن لأي دين سماوي أن يقبل بها0 وعلى سبيل المثال فإن الكنيسة الإنكليزية,قد أجازت عقد القران بين الرجال,وكانت الكنيسة الأمريكية أدخلت من قبل إلى أروقتها الرقص والموسيقى والغناء000 لذا فإن مقاييس الغرب للتدين,تدفعه نحو اعتبار كل مسلم-مهما كانت درجة التزامه-أصولياً!
لست أعتقد أن بإمكاننا أن نغيَّر الصورة القاتمة التي يحملها المواطن الغربي عن الإسلام والمسلمين.ما لم يتغير واقعنا,ونردم جزءاً من الهوة التي تفصلنا عن المضامين الأخلاقية والحضارية التي نؤمن ونعتزبها0
أما صورة الغرب في ذهنيّة المسلم فهي –بالطبع- ليست صورة واحدة0 ويمكن القول:إن بعض المسلمين يغلب على حسّه احتقار كل ما ينتمي إلى الحضارة الغربية,إلى جانب الاعتقاد بأن العالم الغربي يتآمر على المسلمين, وهو أكبر مصدر لشقائهم وتخلفهم000
لكن الشريحة العظمى من المسلمين ترى في الغرب نموذج التقدم والنهضة والحداثة والتغير الاجتماعي,كما أنه مهد العلم والاكتشاف والتطور الصناعي والتقني,إلى جانب أنه يقدم نموذجاً على الصعيد الإنساني,تُراعي فيه الحقوق,وتُحفظ فيه كرامة الإنسان,كما أنه نجح في تأسيس قوانين وأعراف تؤمن سهولة التداول للسلطة سلمياً000
وهذه الانطباعات تتعمق في أذهان المسلمين كل يوم,ولاسيما في البلدان التي يشعر فيها الناس بسوء الأحوال وانسداد الآفاق0لايعني هذا أن هذه الشريحة لا تنتقد الإباحية وتفكك الأسرة والنزعة المادية المبالغ فيها لدى الغرب؛فهذه الأمور وغيرها موضع نقد بالغ,لكن يغض الطَّرْف عنها في كثير من الأحيان انشغالاً بالإيجابيات التي تتناقلها وسائل الإعلام عن وكالات الأنباء الغربية0
بعض المثقفين في بلاد المسلمين,يحاولون على نحو مستمر تكوين الصور السابقة وتجديدها عبر طموحات ومقولات ومحكَّات عديدة0بداية الخطأ-على المستوى الفكري والمعرفي- تنبع من النظر إلى تأزم الواقع الإسلامي على أنه صدى لتأزم الفكر الإسلامي,والثقافة الإسلامية,مع غض الطرف عن العلاقة الجدلية بينهما,وعن أن الصحيح أن تأزم الفكر كثيراً ما يكون ناتجاً عن تدهور الواقع المعيش,وعجز عن حفز الفكر, كي يجدد بنيته ومقولاته,وطرق عمله0
وحين أُغلق باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري,لم يتم إغلاقه بقرار من أي جهة,وإنما أغلق لأن المجتمع لم يعد بحاجة إليه؛فما كان متوفراً لديه من فكر ومعرفة لم يكن كافياً لتيسير دفة الحياة,والإجابة على تساؤلاتها فحسب,بل كان فائضاً عن الحاجة!
وواضح اليوم أن المزيد من طرح الأفكار والمزيد من النقد للعقل العربي والثقافة التقليدية,لا يصحبه تقدم حقيقي ,وإنما المزيد من الشكوى من تدهور الأوضاع والأحوال0 وأكثر الذين يحملون رايات الاحتجاج,هم من
الفئة الأكثر اعتزازاً بالحضارة الغربية,والأكثر إلحاحاً على ضرورة تقليدها0
هذا الخطأ الأولي جعل كثيراً من مثقفينا, يبحث عن مخلَّص من الأزمة الحضارية التي نعاني منها,ووجد أن النموذج الذي يصلح لأن يكون مرجعاً في شؤون الحضارة,ينبغي أن يكون(مطلقاً) حتى يصبح محوراً ومقياساً,وقد وجدوا أن (العقل الثقافي) الغربي هو ذلك المطلق المنشود,وكل ما فيه ثوابت مطلقات0
وهم بذلك يحوَّلون عدداً ضخماً من الأفكار والمفاهيم والنظم إلى مفردات (أيدلوجية),وفي ذلك خيانة واضحة لدستور العقلانية,وميثاق العقل نفسه0 وهم في سبيل النجاح في عملهم ذاك,يبرزون أموراً في شأن المنافس الغربي,ويغيّبون أموراً أخرى:فالحاضر منه لأطروحاتهم هو الوجه(العاقل),والغالب منه هو الوجه(المنفعل)؛الحاضر هو الوجه(الفيلسوف),والغائب هو الوجه (المتأدلج)؛الحاضر هو المعيارية الثابتة عبر التاريخ,والغائب هو الذرائعية المتبدّلة عبر اقتضاءات المصلحة؛الحاضر والمقبول منه هو(الآخر الاستراتيجي),والغائب المسكوت عنه هو(الآخر التكتيكي)0
يتجاهل كثير من مثقفينا المنهمكين في جرَّنا إلى التماهي مع النموذج الحضاري الغربي-أن بزوغ كثير من النظريات المعرفية والاجتماعية والسياسية في الغرب- كان مقترناً بدخول الغرب في طور التوسع الاقتصادي والجغرافي,وغزو القارات,والاستيلاء على كل مكان(خالٍ من حضارة)ولا يمكن لكل ذلك أن يكون وليد المصادفة0
ولما كان غزو الدول الأخرى ونهب خيراتها,يتناقض مع قيم الحرية والديمقراطية,ومجمل القيم التي بُنيت عليها فكرة الرقي البشري-فإن الغرب كان بحاجةٍ إلى تسويغٍ لأعماله تلك,وانبثق عن تلك الحاجة نزعة عميقة,تقول بتفاضلية الثقافات والمجتمعات والحضارات والأديان,وآلت تلك المقولة إلى نظرية(العقليات)التي ظلّت وكأنها القول الفصل إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية,وأصبح من المسلَّم به أن البشرية في تطورها التاريخي ومسيرتها الكونية نحو الحضارة,أصناف وأقسام متباعدة,وأن الحضارة الغربية تمثل خلاصة التطور الكوني المطلق,بيد أن المجموعات الأخرى,ما تزال(بدائية)تعيش طور التوحش والهمجية وشتى أوجه الانحلال والجهل والفقر والبؤس والتخلف000
لا أريد هنا أن أصوَّر الغرب على أنه مجموعة من الشرور,وأن جميع قيمه بالية,لا حاجة لأحد من الناس في شيء منها؛فهذا مخالف للواقع,ومخالف لخُلُق الإنصاف الذي أُمرنا له؛ولكني أود أن نفهم الأمور على ما هي عليه مفرَّقين بين الوجه والقناع,والقول والفعل0كما أود ألا يؤدي الوعي بالآخر إلى احتقار الذات,والصيرورة إلى العدمية والتشاؤمية000وإنما إلى تقديم ما لدينا,واكتشاف إيجابياته وسلبياته,والاستفادة من التجربة الحضارية العالمية,دون تجاهل للخصوصيات,ودون خلط بين التجديد الحضاري والتبعية للآخرين000
إننا نؤمن بتلاقي الحضارات وتلاقح الثقافات,ووجود مساحات واسعة للتعاون العالمي,كما نؤمن بالتسامح مع المخالفين,ولكن بشرط ألا يقابل تسامحنا بإنكار المخالف بحق الاختلاف والنَّدَّية الاعتبارية,والإصرار على الابتزاز الثقافي؛وإلا فإن الموقف اللائق بنا آنذاك هو رفض الاحتواء والتبعية,وليس الانفتاح والتسامح0
إن عالمية رسالة الإسلام,لا تستوي على سوقها إلا من خلال استهدافنا لهداية العالم كله:قريبه وبعيده,حليفه ومنافسه0وهذا الاستهداف يستدعي كياسة في التعامل,وفهماً عميقاً للآخر0 وإن منهجنا الإصلاحي الكوني,لا يتأيى له النضج والمناهزة المستمرة للاكتمال من غير تلقَّي ما لدى الآخرين بعقل مفتوح وإرادة صلبة وعزم أكيد على الاستفادة مما لديهم في تصحيح الأخطاء وسد الثغرات وتلافي أشكال القصور الذاتي000
ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن في الدول غير الإسلامية مئات المسلمين الذين يشكَّلون أقليات في تلك الدول,ولا بد من مراعاة مصالحهم عند كل حركة مد أو جزر,تتعرض لها علاقاتنا مع تلك الدول0
الغرب غرب,والشرق شرق,ولا يمكن لهما أن يصبحا شيئاً واحداً,ولكن سيكون بإمكان كل واحد منهما أن يستفيد من الآخر إذا ما راعى كل منهما حقوق الطرق الآخر,وخصوصيته الحضارية,وأخذها بعين الاعتبار في حالات التعاون وفي حالات التنافس والعداء؛وسنظل نأمل بحصول شيء من ذلك,مهما كانت المعطيات السائدة باعثة على التشاؤم0

____

الفصــــــــل الثاني :-
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image014.gif[/IMG]


إنَّ من فهم العصر الذي نعيش فيه,هو الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها نحو التمكن من العيش فيه على نحو مقبول وفعّال0ليس فهم زماننا وواقعنا بالأمر اليسير؛فالواقع المعيش أشبه بما سماه الفلاسفة بـ(الهيولى) وهو أحياناً أشبه بـ(الزئبق) فهو يطاوعك إلى أقصى حد,لكنه يتأبى على التشكيل والقولبة,فتكون مطاوعته الشديدة خادعة0
وهكذا شأننا مع الأحداث الجارية في عصرنا,فعلى حين يدّعي معظم الناس أنهم فاهمون لكل ما يجري ومستوعبون,يأتي من يقول:إن الناس غير دارين بشيء؛وما يقال ويعلن يعطي انطباعاً مغايراً تماماً لما يجري في حقيقة الأمر0
سبب الصعوبة البالغة في فهم الواقع العام,والعصر-على نحو أعقد-أن الناس أينما كانوا لا يستطيعون فهم الواقع إلا عبر (إشكالية) أو بنية معرفية فكرية مكونة من ثلاثة عناصر أساسية,هي:معتقداتهم وقيمهم,ومركَّبهم العقلي,والمعلومات المتعلقة بالشيء أو الحدث الذي يحاولون فهمه.
عقائد الناس وقيمهم,بينهما درجة ما من التفاوت والتباين؛حتى إن أبناء الملة الواحدة حين ينظرون إلى عمل ما من زاوية عَقَدية,لا يرونه على درجة واحد ة من الوضوح؛كما أن سلَّم القيم والأولويات ليس ذا ترتيب واحد بينهم,ومركَّباتهم العقلية أو المبادئ الثقافية والمعرفية التي ينظرون من خلالها إلى الأشياء,ليست هي الأخرى موحَّدة؛فعلى حين ينظر بعضهم بعيونالتفاؤل وحُسن النية,ينظر آخرون بعيون الريبة والتشاؤم.وعلى حين يتمتع بعضهم برحابة الأفق والفهم العميق,يتناول بعضهم الآخر الأمور من زاوية ضيقة,ويستخدم أدوات معرفية مبسَّطة الفهم000
المعلومات بالقضية موضع الاستبصار متفاوتة تفاوتاً كبيراً بين أهل بلد وأهل بلد آخر,وبين شخص وشخص آخر؛فالفارق ضخم بين معلومات المباشرين لأمر,ومعلومات الذين درسوا حوله,ومعلومات الذين سمعوابه000
هذا التفاوت بين عناصر البنية التي ندرك من خلالها الواقع,يؤدي في الحقيقة إلى تشابك ألوف الخيوط والمعطيات والاعتبارات التي تستدعي في النهاية ما لا يحصى من الفهوم والرؤى وزوايا النظر والمواقف وأشكال الاستجابة0وهذا كله يجعل فهمنا لعصرنا وواقعنا بالتالي نسبياً0وكثيراً ما نجد أنفسنا حيال فهم مسألة من مسائله كمن يدور داخل دوامة ,فقدت محورها!
إن كل أشكال القراءة للنصوص الشعرية والفلسفية,يمكن أن تُستخدمَ في قراءة الواقع,وربما استطعنا أن نميّز منها ثلاثة أشكال أساسية,هي:القراءة المزيفة,والقراءة العادية,والقراءة الناقدة المتعمقة,وكل واحدة من هذه القراءات درجات عدة0وإن كل ما سنذكره في هذا الكتاب,لا يعدو أن يكون نوعاً من المقاربة,وتوضيح بعض الملامح والأوضاع,ليس أكثر0
حين نريد فهم قضية بالغة التعقيد؛ فإن مما يعيننا على ذلك,تفتيت تلك القضية إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء؛وكلما نجحنا في تفتيتها أكثر,كان ذلك أعون لنا على فهم أعمق لها0إذا أردنا-على سبيل المثال- فهم ظاهرة (الفقر)وجب أن نعرَّف الفقر,ونحدد مرادنا من وراء إطلاق هذه الكلمة,وأننحدد زمان هذه الظاهرة ومكانها,ونبحث بعد ذلك في جذور الفقر العميقة وأسبابه المباشرة والغير مباشرة,والجهات المسؤولة عن وجوده000
ورغم كل هذه التجزئة,فإن فهمنا لهذه الظاهرة,هو فهم مناهز,يروم ولا يصل ,ولا يقترب,ولا يُمسك!
لا ينبغي أن نهمل في هذا الشأن قضية مهمة,هي علاقات القضية التي نحاول فهمها,ففي زمان شديد التعقيد كزماننا, يصبح ما تستفيده أية قضية من علاقتها بالقضايا الأخرى بمثابة طبيعة ثانية لها0من العسير جداً أن نفهم ظاهرة كظاهرة الفقر دون فهم تاريخ البلد الذي توطنت فيه الظاهرة,وجغرافيه وموارده الاقتصادية,والعادات الاجتماعية السائدة فيه,وطبيعة النظام السياسي الذي يحكمه,وفعاليّة نظامه القيمي في توجيه السلوك,ومدى سيادة القانون والنظم فيه00
إني لا أطمح إلى الفهم النهائي,ولا الإفهام الكامل,لكن كل ما أرجوه هو ألا أعطي انطباعات خاطئة عن المسائل التي سأتطرق إليها؛ومن الله الحَوْل والطَّوْل0
أولاً_من التفاؤل إلى العـدميـة:
حين ينسى الإنسان خالقه,وبداية وجوده,وضعفه الشديد أمام عوادي الزمان-فإنه يصبح من اليسير عليه أن يغرق في شبر من قوة,وأن يسير خلف أوهام المكتشفات العلمية,والمخترعات والصناعات,وأن يفسّر من خلالها كل مسائل الحياة,حتى مسألة الروح وبداية الخلق! وحين يغادر الإنسان كل
الأطر الثابتة,فإنه سيكون عاجزاً عن الإمساك بالكليات الكبرى التي تحدد له
مساره,وتؤسس له علاقته بما حوله؛وذلك لأنه المحك المرجعي آنذاك,سيكون عبارة عن بنية فكرية-كونية,ما فتئت تتغير,وتتشكل وفق هيكل الحقيقة الذي تطرأ عليه تغيرات مستمرة,من جراء البحوث والكشوف والدراسات الجديدة,وبهذا لا تكون ثمّة أصول يتحاكم إليها,وإنما بُنيات فكرية ومعرفية انتقائية وتاريخية متغيرة,وُلِدت في بيئات ذات خصوصيات ثقافية معينة0
ومن العجب أن يأمل الملحدون وأشباههم في أن تستطيع تلك البنيات تقديم تفسير شامل للكون والحياة,وتقديم أطر ومرتكزات صالحة لتقنين العلاقات بين البشر,وتحديد المطالب الأساسية للحياة والأحياء!!0وذاك خطأ –لا ريب فيه- في المنطلق الأساسي الذي وضعه الغرب في هذا الشأن0
يقول(توماس كون): ""القرن العشرون الذي يوشك أن يأفل,هو بمعنى من المعاني الوجه المقابل للقرن التاسع عشر,على نحو يؤذن بعالم جديد تماماً في فكر وفلسفة إنسان القرن الحادي والعشرين: كان القرن التاسع عشر قرن العقل و اليقين,وأما العشرون,فهو قرت الشك ةالاحتمال0وكان القرن التاسع عشر قرن الإيمان بالنظريات والمذاهب,وواحدية النظرية أو المذهب0أما القرن العشرون فهو قرن التمرد والثورة والتعددية0و كان القرن التاسع عشر قرن الثقة في الاستقرار وانتصار الإنسان0 أما القرن العشرون فهو قرن الأزمات والصدمات0كان القرن التاسع عشر قرن الذات-الجوهر الفاعلة المتعالية على السياق والتاريخ00أما القرن العشرون ,فهو قرن الذات –الموضوع رهن السياق ووليد التاريخ00أهلَّ القرن العشرون بأزمة عصفت بكل دعائم الثقة,وبكل أركان اليقين ,وبكل مبررات استقلال الذات أو الموضوع,وثار العقل على نفسه في سياق من الأحداث الاجتماعية المأساوية,وبقوة دفع التطورات والإنجازات العلمية الطبيعية منها والإنسانية0 وتغيرت مقومات الفكر,بل أسس الثقافة ذاتها000أثبتت نظرية(النسبية)أن أساس العلوم المضبوطة الذي كان يعتبر أمراً بدهياَ يمكن أن يتغير, بعد أن أحاطت الشكوك بجوهر الفيزياء الكلاسيكية""
ربطت نظريات القرن التاسع عشر الخاصة بالتقدم بين شرور البشر وبين حالة التخلف والتطور الاجتماعي؛وحين وقعت الحرب العالمية الأولى والحرب الثانية,وألقيت القنابل الذرية على البشر في اليابان,وارتُكِبَت أبشع الفظائع تجاه الضعفاء والنساء والشيوخ-نشأ إحساس قوي بأن التطور الاقتصادي,وانتشار التعليم,واغتناء الثقافات,أمور غير كافية للحدَّ من الجرائم والتدهور الخلقي،وصار هناك من يتساءل:ما جدوى ما ندعيه من التقدم التاريخي إذن؟!
التفاؤل المبالغ فيه الذي كان يعم الغرب في القرن التاسع عشر,نشأ من أن الغرب,لم يكن يعرف محدودية(العلم) الذي علَّق عليه كل آماله؛وقد كان العلم آنذاك في أوله,ولم يكن بالإمكان معرفة تلك المحدودية إلا بعد أن يبلغ العلم مداه,أو يكاد0 وحين وصل العلماء إلى طريق مسدود ببحث كثير من المسائل,ساد في الأوساط العلمية شعور بأن التفاؤل المفرط,هو أول خطوة في طريق التشاؤم والعبث,وانقطاع الرجـاء000
بعد التفاؤل المفرط بإمكانية سيطرة الإنسان على الطبيعة,حل الشعور بالتفاهة والانحسار؛وقد عبَّر(الوجوديون)عن الحالة التي صار إليها الوجود الإنساني بأنها:عدم وموت وحصر وهمّ وضيق,وضياع للفرد في للجماعة,وثرثرة وغثيان وفراغ وعبث000والإنسان على حد تعبير( كامـو): تناقض وسخف,ولا معقول,بلا غاية أو هدف,ومصيره الانتحار!0
والوجود الإنساني عند(ميرلو بونتي) و (مارسل):جسم ,والنفس أحد أبعاده0 ومنذ(كير كجادو) الوجود الإنساني تناقض وفضيحة وعار؛حتى انتهى كثير من الفلسفات الوجودية إلى البعث واللامعقول,على عكس ما كان عليه الوعي الأوروبي في البداية عندما كان يتسم بالعقل والهدف والغاية والحرية والتقدم والوضوح والاتساق0
إن عالمنا الإسلامي لم ولن يستطيع أن يلفت من روح التشاؤم التي ولدت في بلاد الغرب,وأخذت تنسل في كل شبر في الأرض؛ونظرة واحدة في معظم الواوين الشعرية الحديثة,وفي الكتابات الحضارية عامة,بل في أحاديث مجالس السمر لدى العامة والخاصة-كافية لتأكيد أن الناس يشعرون أن أفضل أيام البشرية,قد ولى,وأن صنوفاً من الآلام والإخفاقات الهائلة,تنتظر الأجيال القادمة0
إن إعراض البشرية عن هدي الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- قد جعل التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة,والانحلال الخلقي وإدمان المخدرات وفشو الرشوة,والنهب المنظم,والتزوير والغش000
وإن الذين سيتفاءلون مع انتشار هذه الأوبئة لن يكونوا موضوعيين,وإنما سيكونون كمن اختار أن يغني بين القبور!0
النصوص التي تدل على حدوث انهيارات إيمانية وخلقية واجتماعية في آخر الزمان كثيرة,لكن هناك أيضاً نصوص تدلّ على أن هناك ضمن سياق التراجع حركة مدّ وزجر, وكثيراً من مضات الخير وإشراقات الصلاح؛ هذا بالإضافة إلى أن المسلم مكلَّف دائماً أن يفعل كل ما يستطيع, وأن يقدم أفضل ما لديه,مهما كان الوسط الذي يعيش فيه سيئاً وميؤوساً منه,والمسلمون الملتزمون يعرفون إلى هذه اللحظة طريق العودة,ويعرفون كيف يبعثون في الحياة الأمل والرجاء من جديد,لكن لابد لذلك من شيء من التضحية,ودفع الثمن الذي يجب أن يدفعه كل من يسبح ضد التيار,ويحاول إنقاذ سفينة مشرفة على الغرق؛ وكل الأثمان الباهظة ستكون قليلة حين يكون العوض الطمأنينة في الدنيا, والنجاة في الآخرة!
ثانياً_ضياع الهدف النهائي:
تجمع الديانات والرسالات السماوية على تحديد هدف نهائي واحد لهذه الحياة هو:الفوز برضوان الله-عزَّ و جلَّ-وما يترتب على ذلك من النعيم المقيم في جنات الخلد0 وجود هذا الهدف لم يحفز الهمم على العمل فحسب,وإنما أسبغ نوعاً من التوحد والمنطقية على مناشط الحياة كلها،وجعلها معقولة ومفهومة0
ميزة هذا الهدف للحياة أن الأهداف الأخرى جميعها,تصبح وسائل بالنسبة إليه؛مما يوجد ارتباطاً فريداً بين مجموعة الأهداف المختلفة0سيطرة هذا الهدف على حس الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم وحساباتهم كان باستمرار يشكل مخرجاً حيث لا مخرج,وحلاً حيث لا حل؛فهدف على هذا المستوى,يُضحَّي بالحياة كلها من أجله,وهذا ما يفعله في الحقيقة الشهيد والملتزم التزاماً صارماً0الشهيد والملتزم,هما أعظم الناس نفعاً للبشرية؛لأنهما يعطيان للحياة,ولا يسحبان من رصيدها,وإنما يسحبان من رصيد آخر,هو رصيد الآخرة,مما يخفف من كثير من الأزمات في زمان تتجه الأشياء كلها نحو(الندرة) وفي زمان لم يصبح فيه شيء بدون ثمن0
وجود هدف يسمو على مطالب الحياة الدنيا,قد أعطى للإنسان طاقة هائلة في مواجهة الصعاب,وتحمُّل لأواء الحياة,فحين تنسد السبل,وتنقطع حبال الرجاء؛يجد المسلم في معونة الله-تعالى-والأمل في تفريجه,ونيل المثوبة منه,ما يفتح أمامه أبواباً جديدة,فيتجاوز كل أسباب الألم والضيق؛إذ يتصل بمسبَّب الأسباب-جلَّ و علا-وهذا هو السر في الظاهرة العالمية المشهورة؛ظاهرة أن المسلم لا ينتحر!أما الآخرون فإنهم ينتحرون لأسباب تافهة(1)[(1) ذكرت وكالات الأنباء أن أمرأة إنكليزية,انتحرت؛لأن كلبها أصيب بمرض عضال,فلم تطق رؤيته يتألم!0
وفي أيامنا هذه شنق كوري نفسه لأنه خسر دراجته النارية في رهان فوز أحد فرقاء كرة القدم في فرنسا!0],مع أنهم اخترعوا في وسائل السلامة والمرفهات أشياء كثيرة,لا تخلو من المبالغة والاحتياط الشديد!0
ما حالُ البشرية اليوم,وما مدى إحساس الناس بهدف الأهداف,والغاية الكبرى من الوجود على هذه البسيطة؟0
يمكن أن نقسم الناس تجاه هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام:قسم فقد الاتجاه نحو الغاية,وفقد من قبل الغاية نفسها0
قسم يعرف الغاية,ويقوم ببعض الأعمال التي قد توصل إليها,لكنها ليست حاضرة دائماً في شعوره وبرامج عمله,واعتباراته المختلفة0
قسم ثالث يتخذ من الانسجام مع الغاية الكبرى مؤشراً على صحة ما هو فيه,ويعد العمل على الوصول إليها ذا أولوية مطلقة في كل ما يأتي ويذر,وإلى القسمين الأخيرين ينتمي كل من هو داخل حظيرة الإسلام0
إن النَّفَس العام لواقعنا الحاضر,هو نَفَس مادي مصلحي نفعي,وإن الإحساس بالهدف من هذا الوجود,معدوم لدى السواد الأعظم من صنَّاع الحضارة التي تظلل عصرنا0وإذا تساءلنا عن السبب في ذلك فإننا سنجد أسباباً عديدة ,وأهمها سببان:
1.الأول منهما أن انحرافات الكنيسة,ووقوعها ضد مصالح الطبقات الفقيرة إلى جانب وقوعها ضد حركة البحث العلمي في الغرب,بالإضافة إلى فساد رجالها الخلقي والسلوكي؛قد ولَّد عداءً مستحكماً بين قادة الفكر والتنوير والقوى الاجتماعية الجديدة وبين الكنيسة,وكل ما يتصل بها من إيمان بالله والبعث والجزاء والحساب000
حتى قال (فو رباخ):""إن الدين هو إضاعة الإنسان لجوهره؛فالدين يقذف بهذا الجوهر في (كائن إلهي) خارج عن ذاته,وهو محض من إنتاج ضميره""!!0
2.السبب المهم الثاني هو الانتصارات التي حققها العلم في القرون الثلاثة الماضية في كافة مجالات الحياة,والتي أدخلت الوهم على الوعي الغربي,حيث ساد اعتقاد بأن العلم قادر على حلّ كل الإشكالات,ورسم كل خطوط السير في كل شؤون البشرية,ومن ثم فإن (الإيمان) قد فقد مجالاته ووظائفه,وقد آن أن يذهب إلى غير رجعة,وصارت المعادلة:إما أن تكون مؤمناً غير عالم,وإما أن تكون عالماً غير مؤمن!0
إن الحداثة الغربية,تتعرض اليوم لمراجعة من لدن مفكرين كبار بغية إعادة التوازن إليها,وإيجاد علاقة جديدة بين العلم والإيمان؛حتى إن بعضهم يذهب إلى أن (العصر الوضعي) قد ولّى,وأصبح خَلْفَنا لا أمامنا,وأننا الآن على عتبة عصر جديد,هو عصر ما بعد الحداثة, وهو عصر أقرب إلى الإيمان منه إلى الإلحاد0
ويمكن القول:إن بعض علماء الغرب المشتغلين في مجالات العلوم الطبيعية خاصة-قد بدؤوا حقاً يدركون أن أخطاء الكنيسة الفادحة,قد قوبلت بردود فعل غير متزنة من قبل الفلاسفة والأدباء والعلماء الغربيين عامة؛مما يقضي من كلا الفريقين-الكنيسة وخصومها- أن يخطوا خطوات إلى الوراء0
بدأ بعض علماء الغرب يشعرون بالتفاوت بين العلم والإيمان,أو بين العلم والوحي على مستويين:مستوى الطبيعة والمنهج,ومستوى الهدف؛فهما لا يتموضعان على مستوى واحد؛ولذا فلا ينبغي إقامة صراع بينهما0
يقول(بيير كارلي): يستخدم العلم أداة محددة,هي العقل والمنهجية الرياضية من أجل وصف الظواهر والبرهنة عليها0 ويهتم العقل بكل ما هو قابلللتحقق منه علمياً,أو البرهنة عليه تجريبياً0 العلم يبتدئ بصياغة الفرضيات عن ظاهرة من الظواهر,ثم يجرى التجارب لكي يتأكد من صحة هذه الفرضيات,أو من عدم صحتها0 ويتميز العلم بالتصحيح المستمر لنتائجه,بمعنى أنه يقبل بوضعها على محك الشك,كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ فليس هناك حقيقة مطلقة في مجال العلم,وإنما هناك حقائق تقريبية مؤقتة,وعن هذا الطريق يتقدم العلم باستمرار0
ويقول(أندريه ليشنرويز) أستاذ الفيزياء الرياضية في (الكوليج):إن الخطاب العلمي,لا يستطيع أن يخرج من ذاته دون أن يفقد خصوصيته,وتكمن مهمته في تفسير تركيبة الأشياء والظواهر؛فهو يحللها ويشرَّحها تشريحاً,ويكشف عن قوانينها وبنيتها الداخلية,ولكن ليس عنده كل شيء لكي يقوله عن غائية الأشياء,أو معنى الوجود,او الهدف من الحياة في نهاية المطاف,فهذه هي مهمة (الدين) أو الفلسفة بشكل أساسي0 العلم يستطيع أن يفسَّر الأشياء,لكنه لا يستطيع أن يقوا:لماذا وجدت الأشياء,أو ما هي الغاية من الكون0 الموت أو القطيعة الأبدية تحرق قلب الإنسان,وتشغل باله كثيراً إذا لم يكن مؤمناً راضياً بقضاء الله, واثقاً من عفوه ومغفرته في الآخرة0
إن الغربيين الذين يشعرون بمدى الضياع الذي أصابهم بسبب فَقْد الإيمان,وفَقْد الهدف النهائي للحياة-يتزايدون في الحقيقة,لكن المؤسف أن الغرب,قد رتَّب شؤونه كلها في المجالات كافة على أن الحياة هي الحياة الدنيا وحدها,ولأن على المجتمع أن يتجاوز كل المبادئ والأخلاق والأفكار المتعالية التي تأتي من خارج المجتمع البشري لتنظمه0 إنه يطمح لأن يرى في إنتاجه الحضاري الشخصي المبادئ والوسائل التي تمنحه للاستقرار,وتصلح شؤونه0
والأنكى من هذا أن الغرب فجَّر كل سبل العودة إلى الدين والوحي؛ ولذا فإن مشاعر الإحباط التي ولَّدها الإلحاد,وتفتحات بعض علمائه على ضرورة تغيير المسار- لن تكون كافية لبعث أهداف جديدة للحياة,وللاتصال بالحياة الآخرة0 ومثل هذا لو انطلق,فإنه سيكون بحاجة إلى أجيال عديدة حتى يصبح مَلْمَحاً واضحاً من ملامح المجتمعات هناك0
السواد الأعظم من المسلمين يمتلك-بحمد الله- على المستوى النظري المعرفة بالغاية الكبرى لوجوده,وكثير أولئك الذين يحاولون مَنْهَجية حياتهم على مقتضاها؛ وهذا ما يخفف من ضغوط الحياة عليهم,ويمنح مجتمعاتنا الإسلامية نوعاً من التماسك على الرغم من سوء كثير من الأحوال,لكن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن روح الحياة الغربية,تسري أكثر فأكثر في حياة المسلمين,وقد أخذت الأهداف الدنيوية الآنية, ومطالب الحياة اليومية,تضغط أكثر فأكثر عليهم,وتشكل بالتالي حركتهم ومناشطهم اليومية على مقتضاها0
وليس بخافٍ أن كثيراً من الناس اليوم يقوم بأعمال ليس لها أي تفسير مقنع,وليس لها أي معنى:تجد كثيرين يملكون مئات الملايين,ومع ذلك فهم يكذبون ويغشون ويضيعون بعض الفرائض,ويقطعون أرحامهم,ويغامرون بصحتهم في سبيل الحصول على المزيد من المال الذي لا يعرفون متى سيتمتعون به,ولا مدى حاجتهم إليه,إنه التيه,والغرق في دوامة الضياع,لا ترحم! مهمة الإيمان بالغاية العظمى للوجود,لا تقتصر على رسم الفضاء النظري للعقل والقلب فحسب,وإنما جعل الغاية حاضرة على مستوى الشعور,وعلى مستوى الخُلُق والسلوك والعلاقة وترتيب الأولويات والتخلي عن بعض الرغبات,أي:صياغة حياة المسلم وفق المنهج الربَّاني الرشيد0
وهنا تبرز مسؤولية القلة المؤمنة التي تنعم بالعيش في ظلال الالتزام الصحيح- في التفكير ملياً في نوعية الظروف الأكثر ملاءمة لدفع السواد الأعظم من المسلمين في اتجاه العيش على مقتضى الآمر الشرعي,والسعي الحثيث إلى توفير ما يمكن توفيره منها؛ وما تلك بالمهمة السهلة؛ولكن ليس ثمة خيارات أخرى0
ثالثاً_التأزّم الخـــــــــلقـــــي:
هل كان أمام العالم من سبيل يحول دون الخواء الروحي والخراب الداخلي الذي يعاني منه الإنسان الحديث بعد أن تم شطب كل أو معظم ما يقع وراء إدراكات الحواس,شأناً غامضاً,أو غير مهم؟0
المركز المحوري الذي احتلته(الروح) على مدار آلاف السنين غادرته منذ أكثر من مئة عام,وصار يُنْظَر إليها اليوم على أنها وهم أو خرافة من خرافات الماضي,وصار يعبَّر عن الحديث عنها بأنه رجعي,ولا علمي,وما ورائي؛وصار الإنسان في القرن العشرين,يقبل دون جدل بأنه لا شيء في هذا الكون إلا الطاقة والمادة المعروفتان0صارت(الروح)تُصوَّر في كثير من الكتب على أنها الوعي أو الصورة الذهنية للمدركات,أو المعنى ,أو المعنويات000
لا ريب أن العالم الإسلامي لم يصل إلى هذا الحد,لكن يصح القول أيضاً:إن
الخطط التنموية في معظم البلدان الإسلامية,لا تعكس اهتماماً خاصاً بهذه المسألة عما ذكرناه لدى الآخرين,وما نراه من اختلاف يعود إلى جهود فردية وشعبية في أكثر الأمر0
ومن الواضح أننا بدأنا نسير شيئاً فشيئاً خلف الغرب في تقديم كل رهاناتنا للإنتاج والتقدم المادي,وتأمين حاجات الجسد000حتى السلوك الشعبي اختلف في العشرين سنة الأخيرة,وصار كثير من الناس ينظر إلى الأحاديث التي تدور حول تعزيز البعد الروحي بأنها وعظ جميل-وأحياناً ثقيل!-لكن الاستجابة السلوكية لتلك الأحاديث ضعيفة وبطيئة0وعلى المستوى النظري,فإن هناك انحيازاً واضحاً إلى الشكلي والمادي والحيَّي على حساب المعنى والمضمون والفحوى والطلاقة و التدفّق الداخلي والمشاعر والأحاسيس واللمسات الشخصية00 وهذا كله وافد على أمة الإسلام في جملة ما وفد من الشوائب والعوالق المصاحبة للتقدم المادي الأصم!0
هذه الوضعية للروح تمثل خلفية ثقافية للوضعية الخلقية التي نشعر أنها هي الأخرى,أخذت تدرج في مسالك التأزم والانحطاط0
وأعتقد أن مصادر الأزمة الأخلاقية عديدة,ولعل لأهمها ثلاثة,هي:
أ-المسألة الحاسمة في مجال الأخلاق,هي (إطارها المرجعي)بمعنى المصدر الذي نستمد منه الحكم على وصفة أو قيمة بأنها حسنة أو قبيحة,والجهة التي ستتولى الإثابة أو العقوبة عليها0
في العالم الغربي ذهب معظم الفلاسفة إلى أن واضع القيم هو الإنسان,ويذهب بعضهم إلى أن واضعها هو المجتمع,ومحصلة ذلك أن العقل البشري هو الأساس الذي يتشكل عليه الإطار المرجعي لجميع القيم؛وهذا في الحقيقة يجعل الأخلاق والقيم أسيرة لأهواء البشر وملوَّنة بألوان البرمجات المحلية ومقولات البيئات الثقافية المختلفة,والمصالح الحيوية000
إن فقد مصدر الأخلاق لتعاليه ومطلقيته يجعلها تبدو هشَّة ومعلقة في الفراغ,ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي,وهذا كله يحرم الأخلاق من وشاح القدسية والاحترام,ويجعل المثيب والمعاقب عليها مجهولاً في أكثر الأحيان؛مما يسهَّل مسألة الخروج عليها وتجاوزها وتطويرها,وهذا ما يحدث في شتى أنحاء العالم!0
يقول(فوكوياما):""لقد غدا الأمريكيون مشغولين بصحة أبدانهم:ماذا يأكلون ويشربون,والرياضة التي يمارسون,وفي أي شكل يبدو أكثر من انشغالهم بالمسائل الأخلاقية التي كانت تقض مضاجع أجدادهم""0
ويقول( ستيفن كوفي)الخبير بالإدارة والعلاقات التجارية:كان أساس النجاح في أمريكا مدة(150)عاماً قبل الحرب الأولى,يقوم على ما يمكن تسميته بـ(المزايا الأخلاقية)؛مثل الاستقامة والتواضع,والإخلاص والاعتدال,والشجاعة والنزاهة,والصبر والمواظبة والبساطة,والقاعدة الذهبية)):عامل الناس كما تحب أن يعاملوك))000وتُعْلِمُنا المزايا الأخلاقية بأن هناك مبادئ أساسية للحياة الفاعلة,وأن الناس لا يستطيعون تحقيق نجاح حقيقي,أو أن ينعموا بالسعادة إلا إذا تعلموا هذه المبادئ,واستوعبوها باعتبارها أخلاقاً أساسية0
بعد الحرب العالمية الأولى اختلفت النظرة الأساسية إلى النجاح,من المزايا
الأخلاقية إلى ما يمكن أن نطلق عليه(مزايا شخصية)فقد أصبح النجاح مرتبطاً بالشخصية والتصور العام لها,وبالمواقف والتصرفات والمهارات والتقنيات التي تسهَّل التعامل بين الناس000
أما النواحي الأخرى التي تناولت الشخصية,فمن الواضح أنها متحايلة,أو حتى مخادعة,تشجع الناس على استخدام تقنيات تحبب الآخرين بهم,مثل الاهتمام بهوايات الآخرين لاستخلاص ما نريد منهم أو(التظاهر بالقوة)أو تخويفهم من المستقبل000
وهكذا نجد أن إبعاد الأخلاق والسلوك والعلاقات العامة عن فلك الدين,وقطع صلتها بالرؤية العامة للحياة,حرمها من الإطار المرجعي الثابت,ومن المعايير الموضوعية المتفق عليها,وصار بالتالي كل شيء في النهاية ممكناً حتى الأسس الراسخة والثوابت الشامخة,ويمكن عن طريق التغيرات البطيئة والناعمة أن تتحول إلى مسائل فرعية,أو خلفيات ثقافية,أو مظاهر كياسة!0
قد انتقل هذا الداء إلى كثير من الدوائر المالية والتجارية وإلى بعض مجالات العلاقات العامة في بلداننا الإسلامية,وسوى من يتأمل في الدورات التي تُقام لمندوبي المبيعات وموظفي الاستقبال والعلاقات العامة,والتعليمات التي يتلقاها هؤلاء من رؤسائهم-أن ما وقع فه غيرنا قد وقعنا في كثير منه من أجل المزيد من الربح,والمزيد من المكاسب المادية0بل يمكن القول:إن الأسس التي تقوم عليها العلاقات الاجتماعية قد أصابها بعض التبدل,حيث أضحت تقوم-على نحو متصاعد-على تبادل المنافع,وليس على الحب والتقدير والوفاء والتناغم الخلقي والروحي؛مما يجعل كثيراً منها يبدو وكأنه من فروع نظام التجارة الغلاّب لكل النظم الأخرى!0
ب-تعاني المنظومات الخلقية في العالم الإسلامي من عدوان بعض أبنائه عليها,حيث إن بعض المثقفين الذين فُتنوا بتفوق الغرب وتقدمه,جعلوا من أولوياتهم تفكيك المنظومات الخلقية السائدة بين المسلمين,باعتبارها عائقاً قوياً لأمام التقدم؛فقد افترضت(الحداثة العربية)انه يجب بناء كل نشاط على العلم,واعتبرت مل مالا يخضع للمعايير العلمية جزءاً من أوهام الإنسان القديم,وعاملاً من عوامل استلابه,وقد حاولت أن تصوَّر القيم الإسلامية بأنها تقليدية وبالية ومنحطة وجامدة,وهي تحث على الكسل والتعصب,وتدعم العشائرية المدمرة للفردية,وتؤكد على العاطفة والروح,وتقتل العقلانية والموضوعية,وهي على نحو عام سبب فقدان العرب مقدرتهم على استيعاب الحضارة الحديثة,ومنشأ روح العبودية فيهم0
وهذا التقليص-كما يقول د0غليون-للتجربة الإنسانية والفردية والاجتماعية,واختصارها إلى تجربة وممارسة علمية ومعرفية ومنطقية,والحكم على التجارب الدينية والأخلاقية والجمالية بالزوال-هو من مخلَّفات الوضعية الفلسفية الأولى التي تحولت إلى(علموية)و(تقنوية)لا إنسانية0
إن الفكرة التي تقول:إن المرحلة العلمية قد ألغت المطالب الروحية والنفسية والاجتماعية واللاعلمية-هي نتاج للتخبط الذي تعيش فيه المجتمعات النامية التي فقدت أسسها المعنوية والتقليدية,ولم تحرز التقدم المنشود !0
أصحاب الفائدة من الاندماج في الحضارة الغربية,والمالكون للقوة الغاشمة
رحبوا بفكرة إنهاء المنظومة الخلقية الإسلامية؛لأن ذلك يسهَّل السبل أمام
ازدهار تجارتهم ونفوذهم,ويوجِد إمكانية كبيرة لاستخدام قوتهم,والوصول إلى مصالحهن دون قيد؛على حين أن الضعفاء من المسلمين,كانوا-ومازالوا- يعتقدون أن التمسك بالأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية,والاستنجاد بها- هو السلاح الذي يمكن أن يَحدَّ من تلك القوة,ويحول دون تدمير المدينة الإسلامية,وجعل أهلها هامشاً ضئيلاً على متن الغرب المنتصر0
ويمكن القول بعد هذا و ذاك:إن هناك صراعاً حقيقياً بين حماة القيم والأخلاق الإسلامية العربية وبين دعاة تدميرها؛والعاقبة للتقوى0
جـ- المصدر الثالث لتأزّم الأخلاق في عصرنا هذا,هو سوء الأحوال المعيشية التي تكتنف حياة كثير من الناس في بلادنا الإسلامية خاصة
,وعدم ملاءمة الأجواء العامة السائدة للتفتح الخلقي,وعدم مساعدتها على الالتزام بالفضيلة0إن الفضيلة-في معظم الأحوال-هي شيء يقع بين رذيلتين,فالشجاعة وضعية تقع بين الجبن والتهور0والكرم وضعية يحدها من أمها السرف والتبذير,ومن خلفها الشح,والاحتياط الشديد في التدبير؛وهذه الطبيعة تساعد الناس على امتلاك قدرة فائقة على تأويل الفهم,وجعلها أشبه بالحالات الخاصة؛إذ من السهل على الواحد أن يقول:إن ما أفعله ليس نفاقاً,وإنما هو مجاملة0وأن يقول آخر:إن ما أفعله ليس بخلاً,وإنما هو تدبير,وهكذا000
ومن الواضح أن كثيراً من المجتمعات الإسلامية,تئنُّ تحت مطارق الفقر
والجهل والمرض والبطالة والاستبدال,كما أن شروط العيش الكريم فيها تزداد صعوبة يوماً بعد يوم,وكثير من الشباب الذين قذفت بهم الثانويات والجامعات إلى معترك الحياة,يشعرون بالإحباط وانسداد الآفاق000
وهذا كله لا يشكّل الوسط الصالح للاستقامة الخُلُقية,ولا لوضوح المُثُل العليا في أذهان الناس0حين يعيش المرء في مجتمع يقتات معظم موظفيه من وراء الرشوة,والاستيلاء على المال العام,
والاحتيال على النظم-تصبح نزاهته وعِفَّته بمثابة عقوبة له ولأسرته,حيث إن عليه آنذاك أن يعمل غير عمل-إن وجد- حتى يؤمَّن ضروريات الحياة؛ وفي هذه الحال,
فإن أقل من 20% من الناس يحجزهم دينهم وخلقهم عن الولوغ في الحرام,أما الباقي فيسبحون مع التيار,بحجة الضرورة,وبحجة أن هذا ليس حراماً؛لأنه موظف وله حق الكفاية,وحجة أن فلاناً(التقيَّ)يفعله؛ولذا فإنه لم يعد حراماً,وهكذا000
ولا يخفى أن ألفاظ الثناء في الشارع الإسلامي,صارت تعكس معياراً قيمياً جديداً؛فعلى حين كان الناس يقولون:فلان آدمي وابن حلال وطيب,صاروا يقولون:فلان(كدع)و(شاطر) ويعرف كيف يدبر نفسه00وصارت كلمة(طيب)التي كانت
كلمة مديح,ترمز إلى نوع من اللمز في نباهته وحُسن تدبيره000 والأخطر من كل هذا أن(العرف)يتحور شيئاً فشيئاً لينسجم في النهاية مع الواقع الرديء0كما أن المجتمع الذي ينتشر فيه الانحراف الخلقي والسلوكي, يفقد تدريجياً قدرته على ممارسة الضغط الأدبي على المنحرفين من أبنائه؛لأن الذين سيمارسون الضغط,
يصبحون آنذاك قلة قليلة,وموقفها نفسها يصبح موضع تشكيك,ويتحولون من قوة نافذة إلى قوة غريبة(فطوبى للغرباء)بل إن (الفتوى) نفسها قد تتراجع حيث تكثر الضرورات,
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image015.gif[/IMG]ويتضخم ما تعم به البلوى,ويتراجع المصلحون من موقع إلى موقع؛ليؤكدوا في النهاية على جوهر الإيمان وأصول الأخلاق عوضاً عن الحديث عن السنن والمكروهات والواجبات والمحرمات!0


لابد من القول:إن صور التأزّم الخلقي لا يمكن أن تكون متطابقة في سائر أنحاء العالم
فالمشكلات الخلقية في عالم يسوده الغنى والحرية والاكتشاف,وهو بدون إي عقيدة دينية-لابد أن تكون مغايرة للمشكلات الخلقية في بلد فقير,تنتشر فيه البطالة والخرافة والعصبية القبيلة والظالم0
فالأفكار والعقائد والأوضاع المعيشية والسياسية000تنعكس على نحو مباشر على الأوضاع الخلقية,وتتنوع هذه الأخيرة بتنوعها0ومع هذا فلا ينبغي أن يُفهم من هذا أنه ليست هناك أخلاق مشتركة بين الأمم؛فنحن-كما ذكرنا من قبل-نعيش زماناً واحداً وفي مكان واحد ومن المستحيل ألا ّتنتشر في هذه الحالة القيم مشتركة0
ويصح القول أيضاً:إنه على الرغم من القواسم المشتركة الكثيرة بين شعوبنا الإسلامية إلا أن شدة المعاناة من التأزّم الخلقي,تختلف من بلد إلى آخر,فعلى حين يعاني بلد من سوء النظام الإداري وإفرازاته الخلقية,يعاني بلد آخر من الآثار الخلقية للفقر والبطالة,وهكذا000
-كثير من المسلمين اليوم يعيش دون شعور بالمُثُل الإسلامية العليا,ودون أهداف سامية,يسعى إلى تحقيقها؛فتأمين الحاجات الضرورية هو شغلهم الشاغل,وامتلاك بيت يؤوي الواحد منهم فيه عياله,صار يعد اليوم عبارة عن نصر كبير في معركة شرسة؛وهذا جعل كثيراً منهم يقع تحت ضغوط المتطلبات الآنية والأشياء الصغيرة,ويقع فريسة لضروراتها0
وقد صار كثيرون منهم أشبه بالحيوان البري الذي يقضي حياته في حديقة حيوانات؛فهو ليس معزولاً عن بيئته الطبيعة فحسب,بل هو معزول عن أعماق ذاته!0
-يعاني السواد الأعظم من المسلمين من ضعف الإحساس بـ(الواجب) وهو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة والفردية؛ليعكس تسامي الإنسان,وقدرته على الالتزام تجاه غيره,والتضحية في سبيله0
-هناك فريق كبير من المسلمين,يعاني على الصعيد الحضاري من ذبول روح المدنية لديه,وهو ينزع باستمرار إلى نوع من الانطواء على الذات أو الأسرة أو القبيلة000
وهو نزوع ذو أثر سلبي على الإحساس بالمصلحة الوطنية؛والمصلحة العامة0
-هناك سلوكات خاطئة,تنم عن نوع من الخواء الروحي,حيث إنَّ كثيراً من الناس,أخذوا يعوَّضون عن النقص في كينونتهم الإيمانية والأخلاقية بالاتجاه نحو المزيد من الاستهلاك البذخي والترفي, بالإضافة إلى رغبة قوية في الاكتناز بشراء العقارات والقصور وشراء السيارات الفاخرة000
-على الرغم من سهولة الاتصال بين الناس,وكثرة المناسبات التي تجمعهم,إلا أن الحقيقة أن هناك عزلة شعورية كبيرة,تحتاج كثيرين منهم وهناك اندفاع متزايد نحو البحث عن الخلاص الشخصي بعيداً عن خلاص الجماعة-المجتمع-مع أن الأدبيات الإسلامية في هذا الشأن,تعلمنا أن من غير الممكن الحصول على تقدم فردي حقيقي في وسط منهار0
لا أريد أن أستطرد بذكر مفردات الأزمة الأخلاقية-وهي كثيرة-التي تعاني منها
الأمة,وإنما أود أن أؤكد أن حاجتنا إلى التنمية الروحية والأخلاقية,لا تقل بحال من الأحوال عن حاجتنا إلى التنمية المعرفية أو الاقتصادية(1)؛[(1) انظر-إن شئت-ما ذكرناه عن التنمية الخلقية في كتابناL_مدخل إلى التنمية المتكاملة)]0حيث إن التقدم الحضاري من غير قاعدة روحية وخلقية,سيكون مشكوكاً فيه,وما يتحقق منه,لن يكون مصدر سعادة حقيقية0
وخميرة التنمية الروحية,موجودة,فبالإضافة إلى المنهج والتراث الأخلاقي الغنيَّ,لدينا الملايين من الرجال والنساء الذين يُعدُّن نماذج راقية في الطيبة والاستقامة والسمو الخلقي!0
رابعاً_تـقدُّم بلا حـــــــدود:
مما ترسخ في الوعي الأوربي الحديث أن الإنسان حصاد ما يعرفه,وما يتقنه؛وبالتالي مايملكه0ومن هنا اندفع الغرب في الاكتشاف والتصنيع إلى أقصى حد ممكن,مما أنتج تعاظم الملكية ونشوء مجتمعات الوفرة والخدمات والجامعات والمصانع000وصار التقدم نحو الأفضل,والبحث في الكيفيات والوسائل التي تحقق ذلك,الهاجس اليومي لعالم الغرب كله,ولكل من تواصل معه من شعوب الأطراف0
الحداثة والتغير والتطور والتقدم,معان محايدة عقائدياً وأخلاقياً,فهي قد تكون في اتجاه الأحسن0وقد تكون في اتجاه الأسوأ؛لكن العرف انعقد في الكهولة,تستمر في تطورها نحو الشيخوخة ثم الموت؛لكن العرف انعقد في العصر الحديث على أن (التقدم) يعني دائماً تغيراً نحو الأفضل0في ظل فقد المرجعية العليا,يكون من الصعب في ظروف كثيرة وضع فواصل بين ما هو من قبيل التقدم,وما هو من قبيل التطور,بل إن مجرد إعطاء التغير مدلولاً أخلاقياً أو إيجابياً,ساهم في إضعاف الانضباط الذي
يمكن أن تصنعه المعايير الأساسية لنمو الحياة والتي يمكن أن يحاكم إليها0
إن قصور العقل البشري,لا يمكَّن من رؤية الحقائق الكبرى دفعة واحدة,مما يجعل الإنسان منهمكاً دائماً في تجارب(الصواب والخطأ)فرحٌ بإنجاز,ثم ندمٌ عليه وخوف منه00وهذا ما نشاهده اليوم في مسائل وقضايا كثيرة0
السعي نحو الأفضل فطرة,فطر الخالق-جل و علا-الأحياء عليها,حيث يتمكن الكائن الحيّ من التخلّص من مشكلاته,وتحقيق أهدافه,وتحسين وضعية العامة من خلال ما يمتلك من طموحات وآمال في الانتقال من طور إلى طور0وأمة الغرب حين مجَّدت (التقدّم)إلى حد العبادة,لم تندفع إليه من خلال إحساسها بالملاذ والمنافع,وصنوف الراحة,وأشكال القوة التي توفرت لها بسبب التقدم فحسب,وإنما من طبيعة التقدم أنه حين يحث في جانب من جوانب الحياة,يحصل لدى الناس تشوق وطموح إلى تعميمه على جوانب الحياة الأخرى0
كما أن طبيعة العلاقات الاعتمادية بين جوانب الوجود البشري,تستدعي إحداث تقدم شامل في جميع جوانب الحياة كي يتم ضمان التناصر بين عناصر البناء الحضاري المختلفة0ولا يخفى أن نظرية(داروين)في النشوء والارتقاء,قد أحدثت زلزالاً في بنية الفكر الغربي,وأوجدت تياراً عميقاً من حبّ التغيير والتجديد,بسبب ما أحدت به من مصاحبة التطوّر للكائنات الحية في جميع مراحل وجودها0
إن الذي يتأمل في الإعلانات التجارية يجد أنها تُركَّز-على نحو ممجوج-على أن
المنتج الفلاني جميل لأنه جديد,والمنتج الفلاني لذيذ لأنه جديد,والمنتج الفلاني قوي لأنه جديد؛مما لا يدع مجالاً للشك في أن البشرية تسير دوماً نحو الأفضل,ما دام كل جديد هكذا!0
كانت كلمة التقدّم-في مدلولها الحديث-تعني التقدم الشامل الروحي والمادي,لإنساني والطبيعي,ثم تم اختزال هذا المفهوم؛ليدل على التقدم المادي,ثم اختزال مرة أخرى؛ليدل على التقدم الاقتصادي وحده!وهذا الاختزال المخيف كاف لتحييد المكانة الحيوية لكل جوانب الحياة الأخرى؛الروحية والأخلاقية والاجتماعية والمعنوية000
في سبيل التقدم الذي هو أولويّة مطلقة,تصبح الراحة من أجل العمل,ويصبح إشباع
الغرائز-بأي وسيلة كانت-أمراً مشروعاً,ما دام إلى فرغ البال من أجل المزيد من الإنتاج0الربا يصبح عمود الاقتصاد العالمي؛ما دام يسهل الاستثمار-هكذا يظن-,وإنشاء الشركات العملاقة0
لا مانع في سبيل التقدم أن تترك المرأة أسرتها وحصنها الحصين-بيتها-وتنخرط في الوظائف والمهن,وينبغي عليها أن تتحمل الضغوط الرهيبة التي لا تتحملها جملتها العصبية,كما أن عليها أن تتكيف مع كل ما تتعرض له من مضايقات الجنس الآخر,فكل ذلك يجب احتماله في سبيل المزيد من التقدم والرفاه0تفكك العلاقات الأسرية,وتفاعل المشكلات البيتية بسبب عمل المرأة,أو سفر الزوج سنوات عدة-قد تكون متصلة-كل ذلك مقبول,وعلى الإنسان أن يتحمل000
التقدم يستلزم السحب من الرصيد البيئي والحيوي,من أجل حركة التصنيع,وما تستلزمه من استهلاك الموارد,وعلى الناس أن يقبلوا بذلك,ولو أدى إلى اختناق العالم,وتصاعد أمراض الحساسية والسرطان,ففقه الأولويات,جعل التقدم في المرتبة الأولى,وأباح بالتالي التضحية بكل أشياء المراتب الأخرى!0
انطلاقاً من الرؤية الغربية في إهمال ما لا يمكن قياسه,ثم إهمال الثمن الذي تدفعه البشرية لتأليه التقدم والسعي إليه مهما كانت النتيجة؛لأن عائد التقدم محسوس ومباشر,
ويمكن قياسه؛أما ثمنه,فهو غير محسوس,ولا يمكن قياسه0 لو تم تحويل السعادة والطمأنينة والشعور بالاستنارة الداخلية والرفاهية الروحية إلى مؤشرات على التقدم,ماذا سيكون حال المجتمعات المتقدمة؟!0
سيقال لنا:إن السعادة شيء نسبي متغير,وكذا الاستنارة والطمأنينة؛وهي تختلف من فرد إلى آخر,وقياسها صعب0فهل هذا يعني أن التقدم شيء والسعادة شيء آخر؟وإذا كان الأمر فما الذي ينجزه التقدم للإنسان إذن:التمدد المادي أم التحقق الإنساني؟
في هذه اللحظة يكشف مفهوم التقدم عن وجهه المادي الحقيقي؛فبدلاً من مؤشرات من عالم الإنسان,نسقط في مؤشرات من عالم السلع والمؤشرات المأخوذة من عالم الأشياء(الإنتاجية والرفاهية)دون أي اكتراث بمدى تحقيقها السعادة أو البؤس لبني البشر0
ثمة إحصائية تذهب إلى أنه لو تم حساب التكاليف الحقيقية لأي مشروع صناعي(أي حساب الكسب المادي النهائي مخصوماً منه الخسارة الكونية والإنسانية)لظهر أنه
مشروع خاسر!0والمشروع الصناعي الغربي قد حقق ما حقق من نجاح واستمرار؛لأن الآخرين دفعوا الثمن0وقد تبين من خلال نجاح بعض الدول الآسيوية في اللحاق بالغرب فداحة الكارثة الكونية التي تتواتر أخبارها في الجرائد والقنوات الفضائية يومياً!0
مهما كثر المواعظ,ومهما انكشف من أمر نحر البيئة وشقاء البشرية,فإن العالم الغربي لن يستطيع التراجع إلى الوراء مرة أخرى,فهو محا كل معالم العودة,وسوف يكون قادراً على تسويغ كل ما يصيبه من جرّاء ذلك,والتظاهر باحتماله,مما يذكرنا بالزنبور يتخبط بلا هدف على زجاج نافذة مغلقة!0
العالم الإسلامي ما زال محافظاً على كثير من أوضاعه وعلاقاته الإنسانية,لكن واضعي خطط التنمية فيه قلما يراعون الخصوصية الحضارية لشعوبهم؛فقد وضعوا النموذج التنموي الغربي أمامهم,وهو غير قادرين على أخذ العبرة من الانتكاسات التي أحدثها التقدم الأعمى في الغرب0ومع هذا فإن التقدم المادي الغربي, هو ثمرة تطور بُنى عقدية وفكرية ومعرفية وبيئية خاصة بأوروبا,ومن هو على شاكلتها ومحاولة النقل دون تمييز,لن يؤدي إلى حدوث تقدم,وإنما ستؤدي إلى تفكيك البنيات الاجتماعية لدينا,وإحداث نوع جديد في الانقسام في الوعي,دون القدرة على توليد بنيات جديدة أو وعي جديد0
في زمان كزماننا لم يبق لدى المسلمين اليوم سوى السعي إلى تحقيق الانطلاقة الذاتية المتوازنة التي تنسجم مع أهدافنا وطاقاتنا ومبادئنا,انطلاقة تتم وفق أولويتنا وحاجاتنا,تحافظ على البيئة,ولا تستهلك الإنسان في طلب مزيد من المتاع واللهو,ولا تستهدف العلو والفساد في الأرض0
إن تحررنا من الخضوع للمقولات الشائعة عن التحضر والرقي والتقدم,سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء,وهذا ما علينا أن نفعله0
خامساً-تغيــر المـــــــفاهيم:
عند النظر في المفاهيم التي تزداد انتشارها بين الناس اليوم,نجد أن هناك تغيراً كبيراً قد شمل عدداً هائلاً من الأفكار والمفاهيم والأحاسيس في كل الحقول المعرفية,وجميع مجالات الحياة0
ولا يعني التغير أن تبدلاً تاماً قد حصل في كل شيء فيما سنعرضه,كما لا يعني ما سنذكره أن الشعوب والمجتمعات قد نالها أقدار متساوية من ذلك التغير؛وإنما يعني أن التغيرات التي نتحدث عنها آخذة في التعميق والانتشار في الأرض كلها,وهي تغيرات بعضها إيجابي,وبعضها سلبي,لكنها جميعاً نشأت بسبب مجمل التغيرات العلمية والحضارية,وما استجد من الصور الذهنية عن البنية الكونية الهائلة,وما حدث من أنماط وأساليب معيشية في حياة المجتمعات المختلفة0
ومعرفة تغيّر هذه المفاهيم والأفكار مهمة جداً في موضوع فهم عصرنا وإدراك توجهاته الآتية والمستقبلية,حيث إن الفهم العميق هو مفتاح التعامل الراشد,وأساس اختيار الموقف الصحيح0ولعلنا نجمل الحديث عن تلك التغيرات في المفردات التالية:
أ-كان (الحاضر)وحده هو الذي يسيّر معظم حياة الناس؛ذلك لأن معرفتهم بالماضي محدودة,وهي ترتكز على نحو أساسي على ذكريات تجاربهم الشخصية أو تجارب ذويهم وأصدقائهم0أما المستقبل فلا يعنيهم كثيراً0وكان (الوقت)بالنسبة إلى معظم الناس,لا يعني شيئاً,فهم يأكلون وينامون ويمرحون عندما يشعرون بالرغبة في ذلك0وكان معظمهم يقضون أوقاتهم في أعمال بسيطة,لا تحتاج إلى تفكير عقلي,ودون أن يبدو عليهم أي شعور بالملل0
اليوم كل ذلك تغير,فالتاريخ-الذي هو سجل حياة الماضين-صار علماً مهماً-وعند بعض المؤرخين هو علم العلوم-؛إذ فيه جذور الحاضر,ولا فهم للحاضر من غير فهمه0كما أن الأمم تستخدم معطياته العامة على أنها أدوات في تربية أجيالها0
أما المستقبل؛فبعد أن كان غائباً عن إحساس أكثر الناس,صار هو البعد الأساسي,وصار ينُظر إلى الحاضر من خلاله,حيث يسود شعور قوي بأنه لا يمكن ضبط الحاضر,والاستفادة منه على نحو جيد إلا من خلال الضغط عليه بآمال مستقبلية؛بل عن هناك من المقولات ما يجعل التحقق الذاتي لكل واحد منا مرهوناً بحضور بُعد المستقبل في ذهنه ومشاعره,وذلك الحضور رهن بوجود ذات تتحرك نحوه؛لكن تلك الذات ليست جوهراً ثابتاً قد تحقق مسبقاً,ولكنها حركة فاعلة,وتحقق مستمر من خلال صيرورة يحكمها تشوُّفٌ وانتظار للمستقبل0
ولا نستطيع الذات مهما كانت عظيمة أن تحافظ على تماسكها إلا من خلال إمساكها ببُعد المستقبل0وذلك الإمساك,هو الذي يمكَّنها من استمرار التجاوز إلى ما هو أحسن وأفضل0وهكذا فقد صار الحاضر الذي كان كل شيء لا شيء,فهو موزَّع على الماضي والمستقبل0
ب-كان الناس في الماضي حريصين على سمعتهم حرصاً شديداً,وكان يدفعهم إلى ذلك سهولة الإساءة إليها,من خلال الشائعات والمقولات المرسلة0وكان الناس سريعي التصديق لكل ما يقال0أما الذين يساء إليهم,فإنهم لا يستطيعون تكذيب مايقال عنهم؛فهم لا يملكون وسائل ذلك0أضف إلى هذا أن الحكم على مكانة المرء وعلمه وتوجهه,كان يتم وفق معايير جزئية جداً,فزلة واحدة من شخص كافية لتكوين محور لنقائص كثيرة,يتم توليدها وإلصاقها به0وكثير أولئك الذين غادروا قراهم فراراً من سوء الأحدوثة,وما تلوكه الألسنة000وكل ذلك كان بسبب سيادة التفكير النمطي والجزئي لدى الناس0
لم يكن هذا على صعيد العامة فحسب,بل ابتلي به كثير من الدوائر العلمية؛فقد كان من المألوف أن يدخل عالمان-يُعتقد أنهما ندّان-في مناظرة,ونتيجة لعدم معرفة أحدهما سؤال أو سؤالين,يحكم عليه شهود المناظرة بالهزيمة,وضآلة المعرفة0وهكذا يدخل عالماً,ويخرج وهو نصف عالم,أو نصف جاهل 000وله بعد ذلك أن يعيش مغموماً,وملفوفاً بمشاعر الإحباط,وقد تسوء الأمور ليلقى حتفه كمداً,كما مات سيبويه-كما زعموا-بسبب هزيمته في المسألة(الزنبورية),لأنه لم يجب على سؤال الكسائي(1)
[(1)التقي سيبويه شيخ النحاة مع الكسائي مؤسس المدرسة الكوفية في النحو بحضرة البرمكي،وسأل الكسائيُّ ,سيبويه:ماذا تقول العرب:كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من
الزنبور,فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟قال سيبويه:العرب تقول:فإذا هو هي0قال له الكسائي:أخطأت العرب تقول:فإذا هو هي,وتقول فإذا هو إياها0فخرج شيخ النحاة مكسور الخاطر,وخرج الكسائي منتصراً وإماماً في العربية!ويقولون:إن سيبويه مات كمداً بعد ذلك بمدة يسيرة من جراء هزيمته في تلك المناظرة0]
ضعف الاتصال,لم يمكَّّّّّن الناس من إجراء الكثير من المقارنات؛مما يجعلهم غير ماهرين في التفريق بين ما هو من قبيل الحقائق المستقرة,ما هو من قبيل الآراء الاجتهادية,وهذا ما كان يزيد في سهولة تشويه الأشخاص والآراء والأعمال0
هذا كله قد تغير اليوم,فمعايير الحكم صارت أكثر شمولاً,والناس صاروا أكثر جرأة,وأقل اهتماماً بنقد غيرهم,بل إن هذا تجاوز حدوده,حتى قلَّ حياء كثير من الناس,وضعفت قدرة المجتمع على ضبط أفراده وردعهم,وعلى كل حال فالتغيرات في هذه المسألة تميل إلى الصحة والإيجابية.
جـ-اختلف النظرة الكبار السن,فقد كانوا هم المرجع في حلّ المنازعات,كما كانوا يمثلون الخبرة المتناقلة عن الأجيال السابقة؛مما أعطاهم تميزاً ظاهراً على الشباب0بعد انتشار المعرفة,وتوفر الجامعات والمعاهد العليا,انعكس الأمر؛فالجمهور من الناشئة اليوم أفضل تعلماً من جيل الكبار-على نحو عام-وقد صار احترام الكبار في السن وتقديرهم نابعاً من احترام السن,فحسب0أما المعارف والمعلومات وفهم العصر, والقدرة على التأثير فيه,وإدارة أوضاعه,فكل ذلك صار من مهارات الأجيال الحديثة0
وهذا أو جد نوعاً من الصراع بين الأجيال؛فالكبار يتهمون الشباب بأنهم متهورون, ولا
يعطون الاهتمام المطلوب للقيم المتوارثة,ولا يستفيدون من خبرات مَنْ سبقهم000
أما الشباب فيتأففون من عدم استيعاب الكبار للتحديات الجديدة,وما تفرضه من قيم ومفاهيم جديدة0ولعل عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قد أشار إلى هذه البلبلة حين قال:[فساد الدين إذا جاء العلم من قِبَلِ الصغير استعصى عليه الكبير0وصلاح الناس إذا جاء العلم من قِبَلِ الكبير تابعه عليه الصغير]0
د-إذا عدنا بالنظر إلى الوراء,وتأملنا في النظرة القديمة للأشياء والماهيّات,وإلى طبيعة نظر المفكرين والفلاسفة إلى القضايا والمسائل المختلفة-وجدنا- على نحو واضح-اهتماماً بذات الشيء وماهيته0بعيداً عن علاقاته وظروفه؛فالخطاب الدعوي والإصلاحي-مثلاً-خطاب فردي,يركز على ما ينبغي على الناس أن يفعلوه,ولا يتفكر أصحابه في شروط الاستجابة له,ولا يتحدثون عن تلك الشروط فضلاً عن العمل على توفيرها0اليوم يشيع مصطلح(الإصلاح),وشيوعه تعبير عن أن اهتماماً جديداً,قد بدأ في التفكير في العلاقة الذات والموضوع,والإنسان والظروف التي يعيش فيها000
في الماضي كان التركيز ينصُّب على كل نظام من النُّظم الحياتية على حدة,دون الانتباه إلى ارتباطاته بالنظم الأخرى؛فالباحث في علم الاقتصاد,لا يحاول استشفاف العلاقة بين علم الاقتصاد أو النظام الاقتصادي وبين نظام السياسي أو الاجتماعي أو لأخلاقي000
اليوم هناك نظرة جديدة أيضاً؛فمجموعة النظم الحياتية,تشكل في النهاية المناخ
الحضاري الذي يغلَّ كل أنشطة الناس,وهي وإن تبدَّت منفصلة,إلا أنها على مستوى بُناها العميقة مترابطة ومتداخلة أكثر مما يُظنّ0
وهذه الرؤية الجديدة هي التي ساهمت في طرح مصطلح(المفكر)والذي من أهم خصائصه فَهْمُ طبائع الأشياء وجوهر العلاقات التي تربط بينهما,والمؤثرات التي تتبادلها؛مما يمكنه من تقديم رؤى كلية0
جرت في الماضي محاولات كثيرة من أجل الفصل بين الثوابت والمتحولات انطلاقاً من الاعتقاد أن كلاً منهما متمايز عن صاحبه إلى حد بعيد0واليوم يتجه كثيرون إلى الاشتغال بفهم العلاقة بين الثابت والمتغير,ويرون أن جوهر التطور,لا يقوم على التخلي عن الثابت,وإنما على توفير العلاقة الحية الخصبة التي تربط بينه وبين المتغير0
ويصل الأمر ببعض المفكرين إلى القول:إن(الماهّيات)ما هي إلا هبة العلاقات التي تربط بينهما0واكتشاف الماهيات سيكون من خلال نقد العلاقات التي تربط بين الأشياء,ومحاولة اكتشاف علاقات جديدة إلى مالا نهاية0وكان هؤلاء يقتربون من أن يصبحوا(لا أدريين)حيال كثير مما يتطلب فهماً ناجزاً!0
من خلال التركيز على ما ذكرنا يشبع الآن في الأوساط الفكرية نوع من الرفض لكل النماذج الجاهزة والأفكار الكلية؛إذ ليس أمام الناس شيء يسعون إلى تمثيله أو التحقق به,وإنما عليهم أن يتجاوزوا كل ما هو موجود,لا بتداع نماذج جديدة0وهذه النماذج يجب أن تكون طليقة,وغير محكومة بأي معايير سابقة أو معقولة!وهذا التوجه سيوجد من إبداعات العقل,ومخزون الخبرة الناقصة,ونزوات الهوى خلطة عجيبة,لا ندري بأي اسم نسميها؟!0
هـ-في عصرنا الحاضر تمّ تغيير كثير من المفاهيم المتعلقة بالنفس البشرية والاجتماع
الإنساني,والحياة والموت,والحقوق والواجبات؛وتم البحث في جذور هذه المسائل,وجذور جذورها,كما تم نزع كثير من أردية التقديس والاحترام عنها؛ليجد الإنسان-في الغرب خاصة-نفسه بعيداً عن أي شيء مقدس,قريباً من كل ما هو مادي وغريزي ومصلحي000
كانت النظرة إلى الإنسان عامة قائمة على الاحترام؛فهو المخلوق في أحسن تقويم,وهو المخلوق الذي سخرت له جميع الأشياء التي حوله000
هذا الإنسان يجد نفسه فجأة ومرة واحدة مسلوباً كل ذلك,فنظرية(داروين)ركَّزت في حسَّ كثير من الناس انعدام الفواصل بين الإنسان والحيوان؛فالكل أنواع في مغامرة الحياة الكبرى؛وكان ذلك-كما عبّر أحدهم-عبارة عن محرَّض لعملية(إعادة حَيْوَنَة),فأخذ الناس يعوضون عن فقدهم(مركزهم الروحي)بالعودة إلى حيوانيتهم في جو من الصخب والابتهاج؛وارتفع شأن الجسد,وراجت سوق الصور العارية,وزاد استهلاك الأطعمة000صحيح أن المسلمين لم ينفعلوا بنظرية التطور على المستوى العقدي,لكن مسهم الكثير مما أحدثته في مجال الحضاري!0
كان الموت مظهراً من مظاهر استسلام الناس لربّ العالمين,وهو حلٌّ حيث لا حل,كما
أنه البوَابة الوحيدة للحياة السرمدية الباقية0
ومهما تفاوت الناس,فإنهم أمام الموت سواء0ومهما طابت الحياة أو قست,فإن الموت سيضع حداً لها,وكان هذا يشكل عامل توازن نفسي على المستوى المجتمعي,ومظهراً من مظاهر العدل الإلهي المطلق0كان الموت هو الغائب الحاضر,كان كثير من الناس يُعد كفنه ويهيء قبره ويكتب وصيته000
أما اليوم فإن النزعة الدنيوية التي تصبغ الوجدان والشعور والسلوك لدى معظم الناس,جعلت النظرة إلى الموت على أنه شيء لا معقول ولا يمكن هضمه أو استيعابه,وصار ينظر إليه على أنه مصدر تحدٍ غير محدود,ويجب على الناس أن يقاوموا أسبابه إلى آخر لحظة000لكن هناك يقين بأنها معركة خاسرة,وأن أشكال الاحتياطات الصحية,ومقاومة الأمراض لن تأتي بالخلود,لكنها كثيراً ما تطيل أمد المعاناة0
ارتباك عظيم يواجهه الوعي,وتواجهه الفلسفة والخطط الصحية,وقلق عظيم يقضّ مضاجع الكثيرين,وكل ذلك من جراء استدبار الوحي,والإعراض عن ذكر الله0وحين تنظر في سلوك بعض الناس,وانهماكهم في الملذّات والشهوات وجمع المال-دون قيد-وأكل حقوق العباد000يتأكد لديك أن هؤلاء لا يفكرون في الموت,ولا فيما بعد الموت,وإلا فإنك لن تعثر على أي تفسير مقبول لكل ما هم عليه0
كانت رابطة القرابة والجوار والصداقة,تعني دائماً نوعاً من العطاء غير المشروط,كما تعني وجود فائض اجتماعي,يزيَّت العلاقات بين الناس,ويضفي على الحياة بعض المعاني السامية0المقابل لذلك,هو لمسات الحب والحنان والتقدير,ومواقف التعاون والمروءة والنخوة000
أما اليوم فقد ضعف وجود كل هذا,وصارت العلاقات قائمة في الدرجة الأولى على نوع من توازن المصالح,وحين يتم التأكد من انعدام المصلحة,فإن كل أسس القرابة والمعرفة والصداقة تصبح غير كافية لإقامة علاقات أن تلقى منهم تضحيات مماثلة0
أما على مستوى الشعوب والأمم,فإن كل الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية قد تكون غير كافية عندما يقع غبن حقيقي أو استغلال مكشوف لمنع نشوب حرب أهلية,أو تفكك دولة أو قبيلة؛وكلنا يذكر الحرب الأهلية التي وقعت بين بنغلادش و الباكستان حيث انتهت بتمزق الدولة الواحدة إلى دولتين,بعد أن شعر البنغلاديشيون بنوع من الغبن الاقتصادي والإداري0
المفاهيم التي أصابها التغير والتطور,كثيرة جداً,وحصرها عسير,ويكفي أن نعلم أننا نعيش حياة لم تتبدل,ولكن كل شيء فيها قد تغير؛ ومن المهم أن نفكر في أبعاد ذلك التغير,وتأثيره في إبعادنا عن أصولنا الحضارية والأخلاقية0ومهمة هذا الكتاب استهداف إضاءة ذلك وتعظيم الوعي به0
سادساً-العـــــــنف وإدارة الـقوة:
يمكن القول:إن الحضارة الحديثة,نزعت من الإنسان قلبه,فأصبح من غير مشاعر,وأضعفت لديه سلطان الضمير,والخوف من عقوبة الآخرة,وأحلت محله الأعداد الهائلة من القوانين والعقوبات والجند,ومع ذلك فأعمال العنف والجرائم المختلفة في تزايد مستمر0
لم يحدث ذلك من غير أساس,ولا من فراغ,وإنما كان ثمرة طبيعية لبعض النظريات العلمية والفلسفية والأخلاقية التي ركزَّت في وعي الإنسان الحديث حتمية الصراع في العالم والذي يحتم توفير الطاقة التي يحتاجها الانتصار في معارك,لانهاية لها0أوضح(داروين)في نظريته أن المجتمع الإنساني والطبيعة البيولوجية شيء واحد.وبناء عليه لابد أن يحكم هذا المجتمع الإنساني القوانين نفسها:قوانين المنافسة والصراع والعدوان؛وبالتالي لابد أن تتقاتل الأمم بعضها مع بعض من أجل البقاء,مثل الكائنات العضوية,وإلا فسوف تتعرض للفناء!0
وهذا(نيتشه)يرى في جملة ما يراه في مبادئ الأخلاق أن الخير كل ما يعلو في
الإنسان بشعور لقوة,وإرادة القوة,والقوة نفسها0أما الشر فهو كل ما يصدر عن الضعف0يرى أن الضعفاء العجز يجب أن يفنوا:هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للإنسانية
أن يُساعدوا أيضاً على هذا الفناء0وأن أشد الرذائل ضرراً الشفقة على الضعفاء العاجزين0أول صفات الإنسان الأعلى هي البطولة والنضال في سبيل مستوى أعلى باستمرار0واهذا كان أبغض شيء إلى(نيتشه)السلام0والحرب عنده أقدس شيء0
لاشيء أخطر على المجتمع من الشفقة على المنحلين والضعفاء العاجزين؛لأن الشفقة تقوم عقبة في سبيل قانون(الانتخاب الطبيعي)الذي يقضي بألا يبقي غير الصالح للبقاء!0
ولا تختلف فلسفة(سبنسر) في هذه المسألة عن مفهوم(نيتشه)0مفهوم الصراع وإرادة القوة جديد على المجتمعات النامية-لا سيما الإسلامية منها-فالقيم السائدة فيها هي الشفقة والرحمة والمحبة والعناية والتضامن بين أفراد المجتمع,لكن الوضعية الحضارية-العامة القائمة على تضخيم المكاسب والتمدد باستمرار-تشجع على التنافس والتصارع,وتجاوز الضعفاء والمساكين0
في خضم القرن العشرين-قرن التقدم والرقي وغزو الفضاء000-ينفجر العنف في كل مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري المعرفي الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها0في هذا القرن قام أكثر من(130)حرباً,وقُتل فيها أكثر من(120)مليون إنسان!0
الإنجاز الإسلامي الضخم في زمان النبيr والذي تمثل في تحرير مساحات واسعة من الأرض وإدخال أعداد كبيرة من الناس في الإسلام,ذلك الإنجاز لم يخسر المسلمون سوى(259)شخصاً؛وكانت خسائر المشركين نحواً من(756)شخصاً فقط!وذلك لأن الإسلام يدعو إلى الرحمة ونشر الدين بالكلمة الطيبة والمثل الأعلى,ويرى أن استخدام القوة هو آخر الحلول,ولا يتم إلا في حدود الحاجة0
العالم الغربي المشبَع بروح التنافس والعنف,والجاهز العدوان يعرف كيف يحقق مصالحه مع دعوته إلى سيادة الشرعية الدولية,ونصب موازين العدالة؛من خلال ما يمكن أن نسميه بسياسات الفتح السلمي وسياسات الأمر الواقع0
سياسات الفتح السلمي,تقوم على أساس تحقيق المصالح عن طريق الاعتماد على النظام والقانون والمسالمة الدولية,في إطار فلسفة تقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد ممكن0فإذا كان بإمكان الغرب أن يصل إلى أهدافه دون إراقة دماء,تصبح الحروب شيئاً لا معنى له؛فالصيد اليوم دائماً بشباك من حرير0والرصاص المستخدم هو رصاص الرحمة فقط0وكل شيء بقانون,القتل والنهب والسلب والدعارة000لكن دون أدنى قاعدة أخلاقــــــــــــــية!0
لماذا استعمار البلدان المستضعفة,وقد أثبت التجارب العديدة أن الدول المستَعمرة التي نالت استقلالها,صارت شعوبها أكثر تعلقاً بالمستعمِر وأكثر حاجة إليه من قبل؛فالسياحة لأبنائها في بلاده,والآلات تستورد من عنده,والطلاب يبعثون إلى جامعاته000 إذا كان بإمكانك جعل الآخرين يأتون إليك,فلماذا تذهب إليهم؟0
أما سياسات الأمر الواقع,فهي من إفرازات الفلسفات(النفعية)و(البراجماتية)التي تشرَّبها الغرب0وتلك السياسات تقوم على العمل الدائب المتدرج والمتخفي,من أجل إيجاد واقع معين,ومحاولة تثبيته بكل وسيلة ممكنة0ومعطيات(مرور الزمن)تخدم هذه السياسات,حيث يصبح المتضررون من واقع سيئ مشلولي الحركة بعد ترسخه وحاجته إلى جهود كبيرة كي يتغير؛وهم لا يستطيعون بذل تلك الجهود؛
لأن الواقع الصعب نفسه,يحول دون التمكن من القيام بالأعمال الكبيــــــــرة000
في البوسنة ترك الغربُ الصرب يفترسون المسلمين هناك,حتى إذا أُنهكت الضحية,وشُرَّد مئات الألوف,ودمَّرت البيوت والمصانع,جاء الغرب ليأخذ الواقع بعين الاعتبار,ويُفَصَّل اتفاقية(دايتون)على الواقع البوسني المأساوي!ويعيد الكرَّة اليوم في (كوسوفو)أيضاً0وهذا ما يفعله اليهود في فلسطين السليبة؛فقد أَصَمُّوا آذانهم عن كل القرارات الدولية إلى أن أوجدوا واقعاً يصعب جداً معه تنفيذ تلك القرارات:فأين يذهب مئات الألوف من المهاجرين اليهود وذراريهم وما الذي يمكن عمله حيال ترسانة نووية هائلة,وكيف يستطيع مئات الألوف من الفلسطينيين الاستغناء عن العمل لدى اليهود,وهم لا يرون أي بديل يلوح في الأفق؟0
وهكذا فروح(العنف)تتغلغل في كل شرايين حياتنا المعاصرة,لكن الجسد الذي يحمل تلك الروح أكثر نعومة ورِقّة,وأكثر مراعاة للقوانين والأعراف الدولية السائدة!0
إن تنبّه المسلمين المعاصرين لهذه الأمور,ويوجب عليهم التسلح باليقظة الدائمة,والحذر من(التغيرات البطيئة)التي تتراكم آثارها على نحو خفي؛حتى إذا صارت إزالتها مستحيلة,تَبَدَّت على حقيقتها وندم الناس حيث لا ينفع الندم!0
سابـعاً-الـتحدي والاستـجابة:
لا يخفى على أحد اليوم زيادة وعي الناس بمجمل التحديات التي تواجههم والضرورات التي تحط من نسق تحققهم بمبادئهم وقيمهم000وإذا تأملنا في معظم أنشطتنا اليومية وجدنا أنها في الحقيقة ردود أفعال,واستجابات لمطالب وصعوبات وتحديات,ومن خلال تلك الاستجابات نحافظ على وجودنا, ونُرقَّي مواهبنا,ونزيد في الإمكانات التي في حوزتنا0ولعلنا نسلط الضوء على هذه المسألة من خلال الحروف
الصغيـــــــــــــرة التـالـــــــية:
أ-المثيرات التي تتطلب منا استجابات كثيرة جداً,وما نسميه ردود أفعال نوع من الآلية التي اعتمدها الناس في حفظ العلاقة بينهم وبين الوسط المحيط ونوع من
استثمار تلك العلاقة0ونوعية الاستجابة للتحديات والمثيرات,تعد تلخيصاً دقيقاً لفهم المستجيب ووضعيته وعمق تقديره لما يترتب على استجاباته من منافع وأضرار000
كلما كان الإنسان أقرب إلى البساطة في الإدراك,والبدائية في الخبرة والمعرفة-كانت استجاباته ذات طابع عفوي,وغير واعٍ,حيث تفرض طبيعة التحديات,وطبيعة الظروف والأوضاع المحيطة آنذاك نوعية الاستجابة,وحجمها وتوجهها0
الإنسان ذو الخبرة والمعرفة الجيدة يشعر بلذة الطعام,ويدرك في الوقت نفسه المخاطر التي تترتب على الإفراط في تناوله0هو يدرك جمال العمل اليدوي وإنسانيته,ويدرك أيضاً ما ينفقه من جهد ووقت زائدين على ما يتم إنفاقه في حالة استخدام آلة في إنجاز ما أنحزه0هذا الإدراك لم يصبح حقيقة ملموسة لدى كثير من الناس إلا بعد اتساع مساحات الرؤية للأشياء المختلفة0أي بعد أن حدث نوع من الوفرة في المعارف والخبرات والتجارب؛مما جعل الإنسان يرى في آن واحد ميزات الأفعال والأشياء وعيوبها,ومردود الاستجابات وتكاليفها0
جهل الناس يوقعهم أسرى في فلك المثيرات,فيقتربون بذلك من الحيوان الذي يتصرف على هدي من البرمجة الغريزية التي أودعها فيه الخالق-تبارك وتعالى-0الإنسان يدرك ما يحدثه تناول المخدر من إدمان,ويعرف أن حالة الضيق والَعَوز التي تصيب المدمن هي بسبب الحرمان منه0أما الحيوان الراقي-القرد-فإنه يستطيع الربط بين المخدر والمتعة,لكنه لا يستطيع الربط بين الضيق الشديد الذي يجده وبين الحرمان من مخدر أدمن تناوله؛إن عقله لا يستطيع الربط بين سلسلتين مختلفتين0
إن تعقد الحياة الراهنة جعلت خبرات الناس-في كثير من الأحيان-غير كافية لإدراك طبيعة التحديات,وإدراك ما تستحقه من استجابات,مما يعني أننا سنرى المزيد من ردود الأفعال غير الراشدة ,وغير المتزنة0
الحضارة الحديثة رفعت من وعي الناس بأمور كثيرة,لكنها قد أحاطت الإنسان بكميات هائلة من الأشياء التي يشعر أنه بحاجة إلى اقتنائها أو استهلاكها,مما أضعف من إرادته,ونقل مركز التحكم من الإنسان إلى الأشياء؛وبذلك تم إجهاض الكثير من فاعلية الوعي الذي وفرته الحضارة الحديثة0الناس يدركون اليوم مخاطر(الإيدز)لكن ضعف إرادتهم جعل قدرة إدراكهم لمخاطرة ضئيلة القيمة في كفهم عن أسباب الإصابة به؛إذ إن هذا المرض الفتاك,ينتشر بسرعة متزايدة0وتذكر أخر الإحصائيات أن نحواً من ستة عشر ألف شخص ينتسبون يومياً إلى(نادي الإيدز)ليدخلوا بعد مدة في مرحلة المعاناة من آلامه الرهيبة!0وهكذا تأخذ الحضارة الزائفة باليد اليمنى ما أعطته باليد اليـــــــــــسرى!0
ب-مما يتعاظم به الإحساس في عصرنا هذا اختلاف النظرة إلى (الأزمات)التي تعرض للناس في حياتهم؛فقد كان وعي الناس في القديم,لا يكاد يدرك ما تمثله الأزمات والمشكلات العويصة من مثيرات ومحرضات على التغيير والارتقاء,وما تتيحه من فرص جديدة للنمو؛وإنما كان يدرك الوجه المظلم من الأزمة-وجه الإعاقة والإحباط والخسارة0وهذا في حد ذاته كافٍ لإشاعة روح الاستسلام والخنوع لأحداث الحياة المعاكسة0
خبرة أبناء زماننا بالتاريخ,وبالكثير من خبايا الوضع الإنساني العام أرتهم الوجه الثاني للأزمات والمشكلات؛مما جعل كثيراً من المفكرين يعدون فقد(التحدي)مشكلة عويصة,حيث نشأ اليوم مصطلح جديد هو(خيانة الرخاء)ويرون أن من الأسباب الكبرى لتخلف(أفريقية) عدم وجود تحديات,تدفع إلى الكدح والعمل؛فالماء والغذاء متوفران-في الماضي-واعتدال المناخ,لا يحوج الناس إلى البحث عن أسباب التدفئة000وهذا كله جعل الإنسان الأفريقي,يشعر ألا شيء يدعو إلى العجلة والكد وتنمية المهارات,ما دام الحد الأدنى من وسائل العيش متوفراً0
في الماضي كانت الطاعة العمياء لربَّ الأسرة أو مدير المصنع أو الكبير في السن دليلاً على التهذيب والوفاق والتضامن000فهي دائماً بشرى خير؛لكن الأمر قد اختلف اليوم,حيث يرى كثير من المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للانقياد الأعمى
ما هو إلا فوائد زائفة,وإن من حسن حظ رب الأسرة,ومدير المصنع000أن يجد من يقول له(لا),ومن يصحح له خطأه,ومن ينهاه ويحذره؛لأن ذلك قد يكون الوسيلة الوحيدة لردعه عن كثير من الأخطاء والتجاوزات,كما أنه أفضل وسيلة للحيلولة دون توافق شكلي,لا يخفي تحته إلا القهر والاستبداد والتبرم والضغائن000
جـ-مما صار معترفاً به في سياق التحدي والاستجابة أن مجابهة التحديات بشجاعة هي أفضل طريقة للمحافظة على الوجود,بل تنميته والارتقاء به0الإنسان يتشوق دائماً إلى الطلاقة وتوسيع إمكاناته إلى أبعد مدى ممكن,لكن(الضرورات)وقيود الزمان والمكان والمصالح المعاكسة؛تحد دائماً من عالم الممكن,وتخفَّض طموحاتنا وأحلامنا,أي تتحدانا,وتستنفر قوانا,كي نتجاوزها,ونظل في حالة من الانطلاق غير المحدود000
لكن المشكلة أن الإنسان لا يملك دائماً من الوعي وقوة الشكيمة ما يمكَّنه من
الاستمرار في المواجهة,فهو لا يستنفر في العادة كل قواه إلا عند حدوث صدمة قوية,أو عند بلوغه حدود الخطر المحدق000إنه إنسان ميّال إلى العطالة والاقتصاد في الجهد إلى أبعد حد ممكن0
صار واضحاً لدى كثير من المفكرين أن أزمة الاستفادة من التحديات التي يواجهها بنو الإنسان كثيراً ما تتمثل في (التكيس)و(التكيف)0أما التكيس فإنه يتمثل في أن يقلل الإنسان علاقاته,أو يوقفها مع بيئة غير مواتية انتظاراً لتحسن الظروف0 تلك هي حال كل من يستلم للإخفاق,فينفض يديه من كل المشكلات التي يهز العالم,وينكبُّ بعناء(الأرضة)وإصرارها على بناء عشه,وإحاطته بسياج متين,ويرفض الالتزام بأي شيء,ويتملص من مسؤولياته بلباقة0إنه مثل بعض البذور حين تعجز عن الهرب في الفضاء,تبتدع استراتيجية,تتيح لها التحرر من مؤثرات البيئة بالتشرنق في وسط محمي,والإبقاء على المبادلات الخارجية عند أدنى حد ممكن0
كثير من مسلمي اليوم يُظْهِرون انعزالاً عجيباً تجاه المشكلات والأزمات المعاصرة,ولا تسمع منهم إلا مر الشكوى,دون أن يقوم الواحد منهم بأي عمل إيجابي؛مع أن أمامهم الكثير مما يمكن أن يعملوه لو أرادوا0والنتيجة هي تراكم المشكلات,وتناسل التحديات؛لتتعاظم التركة الثقيلة التي سَنُتْحِف بها الأجيال القادمة!0
أما التكيف فهو تحمل آلام المشكلات إلى ما لا نهاية,وإبداء طاقة احتمال غير مجودة تجاه التحديات,دون التفكير بأن شيئاً ما يمكن تغييره أو الخلاص من شره0والحجة الدائمة:ليس في أيدينا أن نفعل أي شيء,ونحن على كل حال أحسن من غيرنا,ولابد أن تتبدل الأحوال يوماً ما!0
على مدار التاريخ كان معظم الناس يتعاملون مع مشكلاتهم على أنها شيء طبيعي؛فقد
ظلت النسوة تكنس البيوت وهن يحنين ظهور هن عشرات القرون,إلى أن جاء من وضع عصا للمكنسة,حتى يكنس بها الناس وهو واقفون دون انحناء؛وما ذلك إلا لأن الناس لم يفكروا في التطوير,ولأن فكرةLليس بالإمكان أبدع مما كان(كانت تحكم كل رؤاهم الحضارية0
هنا يأتي دور المفكرين الكبار والعلماء الربّانيين الذين ينقلون المشكلات إلى حسَّ الناس وأعصابهم,والذين ينشرون من صور المقارنة ويبدعون من مقولات التنظير ما يجعل الناس يرون الفارق بين الصواب والخطأ,والكائن وما ينبغي أن يكون,والطبيعي وغير الطبيعي000
إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات,لا يقوم في طبائع الأشياء بمقدار ما يقوم في نوعية علاقتنا بها0 والواجب أن نفقه تلك العلاقة كي تكون استجاباتنا للتحديات راشدة ومكافئة0
ثامـناً-انتشــــــــار نظام التجارة:
نظام التجارة هو أحد النظم التي اخترعها البشر لتبادل المنافع وسد الثغرات المعيشية,
وبالتالي تنظيم العنف,وضبط الحقوق0نظام التجارة قديم,بزغ فجره يوم شعر الإنسان أنه لا يستطيع أن يزرع,أو ينع كل ما يحتاج إليه,ويوم شعر أنه لا يستطيع دائماً أن يستهلك كل ما ينتج000
أثبت نظام التجارة في عصرنا أنه أقوى النظم جميعاً؛ومن النادر أن يجمع الإنسان بينه وبين أي نظام آخر في حياته دون أن تكون الغلبة لصالح النظام التجاري,فإذا كان الإنسان معلماً وتاجراً,أو طبيباً وتاجراً,أو صانعاً وتاجراً000
فإن صفة(التاجر)ستغلب عليه بكل ما تقتضيه من فهم وحركة وأخلاق وأدبيات000
ويبدو أن الآفاق غير المحددة من النمو وجمع الثروة التي تعد بها التجارة,هي التي منحتها هذه الجاذبية0وفي النهاية فإن تأثيرها الشديد يأتي من صلتها بالمال الذي أصبح المحور الأساسي لفلسفة العيش في حياة معظم شعوب الأرض0
وتشهد خبرات عدة أن النظام التجاري قادر على تطوير معظم جوانب الحياة,وترك بصماته عليها,حتى الجوانب التي يظن أنها تطوَّر التجارة,ولا تتأثر بها,مثل المجال(الأكاديمي)فقد ظلت جامعتا(أكسفورد)و(كامبردج)تخنقهما القرارات الشديدة التحفظ والجامدة في منتصف القرن السابع عشر,وجاء التجديد لمناهجهما وخططهما الدراسية على أيدي التجار الجدد الناحجين0الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات والعابر للحدود,تركت آثاراً هائلة في الثقافة والسياسة والاقتصاد,وهي في الحقيقة أشبه بحكومات الظل في سائر أنحاء العالم,وهناك منها اليوم نحو من(40)ألف شركة,تملك أو تسيطر على نصف الإنتاج العالمي تحديداً!0
عاشت البشرية معظم أيام حياتها السابقة دون أن تعرف(النقد)وكان تبادل السلع؛هو السائد بين الناس,وكان يُشعر بنوع من التكافؤ-الظاهري على الأقل-بين الناس؛لكن الوضع اليوم قد تغير,فالسلطة التي يتمتع بها الشخص اليوم تُعتبر,وتقوَّم بكمية النقد التي يستطيع التصرف بها,وصار المحروم من النقد,يشعر بالضآلة والتلاشي في زمان انتهت فيه المجانية المطلقة أو كادت000
طوفان المعلومات الذي أغرق البيوت,يُشعر الكثيرين بالحسرة والحرقة حيث يرون بأم أعينهم الثروات الهائلة المكدَّسة لدى قلة محظوظة من بني البشر,على حين أن معظم سكان الأرض,هم درجة من درجات البؤس والفاقة0
اليوم تتزايد نسبة العلاقات الاجتماعية التي يحكمها مفهوم(البضاعة)ومن شكل إلى
شكل يتسع ذلك الجزء من حياتنا الذي يقع تحت سلطان المال؛فكثير من الناس,يتخذ مما ظاهره تواصل وتوادد سلَّماً للوصول إلى أغراض نفعية محضة0وصار من المألوف أن تسمع من يقول:النجاح نجاح علاقات0ولِمَ لا و(العلاقات العامة)تدرس في المعاهد والجامعات مما جعلها أشبه بالأعمال الهندسية منها بمبادرات عفوية عاطفية!0
منذ قديم الزمان اقترن مفهوم التجارة بالسفر و الترحال والمغامرة,وفي عصرنا زاد كل ذلك إلى حدود مخيفة,فسهولة المواصلات,والخدمات الضخمة التي تُقدم لمن معه مال,أينما حطَّ رحاله,شجعت على التنقل,وخففت بالتالي من فكرة الارتباط بالوطن والأهل0وهناك من ينظر اليوم إلى الزواج على أنه قيد,لا معنى له(!) يعوق حركة
الارتحال,وما تفرضه التجارة من ارتباطات وأسفار000
إن من آثار تضخُّم نظام التجارة الميل الشديد إلى(الشيئية)ومحاولة(تنميط)كل شيء من أجل تسهيل تبادله,وهناك حركة متنامية لبيع أعضاء الأموات,ومن هم مشرفون على الموت؛وغداً سيتم إنتاج وتسويق (قطع غيار)بشرية بالجملة والمفرَّق,ولا يدري أحد كنه ما هو قادم في هذا السياق!0
نظام التجارة يُشبع اليوم خُلُق(الصفقة)الخلق الذي يميل إلى التركيز على المحاسن والميزات,وإخفاء العيوب,والشكوى الدائمة من سوء الأحوال,و اتباع الحلول الوسط وهندسة وضعيات التلفيق والمساومة,وهذا ما نلاحظ نموه في مجتمعاتنا,حيث صارت الحقائق والمعايير النقية المحايدة قليلة؛لأنه يتم توزيعها بين البائع والمشتري000إنه التبادل؛ولذا فإن كثيراً من الأقوال والأفعال,يمكن وصفه بأنه خطأ باعتبار طرق,وصواب باعتبار طرق أخرى,وذلك نتيجة الميوعة في التصوير والانتماء0إنه
قول محسوب,وفعل مدقَّق,يبتغي منه النهاية الربح لا الخسارة,والنمو لا الانكماش!0
كما يقتضي نظام التجارة المزيد من الترحال,يقتضي أيضاً المزيد من(اللياقة)في الجسم والهندام والكلام والإدراك؛فكل ذلك سيكون عوناً على النجاح في التسويق والمنافسة التجارية0وذلك ضروري أيضاً للحيازة على(القَبول الاجتماعي)إذ إنه هو البوابة التي يلج منها كل من يريد أن يحيا في قلب النظام التجاري,وليس على هامشه0على كل حال المجالس اليوم عامرة بأحاديث التجارة والمكاسب المادية,وقد صار الحديث عن(الأشياء)هو الحديث عن العالم بأسلوب جديد!لم نرد من وراء ذم
التجارة,ولكن التحذير من التطرف والمبالغة في الانسياق خلف نظامها النفعي,ومحاولة فرز الأعراض السيئة التي تصاحب كثيراً من الأنشطة والأعمال؛وإلا فإن الضرب في الأرض,وكسب لقمة العيش وعقد الصفقات الكبرى-ليس شراً ولا عاراً,وذلك على كل حال أشرف وأكرم من الحاجة إلى الناس وجمع المال عن طريق الرشوة والنهب واللصوصية-وهذه الأخيرة أنواع-زكل الأعمال في النهاية منوطة بمقاصدها وصوابها,ومدى مساهمتها في التوازن العام,الفردي والاجتماعي0
إن مواجهة مخاطر سيطرة المال,ونظام التجارة عبارة عن أجوبة شخصية,وتعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل على أن يتقدم الإبداع على السلبية,والدائم على الزائل,وإضفاء اللمسات الإنسانية على كل ما يتصل به,إلى جانب تحقيق الغنى الروحي والخلقي,واستعادة التعاطف والتضامن الأخوي000مما هو ضروري لحياة جديدة ذات معــــــــــنى0
تاسعاً-جنـــــون الاستهلاك:
لم يحدث في التاريخ أن نجح مجتمع بشري في تأمين حاجاته وكمالياته كما نجحت
مجتمعات عصرنا الحاضر؛فالفتوحات العلمية والتقنية والاستغلالية لموارد البر والبحر-وغداً الجو-مكنت الإنسان من توفير سلع وخدمات ,ولو ذُكرت للناس قبل نصف قرن من الآن,لظنوها ضرورياً من الوهم والخيال!0
ونتيجة للإفلاس الروحي الذي يسبق له مثيل أيضاً,قام الناس بإحلال الشهوات وأصناف المتع حل السعادة القلبية والإشراق الروحي,فحينما شعر الإنسان باليتم العقدي والانتمائي,تحوَّل إلى مستهلك,وصار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الأكبر,كما صار التقدم الاقتصادي كبير أصنام العصر0حين تم اختزال التقدم العام-وهو بالطبع روحي مادي-إلى النمو الاقتصادي وحده,أخذت أنشطة الحياة تتمحور بالتدرج حول هدف أعظم نهائي هو:مزيد من العمل من أجل مزيد من الإنتاج من أجل مزيد من الاستهلاك من أجل مزيد من المــــتـعـــــــة!0
لم يكن الاندفاع نحو الاستهلاك العظيم ناجماً عن التعويض عن انهيار المركز الروحي للإنسان الغربي فحسب,بل كان إلى جانب ذلك نتيجة ما تقضي به وتيرة النمو التي تخضع لها اقتصادات البلدان المتقدمة من ضرورة إيجاد احتياجات متجددة,وتنشيط الرغبة في تلبيتها,باستخدام الدعاية وفتح أسواق جديدة للتصدير,وخفض مدة صلاحية السلع0الدعاية في الأعمال التجارية,تؤدي دوراً مهماً اليوم في فتح شهية الاستهلاك والتبذير,وتبديد الموارد والثروات0وتذكر بعض الإحصاءات أن أمريكا أنفقت عام19996نحواً من(84)مليار دولار في الدعاية والإعلان عن السلع والخدمات0وهذا الرقم يكفي لإطعام عشرة من الشعوب التي تتضور جوعاً!0كما تذكر إحصاءات أخرى أن مجمل ما يتم إنفاقه على الدعاية الآن في العالم قد تجاوز(350)مليار دولار سنوياً0
ويؤسفني القول:إن فن الدعاية لدينا,يسير باتجاه النمط الغربي,مع أنها تؤثر تأثيراً مباشراً في حجم الادخار الوطني في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى رؤوس أموال جديدة وجيدة من أجل توفير فرص عمل لملايين الشباب المسلمين العاطلين عن
العمل0قد كان الناس على مدار التاريخ ينتجون ما يحتاجون إلى استهلاكه,من أجل إبقاء مسيرة الحياة مستمرة,لكن الذي أحدثته الفلسفة الرأسمالية وأدبياتها,وطيوفها النفسية والفكرية,هو الرغبة في الاستهلاك من أجل الاستهلاك!وهذا أدى إلى تسارع نضوب موارد المعادن,والطاقة غير المتجددة,كما أدى إلى تلويت الهواء والماء,وتسخين حرارة الأرض؛مما ينذر بأوخم العواقب0ولو قدر لسكان الهند والصين أن يسلكوا المسلك الاستهلاكي الذي يسلكه الغرب-لا سيما أمريكا-لاختنق العالم عشرات سنـــــــــــوات!0
فقد انتشرت بسبب التلوث الأمراض الخطيرة,وهناك بعض الأرقام المخيفة في هذا الشأن,فأمراض السرطان يعود مابين(80)إلى(90)منها إلى تلوث البيئة,كما أن ارتفاعها يكاد يمضي على وتيرة ثابتة,هي في حدود(3%)سنوياً0سوف يطرح العالم قريباً في كل سنة ما يكفي لطمر عاصمة-مهما كانت كبيرة-بأكوام من الفضلات والمخلفات-وبعضها سام-سماكتها مئة متر!0
مما يؤسف له أن العالم الإسلامي يسير في الطريق عينه الذي يسير فيه الدول الصناعية من استهلاك وإسراف؛بل إننا قد تجاوزنا نمط المعيشة الغربية قي بعض الجوانب,مثل ما ينفق على الحفلات والمناسبات والولائم,ومثل ما يتم استهلاكه من قبل كثير من النساء على شراء الثياب,وعلى الحلي وأدوات الزينة000
لدينا الكثير من النصوص التي تدعو إلى ترشيد والإنفاق,والتنفير من الإسراف
والتبذير,على نحو ما نجده في قوله-جل وعلا-[وكلوا واشربوا ولا تسرفوا] {الأعراف:31}0وقوله-سبحانه-[إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين]{الإسراء:27}بدافع حب التنعيم,وبسبب من عدم الشعور بالمسؤولية,صار القليل من المسلمين من يتعظ بقوله-سبحانه-[ثم لتسئلن يومئذ عن النعيمـ]{التكاثر:8}وصار كثير من الناس يحتج[وأما بنعمة ربك فحدث]{الضحى:11}
ليس ثمة مسوغ مقبول لانجراف المسلم في التسابق على إرواء حاجات الجسد,ما دام يعتقد أن الآخر,هي دار العيش الحقيقي,وما دام يعتقد أن الله –تعالى-سائله عما استخلفه فيه من مال,وما دام يعتقد أن حماية البيئة,والمحافظة على موارد الأرض مسؤولية من مسؤوليات المسلم000فهل نستطيع أن نخطو خطوة إلى الوراء على صعيد أنماط سلوكنا وعيشنا؛كي نحفظ ما تبقى من طاقة الحياة,وكي نعطي العظة والقدرة لمن هم بحاجة إليها من الشعوب المترفة التي تبلَّد الحسّ تجاه مسؤولياتها الكونية؟0ونسأل الله المـــــــــــــعونة والتوفيــــــــــــــــق
* * * * *

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image016.gif[/IMG]


الفصل الأول:
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image017.gif[/IMG]
هذا العنوان قد يكون عسير الفهم على بعض الناس؛إذ كيف يستقيم أن نشكو من صعوبة العيش في زماننا ونحن نرى أشكال الخيرات والمرفهات,كما نرى سهولة الاتصال والانتقال,وانتشار المؤسسات التعليمية والتربوية,وتعدد الخيارات أمام الإنسان في كل شأن من شـؤون الـــــــــحياة000؟
لا ريب أن كل هذا صحيح,لكن لا بد من القول:إن كل هذه الأشياء,لا ينبغي أن تُرى من خلال منظور محدود,أو من خلال رؤية بعض الناس,وإنما من خلال المعايير قيمية توازنية شمولية0وإذا استخدمنا معايير بهذه السمات,فإننا سنجد أن قسماً كبيراً من سكان الأرض,لا يتمتعون بكثير من خيرات العصر الحديث,ولكن تحترق قلوبهم بسبب الصور التي يرون فيها تنعم المترفين وتطلعات المُتْخمين؛كما يرون بؤسهم الشديد من خلال مشاهدة الهوة التي تفصل بينهم,وبين سكان العالم الصناعي0في العالم-كما يفيد تقرير لمنظمة(الفاو)-أكثر من مليار نسمة,لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء,وفي تقرير آخر أن(63%)من سكان آسيا و(61%)من سكان أفريقية,و(36%)من سكان أمريكا اللاتينية(33%)من سكان الشرق الأوسط,يواجهون حالة الــــــجـوع0
المقارنات,تأتي دائماً بمفارقات,وفي الماضي كانت هناك فوارق بين الناس في
مستوى العيش,لكنها كانت فوارق محدودة,أشبه بالفوارق التي كانت تُرى بين المتحاربين في الأيام الخالية:سيف بسيف,ورمح برمح وسهم بسهم000قد تكون سيوف هذا الجيش أفضل لكنها في النهاية سيوف,لا طائرات ولا صواريخ000
أما اليوم فمأساة الفقراء والجياع والمحرومين أنهم في مواجهة الحياة المتفاقمة أشبه بمن استعد وسهم لمواجهة خصم مسلَّح بالدبّابات والصواريخ!0
إن السعادة تنبع من الداخل,أما الشعور بالرضا فيتولد من خلال المقارنة مع الآخرين,وهذا هو سر سخط كثير من الناس على زمانهم وأحوالهم,حيث لا تزيدهم المقارنات إلا بصيرة بسوء أوضاعهم,وانسداد الآفاق أمامهم!0
الناس حين يقارنون أنفسهم بغيرهم قد يكونون على خطأ,إذ من الواجب في أمور الدنيا أن ينظر الإنسان إلى من هو دونه حتى يستشعر نعمة الله-تعالى-عليه,ويحصل على الرضا,لكن المقارنات ليست دائماً خاطئة,في زمان أصبح الناس فيه أشبه بمواد داخل خلاطة كبيرة,أو داخل كرة مضغوطة ضغطاً شديداً,حيث لا يستطيع أي جزء داخلها أن يتمدد في الفراغ,حيث لا فراغ وإنما على حساب مزيد من الضغط على جزء آخر؛فترف المترفين,وتوسع المنعمين,لا يمكن أن يتم-عند الرؤية المدققة-إلا على حساب مزيد من الضنك والعوز في حياة الضعفاء والمساكين0
في عصرنا لم يعد بالإمكان عزل السلوك اليومي للناس عن مستوى دخلهم ودرجة تعلمهم,وما حظي به الواحد منهم من عناية وتربية توجيه,وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً؛فالإنسان لا يستطيع أن يتقدم في حالات الفقر المدقع,بل إني أقول لا يستطيع
أن يعيش وفق مبادئه,كما لا يستطيع أن يحيا في جميع أبعاده وهو يرضخ تحت ضغوط الحياة المعاصرة وتكاليفها الباهضة0
إن شح الموارد حمل كثيراً من الناس على الاختلاس,وقبول الرشوة,واقتراف الكذب والاحتيال,وإراقة ماء الوجه,وتحمل الجور والهوان؛بل صار كثير من المسلمين يعيش حياة,هي أقرب إلى حياة(النبات)؛فهو يأكل ويشرب ما تيسر له,ويتنفس,ويتكاثر,ثم يموت!أما ارتقاؤهم الروُحي والعقلي والخلقي,فإنه قد أمسى من الماضي البعيد!0
سوف يخفف الكثير من الآم الناس إحساسهم بأن مشكلاتهم تتضاءل,وأن أحوالهم تتحسن,لكن المؤسف أن هذا الشعور ليس موجوداً؛فالمسافات التي تفصل بين المسلمين في البلد الواحد,تتباعد,حيث يجري تبخير(الطبقة الوسطى)لصالح قلة من أصحاب الثروات,وكثرة من المُعْدَمين0
هذه الكثرة تشُعرِ يوماً بعد يوم أن الحد الأدنى المطلوب لحياة كريمة,أو شبه كريمة,صار مرهقاً,وفوق طاقتهم على الاحتمال0فقد تعقدت أساليب العيش,وزادت أسعار الموارد الأساسية,وكثرت التجهيزات التي يعدُّها المجتمع ضرورية,وصار ما يتطلبه الإعداد التعليمي والمهني الذي يؤهل الشاب للحصول على عمل مناسب, عالي التكلفة0
في أكثر بلدان العالم الإسلامي,يحتاج الموظف المتوسط الدخل إلى أن يدخر كل مرتباته التي يتقاضاها خلال عشرين سنة؛حتى يتمكن من امتلاك بيت,يؤويه مع أسرته!
فكيف إذا علمنا أن مرتَّبه لا يكفيه للإنفاق على حياة شبه كريمة سوى نصف الشهر,
ويدبَّر نفقات باقِيهِ عن طريق الافتراض؟!0
في الماضي لم تكن ثمَّة وسائل طبية متقدمة للعلاج؛فكان الموت يحل كل إشكالات الحالات الصعبة0وأما الأمراض والإصابات الصغرى فتُواجَه بالتحمل والصبر0أما اليوم,
فماذا يكون موقف أسرة أصيب أحد أفرادها بعطالة بـ(الكُلى)أو بأحد الأمراض الخطيرة,هل تتركه يموت,أو تسلمه إلى مشفى حكومي كثيراً ما يكون نموذجاً للعوز والإهمال أو تدخله إلى مشفى خاص,تدفع فيه كل ما وفرته,وكل ما يمكن أن تستدينه ؟!.
ماذا تكون حال أسرة مسلمة تقيم في مسكن من صفيح ليس فيه ماء ولا كهرباء ولا علاج,على هامش مدينة مترفة,يساوي البيت فيها الملايين؟!0
ستظل مشكلة المشاكل بالنسبة إلى كثير من الشباب المسلم هي(البطالة)الضاربة أطنابها في معظم الدول الإسلامية,والآخذة في التفاقم,حيث الركود العام وصعوبة الحصول على عمل ذي أجر مناسب,حتى قال أحد الباحثين:(إن هناك أجيالاً قد تولد,وتعيش,وتموت دون أن تجد عملاً ملائماً))!0
المشكلة في البطالة أن الأرقام التي تصور قوة العمل,وعدد العاطلين شحيحة جداً .
في الدول الصناعية,تسهل معرفة حجم البطالة عن طريق المساعدات الحكومية التي تدفع للعاطلين عن العمل0قد أضحت البطالة صفة لصيقة بخصائص الهيكل الاقتصادي المعاصر؛ففي أمريكا واليابان نحو من(35)مليون عاطل عن العمل,وهذا الرقم يساوي(12%)من قوة العمل فيهما0لكن قوة الاقتصاد,وكثرة الموارد والضرائب
التي تُحصَّلها الدولة هناك,تمكنها من الإنفاق على العاطلين عن العمل وحمايتهم من التسول والانحراف0في العالم الإسلامي الأرقام البطالة-كما ذكرنا-شحيحة,لكن المتوفر منها مخيف0ويذكر بعضها أن نسبة البطالة في الباكستان تبلغ نحواً من(19%), وفي اندونيسيا(50%),وفي أفغانستان(70%)0
وليست مشكلة البطالة محصورة في فقد المرء المصدر قوته,وإنما يتولد عنها آثار نفسية وسلوكية واجتماعية خطيرة؛فحين يجلس المرء مدة طويلة من غي عمل,فإن ارتكاسات كريهة تصيب شخصية باعتبار إنساناً,وباعتباره حياته الأسرية,وتسمم الجو الذي يعيش فيه أطفاله0وهذا كله كفة,وانغماسه في اللهو مع قرناء السوء,وإمكان إدمان للمخدرات في كفة أخرى؛ليصبح في النهاية أقرب إلى المعوَّق والمشوَّه0
إذا تأملنا مرة أخرى في المسافات الفاصلة بين الشعوب الإسلامية والشعوب الصناعية,وجدنا أن تلك المسافات تزيد,والهوة تتسع0وتلك الهوة تتمثل في فاعلية الشخص ومعرفته,وقدرته على التكيف والمرونة الذهنية,وفي مستوى الدخل الوطني والاستقرار السياسي ونوعية الخدمات المقدمة لكل فرد وكميتها , والسيطرة على البيئة0
ولا تتوفر مؤشرات واضحة على كل ذلك,لكن الملموس منها,يبعث على الإحباط .
فعلى حين ترتفع أسعار منتجاتهم بصورة مطردة,فإن أسعار صادراتنا,تتدهور,أو تتجمد؛
وهذا يعني أنه يجب أن نصدَّر أكثر حتى نستطيع الحصول على عين القَدْر من الواردات0في عام1991كان دخل الفرد السويسري(36300)دولاراً على حين أن هناك ملياراً من البشر-كثير منهم مسلمون-يكافحون ليعيشوا بأقل من(370) دولاراً في السنة!؟
قد توقف النمو تقريباً في كثير من دول أفريقية خلال العقد المنصرم,وهبط دخل الفرد في معظم دول أفريقية0جاء في تقرير اقتصادي صادر في جنيف عام 1988أن متوسط الدخل الحقيقي للفرد في العالم النامي قد انخفض بمعدل(6%)في المدة التي بين عام1981وعام1987 0في حين ارتفع متوسط الدخل الحقيقي للفرد في العالم المتقدم في المدة نفسها نحواً من (13%) . مضاعفات هذه الهوة,تظهر,وتتفاعل كلما أخذ الاتصال والانفتاح العالمي في التوسع,وهذا ما نشاهده الآن .
قد نشأت حضارة شديدة الإغراء,تتجاوز فيها-بالضرورة-الحاجاتُ المطلوبة الوسائلَ المتوفرة,وصار الناس بين خيارين,أحدهما مر:إما لعزلة,وبالتالي سيطرة مشاعر التهميش والإحباط,وإما الانخراط في الموجات المادية والدنيوية العاتية0وقد آثر أكثر الناس الخيار الثاني,واستقر في الأعماق من الشعور إحساس بالسطحية,وبالانغماس في استجداء الاستمرارية على أبواب الثقافة القاهرة0
صار الناس يشعرون يوماً بعد يوم أنه لا بد للمرجعية الإسلامية العليا حتى تستطيع الصمود أمام الفلسفة الليبرالية من أن تسهم في تطوير أساليب للتفكير المنتج الفعال,وبناء أخلاقية ناجعة للرقي الحضاري , ووضع (استراتيجية) أفضل , وأكثر ملاءمة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي,وإلا فإنه سينشأ لدى كثير من الناس نوع من الازدواجية المقيتة,تمارس في ضوئها الشعائر الإسلامية وفق تعاليم ديننا الحنيف,ويتم تشييد التقدم الاقتصادي والتقني والتنظيمي وفق الأنماط الغريبة ؛ وهذا ما نلاحظ أنه يتغلغل في مفاصل الحركة اليومية لكثير من المسلمين الآن .
***
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image019.gif[/IMG]
حاولت في الباب السابق تقديم بعض الملامح العامة لعصرنا الذي نعيش فيه,بغية تحسين وعينا بالظروف والنظم والتحديات التي تكتنف حركتنا اليومية0 وسأحاول في الأبواب التالية أن أقدَّم بعض الرؤى والأفكار والنماذج والآليات التي تساعد(المسلم المعاصر)على أن يوجَّه إمكاناته,ويُرقَّي مهارته على طريق المواجهة للتحديات المتجددة,وعلى طريق التحول من ساحات الانفعال إلى ساحات الفعل,ومن مواقع الأخذ إلى مواقع العطــــــاء0
إنَّ كل ما ذكرناه في كتبنا السابقة,وما سنذكر هنا في هذا الباب,سيظل محدود الفائدة ما لم يلقَ التجارب من القارئ الكريم0إن كل ما يقدَّمه الكتاب لا يشكل أكثر من خطوة واحدة,والقارئ هو الذي سيخطو الخطوة التالية عندما يُغيَّر في أنماط حياته,وعندما يصبح مستعداً لبذل الجهد والصبر على العمل الشاق0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image020.gif[/IMG]
الدنيا دار ابتلاء,ولذا فإن الإنسان سيظل-كيفما تقلبت عليه الأحوال-في إطار اختبار,أي سيظل يواجه ما لا يشتهيه,وسيظل غير متأكد من الوضعية التي سيؤول إليها على وجه التحديد0
في إطار الابتلاء ليست الوضعية العامة للناس واحدة,فهناك من يشعر أنه مضغوط تحت إلحاح المزيد من مطالب العيش0وهناك من يشعر بدرجة من السعة والارتياح,لكن هناك في كل حال أشياء مشتركة غامضة في حياة الجميع,تسبب لهم نوعاً من المعاناة الشعورية0وتلك الأشياء الغامضة ربما كانت نابعة من الضجيج والزحام وزيادة التحديات,وتعقيد النظم وسرعة التغيرات,وانتشار روح التشاؤم,وكثرة الجرائم,وانخفاض الدعم الاجتماعي ,وضعف التيار الروحي,والخوف من مفاجآت المستقبل,وضعف الإحساس بالهدف0 وربما كانت نابعة من مصادر أخرى لا نعرفها0 وسيظل لكل واحد منا مع هذه الأمور المشتركة منغصاته ومشكلاته الخاصة0
ولعلّي هنا أسلّط الضوء على ما أظنه في جملة الأسباب المهمة لصعوبة العيش في زماننا هذا,على وجه الاختصار,تاركاً التفصيل لبعض موضوعات هذا الكتاب والرسائل القادمة,وبإذن الله تعالى0
1-متَّع الله-جلَّ وعلا- والإنسان بالإدارة الحرة في الوقت الذي يخضع فيه الحيوان لخطوط غريزية,لا يخرج عنها0وقد كان الإنسان في الماضي,يشعر فعلاً بحرية إرادته,وسيطرته على بيئته المحلية0وكان لقلة الأشياء والأدوات والنظم المتوفرة وظيفة أساسية في ذلك0لكن الأمر انقلب اليوم رأساً على عقب؛فما توفر من أشكال الأثاث والمرفَّهات,وما استقر من النظم والأساليب المعيشية المقتَّنة000نقل مركز السيطرة في الحياة اليومية الإنسان إلى الأشياء0وهذا أضعف إرادة الناس,وجعلهم مطالبين بالمزيد من الحركة الدائبة من أجل توفير الأشياء وصيانتها وتبديلها0
إن الإرادة الحرة نعمة من الله-تعالى-لكن حين أضعفتها أساليب الحياة المعاصرة,صارت مصدر تهديد في بعض الأحيان؛فالحيوان المبرمج بخطوط غريزية صارمة في تصرفاته محمي من ضغوط الأشياء,فهو-غالباً-لا يصاب بحالات التخمة الناجمة عن النهم في تناول الطعام0أما الإنسان فقد أصبحت(الوفرة)في الأطعمة لدى بعض الشعوب,تشكل مصدر تهديد للحياة,حيث تتسبب في حدوث عدد من الأمراض القاتلة0قد صار الإنسان يشعر أنه أسير لأشياء كثيرة,وصار من الواجب عليه أن يبذل جهداً إضافياً في تقوية إرادته,وتقوية جهازه النقدي الداخلي حتى يسترد حريته من جديد؛وهذا في حد ذاته يشكل مصدر إزعاج0
2-الاقتراب من المعايير الاجتماعية السائدة في بيئة الواحد منا مصدر للشعور بالرضا,والإحساس بالكفاءة الاجتماعية؛مما يستلزم من الواحد منا نوعاً من الامتثال لما هو سائد0وهذا يستدعي أن نتصرف تصرفات كثيرة,ونقتني أشياء كثيرة,لسنا مقتنعين بها,ولا نشعر بحاجة حقيقية إليها0
مع تعقد الحضارة وهيمنة الثقافة الغربية الطاغية,تحول الكثير الكثير من الأشياء الكمالية إلى أشياء أساسية؛فأكثر من(95%)من أثاث المنزل الآن,كان يُعد في الماضي في جملة الكماليات,وكثير منه لم يكن معروفاً أصلاً,لكن الناس لا يقبلون أية مساومة عليه,ويعدُّون وجوده من مقومات الحياة الهانئة0واقتناء هذه الأشياء صار-بالإضافة
إلى ذلك- مؤشراً على الطبقة الاجتماعية التي يستحق مقتنيها الانتساب إليها0 وهذا كله رفع مستوى عتبة الحد الأدنى للعيش المقبول,وزاد بالتالي في صعوبة العيش
وتكاليفه,وفرض بذلك على الناس التزامات وواجبات جديدة,ينوء كثير منهم بحملها0
3-التقدم الحضاري عقَّد مصالح الناس إلى حد بعيد,صار بذلك ما هو فطري وغريزي لديهم غير كاف لعيش حياة كريمة وسويّة0إن الإنسان يستطيع أن يجري بدافع غريزته دون الحاجة إلى ترتيب سابق-كما هو الشأن لدى الحيوان-لكنه لا يستطيع أن يقود طائرة0يستطيع أن يرمي حجراً دون مران سابق,لكنه لا يستطيع استخدام مدفع000
وذلك لأن أفق الغريزة لديه لا يلامس تلك المهارات الراقية والمعقّدة0وهذا يعني أن الإنسان اليوم مطالب حتى يحصل على المهارات المطلوبة للعيش أن يتعلم ويتدرب ويستفيد الكثير من الخبرات0وبما أن تكاليف التدريب والتعليم الفني عالية إذا ما قورنت بتكاليف التعليم النظري,فإن نجاحات الدول الفقيرة في هذا المجال محدودة0وغلإنسان لديها-مثل مواردها-ما زال خاماً,أي إنساناً بالقوة لا بالفعل؛كما يقول المناطقة0
4-يميل الإنسان بطبعه إلى التعامل مع الأشياء الثابتة والساكنة؛فذاك يؤمَّن له نوعاً من(العطالة)وتوفير الجهد؛لكن الثورة المعلوماتية,وما يتبعها من تغيير سريع في التقنيات والنظم وأساليب العيش والتعامل والتبادل-أدت إلى تسارع إيقاع الحياة,وإحداث موجات من التجديد الذي يصعب استيعابه على معظم الناس0إنه لا يكاد يُعمم نموذج من الحاسبات الآلية حتى يطرح في الأسواق نموذج آخر منه أكثر كفاءة وأصغر حجماً وأرخص ثمناً0
التغيّر السريع قسَّم العالم إلى قسمين متمايزين:قسم ينظم شعراؤه الأشعار الحماسية
التي تتغنى بأمجاد الأوطان,والعادات والتقاليد المحلية000 وقسم يتغنى مثقفون بفضائل(عالم بلا حدود)وميزات الوعي بوحدة الكوكب وعولمة الثقافة000وفي داخل كل قسم من هذين القسمين أناس كثيرون,يلهثون في متابعة التغييرات الجديدة,وأناس يخافون من عواقب التبدل في كل شيء,وأناس يهمشهم التقدم السريع,فيعجزون عن فهم حقيقة ما يجري,لكن السواد الأعظم من البشر يشعرون بأنهم قد غُلِبُوا على أمرهم,أو كادوا,فقد صار الحصان خلف العربة,وعليه الآن أن يجري جهده,وقد كان هو الذي يقودها!0
لا أحد يدري عواقب هذه التبدلات السريعة,لكن الملموس أن على المرء أن يبذل جهداً مضاعفاً اليوم حتى لا يصبح خارج الحلية كلياً0
5-الأمن والطمأنينة من المطالب الأساسية,ليس للحياة الهانئة فحسب,وإنما للنمو السوي للشخصية أيضاً0وقد امتنَّ الله-سبحانه-على قريش بإفاضة الرزق,وتخييم الأمن على بلدتهم حيث قال(لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)[قريش]
بضعف الوازع الديني,وضعف الخوف من الله –تعالى-إلى جانب عجز كثير من الدول والقوانين عن ضمان الأمن للناس انتشرت الجرائم-ولا سيما في المدن الكبرى-وصار على كثير من الناس أن يبحثوا عن الوسائل التي يحمون بها أنفسهم0
ونتيجة للشعور بالسأم والضجر والعدميّة,فَقَدَ كثير من الناس القدرة على الصبر والتحمل
والتسامح,وصار العبوس والتجهم هو الحالة الطبيعية للكثيرين؛بل انتشر نوع من الجرائم الوقتية0والناتجة عن النزق والبَرم,والإحساس بالكرب والضغط النفسي0
وقد ذكرت دراسة جرت في(ألمانيا)أن المنحنى البياني لأحداث العنف هناك,يبدأ بالارتفاع بحلول شهر آذار(مارس),ثم يبدأ بالانحدار بحلول شهر أيلول(سبتمبر)0
عموماً ترتفع معدلات الجرائم بنسبة(15%)مع ارتفاع كل درجة حرارة مئوية يسجلها المحرار!0
وتذكر إحصائية أخرى جرت في(أمريكا)أن كل درجة حرارة زائدة يسجلها الميزان الحراري,تعني ارتكاب(6,6)جريمة أكثر لكل مئة ألف مواطن في المعدل الوسطى0وعلى نحوٍ عام يتم ارتكاب(60)ألف جريمة إضافية في العام في الولايات المتحدة عند ارتفاع درجة الحرارة الجو درجة مئوية واحدة0
هذه الوضعية لم تبلغ هذا الحد في العالم الإسلامي,لكن من الملاحظ أن (الأمن)لا يتقدم في معظم الدول الإسلامية,وإنما يتراجع,وهذا يمثل مصدر إزعاج إضافي لإنسان هذا العصر0
6-لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدميّة والعبث والاستلاب بسبب فقد العدالة وتكافؤ الفرص,وغياب القانون في ضبط الحياة العامة0
إن كثيرين من الناس يشعرون بانقطاع الرابطة بين الفعل وجزائه؛فالتعب لا يؤدي إلى الراحة وإنما إلى مزيد من الشقاء0والمعادلة مقلوبة:الذين يتعبون,لا ينالون,والذين لا يتعبون ينالون كل شيء0قد حطَّمت النخبة الزائفة التكافؤ بين الفصلية والسعادة,وبين
الكد الشريف والراحة000كل ما هو مرسوم سوف يمضي,والصامت والمتكلم سواء؛فالسكوت إذن أولى0 وهذا هو سر (اللامبالاة)التي يبديها كثير من الناس0وقد بلغ اليأس من صلاح الأحوال مداه,فلم يعد كثير من المقهورين يبحثون عن المعايير العادلة أو الصحيحة,وإنّما عن أسلوبٍ ما يحصلون به قسم من(الكعكة)المنهوبة0وهم بذلك يقومون بدور المستلَب الذي ضاع شعوره بذاته,فاغتراب عنها,وأخذ يتبنّى عقائد الذين قهروه,واغتصبوا حقوقه,ويتبع(استراتيجيتهم)0
إن للناس عقيدتين:عقيدة نظرية وعقيدة احتماعية0العقيدة النظرية تنتمي إلى(المطلق)البعيد عن المصالح والظروف؛فالمسلم يعتقد أن الكذب والغش والرياء,والسكوت على الباطل محرّمة,لكن من خلال حركته اليومية,ومن خلال خبرته,يقيم موازنات دائمة بين مبادئه وعقائده,وبين مصالحه والضغوط التي تمارَس عليه0وينتج عن هذه الموازنات شيء اسمه(العقيدة الاجتماعية)0العقيدة الاجتماعية:هي ترجمة لمبادئ المر ومصالحه,ومركز التوازن بينهما0وهي في كثير من الأحيان أقرب إلى أن تكون انعكاساً للواقع المعيش من أن تكون أفقاً نظرياً0
حين يكون المجتمع مريضاً,ويكون الصدق فيه م***ة للأذى,وحين يكون الحصول على الضروريات الحياتية,لا يتهيأ إلا عن طريق الرشوة أو اللصوصية والنهب,فإن الحسَّ
الاجتماعي,يضعف حيال هذه المحرمات,بل إن الأم تنهى ابنها آنذاك عن الصدق-الذي تعتقد نظرياً أنه فضيلة-إذا كان يسبَّب له الأذى,وتوصيه أن يكون (شاطراً)و(كدعاً)أي متخففاً من القيود الأخلاقية التي قد تسبب له الضرر,أو تفوَّت عليه بعض المــــــــنافع!0
حين يكون المرء شريفاً في مجتمع تسوده السرقة,فإن شرفه يصبح عقوبة له,ويجعل مصالحه في مهب الريح,وجهاده في غير عدو000وهذا ما يعاني منه كثير من الناس اليوم؛لكن العاقبة للتقوى0
7-إن أصحاب الشركات الكبرى,يسيطرون على حركة الإنتاج,ويسيطرون في كثير من البلاد على القرارات الكبرى المتعلقة ب(التنمية)0ومعظم أولئك قد تشبعوا بنهم لجمع الثروات,لا يعرف الارتواء؛مما أدى إلى ترتيب جديد لأوضاع البشرية,لا تراعي فيه أحوال الموارد ولا البيئة الطبيعية ولا أحوال المناخ000
وهناك اليوم اعتقاد راسخ أن الثمن الذي سيتم دفعه للتنمية المجنونة السائدة سيفوق كل حساب0وقد قامت الأمم المتحدة بجمع أكبر فريق علمي في التاريخ,وكلَّفته بدراسة هذه المسألة التي تتعلق بمصير البشرية جمعاء,وشكلت هذا الفريق الضخم من(2500)عالم,ينتمون إلى بلدان شتى0
وبناءً على التقارير التي قدّموها للمنظمة الدولية,فإن ما هو متوقع,يبعث على الخوف والرعب؛فالتغيرات المناخية ستسير في اتجاهين متطرفين؛حيث إن بعض مناطق في العالم,ستشهد الكثير من الأمطار والفيضانات التي ستغمر أراضيها الزراعية,على حين أن مناطق أخرى ستقل فيها الأمطار,ويضربها الجفاف والتصحر0
وثمة دول أخرى سيزداد فيها الصقيع,كما أن أخرى سترتفع درجة الحرارة0 وهذا كله سيؤدي إلى تراجع المساحات الزراعية,وندرة الغذاء وانتشار البطالة ...
ولا أريد أن أخوض في التفاصيل,لكن يبدو أن البشرية انزلقت إلى وضعية,لم يعد بالإمكان التراجع عنها0 إن مأساة الأرض أن مستقبلها واحد,لكن مفاهيم وتوجهات ومصالح الذين يحكمونها,ليست واحدة!0
حين تشح الموارد,ويصبح الماء والغذاء نادرين,فإن الحصول عليها سيكون مُكْلِفاً,
وآنذاك فإن وضع الناس في المجتمع الواحد,سيكون أشبه بركب في صحراء مجدية,وقد قارب زادهم وماؤهم على النفاد000إن كل ما يخطر بالبال من التنافس والتشاحن سيقع آنذاك,وقد يصل الأمر إلى ذبح بعضهم للاقتيات به!0
كل ما ذكرناه على سبيل الاختصار؛مما يشكل مناخ الحياة المعاصرة0يتطلب من المسلم أن يعيد صياغة ذاته وتحسين كفاءاته وعلاقاته,حتى يستطيع مقاومة الضغوط والمغريات,ويتجاوز العقبات التي تعترض سبيله وهو يحاول القيام بأمر الله تعالى وتبليغ رسالة الإسلام0ومهمة هذا البحث وما بعده أن يساعده على ذلك؛ومن الله الحَوْل والــــــــــطَّـــوْل0
* * * *
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image021.gif[/IMG]الفصل الثاني:-



كان الناس في الماضي يصنعون بيئاتهم المحلية بأنفسهم على المستوى الجماعي0
وتأثيرهم بما يجري بعيداً عن ديارهم ضئيل للغاية,وقد يكون معدوماً0حين كان الناس
يعيشون في الصحاري والقرى الصغيرة,كانوا مغمورين بمشاعر العزلة والاستقلالية0ولم يكن من المألوف أن تتأثر حركة الحياة اليومية في قطر نتيجة اتخاذ قرارات معينة في قطر أخر إلا على نطاق محدود؛وذلك لأن كل مقومات الحياة الأساسية متوفرة محلياً0
حين عرف الناس(تقسيم العمل9,حين قامت(العلاقات الاعتمادية)بين الشعوب على نطاق واسع,أخذ كل شيء يختلف,وصار من الممكن أن يجوع إنسان أو شعب في أقصى الشرق بسبب اتخاذ قرار في أقصى الغرب0هذا التواصل الكوني استدعى-بالطبع-وجود معايير عابرة للقارات لكل شيء مشترك,مثل الاستيعاب والفاعلية والتأثير وحُسن التصرف والإنتاجية والقدرة على الاحتمال وما شاكل ذلك000الأمم الأكثر حضوراً في ساحات الإعلام والإنتاج والتقنية والسياسة,هي التي تضع معايير ما أشرنا إليه0وبقطع النظر عن صواب تلك المعايير فإنه لا يمكن تجاهلها على نحو تلم0حين كان المسلمون يقودون الحضارة,كانوا هم الذين يضعون تلك المعايير,وكان تجاهلها يعني الانعزال عن قيادة الحضارة آنذاك0
العيش خارج العصر لا يحتاج إلى تخطيط,ولا إلى جهد,فهو الأصل0والعيش داخل العصر هو الذي يتطلب الكثير من الفهم والعناء والبذل000إن الذي لا يريد أن يصبح بطلاً رياضياً,غير مكلَّف بأي شيء من تمارين الأبطال0
وإن الذي لا يعبأ بالصحة والمرض والقوة والضعف,ليس مطالباً بأي شيء من التمارين الرياضية؛وهكذا فالتصرف في الحياة على السجية,دون أي صقل للذات أو ترقية للمهارات أو محاولات للفهم000هو حياة نموذجية خارج هذا العصر وخارج العالم
الذي ننتمي إليـه0
شؤون هذا العصر طبقات عديدة في شعاب كثيرة متفرقة,واستيعابها على نحو تام غير ممكن,ولذا فلاستجابة التامة لإشراطاته وتحدياته أيضاً غير ممكنه0والمشكلة العميقة التي تعاني منها كثير من الناس في هذا الجانب أن الواقع يتغير على نحو أعقد وأسرع من استيعاب الوعي له0 والأطروحات الفكرية,تكاد تكون مستخلصات مما يفرزه الواقع من مشكلات,أي لا يتم التنبه لكثير من المشكلات والتحديات إلا بعد أن تصبح حقيقة ماثلة0
العيش داخل العصر,يحتاج أيضاً إلى درجة من الشفافية والمرونة الذهنية,وهما غير متوفرين لدى الأميين ومتوسطي الثقافة,والذين يعشون في ظروف قاسية,حيث تحجب المتطلبات الضرورية للمعيشة اليومية رؤية الناس للمحيط العام,ولقدراتهم الكامنة والخيارات المتاحة لهم على طريق التحسن والاستجابة0لهذه الأسباب أبناء الشعوب التي يغلب عليها الاستهلاك لمنتجات العصر,دون مشاركة فعّالة في إنتاجها .

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image022.gif[/IMG]
قلة أولئك الذين يختارون العيش على الهامش وهم على دراية بما يفعلون,فالكثرة الكاثرة من الناس تُهمَّش,وتعيش خارج الحلبة بسبب البيئة المحطمة التي يعيشون فيها
فهي غير ملائمة للنمو لأنها إما تكون قاسية إلى درجة الكبت الشديد والقهر,وإما أن تكون على درجة من التخلف,لا تمكّن من صناعة الإدارات ولا استنفار الطاقات,وهذا-مع الأسف-هو شأن أكثر من(70%) من البيئات المعاصرة0
العيش داخل العصر يعني استيعاب المرء لتحديات عصره ومشكلاته,إلى جانب وعي بالإمكانات المتاحة للاستجابة لتلك التحديات,بالإضافة إلى امتلاك الآلية المناسبة لتحقيق ذلك على هدي من المبادئ والثوابت التي يؤمن بها؛مما ينتج عنه العيش في غمرة الأحداث والتجديدات والتأثير فيها,والاستفادة من معطياتها0
سنذكر هنا على نحو أهم سمات الشخص الذي يعيش خارج عصره بغية التنبيه على الوضعية البائسة لكثير من الناس,ولنتخذ من ذلك مرشداً لما سنقوله بعد ذلك عن المبادئ والشروط والسمات والأوضاع المطلوبة للعيش داخل العصر0
1-بعض الذين يعيشون خارج العصر,مكَّبلون بالأوهام,فهم تارة أسرى للتاريخ,يقيسون عليه الحاضر,ويفهمونه من خلاله,ويستبطنون إمكانية إعادته لنفسه على نحو شبه متطابق0وهؤلاء لا يتعلّقون بالتاريخ فحسب,وإنّما يفهمونه على نحو مشوَّه,وهو غير قادرين على الاعتبار به,لأنهم يتعاملون مع مدلولاته وفق مركباتهم الذهنية الخاصة بعيداً عن القراءات والمفهوم المغايرة0وبعض الذين يعيشون خارج العصر مكبّلون بأوهام(المثالية)0فهم يطنون أن ما يجري في الواقع قريب,مما هو مستقر في الذهن,من مُثُل وقِيَم ومعايير,أي يتوهمون وجود نوع من التطابق بين ما هو كائن,وبين ما يجب أن يكون,غير عابئين بما تحدثه الظروف والمصالح والأهواء
والشهوات من صدوع بين المبدأ والسلوك والخبرة والواقع0
بعض الذين يعيشون خارج عصرهم مكبَّلون بأوهام المؤامرة,فهم يرون كل شيء محيك بإتقان وموجَّة بعناية ضد توجهاتهم ومصالحهم0 ومع أن العالم لا يخلو فعلاً حيال ذلك,مما يوجِد لديهم نوعاً من العقيدة الجبرية,ويشجعهم على التنصل من أخطائهم,وإلقاء تبعاتها على غيرهم0
بعض الأوهام ينشأ من فهم قاصر للذات والمحيط,إذ هناك من يعتقد أن بإمكانه وإمكان غيره أن يفعل ما يشاء,فهو ينتقل من مغامرة إلى أخرى متجاهلاً أن الأمور الشخصية محكومة بإمكانات وموازنات خاصة,وأن القضايا العامة الكبرى محكومة باعتبارات محلية وإقليمية وعالمية0وتجاهل ذلك قد يكون ممكناً على المدى القريب,لكنه مهلك على المدى البعيد0وعلى العكس من هذا فإن هناك من يتوهم أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان,وكلما فكر في عمل خُيَّل إليه أن الساحات مزدحمة ,فالفرض دائماً لغيره,وله التحسر على ما فات!0
لا لأريد أن أسترسل أكثر في ذِكْر أصناف المكبَّلين بالأوهام,فنماذجهم تواجهك حيثما تولّيت0
2-يظن بعض الذين يعيشون خارج العصر أن زماننا هذا هو زمان الخفة والنشاط والحركة,والتخفف من القيود الأخلاقية,والتغاضي عن صوت العقيدة والمبدأ؛ولذا فإن نشاطهم اليومي لا يعدو أن يكون عبارة عن عمليات صفع على قيمهم ومبادئهم0
فقد هؤلاء الدليل والمرجع,واختلطت عليهم الأمور,فطلبوا السعادة والراحة
والطمأنينة في أعمال ومواقف لا تجرّ عليهم سوى المعاناة في الدنيا والعقاب في الآخرة0والمؤسف أنهم يخسرون أنفسهم مقابل أوهام الثراء والمتعة التي تتكشف لهم كل يوم عن سراب خادع!0
إن الذي يتمسك بمبدئه,قد يفوته بعض الربح في بعض الأحيان,لكنه يربح ذاته وآخرته في كل حين0إنّ هذا العصر صار عصر المصالح والمكاسب الأنانية الضيقة لأن الناس أرادوا له ذلك,وما الكدمات التي في مُحيَّاه سوى انعكاس دقيق لملايين التصرفات والمواقف اليومية لأبناء زماننا0
3-الذين يعيشون خارج العصر موزَّعون بين الماضي والحاضر؛فهم على مستوى التصورات والمفاهيم أسرى لمقولات ماضية-يعجزون غالباً عن التأكد مستوى الحاضر أسرى الهموم والمشاغل0أما المستقبل فلا يستحوذ إلا على القليل من اهتمامهم وخططهم واستعداداتهم0هؤلاء الناس,لا يدركون أن التغيرات السريعة المتلاحقة,تتطلب أن ننظر إلى أبعد مدى ممكن؛لأن البعيد صار قريباً0بعضهم يطن أن التخطيط للمستقبل ينافي التوكل على الله –تعالى-وبعضهم يجعل الاهتمام بما هو آت نوعاً من الاشتغال بالتنظير والانشغال عن الاستفادة مما هو مائل0ذلك كله جعل الذين يعيشون خارج العصر ينفعلون بالأحداث بدل أن يشاركوا في صناعتها,كما جعلهم يأتون دائماً بعد الحدث0
4-من سمات الذين يعيشون خارج العصر أنهم يفقدون روح المبادرة الشخصية,فهم ما زالوا ينتظرون من غيرهم نوعاً من الرعاية لهم(1)0[(1) يُكثر الطفل من استخدام ضمير أ
(أنت):أنت لم تأخذني,أنت لا تحبني....
ويُكثر المراهق من استخدام ضمير (أنا):أنا أضرب,أنا أفعل كذا0000
أما الناضج فيكثر من استخدام ضمير(نحن):حيث يغلب عليه شعور الجماعة]
إذا حاولنا أن نعمَّق النظر في أحوال عصرنا,فإننا سنجد أن المبادرة الفردية,قد أسهمت على نحو فذ في تكوين النهضة الحديثة,بل يمكن القول:إن مجموع المبادرات الفردية في أي مجتمع هو مقياس دقيق لمدى حيوية ذلك المجتمع,وقابليته للنمو والتقدم0
التربية لدينا ما زالت تركز على تخريج الإنسان التابع,والمعتمد على غيره,على أن الوضعية العامة لـ(التكليف) في الإسلام تؤكد على تنمية روح المبادرة والمسؤولية الفردية,وسلوك طرق الخير مهما كانت موحشة ومهجورة0
5-أشعة النقد لدى كثير ممن يعيش خارج العصر دائماً نحو الخرج,فهم غير قادرين على إلقاء نظرة(تقييمية)على أنفسهم وأنشطتهم,وهم يستنبطون في داخلهم نوعاً منالشعور بالكمال والرضا عن النفس,على حين أنهم يدققون في أحوال غيرهم0هذه الوضعية ولّدت مرضاً آخر,هو الترحيب بكل ما يعزز مواقفهم,والابتهاج بكل من يناصرهم,على حين أنهم يضيقون بالمخالف والمعارض0 وهذا مخالف لروح العصر,فالمؤسسات والحكومات والجماعات الناجحة في زماننا هذا,تستمد الكثير من عناصر قوتها من كونها تتبع في أسلوب إدارتها وعملها نُظُماً قابلة للمراجعة والتجديد والتعديل؛ولذا فإنها تهتم بوجود(تغذية مرتدة)(1)[(1)كان عمر رضي الله عنه يقول:
رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي0]
من لدنها عملائها,وهي لذلك تنظر إلى الرأي المخالف على أنه عامل ثراء وتقويهم,ومساعد مهمّ في أصلاح الخلل وتلافي القصور0
إنّ الذين يعيشون خارج العصر,لا يدركون أن القصور الأساسي,هو قصور ذاتي,وأن النهضة الحقيقية,هي نهضة روحية نفسية فكرية قبل أي شيء آخر,ولذا فإنهم غير قادرين على تسليط أنوار التصحيح على أحوالهم الخاصة0
6-اهتمام الذين يعيشون خارج العصر بالوقت شبه معدوم,فالذي لا يتم إنجازه اليوم يمكن أن يُنْجَر غداً أو بعد غد0وهو على خبرة واسعة في قتل الوقت وإنفاقه في أنشطة,لا تعود عليهم أو على غيرهم بأية فائدة0العالم المتقدم اخترع آلات لقياس أجزاء الثانية,والذين يعيشون خارج العصر يستخدمون في التعامل مع الزمن الأيام والشهور000والقوم يعيشون من غير أهداف واضحة,ولذا فإن الحرص على الوقت لديهم يصبح غير ذي معنى0
7-الإهمال والفوضى سِمَتان لازمتان لكثير ممن يعيشون خارج العصر:إهمال للصحة والمظهر والمستقبل والأهل والعلاقات الاجتماعية والعمل000الفوضى ضاربة أطنابها في كل شؤون حياتهم,فلديهم دائماً التزامات كثيرة وإنجازات قليلة0كل شيء في حياتهم جائز,ويمكن أن تتوقع منهم أي شيء0الذين قدموا إنجازات كبرى البشرية في هذا الزمان,كانوا دائماً يُبْدون اهتماماً بكل شيء-ولا سيما التفاصيل الصغيرة-وهو إلى جانب ذلك مُنظَّمون في حياتهم الشخصية والعامة,وفي أسلوب تفكيرهم
وفي أعمالهم0 ويرون أن التحلي بفضيلة الاهتمام شرط للإنجاز العالي0أما التنظيم الدقيق فهو الطريق الأقصر لبلوغ الأهداف الكبرى0
سوف نقف على مزيد من سمات الذين يعيشون خارج العصر عندما نتحدث عن سمات السبّاقين والمتقاعسين,مما يزيد الصورة جلاء ووضوحاً0

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image023.gif[/IMG]الفصل الثالث:-


يترتب على عموم الرسالة المحمدية وختمها أنها تحتوي في بنيتها الداخلية وفي أدبياتها على عناصر ثابتة وأخرى متحركة,حيث نجد في القضايا التي لا تختلف باختلاف الظروف والأزمان الكثير الكثير من الوضوح والتفصيل-كما هو الشأن في العبادات وأمور العقيدة-أما القضايا التي تختلف من زمان إلى زمان,ومن مكان إلى آخر فإن الشريعة السمحاء ترسي الأصول,وترسم الخطوط العريضة,وتُعرض عن التفصيل والمسائل الجزئية؛لأن بَلْورة هذه الأخيرة من واجبات المكلفين؛فالشارع وجَّه بإقامة العدل وتحقيق الشورى وإغاثة الملهوف000وترك بلورة النُّظُم والأطر والأساليب التي تحقق ذلك للناس,على مقتضى الظروف التي يمرون بها0
وهكذا فالإسلام لم يفصل في جميع جوانب نموذج الحياة المعنوية التي ينبغي أن يحياها المسلم؛لأن مفردات ذلك النموذج,تختلف من بيئة إلى أخرى,ومن وقت إلى آخر 0 وعلى سبيل المثال فحين تكون البيئة التي يعيش فيها المسلم بيئة ضنك في العيش وضآلة في فرص الكسب,فإن المسلم حتى يكون معاصراً,يكون مطالباً بأن
يبذل جهداً مضاعفاً في التدريب على مهنة,وفي إدارة الإمكانات القليلة,والتعاون مع إخوانه ومواطنيه في درء مخاطر المجاعة والبطالة0
وحين يجتاح بلداً ما تيار شهواني انحلالي,فإن الذي يبرز في النموذج آنذاك,هو السعي إلى إيجاد تيار روحي قوي,يواجه التيار الشهواني0وحين يعاني المجتمع المسلم من الشبهات والشكوك في صلاحية الإسلام العامة لتوجيه الحياة,أو في مسلَّمة من مسلَّماته الكبرى,فإن أولوية العمل تُعطي للفكر والحجة والبرهان والدليل المفحِم,وهكذا000
نفهم من هذا أن المسلم بحاجة-حتى يكون معاصراً-إلى أن يستجيب في تكوينه واهتماماته ومهاراته وردود أفعاله لتحديات البيئة المحيطة ومطالبها,في إطار الثوابت التي أرساها المنهج الرباني للشخصية الفاضلة0وهذا يعني إلا نقدَّس اجتهادات السابقين ومقولاتهم في رسم أبعاد المسلم النموذج أو(العبد الصالح),كما يوجب على أهل العلم والفكر أن يوضحوا القسمات الرئيسة التي يجب أن تتوفر في المسلم النموذجي في عصرهم0وما يقولونه يظل اجتهاداً قابلاً للصواب والخطأ0
إنه يمكن القول:إن ما يعد رذيلة في عصر أو مكان,لا يمكن أن يصبح فضيلة في عصر أو مكان آخر,لكن الذي يختلف هو حجم الاهتمام بالشيء الفاضل,والوضعية التي نمنحه إياها في سلَّم الأولويات0إن إسراع الموظف إلى الالتحاق بعمله مطلوب في كل وقت,لكن حين يكون الموظف(عامل إطفاء)فإنه يكون للسرعة معنى آخر أكثر أهمية0وسأحاول هنا لفت النظر إلى بعض السمات والمهارات التي أرى أنها تحتل
مكانه خاصة في نموذج(المسلم المعاصر)وهي أشبه بمخطط أوَّلي,سنحاول تعميق خطوطه وتوضيحها فيما بعد-بإذن الله تعالى-وذلك على النحو الآتي:
1-توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا:
تقرر النظرة الإسلامية للإنسان أهمية توجيه جميع مناشطه في حياته المديدة نحو الفوز برضوان الله-تعالى-{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(162)لا شريك له وبذالك أمرت وأنا أول المسلمين}[الأنعام:162-163]
مناشط أوقات الفراغ,و مناشط الترفيه تعزز التوجه الإيماني لدى المسلم إذا كانت في إطار المباح,واستحضر صاحبها النية الصالحة عند مباشرتها0وهذافي الحقيقة يضفي على حياة المسلم نوعاً من الانسجام والتماسك؛فلا يشعر بأي انفصام بين مناشط تحقيق الذات والحصول على النجاح والتفوق الشخصي000وبين مناشط النجاة في الآخرة,كما هو واقع في حياة كثير من المسلمين اليوم,وإنما يشعر أن مكاسبه الروحية والنفسية قد تأتي من خلال نصحه لشريك في تجارة أو أنشطة رياضية يقوم بها,أو النوم مبكراً من أجل الاستيقاظ لصلاة الفجر0حتى الأحداث غير السارّة فإن النظرة إليها على أنها ابتلاء من الله-تعالى-تجعل المسلم الحق يتلقاها بروح عالية ونفس مطمئنة,حيث ينتظر عاقبة الصبر عليها0قد ورد في الحديث الصحيح:(عجباً من المؤمن إن أمره كله له خير,وليس ذلك لأحد إلا المؤمن:إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له,وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)0
إن صَهْرَ جميع مناشط الحياة في بوتقة واحدة,ليس عبئاً-كما قد يتوهم-لكنه مصدر عظيم من مصادر السعادة والطمأنينة0وإن الخيط المنطقي والأخلاقي الذي ينتظمها جميعاً,يدعم كينونة المسلم,ويزيد في وضوح رؤيته الشاملة للحياة0
2-عدم المساومة على المبدأ:
هذه سمة أخرى مهمة في نموذج المسلم المعاصرة؛فالمغريات بالانحراف والضغوطات الحياتية المتزايدة,تدفع المسلم دفعاً إلى التنازل عن بعض مبادئه وقناعاته من أجل تحقيق بعض رغباته ومصالحة؛ولذا فإن المرء الذي يحاول أن يحقق مصالحه إلى الحد الأقصى مع التمسك بمبادئه,يحاول في الحقيقة الجمع بين نقيضين,إذ لابد في بعض الحالات من التخلي عن أحدهما في سبيل استقامة أمر الآخر0
إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ,يعدّ انتصاراً لشهوة أو غرض آني0أما الانتصار للمبدأ فإنه بمثابة التربع على قمةٍ من الشعور بالسعادة والرضا والنصر والحكمة والثقة بالنفس0وقد أثبت المبادئ أنها قادرة على أن تكرر النصر المرة تلو المرة0وحين يخسر الإنسان مصلحة نتيجة الإصرار على مبدأ,فإنه في الحقيقة يخسر شيئاً,لكنه على المستوى الشعوري وعلى المدى البعيد يعد رابحاً0إن التمسك بالمبدأ في المنْشَطِ والمَكْرَه,هو الذي يمنح حياتنا معنى,ويجعلها تختلف عن حياة السوائم الذليلة التي تكافح من أجل البقاء المجرد0 لا شك أن الظروف الصعبة,توهن من ضبط القِيَم والمبادئ للسلوك,لكنها نفسها هي التي تمنحنا العلامة الفارقة بين أناس اختلطت مبادئهم بدمائهم ولحومهم,وبين أناس لا تمثل المبادئ بالنسبة إليهم أكثر من تكميل
شكلي لإنسانيتهم0إن التمحور على المبدأ,يستلزم الانحياز الدائم إلى الحق ومقاومة الشر؛فالالتزام بالمبدأ,ليس مسألة شخصية بحتة,وإنما هو موقف أخلاقي واجتماعي أيضاً؛حيث إن من وظائف المسلم الأساسية في هذه الحياة إحقاق الحق وإزهاق الباطل ومحاصرة الشر بكل صوره وأشكاله0والتخلي عن هذه الوظيفة,يحوّل المجتمع المسلم إلى غابة,يأكل القوي فيها الضعيف,ويصبح البقاء فيه للأقوى لا للأصلح0
3-المحافظة على الصورة الكليّة:
يقوم المنهج الإسلامي في بناء الشخصية على العموم والشمول والتكامل0وهناك نصوص وأدبيات كثيرة,تؤكد مجتمعة على ضرورة تنمية كل أبعاد الشخصية العقلية والروحية والبدنية والعاطفية000لكن الملاحظ أن لدى الإنسان قابلية عجيبة للانجذاب نحو بُعد أو محور من المحاور,وترك باقيها غفلاً دون أي اهتمام0 وهذا مشاهد لدى معظم الناس؛إذ إن من المألوف أن ترى من يصرف كل اهتمامه إلى الرياضة,على حين أنه لا يقرأ كتاباً واحداً في السنَّة أو جزءاً من القرآن الكريم في الأسبوع0ونجد كذلك في المقابل بين المثقفين وطلاب العلم الكثير ممن لا يقيم أي وزن لِلَّياقة البدنية0وهناك من ينهمك في المسائل الفكرية والتنظرية,لكنه يعاني من جفاف روحي وتقصير في العبادات0وهناك من يقف على النقيض0إن المرء ينتزع الإعجاب عندما يجتمع فيه ما تفرَّق في غيره0وإن التنمية الزائدة لجانب من الجوانب على حساب جانب آخر تبدو في بعض الأحيان كما لو كانت نوعاً من البراعة النادرة,
لكنها تشويه وتبديد لفضيلة التناسق0
حتى لا نفقد الصورة الكلية للوضعية التي ينبغي أن نكون عليها,فإن علينا أن نعطي كل ذي حق حقه,وربما وجب لتحقيق ذلك القيامُ بأمرين:
أ-أن ننظر دائماً إلى خارج ذواتنا من أجل المقارنة,ومن أجل أن نستشرف ما نحن عليه عن كثب0إن الرؤية تتشوه عندما نعزل ذواتنا وأوضاعها عن السياق الاجتماعي والتاريخي والحضاري0
ب-أن ننظر دائماً إلى واجباتنا العامة وأهدافنا الكليّة,ومدى خدمة بنائنا لأنفسنا لتلك الواجبات وتلك الأهداف0
4-التحرر الدائم:
كرّم الله-تعالى-الإنسان إذ خلقه في أحسن تقويم,وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض منَّةً منه وفضلاً0ومتَّعه بالعقل والإدارة الحرة,وحمَّله مسؤولية اختياراته؛ليظل حراً كريماً منطلقاً,لا يأسره إلا قِيَمه ومبادئه؛لكن الإنسان حتى يسهَّل عمله,ويعقل الوجود من حوله يقوم بإنتاج عدد كبير من العادات على المستوى الفكري والنفسي والحركي000ولا يمر وقت طويل حتى يشعر أنه صار أسيراً لتلك العادات,فطرق التفكير تتكلَّس مع الأيام,وتصبح غير ملائمة,فتتحول من أدوات لتسهيل المحاكمة العقلية والتحليل والتركيب000إلى أطواق وسلاسل,تحدّ من انطلاقة الفكر,وتحجَّّّم فاعليته,بل قد تظلله,وتجعله يطرح طروحاً شكلية0وقل مثل ذلك في العادات النفسية والحركية0
حركة الحياة اليومية,ومصالح الإنسان,والضغوط التي يواجهها,كل أولئك قادر على استبعاد الإنسان وإذلاله ومسخه,وتحويله إلى شيء أو جزء من آلة,أو تابع مقلد000
يحتاج المسلم من أجل الاحتفاظ بحريته وحيويّته إلى أن يحمل بين جوانبه روح(الثورة)أو روح التحرر الدائم,والتأبي على القولبة,ورفض البرمجة الثقافية المحلية الصماء,وضغوط البيئة المحطَّمة التي تحد من الطموحات,وتقتل المواهب0إنه لكي يفعل ذلك بحاجة إلى تلمُّس الآفاق غير المرئية,وتحسُّس ما يمكن أن يكون,والسعي الدائب إلى ما هو أفضل,وعليه دائماً أن يبحث عن البدائل لما هو فيه0وما لم يفعل ذلك-وهذا ما عليه أكثر الناس-فإن من السهل أن يجد نفسه مكبلاً بالأوهام,والعادات البالية,والقيود التي صنعها لنفسه بنفسه,كما هو شأن مدمني المخدرات ومدمني التقليد والكسل والإسراف وقول الزور000إن التحرر الدائم ينبع من اعتقادنا أنه لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه,ومن اعتقادنا بهشاشة(البُنية العميقة)للحرية والكرامة,مما يجعلها بحاجة دائمة إلى الحذر والرعاية0
5-التفوق على الذات:
بإمكان أكثر الناس عجزاً,وأقلهم حيلة أن يجد من هو أضعف منه؛ليتغلب عليه ويقهره,ومن السهل على المرء أن يكشف بعض النقاط التي تمنحه نوعاً من التفوق والتميز000لكن يظل المهم دائماً هو(التفوق على الذات)والشعور بالتحسن الدائم والارتقاء المطَّرِد0إن التفوق على الذات يعني أن يوم المتفوق خير من أمسه,وأن غده خير من يومه0
وهذا غير ممكن على نحو مطلق,لكن يمكن أن يلمسه الإنسان إذا أجرى تقويماً سنوياً لأحواله ومكتسباته0ولا شيء يحول دون التفوق المستمر,كالنرجسية والإعجاب بالنفس,ونزع إنجازاتنا من طبيعتها الزمنية,لنجعلها عملاً نهائياً,فنقضي بذلك عنها بُعدها الإنساني الحي والمرحلي,وندخلها في نفق الجمود ثم الاضمحلال0
إن قوله الله-جلَّ وعلا-{وفوق كل ذي علم عليم}[يوسف:76]
حثٌّ خفي لنا على دوام الاستزادة من العلم,والنظر إلى ما هو أسمى؛وإشعارٌ بأننا لن نصل إلى النهاية في الترقي,وأن الأفق أمامنا سيبقى ممتداً0
6-الشعور بالتأنق:
حين يقصر الإنسان في أداء واجب,فإنه يشعر بالتقصير,ويحدث في داخله نوع من الصراع0وحين يؤدي واجباً,فإنه يشعر بنوع من الرضا والإنجاز0وحين يقوم بعمل زائد عن الحاجة أو عن الواجب,فإنه يشعر ب(التأنق)0الشعور بالتأنق هو نوع من الشعور بالرَّفَه والتجاوز لحد الضرورة0إن المسلم حين يبدأ بإلقاء السلام تكون مشاعره مختلفة(1)[(1) كان عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-ينزل الأسواق بهدف إلقاء السلام على الناس0]عن مشاعره حين يرد السلام,حيث الأول سنّة,والثاني واجب0
كذلك مشاعره عند أداءه فريضة الصلاة0تختلف عن مشاعره حين يتنفَّل,كما تختلف أحاسيس الناس حين يأكلون ما يسد الرمق عن أحاسيسهم عندما يأكلون الفاكهة أو الحلوى000
القيام بما ليس مفروضاً,يعطي الإنسان إحساساً بالتفوق والاقتراب من الكمال,
وهو إحساس ضروري لتعزيز الثقة بالنفس,وتحصيل نوع من السَّبْق للأقران والنظراء0المجتمعات التي تُنتج أكثر مما تَستهلِك,تشعر بالتأنق,كما يشعر به الأمم التي تجد لديها فضلة من طاقة لحل مشكلات الأمم الأخرى0
الشعور بالتأنق كثيراً ما يرتقي بالإنسان-على نحو ما-إلى درجة الريادة,حيث يضحي قدوة لغيره0
الفائض الاجتماعي مظهر من مظاهر التأنق,وهو في الوقت نفسه حاصل الأعمال التطوعيّة الخيرة التي يقوم بها أبناء المجتمع؛وعلى مقدار ذلك الفائض تكون خيريّة ذلك المجتمع0في الظروف الصعبة تصبح الحاجة ماسَّة إلى وجود أعداد كبيرة من الرجال الأخيار الذين يتجاوزون مرحلة التفكير بالحقوق والواجبات,وينغمسون في أعمال الإحسان والارتقاء,حيث تغمرهم روح المجانية والعطاء غير المشروط0
هذه السمة من أهم سمات(المسلم النموذجي)في عصرنا هذا,فلنحاول أن ننمي الشعور بالتأنق من خلال تنمية الأعمال التطوّعية,ومن خلال إرساء تقاليد ثابتة للإنجاز العالي0
7-وضــــــــوح الهــــــــدف:
أعتقد أن أكبر أزمة تعاني منها الحضارة الحديثة والإنسان المعاصر,هي تحديد الغاية النهائية لأنشطة البشر,وهي القضية الكبرى التي ينبغي أن تخدمها كل القضايا الأخرى,القضية التي تستحق التضحية بكل شيء إذا اقتضى الأمر0إن الامتداد يقتل الاتجاه,كما يقتل المكانُ الزمان,وأعتقد أنه قد تطاول الأمد على كثير من الناس,
فنسوا هدف وجودهم,أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل0
إن في الغرب اليوم تساؤلات كثيرة حول الهدف الأخير لكل هذه الجهود الضخمة,ولكل هذا العناء الإنساني الهائل0ونظراً لإلغاء الدين-عملياً-وإبعاده عن المساهمة في صياغة فلسفة الوجود,فإن كل الأسئلة تظل حائرة,دون أن تجد أية إجابة شافية0
المسلم في الأصل,لا يعاني من مشكلة تحديد الوجهة أو الهدف النهائي,لكن من الواضح أن زحمة المشاغل اليومية,والانحراف الذي أصاب(التثقيف العام)قد تسببا في إحداث غفلة كبيرة لدى كثير من الناس0إن إدارك الهدف بطريقة سوقية أو مبتذلة,يجعل حضوره ضعيفاً كما يجعل قدرته على إثارة الحماسة للعمل من أجله محدودة0
كثير من الإحساس بالتفاهة والفراغ,وكثير مما يعرف بأنه مشكلات عاطفية أو عقلية,ماهو في الحقيقة سوى أعراض لفقد الناس الإحساس بهدفهم الأسمى,ورسالتهم في الحياة0
8-نـــــــــحو الـــــهـــــــدف:
قضية وجود أهداف واضحة في حياة المسلم المعاصر,من القضايا الكبرى التي لا تحتمل التأخير0وإذا كان الهدف الأكبر هو الفوز برضوان الله-تعالى-والجنة,فإن ذلك الهدف لا يتم بلوغه إلا من خلال القيام بالأوامر واجتناب المناهي,وما يستتبعه ذلك من أخلاق وآداب وأوضاع000 والقيام بذلك والتحلي به له وسائله وأساليبه وآلياته,وهكذا فكل هدف صغير,هو وسيلة لهدف أكبر منه,وكل هدف كبير,هو غاية
لهدف أصغرمنه0ووضوح الهدف الأكبر,يعني أن كل الأهداف الصغرى,يجب أن تسهم-على نحو ما-في الاقتراب منه والوصول إليه؛وهذا وحده هو الذي يضفي على أهدافنا الصغرى المشروعية,ويضفي على مناشطنا المختلفة المنطقية والانسجام0ولعلنا نُبرز هنا في سمات الهدف وكيفية تحديده وقياسه النقاط التالية:
أ-إن مجرد تحديد(الهدف)على نحو جيد,يستنفر الطاقات الكامنة,ويوجه إرادة المرء وأنشطته؛ولذا فإن الأشخاص المتفوقين,والناجحين نجاحاً متميزاً,هم-غالباً-أصحاب أهداف محددة0وقد قام أحد الباحثين في إحدى الجامعات الأمريكية بإجراء استفتاء لخريجي الجامعة عام1953,وكان السؤال الذي وجهه إليهم,هو:هل لك أهداف محددة ومكتوبة؟وكانت النتيجة (3%)فقط من هؤلاء الخريجين,وضعوا لهم أهدافاً محددة ومكتوبة عما يريدون القيام به في حياتهم0وبعد عشرين سنة من ذلك التاريخ,أي في عام 1973رجع إليهم صاحب البحث؛ليستطلع أحوالهم,فوجد أم هؤلاء ال(3%)حققوا نجاحاً في وظائفهم وأعمالهم أكثر مما حققه ال(97%)الآخرون مجتمعين!0
ب-من السهل على الواحد منا أن يخطط المشاريع,ويرسم الأهداف بحماس وانفعال,لكن عند المجيء للتنفيذ يتلاشى الكثير من تلك الأهداف والخطط,ويشعر المرء بأنه كان في وهم,أو يشعر بالعجز والاكتئاب0ولذا فإنه لابد من أن تكون الأهداف ممكنة التحقيق وقريبة المنال,بمعنى أن تكون الفجوة التي بينها وبين إمكانات من يرسمها فجوة,يمكن قطعها,وإلا فإن تلك الفجوة,يمكن أن تكون مصدر
شقاء0ومن وجه آخر فإن الصعاب التي تعترض الواحد منا في حياته,قد تصرفه عن أهدافه,وهذا في الحقيقة,يشكل أزمة كبيرة لكثير من الناس0والواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة-في حدود معينة-وعوضاً أن نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا0وإذا اكتشفنا أن أهدافنا,لا تتلاءم مع ما لدينا من قدرات,فيمكن أن نجري نوعاً من التعديل عليها0
ج-تحقيق الهدف يحتاج إلى دفق جيد من النشاط والعمل,وهذا لن يتم ما لم نستطيع ضبط الاتجاهات والميول والاهتمامات,وتوجيهها نحو الأعمال التي تخدم الهدف0ذلك متوقف على توفر(الإرادة)0
وفي هذا السياق فإن من المهم أن نعلم أن هناك فرقاً بين المحبة والإرادة,فكل التجار يحبون الربح,كما يحب جميع الطلاب النجاح,لكن الذين يريدون ذلك هم وحدهم الذين يحققونه0إن الفعل الإرادي,هو تعبير عن الوعي الناضج,والإرادة الحرة في تحديد الهدف,واتخاذ القرار,وتحديد المسار الموصل إليه؛وبذلك يتم تيسير كل القوى المتوفرة في اتجاه تحقيق الهدف0
ونحن نخطئ حين نقول:إننا لا نستطيع أن نفعل كذا وكذا,والصواب أن نقول:إننا لا نريد أن نفعل:لأن الإرادة الحقيقية,ليست متوفرة,فنغطي على غيابها بادعاء انعدام القدرة0وقد قال الله-جل وعلا-في المنافقين{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة}[التوبة:46],فانعدام أي قدر من التأهب للجهاد دليل على أن إرادة الخروج له معدومة أصلاً0
د-وضوح الهدف شيء جوهري0ووضوحه يعني تحديده على نحو دقيق,وذلك بغية قياس التقدم نحوه فيما بعد0ويمكن القول:إن كل هدف,لا يمكن قياسه,ليس بهدف؛ولذا فإن قول كثير من الناس:نحن بحاجة إلى إخلاص وصدق وتقوى حتى
نتقدم-لم يثمر أي ثمرة,حيث لا نملك المعايير التي نتمكن من خلالها من قياس حجم التقدم نحوها0
ويمكن أن نحيط الهدف الذي نريد إنجازه بالأسئلة التالية:
-ما الذي يجب تحقيقه؟
-لماذا يجب أن يتحقق؟
-متى يجب تحقيقه,وما لمدة التي يستغرقها؟
-من الذي سيقوم بتحقيقه؟
-أين يجب أن يتم ذلك؟
-هل أحتاج إلى مساعدة من أحد في تحقيقه؟وإذا كانت المساعدة مطلوبة,فمَنْ الذي سيفعل ذلك؟
-ما الأدوات التي يحتاجها ذلك؟
يجب كتابة الأجوبة عن هذه الأسئلة والرجوع إليها عند الحاجة0
مما نزيد في توضيح(الهدف)أن نقسمه إلى أقسام عدة,ف‘ذا كان الهدف أن أُصبح أستاذاً جامعياً بعد خمس سنوات,فإن من المرغوب فيه أن أُحدد وقتاً,وليكن سنتين للحصول على (الماجستير)وثلاث سنوات للحصول على(الدكتوراه)0
وحتى يتحقق ذلك,فقد يكون عليَّ أن أستهدف إنجاز ست ساعات من العمل في القراءة والكتابة يومياً وهكذا000إن هذا التقسيم سيسهل إدراك الهدف وتحديده,كما يسهل إنجازه أيضاً؛فالحقيقة أنه ليس هناك عمل صعب إذا قسمته إلى أجزاء صغيرة0
هـ-يجب على صاحب الهدف أن يؤمن به إيماناً,لا يشوبه أي شك,وأن يكون على ثقة تامة بالوصول إليه دون أدنى ريب,بل عليه أن يتصرف وكأنه حاصل على ما يريد,وأن يرسخ ذلك في أحاسيسه كلها حتى يصبح(الهدف)جزءاً من كيانه المعنوي0وحين يتغلغل الهدف في(اللاشعور)من صاحبه,فإنه يقوم بتوجيه طاقاته النفسية والجسمية نحو تحقيقه0
وقد كان النبيr يُبشّر أصحابه بظهور الإسلام في أصقاع الأرض في ظروف بالغة القسوة0وحين ساومته قريش,وعرضت عليه الجاه والمال والنساء,قال لعمه أبي طالب قولته المشهورة:(والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله,أو أهلك دونه)!0 إن هذا درس بليغ جداً في الثقة بالوصول الهدف,وفي الإصرار عليه,مهما كانت المغريات الصارفة عنه0
9-السلـوك المــــــــنـطقـي:
في زماننا هذا تعددت الأعباء التي على الواحد منا أن يقوم بها,وصار في الحقيقة في داخل كل واحد منا عدد من الشخصيات المخبوءة0فانت مثلاً موظف ورب أسرة وعضو في جمعية خيرية,وتمارس الكتابة,وتطمح إلى أن يكون لك عمل تجاري,تزيد من خلاله دخلك000كل هذه الأعمال والانتماءات تحتاج إلى فكر وجهد ووقت0لا
خيار لك في بعض ما ذكرناه,لكن حين تختار أعمالاً إضافية,فإن عليك أن تسأل نفسك:هل تستطيع أن تنجح في كل هذه الأعمال,أو أن المنطق يحتم عليك أن تعرض عن بعضها,لأنك لا تستطيع إعطاءه حقه,وبالتالي فسيظهر تقصيرك أو إخفاقك0
الرؤية المنطقية,هي التي ستساعد الإنسان على الحكم الصحيح في مثل هذه المسائل0
إذا كنت ****اً لمصنوعات ألمانية,فإن المنطق يرشد إلى أن تتعلم اللغة الألمانية0وإذا كنت مديراً لمستشفى وأنت لست طبيباً,فإن من المنطق أن تلمَّ بشيء مما يثير النزاع بين الأطباء عادة,وبينهم وبين المرضى,مما يتعلق بالأنظمة المتعلقة بالخطأ الطبي ومعايير الكفاءة المهنية,وما شاكل ذلك0
إذا كنت مديراً لمدرسة,فإن من عوامل النجاح أن يكون لديك إلمام بأصول إدارة المؤسسات التربوية,ودرجة من الاطّلاع على سير المديرين الناجحين,إلى جانب نوع من الدُّربة على حلّ المشكلات وإصلاح العلاقات بين الأساتذة والطلاب0
السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للإمكانات الشخصية والظروف المحيطة,وفهم جيد الأشياء ومنطق تطورها0وإذا دققنا النظر في الكثير من حالات الإخفاق في كل مجالات الحياة,فإننا سنجد نوعاً من التجاهل لبعض هذه الأمور أو جلّها0السلوك المنطقي يكتسب كل يوم وظائف حيوية في حياتنا المعاصرة,نظراً لأن العلاقات الإنسانية والتجارية والتنظيمات الجديدة للمعرفة والتقنية,تقوم جميعاً على التسلسل المنطقي والاعتبارات المنطقية0وفهم ذلك كله قد غدا شرطاً مهماً من شروط عيش الحياة المعاصرة0
10-الحرص على النجاح مهما يكن صغيراً:
ليس في هذه الدنيا نجاح نهائي,فالنصر في أية معركة-أيّاً كان نوعها-يضعنا في مواجهة معركة جديدة,قد تختلف في متطلباتها,لكنها على أي حال,تستدعي جهداً جديداً0والوقوف عند أي نجاح مهما يكن ضخماً,والتقاعس عما بعده,هو أول خطوة على طريق تضاؤله وخسرانه0تلك هي سنَّة الله-تعالى-في الابتلاء0العمل المقبول عند الله-جلَّ وعلا-هو العمل الذي اشتمل على عنصرين أساسين:عنصر الإخلاص و عنصر الصواب0النجاح في الأعمال الدنيوية مرتبط ب(الصواب)أكثر من ارتباطه ب(الإخلاص)0أما في الأعمال الأخروية,فالإخلاص هو الأساس,لأن الصواب قد ينعدم,أو ينقص بسبب وجود ظروف قاهرة أو اجتهاد خاطئ0إن الإصرار على النجاح سِمَة مهمة للمسلم المعاصر,فالعالم كله متورط في سباق محموم للاستحواذ على أي شيء وكل شيء,ولا نستطيع تجاهل ذلك0وإن كانت نجاحات المسلم,تظل مقيدة بقيود معينة,كما أن أهدافه تظل مؤطرة بهدف رفيع خاص0
الخطوة الأولى في طريق النجاح هي الأهم,إنها بمثابة شرارة الإشعال الأولى,ثم بعد ذلك يشكل التدرج التراكمي في تحقيق النجاح نوعاً من الدعم المتلاحق للبواعث,كما أنه يولّد الرضا والسرور من خلال العمل0وهكذا النجاح الأول-مهما كان ضئيلاً-يمهد الطريق للنجاح التالي؛ول شيء يغري بالنجاح كالنجاح نفسه0
إن الناجحين في الحياة لا يشكلون أكثر من(5%)من الناس,وأكثر الباقين من العاديين
والمخفقين,مع أن هناك إمكانات ووسائل كثيرة,تُيسَّر سبل النجاح,لكن مشكلة الإنسان أنه طالما وقع ضحية لقصوره الذاتي,وللأوهام التي تكبل عقله ووجدانه!0
النجاح ثمرة الفكر النير والجهد الوفير والإمكانات الجيدة0هو لا يحدث نتيجة امتلاك صاحبه بعض السمات الخاصة التي يتسم بها الناجحون عادة فحسب,وإنما هناك توفيق الله(1)-تعالى-إلى جانب الظروف المواتيه0
[(1)إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ***فأول ما يقضي عليه اجتهاده]
ولا أريد هنا أن أذكر الصفات التي يحملها الناجحون,وإنما أريد التذكير بأهمها,وربما شرحنا بعضها في مواضع أخرى0
الرجل الناجح يتوقع لنفسه النجاح,وذلك التوقع,يلقي في عقله الباطن-على نحو خفي-الخطط والرؤى التي تساعده على النجاح,تماماً كما هو شأن الذي يتوقع لنفسه الإخفاق0
الرجل الناجح يمتلك قدرة على خوض نوع من المخاطر,فكثير من السكون,والرضا بالقليل من الإنجاز,سببه الخوف من المغامرة0نعم من الواجب على كل عاقل أن يقلل نسبة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها,لكن لا بد في النهاية من الإقدام على الرغم من وجود بعضها0
الإنسان الناجح,يبحث عن الفرص؛إذ إنه يعلم أنه في أسوأ الظروف,وفي أشد حالات الركود,تبقى هناك مجالات وفرص للنمّ والكسب,لكن معظم الناس ينتظرون أن تطرق الفرص أبوابهم0أما الناجحون,فهم الذين يعرَّضون أنفسهم لها,ويتحسسونها0
روح الاستقلالية,سمة مهمة من سمات الناجحين ,فهم يثقون في أنفسهم,ويمتلكون القدرة على التجاوز,على حين يشعر العاديون من الناس ينوع من التبعية لغيرهم,ويخافون من القيام بأعمال منفردة.
الإنسان الناجح,يمتلك القدرة على الاحتمال,وهو بطبعه صابر على بذل تكاليف النجاح0
إنه يصبر على بذل الجهد,كما يصبر على ضبط إيقاع نفسه ورغباته,ويسيطر على الزمن فلا يفلت منه0
الخلاصة:أن الناجحين,هم أشخاص غير عاديين,ولذلك فهم قلة0وأمة الإسلام,لا تشكو اليوم من انعدام الكفاءات وأصحاب الاختصاصات في أي مجال,لكن تشكو من فقر مُدقِع في العناصر المتفوقة والكفاءات النادرة التي تشق طرقاً جديدة للممارسة,وتعثر على حلول ناجعة حين يشعر الأشخاص العاديون بانسداد الآفاق وانقطاع الحيلة0
11-الوضــــــع الإيجابي:
من السمات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها(المسلم المعاصر)سمة (الإيجابيّة)وهي مغايرة لصفة(السلبية),فماذا نعني هنا بالإيجابية أو الوضع الإيجابي؟0
تعني الإيجابية أموراً عديدة منها:
-القدرة على التحكم بالعواطف,حيث يتم بذلك تجاوز خطوط الغريزة,وهذا التجاوز,يعبر في اتساعه عن مدى استطاعة صاحبه تحقيق إنسانيته من خلال بعده عن(الحيوان)الذي لا يستطيع السيطرة على غرائزه ولا تأخير رغباته,والذي لا يقوى
أيضاً على المخاطرة000ونعني بالسيطرة على العواطف أن يلبس المسلم لكل حالة لبوسها,فليس من الإيجابية أن يحمل الموظف هموم بيته ومشكلاته الخاصة إلى مكتبه أو مصنعه,فالأداء الكفء,يتطلب موظفاً في أحسن أحواله,وفي أعلى درجات لياقته النفسية والبدنية0
كذلك ليس من الإيجابية أن يزعج المرء أهل بيته بمشكلاته مع طلابه أو زملائه أو مراجعيه000الحصول على هذه الوضعية يتطلب تدريب العاطفة وتقوية آلية الضبط الداخلي لديه0
-الفهم العميق لتحديات العصر ومطالبه وأشكال الاستجابة المطلوبة للعيش فيه,إلى جانب الشعور بالقدرة على التغيير:تغيير النفس وتغيير المحيط وتغيير الرؤية للأشياء0
وينطلق الشعور بإمكانية التغيير وضرورته من خلال إدراك أن الله-تعالى-قضى على الكون بالتقلّب والتحوّل وأن يظل في حالة من الصيرورة المستمرة؛كما ينطلق من مبدأ الاستفادة من التجارب السابقة التي خضناها,والتي رأيناها,ومن مبدأ ضرورة الانتقال إلى مرحلة استلهام الحق والخير والفضيلة وتمثلها في السلوك الجيد0إن الرتابة نوع من العدم,وإن الاستسلام للأخطاء,والقنوع بالحالة الحاضرة,نوع من الخروج من المحيط الحي إلى محيط الجماد0
-الصحة النفسية ركن أساسي من أركان الإيجابية؛إذا لا يمكن أن يكون المرء في وضع إيجابي وهو سيشعر بنوع من(السأم الوجودي)أو الحسد أو الغيرة أو الخمول النفسي,أو الحقد على الناس000ومن ثم كان لتزكية النفس وتنقية السرائر المكانة العظمى في الإسلام0
ما من إنسان إلا قد تعتريه أوضاع يفقد فيها لياقته النفسية,لكن المهم ألا يستمر ذلك,ويصبح صفة ملازمة0وللخلاصة من تلك الأحوال شرع الله-سبحانه-التوبة الغسل الشعور بالذّنْب,وشرع النوافل وأعمال البر من أجل الإحساس بتجاوز المصالح الضيقة إلى أفق أرحب,ولتجديد المعاني الروحية ونفض غبار التقاعس والخمول عن نفس المسلم0
12- التقييم الذاتي:
التقييم الذاتي هو في الأصل مفهوم الإنسان لذته,من حيث مظهره وأصوله وقدراته ووسائله واتجاهاته000وهذا المفهوم حين يترسخ,ويبلغ ذروة وضوحه يصبح قوة موجَّهة للسلوك0ويتكون مفهوم الإنسان لذاته من خلال الخبرات التي يكتسبها,ومن خلال الاحتكاك والاتصال بالآخرين0بل إن الناس كثيراً ما يكوَّنون المرآة التي يرى فيها الإنسان ماذا يمكن أن يكون عليه,والآفاق التي يمكن أن يرتادها,أي مجالات نموه الشخصي,وحدود ما يمكن أن ينجزه0
هذه الوضعية تحتم على الواحد منا أن يعيد تقييم نفسه من جديد؛إذ إن من الوارد أن تكون المفاهيم التي كوّنَّاها عن أنفسنا مغلوطة أو مشوَّهة,بسبب رداءة البيئة العامة,أو بسبب المربية التي فهمنا ذاتنا بواسطتها0على المسلم اليوم أن يمتلك القدرة على إعادة فهم ذاته,وإعادة تقويم إنجازاته,وكشف الطاقات الكامنة لديه .
إعادة التقييم هذه ضرورية للتحرير من حتميات البيئة والمفاهيم الخاطئة السائدة,وضرورية أيضاً لكشف جوانب القصور في ذواتنا وأنشطتنا0وفي ظل التحديات المتصاعدة,وظل المتغيرات السريعة,تصبح هذه المسألة أكثر إلحاحاً,ويصبح إهمالها أشد خطورة0
مشكلة المراجعة أنها في أكثر الأحيان,تنتهي إلى اتهام النفس وازدراء الإنسان لإنجازاته الماضية؛مما يجعلها تولَّد نتائج عكسية0ولذا فإن من المهم أن يحتفظ الإنسان بنوع من التقدير لذاته,وبالثقة في قدراته على التحسن والاستفادة من دروس الماضي0وله أن يعد مجرد المراجعة وإعادة التقييم إنجازاً جيداً0
لا أريد أن أتوسع أكثر في ذكر قسمات نموذج المسلم المعاصر,فهي كثيرة,وتقبل الكثير من التفريغ والتفصيل والإضافة,فنكتفي بما ذكرناه هنا0
وسوف يجد القارئ ما يمكن أن يعد امتداداّ لها فيما سنقوله عن مسألة السبق والتقاعس؛ ونسـأل الله العون

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image024.gif[/IMG]الفصل الرابع:-



عصرنا الحاضر بمفاهيمه وتحدياته ومتطلباته000أثار انتباه الناس إلى قضايا كانت خارج نطاق وعيهم في الماضي,وأوجب عليهم أن يستعدوا للاعتراف بأهمية أشياء كثيرة,لم يكونوا يعترفون بها,أو يولونها أية عناية0تلك القضايا,منها ماهو عبارة عن
أفكار ومفاهيم,ومنها ماهو عبارة عن أعمال وآليات وعادات,وذلك مثل المحافظة على الوقت,والنظر إلى المستقبل,ومواجهة المشكلات والسعادة والإنتاجية والدقة والسرعة والتنظيم000
وسنتحدث عن هذه القضايا على نحو موجز بغية إدخالها في منطقة الوعي,وتسليط الضوء عليها,وتحديد بعض ملامحها0هذه القضايا ليست في الحقيقة جديدة على البشرية,وإنما اكتسبت نوعاً من المركزية في الحياة المعاصرة,مما جعل المتجاهل لها يدفع ثمناً باهظاً,حيث يصبح متخلفاً عن عصره,منغمساً في الكثير من شروره ومشكلاته0وإليك أهم تلك القضايا على النحو الآتي:-
أولاً-المدينة الفاضلة وَهْمٌ:
طالما داعب الخيال الواحد منا طيوف الاستمتاع بالصحة والمال والفراغ والعلاقات الحسنة مع الناس,ودفء القرابة والجوار000وطالما استمتع الكثيرون بالقصص والحكايات التي تصور حياة بعض الناس وكأنها أشكال من التقلب في نعيم مقيم000
وكل ذلك يتناسى شيئاً جوهرياً,هو أن هذه الدنيا دار زرع,وليست دار حصاد,ودار ابتلاء,وليست دار نعيـم000
الحقيقة الملموسة والبادية للعيان أنه ليس في هذه الأرض مدينة مثالية للعيش,ولا علاقات مثالية,تمنحنا الأمان والدعم الاجتماعي الكافي,كما أنه ليس في هذه الحياة صحة أو ثروة مثالية000كل ذلك أوهام وخيالات؛فلا ينبغي,للمرء أن ينزعج حين يجد نفسه محاطاً بالضرورات والتحديات والمكدَّرات,فهذا هو الشيء الطبيعي,وسيكون من
المفيد لنا جميعاً أن نعدّ أنفسنا لمواجهة مختلف الأحداث الحياة بتفهم كامل,وتوكل على الله-تعالى-ورضا بقضائه وقدره,وانتظار لرحمته ومثوبته000لا يعني هذا-بالطبع-ألا نسعى لتحسين بيئتنا وتنظيمها,وتوفير أسباب الهناء في العيش,ولكنه يعني ألا نتوقع الكمال في أي شيء,إذ ليس من الحكمة أن نبحث عن حلول كاملة في وسط غير كامل0وعلينا أن نعد أنفسنا لمواجهة تحدًّ جديد كلما أدركنا نصراً في معركة من معارك الحياة,فعن طريق جدلية التحدي والاستجابة يرتقي الإنسان,ويوسع مدى حركته ونموّه,ويحسَّن سجله ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون0
ثانياً-إدارة الـوقـــــــــت:-
حجم استغلال الوقت,والاستفادة منه؛من أهم العلامات الفارقة بين الأمم المتقدمة والأمم المختلفة ,وبين الأشخاص الناجحين والأشخاص العاديين,ويمكن للمرء أن يقول-وهو مطمئن-:إنه ليس هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر,لا يهتمون بأوقاتهم0كيف يمكن للمرء أن ينجح إذا كان لا يستغل أهم مورد يمكن الاستفادة منه في تحقيق النجاح؟
أقسم الله-جل وعلا-بالليل والنهار والضحى والعصر والفجر000تذكيراً للناس بنعمة الزمن ونبياناً لقيمته العظيمة0وفي الحديث الصحيح:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة والفراغ)0
الإحساس بالمسافات الزمانية والمكانية,أحد المنتجات الحضارية,لذا فإن أمة الإسلام في أيام إقبالها وازدهارها,ضربت أروع الأمثلة في المحافظة على الوقت والعناية به, وحسن الاستفادة منه0
يقول ابن مسعود-رضي الله عنه-:(ما ندمت على شيء مثل ندمي على يوم غربت شمسه,نقص فيه أجلي,ولم يزد في عماي). وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز: (إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما)0وما أجمل اعتبار الحسن البصري(الإنسان)
مساوياً لأيام عمره حين قال:(يا ابن آدم إنما أتت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك) وكان يقول:(أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم)0
لو تساءلنا:ما الشيء الأطول والأقصر في وقت واحد,والأسرع و الأبطأ معاً,والذي نهمله جميعاً,ثم نأسف عليه,ولا شيء يمكن أن يتم بدونه,والذي يبتلع كل ماهو صغير,أو يتمنى كل ما هو عظيم؟لكان الجواب:إنه الـوقـــــــت0
المشكلة الكبرى أن الوقت لا يدار,فهو سلسلة من المقاييس التي تسجل بقاء دوران الأرض حول محورها,وتسجيل فصولها المتعاقبة000فتقدمه ثابت؛ولذا قالوا قديماً:(الوقت لا ينتظر أحداً)
أما الشيء الذي يمكن أن يدار فهو استغلالنا للوقت؛ولذا فنحن في الحقيقة ندير أنفسنا وطاقاتنا لا أوقاتنا0
إن الطريقة التي نقضي لها أوقاتنا,هي نتيجة للطريقة التي ننظر بها إلى أوقاتنا,والطريقة التي ينظر بها إلى أوقاتنا مرتبطة بأشياء عديدة,منها تربيتناً,ووعينا بالتحديات المعاصرة,وأهدافنا في هذه الحياة,وسيطرتنا على رغائبنا, وصلابة إرادتنا, ورؤيتنا للأولويـات0

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]لمــــاذا يضيع الوقت؟
يمكن تقسيم الوقت إلى قسمين:وقت عمل ووقت فراغ0وقت العمل ينقسم إلى قسمين أيضاً:وقت إنتاج ووقت ضائع0وقت الإنتاج هو الوقت الذي ينقضي في الإنجاز الفعلي لبعض المهمات التي نحن ملتزمون بها في حياتنا العملية أو حياتنا الخاصة0أما الوقت الضائع فهو الوقت الذي ينقضي دون إسهام في إنجاز الغرض الذي عزمنا على تحقيقه0وهو يضيع بنفس الطريقة التي يُبدد بها وقود السيارة إذا ما تركنا محركها يدور ونحن ننتظر عودة شخص من مكان ما0
ويمكن تقسيم وقت الفراغ أيضاً إلى قسمين:وقت شخصي ووقت استرخاء(غير مستغَل)؛
هو الوقت الذي نحتاجه للعناية بمتطلبات بقائنا على قيد الحياة,مثل الأكل والنوم والرياضة والعناية بالصحة000أما وقت الاسترخاء فهو الوقت غير المخصص تحديداً لأي نشاط أو هدف معين0ويكون عندما نسمح للوقت بأن ينقضي دون إنتاجية,كذلك الذي ينقضي بين عمل ملزم,وما يليه من نشاط0وبهذا يتبين أن الوقت قد يضيع أثناء ما نسميه(أوقات عمل),كما قد يضيع أثناء أوقات الفراغ التي لا نلتزم فيها بإنجاز أي شيء محدد0ينفر معظم الناس من تنظيم الوقت وبرمجته؛لأنهم يشعرون أنهم بذلك يصبحون مقيدين أكثر مما ينبغي0
أضف إلى هذا أن كثيراً من الناس يكرهون أي شيء يرتب عليهم التزامات جديدة0وذلك وَهْمٌ,فبرمجة الوقت,لا ينبغي أن نواصل العمل إلى ما لا نهاية,بل على
العكس من ذلك فإن الإدارة الجيدة للوقت تقلل من الأوقات التي يسميها الناس(أوقات عمل)لأنها تفعَّل الأداء,وتحسَّن الإنتاجية,مما يجعل المرء يحصل على الكثير من وراء القليل من العمل0
كما أن برمجة الوقت تساعدنا على تنظيم الاستفادة من أوقات الفراغ في دعم أبعاد ذاتنا كلها عوضاً عن الشعور بالفراغ والتفاهة,وعوضاً عن إهمال تنمية جوانب مهمة في شخصيتنا بسبب سوء التنظيم,وسوء التوزيع لطاقاتنا وأوقاتنا0
إن الأسباب التي تكمن خلف ضياع الوقت عديدة,يمكن أن نذكر منها ما يلي:
1-الكسل فحين ينام الإنسان أكثر من ثماني ساعات في اليوم,أو يتقلب على فراشة تاركاً خلف ظهره المهام التي عليه أن ينجزها,فإن داءه آنذاك هو الكسل,وهبوط الهمة0الشعوب المتقدمة تقضي الكثير من أوقات الفراغ في الرياضة,وتعلُّم مهارات جديدة,على حين أن أبناء الشعوب المختلفة,يقضون الكثير من فراغهم في الجلوس على أبواب بيوتهم,أو في الاستلقاء على فرشهم,أو في السهر والسمر إلى ساعات الفجر الأولى!0
2-عدم وجود هدف محدد سبب مهم من أسباب ضياع الوقت؛فالحاضر سيتفلت من بين أيدينا ما لم نضغط عليه بآمال مستقبيلية0والمهم دائماً أن نحدد وقتاً للإنجاز,وأن نلتزم التزاماً صارماً بذلك التحديد,وإلا فمن الممكن أن ننقل التنفيذ من أسبوع إلى أسبوع,ومن شهر إلى شهر,ونكون بذلك قد قمنا بتجسيد شعار المسوَّفين:(لا تفعل اليوم ما تستطيع تركه إلى الغد)!إذا كان الهدف متواضعاً,لا يشغل سوى جزء من أوقات
الفراغ,فإن باقي الوقت سيضيع هدراً0وهذا ما نجده لدى كثيرين؛حيث إن البيئة المختلفة والأسر المحطَّمة,تحملان المرء حملاً على جعل طموحاته محدودة0
ليست مهمة الهدف قاصرة على شغل الوقت,وإنما المساعدة على القيام بالأعمال المهمة أيضاً,فالهدف الواضح ذو التوقيت المحدد,يخلَّصنا من مشكلة الانشغال بالأنشطة غير المهمة-نظراً لسهولتها أو إمتاعها-عن الاشتغال بالأنشطة المهمة؛حتى إذا أصاب الواحد منا الكلل لم يجد العزيمة لإنجاز ما هو أحوج إلى إنجازه0
3-عدم وجود خطة,تحوَّل الهدف إلى إنجاز0الأهداف بدون خطط تكون عبارة عن أحلام وأمنيات0الخطة في أبسط أشكالها,هي:قائمة النشاطات التي تنقل صاحبها من موقعه الحالي إلى حيث يريد أن يكون في المستقبل0إذا لم تكن أنشطة الخطة متسلسلة ومنطقية,فإن كثيراً من الوقت سوف يتم هدره قبل بلوغ الهدف0
4-سوء التنظيم حيث إن الأعمال التافهة التي يمكن أن تبدد الوقت أكثر من أن تحصى0لو أننا دققنا النظر في كثير من أنشطتنا اليومية,لوجدنا جزءاً كبيراً منها كان يمكن تفويضه إلى شخص آخر:موظف أو ابن أو زوجة000وقسم آخر,يمكن حذفه والاستغناء عنه أو دمجه في نشاط آخر0يذهب كثير من الوقت في السفر والتنقل,مع أنه يمكن توفيره عن طريق الاتصال بالهاتف أو إرسال رسالة,أو التسويق بالجملة بدل المفرق أو000
5-تطفل الآخرين وفوضاهم,فمشكلات الواحد منا,ليست دائماً ذاتية,وإنما قد يكون مصدرها الآخرين؛فمن المألوف في كثير من البلدان-ولا سيما الريف-أن يزور الناس
بعضهم بعضاً من غير سابق موعد,كما أن من المألوف أن يكلمك شخص بالهاتف,فيطيل الكلام من غير فائدة0كما أن بعض الأشخاص يبدون من السماحة والكرم الذاتي ما يشجع الآخرين على طرح مشكلاتهم عليهم,وطلب المساعدة منهم000مما يبدد الوقت في كثير من الأحيان دون أي مردود0وهكذا البيئات التي لم تترسخ فيها المفاهيم الحضارية,لا تساعد من يعيش فيها على تنظيم وقته واستغلاله الاستغلال الأمثـل0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]مبادئ وآلـيات في الاستـفادة من الوقـت:
إن العمل الشاق,يؤدي إلى التعب,والعمل الذكي,يؤدي إلى زيادة الإنتاجية؛ولذا فإن الهدف من إدارة الوقت,ليس أن تعمل بجهد أكبر بل أن نعمل بذكاء أكثر؛فالمقياس لنجاحنا في إدارة أوقاتنا,ليس زيادة ساعات العمل وإنما الثمار اليانعة التي نقطفها من ورائها0
يجب أن نقول في البداية:إن الواحد منا مهما أبدى من الكفاءة والعبقرية في تنظيم وقته واستغلاله,فإنه لن يستطيع أن يستثمر وقته على نحو تام,فالعنصر الروحي الذي يتمتع به الإنسان,يجعل عمله مغايراً لعمل(الآلة)0والظروف المختلفة المحيطة هي الأخرى,تحول دون ذلك,فلا بد إذن أن نقنع بمناهزة الكمال عن الوصول إليه0
وهذه بعض المبادئ والآليات التي تساعد على استثمار الوقت-على الوجه الأمثل-نسوقها في النقاط التالية:
1-على الواحد منا أن يحاول التخلص من حالة الهدر الوقت,ولا سيما تلك الأوقات
(البرزخية)التي تفصل بين أوقات العمل وأوقات الفراغ0وهذا يعني أن نحاول-إلى أقصى حد ممكن-تقليل مدة التهيؤ للعمل,ونستخدم الصرامة مع أنفسنا في هذا الأمر,وقد لوحظ مثلاً أن الرد على هاتف من أحدهم,لا يعطل المرء عن متابعة عمله فقط,وإنما يضيَّع عليه أربع دقائق أو خمساً قبل أن يتمكن إلى العودة إلى ما كان فيه من قبل0
2-الرتابة مكروهة,لأنها تقتل تفتُّح الروح والعقل,لكن يمكن أن نستخدم شيئاً منها استخداماً نافعاً في بعض الأحيان,كأن يُلزم الإنسان نفسه بأن يخصص بعد الإفطار من كل يوم نصف ساعة للقراءة أو العبادة أو المشي أو قضاء بعض الأشياء المهمة0وبعض المشاهير يشعرون أنهم مدينون في شهرتهم إلى الالتزام بأشياء محددة في ساعات محددة من يومهم0وهذا يعني اقتطاع جزء من الوقت الضائع لاستخدامه في أشياء نافعة ومهمة0على سبيل المثال فإن الالتزام بساعة من كل يوم للقيام بعمل محدد,تجعل المرء يكسب(360)ساعة سنوياً,وهي مدة كافية لإنجاز أشياء جميلة:
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]حفظ أكثر من عشرة أجزاء من القران الكريم0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]تعلُّم أساليب القراءة السريعة0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]تحسن الخط,وتخليصه من الأخطاء الإملائية0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]إعداد أجمل حديقة في منطقة السكن0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]تأليف كتاب متوسط الحجم0
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif[/IMG]الحصول على (دبلوم)0
3-لأسباب متعددة,تنهال طلبات الخدمات والمقابلات والاستشارات على بعض الناس0ومع أن هذا شيء حسن حين يكون في نفع الناس؛لكن كثيراً ما يكون ذلك على حساب أشياء مهمة في حياة الإنسان؛لذا كان من الواجب على كل واحد ألا يسرف في إعطاء المواعيد للناس,وأن يعلم أن كل موافقة على وعد أو القيام بعمل,ربما كانت على حساب عمل آخر قد يكون أهم و أكثر إلحاحاً0حتى المواعيد البعيدة,فإنها ستقرب,وسيجب الوفاء بها في النهاية0
4-الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح,وسوف يجد المرء نفسه منجذباً إلى عمل الأشياء السهلة0لذا كان لابد من الالتزام بأهداف سنوية للتطوير الشخصي0الأهداف السنوية يتم تقسيمها إلى أهداف شهرية وأسبوعية0وسيكون من المفيد في هذه الحالة أن يخصص المرء عشرين دقيقة في مطلع كل أسبوع وخمس دقائق في مطلع كل يوم لكتابة قائمة بالأعمال التي سيتم إنجازها0العمل الذي لا يتمكن أحدنا من إنجازه يبقيه في القائمة؛ليضاف إلى قائمة أعمال اليوم التالي0
5-كثيراً ما يذهب الوقت في تجزئة العمل وتشتيته0كثير من الناس يبدؤون عملاً ثم يقفزون إلى غيره قبل إتمامه,ثم يعودون للأول وهكذا000ولذا فإن النصيحة هنا أن يحاول الواحد منا ألا يركز اهتمامه في أكثر من عمل في وقت واحد,وإذا بدأ في عمل,فلا يتركه حتى ينهيه0وهذا في الحقيقة يحتاج إلى العزيمة والمثابرة 0
6-وضع أحد خبراء إدارة الوقت قاعدة سماها قاعدة(80\20)حيث لاحظ أن(80%)
من إنتاج الإنسان يأتي من (20%)من جهده0وهذا يعني أن نعرف بشكل جيد الأوقات
الملائمة لجعل(20%)من جهودنا تثمر(80%)من إنتاجيتنا,فنختار الوسائل الأكثر فاعلية,
والأوقات التي نكون فيها في قمة نشاطنا و صفائنا,والأوقات التي نظن عدم وجود مقاطعة فيها من قبل الآخرين0
ومن وجه آخر فإن(20%)من الأعمال التي نقوم بها قد يكون فعلاً مساوياً في قيمته ل(80%)فلنعط تلك العشرين حقها من الأولوية والعناية0
7-احمل معك بعض أعمالك أو بعض كتاباتك إلى الأماكن التي تذهب إليها,فقد تستطيع إنجاز شيء من مهماتك وأنت في قطار أو حافلة,أو أنت تنتظر في دائرة أو مستشفى0
8-هناك إلى جانب ما ذكرناه بعض الإرشادات التي تساعد على توفير الوقت,مثل:
Jلا تقم على الإطلاق بزيارة صديق دون أن تبلغه بذلك أو تحادثه0
Jاستفد من وقت الفراغ في القراءة أو الحفظ أو في عمل شيء نافع0
Jحينما ترتب موعداً فتأكد أن الطرفين يفهمان الوقت و المكان والعنوان بالضبط
Jاحسب وقت انتقالك إلى مكان الموعد,وأضف فترة زمنية مناسبة احتياطاً لمواجهة الطوارئ حتى تصل في الوقت المحدد0
Jوفَّر كل المواد والمراجع اللازمة بين يديك قبل أن تبدأ العمل سواء أكان ذلك العمل طهواً أم كتابة مقال,أم خطبة0
Jلاترتب رحلة لإنجاز عمل ما إذا كان بوسعك إنجاز ذلك العمل برسالة أو بمحادثة هاتفية0
Jإذا كان لديك مهام قصيرة أو مشتريات,فقم بإعداد قائمة بها تشمل كل البنود,وخطط نشاطاتك المختلفة,بحيث تحتاج إلى قطع أقصر مسافة ممكنة0
أستطع أن أقول بعد كل ما ذكرته:إن(الزمن)قد احتل أهمية فريدة في تركيبة كل ما يتصل بعصرنا,وإن الأمة المتقدمة والمتفوقة,ليست تلك التي تتحدث عن السنين والشهور,وتتعامل مع الأحداث من خلالها,وإنما تلك التي تستخدم الآن الدقائق والثواني0وهذا إن دل على شيء,فإنما يدل على احترام الزمن ومحاولة استغلاله إلى أقصى حٌد ممكن0وبإمكان الواحد منا أن يجعل من استخدامه لواحدت الزمن مقياساً لحرصه عليه,ومقياساً لارتقائه في معارج العطاء والنمو و النجاح0
ثالثاً-تــــــــحسين الإنتاجيــــة:
ثمَّة فجوة كبيرة تفصل بين العالم الإسلامي والعالم الغربي على مستوى الدخل والبنية الأساسية والعلم والتقنية وأمور أخرى كثيرة(1)0[(1)سلّطنا الضوء على ذلك في كتابنا (نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي)]
وتلك الفجوة الآخذه في الاتساع-مع الأسف-هي ترجمة دقيقة لفارق الإنتاجية بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية0ولا يعني أن يفهم من هذا أن علينا أن نلحق بالغرب بأي ثمن وعن أي طريق؛فهذا ليس وارداً,ولكن المقصود أن يتهيأ لأمة الإسلام ما يمكنها من توفير الحاجات الأساسية لأبنائها,والمحافظة على استقلالها وكرامتها؛كي تتمكن من القيام بمسؤولية الاستخلاف في الأرض0
المجتمع الضعيف مكوّن في الأصل من أشخاص ضعفاء,والمجتمع القوي مكوّن من
مكوّن من أشخاص أقوياء0وإذا كنا نشعر بآلام جراح التخلف والاستكانة أمام غيرنا,و
كنا نملك الإدارة على الارتقاء بهذه الأمة إلى المكانة التي تليق بها-فإن مهمتنا الأولى تتمثل في أن نحاول رفع سوية التزام الإنسان المسلم وعطائه؛حيث إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من مجموع أفرادها0
الإنتاجية مقياس,نقيس به العلاقة بين ما هو منتَج وبين الوسائل المستخدمة في عملية الإنتاج0وقيمتها الأساسية تكمن في أنها تمكننا من مقارنة أداءين أو أكثر مع بعضهما,أو مع مستوى من الأداء محدَّد مسبقاً0إذا وجدنا خالداً ومحموداً يصنعان صناديق خشبية,ووجدنا أن محموداً يصنع عشرة صناديق في ثماني ساعات,ثم وجدنا خالداً يصنع ثلاثة عشر صندوقاً في تسع ساعات,وافتراضنا إلى جانب ذلك أن إنتاجهما متساوٍ في جودة الصنع,ومتطابق في جميع الجوانب,فأيهما أكثر إنتاجية؟
بعد القيام ببعض العمليات الحسابية سوف نجد أن خالداً ينتج صناديق أكثر من محمود,وذلك بعد أن أخذنا بعين الاعتبار عامل الوقت,حيث إن خالداً يعمل ساعة زائدة على عمل محمود0وهكذا يمكن القول:إن إنتاجية خالد أعلى من إنتاجية محمود(1)0[(1)يستغرق صنع السيارة في اليابان(17000)ساعة عمل,على حين يستغرق في أمريكا(27000)ساعة عمل,أما في أوروبا فيستغرق(32000)ساعة عمل,والحمد الله
أننا غير واردين في هذه المقارنة!0]
من السهل تحديد مستوى الإنتاجية في مزرعة أو مصنع,لكن تحديد (الإنتاجية الشخصية)غامض ومعقّد,ومع هذا فيمكن قياسها حيال أشياء محددة جداً,كما لو قلنا:
إن محموداً يحتاج إلى ست ساعات قراءة في حفظ جزء واحد من القرآن الكريم,على حين أن سعيداً,يحتاج إلى تسع ساعات وهكذا000
العوامل المؤثرة في الإنتاجية ومبادئ تحسينها:
إن العوامل المؤثرة في تحسين إنتاجية الإنسان,أكثر من أن تحصى,وربما كان من الصواب القول:إن تحسين يطرأ على أي جانب من جوانب شخصية الإنسان,ينعكس-بصورة ما-على إنتاجيته؛وإذا فإن كل ما ذكرناه,وما سنذكره في هذه الرسالة,يساعد على تحسين الإنتاجية الشخصية0وما سنشير إليه هنا,يستهدف لفت الانتباه وإيجاد نوع من التركيز على أمور نحسب أنها تساهم في تحسين أداء الواحد منا,ورفع كفاءته على نحو ظاهر؛وذلك من خلال الحروف الصغيرة التالية:
-من أهم مبادئ تحسين الإنتاجية أن يحاول الإنسان عمل ما هو ممكن-مهما يكن ضئيلاً-ولا ينتظر تحسن الظروف والإمكانات؛فذاك قد يأتي,وقد لا يأتي0ثم إن مباشرة الممكن نفسها,توسع دائرة العمل؛وتذلل عقباته0إن الطفل الصغير يقف عاجزاً في البداية عن كتابة أية كلمة حتى اسمه0وبعد تعلم الحروف,وتعلم شبكها بعضها مع بعض يصبح المستحيل ممكناً,وتتحسن شروط الممارسة0
-لو راقب الواحد منا استمراريته في أداء عمله,لوجد أن أكثر ما يقطعها,ليس الأشياء المهمة,وإنما الأشياء التافهة0والحقيقة أن الواحد منا يتخذ من قضاء بعض الحوائج الثانوية ذريعة للتخلص من ضغط الاستمرار في العمل؛لذا فإن من شروط رفع كفاءة الأداء أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا,ونصلَّب إراداتنا تجاه القواطع والصوارف الكثيرة0
مما يساعد على ذلك أن يحاول الواحد منا مكافأة نفسه على الأعمال التي يقوم بها,وذلك كأن يعد نفسه بإعطائها شيئاً تحبه بعد كل ساعة أو ساعتين العمل المستمر0
-كل ما نقوم به يتم في ظروف محددة,وحتى نحصل على النتائج المكافئة للجهود التي نبذلها,فلا بد من كون ظروف العمل ملائمة ومناسبة للإنتاجية الجيدة0قد نضطر أن نقرأ في مكان,لا تتوفر فيه الإضاءة أو التهوية الكافية,وقد نضطر إلى أن نجلس على كرسي غير مريح,أو في مكان تعلو فيه الأصوت000إنَّ كل هذا قد يقع,ويجب تقبُّله على أنه شيء مؤقت,لكن لا يصح أن يصبح ذلك شيئاًً مستمراً ودائماً؛لأن ذلك سيؤدي إلى عدم استمرار العمل,أو إلى كثرة حدوث انقطاعات فيه؛ولذا فإنه لابد من وضع خطة لتحسين ظروف العمل-أياً كان-وإلا فإن المتوقع آنذاك أن يكون ما نحصل عليه من ثمار جهودنا محدوداً؛هذا إذا استطعنا ألا نعرف عن العمل بالكلية0
-للمهارات في أسلوب العمل واستخدام الوسائل وظيفة أساسية في تحسين الإنتاجية0
وقد أحرز العالم تقدماً هائلاً في هذا الصعيد؛فالدول تنفق اليوم أموالاً طائلة على التدريب بغية تحسين أساليب العمل,كما أن تطوراً غير مسبوق قد طرأ على الأدوات والوسائل إلى درجة أن(الإنسان الآلي)صار يقوم بكثير من الأعمال التي كان يقوم بها الإنسان,وهو يؤديها على نحو أكثر دقة وسرعة0وكان هذا يعني اختصاراً للجهد العضلي نتيجة الاستثمار الأمثل للجهد الذهني والفتوحات العلمية المستمرة0
في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة وقليل من الوسائل الجيدة0
والنتيجة إنتاجية متواضعة للأفراد,تترجم إلى إنتاجية متواضعة للشعب أو الأمة(1)0[(1)الناتج القومي-وهو مجموع ما ينتجه شعب ما من سلع وخدمات خلال عام-لليهود في فلسطين المحتلة,يزيد عن الناتج القومي لكل من مصر ولبنان والأردن والسودان مجتمعة!]
ولذا فإن علينا أن نتعلم دائماً كيف ننجز أعمالنا بمهارة أكثر,وكيف نوفر الوسائل التي
تساعدنا على ذلك0
-استثمار الساعة الأولى من اليوم مهم,حيث إن كثيراً من الناس يضيعها في النوم-الذي لا حاجة إليه-أو في أحاديث اجتماعية مع الزملاء,أو في قراءة جريدة000
وهكذا يبدأ الكثيرون يومهم بنوع من الترهل الشعوري تجاه الوقت,وتجاه الواجبات الشخصية0إذا جرَّب الواحد منا أن يكف عن تضييع الساعة الأولى من يومه,فسيجد أن إنتاجيته تحسنت أكثر من(20%)كما يخف عليه الشعور بضغط العمل طيلة ذلك اليوم,فهل نجرب؟
-لكل منا أوقات يكون فيها نشيطاً,أوقات يكون فيها خاملاً؛فإن أمكن للمرء أن يتعرف على أوقات نشاطه وأوقات خموله,كان من الأفضل له أن ينجز الأعمال الشاقة في أوقات نشاطه,والأعمال السهلة الرتيبة في أوقات الخمول0التفكير والتخطيط وقراءة النصوص الفلسفية الراقية,أعمال شاقة,وينبغي أن نختار لها أوقات الحيوية وفراغ البال0
-إذا أردنا تحسين الإنتاجية والاستفادة من الإمكانات المتاحة,فإن علينا ألا نسأم من
أن نلقي على أنفسنا ثلاثة أسئلة:
Jماهو العمل الذي بإمكاني أن أؤديه الآن لكني لا أؤديه؟
Jهل بإمكاني أن أعمل ما هو أفضل,أو أولى من العمل الذي أعمله الآن؟
Jهل ثمَّة طريقة أفضل,لإنجاز عملي,من الطريقة التي أستخدمها الآن؟
إننا بهذه الأسئلة نستثمر الكثير من أوقات الفراغ,كما أننا نكوَّن حساسية جديدة نحو الأولويات في حياتنا0وأخيراً فإننا بذلك نحاول الاستفادة من الخبرات الجديدة في إدارة أعمالنا وتصريف شؤوننا0وكل ذلك سيعود بالنفع على كفاءتنا الشخصية والإنتاجية0
-عندما يشعر المرء أن حيويته,بدأن تنخفض,فإن عليه أن يمنح نفسه استراحة قصيرة لتجديدها0وكثيراً ما يحدث هذا عند منتصف النهار عندما ينخفض مستوى السكَّر في الدم0إذا تركت العمل مدة ربع ساعة ثم عدت إليه؛فإنك ستعود بهمة جديدة0
ومن المهم أيضاً أن يخصص المرء نفسه في كل يوم وقتاً يقضيه بعيداً عن العمل,حتى لا يسأم ولا يمل0ولابد بعد هذا وذاك من أن يحصل الإنسان على إجازة دورية,ويترك العمل خلف ظهره0وقديماً لم يكن الناس يحرصون على الإجازة؛لأن الأعمال التي كانوا يقومون بها متفرقة,وحجمها أقل,وهي تستدعي أيضاً تركيزاً وتنظيماً أقل0أما اليوم فكل شيء قد اختلف0ولذا فلا بد من تزييت(الماكينة)إذا ما أردنا لها أن تستمر العمل0
رابعـاً-مـواجهة المشـــــــكلات:
في تربيتنا ونظمنا وأوضاعنا العامة تشجيع على(الغموض)وتشجيع على الهروب نحو الأمام0ونحن إلى جانب ذلك قلَّما نملك الشجاعة على الاعتراف بأخطائنا0وقليل منا أولئك الذين يقدمون على تحمل المسؤولية عن تصرفاتهم0وهذا كله يجعل المجتمع يظهر بمظهر المعافى وهو يعاني من علل ومشكلات فتاكة0
نحن لا ندعي العصمة,ولا تدعي لنا,لكنا أن نظهر بمظهر المعصوم!إن وجود مشكلات في حياة الناس,هو الأصل,وهو ليس علامة المرض,فالعيش السهل والإحساس بأن كل شيء على ما يرام,قد يكون هو المدخل لتحلل الشخصية,على حين أن وجود مشكلات,ووجود بعض الظروف المعاكسة,يصلّب لدينا روح المقاومة,ويستخرج أفضل ما لدينا من طاقات كامنة,كما يصقل خبراتنا وينميها(1)0[(1)يرى بعض الباحثين أن تخلُّف(أفريقيا)يعود إلى سهولة العيش في الماضي,حيث المناخ المعتدل والحار الذي لا يتطلب السعي إلى الدفء,وحيث وفرة الصيد والثمار؛مما حال دون شعور الإنسان الإفريقي بالحاجة إلى تحسين ذاته واكتساب مهارات ومعارف جديدة0]
وعلى مدار التاريخ لم يكن تقدُّم العالم من خلال الرخاء,وإنما من خلال الأزمات التي كانت تمنحه الفرصة لتجديد أبنيته,ومراجعة حساباته وإبداع الحلول لمشكلاته0
إن الاعتراف بأننا نعاني من وجود مشكلات معينة عامل أمان ضد تفجر المجتمع من الداخل,وضد الانهيار السريع الذي يمكن أن يحدث عند تجاهل ما يتراكم من أخطاء وخطايا0
وهذه إضاءة لبعض النقاط التي تتعلق بهذه المسألة المهمة:
-الاعتراف بالمشكلة على ما هي عليه دون محاولة طمسها أو تشويهها,هو الخطوة الأولى على طريق العلاج,صحيح أن الاعتراف بالحقيقة مر في كثير من الأحيان,لكن لا يمكن السير في طريق الشفاء دونه0مافائدة وجود أطباء ومستشفيات وأدوية000إذا كان الناس لا يشعرون أنهم مرضى أو بحاجة إلى علاج؟0
إن كثيراً من المشكلات التي تواجهنا أشبه ب(السرطان)في محوريّة مرحلة الكشف عنه في الشفاء منه؛فكلما كان الاكتشاف مبكراً كان الأمل في الشفاء أكبر؛ولذا فإن إهمال المشكلة لن يحلها,وإنما يجعل حلها يتجه نحو الأسوأ,كما يحل(الموت)مشكلة الأمراض المعضلة والمستعصية0قد نحتاج إلى بعض الوقت حتى نتقبل وجود المشكلة,ونفسح لها مكاناً في مشاعرنا واهتماماتنا؛وهذا طبيعي0
كثير من الناس ينتابهم إحساس غامض بوجود مشكلة في حياتهم دون أن يتمكنوا من تحديدها0ويمكن القول:إن كل مشكلة يمكن توصيفها على نحو جيد,هي مشكلة محلولة جزئياً0وعلينا هنا أن نكون على حذر من أن نفكر في تحديد مشكلاتنا ونحن في حالة الخوف أو الاكتئاب,حيث إن ذلك يجعل المشكلة تبدو كبيرة ومعقدة0على حين أن النظر إليها ونحن في حالة ثقة وتفاؤل وراحة من الضغوط,يجعلها تبدو أصغر,وسوف تصغر أكثر فأكثر عندما تبدأ بمواجهتها0
-مما يساعد على تحديد المشكلة أن يتحدث صاحبها إلى من يثق به ويعرفه معرفة جيدة,فالأصدقاء القريبون جداً يشكّلون انطباعات واضحة عن أصدقائهم في العادة,و
تلك الانطباعات ستلقي المزيد من الضوء على المشكلات التي يعانون منها0
أوقات الإجازة والاستراحة أوقات ملائمة للتفكير بالمشكلات,إذ من شأنها أن تكون أكثر وضوحاً حين نكون بعيدين عنها0وإذا استطعت أن تبتعد عن مشكلتك لتعالجها على أنها مشكلة إنسان آخر,فإن ذلك سوف يساعد على تحجيم دور(العاطفة)في المعالجة,وتناول المشكلة بقدر أكبر من الحياد والموضوعية0ومن المهم أن يثق الإنسان في حدسه وبصيرته في فهم وأوضاعه,فهو على كل حال يظل الأقدر على الإلمام بها0
-لا ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آن واحد,لأن ذلك سوف يجعله يشعر بالوهن والهزيمة0قد يجد المرء أمامه عدداً من المشكلات المترابطة,مما يخيل إليه استحالة حلّ واحدة منها دون حلّ أخرى مرتبطة بها0وهذا صحيح في بعض الأحيان,لكن لا بد من محاولة فك الارتباط بينها-قدر المستطاع-وعزلها بعضها عن بعض حتى يجد الإنسان في نفسه الطاقة الكافية للتعامل معها؛بل إن المطلوب قد يتجاوز ذلك إلى محاولة تفتيت المشكلة سيمنحنا نوعاً من القدرة على حلها,كما تفعل الشركات حين تقسم طريقاً طويلة إلى وصلات صغيرة0
ويمكن القول:إن في العالم اليوم اتجاهاً إلى تجزئة كثير من الأعمال الكبرى؛من خلال إعطاء المزيد من الاستقلالية لكل قسم أو مركز أو فرع عن مؤسسته الأم,وذلك من أجل رفع كفاءة الإنتاج,ومن أجل تعامل أفضل مع مشكلاته,لكن الأمر ليس بالسهولة التي نتصورها,فالفصل والتجزئة ليسا من الأشياء الجذابة,ومع هذا فإن علينا أن نُصرّ على النجاح في ذلك0ونحن نبحث عن حَلًّ لمشكلاتنا يجب أن نكون على
وعي بأمرين:
الأول:أن نُعرض عن المتشائمين والمثبطين الذين لا هَمَّ لهم سوى بث اليأس ودلالة الناس على الطرق المسدودة0إن الله-جل وعلا-ما أنزل داء إلا أنزل له دواء,وإن كل نظرية أو رؤية تفضي بالناس إلى الحيرة والعطالة,ليست بنظرية,وليست برؤية سديدة؛لأنها مخالفة للمبدأ الثابت الذي ذكرناه0
الثاني:إننا تحتاج إلى أن ننتبه إلى أن المرء قد يكون اختار مجالاً خاطئاً لنشاطه,كأن يكون اختار العمل في مجال الزراعة أو التجارة أو التدريس000وهو لا يملك أي مقوّم من مقوّمات النجاح في الحقل الذي اختاره,آنذاك فإن الإصرار على المضي قُدُماً إلى ما لانهاية,ينافي الحكمة0والأفضل للمرء آنذاك أن يغير النشاط كله,ويتخذ قراراً واحداً جريئاً بدل أن يواجه في كل يوم مشكلة جديدة0
-هناك أسلوب في التفكير اسمه أسلوب(القصف الذهني),وهو يعني أن يسمح الإنسان لكل الخواطر والأفكار التي تدور حول المشكلة بالانسياب مهما كانت تبدو عقيمة أو بعيدة دون أن يبدي أي نوع من التقييم لها أو بيان لسلبياتها,وحتى إذا شعر أنه قد استنزف كل ما لديه أمكن له أن يستعرضها,ليسبر أغوارها,حلاًّ بعد حلًّ,وفكرة بعد فكرة0وسيكون من المفيد الاستعانة بصديق للمساهمة في تقييم تلك الحول والأفكار,والوقوف على إيجابيات كل منها وسلبياته0بعد ذلك يتم اختيار حل منها وتجربيه بدأب ومثابرة,وبعد مدة يتم تقييم الحل من جديد0وفي الغالب سيجد المرء تحسناً كثيراً0وإذا لم يجد النتائج المرضية,فبالإمكان لإضافة حل جزئي آخر إلى الحل
الأول أو تجريب حل آخر غيره0
-من الأخطاء الشائعة لدى الشعوب والأفراد استسهال الحلول التي يتعلق جزء منها بالآخرين0ومع أن ذلك صحيح إلى حدًّ ما؛حيث إن المشكلة التي تتعلق بأكثر من طرف ينبغي أن يسهم جميع الأطراف في حلها,وهذا منطقي,بالإضافة إلى أنه يخفف من ضغط المشكلة على المرء,حيث يشعر بإمكانية تلقي الدعم من الآخرين؛لكن الذي يحدث في كثير من الأحيان أن ينسى كل واحد من الأطراف وظيفته,أو أنه يعلق القيام بواجبه على قيام الآخرين بواجباتهم0وتكون النتيجة أن تبقى المشكلة من غير أي حل,وكأننا لم نفعل أي شيء0وانطلاقاً من هذا فإن علينا-إذا ما أردنا أن ننجز شيئاً ما-أن نُؤثِر الحلول التي لا تعتمد على مشاركة الاخرين0ولا شك أن الحل ان يكون آنذاك مثالياً,لكنه يظل أفضل من تعليق المشكلة إلى أجل غير مسمى0
لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة,ولنكشف من خلالها قدراتنا الكامنة,ولنجدد من خلالها أساليب عيشنا ووسائل إنتاجنا,وبذلك تصبح المحنة منحة,وننجح في الابتلاء0
خامساً-الاهتــــــمـــــــــــــــــــام بالمستقبل:
إن النظر إلى الأمور بعيون مستقبلية منهج إسلامي صميم,وإن المسلم يضبط إيقاع حركته في الحياة كلها وفق متطلبات الفوز بالجنة الموعودة في الآخرة0وقد كان المأمول أن يتولَّد من هذا المنهج نظر مستقبلي فريد لدى المسلم في كل أمور الحياة,لكن يبدو أن انتفاع المرء بمبادئه لا يتأتّي بطريقة عفوية,وإنما يحتاج إلى نوع
من الفاعلية الذهنية والشعورية التي لا توفّرها إلا درجة معيّنه من التحضر0
إذا ما أراد الواحد منا أن يبحث عن شيء محوري للمستقبل-على صعيده الشخصي-فأتصور أن ذلك الشيء سيكون كيفية توفير الشروط النفسية والمادية التي تساعده على أن يحيا الحياة الكريمة التي تمكنه من القيام بأمر الله-تعالى-,والنجاح في مجموعة الابتلاءات التي تواجهه في هذه الحياة0وهذا في الحقيقة مطلب كبير,ولن يتم إلا من خلال خطة شخصية لكل واحد منا؛إذ بالأنشطة المؤطَّرة في سياق خطة وأهداف واضحة,يمكن-فحسب-الانتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجو ومأمول0
وهذه بعض الأفكار التي تساعد على رسم خطة شخصية ملائمة,نسوقها على سبيل الإنجاز:
أ-علينا أن نكون على وعي بأن مصيرنا الشخصي,ليس منفصلاً عن مصير مجتمعنا,وليس من الصواب ولا المروءة أيضاً أن نبحث عن طريق لخلاصنا بمعزل عن أهلينا وإخواننا وأبناء مجتمعنا0وكل ما ينوي الإنسان تحقيقه-على أي صعيد كان-لا يمكن أن يتم في فراغ,فالوسط السيَّئ,لا يساعد أبداً على إنجازات كبيرة؛ولذا فإن أي خطة شخصية نحاول وضعها للمستقبل,يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التشكلات المستقبلية التي تتجه إليها البيئة التي نعيش فيها0 والعوامل المؤثرة في تشكيل البيئة الخارجية كثيرة جداً, أهمها:
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]الأفكار والمفاهيم السائدة0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]ما يسود فيها من أحوال وأوضاع مادية واقتصادية0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]بؤر الصراع الظاهرة والكامنة فيها,ومحاور التنافي بين الناس0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]القوى المتنفذة والمؤثرة في تكوين اتجاهات الناس والمعيشة0
يمكن للمرء من خلال إدراكه لهذه العوامل أن يحدد مدى ملاءمة بيئته لأفكاره وخططه ومدى الضغوط التي يمكن أن تمارسها عليه0
ب-كما يجب أن نتبصر في البيئة الخارجية,علينا أن نجري نوعاً من""التقييم""لإمكاناتنا لأن التخطيط ماهو في الحقيقة سوى استثمار وبرمجة وتوجيه لما هو متاح بين يدي المخطط من إمكانات مختلفة0ولا يخفي أن كثيراً من الخطط باء بالإخفاق الذريع نتيجة سوء التقدير لما يمكن أن يُعتمد عليه من عناصر بشرية ومادية في إنجاز الخطة0وكثيراً ما يكون الدافع لذلك توهج الرغبة في الوصول السريع إلى الهدف0نحن بحاجة إلى الحماسة في تنفيذ برامجنا وخططنا,كما ينبغي أن نحتفظ بدرجة من التعاطف الصادق معها,لكن ذلك كله يجب أن يكون وقت التنفيذ وبذل الجهد,وليس وقت وضع الخطة التي تحتاج إلى التعقل والخبرة أكثر من أي شيء آخر0
جـ-يحتاج كل هدف من أهدافنا إلى خطة منفصلة سواء كان الهدف في المجال العقلي أو الروحي أو المادي أو الاجتماعي000,حيث يتطلب التقدم في كل مجال من هذه المجالات برنامجاً خاصاً واضح المعالم0ومن المؤسف أن قليلين منا الذين يفعلون ذلك؛مما يؤدي إلى إهمال أشياء مهمة في حياتنا,وبالتالي إلى اختلال توازننا الشخصي0لابد ونحن نضع لكل هدف خطته من التأمل في شأن القوى المؤثرة سلباً
في نجاح الخطة,والتفكير في كيفية تلافيها,على قدر الوسع والإمكان0
د-الكل خطة بعدان أساسيان:بُعدٌ نظري فلسفي يتم من خلاله ترتيب أولويات الخطة0وبُعدٌ تنفيذي عملي,يرتب تلك الأولويات يرماً بعد يوم,ويوزع عليها الإمكانات والموارد المتوفرة0
البُعد الأول يبلوره الواحد منا باعتباره قائداً,ويبلور البُعد الثاني با عبارة مديراً0
وحتى ينجح الواحد منا في رسم البعد الأول,فإن عليه أن يجد الجواب الواضح لتساؤل جوهري,هو:ما لشيء الذي إذ أُنجز سيكون له أعظم الأثر في تحسين وضعيته العامة,أو بلوغ هدفه السامي؟
إذا وجدنا الجواب,نكون قد وضّحنا أهم شيء في البعد الأول من الخطة,وبقي علينا أن نوفّر ما يحتاجه البعد الثاني من إرادة وأساليب0
النجاح في تنفيذ ما هو أَوْلى فعلاً,يحتاج إلى أن نفرّق بين الأشياء المهمة والأشياء الملحة0 وهناك أمور كثيرة تدل على أن إهمالنا لأشياء تافهة,يحولها إلى أشياء ملحّة,و بالتالي فإننا ننفق عليها الكثير من أوقاتنا,ونترك الأشياء المصيرية والمهمة0
إن إهمال معالجة(سن)قد يؤدي إلى التهاب جذوره,وربما عطَّلنا ذلك عن أعمالنا أياماً,مع أنه لو عولج في وقته ,قد لا يحتاج إلى أكثر من ساعة0
إذا لم نملأ أنبوبة(الغاز)عند فراغها,وفي أوقات الفراغ,فقد نضطر إلى ملئها في وقت حرج,نحن بأمسّ الحاجة فيه إلى كل دقيقة هكذا000لابد أن نقول(لا)لأشياء كثيرة حتى نتمكن من تنفيذ الأمور ذات الأولوية في حياتنا,ولابد إلى جانب ذلك من أن
نعطيها أفضل ما لدينا من فكر وجهد ووقت ومال,وإلا كانت فكرة الاهتمام بالأولويات شعاراً مجرداً,لا يقدَّم ولا يؤخَّر0إنَّ وضع الخطط ليس صعباً,لكن المهم هو التنفيذ من خلال تطويع النزعات والرغبات الشخصية لإرادة صلبة راشدة0
سادساً-الســـــــــعادة والرضا:
الإحساس بالرضا والشعور بالسعادة من القضايا المهمة التي تستحق إلقاء بعض الضوء عليها,نظراً لأهميتها في حياتنا الشخصية,حتى إنه ليصحّ القول:إن أكثر الأنشطة التي يقوم بها الناس-أينما كانوا-يستهدف الحصول عليها0وسيكون من المهم أن نبلور طبيعة كل منها بغية الوقوف على ما يغذي كلاًّ منهما,حتى نصل إلى بعض المحكّمات التي نستفيد منها في ترشيد سلوكاتنا,وأنشطتنا المختلفة0
الشعور بالسعادة شعور باعتدال المزاج وبالانشراح والسرور والبهجة,وهي جميعاً مشاعر ذاتية انفعالية داخلية0الشعور بالسعادة مطلق وشخصي وضعيف الارتباط بالظروف المادية الخارجية,فقد يشهر بالسعادة من يعيش في خيمة أو بيت من طين,ولا يملك الكثير من المال والمتاع0كما قد يشعر بالتعاسة من يملك الكثير الكثير0
الشعور بالسعادة غير الشعور باللذة أو النشوة الذي يأخذ طابع المؤقت والعابر,والذي قد يعقبه في بعض الأحيان شعور بالكآبة,ولا سيما عندما يكون مصدر اللذة محرماً في معتقد من يحسّ بها0
الشعور بـ(الرضا) لا يلامس الأعماق,كما يلامسها الشعور ب(السعادة)؛لأن الشعور بالرضا يكاد يكون نوعاً من التقدير العقلي للذات؛كما أنه عبارة عن ترجمة لشعور المرء
بالكفاءة الاجتماعية وشعوره بأنه(لائق)في نظر نفسه وفي نظر الآخرين0
المصدر الأساسي للشعور بالسعادة هو مدى ما يحققه المرء من المطابقة بين معتقداته وسلوكاته,فالانسجام بين المعتقد والقول والسلوك,هو أكبر مصدر لإحساس المرءبالسعادة0وقد ذكر بعض المفسرين أن معنى(الحياة الطيبة)في قوله-جلَّ وعلا-{من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}[النحل:97]هو السعادة0
وتُثبت دراسات كثيرة أن(التدين)مصدر مهم للطمأنينة والشعور بالهناء0وكان أرسطو يقول:على المرء أن يكون فاضلاً حتى يكون سعيداً0
من مصادر السعادة كذلك تمحور أنشطة الإنسان حول غاية عليا أو هدف تعاوني مشروع وقريب المنال,والذين يفتقدون ذلك يشعرون بالعبثية والتفاهة0
ضيق الفجوة بين الإنجازات والطموحات هو الآخر مصدر للسعادة والانشراح,كما أن العلاقات الأسرية والاجتماعية الجيدة مصدر مهم من مصادر الهناء والأمن,حيث يتلقى المرء ما يحتاجه من الدعم الاجتماعي0
الانسجام الداخلي والخلاص من الصراعات الداخلية بسهم في الإحساس بالسعادة0ولا ننسى دور الاستفاضة في أعمال الخير على الصعيد الشخصي والاجتماعي؛إذ تشكل أنشطة التعبد المختلفة ومساعدة الآخرين,والتخفف من درجة العناء الإنساني للضعفاء مصدراً لا يُستهان به للشعور بالسعادة0
أما المصدر الأساسي للإحساس بالرضا فهو المقارنة:مقارنة حالة حاضرة مع حالة سابقة,
ومقارنة الإنسان لنفسه بالآخرين في العلم والقوة والشكل والعمل والدخل والكفاءة
الاجتماعية000ولذا فإن الشعور بالرضا,يظل دائماً نسبياً,وهو أقرب إلى أن يكون أحد المنتجات الاجتماعية0حين يقارن الإنسان بمن هو دونه يشعر بالرضا,وحين يقارن نفسه بمن هو فوقه يشعر بنوع من السخط على النفس؛ولذا ورد في بعض الأحاديث التوجيه بأن ينظر المرء في أمور الآخرة(الفضائل)إلى من هو فوقه حتى يتخذ منه قدوة,أما في أمور الدنيا فينظر إلى من هو دونه,حتى لا يزدري نعم الله-تعالى-عليه0
ما نشاهده اليوم من اندفاع نحو اللهو والسفر والسياحة وارتياد المطاعم,والتمسك بالمظاهر والشكليات-على نحو لم يسبق له مثيل-ما هو في تصوري سوى عبارة عن محاولات للتعويض عن السعادة الحقيقية التي فقدها كثير من الناس نتيجة انخفاض مستوى التزامهم,واتساع الهوّة بين ما يعتقدون وما يفعلون,كل شيء فيهم مشرق ومبتهج سوى القلب الذي تغشاه عتمة الانحراف والتقصير!0
سابعـاً-السـبق والتقاعـس:
يقولون:أساس كل العلوم وجود ظاهرتين مختلفتين,أو وجود مستويين في ظاهرة واحدة؛مما يشجع الناس على إجراء المقارنات والموازنات,ومما يوسع منطقة الوعي,ويدخل فيها صوراً وأفكاراً كانت بعيدة عنها0ونريد هنا تسليط بعض الأضواء على بعض سمات(السبَّاقين)وبعض سِمات(المتقاعسين)أو(العاجزين)حتى نثري مشاعرنا
وأخيلتنا ببعض المفاهيم التي تساعدنا على المزيد من البَلْوَرة للسمات والمواقف المطلوبة,وكذلك السمات والموقف المعوَّقة للنمو والسير في طريق الاكتمال0بعض المعاني مما سنذكره,قد يكون سبقت الإشارة إليه,لكن نريد هنا جمع هذه السمات,
وإبرازها من خلال المقارنة بينهما,وهذا موجز لأهمها0
-السباقون لا يرتبطون بمن حولهم,ولا يقعون أسرى لمحيطهم الطبيعي أو محيطهم الاجتماعي,ولا يتخذون من انحراف المجتمع ذريعة للانحراف؛لأنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله-جل وعلا-فردية:{ولا تزر وازرة وزر أخرى}
السباقون يعملون إلى جانب هذا أن معظم الناس حولهم,يعيشون خارج التاريخ,وخارج حدود مسؤولياتهم الخاصة؛ولذا فإنهم لا يركنون إليهم,وهن بعد هذا وذاك يحاولون إغناء النماذج البشرية الراقية من خلال نموذجهم الخاص0
أمّا المتقاعسون,فهم يحملون مشاعر طفولية:تُترجم دائماً إلى الاعتماد على الآخرين,ويعتقدون بصدق قول الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية وأرشـد
مشكلاتهم ليست بسبب قصورهم الشخصي,وإنما بسبب سوء الحظ أو التآمر عليهم أو تدهور الزمان0فهم غير مسؤولين عنها,ولا قادرين على معالجتها,وهم إلى جانب كل ذلك يُخضعون(قينهم)لمشاعرهم وظروفهم ومصالحهم,فهم محرومون من متانة الدين وصلابة الخلق0
-المفردات اللغوية التي يكثر أحدنا من استخدامها تعبّر بوضوح عن رؤيته العامة للحياة,كما نعبّر عن مدى رحابة آفاقه الفكرية والنفسية0وإذا تأملنا في حال السابقين والمتقاعسين,فإننا سنجد أن كل فريق منهما يستخدم ما يشبه النمط اللغوي الخاص به0ولعلّنا من خلال الجدول التالي نستطيع تكوين إحساس واضح بكل منهما:
لغة المتقاعسين
لغة السباقين
>لا أستطيع فعل أي شيء
>هكذا أنا
>إنه يصيبني بالجنون
>لن يسمحوا بذلك
>أنا ملزم بفعل ذلك
>يجب عليَّ000
>لو أن000
>هذه مخاطرة000
>هذا صعب للغاية
>فهَّمنــــــــي
>أشــــعر بالعجز
دعونا ننظر إلى البدائل
يمكنني اختيار طريقة مختلفة
أستطيع السيطرة على مشاعري
سأجد فرصة ولو صغيرة
سوف أختار الرد المناسب
أفــــــضَّــــــــــل
سوف000
هذه فرصة
هذا يمثل تحـدّياً
ساعدني على الفهـم
أودّ الحصول على مساعدتك
لغة التقاعس هذه,تشكّل مع الأيام نظاماً فكرياً ونفسياً لدى صاحبها,وتصبح في النهاية عبارة عن أداة تنميط,تضغط على التفتح الفكري والروحي له .
-السابقون يستغلون أوقاتهم على نحو حسن,وهم واضحون جداً في مبادئهم وطموحاتهم و أهدافهم وقرارتهم0وعلى الرغم من قلة الإمكانات التي بين أيديهم,فإن ثمار جهودهم تبدو دائماً وفيرة,هم لا يملكون الكثير من الأشياء , لكنهم يقومون بالكثير من الأعمال,والجوهر لديهم دائماً أهم من المظهر . نجاحتهم تأتي ثماراً لجهودهم, وما يستخدمون من إمكاناتهم0
أما المتقاعسون فأحلامهم متواضعة,وطموحاتهم محدودة,ونفوسهم مستكينة,وعقولهم خاملة,وحركتهم بطيئة,وحين يتحركون فإنهم يدورون في حلقة مفرغة,وهم يحتملون الآلام إلى ما لا نهاية0
المتقاعسون يجلسون أمام(التلفاز)ساعات طويلة,حيث لا برامج ولا أهداف تستحق العمل0وهم يشترون الفرش الوثيرة,ويجلسون عليها أطول مدة ممكنة, والاستلقاء أحب إليهم من الجلوس0
المتقاعسون يعانون من البطالة على الرغم من توفر فرص العمل0وحين يتجه الناس إلى أعمالهم في الصباح يتجهون هم إلى النوم؛لأنهم لم يناموا في الليل, أو يتجهون إلى أماكن عملهم,حيث البطالة المقنّعة0
المتقاعسون لا يعتمدون على كفاءتهم الشخصية,وإنما ينجزون أعمالهم عن طريق الرشوة أو الواسطة,وعندما تحيط بهم مشكلة,يؤثرون الدوران حولها عوضاً عن مواجهتها؛ولذلك فالتسوف,وتأجيل أعمال اليوم إلى الغد من أبرز سماتهم0لا يملك المتقاعسون روح الاستمرار على العمل,ويبحثون دائماً عن(خبطة العمر):فرصة واحدة تكفي0هم أسرى اللحظة الحاضرة0ومن شأنهم دائماً الحصول على القليل من الكثير . يعيش المتقاعسون دائماً في منطقة رمادية , يحدّها من الشمال(اللا سلم)و(اللا حرب),ومن الجنوب(اللا قرار),ومن الشرق البكاء على الأطلال, ومن الغرب الرؤية الضبابية .
إن السبَّاق والمتقاعس,قد يعيشان في أسرة واحدة,وقد يحملان شهادتين متماثلتين,
ويقومان بأعمال متشابهة,لكن كل ذلك عبارة عن تشابه شكلي, لأنهما ينتميان إلى عالَمين متناقضين,لا يجمع بينهما سوى عبقرية المكان0
ثامـــــــــناً-لـكل شيء ثـــــــمن:
زماننا زمان التواصل الكوني الفريد,وهو عصر الازدحام,حيث كل شيء يحتشد,في ظل التواصل والازدحام أمكن سد فراغات كثيرة0وقام نتيجة لذلك توازن دقيق بين كل الأشياء0قد انتهى عصر(المجانية)أو كاد؛حيث لابد أن تقبض ثمن كل ما تتخلي عنه,ولابد أن تدفع ثمناً لكل ما تأخذه0التوازن القائم الآن ,يتطلب التعامل معه رؤية شاملة وبصيرة نافذة,كي نفرّق بين الأشياء العزيزة والأشياء التافهة,فنعرف ماذا ندع, و ماذا نأخذ0حين يريد الواحد منا أن يحقق مصالحة كاملة,فإن عليه أن يكون مستعداً للتخلّي عن بعض مبادئه وقِيَمة .
وحين يأكل الإنسان ما لذّ وطاب دون أي حساب,فإن عليه أن يهيئ نفسه لاستقبال أمراض السمنة المختلفة0
إذا جعل الواحد منا إيثار الأشياء العاجلة ديدناً له,فعليه أن يعلم أن العاقبة لكل أموره ستكون مفجعة0وفي المقابل فإن مَنْ ترك بعض المغانم تديُّناً وخوفاً من الله-تعالى-فإنه سيجد شيئاً من حلاوة الإيمان في قلبه,وستغمره مشاعر النصر والتأنق0
الذين يتابعون الأسفار مدمنين جمع الثروات وتكديس الأموال,يدفعون ثمناً باهظاً قد لا يقتصر على البعد عن أهليهم,وإهمال تربية أولادهم,وضمور علاقاتهم الاجتماعية00
إن التوازن الجيد في زمان الشحّ والندرة والتزاحم,يحتاج إلى أن نمتلك حاسة
جديدة تمكننا من الموازنة الدقيقة بين ما نكسب وما نخسر0وعدم امتلاكها قد يجعلنا نخسر الكثير في سبيل أرباح وهمية0ومن المؤسف حقاً أن قدرة وعينا على متابعة الموازنات المستحدثة-محددة,كما أن خبراتنا بمآلات الأشياء , وعواقب التصرفات ضئيلة أيضاً؛ولذا فإن قلّة من الناس أولئك الذين يملكون المهارة الكافية للنجاح في هذه المسألة الحيوية0
لا يجوز لأي توازن أو حساب للربح والخسارة أن بعض الطرف عن أن الآخرة امتداد للدنيا0ولذا فإن المرء قد يخسر هنا ليربح هناك,وقد يربح هنا ليخسر هناك0هذه الرؤية تجعل كل المكاسب الدنيوية صغيرة ومؤقتة؛ولنتذكر قول الله-جلَّ وعلا-{فمن زحزح عن النار وأدخل الجـنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}[آل عمران:185]
تاسعـاً-الـــــــــــــــدقة:
يمكن لنا أن نصف عصرنا بأنه عصر الأشياء الدقيقة0وجود آلة ضخمة تحتوي على ألوف القطع الصغيرة جداً والتي تعمل في إطار نظام واحد-دليل واضح على أن صانعي تلك الآلة,قد بلغوا درجة عالية جداً من الدقة في التصورات والمقاييس والأدوات,واستخدام خواص المواد000وهذا يعني أنه صار لدى الإنسان شبكة معقدة من النظم الدقيقة التي أتاحت إنتاج ذلك الكمّ الهائل من الأشياء الدقيقة0
عصرنا إلى جانب ذلك هو عصر السرعة أيضاً,وبين الدقة والسرعة علاقة جدلية:
فكلما كنت سريعاً وجب عليك أن تكون دقيقاً أكثر,وكلما كنت دقيقاً أمكنك أن تكون أكثر سرعة0إنّ سائق السيارة بحاجة إلى ملاحظة الأشياء في طريقة بتفحص أشد ودقة أكثر, والنظر إلى مسافات أبعد كلما زادت سرعته,وإلا فإنه يؤهّل نفسه للوقوع في حادث مروَّع0ويمكن تعميم هذا الحكم على جميع مسارات سيرنا في هذه الحياة0 الإنسان بسبب تقدمه الحضاري,صار مضطراً إلى أن يتناغم مع بيئة الدقيقة, ويرفع من مستوى تعامله,ليصبح هو الآخر دقيقاً . الواحد منا مطالَب بأن يكون دقيقاً في فهمه,ودقيقاً في كلامه أيضاً؛حيث إن النظم الفهم لدى الناس قد تعقدت,وخلفياتهم الثقافية وخبراتهم قد تحسنت كثيراً؛مما يجعل إلقاء الكلام على عواهنه بالغ الضرر على المتكلم والسامع
إذا شرحت فكرتك عشرين مرة,وفهمها الناس عنك تماماً كما تريد,فأنت محظوظ وبارع,بل يمكن القول:إنه لا سبيل لديهم إلى أن يفهموا مرادك فهماً شاملاً بكل ظلاله وتلويناته وإيحاءاته وأبعاد!الرسالة المعقدة تتطلب فهماً معقداً, وإلا نسيء فهمها,أو نفهم قشورها أو بعضاً منه,وهذا يتطلب أيضاً مزيداً من الدقة والمتابعة الجيدة والمناقشة والاستفسار,وقبل كل ذلك وبعده التعمق في التخصص كلما كان ذلك ممكناً0بسبب الفائض الضخم من المعاني والمفاهيم والنظم والأشياء تصبح(اللغة)ناقلاً قاصراً,حيث لا تستطيع أن تنمو نمواً مكافئاً لما عليها أن تعبّر عنه0وتعويض ذلك يجب أن يأتي من الأشخاص عن طريق المزيد من التوضيح في الاستخدام,والمزيد من الدقة في التلقّي والفهم.
عصر الدقة يفرض على كل واحد منّا أن يكون دقيقاً في سلوكه الشخصي:في مواعيده,وتربية أولاده وتعاملاته المالية وفي عقوده0دقيقاً في تعامله مع جسده وصحته ومع المؤثرات العامة التي يتعرض لها0إهمال الدقة في ذلك وفي غيره سيكون عن بوابة لشرور ومشكلات لا حدّ لها .
القرآن الكريم-والبنية التشريعية العامة-وضع الأسس الفكرية والعقدية والشعورية التي تجعل المؤمنين به دقيقين في كل شؤونهم0إن(الشهادتين)تنقلان الإنسان نقلاً كاملاً من دين إلى دين,كما أن كلمة واحدة ستكون كافية لإخراجه من دائرة الإسلام إلى دائرة الكـــــــفر .
وقد ورد في الحديث الصحيح:(إن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان الله-تعالى-لا يلقي لها بالاً,يرفعه الله بها درجات0وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله-تعالى-لا يلقي لها بالاً,يهوي بها في جهنم)0الصلاة والحج والصيام,كل ذلك محدد بمواقيت دقيقة؛فصلاة الظهر-مثلاً-إذا أُديت قبل وقتها بعشر دقائق لم تبرأ ذمة صاحبها,وكان عليه أن يعيدها بعد دخول الوقت,ولو أن إنساناً صام عشرين ساعة,ثم أفطر قبل غروب الشمس بعشر دقائق,لم يصح صومه0
إن أطول آية في كتاب الله-تعالى-هي آية(المداينه)تلك الني تعلمنا ضبط ضرورة من ضرورات الحياة(الدَّين)وهي تعلمنا(الدقة)حيث يقول سبحانه:{ولا تسئموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله}[البقرة:282].
فلا ينبغي للمسلم أن يسأم من كتابة الدَّين سواء أكان صغيراً أم كبيراً إلى وقت حلول وفائه,وذلك للتقليل من الاعتماد على الذاكرة,ولقطع الطريق على جحود الجاحدين0ومرة أخرى يحثّنا القرآن الكريم على الدقة,ويوجهنا إلى الإشهاد على اليتامى حين نرد إليهم أموالهم :{فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}[النساء:6]0
إن المسلم ليس مطالباً بأن يكون دقيقاً في إدراك تفاعلات محيطه وعصره فحسب,بل إن عليه أن ينظر إلى تفاعلات المستقبلية التي قد تُحدثها أقواله وأعماله ومبادآته ومواقفه؛وقد قال بعض المفسرين:إن المراد من(آثارهم)في قوله-سبحانه-{إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا و ءاثارهم}[يس:12]:كل ما يبقى بعد الناس من خير أو شر؛كعلم علموه أو كتاب صنفوه,أو مسجد بنوه,أو شيء أحدثوه فيه ضرر على المسلمين,أو صد عن سبيل الله000وهذا المفهوم واضح في قوله-عليه الصلاة والسلام:-""من سنَّ في الإسلام سنّة حسنة,فله أجرها,وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء,ومن سنَّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها,ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء""0
ستظل دقة المرء في شؤونه عنواناً واضحاً على استيعابه للمنهج الرباني الأقوم, وعلى ارتقائه الحضاري وفهمه لطبيعة عصره وتحدياته0
عاشـراً-مطــــــــــالب متناقضــــــــة:
في زحمة التطلعات المتطاولة للناس,وزحمة الظروف القاسية,واتجاه الأشياء إلى الشحّ والندرة-زادت وتيرة المطالب المتناقضة للناس,فهم يريدون الحصول على المزيد من أشكال المرفهات والمتع,والمزيد من التعليم والتدريب دون أن يفكروا فيمن سيدفع الثمن,وكيف سيتم توفير ذلك؟!0
كثير من الناس يهاجم نظام الطوابق والشقق في الأبنية الحديثة,ويقول:إن مدننا الحديثة فقدت الروح ومعاني الحياة حين تحولت إلى غابات من الإسمنت والحديد,وهم في الوقت نفسه يطالبون بخدمات أفضل في الماء والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات والنظافة000وهم غير مستعدين لتفهّم أن التخلّي عن نظام بناء الطوابق,سيؤدي-إلى جانب استهلاك مساحات واسعة من الأرض-إلى جعل تكلفة الخدمات وصيانتها أعلى بكثير مما هي عليه الآن. وهم غير مستعدين لدفع رسوم أو ضرائب لذلك0
بعض الناس يهاجم كل ما هو صناعي,ويتندرون على الحليب المجفف والأغذية المعلّبة والبيوت (البلاستيكية)التي تُزرع فيها الخضروات ... وكلا مهم لا يخلو من شيء من الصواب,إلا أنهم يتجاهلون أنه في ظل الزيادة السكانية المتنامية, وفي ظل التنظيمات الجديدة للمجتمع,لم يعد بالإمكان تلبية حاجات الناس عن طريق المنتجات الطازجة أو الطبيعية,كما كان الأمر في الماضي, وهكـذا ..
لا أريد أن أستطرد في ذكر الأمثلة على عدم منطقية الناس في مطالبهم وسعيهم إلى الحصول على كل شيء,وعلى أحسن ما يكون؛ولكن أريد أن أقول:إن البشرية تدخل في كل يوم في أنفاق ودهاليز ضيقة جديدة,وهي في كثير من الأحيان غير قادرة على التراجع نحو الوراء,إما لأن الظروف والنظم الجديدة,لا تسمح بذلك,وإما لأنها لا تملك من الرؤية والوعي والإدارة ما يمكّنها من ذلك0
الشعوب بحاجة إلى أن تحاول رؤية الأشياء من منظار الحكومات,كما أن الحكومات بحاجة إلى أن ترى الأشياء من منظار الشعوب0وبالمثل فإن على المنتجين والمستهلكين والمؤجرين والمستأجرين ... أن يفعلوا مثل ذلك0ومن مجموع الرؤى المختلفة تنبثق رؤية تنموية وإصلاحية مشتركة,تحقق للجميع أعلى قدر ممكن من المنافع,مع أقل قدر ممكن من التكاليف والخسائر .
إن اعتقاد المسلم أن هذه الدنيا ليست دار حصاد,ولا دار راحة واستقرار,وإنما دار عبور وعطاء وابتلاء-سيمنحه رؤية جديدة للأشياء وصبراً,لا ينفد على مواجهة الصعاب,وهذا وحده يمثّل جزءاً من الحلول المطلوبة0والله مولانا0
____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image025.gif[/IMG]





[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image026.gif[/IMG]الفصل الأول

العقل وأهميته المتزايدة:
إنّ تطوير أي جانب من جوانب الشخصية الإنسانية,يعد بالغ الأهمية؛لأن تكلفته ليست كبيرة,ولأن ذلك قد يكون الخيار الوحيد في بعض الأحيان,ولأن النجاح فيه قد يكون بعيد الأثر,واسع الأصداء؛إذ يمكن أن ينعكس على جميع جوانب الحياة0
إ نّ تقدم المادي,قد تعترضه معوَّقات كثيرة,وقد تُستفيد الموارد الأساسية المستخدَمة فيه؛كما أن تقدم الإنسان على المستوى العضوي محكوم ببعض الحتميات التي تجعله يقف عند حدود معينة؛ثم يدخل في مرحلة التراجع والتدهور التام0
أما التقدم الروحي والعقلي,فإن أمداء النمو أمامه ما زالت فسيحة جداً,لأن ما حصل من تقدم في هذا المضمار محدود,ولأن إمكانات هذا المضمار هي في الأساس هائلة؛بالإضافة إلى أن خبرات كثيرة قد تراكمت لدى الناس على صعيد تعلم طرق التفكير الجيد,كما تم اكتشاف الكثير من الأخطاء الشائعة في التفكير؛مما يؤدي بفتوحات كبيرة في هذا الشأن0
كان يعتقد أن الدماغ يصل إلى الذروة بين سن(8-24)عاماً من العمر,ثم يبدأ بالتدهور بعد ذلك,والذي يشمل معظم القدرات العقلية0وكانت الأقاويل الشعبية تدعم هذا المعتقد,كالقول:(لا يمكنك أن تعلَّم كلباً عجوزاً حيلاً جديدة)0لكن البحوث الحديثة أثبت أنه إذا ما حُفز الدماغ-بقطع النظر عن سنَّ صاحبه-فإنه ينمي فيز يولوجياً المزيد من التنوءات على مجسَّات الخلايا الدماغية,وإن هذه التنوءات تزيد من عدد الروابط داخل الدماغ الإنساني0في ضوء هذه المعرفة يذوي المعتقد القديم بأننا نفقد خلايا دماغية مع تقدم العمر0هذا إلى جانب حقيقة أنه يمكننا توليد روابط دماغية جديدة بسرعة أكبر من معدل النقص في الخلايا الدماغية بكثير0
إن العقل البشري نعمة عظمى من الله-جلَّ وعلا-وله قدرات خارقة,هي أكثر مما يظن,وهو أشبة بعملاق نائم0وتُظهر الدراسات النفسية والتربوية وأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات-أن ما تم استخدامه من إمكانات العقل الهائلة لا يزيد على(1%)
من إمكاناته الحقيقة0كمبيوتر(كراي)حاسب عملاق,يزن سبعة أطنان,فإذا عمل بطاقة400 مليون معادلة في الثانية مدة مئة عام,فإنه لن ينجز سوى ما يمكن للدماغ البشري أن ينجزه في دقيقة واحدة! مع أن وزن الدماغ البشري هو نحو من كيلو ونصف ليس أكثر؛{فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:14]0
في العالم اليوم توجه شامل وراسخ إلى اختصار الأعمال البدنية,وتقليل المواد المستخدمة في الإنتاج,إلى جانب تقليل الحركة والتخفيف من أعمال المكاتب لصالح العمل في المنازل,كما أن هناك محاولات جادّة وحثيثة في مجالات الكشف عن المواد الجديدة وعن مصادر للطاقة المتجددة000وكل ذلك يدفع-على نحو متسارع-بحركة الاهتمامات البحثية صوب الاستثمار في الأعمال الذهنية والمعرفية,كما أنه يتم التخلي شيئاً فشيئاً عن الاهتمام بالأعمال البدنية,وما تستلزمه من المهن والحرف المتدنية0ويمكن القول:إنّ ما سيكون مطلوباً من الأجيال القادمة هو المزيد من الاستخدام الكفء للقوي الذهنية,حيث التعقيد المتناهي في جميع نظم الحياة0
وقد باتت الشركات الأكثر ذكاء تدرك أن كلاً من الإنتاجية والربحية يمكن أن يرتفعا ارتفاعاً هائلاً بقدر ما يجري من تخفيض العمل(اللاذهني)إلى الحد الأدنى,وهذا كله
يستلزم منا اهتماما جديداً بأحوالنا العقلية والذهنية0
يمكن القول:إنّ لـ(العقل)شكلاً ومضموناً,فشكله تلك القدرات والإمكانات التي زوَّد الله-تعالى-بها دماغنا,مثل قدرته على خزن المعلومات واسترجاعها,ومثل قدرته على التخيل والتحليل والتركيب000وقد كان يظن قديماً أن عِظَمَ الرأس دليلٌ على شرف الإنسان ونباهته وذكائه,والمقولات الشعبية تعكس ذلك0وبعد تقدم المعرفة بالدماغ ساد الاعتقاد بأن عدد الخلايا الدماغية,يقرر مستوى الذكاء عند الإنسان,لكن سرعان ما تم التخلي عن هذا الاعتقاد بعد أن اكتشف أن هناك العديد من الناس الذين لديهم أدمغة كبيرة وذكاء قليل,كما أن هناك العديد منهم الذين لهم أدمغة صغيرة وذكاء ملحوظ0وقد كان العالم(أنوخين)من أوائل الذين أدركوا حقيقة أن ما يقرر درجة الذكاء ليس عدد الخلايا الدماغية بل علاقة النتواءت الصغيرة لمجسَّات خلايا الدماغ0
ووجد أن كل نتوء يرتبط على الأقل بنتوء آخر بفعل الاندفاعات(الكهروكيماوية)0
وتشكل هاتان الخليتان أشكالاً صغيرة مع خلايا فردية أو مجموعات خلايا أخرى0 في أثناء تقدمه في هذا المجال أدرك(أنوخين)أن كل دماغ هو(تحالق)(1)[التحالق:الربط بين شيئين أو أكثر بحلقة أو عدة حلقات]
أخّاذ لأشكال كوَّنتها آلاف النتواءت على الأذرع العديدة لملايين الخلايا الدماغية0 وقدرات الدماغ المختلفة قابلة للتنمية وللشحذ لتعمل على أحسن وجه ممكن0
أما مضمون العقل فمنه ما يعود إلى مجموعة المبادئ الفطرية العالمية التي تستخدم في استيعاب الأشياء وإدراك العلاقات بينهما,مثل إدراك عدم إمكانية اجتماع الضدين,
وإدراك أن الكل أكبر من الجزء,واستحالة القيام بعمل خارج الزمان والمكان000
والتمايز بين الأمم والأفراد في استخدام تلك المبادئ شبه معدود0
ومنه ما يعود إلى شيء مكتسب مرتبط ب(الثقافة) السائدة, وهذا في الحقيقة يتشكّل من مجموعات المفاهيم الراسخة والمترابطة التي يحاول المجتمع من خلالها وبها استيعاب الواقع الموضوعي وتنظيمه وتكيفه مع حاجاته000وهذا النوع من المضمون مطلٌّ بالضرورة على مبادئ التفكير الفطرية ومرتبط بها0
القرآن الكريم يركز على هذا المضمون الفكري المكتسب باعتباره شيئاً قابلاً للتصحيح والتنمية,كما أنه قابل للكثير من الضلال والانحراف,وما ذلك إلا لأنه يعكس الشروط الاجتماعية والتاريخية للثقافة التي تغذيه,وتمده بالمفاهيم المكونة لوجوده,والتي تحرك الوعي وتوجهه في نهاية الأمر0
والقرآن الكريم في سبيل ذلك لا يستخدم لفظ العقل أو الفقه أو الفكر,وإنّما يستخدم صيغة الفعل(يعقلون),(يفقهون),(يتفكرون)ليشير إلى المحصول النهائي الذي يشكل العقل ومضامينه,والذي يتجلى في سلوك المرء,ويحدد مواقفه,كما ينظم ردود أفعاله0وكأنه بهذا النهج يشير إلى العمل على ذلك المحصول باعتباره الثمرة الشاملة لكل جوانب العقل,وباعتباره المحك النهائي في(تقييم)ما نحرزه من تقدم في هذه السبيل0وذلك المحصول يسميه القرآن الكريم-على نحوٍ عام-(الحكمة)التي هي ناتج مركب ثلاثي,هو:الذكاء والمعرفة والإرادة0

العقلانــــــــــــــــــــية:
العقل من خلال شكله ومضمونه ينتج شيئاً نسميه(العقلانية)وبما أن الثقافة تختلف بين أمة وأخرى في كثير من قيمها ومبادئها واهتمامها-فإن المتوقع من(العقلانية)أن تتسم بطابع النسبية بسبب الدور البالغ للثقافة في تكوينها؛ولذا فليس ثمة عقلانية تستحوذ على الحياد والإطلاق0ومن الملحوظ في التعبير القرآني استخدم كلمة(الحكمة) بعد كلمة(الكتاب)حيثما اجتمعا في الآية الواحدة,وهذا يشير إلى ما ذكرناه هنا,فلا بد للحكمة وللعقلانية من أن تؤطرا بإطار الكتاب(الوحي)حتى يكتسبا المرجعية العليا والمصداقية الحاسمة,ويمثلا أرضية مشتركة في تعايش الأفراد والأمم,وفي صياغة الخطوط العريضة لفهم الحياة والأحياء0
إنّ بُنانا الفكرية ليست مسوَّرة بأسوار,تصد عنها رياح التغيير العاتية,فهي-باعتبار ما-انعكاس لما يجدّ من نظريات وآراء علمية مبثوثة في جميع مجالات الحياة,كما أن توازنها يمكن أن يتعرض للاختلال بسبب مطالب الحياة الجديدة,والصعوبات البالغة التي تكتنف الحصول على مستوى مقبول من العيش الكريم0
إنّ من واجبنا دائماً أن نمتلك أعلى درجة من اليقظة والحذر حتى نحمي مضمون عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة التي تحول دون استيعاب الواقع على الوجه الصحيح,والتي تشوش تنظيمنا لردود أفعالنا0والأهمية المتزايدة التي يكتسبها الجانب العقلي من ذواتنا تجعل آثار الأخطاء الصغيرة كبيرة, وعواقب فقد التوازن مدمرة0إن كثيراً من تطورنا العقلي يأتي من خلال(التعليم الرسمي)لكن ما أن يترك
كثيرون منا مقاعد المدرسة أو الجامعة حتى يتركوا عقولهم للتجمد,فلا يقومون بأية قراءة جادة,ولا يستكشفون موضوعات جديدة بعمق حقيقي خارج دائرة عملهم اليومي,ولا يفكرون بطريقة تحليلية,ولا يكتبون-على الأقل-بطريقة يختبرون بها قدرتهم على التعبير عن أنفسهم بلغة منفتحة وواضحة ومختصرة,ويستسلمون عوضاً عن ذلك لقضاء الوقت في الجلوس لرؤية التلفاز!0
وفي النهاية فإن أفكارنا حول التجديد والتغيير والنمو ستظل عديمة الفائدة,ما لم نمتلك الإرادة الصلبة التي تكتشف الإمكانات,وتصنعها0
____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image027.gif[/IMG]الفصل الثاني

الإنسان ليس عقلاً ولا جسداً ولا روحاً000إنه مركّب فذ من كل ذلك,وحتى يحيا المرء حياة طيبة,وحتى ينجح في أداء رسالته في الحياة,فإن عليه أن يولي عنايته لكل أبعاد ذاته,وإن يحرص على إحداث التوازن المطلوب بينها جميعاً0
إنّ طبيعة التكليف الرباني,وطبيعة ابتلاءات الحياة المتنوعة والمتجددة,تتطلب أن يوازن الإنسان بين مجموعة من الاحتياجات؛مما يستدعي وجود أهداف متعددة,وذلك كله يتطلب نوعاً من التكامل المنهجي بين أركان الشخصية وبين الأنشطة التي تخدمها وتنميها0وهذا لن يتم من غير ضخ كميات جيدة من المعلومات في شرايين الخطة التي سيضعها الواحد منا للقيام بما هو مطلوب منه0
إنّ المنهج الرباني قد وضع للمسلم المخطط العام لكل ما يحقق له النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة؛لكن ذلك لن يحقق له النمو والتقدم المأمول ما لم يعد نفسه لمواجهة التحديات والابتلاءات المتجددة؛وتلك المواجهة تُنتج دائماً بُنيَات فكرية متراكبة وشروطاً جديدة للبقاء والتحسن,مما يستدعي رحلة أخرى في اكتشاف آفاق وإمكانات الوضعية الجديدة,وهكذا000وسنتقدم هنا بعض الأفكار والمفاهيم والآليات التي أنها تساعد على تجديد البعد العقلي لدينا,وذلك من خلال النقاط التالية:

[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]شروط للتجــــــديد:
ليس التجديد في أي جانب من جوانب الحياة شعاراً يرفع,ولا هو بالأمر اليسير,وإلا لتحسنت أشياء كثيرة وفق ما نشتهي000 إنّ التجديد يتضمن دائماً نوعاً من التخلي
عن بعض المألوفات والمحبوبات,كما يتطلب تكاليف جديدة وضبطاً أكثر للذات,وكل ذلك من الأمور الشاقة على النفس؛ولذا فلا بد من توفر عدد من الشروط لذلك,منها:
أ\أن نعرف(ثوابتنا) على نحو جيد؛إذ أنّ عدم التفريق بين الثوابت والمتغيرات من أكبر العوائق التي تصد الناس عن التجديد,وتخيفهم منه0وقد يظن بعض الناس أنّ التخفف من الأصول والمسارات المرسومة,يجعل حركة التغيير أكثر تدفقاً0وهذا غير صحيح؛لأن التغيير المستمر المطلق كبير التكلفة,عظيم المؤنة,ومفتاح معايشته وتحمل تبعاته هو أن يكون في داخل المرء(جوهر)يستعصي على التغيير,حيث إنّ الجوهر الثابت لا يؤدي وظائفه من خلال تطوره وإنما من خلال جموده,وآنذاك فإن كل المتغيرات تُسخَّر في خدمته وتدعيمه0
هذا الجوهر يتجلّى في الغاية الكبرى للوجود الإنساني,وفي المبادئ والقيم العليا التي يؤمن بها الإنسان,إلى جانب معرفته اليقينية بذاته وإمكاناته وتوجهاته العامة0
ب\امتلاك ما يكفي من الخيال والوعي للإحساس بالنهاية التي نرنو إلى الصيرورة إليها
من شأن الخيال أن يمكننا من تصور عالم من الامتدادات والإمكانات,لم تخلق بعد0ومن شأن الوعي أن يمكننا من الاتصال بالقوانين والمبادئ العامة التي تساعدنا على ارتياد تلك العوالم من خلال مواهبنا الفردية والسبل المتاحة0إن حجم أنشطتنا اليومية واتجاهها وتمحورها يشير بوضوح إلى النهاية التي سننتهي إليها على كل الأصعدة0بإمكان الواحد منا أن يستحضر تلك النهاية,ويتخذ من إيحاءاتها حافزاً على التغيير وبذل الجهد0
من السهل على الواحد منا أن ينغمس في أنشطة تافهة,ويضيّع الكثير من أيام العمر في طلب أمور لا تتلاءم أبداً مع الوضعية التي يتمنى أن يلقي ربه-جل وعلا-عليها0
حتى تتخلق الأشياء في الواقع فإنه ينبغي أن تتخلق في الذهن أولاً,وتستقر في(اللاشعور)وتختلط بمبادئ المرء وأحاسيسه,وآنذاك يمكن للحياة أن تتنمط في الذهن وفق مقتضياتها,وآنذاك أيضاً يمكن المرء أن يتأكد على وجه الدقة من كون جهوده و مناشطه,تقع في محلها الصحيح0
ج\لابد للمرء حتى يتجدد من أن يوقن أن في إمكاناته أن تغيّر عاداته الفكرية وسلوكاته0بعض الناس يخشى من التغيير,وبعضهم يشعر بنوع من الشلل وانعدام الحلية,
ويظن أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان,فيستسلم لأحواله الحاضرة,فيتأسَّن كل شيء في حياته,ويخرج من عصره,وتتضاءل فاعليته0
إنّ التجديد مشروط بالقدرة على مجاهدة الأهواء والأوهام والكسل والإخلاد إلى المألوفات واليأس من إمكانات التقدم0وإذا نظرنا في سير المصلحين العظام وجدنا أنهم دائماً يتخذون من الأشياء الإيجابية الصغيرة رأس جسر للتغيير والتحسن,وما كان للواحد منهم أن يفعل ما فعله لولا إيمان راسخ بوجود إمكانات الانتقال نحو الأفضل,ولولا تمعنهم بالقدرة على العمل اليومي الشاق0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]استـــــخدام العـــــــلاج الإدراكي:
من أهم الإنجازات الحديثة في علم النفس التطبيقي ما يسمى ب(العلاج الإدراكي) وهو يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:وهي:
أ-الأحداث السارة والأحداث السيئة عندما تتوالى على المرء,تولد لديه انطباعاً عن نفسه يتناسب معها,فالنجاح المتوالي يوجد حالة نفسية,تظلل جميع حياة الفرد,وتجعله
يعتقد أنه ناجح فعلاً0ويستدعي ذلك إنتاج عدد من الصور الإدراكية التي تدعم ذلك,وتدلل عليه0ويحدث العكس من ذلك عندما تتوالى أحداث الإخفاق على افنسان0في كلتا الحالتين تبدو الصورة التي نكوّنها عن أنفسنا وكأنها الصورة الوحيدة الدقيقة والصحيحة0ولكن الأمر ليس كذلك,فحين يزور خمسة من الناس مكاناً,
لا يعرفونه من قبل,فإن من الممكن أن تكون لهم حياله وجهات نظر متعددة,وبعض تلك الصور,سيكون أكثر مطابقة للحقيقة من بعضها الآخر0
نجاح المرء عمله,قد يكون على حساب مبدأ يؤمن به,أو على حساب علاقته بأسرته,أو على حساب صحته العامة000والإنسان الذي أخفق في مشروع مهم من مشروعاته قد يكون أباً جيداً أو كاتباً ذائع الصيت000المراد من كل هذا أنّ نؤمن أن هناك دائماً أكثر من طريقة للنظر إلى الأشياء,حيث إن هناك دائماً منظورات مختلفة0كثيراً ما يشعر الواحد منا أنه ليس أمامه سوى رؤية واحدة أو خيار واحد؛وهذا في الحقيقة مجرد وَهْم؛حيث إن الأفكار والقناعات التي نسجناها حول قضية ما,هي التي أوحت إلينا بذلك,وكثيراً ما يكون ذلك خاطئاً؛لذا كان من الحيوي أن يسأل الواحد نفسه دائماً:
كيف أستطيع أن أفكر في هذا الأمر بطريقة أخرى؟وكيف يستطيع غيري أن ينظر إليه؟وما وجهات النظر الأخرى حياله؟0
إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة,تشكل تمريناً عقلياً علينا أن نجرَّبه من وقت إلى آخر0
ب\إذا كان صحيحاً أن هناك أكثر من طريقة واحدة للنظر إلى الأمور؛فإن الصعوبة إذن تمثل في أن يجد المرء وجهات نظر أخرى للاختبار بيتها0
في أعماقنا ميل إلى الانحياز لمشاعرنا وطرق تفكيرنا,وهذا الميل هو الذي يزهَّدنا في
البحث عن الطرق المغايرة0نحن بحاجة إلى أن نطور في أنفسنا عادة البحث عن المنظورات الأكثر رحابة؛فذاك هو الذي يتمشى مع الحقيقة القائلة:عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة,فإنها تتيح لنا المزيد من الفرص والاختيارات0وتأمَّل معي في قول الله -جل وعلا-:{فإن مع العسر يسرا إنَّ مع العسر يسرا}[الشرح:5-6]
ج\قلما يدرك الناس حلقات الاتصال بين المشاعر والأفكار,وانعكاس كل منها على الآخر0ويتوهم كثيرون منا أنهم قادرون على عزل أفكارهم عن مشاعرهم,وأن بإمكانهم أن يحملوا مشاعر تعاطفية نحو أمر ما رغم أنهم يحملون أفكاراً سيئة عنه0والحقيقة أن أفكارنا ومشاعرنا,تتناوب التأثير والتأثر طوال الوقت,وهناك توافق حميم فيما بينها0
إذا شعر المرء بالغبطة لنجاحه في أمر ما,فإنه سيتعرض لتيار من الأفكار الشارحة لأسباب ذلك النجاح,والمذكَّرة بالإمكانات التي تم توفيرها له,والعقبات التي تم اجتيازها؛وحين يقلَّب الإنسان نظره في إخفاقه في أمر,كان يأمل منه الكثير,ويتمادى في بحث أسباب الإخفاق,والأوهام الكثيرة التي تلبس بها حوله-فإن فيضاً من مشاعر الإحباط والقلق وعدم تقدير الذات,والخوف من تكرار الإخفاق,سوف يجتاحه,وينغَّص حياته,وهكذا000
في اعتقادي أن علينا للخلاص من الأفكار السيئة والمشاعر المحبطة أن نتبع طريقة(إغلاق الملفات)حيث يمكن أن نستخلص العبر والدروس الممكنة من إخفاقات الماضي,ثم نحذفها نهائياً من اهتماماتنا,فذلك هو الطريق الأفضل للتخلص من أسر الماضي وأوهاقه0
إنه لا ينبغي لنا أن نقع تحت ضغوط المشاعر وعلينا عوضاً عن ذلك أن نصنعها عن
طريق العمل الصالح,والصمود في مواجهة الصعاب0وفي هذا يقول الله-جل وعلا-: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت:34]
إن مقابلة السيئة بالحسنة كثيراً ما تعني الخلاص من مشاعر العداء التي يتبادلها الخصوم,كما تعني الفكاك من حماة الأفكار السلبية والأوهام التي يتبادلونها في العادة0إن الوعي وحده هو الذي يحول دون أن يرسف المرء في أغلال من نسج يديه0


[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]النـــــــظرة المتـعمقة:
إن العقل الذي وهبه الله-تعالى-للإنسان يتمتع بقدرات فائقة-كما ذكرنا-لكنه في النهاية يظل محدوداً,الأفكار التي نمتلكها,أكثرها وليد التجربة وثمرة المعاناة,أي هي خبرة وجودية تشتبك فيها منظومات المبدأ والرمز وأنظمة المعارف وألا عيب الهوى,
وأنماط السلطة,وأساليب العيش وأشكال الاهتمام بالذات000ولذا فإنه يجب ألا نعتبرها نهائية,فصدق الأفكار لا يتبلور إلا من خلال إخضاعها للتجربة,وما من فكرة تدخل في مضمار التطبيق,تستطيع المحافظة على ما كانت عليه من تحديد وتماسك,بل يُعاد إنتاجها من جديد ترميماً وتطعيماً و إغناءً وتوسيعاً,أو انتهاكاً وتأويلاً0
ولذا فلا ينبغي أن ننتظر الفوز برؤية نهائية,نسترشد بها في مواصلة البناء,وتخطّي
العقبات,فالأعمال العقلية المتزايدة,لا تؤدي بالضرورة إلى تقدم عقلاني مطرد,فالنكوص والتراجع من الأمور الواردة بكثرة اليوم؛بل إن للتقدم العقلي مفرزات جانبية شديدة الخطورة عليه,ولا سيما إذا ما تأتي للعقل أن يتحلل من القيم والقيود الأخلاقية0ثم إن المسيرة الحضارية,لا تمضي على هدى أفكار ونظريات مبلورة,وليست هي مجرد مخطط,يتخيله مثقفون حالمون متفائلون بمستقبل البشرية
على صعيد العقل والمعرفة والحرية والحوار وإحقاق الحق وتجسيد القيم النبيلة000
فهناك أيضاً المصالح والأهواء والشهوات والقصور الذاتي والظروف المعاكسة000وكل ذلك يجعل من ميادين الحياة مصانع سيئة لإنتاج الأفكار وتطبيقها0
ما أريد قوله من وراء هذا هو أن علينا حتى نستمر في التجديد العقلي أن نسعى دائماً إلى تفحص برامجنا وقراءة أحوالنا وإقامة علاقات نقدية مع ذواتنا وإنجازاتنا,فالنقص شيء ملازم لنا0وليس المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة,وإنما المطلوب هو مداومة فضح الممارسات الفكرية الخاطئة,وكشف زغل أعمال العقل,وبالإضافة إلى استشراف المزيد من النضج والاقتراب من الصواب0
وما لم نتعامل مع منتجاتنا الفكرية وتجاربنا,ومع أحداث العالم من حولنا على هذا النحو فإن كثيراً من مكتسباتنا النهضوية يمكن أن يكون في خطر,كما يمكن لكل ما أحرزناه من تقدم عقلي وفكري أن يصبح موضع تسأول0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]الاستــــــــــماع الجيــــــــــــد:
يصرف الإنسان ما بين(50%)إلى(80%)من ساعات يقظته في الاتصال بالآخرين,ويمضي(45%)منه في(الاستماع)0في الثقافات الشفهية تكون(الذن)هي البوابة الأساسية للمعلومات الواردة إلى الدماغ0
واليوم أفضى التدفق الهائل لكل ألوان المعرفة إلى إعطاء أهمية متزايدة لكل من الأذن والعين,لكن سيظل من المهم أن نحسن الاستفادة من كل ذلك من خلال تطوير آليات القراءة والاستماع(1),[(1)عالجت هذه القضية في رسالة خاصة بعنوان(القراءة المثمرة)وقد نشرت عبر سلسلة (كتب قيمة)فارجع إليها إن شئت0]
واستثمار الإمكانات الكبيرة التي تتاح لنا بواسطتهما,حيث إن تجديد البعد العقلي,يستلزم فيما يستلزمه اتخاذ وضعيات جديدة في التعامل مع(المعرفة)التي تشكل المادة الجوهرية في إعادة تشكيل مفهوماتنا ورؤانا؛لكن لأسباب عدة لم تنل مسألة الاستماع والإنصات حقها من العناية والاهتمام,مما جعل استفادة كثيرين منا مما يسمع محدودة0وربما كان لظهور السامع بالمظهر السلبي أو المتأثر أكبر الثر في الإعراض عن ذلك0ولعلنا نجلَّي هنا بعض المبادئ والمفاهيم التي تساعد على تطوير عادات السماع لدينا في الحروف الصغيرة الآتية:
أ-ليس من النادر ان يكون ما نسمعه مكررا أو مملاً,أو قليل الفائدة,وفي هذه الحالة,فإن معظم الناس,يُعرض إعراضاً تاماً عن الاهتمام بما يسمع0أما الحرص على الفائدة,فإنه يسأل نفسه:كيف يمكنني الاستفادة من هذا الحديث؟يمكن للمرء ان يتعرف من خلال ما يسمع على نمط التفكير لدى المتكلم,كما يمكنه التعرف على بعض القيم الاجتماعية السائدة,واستخلاص مغزى من ذلك,أو تدعيم نسق فكري ينبناه000 وليس من المستغرب أن يعثر المرء على فكرة عظيمة في سيل من اللغو0
ب-يقولون:إنّ الله-تعالى-خلق للإنسان لساناً واحداً وأذنين اثنتين حتى يسمع ضعف ما يتكلم,لكن يبدو أن شهية معظم الناس للكلام-أي كلام-لا تقاوَم0وقدرة المرء على أن يسمع أكثر مما يتكلم دليل على تحلَّيه بقدر من الحكمة0ومن المهم هنا
ألا نحاول مقاطعة المتكلم حتى يكمل الفكرة التي يريد إيصالها إلينا,ومن المهم أكثر ألا ندلي بأي تعليق أو إصدار أي حكم قبل الحصول على الصورة كاملة0
ج-لنحاول أن نستمع ونحن في حالة استبشار وتفاؤل و جاهزية عقلية جيدة,فذلك أدعى إلى إدراك مرامي الكلام,وتحسين القدرة على الربط بين أجزائه؛كما أن عملية الاستماع بمجملها تضحى أكثر إمتاعاً0
د-كثير من الناس يتضايق من سماع الأحاديث ذات المستوى الرفيع,ويرون أن أصحابها(يتفلسفون),وهؤلاء أنفسهم,هم الذين يعرضون عن قراءة النصوص الممتازة والراقية0وفي اعتقادي أن(الدماغ)بحاجة إلى مواجهة التحدي من خلال سماع أحاديث أرقى من مستوى استيعابه؛لأنها وحدها هي التي ستحفزه,ونزيد مهارته في الفهم0نحن في الحقيقة لا نفهم إلا ما نعرف,فإذا فهمنا كل ما يقال بيسر,فهذا يعني أننا نعرفه,وإذن ما الفائدة التي سنجنيها من ورائه؟0
ذ-من المهم أن نشترك النظر مع الأذن أثناء السماع,فالعينان مغرفتا الكلام,وهما تنظمان التفاعل الداخلي بين المتكلم والسامع وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن ما تشعه وضعية المتكلم وإشاراته,ورسائله غير اللفظية,ربما يتفوق على ما نستفيده من الدلالات المباشرة للكلام الذي نسمعه0ولا ننسى إلى جانب هذا أن نتخذ الوضعية الجسدية الملائمة أثناء الاستماع, فالاتكاء والاستلقاء-مثلاً-يساعدان على النوم,وشرود الذهن0
هـ-نحن بحاجة إلى أن نستمع بعقل مفتوح,ولا سيما حين نسمع كلاماً يثير المشاعر بسبب ما فيه من مبالغة أو استفزاز أو دفق روحي عال000وسيكون علينا أن نحاول تفسير ما نسمع تفسيراً موضوعياً,ولا نمضي مع المتحدث بعيداً عما هو طبيعي أو معقول
أو مخالف للأصول0لايعني هذا-بالطبع-ألا نحاول فهم وجهة نظر المتكلم حتى وإن كانت معارضة لما نراه0وعلينا أن نتذكر دائماً أن كثيراً مما نسمعه لا يعدو أن يكون رأياً من الآراء0
و-إن سرعة دماغ الإنسان في التفكير تفوق سرعته في الحديث ما بين(4-10)أضعاف,ويمكن استخدام هذا الفارق الكبير في استغلال القدرات العقلية المختلفة أثناء الاستماع في تنظيم ما نسمعه وتلخيصه ومقارنته مع الأفكار الأخرى,وتفسير ما توحي به لغة جسد المتكلم0وسيكون كل ذلك أكثر جدوى عند سماع متحدث بطيء التكلم,أو كثير التكرار للأفكار0
ز-قد يكون المتحدث كثير اللحن,أو لا يحسن اختيار ألفاظه,أو لا يحسن تنظيم جمله000وفي هذه الحالة فإن السامع قد يعجب بنفسه,ويقع ضحية لعقدة التفوق,وينصرف بالتالي عن محاولة الاستفادة مما يقال0والذي يليق بنا في هذه الحالة هو التركيز على المضمون ترميزاً,فجوهر الفائدة,إنما يكمن فيه0
ح-لنحاول أثناء الاستماع عدم الانسياق خلف الأفكار الجزئية أو الاستطرادات والمعترضات,وعلينا أن نحاول فهم المغزى الأساسي للحديث,وربطه بالبنية الرئيسة لأفكارنا ومسلماتنا ورؤانا0ومن المؤسف أن كثيرين من الناس يبدون ضعفاً في هذا الجانب!0
ط-مما يعكر صفو كثير من المجالس انشغال المستمعين بالصوارف الطارئة,حتى أن المتكلم في بعض الأحيان يضطر إلى السكوت,أو أن يستمر في الحديث,ليجد في النهاية أنه يكلم نفسه!المستمع الجيد يمتلك القدرة على إقصاء الملهيات,ومتابعة الانتباه لما يقوله المتــــــــــحدث0
ي-مهما كان حرصنا على مواصلة الاستماع إلى آخر كلمة يقولها المتحدث-شديداً فإننا سنظل بحاجة إلى التمتع باستراحة بعد كل ساعة استماع0وإذا كان الحديث شديد التركيز,فستكون بحاجة إلى الاستراحة بعد أقل من نصف ساعة0وهذا الاستراحة ليست ضرورية لتنشيط القدرة على الاستيعاب فحسب,وإنما لإتاحة الفرصة لبرمجة المعلومات التي حصلنا عليها ودمجها ضمن معقولاتنا ومنظوماتنا المعرفية أيضاً(1)0[(1)أنظر تفصيلات أكثر حول الإصغاء,ص 302 من هذا الكتاب].
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]تنـــــــــــشيط الذاكـرة:
يشعر معظم الناس أن ذاكرتهم تتدهور كلما تقدموا في العمر0وهناك من يعتقد أن الذاكرة تزدحم بكثرة المعلومات,ويفقد الإنسان بذلك القدرة على التذكر؛لذلك يتجهون إلى عدم إثقال الذاكرة بالمحفوظات؛بل إن الدعوة إلى التخلي عن التعليم التلقيني,والهجوم المكثَّف على الحفظ عن ظهر قلب,قد أديا إلى الحط من قدر الذاكرة0وهذا صحيح إذا تم الاقتصار عليه,وإلا فوظيفة المعلومات في عملية التفكير جوهرية0
إنَّ طبيعة الذاكرة وطبيعة عملها,من الأمور غير الواضحة على نحو جيد,ومن الأقوال الحديثة في ذلك أنها عبارة عن سلسلة من التغيرات الكيميائية0
وأعتقد أن كثيراً مما ينسج حول الذاكرة,يعبر عن تجارب ناقصة,ولذا فإن هناك إمكانات كثيرة لتحسينها وتنشيطها0ويدل العديد من البحوث على أن لدى الدماغ سعة فيزيولوجية هائلة لتخزين المعلومات التي ترد إليه0وأجرى(روز ينفيغ)العملية الحسابية التالية: لو غُذي الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة حياته,فإنه لن يمتلئ كلياً
ويمكن القول:إنّ المشكلة الجوهرية في قضية التذكر,ليست في طاقة الدماغ على
التخزين,وإنما في القدرة على استدعاء ما تم تخزينه0وهناك اليوم أفكار ونظريات كثيرة حول تحسين التذكر,واستدعاء المعلومات,نشير إلى بعضها:
هناك خمسة عناصر أساسية,تساعد الذاكرة على الاستدعاء,هــــي:
-الأوَّلية في الترتيب أو المنزلة؛فإذا ما تساوت كل الشروط الأخرى,فإن الواحد منا يتذكر بداية الأحداث أكثر من وسطها,ويتذكر الحدث الأول أكثر من تكراره0
-الحداثة:حيث يميل الإنسان أيضاً إلى تذكر الأحداث الأخيرة,فنحن نتذكر أحداث(أمس)أكثر من أحداث اليوم الذي قبله0
-الربط:فالإنسان يتذكر الشيء الذي يرتبط بشيء آخر,أكثر من تذكّر الأشياء غير المرتبطة0
-البروز:نحن نتذكر الأشياء الغريبة أو غير الطبيعية,أو الخارجة عن السياق العام سواء أكانت جيدة أم سيئة0
-المراجعة:يعتقد كثير من علماء النفس المعاصرين أن إمكانية الاستدعاء,تعتمد جزئياً على(قوة شكل أو مخطط الدماغ)القائم كهربائياً أو بيولوجياً0ويؤكدون أن هذه القوة,
تتزايد بتكرر أشكال الذاكرة0ويعني ذلك أن أي شيء تتم مراجعته يتم اختزانه في الدماغ بقوة أكبر من الذي يمر عليه مروراً0


الاستـــــــــــفادة من هذه المعطـــــــــيات:
للتعامل مع حقيقة أنّ الدماغ يستدعي أول الأحداث وآخرها أكثر من وسطها يمكن ألا نستمر في الدراسة ساعات متواصلة؛لأن ذلك سوف يمنح دماغنا أولية واحدة وحداثة واحدة فقط,ويكون استدعاء المعلومات في الوسط واهناً0
إذا قسمنا الساعات الربع إلى ثماني وحدات,فإننا سنحصل على عدد أكبر من حالات (الأولية والحداثة)مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الاستدعاء0ويمكن للفاصل بين كل وحدة وأخرى أن يكون ما بين(دقيقتين أو خمس دقائق)حيث يستريح العقل,ويتاح له فرز وتصنيف المعلومات الداخلة عليه أثناء القراءة0
إن الربط يساعد على الاستدعاء بطرق متعددة,ويمكن وضع خط تحت المعاني والكلمات المترابطة,كما يمكن تلوينها بلون خاص,أو وضع دوائر عليها,أو كتابتها بحجم معين000فإذا كنا نقرأ موضوعاً عن(المدرسة)-مثلاً-أمكن تلوين كلمات:معلم,
مدير,كتاب,سبورة,دفتر,قلم,نظام,معرفة,علم بلون موحد,حيث تعد هذه الكلمات بمثابة مفاتيح للموضوع الذي نقرؤه,والربط بينها بلون واحد-مثلاً-يسهل استدعاءها عند الحاجة؛وبذلك نتمكن من استرجاع أكبر قدر من المعلومات التي قرأناها في ذلك الموضوع0
الدماغ يستدعي بسهولة الأشياء البارزة؛وحتى نتذكر شيئاً,فينبغي أن نضخّمه, ونلقي عليه أضواء إضافية,وألواناً صارخة؛على سبيل المثال إذا كان عليك أن تهاتف شريكك بعد وصولك إلى مكتبك لتتحدث معه عن عقد عمل,فإن بإمكانك أن تتخيل شريكك خارجاً من أحد جانبي الهاتف,وبيده عقد كبير يلوح به0
المراجعة من أهم الوسائل التي تساعدنا على استدعاء المعلومات المخزنة.
وتدخل المعلومة إلى(الذاكرة الطويلة الأمد)بعد أربع أو خمس مراجعات, وينبغي أن تتم المراجعة الأولى بعد حوالي عشر دقائق من الفراغ من إدخال المعلومة إلى الدماغ0
أما المراجعات التالية,فتتم على فترات متباعدة تصاعدياً,كأن تكون المراجعة الثانية بعد يوم والثانية بعد أسبوع والثالثة بعد شهر,وهكذا0000
إن الدماغ الفارغ من المعلومات,يطرح طروحاً شكلية,ويكون الخيال لديه محدوداً,
ويكون وضعه العام أشبه بطاحون تدور,دون أن نضع فيها أي شيء تطحنه؛ولذا فإن من الحيوي أن نهتم بمحفوظاتنا,ونعرف كيف نُعمل العقل فيها,كي نستثمرها على الوجه الأكمــــــــــل0
[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]المـــــــــرونة الذهنيـــــــــــة:
إن ينبغي وعيه أن ما أتيح من المعلومات على هذا النحو الغزير والمتدفق,لا يؤدي على نحو تلقائي إلى تحسين الملكات العقلية والأعمال الفكرية,بل قد يؤدي إلى إعطاء نتائج تصلَّب الذهن,وتقلل من فاعلية التفكير؛فالعلاقات اللينة التي تسربل النظم والمنتجات المعرفية كافة,قد تقرأ بطريقة خاطئة؛مما يجعل انعكاساتها على البنية العقلية سلبية0ولذا فلا بد لتجديد البعد العقلي من أن يشتمل على محاولة امتلاك قسط ملائم من(المرونة الذهنية)حتى تستطيع أن نستفيد الاستفادة المطلوبة من هذا الكم الهائل من المعارف المتسايلة0
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس لا يفهم من هذا المصطلح سوى التراجع والتنازل والاستسلام000وبذلك يتحول من ميزة إلى ثغرة في الشخصية!أعني بالمرونة الذهنية هنا قدرة العقل البشري على إدراك الفروق الدقيقة بين الأشياء,والمراوحة المستمرة بين الأسس والأصول وبين المسائل الفرعية التخصصية,بالإضافة إلى القدرة على تعرية الألفاظ والمصطلحات مما يعلق بها من شوائب الاستعمال والتقليد,إلى جانب قدرته على فهم العلاقات الخفية بين الأشياء والتأبي على(القولبة)والنماذج الجاهزة000ولعلنا نفصل بعض هذه القضايا في المفردات التالية:
أ-من مظاهر المرونة الذهنية وتطبيقاتها القدرةُ على إدراك العلاقات(المتدرجة)بين الأشياء؛فالحرام ليس درجة واحدة,إذ إن حرمة الغيبة ليست مثل حرمة قتل النفس أو
الزنا0والفرائض والواجبات أيضاً درجات؛فوجوب الصدق ليس كوجوب الصلاة والزكاة000
حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة,فإن وضع الموسى على المفصل يكون أمراً تقديرياً اجتهادياً؛فمن الصعب في لوحة زيتية ذات ألوان متداخلة أن نقول:هنا يبدأ اللون الصفر,وينتهي اللون البرتقالي0ولو فعلنا ذلك لوقعنا في التعسف والتحكم0بين ما لا يشك أنه أصل,وما لا يشك أنه فرع(منطقة برزخية)تحتمل الخلاف الجدي؛لأنها تحمل من خصائص الطرفين,وتظل قابلة للنزاع,مهما كان وعينا عظيماً0وإدراكنا لمثل هذا يوفر علينا الكثير من الجدل والأخذ والرد الذي لا طائل تحته0
ب-القدرة على فهم الفوارق الدقيقة بين الأشياء مظهر آخر من مظاهر المرونة الذهنية؛
ومن المعروف أن المرء حين يحاول اكتشاف تشابه بين شيئين فإنه يستطيع في أكثر الأحيان أن يجد أكثر من وجه شبه واحد؛لكن المهم أيضاً ألا ننساق وراء التشابه الظاهري أو الجزئي,وننسى الفوارق العظيمة التي تميز بين المتشابهات .
ونجد في هذا السياق-على سبيل المثال-من يشبَّه الهجمة الحديثة على امة الإسلام بالهجمة التاريخية للتتار والصلبين,ويعتقدون أن آليات المواجهة والمدافعة لا تبتعد كثيراً عن آليات الهجمات السابقة0وفاتهم أن الوضعية العامة لأمة الإسلام كانت أفضل من وضعية التتار والصليبين آنذاك على المستويين الحضاري والعسكري0
والتتار خاصة قوم همج,واجهوا أمة متحضرة؛على حين أن المسلم يرى أعداءه اليوم متفوقين عليه في المعرفة والتنظيم والتقدم الصناعي,وينظر إلى كثير مما عند قومه بعين الأسى والحسرة,حيث الجهل والفقر والفوضى والحروب الداخلية000وهذا كله يجعل المطلوب المواجهة اليوم مختلفاً جذرياً عما كان مطلوباً من قبل0
ج-من أمارات المرونة الذهنية القدرة على وزن مصادر المعرفة بطريقة صحيحة,وعدم الخلط بين معلومات تفيد الظن,وأخرى تفيد اليقين0وقد حاول علماء المسلمين القدامى اتخاذ صحة الإسناد والبرهنة العقلية المنطقية سبيلين للوصول إلى عصمة الذهن من الخلط بين القطعي والظني,ووصلوا في ذلك إلى ضوابط رائعة,لكن مشكلة كانت تكمن دائماً في القدرة على تعميم تلك الضوابط بحيث تصبح جزءاً من ثقافة الأمة,وفي استخدامها وتطبيقها خارج نطاق العلوم,أي في الحياة اليومية والمواقف المختلفة0
هناك فارق0مثلاً-بين معلومات مصدرها الاستقراء,وأخرى مصدرها القياس0ولا شك أن المعلومات التي مصدرها استقراء تام قد تقترب من القطعية المطلقة , كما لو أننا استقرانا رأي أعضاء مجلس من المجالس حول قضية ما فإن من الممكن أن نقول:إنّ(56%) منهم يرون كذا و(44%)يرون كذا,ويكون كلامنا حينئذٍ ذا دلالة قطعية0
أما إذا أردنا معرفة رأي شعب تجاه قضية ما, وقمنا بسؤال(4000)شخص منه حول رأيهم في تلك القضية,ثم قلنا إن(90%)من الشعب الفلاني يرى في تلك القضية كذا بناء على أن (90%)من العينة ترى ذلك,فإن نتيجة ذلك الاستقراء ستكون ظنية؛لأننا استخدامنا استقراء ناقصاً,وعممنا نتيجة عن طريق القياس.
إن في استخدام القياس استخداماً لعناصر ذهنية في أمور حسية,لا يحكمها نمط أو نموذج محدد,وذلك لا ينتج عنه سوى النتائج الظنيــــــة0
د-نحن دائماً على صلة بعالمين مختلفين:عالم المدركات الواضحات وعالم الغوامض والمبهمات0وقد جرت العادة أن نستخدم(الفلسفة)وسيلة للتعامل مع المسائل الغامضة0أما الأمور الواضحة,فإننا نسيطر عليها من خلال الملاحظة والتجربة وإدراك أبعادها المختلفة0من المهم أن نفرق بين معطيات الفلسفة ومعطيات العلم,فمهمة الفلسفة لا تتجسد في مدَّنا بالمعلومات,وإنما في زيادة شفافيتنا,وفسح المجال أمام استشراف المستقبل,وتكوين قدراتنا في مجال التعليل والتحليل0إنها تعلَّم الشمول,لكنها لا تمنح أبداً الدقة,ولا تسعفنا باليقين0
أما العلم فإنه على العكس من ذلك,فهو يوقفنا على جملة من الخبرات الجزئية الدقيقة لكنه ينفر من التعامل مع غير المحدد والمبلور والملموس0ويظهر التصلب الذهني بوضوح حين يدافع أكثر الناس عن وجهة نظرهم ورؤيتهم لحدث ما دفاعاً مستميتاً,
حيث تبدد الساعات الطوال في البرهنة على قضية لا يحسمها أي برهان ولا أي جدال مهما طـــــــــال0
أما صاحب الذهن المرن,فيعرف أنه يقف على أرض هشة,وأن ما تجمع لديه من مقدمات ومعطيات,لا يكفي لجعل تحليله وحكمة قطعياً,ومن ثم فإنه يكتفي بعرض وجهة نظره,وإبداء رأيه في وجهات نظر الآخرين تاركاً لمناظريه الخوض في الظنون والهام,ومحاولات القبض على السراب!0
هـ-العقل المرن يفرق بين القيمة الأصلية والقيمة الإضافية للأفكار والأساليب والأشياء0
ففي مجال الإصلاح الشامل-مثلاً-تكتسب التربية الصحيحة للأجيال أهمية خاصة,
حيث إنّ المجتمع,لا يمكن في النهاية أن يكون أقوى من مجموع أفراده0
أما القيمة الإضافية,فتتجلى في إمكان القيام بالتربية المطلوبة في أجواء يسودها الفساد والخوف والانغلاق والطغيان000فإذا قلنا:إن التربية الجيدة يمكن القيام بها في هذه الأجواء,فهذا يعني أن التربية تكتسب قيمة إضافية, حيث لا يحتاج القيام بها إلى إصلاح المناخ العام الذي يحتاج في العادة إلى وقت طويل,وهذا يعني توفير الكثير الكثير0
أما إذا قلنا:إنّ التربية المطلوبة,لا تتم في تلك الأجواء,فإنّ التربية تفقد آنذاك القيمة الإضافية,كما أن الإلحاح عليها قبل توفير أجوائها,يفقد الكثير من قيمته, لأن حصولها سيكون عسيراً,ونتائجها محدودة0وذلك كله لأن أهمية تطبيق منهج أو فكرة أو أسلوب,تتناقص كلما كانت شروط تجسيده أشق,وكلما كانت الفئة التي يمكن إيصاله إليها أو قيامها به ضئيلة ومحدودة والعكس بالعكس0
إنّ من المؤسف أن كثيراً منا يطالب بنشر أفكار طيبة دون أن يعبر أدنى اهتمام لتدبير الوسائل والآليات التي تجعل نشرها ممكناً,أو التفكير فيما إذا كان توفير تلك الوسائل هو من الممكن أصلاً!0
مظاهر المرونة العقلية كثيرة,واستقصاؤها يطول,فلنكتف بما ذكرناه0

[COLOR=**********][IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG][/COLOR]تحســــــــين التفكيــــر عن طريق القبعات الست:
إن القبعات الست ليست قبعات حقيقة,وإنما عي عبارة عن مواقف نفسية عقلية يجري تقمصها خلال جلسات الحوار والمناقشة,وخلال حالات التفكير الفردي, وهذا موجز لأهمها:
'القبـــــــــــــعة الســـــــوداء:
تفكير القبعة السوداء,هو التفكير الناقد,وهو تفكيرٌ منطقي,لكنه سلبي0وهو تفكيرٌ مطلوب,وكثيراً ما يكون مبنياً على حقائق وصادقاً,وإن كان لا يشترط أن يكون منصفاً دائماً0
على عكس ما يظن الناس,فإن إتاحة فرصة للنقد,ولإبداء الملاحظات السلبية,لا تزيد في النقد,وإنما تخفف من حدته,وميل الناس إليه0إنّ إعطاء وقت للنقد, يعني أننا نجحنا في وضع حد للنقد القائم0وهذا ينبهنا إلى جانب من الطبيعة البشرية حيث لا يرغب الشخص الماهر في النقد أن يظهر بمظهر الضعيف في غير هذا اللون من التفكير0وعلينا أن نتذكر أن التفكير الناقد,هو على مستوى ما تفكير بنائي,حيث لا يستغني أي عمل جيد عن المراجعة وإعادة النظر.
والأعمال التافهة وحدها,هي التي لا تحتاج إلى ذلك0وهذا لا يمنع من القول: إنّ الملكة النقدية,قد تتضخم لدى بعض الناس إلى حد المرض0 وربما كان النقد شديد الإغراء,لأنه يمنح الناقد تفوقاً سريعاً على النظراء,على حين أن التفكير الذي يشيّد النظريات والقوانين,يحتاج إلى وقت طويل,ويحتاج حتى يكتسب المصداقية المطلوبة أن يتجسد في واقع مرئي,وليس كذلك النقد0
سيكون النقد في أحسن أحواله حين يدخل في علاقة جدلية مع الأعمال البنائية الإيجابية حيث يؤدي المزيد من النقد إلى تصحيح العمل,ويؤدي تصحيح العمل إلى ترشيد النقد و تأطيره,والكشف عن مدى صواب مقولاته وطرحاته0
إنّ حضور الجانب القاتم من الصورة ضروري لاكتساب شيء من الاتزان,ولدفع لوثة (التهور)التي يصاب بها الكثير من الأعمال .

'القبـــــــــــــــــعة الصـــــــفراء:
تفكير القبعة الصفراء هو التفكير الإيجابي الذي يركز على الإيجابيات في المسألة موضوع البحث,ويقوم به المرء بدافع من الفضول والسرور0ويستخدم الإنسان تفكير(القبعة الصفراء)في الغالب حين تكون له مصلحة شخصية في الموضوع0في بعض الأحيان تكون الإيجابيات غير واضحة,وهذه هي التي ينبغي أن تلقى الاهتمام0والناحجون دائماً ينتبهون إلى جوانب النفع الخفية,فيسبقون غيرهم0
إنّ من الثابت أنه في أغلب الحالات,لا يغلق باب إلا ويفتح معه باب آخر,لكن غالباً ما يصيبنا الارتباك,ونشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فُتح .
إنّ تفسير الإيجابي ليس تفكيراً مبنياً على أوهام,ولا علي مجرد التفاؤل,ومع هذا فلابد من القول:إنّ الخط الفاصل بين الاندفاع الأحمق والتفكير الإيجابي المتفائل هو خط ضيّق جداً,وإن اختلاط الأمرين على الناس,ليس من الأمور المستغربة0
إنّ تفكير القبعة الصفراء رؤية نافذة للجوانب الإيجابية,ولو لم يكن مبنية على مؤشرات موضوعية,ثم تأتي بعد ذلك دراسة متفائلة,لتبرز تلك الإيجابية السارة في معطيات ملموسة0
'القبـــــــــــعة الخضــــــراء:
إن تفكير القبعة الخضراء,يعني النمو والتغيير,والخروج من المألوف0إنه يخالف ميولنا الطبيعية التي تدعونا إلى البقاء ضمن الخط المعهود؛فالعقل الإنساني,يكوّن لنفسه نماذج يقيس عليها ما يرد عليه من أشياء من خارجه؛وكل ما لا يوافق النماذج المستقرة لديه يتم طرحه وإبعاده0
لا يعني الدخول في التفكير الإبداعي أن يغير المرء عقله,وإنما يعني أن يستثمر المرء ما لديه من قدرة على التفكير على نحو أشمل وأتم,بحيث يرى الاحتمالات كلها0
إنّ أكثر التفكير الذي نتشبع به من بيئاتنا مهيّأ لمعالجة المعلومات,وذلك مثل المنطق والرياضيات,والتنسيق بين المعلومات0وهذه العمليات,لا تحدث إلا من خلال الرمز0
والذي يقوم به التفكير الإبداعي,هو إيجاد أشكال جديدة,تضاف إلى ما عندنا من تراكيب ندرك من خلالها العالم0التفكير المبدع,يحتاج إلى وقت؛والعجلةُ هو أن نوفر الوقت لاستخراج حلول أخرى,ثم نختار منها الأكثر مناسبة لحاجاتنا وإمكاناتنا0
إنّ من المهم أن نظل نرى أنّ الحلول التي توصلنا إليها ليست الوحيدة,وقد لا تكون هي الأفضل0وهذه الرؤية وحدها هي التي تجعل تطلعنا للجديد غير قابل للاستفاد0
'القبــــــــــــــــــعة الــــــــزرقاء:
تفكير القبعة الزرقاء,يعني تفكير التحكم بأنواع التفكير الأخرى0إنّه بمنزلة لوحة التحكم كبيرة,عليها أضواء وأزرار,و أذرعة التحكم0ويمثل من يلبس القبعة الزرقاء دور القائد لجلسة الحوار والتفكير0ومهمته ضبط عمليات التفكير وتوجيهها,فهو يحمي المجموعة من الانزلاق أو الابتعاد عن الموضوع الذي يدور حوله البحث أو التفكير,كما أن عليه أن يوجه أنواع التفكير بحسب الظروف المحددة؛ففي جو يكون الحاضرون فيه كثيري الانفعال تجاه الموضوع المطروح للبحث,يعطي للمشاعر و الانفعالات وقتاً أوسع,حتى يُخرج الحاضرون كل ما لديهم من مشاعر وأحاسيس0
وبعد فتح المجال لإبداء المشاعر,قد يجد صاحب القبعة الزرقاء أنّ من المناسب إتاحة المجال لتفكير القبعة البيضاء أو السوداء,وهكذا0000
نحن بحاجة إلى لبس القبعة الزرقاء في إحداث التوازن في تفكيرنا الشخصي, حيث يمكن عن طريقها ضبط الموازين والمقادير في ألوان التفكير المختلفة, فلا يغلب على الواحد منا التفاؤل أو التشاؤم أو النقد أو التفكير البنائي, ويتم إهمال الجوانب الأخرى0
إن في جلسات الحوار,وعمليات التفكير الفردي الكثير من الفوضى والجنف,وما أكثر اختلاط التفكير النقدي بتفكير العواطف بتفكير المعلومات!0
إنّ من المألوف أن نرى جلسة كاملة, لا يذكر فيها إلا النقد,كما أننا نرى جلسة أخرى,
لا نسمع فيها إلا سرد المعلومات المفككة التي تُنثر دون أي تحليل0وفي جلسة ثالثة نجد البشائر وألوان التفاؤل التي تنهال من كل جانب0إنّ التفكير الجيد,يحتاج إلى ملاحظة ومتابعة دائمة,حتى لا يخرج عن مساره ويفقد توازنه0

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image028.gif[/IMG]الفــــــــصل الثالث:-


ليس التفكير المستقيم سهلاً دائماً,ومن العسير أن نفكر بطريقة منطقية موضوعية, ثم لا نقع خلال تفكيرنا في شَرَك التفكير غير المنطقي أو المتحيز أو الخرافي. وأولئك الذين يفخرون بالتزام المنهج العقلاني في التعامل مع الأشياء,لا يملكون أي ضمانات للنجاة من ذلك0
إنّنا حين نمارس التفكير في أي موضوع,فإننا في الحقيقة نستخدم عدداً من العناصر البالغة التعقيد,مثل مبادئنا العقلية وثقافتنا العامة,والعادات النفسية والفكرية والمعلومات المتعلقة بالمسالة موضوع التفكير,وعلاقته الشخصية بنا .. ولا نستطيع أن نستخدم كل ذلك في فراغ,فهناك ضغوط ظرفية واجتماعية, تكتنف تفكيرنا,وتؤثر على نحو ما فيه0 وبما أن كل ذلك ,لا يكون في العادة كاملاً ولا نقياً,فإنّ علينا ألا نتوقع أن يكون باستطاعتنا دائماً النجاح في الوصول إلى تصورات وأحكام راشدة0
كل تجديد لأي بعد من أبعاد ذواتنا,لا بد أن يشتمل على إزالة الأنقاض والتراكمات القديمة؛والفائدة من تعليم أساليب الصحيح ستكون محدودة جداً ما لم نتمكن من محاصرة الأنماط القديمة والأمراض التفكيرية المعوجة0
إن الفلاّح يقلع الأشواك والأعشاب الضارة قبل أن يلقي ببذوره0وإنّ مشكلة الانحرافات الفكرية أنها كثيراً ما تظل خارج منطقة الوعي,فمعظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية,وذلك طبيعي,فالفكر الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ يرتكب الخطأ حين يقوَّم نفسه0
عدم الوعي بالخطأ الفكري هو الذي يجعل الناس لا يشعرون بأية مسؤولية تجاهه , وهو السبب في عدم رغبتهم في مقارنة أنماطهم الفكرية بأنماط غيرهم, وعدم الحرص على سماع آراء الآخرين,والانفتاح على تصورهم للأمور؛مما يحرمهم من رؤية موضوعية أدق وأوسع0
إنّ كثيراً من أشكال التعثر التي تلاقيها في حركتنا النهضوية والعلمية خاصة,يعود إلى أننا لم نستطع أن نخترق الكثير من طرقنا وعاداتنا الفكرية التي ورثناها من عهود الانحطاط؛فنحن في الحقيقة ما زلنا نكرر الأخطاء السابقة,ولدينا نوع من المناعة ضد التعليم منها!0
المشكلات التي نواجهها في الحياة,تزداد كماً وكيفاً,لا بسبب تعقد أساليب العيش فحسب,وإنما لأن النمو جزء من طبيعة المشكلات,ولذا فإن المستوى الفكري الذي يكون سائداً عند ولادة مشكلة ما يصبح بعد مدة غير كاف لمعالجة تلك المشكلة,ما لم تكن قد نجحنا في زيادة كفاءته,وتخليصه مما يعانيه من عيب وقصور .
لن نستطيع أن نحل مشكلاتنا المختلفة إذا لم نعالج طرق التفكير لدينا,ما دامت هي الأداة التي سنستخدمها في معالجة كل شيء0والأسس العميقة لكل مشكلات الأمة قابعة في عقولها ونفوسها0وعليها أن تضرب على الجذور,فضربة واحدة على الجذور خير من ألف ضربة على الأغصان0
النماذج التي تجسد الاعوجاج في التفكير كثيرة,ولا تتسع المساحة هنا لاستعراض كثير منها,فإليك شيئاً من أهمها في المفردات الآتية:
$ إصــــــــدار الأحكام المسبقة:
نحن إذ نفكر ننطلق من مبادئ ومسلمات ثقافية,ونعد من لا يملكون تلك المسلَّمات غير قادرين على التفكير الكفء0المسلَّمات الفكرية والثقافية,لا تؤمَّن تسايل عمليات التفكير فحسب, وإنما تريح العقل من عناء البحث والتمحيص, أي تؤمَّن له نوعاً من العطالة والسكون,ومن هنا تنبع جاذبيتها وخطورتها في آن واحد0
لو فتشنا في عقولنا,لعثرنا على مخزن ضخم من المسلَّمات المتعلقة بالناس والأفكار والأحداث0وتصنيفات الأمم والشعوب بعضها لبعض نموذج صارخ على ذلك؛فالشعب الفلاني كسول,والشعب الفلاني محتال,والشعب الفلاني ماهر ... ووسائل الإعلام في الغرب(العقلاني)تميل إلى وصم كل مسلم بالإرهاب0أما العرب في نظرها فهم شعوب مهووسة بالتبذير والجنس, فوضوية جاهلة ... وهكذا فهناك أحكام عامة ظالمة,لا يعرف مصدرها,وليس هناك أدلة موثوقة لتعميمها على أمة أو شعب بأكمله,لكنها راسخة جداً,ومن العسير تغييرها0وتلك الصور الذهنية المنطبعة,تشكل مشاعر الناس,وتوجه سلوكهم,وتنظم ردود أفعالهم0
إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث عن العولمة والقرية الكونية وتلاقي الثقافات,إلا أنه غير قادر على تغيير أنماط تفكيره القديمة,فهناك انجذاب هائل نحو الإقليمية والعنصرية والطائفية,أي هناك انسحاب من(عالمية) الرؤية والثقافة والإحساس المشترك في الوقت الذي تتسع فيه عالمية التجارة, ويتسايل انتقال المعلومات والأشياء!
سيكون من المفيد حين نسمع حكماً لا يستند إلى أي إحصاء أن نحاول التعرف على النماذج التي تخالف ذلك الحكم,وسنجد آنذاك نماذج كثيرة معاكسة لما هو شائع,وسنتمكن في ذلك الحين من كسر بعض الأغلال التي تكبل عقولنا0
$ســـوء التعامل مع المعلومات غير الملائـــــــمة:-
حين نكوَّن اعتقاداً ما فإن القوى غير الواعية فينا تحشد على نحو غير مرئي كل الأدلة والبراهين التي تقوَّيه,وتجعله أمراً غير قابل للنقاش0وحين تأتينا معلومات تناقض ما انتهينا إليه,فإن أكثرنا,يحاول الإفلات من التغييرات التي تقتضيها المعلومات الجديدة,ونحاول تحويرها أو إسقاطها من الاعتبار,أو التشكيك في صحتها ...
إذا قيل لنا:إن صديقنا أحمد البارع جداً والمتفوق جداً كان بطيئاً في القراءة حين كان طالباً في المدرسة,فإننا لا نقبل هذه المعلومة؛لأنها مناقضة لاعتقادنا أن الأطفال الذين يستغرقون وقتاً طويلاً لكي يتعلموا القراءة هم أقل ذكاء من الآخرين0ومن ثم فإن بطء صديقنا أحمد في القراءة,لا يغير من الحقيقة شيئاً, بل هو الشذوذ الذي يؤكد القاعدة,فأحمد عبارة عن شخص واحد,فلا ينبغي أن يؤخذ في الحسبان!0
في بعض الأحيان لا نسلَّم أن أحمد كان بطيئاً في القراءة,فهو متفوق في جميع المهارات الدراسية,ولم يُعرف عنه أنه يشكو من صعوبة تعلم أي مهارة,ثم إنّ أحمد كان ذكياً جداً,والبطيء في القراءة لا يُعد في الأذكياء جداً,فهو إذن لا يمكن أن يكون بطيئاً في القراءة0
وقد نقول:إن من صرَّح بذلك لم يكن على خبرة به,أو إنه قال ذلك بدافع الحسد أو الحقد.وهكذا فالمسلََّمات لدينا تحول دون الاستفادة من المعلومات!. في أحيان كثيرة لا نفنَّد المعلومات التي تشوش على آرائنا,ونعاملها بإهمال شديد-لأنها لا تستحق الاهتمام-ومن ثم فإنه يتم تخزينها,ويصبح الأمر كما لو أن العقل لدينا ليس فيه(خانة)مستعدة لقبول المعلومات المشوَّشة0لو أننا أردنا تذكر تلك المعلومات,فإننا لا نستطيع,لأنه لم يتم إدخالها في الذاكرة,وبالتالي فإنها لم تختلط بنماذجنا وأنساقنا الفكرية الخـــــاصة0
هذه الحالة بعيدة الأثر في التركيب العقلي لكثير من الناس0ومن المؤسف أن أكثر الناس يقرؤون التاريخ بأحداثه المختلفة بهذه الطريقة,كما يقرؤون الواقع, ولذا فالفائدة من دراسة التاريخ والتفحُّص في مجريات الأحداث,تكاد تكون معدومة لديهم!0
لست أدعو إلى أن يغير المرء آراءه عند كل معلومة جديدة تفد إليه,ولكن الذي أصر عليه هو أن نأخذ ما يخالف تصوراتنا وأحكامنا بالجدية التامة,وأن نتعامل معه بالأسلوب نفسه الذي نتعامل به مع ما يوافقها,ويدعمها0
$الضـلال في تـــــــفسـيـر الظـــــــــــــواهر:-
لو تساءلنا:هل الضلال الذي ينشأ من اختراع أمور,لا أصل لها أعظم أو الضلال الذي ينشأ من تفسير أمور موجودة تفسـيراً خاطئاً ؟
لكان الجواب-من غير تردد-إن الضلال الذي يجتاح حياتنا الفكرية من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم بكثير من الضلال الذي ينشأ من الكذب الصراح, حيث إنّ كشف الكذاب كثيراً ما يكون سهلاً,لكن التفسير الخاطئ,هو في أكثر الأحيان نتاج نقص في معلومات وقصور في التركيب العقلي,وهذا الأخير هو الداء العياء الذي يحتاج علاجه إلى صبر لا يعرف النفاد!0
نجد في خبراتنا اليومية التي نمر من يقول:إن فلاناً متفوق؛لأن أباه لا يكلفه شيء فهو متفرغ للدراسة,وفلان منحرف؛لأنه نشأ يتيماً,فلم يلق التربية المناسبة . والبلد الفلاني ثري,لأنه يملك أنهاراً غزيرة0والشعوب الإسلامية متخلفة؛لأنها تقع تحت ضغوط مؤامرة كبرى,وهكذا000ولو أردنا تمحيص هذه التفسيرات, لوجدنا أنها جميعاً محتملة وليست قطعية,فهناك طلاب أثرياء ومفرَّغون للدراسة, ومع ذلك يرسبون0وهناك أعداد ضخمة من الأيتام ذوي السلوك الحسن والخلق الرفيع ,وهناك000
إنّ تفسير الظواهر الكبرى بعامل واحد من أكثر الأخطاء الفكرية انتشاراً, وهو الذي يقبع خلف عدد لا ينتهي من التفسيرات الخاطئة للحوادث التاريخية والأحداث المعاصرة,ولا علاج له سوى إيراد كثير من الأمثلة,يتوفر فيها العامل المفسَّر مع تخلف النتائج المزعوم ارتباطها به0


$تأثيـــــــر الانطــــباعات الأولـــــــى:-
الحاسوب يعمل وفق تسلسل منطقي صاف وتام0أما العقل البشري,فليس كذلك,فنحن لا نستطيع أن نقوَّم الأشياء بعيداً عن مشاعرنا وثقافتنا,ولا عن الظروف التي نمر بها؛ولذا فإن من السهل أن نقع ضحية لبعض الانطباعات الأولية غير الصحيحة؛لنصدر بعد ذلك أحكاماً غير صحيحة0
في عام1946م أجرى(سولومون أش)تجربة سأل فيها بعض الناس أن يكوَّنوا رأياً في شخص,وصفه بأنه(ذكي,مجتهد,مندفع,ميال إلى النقد,عنيد حسود)وسأل أناساً آخرين السؤال نفسه,لكنه بدأ بالصفات السلبية:حسود عنيد ميال إلى النقد000وكانت النتيجة أن الفريق الأول كوَّن آراء أكثر إيجابية حوله من الفريق الثاني,حيث إن الصفات التي تم تقديمها في البداية,كانت إيجابية,فكوّنت انطباعاً أولياً إيجابياً أثَّر في الحكم النهائي0
وأعتقد أن تقويم واحد ممن استفتوا سيكون أقل إيجابية لو كان آنذاك خارجاً من قسم من أقسام الشرطة,بسبب مشكلة وسببها تهور أحد أبنائه0
مظهر الأشخاص الذي نقابلهم شديد التأثير في تكوين الانطباعات الأولية, وكذلك الأشياء السريعة والخاطفة التي لا تتيح لنا فرصة للمحاكمة والتمحيص0
وعلى كل حال فلن يكون شيء من ذلك ضاراً إلا إذا تسرعنا في إصدار الأحكام, وخضعنا لما كوَّناه من انطباع أولي,أو خضعنا لظروفنا ومشاعرنا وتجاربنا الخاصة,وسيظل الوعي بذلك هو الخطوة الأولى على طريق التصحيح0


$تأثيـــــــــــر الهالة:-
قدرة الناس على مناقشة الأفكار,ومعرفة مزايا الأشياء على نحو دقيق: محدودة,ولذا فإنهم يتشبثون بأي شيء يمكن أن يساعدهم على استيعاب ما يرغبون في استيعابه0
وعلى الرغم من الاستفاضة في الحديث عن ضرورة احترام التخصص وعن ضرورة اعتماد الفهم المستقبل,إلا أن الصحيح أن الاستيعاب الموضوعي والمجرد للأمور,مازال ضيئلاً0وربما كان لهذا الزخم الهائل من المنتجات-من كل الأنواع-تأثيره في ذلك,حيث صار الناس يشعرون بعدم القدرة على الإلمام الشخصي بكل ما يتم اطلاعهم عليه,فيلوذون بغيرهم ليساعدوهم على ذلك0
حين يتفوَّق إنسان ما في مجال ما,فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تترك انطباعاً بالجدارة والثقة لدى الآخرين0وبتأثير تلك الهالة ينسى الناس جوهرية (الاختصاص) ويسألون المعجبين بهم عن أشياء ليس هناك أي دليل على تفوقهم في فهمها ومعرفتها0
ومن المألوف اليوم أن يُقبل الناس على استخدام نوع من الصابون أو العطر أو معجون الأسنان000لأن النجم الفلاني يستخدمه,أو ظهر في دعاية له0وطالما سئل رياضيون وفنانون عن قضايا سياسية واجتماعية وتاريخية,وينفعل بعض الناس بأجوبتهم أكثر من انفعالهم بأجوبة بعض المختصين!!0
إذا كنت قد اشتريت جهازاً يا بانياً,وأعجبت بأدائه,فإنه ربما يتولد لديك انطباع بأن كل الصناعات اليابانية متفوقة0إذا بهرت بطيبة شخص,ينتمي إلى بلد معَّين,فليس من المستبعد أن يترسخ في نفسك أن أهل ذلك البلد كلهم طيبون0إذا اجتذب أحد مندوبي المبيعات اهتمامك بحديثه البارع أو مظهره الأنيق أو طريقة استخدامه للصور التوضيحية, فإنك غالباً ستصدق ما يقوله عن بضاعته0
في عصرنا هذا صار ل(الحقيقة العلمية)هالة كبيرة,فنحن نحترمها أشد الاحترام, ونحاول الاستفادة من مؤشراتها,لكن كما أنه من السهل أن تتاجر بعملة زائفة, فمن السهل أيضاً أن يتاجر بعض الناس بالحقائق العلمية0وقد وقع كثير من الناس ضحية لتناول أدوية تخلصهم من السمنة أو الصلع,حيث بُهروا بالشرح العلمي لميزاتها وخصائصها0
تقوم معظم فروع العلم بتطوير لغتها الفنية الخاصة0وتستطيع(التعبيرات الخاصة) والغامضة غموضاً مقصوداً أن تضلل السامعين والقراء,وتولد لديهم نوعاً من الانبهار,وبالتالي الاستسلام والسقوط في يد المتحدث والكاتب0هذا كله يدعونا إلى أن نحاول جعل عقولنا دائماً متيقظة,وأن نتعلم المزيد عن كيفية (تقييم) المعلومات الواردة إلينا,كما يوجب علينا ألا نملَّ من طلب(تبسيط)ما نسمعه ليكون بلغة السهل,وأن نتعود تأجيل إصدار الحكم عند عدم وجود ما يكفي من القناعة والوضوح0

$المـــــــــــــــــــــبالـــــــــــــــــــــغـ ــــــــــــة:-
نحن لا ندرك الأشياء بطريقة مباشرة,وإنما عبر وسيط ثقافي وفكري ونفسي أيضاً؛مما يجعل رؤيتنا لها قابلة للكثير من الخصوصية,وبالتالي للكثير من الانحراف . المبالغة مرض واسع الانتشار في كل زمان ومكان,والبنية التحتية له بنيه فكرية نفسية,فالإدراك القاصر,
وضعف المحاكمة العقلية,مما يدفع إلى المبالغة على النحو الذي تدفع إليه الأهواء والأمراض النفسية,والانطباعات الخاصة والخاطئة0ولعلنا نلقي الضوء على بعض مظاهرها في الآتي:
أ/بعض الناس يميل إلى تضخيم كل الأشياء لتبدو كأنها مجموعة(كوارث)فهم يتوقعون دائماً الأسوأ,فأي ألم مفاجئ يصيب الواحد منهم,هو دليل على وجود مرض خطير.
وأي خطأ يقع فيه يمكن أن يحرمه من وظيفته000
ب/هناك من ينجذب إلى(تعميم الافتراض)فلأن شيئاً ما قد وقع,فهذا يعني أنه سيقع دائماً,فإذا نسي موظف لديه تنفيذ أحد طلباته قال له:إنك تنسى دائماً ما أطلبه منك0وإذا تبين له أن إحدى الإذاعات كذبت في خبر من الأخبار,حكم بأن تلك الإذاعة لا تصدق أبداً!0
ج/بعض الناس يبالغ في إعطاء الأحداث السلبية أهمية أكثر مما تستحق,وهو في الوقت نفسه يقلل من قيمة الأمور الإيجابية؛فإذا رسب في اختبار لنيل (رخصة قيادة)
حكم على نفسه بالغباء؛لأنه يرى أن النجاح في اختبار كهذا سهل على كل الأشخاص الأسوياء0وإذا أثنى عليه شخص فسَّر ذلك بأنه مجاملة من أجل رفع معنوياته . وإذا نجح في أمر من الأمور اعتبر ذلك من باب الحظ أو المصادفة .. إنهم يمارسون نوعاً من تعذيب النفس دون أي مسوَّغ !0
د/تتجلى المبالغة في بعض الأحيان في صورة قراءة لما في عقول الآخرين, حيث يعتقد بعض الناس أنه يملك حساسية خاصة لمعرفة ما يدور في أذهان الناس,وما تنطوي عليه سرائرهم؛فإذا توجهت إليه شركة بسؤال ظن أنها سألته لأنها لم تعثر على شخص آخر بإمكانه أن يجيب على أسئلتها0وإذا واجه مشكلة ولم يتدخل فيها أحد من أصدقائه,
فليس ذلك بسبب محافظتهم على خصوصيته , وإنما بسبب إهمالهم له , أو شماتتهم به . وإذا نصحه شخص بنصيحة,فذلك ليس بقصد إصلاحه,وإنما بقصد تحطيمه أمام نفسه وهكذا000
هـ/المبالغة تأخذ في بعض الأحيان شكلاً من أشكال عدم الاتزان,فترى بعض الأشخاص يتحولون من النقيض إلى نقيضه بسرعة البرق؛فبسبب كلمة أو حرمة,
يمكن أن يصبح مشروع ما مشروع العمر,ويمكن أن يصبح الصديق الحميم عدواً ..
وتجد هذا في تعبيراتهم:(إن كان بوسعك أن تقول ذلك فهذا يعني أن علاقتنا لا تعني أي شيء),(خطأ واحد يفسد الأمر كله),(إذا لم أستطع تصحيح هذا الأمر فسأتوقف عنه كلياً)0
هناك أشكال أخرى من المبالغة تتجلى في مديح الآخرين,وفي ذمهم,وفي تصوير بعض الوقائع التاريخية,سبقت لنا معالجتها(1)[(1)انظر بعض ذلك في كتابنا:فصول في التفكير الموضوعي ص204وما بعدها]
وأعتقد أن كثيراً من الوسائل الإعلامية,يبني بأساليب شتى عقلية (المبالغة) وضعف حركة النقد,إلى جانب انعدام أجواء المصارحة و المناصحة,يساعد على استمرارها بل نموها0والحد من هذا الانحراف الخطير,سيظل مرتبطاً بمدى درجة الوعي لدينا, وبمدى ما نحققه من تقدم حضاري .


$القـــــــــراءات القـاصــــــــرة:-
نحن نحاول باستمرار أن نستوعب الواقع الموضوعي,ونسلك إلى ذلك مسالك شتى, لكن قد نوفق فيما نرمي إليه,وقد نخفق0وكثيراً ما نخرج بنتائج غير صحيحة بسبب عدم معرفتنا ببعض القواعد الأساسية في علم(الإحصاء)وهذه بعض النماذج على ذلك:
-حين نريد أن نحكم أن طرازاً معيناً من السيارات يعمر أكثر من غيره,فإن علينا أن نعاين أكبر عدد ممكن منه0وكلما كانت العيَّنة كبيرة,وكانت عشوائية كان الحكم أقرب إلى الصحة0وسيكون من الخطأ أن نحكم على طراز بأكمله بأنه معمّر واقتصادي من خلال مشاهدة سيارة واحدة؛فربما كان صاحبها,لا يستخدمها إلا لماماً,وربما كانت هي في الأصل ذات مواصفات خاصة,وربما كانت الظروف المناخية التي تستخدم فيها أكثر ملاءمة ...
وإذا أردنا أن نعرف نسبة المصلين في مجتمع,فلا ينبغي أن نصمم(استبانه) ونوزعها على طلاب كلية الشريعة؛لنعرف المصلى من غيره0وإذا أردنا أن نقيس مستوى دخل الفرد في بلد,فلا ينبغي أن نأخذ عينة من رجال الأعمال أو العمال000فالعيَّنة في كل هذا ليست عشوائية,ولا تمثل المجتمع على نحو صحيح0نعم يمكن لهذه العينات أن تعطي مؤشرات على الفئات التي أخذت منها ليس أكثر0
-الأعداد المطلقة,قد تصدمنا,وقد تدفعنا إلى تفاؤل غير ذي معنى؛لأنها في الحقيقة لا تعني أي شيء ما لم نطلع على بعض الحيثيات المتعلقة بها0وعلى سبيل المثال إذا سمعنا أم حوادث السير في بلد الفلاني تسبب وفاة ألف شخص في العام,فإن هذه المعلومة,لا تعني أي شيء ما لم نعرف عدد السكان في ذلك البلد,وما لم نعرف عدد السيارات التي تتجول في طرقه وشوارعه,وهل ذلك الرقم يمثل تحسناً مقارنة بالسنوات السابقة؟وإذا كان في زيادة,فهل زيادته مساوية لنسبة الزيادة السكانية,وزيادة عدد السيارات فيه أو أكثر أو أقل؟
وإذا قارنّا أعداد تلك الوفيات بما هو موجود في البلدان الأخرى,فهل تكون منخفضة أو مرتـــــــفعة ؟0
إنّ بلداً كالهند-مثلاً-سيكون أفضل بلد في العالم إذا كانت وفيات عدد حوادث السيارات فيه ثلاثة آلاف شخص في العام,على حين أن هذا العدد سيجعل بلداً مثل قَطَر أو سنغافورة أسوأ بلد في العالم في هذا الجانب0والسبب هو الفارق الأساسي في عدد السكان الذي يزيد مئات المرات0
-كثير من الناس يظن حين يرى أمرين يحدثان معاً أن أحدهما سبب لآخر.
وعلى سبيل المثال فإن ذوي الشعر الأحمر كثيراً ما تكون وجوههم شاحبة,لكن أياً من هاتين الظاهرتين لا يؤثر في الأخرى,وليس سبباً لها0إنّ تناول الإنسان لحبة(أسبرين)أثناء إصابته بالزكام تجعله يشعر بالتحسن,لكن من المستبعد أن تؤثر في سرعة شفائه .
وهكذا فلا بد من فحص دقيق لنوعية المقارنة والارتباط بين الأشياء المقترنة قبل إصدار حكم حولها,ولا سيما في المسائل الإنسانية والاجتماعية؛فنحن نستطيع أن نربط بين الرياح الشديدة البرودة ودرجات الحرارة المنخفضة جداً وبين تيبس أوراق الشجر وأعشاب الأرض على نحو يقيني,لكن لا نستطيع أن نملك اليقين نفسه في التعامل مع قضية أسرية-مثلاً-فلا يجوز أن نقول:إن كثرة الخلافات بين الأبوين سوف تؤدي قطعاً إلى انحراف سلوكي لدى أطفالهم, حيث إن التمزق الأسري,ليس هو العامل الوحيد الوثيق الصلة بالموضوع0
إنّ العيش في الزمان الصعب يتطلب ملاحقة مستمرة لأوجه القصور والخلل في فهمنا للأشياء وتعاملنا معها؛ولا يمكن أن نطمئن إلى ما ننجزه في هذا الشأن, ونكتفي به؛
فالتفكير المستمر,ينتج باستمرار مشكلات جديدة0وبإمكاننا أن نذكر المزيد من أشكال الاعوجاج في التفكير,لكن نكتفي بما ذكرناه هنا.اتكاءً على ما ذكرناه من قبل في (فصول في التفكير الموضوعي)من نحو التعصب,وعقلية البعد الواحد , والتفسير التآمري للتاريخ,وإسقاط القاعدة بالمثال الشاذ,وتقديس الأشخاص , والكيل بمكيالين000فارجع إليها إن شئت0والله ولي التوفيق0

___


[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image029.gif[/IMG]الفصل الرابع:-


تجديد البعد النفسي:
العقل يتحسَّس معالم الطريق,ويستنبط من مصادر عدة إشاراتٍ للفعل والكف,أما النفس فتشكَّل البُنية العميقة للسلوك والعلاقات,وفيها تصب حصيلة ذلك كله0
إذا استعرضنا أدبيات الأمم,وجدنا تركيزاً غير عادي عليها,حيث المطالبة الملحة بالصفاء والنقاء والتطهر من أوضار المادة والشهوات,وحيث المطالبة بالرقي والسمو والترفع000
نصوص كثيرة تشير إلى محورية(تركيز النفوس)في رسالات الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-مما يدل على أن العناية بها ظلت على مدار التاريخ ذات أهمية استثنائية,كما ظلت درجة صلاحها مقياساً معتبراً لمدى استجابة الناس للدعوة,وقبولهم للهدية0يقول الله-جل وعلا-:-{هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين}[الجمعة:2]0فجعل تزكية النفوس مهمة أساسية من مهمات الرسولr وقال-سبحانه-{قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}[الشمس:9-10]فحكم بالفلاح لمن اهتم بإصلاح نفسه وتزكيتها0
القرآن الكريم يعلمنا أن زوال النعم,وتبدل الأحوال إلى الأسوأ,لا ينشأ أساساً من تدهور البيئة,ولا خراب العمران,وإنما من تغير النفوس وانحطاطها:{ذلك بأن الله لم يك مغيراً
نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كذاب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}[الأنفال:53-54]0
وإذا أراد الناس استعادة ما فقدوه,وإصلاح ما أفسدوه,
فالخطوة الأولى على طريق العودة أيضاً نفسية:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد:11]0
إنّ تمايز الإنسان عن الشجر والحيوان وقدرته على الخروج عن الخطوط الغريزية التي تضمن سلامته,وتكيفه مع بيئته,ويوجب عليه أن يقوَّي داخله حتى يستطيع ضبط نزواته,كما أن عليه أن يُدعَّم جهازه النقدي الداخلي؛حتى يتمتع بالقدرة على التمييز بين الأشياء الحسنة والأشياء القبيحة,وحتى يرشَّد اختباراته بين تلك الأشياء,ويكون قادراً على تحمل مسؤولية تلك الاختيارات0
التحديات التي تواجه الأمم كالتحديات التي تواجه الأفراد هي غالباً داخلية. والأفراد العظماء كالأمم العظيمة حين يشتد عليهم الهجوم من الخارج,لا ينهمكون في أنشطة خارجية لصده,وإنما يرتدُّون إلى الداخل تنمية وتحصيناً وتنظيماً وتطهيراً0
وهذا هو القرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة الهائلة بأبسط أسلوب:{إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعملون محيط}[آل عمران:120]0ويقول:{يأيها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة:105]0
إنّ كل الحلول في الرؤية الإسلامية,هي حلول تتم في الداخل أولاً,ثم يتم الانطلاق إلى الخارج0الأمم التي لم تجد الطريق الصحيح في الحياة,وتلك التي تعرفه ولا تجد الطاقة لدفع تكاليف السير فيه,تحاول دائماً أن تغطي على مشكلاتها الداخلية بالاتجاه إلى الخارج,تتسوَّل منه الحلول,أو تصرف عن طريقة الانتباه عن أزماتها الداخلية من خلال اختراع حرب مع قريب أو بعيد000ولا يختلف سلوك الأفراد أيضاً عن هذا المسلك,فحين تجف المنابع الداخلية للعيشالهانئ فإن كثيراً من الناس يسعون -بدل إعادة الحيوية إليها- إلى تنظيم البيئة من حولهم,ويضفون عليها المزيد من اللمعان,كما يندفعون إلى اللهو والأكل والشرب والجلوس أمام(التلفاز) ...
إنّ كل سياق إصلاحي لشؤون الأمة يجب أن يرتكز على سياق داخلي ذاتي, يتمثل في تحسين الخصائص,والأوضاع النفسية والسلوكية,وإلا فإن النتائج ستكون مخيبة للآمال0
كان المهتمون بتزكية النفوس في الماضي يركزون على نحو أساسي على ما يمكن أن نسميه ب(قمع النفس)وضبطها وإماتة نزعاتها أكثر من التركيز على الثقة بالنفس والاعتداد بها,وتلمُّس أوجه تقويتها000وهذا أفرز نتائج سيئة على المستوى الاجتماعي,
حيث صار الناس الأطهر نفوساً,والأكثر صلاحاً وزهداً يعيشون على هامش المجتمع:لا مال ولا نفوذ ولا منصب,وهذا حرم الأمة من عطاءاتهم العظيمة, كما مهَّد الطريق لتكون القوة-بمعناها الشامل-بيد من لم ينل داخله من التزكية سوى القليل0
وإننا نأمل أن نستعيد التوازن في هذه القضية,فنعلَّم الناس كيف يحصَّنون أنفسهم , كما نعلَّمهم كيف يؤثرون في الحياة العامة,ويقودون السفينة إلى بر الأمان0وإليك بعض المبادئ والأفكار التي تساعد في هذا عبر الحروف الصغيرة التالية:

?تخليـــص النفس من أمراضـها:
هذه أول خطوة على طريق تجديد البعد النفسي,وهي أهم خطوة أيضاً,فما بعدها لا يعدو أن يكون تفصيلاً لإجمال,وتأكيداً على معلوم0إنّ كلمة التوحيد وإشعاعاتها الروحية والخلقية ومقتضياتها السلوكية,تشكل المرقاة الأولى في سلَّم العافية,كما أنّ الشرك الأكبر والأصغر,وما يتولد عنها من رغبات ومقتضيات,تشكل البداية لسلسلة من العلل النفسية والسلوكية؛ولا أمل في الشفاء مع الشرك والانحراف العقدي الفاحش0
إن حلول النفس في الجسد,فتح الطريق أمام تأثيره فيها,حيث يحاول جعل مطالبها لا تنتهي عند حد,لأن مطالبه كذلك0والمسلم مطالب بأن يُدخل حاجاته النفسية والجسدية جميعاً في منطقة(الوعي),فيلبي منها ما هو حق(وإن لنفسك عليك حقاً),

ويقاوم الرغبات والحاجات التي تشكل الاستجابة لها انحرافاً عن المنهج الرباني .
حين تسطع أنوار التوحيد في نفس المسلم,وتضيء جوانبها,فإن السلوك يستجيب لتلك الإضاءة,وينضبط بآدابها ومتطلباتها0
وحين يصبح الإيمان عبارة عن(قناعة عقلية)ويكفُّ عن توجيه السلوك,فإن حزمة ضخمة من الأمراض النفسية تجتاح كيان المسلم,فتحول حياته إلى شيء لا يطاق .
حين يشعر المسلم شعوراً عميقاً بأن الله-جلَّ وعلا-هو المعطي,فإنه لا يحسد أحداً,
ويطلب من الله أن يجود عليه,كما جاد على غيره0وحين يشعر بأن الله خالق كل شيء والمهيمن عليه,فإنه لا يحس آنذاك بالكبر والعجب0
وحين يحس المؤمن بالخشية الله والخوف منه,فإنه يتحاشى الوقوع في الانحراف وظلم العباد وهكذا00وعلى هذا فإن بداية طريق الخلاص من العلل النفسية والقلبية,تتمثل في التركيز على إحياء المعاني الإيمانية من إخلاص وصدق وحب لله-تعالى-وخشية وإجلال له ... وهذا لن يتم إلا من خلال سقيها بالماء الذي لا ينبع إلا من المزيد من التعبير0
ثم إن على المرء بعد ذلك أن يجاهد نفسه في ذات الله:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت:145]0وهذه المجاهدة تقوم على أمرين:
الأول ملء الوقت-قدر الإمكان-بما يرضي الله-تعالى-من أعمال وأنشطة.
والثاني هو كفّ النفس عن بعض مطالبها ونزواتها0
والمشاهد اليوم أن هناك نزوعاً قوياً نحو الإكثار من كل شيء:الكلام ومخالطة الناس,و استهلاك الأشياء,والاستحواذ عليها,والتحرر من الالتزام بأي شيء نافع .. وهذا وماشاكله أوجد خواء روحياً قاتلاً,وباعد بين واقع المسلم وبين جوهر الالتزام بالسلوك الإسلامي,وصرنا نرى في تفاصيل الحياة اليومية لكثير من المسلمين ألواناً من الكبر والعجب,والحقد والحسد,والغيرة والطمع,وسوء الظن والخيانة والظلم,وأكل الحقوق, والشماتة بالآخرين والحرص على متاع الدنيا الزائف والضجر والهلع ...
وهذا كله جعل المجتمع الإسلامي يفقد روح التراحم والتماسك,وصار أشبه بثوب نفيس,نُقض نسجه,وتحول إلى كومة من الخيوط!أما على الصعيد الشخصي فقدْ فقدَ المبتلون بهذه العلل أو بعضها الإحساس بالسعادة والطمأنينة والأمان,كما فقدوا الإحساس بالاتجاه والغايات الكبرى لوجودهم؛مما حرم حياتهم من أهم معانيها,و أَوْكد مقوماتها0
ومن الملاحظ أن الذين يحسنون التفريق بين الأمراض النفسية وبين المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون؛فالأكثرية لا تعرف الحدود التي إذا تجاوزها المطلب العادل تحول إلى مرض نفسي أو سلوكي,وكم رأينا بين من يخلط بين الكبر والثقة بالنفس,ومن يخلط بين الحذر وسوء الظن,ومن يخلط بين التدبير والشح والحرص على الدنيا,ومن يخلط بين الغيرة وبين المنافسة الشريفة ... مما يوجب على المسلم التحلي بدرجة من النظر المدقق,حتى لا تلتبس عليه الأمور , ويقع فريسة للمعايير الزائفة0
والملاحظ كذلك إلى جانب هذا اشتداد العناية بالاستقامة الفكرية,وكسب المزيد من القدرة على المحاكمة العقلية السديدة على حين أننا نرى المزيد من الإهمال لتزكية النفس وتطهير القلوب وتقويم السلوك0وكأن هذا رد فعل غير متزن على الخلل الذي وقع في عصور الانحطاط!0
لن يستطيع أحد أن يزعم أنه تخلص من أمراضه النفسية,وصار من حقه الإخلاد إلى الراحة؛فملابسة أحداث الحياة,تولَّد في كل يوم مشكلات جديدة,وتترك انطباعات سلبية في نفوس الناس؛مما يوجب اليقظة,الاستعداد لكفاح لا ينتهي إلا بانقضاء العمر, (لا راحة المؤمن إلا بلـــــــقاء ربه) .




?تخفيـف القــــــــــلق:
القلق هو حالة من التوتر الشامل والمستمر نتيجة توقع خطر فعلي أو رمزي قد يحدث, ويصحبها خوف غامض وأعراض(نفجسمية).
إن القلق والانشغال الذهني ببعض الأمور التي يمكن أن نتحدث,لا بعد في الأصل شيئاً سيئاً,حيث إن البديل عنه قد يكون ضعف الإحساس,أو الفوضى الوجدانية,أو عدم الشعور بالمسؤولية؛ولذا فإن قدراً من القلق ضروري في توازن الشخصية,فهو قد ينبه الإنسان إلى وجود شيء خاطئ في حياته,والذي لن يكون من الحكمة تجاهله0كما أنه يدفع المرء إلى الشعور بعدم الارتياح تجاه التفكير في أمرٍ ما يجعله بداية للتحفيز والعمل . وهو بعد هذا وذاك منشَّط قوي للخيال إذا ما وظَّف في العثور على بعض الحلول أو ارتياد بعض الآفاق الجديدة0
ينشأ(القلق)من خلال ما تنطوي عليه سرائر الناس من توقعات وطموحات,ومن كون المستقبل غيباً,يمكن أن يجعل لهم ما يسر,وما يسوء000ويعد(القلق)من الأمراض الكثيرة الشيوع؛ويُثْبت العلماء وجود(مكّون جيني)يجعل قابلية الناس للقلق أمراً كثير الورود0 وربما كان الخبرات الطفولة أيضاً دور مؤثر في ذلك0
إنّ القلق أكبر الأعداء للحالة المزاجية الجيدة,وهو يؤثر في مشاعر الإنسان وانفعالاته, كما يؤثر في كفاءة تفكيره0ويشعر ذوو القلق المرَضى بالارتباك والفزع,كما يشعرون بفقد السيطرة على أنفسهم,والهزيمة أمام التحديات التي تواجههم0
أما تأثيره في كفاءة التفكير,فيتمثل في بقاء القِلق في حالة ترقب للمشكلات والكوارث,
كما أنه يؤثر في مقدرته على التركيز,وإعطاء الأشياء المهمة ما تستحقه من انتباه كامل, وبذلك يصبح اتخاذ القرارات أمراً صعباً0ويتجاوز تأثير القلق ذلك إلى التأثير في الوضع الجسدي,حيث إنه يقلل من مقدرة الإنسان على الاسترخاء, والنوم الجيد,كما أنه يسبب له الصداع,ويخفض من درجة نشاط الجسد,بما يسببه من توتر وإجهاد0والحصيلة النهائية لكل ذلك هي انخفاض الأداء لدى القَلِق,فهو يبالغ في العناية بأشياء لا تستحق العناية,كما يهمل أشياء تستحق الاهتمام,كما أنه يدفعه إلى الاعتماد على الآخرين أكثر من اعتماده على نفسه, بالإضافة إلى أن القلَق يؤدي واجباته ببطء وتقاعس0
كيف نـــــــخفف القلق؟:
كم سيكون مؤلماً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسماً كبيراً من حياته أنه كان منشغلاً على الدوام بمتاعب لم تقع,وخائفاً من أشياء وهمية,لا وجود لها إلا في عقله . طاقات بددت,وأوقات ضاعت,وأشياء مهمة كان ينبغي أن ينجزها صُرف عنها ... ولذا فإن من الضروري للواحد منا أن يتخلص من الانشغال بالأمور غير الهامة, والأمور غير الممكنة,
والأمور غير القابلة للحل؛ليحافظ على لياقته النفسية,وليستخدم جهوده وإمكاناته فيما يعود عليه بالنفع0وهذه بعض الأفكار التي تساعد على ذلك:
-حين يقع أمر سيَّئ,أو نتوقع حدوثه,فإنّ تياراً من الهموم المكثفة,يجتاح الواحد منا,ويغمره بآلامه وهواجسه,ومع مرور الوقت يتضاءل كل ذلك إلى أن يتلاشى؛وقد قالوا:(كل شيء يكون صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة تكون كبيرة ثم تصغر)0
وقد يتضح أن ذلك كان ينطوي على الكثير من الخير0وفي الحديث الشريف: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)فأول المصيبة,هو الذي يحتاج إلى استجماع قوى المقاومة0
والمهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع,أو لما يتوقع أن يقع,قبل أن تشتته حوادث الأيام والليالي,وذلك من خلال تجاوز الحاضر,والاستبشار بما هو آت . وبإمكان الواحد منا أن يسأل نفسه:ماذا ستكون أهمية هذا الذي يشغلني بعد عام,أو بعد خمسة أعوام؟ لاشك أنها ستكون ضئيلة جداً0حين يرسب طالب في مستوى من المستويات,أو يتوقع الرسوب,فإنه يعيش أهوال كارثة حقيقة,حيث إن تخرجه سيتأخر سنة من موعده المأمول0ولو أن أحد الخريجين سأل نفسه بعد عشرين سنة من التخرج:ما الأمور التي كانت ستتغير في حياتي لو أنني تخرجت عام1420بدال عام1421-لوجد أن لا شيء يستحق الذكر0
-حين نقلق من حدوث أمرٍ ما,فلنسأل أنفسنا:هل هذا الأمر المتوقع حدوثه يستحق كل هذا الانزعاج,وكل هذه الحسابات؟إنّ أهم مواردنا الوقت والطاقة المختزنة,ومن السهل أن نهدر هذين الموردين العظيمين في أمور تافهة,أو حين نعطي أموراً كبيرة أكثر مما تستحق من الاهتمام والانشغال .علينا أن نتذكر دائماً حين نقلق لأمر ما أن هناك الكثير من المهمات التي تنتظرنا, وسيكون من غير الحكمة الانصراف عنها0
-إخراج ما يقلق إلى منطقة الوعي,أمر في غاية الأهمية؛إذ إن أخطر ما في القلق هو الغموض والإبهام0ولذا فإن من المهم أن نحدد بدقة ما يقلقنا,ونحدد موقفنا منه,من خلال مجموعة من الأسئلة:

السـؤال الأول:ما لذي يقلقني؟
السـؤال الثاني:هل هناك ما بوسعي أن أفعله حياله؟
إذا كان الجواب(لا)فتوقف عن الانشغال به,واعمل على إلهاء نفسك بشيء نافع0وإذا كان الجواب(نعم)فاعمل على أن تخرج من الحالة التي أنت فيها بما تستطيع عمله, واكتب قائمة بذلك0
السـؤال الثالث:هل هناك أي شيء أستطيع أن أقوم به على الفور؟
إذا كان الجواب(لا)فاشتغل بالتخطيط لما تستطيع أن تقوم به,وحدد وقتاً لذاك0
وإذا كان الجواب(نعم)فابدأ لتجد المقلقات تتساقط من حولك0وقد قالوا:(عقل الكسلان بيت الشيطان)0فالمقلقات تسيطر على الفارغين الذين لا يجدون ما يشتغلون به؛ولذا فإن ملء الوقت وشغل النفس بالأشياء المفيدة,هو صمام الأمان الذي يحول دون تمادي القلق في إزعاجه0
-إذا ما حاصرتنا الهموم,ولم نجد منها مفراً,فالحكمة آنذاك ألا نتجاهلها وندافعها إلى ما لا نهاية,وغنما أن نعطيها جزءاً من وقتنا للتفكير فيها,كأن نخصص لها ساعة يومياً,وحين تأتي المقلقات في غير تلك الساعة,فينبغي أن نعمل على تأجيلها0وحين يحين وقت الانشغال بها,فلنحاول أن نصور كل مصدر قلق على أنه مشكلة منفردة,تستدعي حلاً معيناً . وبذلك نكون قد ضربنا سوراً حول القلق, فلا يطرق في كل الأوقات,كما نكون قد حولناه من هواجس مزعجة إلى شيء محدد,يمكن التعامل معه0
كل ذلك يحتاج من الواحد منا ألاَّ يعطي الدنيا ومشكلاتها أكثر مما نستحق,وأن يعمر قلبه بذكر الله-تعالى-ويثق بعونه ولطفه,كما يحتاج إلى إرادة صلبة حتى يقاوم هذا المرض .

? تخلـَّــــــــصْ من الاكتئـاب:
الاكتئاب:حالة من الحزن الشديد المستمر(1)[(1)يقول شاعر مكتئب:
وفوقي سحاب بمطر الهم والأسى وتحتي بحار بالأسى تتدفق
ويقول آخر:
فثوبي مثل شَعري مثل حظي سوادٌ في سَوادٍ في ســـواد]
تنتج عن الظروف المحزنة الأليمة,وتعبر عن شيء مفقود,وإن كان المريض لا يعي-في كل الحالات-المصدر الحقيقي لأحزانه0
وربما كان الدافع الخفي لحدوث الاكتئاب,هو تهدئة القلق,ومنع حدوثه,أو إخفاء العدوان,أو القصاص التكفيري من النفس,أو استجداء عطف الآخرين ورعايتهم000
وأهم أنواع الاكتئاب,هما:الاكتئاب العصابي والاكتئاب الذهاني0ولا نريد الخوض في تفصيـل مثل هذا0
إنّ أخطار الاكتئاب على الصحة النفسية للإنسان,وعلى كفاءة أدائه,أكبر مما يظن الكثيرون,حيث يصاحبه جمود انفعالي,يصعب معه التعاطف الشعوري والابتسام الموضوعي,كما أنه في حالاته الشديدة يضعف صلة المبتلى به بالواقع الخارجي,كما أنه يؤدي إلى احتقار الإنسان لذاته,إلى جانب أنه يؤدي إلى هبوط النشاط النفسي
والحركي والوظائف العقلية,وقد يدعو صاحبه إلى الانتـــــــــــحار0
كيــــــــــف نتحامى الاكتـئاب؟؟0
الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب,ليست واضحة تماماً,فربما عادت الإصابة به إلى تذبذب في كيمياء المخ,أو إلى بُعد الهوة بين الإنجازات والطموحات,أو إلى حالات متكررة من الإخفاق,أو بسبب المقارنة مع الآخرين,أو بسبب الحرص على درجة عالية من(المثالية)لا يتمكن صاحبها من بلوغها000ومع هذا فإن الاكتئاب شائع جداً,
ودرجاته المنخفضة مخبورة لمعظم الناس0وأكثر الناس لا يعيرونه الاهتمام المطلوب, وهذا ليس خطأ عندما يكون الاكتئاب في درجة متدنية؛ولذا فإن ما سنذكره هنا من أساليب ووسائل لحماية النفس من الاكتئاب كثيرة جداً,ولها علاقة بجوانب عديدة من حياتنا0وسنقتصر على بعضها خوف الإطالة:
-سيكون المكتئب محظوظاً إذا استطاع ان يحدد المصادر والعوامل التي أدت إلى اكتئابه؛لأن ذلك سيساعد على معالجتها والتعامل معها0وقد يكون من العسير على الواحد منا وهو في وسط المعمعة أن يحدد مصادر مشكلته,فينبغي ألا يتردد في استشارة طبيب أو صديق يثق في صداقته وخبرته0ومن المؤسف أنَّ حالات الاكتئاب الشديد تبدد الصداقات,وتشتت الأصدقاء000وقليل أولئك الذين يقفون إلى جانب المكتئب في محنته حتى النهاية,مع أنه بحاجة ماسة إلى دعم اجتماعي قوي وغير مشروط,حتى يتخلص من التمحور حول ذاته, وحتى يهتدي إلى المخارج التي يتمكن بها من مغادرة النفق المظلم الذي وجد نفسه فيه0
-يحوَّل الاكتئاب صاحبه إلى إنسان كسول مسلوب الإرادة والقدرة,ولذا فمن المهم أن يغمس نفسه في أنشطة يومية بسيطة مثل تلاوة جزء من القرآن أو كتابة رسالة بسيطة,أو إجراء اتصال هاتفي,أو الإتيان بالأطفال من المدرسة,أو اللقاء مع بعض الإخوان والأصدقاء000إنّ هذه الأنشطة وما شاكلها تجعل المكتئب يشعر أنه أفات-ولو جزئياً- من قبضة الاكتئاب الذي عطل الكثير من أعماله اليومية المعتادة0
-المكتئب يرى أخطاءه مضخَّمة ومكبَّرة,ويقوَّم إنجازاته تقويماً سلبياً,مما يجعله مغموراً بأمواج الأفكار السلبية السوداء عن ماضيه وحاضره ومستقبله,وبالتالي عن ذاته وإمكاناته وهذا يفرض على المصاب بالاكتئاب أن يقطع حواره الداخلي وأن يوفر لنفسه قدراً من الراحة العقلية0وأسهل الطرق وأسرعها إلى تحقيق ذلك هو(التناسي وعدم التفكير)وعليه أن يشغل تفكيره عوضاً عن ذلك بقراءة شيء أو تأمل شيء0المكتئب يفقد ثقته في نفسه,ولذا فإن من المفيد له أن يفكر بما يملك من إيجابيات ونجاحات وقدرات؛ليتخذ من ذلك رأس جسر على طريق استعادته لحالته المزاجية الطبيعيةوالسرية0
-إن الاكتئاب مثل سوس الأسنان يصطفي المواقع الصالحة لعمله؛وحتى يحمي الإنسان نفسه من الاكتئاب,فإن عليه أن يكون في الوضعية الصحيحة قبل كل شيء:الوضعية التي يكون فيها في أحسن أحواله,وذلك عن طريق أمور عدة, مثل: إعطاء الجسم حقه من الغذاء والنوم والرياضة,حيث إن التداخل بين أحوال النفس والجسد معقد0كما أن عليه أن يكون واضحاً في مبادئه وقيمه وأفكاره وأهدافه,فالاكتئاب يتغذى على الغموض؛والوضوح هو عدوه الأول . كما أن من المفيد في هذا الإطار ألا يحرم المرء نفسه من حقها من بعض المباهج المباحة,فالرتابة والضغوط الحياتية الشديدة,والجدية الزائدة عن الحد,كل أولئك يؤهل الإنسان للإصابة بالاكتئاب0
الاكتئاب كثيراً ما يصيب أولئك الأشخاص الذين وضعوا كل بيضهم في سلة واحدة حين وضعوا كل إمكاناتهم وآمالهم في نجاح عمل,أو نيل شيء,فإذا لم ينالوه شعروا بأن كل شيء قد انتهى,ولم يعد ثمة مجال لعمل أي شيء0
العزلة والانطواء وقلة الأصدقاء,مرشحات قوية للإصابة بالاكتئاب,وسيكون من المهم للإنسان أن يظل منفتحاً ومستعداً لإقامة علاقات اجتماعية ناجحة,ومستعداً لرعايتها والمحافظة عليها,حتى يتلقى منها في النهاية ما يحتاج إليه من دعم ولا سيما في وقت الأزمــــــــــــــات0
?الثـقة بالنفـس واحترامهـــــــــا:
مطالبة المسلم بأن يزكي نفسه,ويطهرها,ويراقبها؛لا تعني أن يهينها,وأن يحتقرها,وأن يبخسها حقها,بل إن هناك من النصوص ما ينهي عن ذلك,فليس للمسلم أن يذل نفسه وذلك بأن يكلَّفها ما لا تطيق,أو يعرضها للوقوع في المهالك . وهو إلى جانب ذلك مأمور بأن يثق بعون الله-تعالى-له,كما أنه مطالب بألا يتهم نفسه بأمور هي منها بريئة,وأن يعرف قدر نفسه من خلال ذكر إنجازاته,واكتشاف الإمكانات الكامنة فيه0إنّ الله-جل وعلا-جعل باب التوبة مفتوحاً أمام العبد مدى الحياة حتى لا يكوَّن فكرة نهائية عن نفسه,وحتى يظل قادراً على تجديد الثقة بها وبإمكانية إصلاحها0
كثير من الناس يفقد بنفسه واحترامه لها بسبب الإخفاقات المتكررة التي واجهها,أو بسبب أخطاء مرحلة الصبا0وبعضهم يكون كذلك بسبب مقارنته لنفسه بأشخاص,يعتقد أنهم أفضل منه بكثير,وأن لا أمل باللحاق بهم0وبعضهم يكون كذلك بسبب ضخامة طموحاته,حيث يشعر دائماً بالانحسار والانكسار0والحقيقة أن الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة كثيرة ومتشابكة,وبعضها يستعصي على التحديد0
كيــــــــف نبني الثقة بأنفسنا؟
احترام النفس نتيجة مباشرة للثقة بها,كما أن ازدراءها نتيجة مباشرة للشعور بنقصها .
وحين نعتقد أن كل الأحوال والأوضاع السيئة,تظل قابلة لدرجة من الإصلاح والتحسين فإننا في الغالب سنجد الأسلوب الذي نصلحها به0والمشكل دائماً يكمن في ضعف الاهتمام بالمشكلات,وفي ظن ماهو في طور(الصيرورة) متحجراً ومنتهيناً .

الطرق والوسائل التي تعزز ثقة الإنسان بنفسه كثيرة,نذكر منها ما يلي:
-سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنّ الثقة بالنفس شيء محدد وموحد,وعلينا فقط أن نمد أيدينا لنتناوله0إنّ الثقة بالنفس شيء متأرجح,فبعض الإخفاق,يخفض درجته,كما أن بعض النجاح يزيد فيه0وثقة الناس بأنفسهم درجات عدة0وليست زيادة الثقة بالنفس على نحو مبالغ فيه بالشيء الحميد؛فقد تدفع الثقة الزائدة بالنفس إلى بعض العمال الطائشة والمتهورة,وبذلك فإنها تكون أول خطوة على طريق الإحباط,والتقدير المنخفض للذات؛ولذا فإن العقلاء يتركون في أنفسهم مساحة ما من الشك في قدراتهم,وتلك المساحة هي التي تولد لديهم الحرص على التطور,كما تولد لديهم درجة من الحذر تجاه المغامرة والتسرع في تناول الأمور0
ومع هذا فكثير من التقاليد الثقافية يدفع الناس إلى أن يظهروا واثقين بأنفسهم أكثر مما هم عليه في واقع الحال؛وهذا بسبب أزمة لأولئك الذين يحرصون دائماً على أن يقيَّموا أنفسهم دائماً من خلال المقارنة مع الآخرين,ولأولئك الذين يعتقدون أنهم غير محظوظين في هذا الباب0
-الممارسة عامل مهم في اكتساب الثقة في النفس,فالإنسان يولد مزوداً بالحذر من كل شيء,والخوف من التعامل معه0والمعلومات التي نستفيدها عن المحيط والأشياء,تقلل من ذلك الخوف,لكنها لا تخلصنا منه0الممارسة وحدها هي التي تبخر ذلك الخوف, الذي يحد من ثقتنا بأنفسنا,وهي وحدها التي تقضي على الأوهام التي ننسجها حول الأشياء. الخريج الجامعي,يتهيب التدريس,ويشك في مقدرته على القيام به على نحو جيد,وكلما انغمس في إعطاء الدروس اكتسب المزيد من الثقة بنفسه0وسوف تزيد ثقته بنفسه أكثر عندما يلقي درساً ناجحاً أمام(الموجَّه)أو عندما يلقي درساً نموذجياً أمام زملائه,أو حين يدرَّس طلاب الصف الثالث الثانوي000
-بعض الناس,لا يفكر في بناء ثقته بنفسه إلا عندما يكون في حالة تدهور أو انزعاج أو عندما يواجه مشكلة أو أزمة,مع أن الصواب أن نخطط لهذا الأمر ونحن في حالة انشراح وارتياح0إنّ علينا أن ندرك أن الكثير من الثقة بالنفس, لا يأتي عن طريق التخطيط,ولا يولد ولادة صناعية,وإنما هو ثمرة النجاح في الحياة ومظهر من مظاهر التوازن النفسي0
-الشعور بالثقة شعور خاص,لكن له بُعد اجتماعي,ففي أوقات الأزمات-خاصة-يتأثر المرء بآراء الآخرين ومواقفهم تأثراً بالغاً(1)0[(1)يمكن الفرار ضابط من المعركة أن يشكل كارثة لجيشه بما يشيعه من الخوف والخذلان ولذا كان(الفرار من الزحف)كبيرة من الكبائر,يمكن أن تصل عقوبته شرعاً إلى الإعدام0]
وهذا يفرض على كل واحد منا أن يتصرف في أوقات الطوارئ كما يتصرف الواثقون بأنفسهم,وإن لم يكن كذلك,وأن يجعل من نفسه مصدراً لإشعاع الثقة في محيطه,فالناس يثقون بالمرء على مقدار ما يثق بنفسه,ويرون الأشياء على النحو الذي يراها عليه الواثقون0
-الإنسان-مهما بلغ-يظل ضعيفاً,ووقوعه في الأخطاء,يظل هو الأصل في مسيرته,لو حاول الإنسان أن يرتكب نوعاً غير مسبوق من الحماقة أو الخطأ, فالغالب أنه لن يصل إلى ما يريد؛ولذا فإن الله-جل وعلا-فتح باب التوبة على مصراعيه ليدخله المخلصون والصادقون والمفرطون والمقصرون الذين أفاقوا من غفلتهم,وأحبوا أن يبدؤوا بداية جديدة كي يتخلصوا من وخز الماضي وعقابيله0
سيظل المهم بالنسبة إلى كل واحد منا هو تقليل نسبة الوقوع في الخطأ,والتعلم منه,
وهذا لن يتم إلا من خلال العزيمة والفهم العميق للأسباب والظروف التي أحاطت بالخطأ0بعض الناس يكبلهم الماضي,ويحطم ثقتهم بأنفسهم,حيث تتشوه صورة أنفسهم في أعينهم,وييئسون من التقدم والصلاح بدل أن ينظروا إلى الأخطاء على أنها مصدر للمعلومات,ومصدر للوعي والتجربة,فيستفيدوا منها .
-كثيرون أولئك الذين يعانون من مشكلة في الشكل أو البنية الجسدية أو العمل ..
وكثير ممن هم كذلك,يقوم ببعض التصرفات التي يظن أنها تستر مشكلته عن عيون الناس على نحو ما يفعل بعض المفلسين من رجال الأعمال حين يتحدثون عن الجهود الجبارة التي بذلوها لاجتناب الإفلاس0وكما يفعل قبيح الشكل حين يلبس بعض الملابس التي لا تليق بمن هم في سنه أو مكانته .. وسائل كثيرة,تستهدف القضاء على الإحساس بالنقص,لكنها في الحقيقة قلما تفلح في ذلك,بل كثيراً ما تؤرق صاحبها وتقلقه,حيث يخشى أن يكتشف الناس حقيقة أمره0ولو أن الواحد منا انصرف عن التفكير في مشكلته,وتجاهلها لكان أجدى له,وأعون على كسب احترامه لنفسه,واحترام الآخرين أيضاً0
-إذا تمكن الإنسان من معرفة الأسباب التي تجعل ثقته بنفسه ضئيلة,فإن عليه أن يتأمل فيما يمكن أن يفعله لمعالجتها,فالذي يشكو من ضعف قدرته على بناء علاقات اجتماعية جيدة,يستطيع أن يقرأ كتاباً أو أكثر عن معاملة الناس وكسب الأصدقاء,وتفهم أصول العلاقات العامة0والذي يرى أن العجلة-مثلاً-هي سبب إخفاقاته المتكررة,يمكنه أن يتعلم كيف يخطط حياته,وكيف يحد من اندفاعه بمحاسبة نفسه واستشارة غيره .
هكذا فأفضل علاج هو ذاك الذي يسدّ منافذ المرض,ومداخل الشكوى,وكلما استطاع الإنسان أن يضيّق تلك المنافذ شعر بالمزيد من الثقة بالنفس,وبالمزيد من التقدير لها0
-التعويض والإحلال أسلوب آخر يمكن اتباعه في معالجة أسباب الشعور بالنقص وضعف الثقة0فإذا كانت المشكلة المتسببة في الاستخفاف بالذات غير قابلة للمعالجة,فإن بإمكان المرء أن يبحث عن شيء يخفف من آثار تلك المشكلة ويوفر في الوقت نفسه فرصة للثقة بالذات؛فإذا كان المرء يعاني من قماءة شديدة-مثلاً-فإن بإمكانه أن يتجاوزها,ويرتاد الآفاق الذهنية والفكرية,فنحن نقدر أهل العلم والفكر تقديراً عالياً,ولا يخطر في بالنا تقويمهم من خلال أشكالهم وألوانهم0
وإذا كان المرء يشعر بانخفاض درجة ذكائه,فإنه يستطيع التعويض عن ذلك بتكثيف القراءة وتحسين الفهم0ويستطيع من يشكو الفقر,وضعف الإمكانات المادية أن يحسَّن مستواه في الإدارة,فيدير وقته وإمكاناته المحدودة على نحو كفء,كما يستطيع أن يتعلم مهنة رائجة,أو القيام بعمل إضافي,يحسَّن من خلاله مستواه المادي وهكذا000
إنه ما يغلق باب حتى يفتح باب آخر,لكن قصورنا التربوي والثقافي يجعلنا نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح,وبذلك نضيع فرصاً كثيرة,ونخسر قضايا عديدة0
-لا يحب الناس السماع إلى قصص الإخفاق وسوء الحظ,كما لا يحبون أن يروا على المرء أمارات الفقر وعدم الاهتمام؛ولذا فمن المهم للمرء ألا يدمن الشكوى إلى الناس,
فيقابلوه بما يؤكد له أنه ضعيف,ويستحق الإشفاق والمساعدة0كما أن من المهم كذلك ألا يظهر المرء بمظهر ينمّ عن الفوضى السلوكية,أو الفقر المدقع ... فذاك يخفض ثقته بنفسه,وثقة الناس فيه,وكلا الأمرين ضار بتوازن الشخصية0
المطلوب أن نبحث عن الأشخاص الذي يساعدوننا على الثقة بأنفسنا,وكم من زوجة غيَّرت مسار حياة زوجها بسبب دعمها وتشجيعها له,وكم من صديق دفع صديقه إلى أعلى مراتب النجاح بسبب ثقة به,ودلالته على مكامن النجاح!0
-إن اليأس أحد الأعداء المهمَّين لاحترام الذات,فاليائس إنسان أعلن الاستسلام وألقى أسلحته,حيث اعتقد أن كل دفاعاته,قد انهارت,ولم يبقَ أمامه سوى انتظار النتائج المأساوية التـي تقترب منه!0
إن المؤمن لا ييئس أبداً,وكيف يصاب بانقطاع الرجاء,وهو عبد لربَّ كريم معين رحيم,
لا يزداد على السؤال إلا كرماً وجوداً؟إن عظماء الرجال,ليسوا أولئك الذين يستسلمون لمل أعدّوه من مقدمات وأسباب للفوز,وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم العظمى من(الغيب(عبر ثقتهم بعون الله وتوفيقه وتذليله الصعاب لعباده المؤمنين0
إن المسلم لا يستسلم؛لأنه حين تنقطع به الأسباب,يتصل بمسبب الأسباب-سبحانه- وبذلك يظل يأمل في زوال الغُمة وتحسُّن الأحوال0
إن الإنسان ليس ضئيلاً,لكنه كسول إلى حد بعيد,وإن علينا أن نثق أن ما هو كائن لدينا أعظم بكثير مما هو ظاهر,وما هو معطَّل أكبر مما هو مستغل؛ولذا فإن هناك مساحات شاسعة لتجاوز كل الصعاب وتحقيق أسمى المطالب والرغاب0

?الإدارة الصلبـــــــــــــة:
كل إنسان يملك درجة من الإدارة,كما يملك قدراً من القدرة0ومن مجموع الإدارة والقدرة يتكون العمل0الإدارة والقدرة تتفاوتان بين شخص وآخر,لكن مشكلة معظم الناس,ليست في ضآلة إمكاناتهم وطاقاتهم,وإنما في افتقارهم إلى القدر المطلوب من الإدارة والعزيمة والتصميم0خالد وسعيد,كل منهما يملك القدرة على قراءة شيء نافع ساعةً كلَّ يوم,لكن الذي يفعل ذلك هو سعيد؛أما خالد فيؤثر الاستلقاء,أو مسامرة الأصدقاء!0إنا مما يؤسف له أن تزداد قدرات الناس اليوم على نحو مدهش بسبب معاونة المنتجات التقنية المختلفة,في الوقت الذي ترتفع فيه نِسَب أولئك الذين يُذعنون لرغباتهم وأهوائهم! وهذه الوضعية ناشئة في تصوري من ثلاثة أمور هــــــــي:
أ-تراجع مستوى التَّدَيُّن الحق لدى كثير من الناس,أضعف إرادتهم حيث قلّ الحافز على أعمال الخير,وقلّ الرادع عن الجري خلف المتع والشهوات,كما أن النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى الآخرة قد تغيرت-في البنية العميقة لثقافتنا-لدى كثير من المسلمين0
ب-كثرة الأشياء المحيطة بالإنسان,أوجدت متطلبات وضغوطاً جديدة عليه؛مما قيد إرادته,وقنن حركتــــــــــــــه0
ج-أسهم كثير من الفلاسفة وعلماء النفس إسهاماً سلبياً في هذه القضية,حين أعطوا لبعض العوامل ثقلاً نوعياً في السيطرة على التصرفات,فقد كان (نيتشه) وكذلك(شوبنهور)
ينكران حرية الإدارة0ومدرسة(التحليل النفسي)تقول إن الشهوة الجنسية (اللبيدو) هي العامل المسيطر على تصرفاتنا-ومدرسة السلوكيين تنفي وجود شيء يسمى الإدارة أو الوعي؛وكل شيء عندهم يفسَّر في ضوء الإثارة والاستجابة0ونتيجة للثقافة النفسية والسلوكية السائدة,صار كثيرون يعتقدون أن للإنسان إذا بلغ سن النضج صعب عليه بعد ذلك أن يغير شيئا من عاداته وأخلاقه!0


تربيـــــــــة الإدارة الصُّلبـــــــــــــة:-0
للمجتمع الدور الأساسي في تربية الإدارة,حيث إنه يرسي بعض الأعراف والتقاليد والنظم التي توضح الحد الأدنى المقبول من الانضباط والجدية والمثابرة0وكلما رقى المجتمع في سلَّم الحضارة,تعقدت مصالح الناس ومطالبهم الحياتية,وباصطحاب ذلك تتعقد أيضاً معايير الأداء والانضباط؛وذلك كله يضع الإنسان في ظروف تتطلب منه المزيد من التحكم في رغباته والمزيد من العمل والعطاء0
لكن إذا لم تكن المسيرة الحضارية للمجتمع مهتدية بالهدي الرباني ومنضبطة بمناهيه,
فإن الفرد لا يتلقى آنذاك ما يصلَّب إرادته على نحو صحيح ومتكامل0وهذه الصورة نشاهدها في المجتمعات الصناعية عامة والغربية منها خاصة,حيث الجدية والإدارة الحديدية في مجال العمل والإنتاج,وحيث الاستسلام غير المحدود للرغبات والشهوات في كل ما يسمى(مسائل شخصية)0
مشكلة كثير من الشباب المسلم أنه يعيش في زمان صعب,يتطلب منهم درجة عالية من الإرادة والفاعلية والانضباط وتجويد الأداء,لكن مجتمعاتهم الإسلامية, لا تساعدهم على ذلك؛فأوضاعها العامة,لا تحفز أبناءها على الوصول إلى الرقي المطلوب,بل كثيراً ما تخذلهم,وتضع العقبات في طريقهم0وهذا يجعل كل واحد منا مطالباً بان يستمد من الله –تعالى-المعونة كي يستطيع النهوض بذاته دون انتظار المساعدة من الوسط الذي يعيش فيه0وإليك بعض ما يمكن أن يشكّل أفكاراً وأساليب وأدوات في تربية الإدارة,وذلك من خلال الآتــــــي :-
-بعض الناس يعترض على عمليات تربية الإدارة بحجة أنها تحرمنا من التعبير الفطري والطبيعي عن أنفسنا,وذلك يفصلنا عن أعماق مشاعرنا,وتكويننا الداخلي , كما أنهم يرون أن الكبت والقمع للنفس,قد يُلحق أضراراً بالغة بالتوازن العميق للشخصية0
والحقيقة أن تربية الإدارة إلى نوع من البرمجة المحكمة للرغبة والسلوك,فإن شيئاً من ذلك المحذور,قد يقع,لكن حين تستهدف تقوية الإدارة وضعَ النفس في السياق الحياتي الصحيح-من غير عسف-فإن الوضع يكون مختلفاً؛لأن الارتكاسات التي تنشأ عن الفوضى الوجدانية والسلوكية ذات ضرر هائل على المرء؛وعلى سبيل المثال , فإن إدمان المخدرات,والانسياق خلف اللذة الجنسية,وعدم الانضباط في أداء الأعمال المهمة00تؤدي إلى تدمير الكيان الشخصي والاجتماعي للإنسان0ثم إن عون الله-جل وعلا-للمرء في تجاوز الصعاب,وإكرامه له بالهداية كثيراً ما يتوقف على مجاهدة النفس,وحملها على بعض ما تكره. يقولالله-جل وعلا-:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت:69] 0 وقال{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} [السجدة:24]0
-قسم كبير من النجاح في حياة الناس,نابع من امتلاكهم إدارة الاستمرار في أعمالهم,وإدارة مقاومة الصوارف والمشاغل التي تعترض سبيلهم0وعند التدقيق في تفاصيل حياتنا العامة نجد أنه ليس لدينا سوى نسبة قليلة من الناس القادرين على استخدام إدارتهم في متابعة منهج عملي إلى منتهاه0إذ كثيراً ما يطرأ في برنامجنا اليومي ما يحوَّلنا عن وجهتنا التي كنا قد عقدنا العزم على متابعة السير فيها0 ونحن جميعاً نملك براعة نادرة في التماس الأعذار التي تسوغ ذلك التحول0وهذه القضية المهمة جدا هي التي تجعلنا نرى أشخاصاً كثراً ذوي مواهب وكفاءات عالية,لا يحققون سوى القليل من النجاح والتقدم . وهي نفسها تجعلنا نرى كثيرين من ذوي القدرات المتوسطة يرأسون أعمالاً ناجحة,ويحققون إنجازات مهمة0
ً-ليس الاستمرار فيما ينبغي أن نستمر فيه هو التحدي الوحيد الذي يواجه إدارتنا فهناك تحد آخر,وربما كان أكبر,وهو أن ننفذ الأعمال التي نرى أنها تستحق أن تُنفَّذ أولاً؛فنحن مع الأسف ميالون دائماً إلى القيام بالأعمال السهلة, وإن تكُ غير مهمة, وتأخير الأشياء الصعبة,وإن تكن حيوية وخطيرة0
تحدث أحد رجال الأعمال الناجحين إلى عدد من زملائه يوماً قائلاً:إن في وسعهم أن يضاعفوا أرباحهم إذا فعلوا الأشياء التي يعرفون مقدماً أنه ينبغي أن يفعلوها0ولم يهز هذا التصريح الخطير شعرة في جسد المستمعين,مع أن هذه الفكرة تمثل إحدى القواعد الأساسية في تحقيق النجاح!0
علينا أن ندرك عن طريق الخيال الوعي تلك الأشياء التي تستحق أن تكون في طليعة اهتماماتنا,وطليعة إنجازاتنا,وعلينا بعد ذلك أن نتخذ من القيام بوضعها موضع التنفيذ ميداناً لاختبار قوة إرادتنا,وميداناً لاكتساب تلك القوة0وإن ثمار أي تقدم ثابت في هذا الصعيد,ستكون مثيرة أكثر مما نتوقع0
-في تربية الإدارة لابد من التدرج,فالالتزام بأعمال كبيرة مغرٍ لكثير من الناس, لكن كثيراً ما يخفق الإنسان في الوفاء به؛لذا ف‘ن تدريب الإدارة ينبغي أن يبدأ بإلزام النفس بالقيام بأعمال بسيطة وهنية0لنحاول أن نضيف إلى أنشطتنا اليومية والأسبوعية والشهرية نشاطاً صغيراً0وهذه في الحقيقة أفضل طريقة لتكوين عادات جديدة0إذا استطاع المرء الالتزام بما أضافه إلى نشاطه,فإنه يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق0
-كثيراً ما تتجلى قوة الإدارة في طول نَفَس الإنسان على المتابعة,ومن ثم فإنه يمكن تدريب النفس على المثابرة على بعض الأعمال التي نتضايق عادة من الاستمرار فيها,وسيكون من الجميل أن يعوَّد المرء نفسه صلاة ركعتين طويلتين, يقرأ فيهما نصف جزء من القرآن مع الحرص على الخشوع0وكذلك قراءة جزء من القرآن دون التفات أو انقطاع0بل يمكن للمرء أن يقوم ببعض الأعمال التي لا تعني شيئاً بغية تقوية إدارته,
وذلك كأن يقف على كرسي وذراعاه متشابكتان فوق صدره لمدة عشر دقائق . أو أن يحضر مئة عود ثقاب,أو مئة قصاصة ورق,ثم يعمد إلى وضعها في صندوق بتؤدة وأناة0
-من المجالات المهمة لتربية الإدارة حرمان النفس من شيء مما اعتادته,مما هو كمالي,ولا ضرر في الإقلال منه,كالامتناع عن نوع من الشراب,أو الحلوى المفضَّلة0
عادات الاستيقاظ من النوم مجال مهم لهذا,فكثير من الناس يستمتعون بالاستيقاظ المتدرج الذي قد يستمر أكثر من ساعة!وسيكون من الحميد أن يقصر الإنسان نفسه على الاستيقاظ السريع فور النداء عليه,أو سماع جرس المنبه؛ فذلك يجعل المرء يشعر بقوة الإدارة,كما أن الاتجاه الذهني عند الاستيقاظ كثيراً ما ينعكس على عمل اليوم كله0
العادة هي:كل عمل يتكرر من غير تدخل من جانب الإدارة,وأكثر عاداتنا-الحميد منها والمذموم-يُكتسب عن طريق التربية0والتخلي عما ينبغي أن نتخلى عنه منها,لا بد أن يتم عن طريق تدخل الإدارة0لنحاول دائماً أن نضفي على عاداتنا نكهة الإدارة الواعية,حتى لا نقع في فخ الرتابة التي هي عدو ى لدود للإرادة الحرة,وحتى نشعر بالتمكن من تسير حياتنا فيما هو خير0وقد قال الفقهاء:إن النيّة الحسنة تحوَّل المباحات إلى عبادات0
وسيكون من المهم أن نحاول إحلال عادة حسنة في موضع عادة قبيحة؛ فالمطلوب من الذي تعوّد الجأر بالشكوى من سوء الأحوال ليس أن يكف عن ذلك,ويصمت,بل أن يتعود التحدث بنعم الله-جل وعلا-والثناء عليه,وتذكر الأشياء الجميلة الموجودة في حياته0والذي تعوّد كثرة النوم,لا يطلب منه الإقلال منه فحسب,بل عليه أن يتعود استخدام ما يفيض من الوقت في عمل نافع بعد أن تخلص من النوم الذي لا حاجة له وهـــــــــــكـــــــــــذا000
-الابتكار والإبداع,من أهم سمات الإدارة القوية؛ولذا فإن تدريب الإنسان نفسه على إبداع بعض الأشياء,هو في الحقيقة تدريب على تقوية الإرادة . القدرة على الابتكار, هي القدرة على إيجاد شيء من لا شيء,أو هي إيجاد شيء رائع من شيء أو أشياء تافهة؛فهل يشك أحد أن في اللوحة الرائعة شيئاً هو أكثر من القرطاس والألوان والإطار؟
الميل إلى الإبداع يولد مع أكثر الناس بدرجات متفاوتة,ولكنه يظل دفيناً نتيجةً للإحساس بالنقص,أو ضآلة الثقافة,أو عجز التربية والبيئة المحيطة000لا ينبغي أن يُظن أن الإبداع هو ناتج آلي للموهبة,فالشواهد الملموسة تؤكد أن المثابرة وحسن إدارة الإمكانات المحدودة أعظم أثراً في إيجاد الأشياء المبتكرة من الومضات الذهنية أو الإمكانات العقلية الفائقة(1)[(1)يقول أحد المفكرين:إن الذكاء لا ينفع الذين لا يملكون سواه شيئاً0]0ليحاول كل منا أن يعتق نفسه من ربقة التقليد,وأن يشق لنفسه طريقاً في الحياة,يضفي عليه التميز, وليحاول أن يعمل عملاً فذاً يضع عليه لمساته الخاصة,ويصب فيه ما ينفرد به من رؤى ونماذج وإمكانات ومواهب000وبمجرد العزم على فعل ذلك تكون قد بدأنا مرحلة انتصار الإرادة .
-ليحاول من يريد تقوية إرادته أن يتخذ من بعض الشخصيات الناجحة والمتفوقة مثلاً أعلى ؛فمعظم الناجحين,يملكون قوة الإصرار على المضي مهما كانت الصعاب0وقراءة سِيَرهم أو الاتصال بهم,ومعرفة أخلاقهم وعاداتهم ... كل ذلك يجعل المرء يقلدهم,
ويقتدي بهم؛وإذا ما عثر على بغيته فإن سِيَرهم ستشكل له البيئة الجديدة والمساندة في دعم إرادته وتقويتها0وتاريخنا الإسلامي غني جداً بالرجال الأفذاذ الذين صنعوا العجائب في أسوأ الظروف,وحسبك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وبسِيَر أصحابه الكرام,ففيها ما يكفي ويغني,ويفيض0
?حســــــــــم الصراع الداخـلي:-
لكل منا طاقاته وإمكاناته,إلى جانب التزامه وواجباته,بالإضافة إلى أهدافه وطموحاته ومصالحه000وكثيراً ما يجري صراع شديد داخل نفوسنا حول أجزاء هذه الشبكة النفسية المعقدة,صراع متعدد الوجود,متفاوت الأشكال والوتائر0الصراع الداخلي مزعج للغاية,حيث تتشتت بصاحبة السبل,وتغشى أهدافه عتمة التردد,كما يضطرب سلوكه ومواقفه0ويفوَّت الصراع كثيراً من الفرص,إذ إنه أكبر عائق في وجه اتخاذ القرارات المهمة0من الضروري للمرء أن يتعلم حسم الصراع الذي يدور في نفسه,وبما أنّ الصراع يتجدد مع تجدد المواقف الحياتية المختلفة,فإنّ من المهم أن يكون للإنسان أصوله وأساليبه ومعاييره الخاصة في ذلك0وأتصور أن مما يفيد في تحديد ذلك مـا يلـي:-
-في داخل كل منّا شخصيات عدة,وعليه مسؤوليات متنوعة,ولا بد عند حسم الصراع من إعطاء كل جانب حقه من الوقت والاهتمام والجهد0ولدى الإنسان قابلية شديدة للانحياز,مما يستوجب الانتباه والحذر0إنّ الله-جل وعلا-حقوقاً يومية,لا بد من أدائها0ولثقافة الإنسان وجسده ووظيفته وأهله وإخوانه ... حقوق لا بد أيضاً من القيام بها0والخلل الذي يحدث في مراعاة هذه الحقوق لا يظهر أثره على المدى القصير,لكن إذا استمر مدة طويلة,فإن عواقبه تكون وخيمة0قد تبدو بعض الأمور المهمة في بعض الأحيان؛مما يستوجب أن نوجه إليها عناية أشد؛وهذا طبيعي,لكن في الأوضاع العادية والعامة يجب أن يحسم الصراع دائماً لصالح التوازن والاعتدال0
-عندما نريد حسم الصراع داخل نفوسنا حول مشروع أو عمل أو موقف أو اختبار شيء ما,فإن من المهم أن نحسمه لصالح المبدأ,وليس المصلحة,والحساب الآجل,وليس العاجل,والدائم وليس المـؤقت0
وإذا تشاجر في فـؤادك مـرةً أمران فاعمد للأعـــــــف الأجملِ
وحسم الصراع على غير هذا النحو,لا يعد حسماً,بمقدار ماهو بداية لمشكلات وتوترات جديدة0والمسلم مستقبليّّ الرؤية والحسّ والهمّ والمنهج,ولابد أن ينحاز في النهاية إلى ما ينسجم مع ذلك0
0من المفيد للمرء أن يجمع المعلومات المتعلقة بالمسألة موضع النزاع قبل اتخاذ أي قرار .
كما أن من المهم استقصاء وجهات النظر المتعلقة بها,والاستفادة من نصح ذوي الحكمة والتجربة؛ولكن عند الأخذ برأي واحد منهم,فينبغي أن يتم ذلك وفق ما يستشعره المرء في نفسه:(استفت قلبك وإن أفناك المفتون) .
وسيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا بعيداً عن بصيرتنا الداخلية بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم أو خبراتهم,أو أي سبب آخر0
-لابد لحسم أي صراع إذا ما أريد له أن يفلح من أن يتم في ضوء الإمكانات المتاحة؛إذ إن هناك مَن يشعر بوطأة الحيرة والتردد,فيحاول الخلاص,واتخاذ قرار أي قرار مهما تكن الظروف والأحوال0وحين تسير الأمور على هذا النحو, فإن إنهاء الصراع يكون كحال من يداوي عيناً بقلعها !0
نحن نتحرك دائماً في أجواء مزدحمة,وذات مطالب متناقضة؛وإذا فلا بد من التريث عند اتخاذ أي قرار,ولا بد من حساب تكاليفه وتبعاته؛حتى لا نخرج من أزمة إلى أزمة ومن حيرة إلى أخرى0وفي الختام أود أقول:إن وجود الصراع شيء طبيعي,ودليل حيوية المرء,ورهافة أحساسة,ما دام ذلك الصراع تحت السيطرة,وما دمنا نعرف كيف نديره إن لم نعرف كيف نحسم أمره0
?كـــــــــــافئ نفسك:
العيش في الزمان الصعب,يتطلب أن نحسَّن كلّ شيء في حياتنا,وهذا القدر الهائل المطلوب من التحسين,لا يمكن أن يتم دون مضاعفة الجهود,ودون المزيد من التنظيم وتأجيل الرغبات000وهذا كله يعني زيادة أعبائنا النفسية0
مهما كان أحدنا قوي الشكيمة,ماضي العزيمة,فإن لتحمله في النهاية حدوداً0وعدم الانتباه لتلك الحدود,قد يفضي إلى أن ننفض أيدينا في النهاية من كل برامج التطوير والتحسين0وقد يفضي إلى أن نعمل كثيراً,وننتج قليلاً,وذلك عندما يجثم الملل والسأم على صدورنا,وعندما لا نستمع ببعض ثمار الجهود المضنية التي نبذلها0وليس المقصود من مكأفاة النفس المساعدة على تحمل الضغوط النفسية فحسب,وإنما إيجاد بيئة تساعد على تغيير العادات والاتجاهات الفرعية التي نرغب في التخلي عنها؛فالوقت المملوء بالجد والمهام يقوَّض مقدرتنا على التطور,ويضعف من استجابتنا لدواعيه؛لذا كان لا بد من أن يبتدع كل منا نظاماً يكافئ من خلاله نفسه كيما يستطيع الاستمرار والنمو على الوجه المطلوب0ونقارح في مكأفاة النفس ما يلي:-
-لا ريب في أن مكأفاة النفس حتى تؤتي ثمارها,ينبغي أن تكون(مشروعة),ولا بد كذلك أن تكون(آمنة)لا تسبب حدوث مشكلات شخصية أو اجتماعية,فالذي يكافئ نفسه بتناول بعض الوجبات الشهية المؤذية لصحته,يكون قد اختار المكافأة الخاطئة0
والذي يكافئ نفسه بالسفر مع أصدقائه؛مما يسبب له مشكلات عائلية,يكون قد فعل مثل ذلك0
-لابد لمكافأة النفس حتى تؤدي وظيفتها من أن تكون(ممتعة)0يمكن إلى جانب ذلك أن نتخذ منها عنصر هدم البعض العادات السيئة,أو عامل تعويض عن أشياء,نشعر بالعوز إليها؛وعلى سبيل المثال فإن أحسن مكافأة لمن تعود أن يقوم عن الطعام بسرعة أن يعِد نفسه بالبقاء دقائق إضافية على الإفطار,كما أن المكافأة المفضلة لمن تعوَّد مواصلة العمل الكثيف,أن ينظم لنفسه رحلة أو إجازة,وهكذا000
-لنستخدم المكافآت للقيام بالأعمال غير المحببة,فإذا كانت(القراءة)ثقيلة على نفسي فإنه سيكون بإمكاني أن أعد نفسي بنصف ساعة واحد بعد كل ساعتين أقرأ فيهما0
ويمكن أن أعد نفسي بزيارة لأحد الأقرباء,أو بنزهة قصيرة عند إتمام قراءة الكتابي الفلاني0إننا بذلك نمارس نوعاً من الحيلة على أنفسنا,كما يفعل صانعو الدواء حين يضيفون إلى المادة الفعالة فيه شيئاً حلواً,يجعل تناولها مستساغاً0
-المكافأة الفعالة,هي التي تأتي بعد إنجاز العمل مباشرة,وإلا فإنها تفقد قيمتها على الحث,وقدرتها على كسر الحواجز والعوائق النفسية0بعض الناس لا يتأخر في مكافأة نفسه,وإنما يماطل أيضاً,وقد يخلف الوعد الذي قطعه على نفسه,مما يقلل من حجم الاستجابة للمكافآت الموعودة في المستقبل0
-التنويع في مكافأة النفس أمر مطلوب,إذ إنّ مَلُول بطبعه,ومهما كان نوع المكافأة محبباً,وأثيراً لدى النفس,فإن تكراره يجعله باهتاً في النهاية,وغير ذي معنى؛لذا فالمكافأة قد تكون أحياناً يتناول وجبة شهية,أو التحدث في الهاتف مع صديق,أو في أخذ إجازة,أو شراء شيء جميل000
-الاستراحات أثناء العمل مهمة جداً لإبعاد الإجهاد والسأم,فإذا جعل المرء العشر دقائق الأخيرة من كل ساعة عمل للاستراحة,وكسر الرتابة,فإنه سيجدد نشاطه,ويستعيد حيويته,
وينطلق بروح جديدة0
إنّ المهم دائماً ليس أن نعمل كثيراً,ولكن أن ننتج كثيراً,وأن نحافظ مع العمل الكثيف على حيويتنا,وعلى قدرتنا على الاستمرار مدة طويلة,وذلك لا يكون إلا من خلال
الاستراحات القصيرة والطويلة000
?السيـطرة على الانفعالات:-
المواقف والأشياء والتصرفات والصور والذكريات000التي تحرك انفعالات لا تكاد تحصى,ولا تكاد تنقطع في أوقات اليقظة0والانفعالات منها ماهو إيجابي,مثل الحب والإعجاب والاحترام والاهتمام بالفضائل000ومنها ما هو سلبي,مثل الخوف والبغض والغضب والرغبة في الانتقام000وقد أوجد البارئ-جل وعلا-هذه الانفعالات في النفس البشرية من أجل حمايتها وتوازنها,وبعث الحيوية فيها؛فدورها الأساسي إيجابي,
لكن إذا تجاوز أي منها حدود(السواء)فغنه يتحول إلى عامل سلبي,قد يهدم الشخصية كلها0 هناك ما يشبه الاتفاق على أنه لا ينبغي إصدار أحكام أخلاقية على الانفعالات,فالإحساس بها,مثل الإحساس بالبرد أو الخمول,لكن الذي يتوجه إليه الحكم الأخلاقي,هو (السلوك)أو التعبير عن تلك الأحاسيس والعواطف0
إنّ اعتقاد المسلم بأن كل ما يصيبه من مصائب ومكدرات بقضاء الله وقدره,واعتقاده بأن ما يأتيه من خبز وفوز ماهو إلا شيء مؤقت وزائل,وأن المصائب يجب أن تقابل بالصبر,والنعم بالشكر,إنّ كلَّ ذلك يمنح شخصيه درجة عالية من التوازن والتماسك,وقد قال الله-جل وعلا-:-{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}[الحديد:22,23]0
التخلق بأخلاق القرآن والاهتداء بهديه,يجعل ما بداخل الإنسان أعلى وأقوى من طوارئ الأحداث وانعكاساتها الشعورية المختلفة,وهذا ما نلمسه في شخص النبيr
وسلوكه وتعامله؛فحين دخل مكة فاتحاً دخلها وقد ألصق صدره بمقدمة رحله تواضعاً
وإخباتاً وشكراً الله-تعالى-على نعمة الفتح0ويقول خادمه أنس بن مالك-رضي الله عنه-: (خدمت رسول الله عشر سنين,فما قال لي أفَّ قطُّ,ولا قال لشيء فعلته:لم فعلت كذا؟ولا لشيء لم افعله:ألا فعلت كذا)0وفي رواية:(خدمت رسول اللهr فما دريت شيئاً وافقه ولا شيئاً خالفه رضيّ من الله بما كان)0
مشكلة الانفعالات أنها حين تتجاوز الحدود الطبيعية,تسبب للمرء عدداً من المشكلات,منها أن الميل الشديد إلى أمر من الأمور,كالنفور الشديد منه,يشوش رؤيتنا للخيارات المتعلقة به,والظروف المحيطة به,والمآلات التي قد يفضي إليها,واتخاذ قرار بشأنه؛إذ من النار أن نتمكن من إصدار أحكام عقلية منطقية وموزونة في حالة طغيان الانفعال الإيجابي أو السلبي,فالانحياز,هو سيد الموقف:
وعين الرضـا عن كلَّ عيبٍ كليلة كما أنّ عين السخط تُبْدي المـسـاويا
وإلى جانب هذا فإن الانفعالات القوية,تفسد كثيراً من العلاقات بين الناس,ففي حالة الحب أو الخوف الشديد,يشعر الطرف الآخر في العلاقة بعدم التكافؤ0وفي حالة الغضب,يشعر أن علاقته مع رجل أحمق كانت غلطاً000
والانفعالات الشديدة-بعد هذا وذاك-أقوى معول يمكن أن يهدم(الإرادة) ويشوه تجلياتها في السلوك,مما يوجب على الواحد منا أن يتعلم بعض الطرق التي تمكنه من التعامل الجيد مع انفعالات0

كيـف نسيطر على الانفعـالات؟:-
إننا حين نحاول السيطرة على انفعالاتنا,نكون قد شرعنا في استعادة التوازن بين العقلانية والعواطف0ومعنى هذا أن السيطرة على العواطف لا تعني كبتها,والتخلص منها,وإنما إيقافها عند حدود معينة,بحيث لا تؤثر على السيطرة على الانفعال مايلي:-
-أول خطوة على طريق السيطرة على الانفعال,تتمثل في الاعتراف به,وإدخاله في منطقة الوعي,إذ إننا كثيراً ما نكون غافلين عن انفعالاتنا,وانفعالات غيرنا, فالخوف والإحباط والغضب الشديد والحب الشديد,يمكن لكلَّ واحدٍ منا أن يُلم بنا في أي وقت,ويبدأ في التأثير في سلوكنا دون إدراك منا لما يحدث . وربما شاهد جليسي علامات الغضب أو الميل المبالغ فيه على حركاتي وأوالي, وأنا غافل عنها تماماً0حين أمتدح كل شيء في حياة شخص ما,وأحاول أن أدافع عن جميع تصرفاته,وحين أحاول تفسير أخطائه تفسيراً يخالفني فيه من حولي000فإنَّ كل ذلك على أن ميلي إليه,قد خرج عن حد المألوف,وبات علي أن أعيد الأمر إلى نصابه0وفي المقابل,فإني حين أشعر في موقف من المواقف بتقلصات في معدتي,أو أجد أن راحتيّ نديتان أو أن عضلات فكي منقبضة,أو قمت بتجميع قبضتي,أو بت أقبض على الأشياء بإحكام,أو أرفع صوتي,وأتوسع في مقاطعة محدثي ... فهذا دليل واضح على أن انفعال الغضب , قد تملكني,وصار من الضروري عمل أي شيء للحد منه0
-لنحاول في حالة طغيان نوع من الانفعال تذكُّر الصور والمواقف والخصائص المضادة للحالة التي نحن فيها؛ففي حالة الانزعاج من مصيبة,حلّت بأحدنا,فإن عليه أن يتذكَّر مقدار ما متَّعه الله-تعالى-به من السلامة والعافية في الأيام الماضية , وأن يتذكر أيضاً الشيء الكثير الذي بقي له بعدها:[إن أخذ فقد أبقى] .
كما أن عليه أن يتذكر المثوبة التي تنتظر الصابرين المحتسبين,والعواقب الحسنة التي يمكن أن تنتج عنها0في حالة الحبّ الشديد يتذكر الإنسان سلبيات من يميل إليه,
ويكيل له المدائح0وحين تسيطر على المرء مشاعر الإحباط واليأس والإخفاق, فعليه أن يتذكر الأحداث السارة في حياته,والنجاحات التي حققها,وأن يقارن نفسه بمن دونه حتى يستشعر الخير الذي هو فيه0في حالة الحقد الشديد على شيء أو التقزز منه,أو الاستخفاف به,فإن علينا أن نتذكر ما عسى أن يكون له من ميزات وخصائص مشرقة وفضائل,وذلك حتى نوجد مشاعر جديدة,تخفف من حدة المشاعر السلبية0
ويذكرون في هذا السياق أنّ عيسى-عليه السلام-مرّ مع نفر من أصحابه على شاة ميتة,فجعلوا يتحدثون عن قبح منظرها ونتن رائحتها000فقال لهم:لم يذكر أحد منكم أن أسنانها شديدة البياض!0حين نبحث عن منظور جديد للأشياء, فإننا سنؤثَّر في انفعالاتنا على نــــــــحو مـا .
-سيكون من المفيد في هذا الشأن أن نحاول الخروج من فلك الانفعال بتغيير الوضعية, والحيلولة دون انعكاسه على السلوك0في حالة الغضب-مثلاً-يطلب من الغضبان أن يصير إلى وضعية تحول بينه وبين الانتقام؛وقد ورد في الحديث الشريف:(إذا غضب أحدكم وهو قائم,فليجلس,فإن ذهب عنه الغضب,وإلا فليضطجع)0
ومن تغيير الوضعية أيضاً اللجوء إلى السكوت باعتباره نوعاً من إيقاف الغضب عند حده0وفي الحديث :(إذا غضب أحدكم فليسكت)قالها ثلاثاً0
كما أن الوضوء والغسل,مما ينصح به في حالة الغضب كذلك,وقد ورد في الحديث: (إذا غضب أحدكم فليتوضأ)ويمكن للغضبان أن يغادر المكان,أو يغير مجرى الحديث الذي أثار غضبه,وهكذا0000
-المعالجة العقلية ذات أثر جيد في السيطرة على الانفعالات,فبعض ردود أفعالنا الانفعالية ليس غريزياً,ولكنه عادات أخذناها عن أسرنا وأصدقائنا,حيث تعلم الكثيرون منا-عندما كانوا أطفالا-أن الثورات الانفعالية,توجّه إليهم الانتباه,أو أنها أسلوب مفهوم ومقبول للتعبير عن الغضب وخيبة الأمل0ولعلهم يحملون معهم الرشد الاعتقاد الضمني
بأنهم يحصلون على ما يريدون إذا كانوا حادَّي المزاج,يصرخون,ويضربون الأرض بأرجلهم ويَصْفُقون الأبواب ...
ويعتقد كثيرون أيضاً أن رفع الصوت والظهور بمظهر الضعف سيجعلهم يربحون قضيتهم مع خصومهم؛وكأن الانفعالات الحادة,صارت وسيلة ابتزاز وقهر للحصول على أشياء غير مشروعة؛لكن هؤلاء ينسون أن الاتكال على هذا الأسلوب,يجعل صاحبه يظهر الضعيف والأحمق الذي لا ينبغي أن يلتفت إليها؛كما أنه على المدى الطويل,يفقد قيمته في تغيير آراء الآخرين,وكسب عواطفهم0وقد يتسبب هذا الأسلوب في تحقيق بعض المكاسب الآنية,لكنه على المدى الطويل, يترك انطباعات سيئة,لا تخدم مصالح صاحبه0على المجتمع أن يحرم الذين تعودوا الانفعال المصطنع من قطف ما يرمون إليه من ثمار وأن يتجاهل ذلك بغية الحدمنه0
-لنشاور غيرنا في الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه الأمر الذي سبَّب لنا انفعالاً حاداً, إيجابياً كان أم سلبياً ,فالكثير من الخطأ يكمن في هذه الحالة في التصرف المنفرد . وإذا تعود الإنسان أن يشاور غيره؛فإنه يربح من غير وجه,حيث إنه قد نجح في تأخير اتخاذ قرار في حالة انفعالية,مما يعني تأخير المواجهة, ومنح النفس فرصة جديدة0ثم إن المشاورة تجعلنا نرى الأشياء من زاوية جديدة , وذلك يجعل مواقفنا وقراراتنا أكثر حكمة واتزاناً0واعتياد المشاورة بعد هذا وذاك,يعني أننا نعطي الأمور الصعبة ما تستحقه من الوقت والاهتمام,وفي ذلك خير كثير0
-عصرنا عصر الضغوط والمطالب المتزايدة؛والجملة العصبية لدى كل واحد منا لها في النهاية طاقة محدودة على التحمل؛ولذا فإن المتوقع أن ترتفع وتيرة الانفعالات المختلفة لدينا,وهذا يفرض علينا أن نتعلم كيف نخفف عن أنفسنا الضغوط0والحقيقة أن ذلك يحتاج إلى نوع من إعادة البرمجة الشخصية,كما يتطلب أن نستخدم ما لدينا من خيال وإرادة في تحسن قدرتنا على المقاومة . ونحن بحاجة إلى جانب هذا إلى أن ندرب أنفسنا على(الاسترخاء)وإلى تخطيط أعمالنا أكثر كفاءة,حتى يقلل من المفاجآت غير السارة,كما أننا في إطار من المشروعية والاعتدال0
أضف إلى هذا حاجتنا إلى أن نملك الشجاعة على رفض الالتزام بأعباء لا نستطيع القيام بها,والابتعاد عن الأشخاص الذين تُشعرنا وضعيتهم العامة بالإحباط .
وبعد؛فإن السيطرة على الانفعالات,لا تعني كبتها,ولكن تعني حسن التعبير عنها,وحسن تجسيدها في سلوكاتنا0والله الموقف والمعين0
___

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image030.gif[/IMG]

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image031.gif[/IMG]الفصل الأول :-


القاعدة الروحية الخلقية:
إذا صح القول:إن الذات الإنسانية طبقات,بعضها فوق بعض,فإن أعمق تلك الطبقات هي طبقة(الروح)ذلك البعد الفسيح المدى,الشفّاف جداً,والمبهم جداً,والمهم جداً0
ويبدو أن البشرية ستغادر هذه المعمورة دون أن تقف على حقيقة الروح,وهذا ما نلمسه
من قوله-جل وعلا-:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلا}[الإسراء:85]0
هذا الجانب من شخصية الإنسان,كان يحتل على مدار التاريخ مركزاً محورياً في حياة الناس,وهذا واضح جداً في كثير من النصوص القرآنية والنبوية,لكن(الروح)في العصور الحديثة فقدت الكثير من الأرض التي ربحتها في الماضي,وصار يُنظر إلى كثير من قضاياها على أنه نوع من الخرافة والوهم0ويسبب من التوجه العلمي والفكري العام الذي ينشره الغرب في أنحاء المعمورة,وصار الإنسان الحديث,يَقْبل دون جدل أن الاهتمام الأساسي,ينبغي أن يوجَّه إلى الطاقة والمادة المعروفتين,وصار يُعبّر عن الروح في كثير من المراجع بأنها الوعي أو الصورة الذهنية للمدركات أو المعنى000وهذا كله أدى إلى تواري الخطط والتنظيمات التي تدعم الجوانب الروحية والخلقية في معظم الأحيان0
وإذا كان هذا مفهوماً في أمم وشعوب يغلب عليها الإلحاد,فإنه ليس مفهوماً ولا مقبولاً في أمة تعطي عقيدتُها الأولويَّة للبناء الروحي والقِيَمي والسلوكي,وتعد الانتصار على صعيده
هو الانتصار الحقيقي!0
من الواضح أن الحضارة المادية الحديثة,قد قدمت كل رهاناتها للإنتاج الصناعي والارتقاء المادي,وحين تتناقض إمكانات النمو المادي-وهذا شيء قادم لا محالة-فإن الإنسان سوف يلجأ إلى الروح مرة أخرى؛ليستمد منها طاقة الإبداع والتكيّف مع الظروف الجديدة,لكنه سوف يجد أنه قد هدم كل المنابع الثرّة التي يمكن أن يرتوي منها,وسيجد نفسه آنذاك مفلساً من المادة والروح معاً!0
إن القاعدة الروحية الأخلاقية في أي مجتمع هي التي تتحمل الأثقال التي تتولد من طبيعة الحياة المادية والاجتماعية,وعن الانتكاسات التي تصاب بها الأمة في ميادين الحياة المختلفة0وحين خُطط لهذه الأمة أن تجعل القيم الأخلاقية والروحية في مرتبة متدينة من اهتماماتها,أخذت أخلاقها وقيمها في التراجع,كما فقدت الكثير من شفافيتها حين واجهت ضائقات العيش وشحّ الموارد,وجه المغريات والمحفزات على الانحدار0
الحضارة الإسلامية كانت غنية في جميع جوانبها,لكن الذي كان يميزها عن غيرها ذلك الطابع الروحي الأخلاقي الذي كان يسربل كل الأنشطة الحضارية . والحقيقة أن الجاذبية التي تتمتع بها القرون الأولى من تاريخ الإسلام,تنبع على نحو أساسي من طابع الاستقامة والنبل والتضحية والصفاء والتضامن الأهلي الذي كان يطبع الحياة العامة,وليس من التفوق في الحروب أو العلوم أو العمران0
قد آن أن ندرك أنه لن يكون بإمكان أفضل النظم الاجتماعية,ولا في إمكان أقسى العقوبات الصارمة أن تقوَّم الاعوجاج,ولا أن تملأ الفراغ الناشئ من ذبول الروح وانحطاط القيم,فالعقوبات لا تنشئ مجتمعاً,لكنها تحميه0والنظم مهما كانت محكَمة ومتقَنة لن تحول دون تجاوز الإنسان لها,وتأويلها على نحوٍ يفرغها من جلَّ مضامينها؛وكل الحضارات المندثرة,تركت تنظيماتها وأدوات ضبطها خلفها شاهدةً على نفسها بالعجز والعقــــــــــــــم0
المنظومة الروحية والخلقية بعد هذا وذاك,هي التي تضبط سلوك الفرد من التقاليد000 ومن ثم فإن وظيفة(الخلق الكريم)أنْ يردع أصحابه عن استغلال مساحات(الفراغ القانوني)على وجه سيَّئ,يضر بالفرد نفسه أو مجتمعه0إن الحالة الروحية الخلقية,هي المرآة التي تنعكس عليها عقيدة المجتمع وظروفه وأوضاعه العامة,ومن ثم فكما أن الأخلاق السامية,تساعد المجتمع وظروفه الكثير منه منحه,فإن أزمات المجتمع الفكرية والسياسية والاقتصادية00,وما يتحصل منها من وعي المجتمع بذاته,تنعكس بصورة واضحة على أخلاق الناس,وتعيد ترتيب سلم القيم لديهم0
حين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقي,فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسع,إلا أن إرادته الحضارية تكون مكبَّلة بالأهواء والشهوات والمطامع الشخصية,وهذه الحالة تستفحل اليوم في طول العالم وعرضه:المزيد من القوة وتعاظم القدرة,إلى جانب المزيد من ضعف الإرادة والمبادرة!
إن نواة القاعدة القِيمِيَّة الأخلاقية,تتمثل في شفافية روحية تمنح حياة الفرد معنى جديداً,وتصبغ أنشطته كلها بصباغها,وهذه الشفافية,تستمد كينونتها من معين الإيمان بالله-جل وعلا-والصلة به,وإن الشفافية الفطرية التي يتمتع بها بعض الناس تظل مهددة بقتامة المعاصي,والقلق على المصير,وأوضار النزعة المادية؛وهذا يعني أن الإيمان العميق والمصحوب بالالتزام بالسلوك الإسلامي يشكل الضمانة الأساسية لاستمرار التألق الروحي الفطري,والمكتسب من خلال الأنشطة العبادية المختلفة0
إن عماد الشفافية الروحية,هو حب الله-تعالى-الذي يستحق وحده كمال المحبة,فهو المتصف بجميع صفات الكمال,المنزَّه عن جميع صفات النقصان, وهو الذي أسدى الخير,وتكرَّم على عباده بما لا يحصى من النعماء:{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم}[النحل:18]0
هذه المحبة,لا تتحقق في فراغ,ولا ينفع فيها الادّعاء المجرد,وإنما هي إجلال الله-تعالى-ورجاء لما عنده,وخوف من عواقب المعاصي و المخالفات,إنها استجابات وجدانية وسلوكية لمحبوبات لله من الأقوال والأحوال والأعمال, قال-سبحانه-{يأيها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}[المائدة:54]0
وتلك الاستجابات هي الطريق إلى محبة الله-تعالى-لعبده,وحين تحصل تلك المحبة,
فإن أخلاق العبد كلها تتغير,كما أن حياته كلها تمسي مغمورة بلطف الله ورضاه وتوفيقه على نحو ما ورد في الحديث القدسي:"ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه,فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به,وبصره الذي يبصر به,ويده التي يبطش بها,ورجله التي يمشي عليها,ولئن سألني لأعطينه,ولئن استعاذني لأعيذنه"0
الإشراق الروحي شديد الحساسية,فلا بد من مراعاته وتعاهده في إطار من الشريعة السمحة وآدابها على الصعيد الشخصي والاجتماعي,وبذلك وحده تتأسس القواعد القيمية كلها,وتولد إمكانات التجديد الخلقي0إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها في حجرات صامتة داخل الروح,ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى,وأساس النجاحات الشخصية هو نجاح روحي في المقام الأول .
خلق وسلوك جديـدان:
لم يكن العيش في زماننا صعباً إلا لأنه عصر الأزمات والمشكلات؛فمع وجود الوفرة في أشياء كثيرة هناك شح متزايد في الموارد وفرص العمل,مما يتطلب من المسلم الذي ينبغي أن يعيش عصره باستقامة وكفاءة أن يكون على استعداد للتجديد في أخلاقه وسلوكاته وعاداته0 ولا يعني هذا-بالطبع-أن لكل زمان أخلاقه الخاصة, وإنما يعني نوعاً من التركيز على بعض المفاهيم والمفردات الأخلاقية والسلوكية التي تساعد على الاستجابة لتحديات العصر,في إطار من الثوابت والقيم الإسلامية العتيدة .
ولعلي أنوَّه إلى أن كل ما سنذكره,وما ذكرناه عن تحسين اللياقة الشخصية,. وعن تحسين العلاقات مع الناس,وعن التأثير في الأخرين000إن كل ذلك يوزن بمقصد المرء ونيته,فكل أشكال القوة والنفوذ والكفاءة,يمكن أن تسخَّر في نصرة الحق وإشاعة الخير,كما يمكن أن نستخدم في البغي والعدوان وتحقيق أهداف غير مشروعة . وعقيدة المسلم تدفعه في أكثر الأحيان إلى أن يحاول تحقيق مصالحه في إطار من قيمه ومبادئه,كما تدفعه إلى توخي العدل وإحقاق الحق,ونشر الخير بين الناس,وهذا هو بالضبط ما تتطلبه المواجهة الجيدة للصعوبات التي نواجهها على مستوى الفرد,وعلى مستوى الجماعة . ونحن لا نستطيع أن نتحدث هنا عن كل نواحي التجديد الخلقي والسلوكي, فلنقتصر إذن على ما نراه أكثر أهمية من خلال النقاط التالية:-

Jتمســــــك بالسُّنَّـــــة:-
النبيr هو النموذج الذي على المسلمين أن يحاولوا تقليده في جميع شؤون حياته,ممل لم يفعله بحكم بشريته,ومما ليس من خصائصه0وكتب السنَّة صوَّرت لنا هديه-علية الصلاة والسلام-على نحو تام0ومما هو ملموس في ذلك الهدي صلابة في الحق لا تعرف الملاينة,وخروج من حظوظ النفس لا حدود له,والسير على هدي القرآن الكريم في كل كبيرة وصغيرة0التمسك بالسنَّة لا يعني الجنوح إلى ما هو أكمل وأجمل في جميع أنشطة الحياة ومواقفها فحسب,وإنما يعني أمرين إضافيين:-
الأول:هو تعويد المسلم نفسه,وتمرينها على أن تحيا دائماً في حالة من الوعي
الداخلي,والانضباط الذاتي؛فالتزام المرء بالسنَّة يعني حضور نيته الطيبة في مختلف المواقف والأعمال,وتسليط الوعي على حركته اليومية,فلا تزيغ به الأهواء,ولا تحرفه الضغوط الحياتية؛ويتنسم في الوقت نفسه عبير الاستقامة0
الثاني:تعظيم الذات الاجتماعية,بما يضفي عليها التمسك بالسنَّة من التجانس والتآلف,فيظهر في سلوكاتهم ومعاملاتهم وكأنهم متشبعون بروح واحدة, وخاضعون لنظام واحد,وهذا كله يسهل الحركة الاجتماعية,ويحسَّن نوعية العلاقات بين الناس,بالإضافة إلى تأسيسه أعرافاً صالحة تؤطر الأنشطة اليومية0
Jتجسيد المبادئ الأخلاقية:-
لا تفتخر أمة من الأمم بانعدام الأخلاق لديها,كما أنه ليس هناك من يخطط لتدمير المنظومة الخلقية لديه,لكن الذي يحدث دائماً أن الناس في غمرة تطلعهم إلى تحسين أوضاعهم,قد يقفون بعض المواقف التي قد تؤدي إلى تحقيق بعض مصالحهم على حساب بعض مبادئهم,أو التي تؤدي إلى إيجاد ظروف جديدة,لا يكون للأخلاق تأثير توجيهي فيها0
والمعروف أن مل مبدأ أو هدف لا يتحقق يتحول إلى شعار,ثم إلى نوع من اللغو,ثم إلى وسيلة خداع للأغرار000والضمانة الأساسية لعدم حدوث ذلك, هي محاولة تجسيد ما تؤمن به من قيم ومبادئ في أطر وسلوكات محدودة؛ فالذي يماطل في الصدقة بإمكانه أن يرتب على نفسه مبلغاً من المال يدفعه كل أسبوع إلى أحد المحتاجين ، والمهمل في زيارة أرحامه يقوم بترتيب موعد أسبوعي أو شهري-بحسب الحال-لزيارة أرحامه ووصلهم0وحين يشعر المرء بفضل إغاثة الملهوف,يحاول مساعدة هيئة خيرية أو إغاثته من خلال التطوع في بعض أنشطتها0والذي يقدَّر قيمة القرض الحسن في تفريج الكروب المسلمين, يعزل من ماله مبلغاً,ويخصصه لإقراض من يحتاج إليه من إخوانه, وهكذا ...
هذا التجسيد لما نؤمن به من قيم ومبادئ هو الدليل على اختلاط مبادئنا بدمائنا ولحومنا,كما أنه الدليل على أن معتقداتنا لا ترسم الفضاء النظري لنا فحسب,وإنما تمارس الحثَّ والكفَّ,وتصوغ مفردات أنشطتنا اليومية أيضاً0إن كثرة الكلام لدينا وقلة الأنشطة,تعود إلى قصور آخر في حياتنا الاجتماعية,هو ضعف التقاليد الثقافية التي تمجد الروح العملية الصامتة,فالوجاهة عندنا دائماً للأقدار على الكلام!أضف إلى هذا أن المؤسسات الخيرية التي بإمكانها استيعاب الأنشطة الطوعية لكثير من الخيَّرين محدودة جداً في عالمنا الإسلامي, مع أنه ليس لدى أمة من الأدبيات والتعاليم التي تشجع على الإحسان والمشاركة الاجتماعية كالذي لدى أمتنا!0
Jنـحو أخلاق شفيفة:-
إن مظاهر التحضر,وأشكال الرقة واللطف والدماثة في التعامل,ما هي في الحقيقة سوى قشرة حضارية رقيقة,يكمن تحتها متوثب,ومستعد للافتراس متى ما حانت الفرصة,أو اقتضت المصلحة ذلك000
وإذا أَجَلْنا في أحوال معظم الشعوب النامية,وجدنا أن التعانف والتجارب الأهلي , واللجوء إلى حل المشكلات عن طريق الغلبة والقوة الضاربة-هو الطابع الذي يطبع تصرفات كثير من الناس وعلاقاتهم؛فالأخلاق الجميلة السهلة المسالمة ما زالت في منأى عن الحركة اليومية لكثير من الناس,بل إن الانفجار الأخلاقي يمكن أن يحدث في أي وقت0
والسبب في ذلك هو ضعف العناية بالشفافية الأخلاقية وضعف تركيز المؤسسات والمناهج التربوية عليها,مع أن رصيدنا من النصوص والتوجيهات في هذا الباب كبير جداً0
الحروب المحلية المستعرة بين أبناء البلد الواحد في أكثر من مكان من العالم الإسلامي هي ثمرة لفقد تلك الشفافية,وهي سبب للقضاء على البقية الباقية منها(1)0[(1)في دوائر البناء الحضاري كثيراً ما تكون النتيجة مقدمة إذا نظرت إليها من زاوية ثانية,على نحو ما نجده من العلاقة بين الفقر والمرض.
إن المسلم بحاجة اليوم أن يبني حول نفسه من خلال التثقف والمجاهدة خطوط دفاع أولية,تحول بينه وبين السلوك الهمجي الذي يتجسَّد في مقاتلته لأخيه المسلم,والتي تحول دون العدوان على الممتلكات والحقوق العامة0
إن لدينا الكثير من النصوص الصحيحة التي تبني تلك الخطوط المتقدمة,مما يكفي لجعل المسلم يتحرج من إيذاء هرة,أو قطع شجرة,أو رمي شيء من النفاية في الطريق000وهذا كله يشكل في النهاية بُنية نفسية وثقافية عميقة وخيّرة,تشيّد ولا تهدم, وترحم ولا تشمت,وتعطي أكثر مما تأخذ0
وتأمَّل معي ما يمكن أن يحصل عليه المسلم حين يتخلَّق بما تشعُّه بعض النصوص من رهافة الحسَّ,والدقة في التصرف,والانضباط الذاتي,على نحو ما نجده في الأحاديث الصحيحة التـــــــــالية:-
-"إذا قال المسلم لأخيه:يا كافر,فقد باء بها أحدهما,فإن كان كما قال,وإلا رجعت عليه"0
-"لَعْنُ المـسـلم كقتلـــــــه"
-"لا يُشِرْ أحدكم إلى أخيه بالسلاح,فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده, فيقع في حفرة من النار"0
-"عُذَّبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت,فدخلت فيها النار,لا هي أطعمتها, ولاهي سقتها,إذ حبستها,ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض"0
-"ما من مسلم غرس غرساً,فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقـة"0
وقد ثبت بالإضافة إلى كل ما سبق نهيهrعن سبّ(الحمّى)وعن سبّ(الريح), كما ثبت نهيه عن البول و التغوط في الماء الراكد,وفي طريق الناس,وأماكن استظلالهم0
إن كثيراً من المسلمين اليوم يعرَّض سمعة الإسلام الدولية لسوء الفهم,بل للأحكام الجائرة والحرب السافرة من خلال الصور الشائنة التي يتيحونها لوسائل الإعلام العالمية دون أي إحساس بالمسؤولية!0
إن المسلم حين يطرز حياته بآداب الشريعة,يقدم أرقى صورة يمكن أن يتطلع إليها إنسان هذا العصر,ويمكن نموذجاً فذاً لما ينبغي أن يكون عليه(المواطن العالمي) الحديث من خُلُق وسلوك0
Jالتأبَّي الخلـقي:-
تُثبت الأحداث يوماً بعد يوم أن البُنية الخُلُقية على درجة عالية من الهشاشة فهي لارتباطها بالثقافة والسياسة,والظروف المعيشية المختلفة,تتسربل بالليونة والمرونة, ومن ثم فإن إمكانات ضمورها وتدهورها تظل حاضرة,من خلال التحويرات والتأويلات التي تجتاحها0الشعور بالاغتراب هو الآخر يحمّل أخلاقنا وأرواحنا أعباء ثقيلة,تنوء بها0
إن الذي ينظر في سِيَر العظماء يجد أنهم دائماً يملكون طاقة كبرى على التميز والتأبي على الانجراف في التيار,والامتناع عن الخضوع للحدود التي ترسمها المعطيات السياسية والاقتصادية,وبالتالي فإنهم يندفعون دائماً نحو مستقبل مفتوح.إن التأبي الخلقي,يعني تجاوز الدلائل الزائفة القائمة على جاه مصطنع, وحفنة من مال,وشيء من متاع,والتي تراوح فيها المجتمعات,وترهن كل إمكانات تفتحها لديها0
التأبي الخلقي يعني أن ننمي ببطء القدرة على ترميز القيم السائدة,حيث نكف عن رؤية الأشياء في ضوء المعايير القائمة,ونصير إلى طرح أسئلة جديدة عن معنى الحياة عامة,وعن معنى حباتنا خاصة0وسيعني هذا بالطبع سباحة ضد التيار,كما يعني وقوع بعض الخسائر الشخصية,لكن العواقب تستحق التضحية0
إن(الحرية)ليست ذات بنية ثورية,وإنما هي ثمرة النضج البطيء الذي نحرزه على صعيد تقويتنا لإراداتنا,وعلى صعيد فهمنا لواجباتنا ومسؤولياتنا0والتأبي يحتاج في أول ما يحتاج إلى الشعور بالتحرر الداخلي من استعباد الملذات والمطامع الصغيرة؛وعلى مقدار ما نحصل عليه من ذلك نتمكن من إيجاد صياغة جديدة لعلاقاتنا بما حولنا,وصياغة رؤية جديدة للحاضر والمستقبل0وهذا وحده هو الذي يمكن أن يسمى تقدماً أخلاقياً0
إن ارتباط المسلم بالمنهج الرباني الأقوم,يعني دائماً الارتباط بثوابت تشده إلى عالم المثل والقيم,وهو عالم مرتبط بكل الأزمنة,كما أنه مرتبط بالجوهر الإنساني الأعمق,
وذلك كاف لإغلاق العديد من أبواب الخضوع لأحكام البيئة ومقتضيات العيش الصعب0
Jلياقـــة خلـقية:-
مهما ضاقت الأحوال,وتأزمت الأمور,فإن انعكاساتها على المنظومة الخلقية,هي الأهم؛فالانتصارات والهزائم,وحالات الرخاء والشدة,تظل هامشية ما لم تعمَّق مدلولاتها في أخلاقنا ونفوسنا وعلاقاتنا000والعيش في الزمان الصعب,لا يتطلب-كما قد يتوهم-المزيد من الحرص والمزيد من الدوران في فلك المصالح الشخصية,فذاك يعقَّد الأمور, ويكدَّر صفو الجميع,وإنما يتطلب أن نحرص على بعض الآداب والأخلاق التي تجعل كل واحد منا لائقاً في نظرة غيره,وهذه اللياقة ينبغي أن تتمحور حول الإحسان والمودة والمشاركة إلى جانب الإيحاء بالقوة والانضباط والقدرة على الريادة وتحمُّل المسؤولية,وما إلى ذلك من الأخلاق الإيجابية0
وإنما نقول ذلك؛لأن المرء حين يشع هذه المعاني في الوسط الذي يعيش فيه,يؤكد للناس الذين حوله إمكانية النجاة من الانعكاسات السيئة للأزمات الاقتصادية والسياسية والبيئة التي يمر بها سكان هذا الكوكب اليوم0وحين لا نتمكن من ذلك على نطاق مقبول,فإن علينا أن نتوقع الدخول في(دورات أخلاقية)كالدورات الاقتصادية,وفي هذا من الإهانة لكرامة الإنسان الكثير0
وأود هنا أن أشير إلى بعض ما يشكّل اللياقة الخلقية الضرورية للعيش في هذا الزمان من خلال المفـردات التاليـــــــــة:-
أ-إغناء الحياة العامة:إغناء الحياة بكل ما يعود نفعه على الإنسان والحيوان والبيئة المحيطة عامة,فنحن وكل ما حولنا,نعيش في حالة فريدة من التعاون والتكامل-على الرغم من كل أشكال التنافس-وينبغي أن نتملك الخلق الذي يساعدنا على المساهمة في إثراء هذا التكامل وتدعيمه,وتأمل معي ما رواه الشيخان من قوله-علية الصلاة والسلام-:-(كل معروف صدقة)0
وما أخرجاه من قوله:(بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق, فاخَّره, فشكر الله له فغفر له)0
إن هناك أنشطة كثيرة لا تعود على الواحد منا بالنفع المباشر,ولا تكلفه الكثير, لكن عندما يحتسبها المسلم,فإنه يكون في النهاية أكبر المنتفعين بها0
وهناك نصوص كثيرة,تؤكد أن المسلم الحق,لا يكون إلا متعدي النفع,متجاوزاً الصلاح إلى الإصلاح,فبذلك تنتقل الأمة من مرحلة الكلالة والتهميش؛ولو أن الناس عملوا على نحو ما جاء بنص واحد من تلك النصوص لتغيَّر الكثير من حالهم؛يقول الله-جل وعلا-:{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما}[النساء:144]0
وفي حديث الشيخين:"على كل مسلم صدقة"0قال أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه-:-أرأيت إن لم يجد؟قال:"يعين ذا الحاجة الملهوف"0قال:أرأيت إن لم يستطع؟
قال:"يأمر بالمعروف أو الخير"0قال:أرأيت إن لم يفعل؟قال:"يمسك عن الشر فإنه صدقة
ب-فضيلة الاهتمـام:ربما كانت فضيلة الاهتمام من أعظم الفضائل التي يمكن للإنسان أن يتخلق بها,فالقوى النفسية والعقلية,تظل راكدة ما لم تجد ما يحركها من الرغائب والمحفزات,أو المثيرات والمقلقات0
والعيش في الزمان الصعب,يتطلب على نحو جوهري أن نهتم بكل شيء حتى التفاصيل الصغيرة جداً,فالحياة البالغة التعقيد,جعلت الاهتمام بكل شيء أمراً حيوياً0الاهتمام لا ينبغي أن ينصب على الأشياء الشخصية فحسب,وإنما على الحياة العامة,وعلى العلاقات الإنسانية أيضاً0الأشياء التي ينبغي الاهتمام بها كثيرة جداً,نذكر منـــــــــــــهــــــــا:-
-الاهتمام بالآخرين:ففي زماننا هذا يتجه كثير من الناس نحو المزيد من توسيع دائرة(الخصوصية)مما ترتب عليه نوع من الإهمال للشؤون العامة,ونوع من الإهمال لمشاعر الآخرين,ويمكن أن نقوا:إن بعض المسلمين باتوا يشعرون بنوع من الضيق إذا ما ألقي عليهم السلام,أو سمعوا من يسألهم عن أحوالهم, وهذا تطور سلبي جداً في الحقيقة,ولا بد من مقاومته من خلال تدعيم الروح المشتركة,وإبداء الاهتمام بجيراننا وزملائناومعارفنا,وكل أولئك الذين لنا بهم من الصلة أو الاحتكاك0
والتعاليم الإسلامية في هذا الشأن واضحة جداً,فالمسام مطالب بأن يلقي السلام على أخيه المسلم,وعلى من ألقى عليه السلام أن يرد التحية بأحسن منها,كما أنه مطالب بأن يشتمه إذا عطس,وأن يفسح له في المجلس,وأن يَعُودَه إذا مرض,وأن يكرمه إذا نزل ضيفاً عليه,وأن يسأل عنه إذا غاب,وأن يلاطفه في الحديث,ويتعلم كيف يجامله-من غير مبالغة-وأن يبتسم في وجهه,وأن ينصت له إذا تحدث,ولا يقاطعه حتى يفرغ مما يود قوله,وأن ينصحه,ويقدم له النقد البَنَّاء المهذب في حالة الحاجة إلى ذلك0وإذا كان محدَّثي واقفاً,فإنَّ عليَّ أن أستمر في الوقوف ما دام هو كذلك0
وإن جملة حقوق الأخوّة والمعرفة حفظ السر,وإبرار القسم,والوفاء بالعهد,والدقة في تنفيذ الوعد,وعدم ذكر الأخبار والمسائل التي نشعر أنها تسبب إحراجاً,أو تعكر مزاجاً,أو يعدها صديقنا من خصوصياته التي لا يجيز تناولها في مجلس عام . أضف إلى هذا فإن المسلم مطالب بألا يقوم ببعض الأمور المخلة-عرفاً-بآداب المجالسة,مثل التثاؤب وفرقعة الأصابع,ومد الرجل نحو الجليس,وما شابة ذلك00
-مما يحتاج إلى اهتمام:الوضعيةُ الشخصية للواحد منا,فينبغي أن نوحي للآخرين بأن شأننا الخاص موضع عناية,وضمن منطقة وعينا ونقدنا,فنحاول أن يكون كل ما يتصل بنا منظَّماً ونظيفاً ومتناسقاً-داخل إطار الاعتدال-وحين يقف الواحد منّا يقف معتدل القامة,وإذا مشى أوحى لمن يراه بالنشاط والحيوية , فلا يسحب رجليه سحباً على الأرض ,كما يفعل بعض الناس0
-روح المبادرة من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاص,ففي أوقات الأزمات,يبحث الناس عمن يقودهم,أو يفتح لهم طريقاً,أو يجمعهم على عمل خير ... لكن الجميع إلا ما ندر يتجهون آنذاك إلى حماية المصالح الخاصة, والتفكير في الهمَّ الشخصي؛وهنا تبرز لأريحية المسلم,كما يبرز شعوره بالمسؤولية , ووعيه بضرورة المواجهة المشتركة للأزمة؛ولذا فغن من الحيوي أن يشعر كل من حولنا أننا نملك طاقة الريادة والمبادرة إلى عمل شيء يعود على المجموع بالخير والنفع,ويخفف من لأواء الأزمة الجاثمة0
ولو أن الواحد منا أعطى كل يوم نصف ساعة من وقته للتفكير والعمل في مسألة من مسائل الشأن العام لوجد أنه بات محوراً ورائداً لأعمال خير كبيرة,كما أنه سيشجع كثيرين من إخوانه على أن يسلكوا المسلك نفسه,وبذلك تولد فضيلة الاهتمام,وتصبح ظاهرة اجتماعية0
ج-خُلق التسامـح:في زمان العيش الصعب,تسود المشاحَّة,وتتوتر الأعصاب, ويشعر الكل أنهم مظلومون من قبل الجميع,ويظن كل واحد أنه يعيش مأساة فريدة,وينتظر من الآخرين أن يقدروا ذلك,وأن يصبروا على ما يرونه منه000في هذه الحال تبرز قيمة الإحساس المرهف,وأن يبدي كل واحد ما يستطيع من التفهم لأوضاع الآخرين,إلى جانب المسامحة,وسعة الصدر,والصبر على الأذى . وهذه في الحقيقة من أهم مظاهر(اللياقة الخلقية)0
قد لا نملك شيئاً ملموساً نخفف به من عناء إخواننا ومعارفنا,لكن نملك دائماً ما يمسح على الجرح,ويطيّب الخواطر,ويرفع المعنويات,ويفسح في آماد التفاؤل والبشر0قال أحدهم:
لا خير عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحالُ
وقال عمرو بن معد يكرب:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكنَّ أخلاق الرجال تضيق
والأجر المنتظر على ذلك من الله-جل وعلا-كبير,وليس ثمة منافسة أشرف من المنافسة في هذه السبيـــــل0
Jاكتســـــــاب عادات جديدة:
ينبع مبدأ التغيير لسلوكنا وعاداتنا من مسألة فكرية,هي أن الإنسان يظل ناقصاً, والعلاقة بينه وبين الكمال عبارة عن محاولات مناهزة ومقاربة ليس أكثر؛ونظراً لتبدل الظروف والتحديات والمتطلبات على نحو سريع وحاسم,فإن الواحد منا مطالب من وجهته بأن يقابل ذلك بإطلاق إمكانات جديدة,وتطوير مواهب غير مستثمرة,واتخاذ وضعيات جديدة0
إن العادات التي تشكل نمط سلوكنا اليومي,تريحنا من عناء التفكير,وتسهَّل علينا الحركة لكنها في الوقت نفسه,تضع على مداركنا ما يشبه الغشاوة,فلا نرى الإمكانات الكامنة والآفاق الممتدة,كما أنها تضفي على تفاعلنا الداخلي نوعاً من السكون والعطالة؛ولذا فإن من المهم قبل كل شيء أن نتفحص العادات النفسية والسلوكية التي تتحكم بنا,فقد يكون بعضها غير ملائم لمبادئنا أو طموحاتنا أو صحتنا أو علاقتنا000وبذلك قد أدخلنا عاداتنا في منطقة الوعي تمهيداً لتغيير ما يحتاج منها إلى تغيير0
إن تغيير الإنسان لبعض عاداته دليل على أنه قادر على الارتقاء بمستوى سلوكه وحياته عامة من خلال السعي الواعي والجهد المبرمج الهادف0وهذا في الحقيقة من أعظم الحقائق التي تستحق التقدير والتشجيع والمتابعة0
العادة هي: ما أعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد,إنها أنشطة تتكرر وفق نهج ونمط معين. كل عادة من العادات,هي حصيلة لتشابك المعرفة والمهارة والإرادة ؛ وإذا تخلف أي واحد منها لم نستطع القول:إن هذا العمل عادة . المعرفة أو الرؤية تحدد ما الذي
ينبغي فعله,ولماذا ينبغي فعله0والمهارة هي كيفية الفعل,أو هيكل العادة . والإرادة,هي الرغبة الدافعة إلى الفعل0هذه العناصر الثلاثة معرَّضة دائماً لأن تكون خاطئة وناقصة,
وهذا ما يجعل عاداتنا بحاجة دائمة إلى المراجعة والتغيير والتصحيح0
العادات-كما قال أحدهم:-مثل الحبال الفولاذية,نجدل فيها كل يوم سلكاً,وسرعان ما نعجز عن قطعها0إن العادات ذات قوة جذب هائلة أكثر مما يعرفه الناس,أو يعترفون به؛وإطلاق عملية التغيير-ككل بدايات الانطلاق-يحتاج إلى جهود كبيرة,لكن ما أن نتخلص من شد الجاذبية,حتى تتخذ حريتنا بعداً جديداً,نتنعم بظلاله الوارفة0
العيش في زمان الصعب,يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نتخلى عن بعض العادات,وأن نكتسب بعض العادات الجديدة,إذا ما أردنا أن ننمو على نحو مكافئ للصعوبات المتزايدة التي علينا أن نواجهها على كل الأصعدة0ولعلي أسلط الضوء هنا على بعض العادات التي أظن أن البلوى قد عمت بها,وصار من الضروري التخلي عنها,وإحلال عادات أخرى محلــــــــــهـــــــــــا:-
أ-التخلص من التسـويف:-
الأعمال التي علينا أن ننجزها تنقسم إلى قسمين:أعمال ملحَّة,لا يجوز تأجيلها,وأعمال غير ملحَّة,يصح تأجيلها إلى وقت أخر0ما يجب إنجازه,لا يشكّل مشكلة لدى كثير من الناس,حيث يقومون به طائعين أو مكرهين,لكن كثيراً ما تكمن المشكلة في الأشياء غير الملحَّة,حيث تعوَّدنا أن نعاملها بإهمال شبة تام, بل قد نستغرب ممن يهتمّ بها0وهذا الإهمال يؤدي إلى أمرين سيئين:
أولهما:أن كثير من الأشياء التافهة,يتحول إلى أشياء مهمة,بل قاتلة أحياناً0
والثاني:أن حياتنا تصبح مزدحمة بالأشياء المهمة,وهذا يعني أن نظل دائماً مأزومين ومغلوبين على أمرنا,وملاحقين من قبل متطلبات الحياة المتعاقبة . ونتيجة ذلك معروفة,هي التخلي عن أشياء مهمة في حياتنا,أسنان المرء يكون علاجها سهلاً ما دامت هناك متابعة,فإذا أهملها شكّّلت له قضية مزعجة0خلل يسير في سيارة الواحد منا,قد لا يكلف إصلاحه شيئاً,إذا تم في وقته,لكن إهمال إصلاحه,قد يخرب أجزاء أخرى مهمة,وقد يفضي إلى كارثة مروعة!0
-قال لضيف لمضيفه:الماء يتسرب من السطح,لماذا لا تصلح السقف؟
-رد المضيف:كيف أصلحه والمطر ينهمر؟0
قال الضيف:لماذا لا تصلحه عندما يتوقف المطر؟0
قال المضيف:عندما يتوقف المطر لا يتسرب الماء!0
وهكذا00فشعار المسوّفين:كل ما تستطيع أن تؤجله إلى الغد,فلا تعمله اليوم!. الحجة الجاهزة لدى كثيرين:ليس عندي وقت للقيام بالعمل الفلاني,فأنا مشغول دائماً بأمور مصيرية!0
وأعتقد جازماً أن استغلال نصف ساعة يومياً من الأوقات الضائعة-وهي كثيرة-سيخلصنا من كثير من الأعمال المتراكمة التي تسبب أذى لمشاعرنا,وتسبب في النهاية أضراراً بالغة عندما تتفاقم,وقد كان من المفترض أن يتعلم المسلم من البرمجة اليومية لأداء الصلوات ما يرسخ لديه النهوض للواجبات المختلفة,لكن يبدو أن استفادة المرء من مبادئه تحتاج إلى درجة من الفعالية والحساسية لم يبلغها كثيرون منا بعد!0
ب-الخـروج من دائـــــرة الكــــلالة:-
طلب القرآن الكريم من المسلمين أن يقارنوا بين نمطين من الناس:نمط العاجز, ونمط السبّاق المبادر والمؤثر,حيث يقول-سبحانه-:{وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}[النحل:76]0
الأول منها عاجز,وهو ثقيل عالة على مولاه وسيده,وهو لضعف قواه العقلية لا ينجح في أي مسعى يكلَّف به,فكأنه جمع بين الضعف الجسدي والعقلي0
أما الثاني فهو ذلك الرجل الذي اهتدى إلى الصراط المستقيم,ومضى فيه, ووجد لدى نفسه فضلاً من طاقة وجهد,فصار متعدي النفع,إذ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر0هذان الصنفان يمثلان طرفي التنافي,والمطلوب من المسلم أن ينحاز إلى الثاني0
وقد ثبت عن النبيrفي أحاديث عدة أنه كان يستعيذ بالله-تعالى-من مظاهر العجز,وصفات الضعفاء والعاجزين؛فقد استعاذ من العجز والكسل والجبن والبخل , وغلبة الدَّين,وقهر الرجال,وفتنة الغنى,وفتنة القبر,ومن الهرم0وهذه الأمور كلها تشير إلى نوع من الضعف والكلالة,وهذه الحقيقة ليست كل ما ينبغي تحاميه والبعد عنه,فهناك أمور كثيرة-على المستوى الحضاري-تعد من أمارات القصور والهشاشة,وقد لأبرزتها التحديات المعاصرة التي تواجه كل واحد منا, نذكر منها:
-الإكثار من ذكر عبارات:لو أن ... ,وبسبب كذا لم أستطع فعل شيء ... وكامل المسؤولية تقع على فلان ...
-انتظار الإحسان والمعاملة الطيبة من الآخرين عوضاً عن البدء بذلك0
-إخضاع القيم والمبادئ للمصالح والدوافع0
-الانشغال بأمور خارج دائرة التأثير ,وإهمال ما هو داخلها0
-الاعتقاد أن معظم المشكلات خارجية,وليست داخلية,والتصرف أساس هذا الاعتقاد0
-الانشغال بأخطاء الماضي بدل تجاوزها بعد أخذ العبرة منها0
-كل شيء أو لا شيء,وبما أننا لا نستطيع أن ننال كل شيء,فالأحسن ألا ننال أي شيء!0
-التركيز على الأشياء التي تُظهر ضعف الآخرين بدل الاهتمام بالارتقاء الذاتي .
-السعي إلى أن يصبح المرء جزءاً من المشكلة بدل أن يصبح جزءاً من الحل0
-التطلع إلى نتائج عظيمة مع القليل من الجهد والوسائل0
وهذه السمات لا تحتاج إلى تعليق,وما ينبغي أن نخرج إليه منها واضح أيضاً, لكن الذي بقى هو العزيمة والصبر0
ج-الانهماك في الأعمال الصغيرة:-
يمكن القول:إن الواحد منا يمارس على صعيد حركته اليومية,وبرمجة أنشطته المختلفة وظيفتين أساسيتين:وظيفة(القائد)ووظيفة(المدير)0العمل القيادي يبحث دائماً في المسائل الكبرى والخطوط العريضة لمسيرة الحياة,أما العمل الإداري,فيبحث في التفاصيل والتقنيات والطرق التي تساعد المرء على النجاح في حياته0الإدارة-كما قال أحدهم-هي تسلّق السلَّم بنجاح0أما القيادة,فإنها تحدد ما إذا كان السلَّم يرتكز على الجدار الصحيح0
اتساع أنشطة الحياة على هذا النحو الذي لم يسبق له مثيل أوجد عدداً هائلاً من الخيارات,لكن تعقد الظروف والمعطيات المختلفة,وازدحام كل المجالات بالمتنافسين أعطى مكانة مهمة لتحديد الاتجاه واتخاذ القرار,أي لأعمال القيادة , لكن الناس يفرون من الانشغال بالقضايا الكبرى لسببين جوهرين:
الأول:أن التفكير فيها يعد شاقاّ,إذ إن على المرء أن يستجمع عدداً كبيراً من التفاصيل والمعطيات الإيجابية والسلبية للقضية التي يفكر فيها,وهذا ثقيل على النفوس0
أما السبب الثاني فيكمن في أن البحث في القضايا الكبرى ويحتاج في النهاية إلى اتخاذ قرارات كبرى؛مما يجعل المرء يشعر بالخوف من عواقبها ومن التغييرات التي تفرضها على نمط الحياة الخاصة0
لا يصح أن ننسى أن من المفرزات السيئة للحضارة الحديثة,جعل الناس يغرقون إلى آذانهم في التفاصيل والأعمال الصغيرة,حيث صار الواحد منهم بمثابة مسمار صغير في آلة كبيرة,والهم المسيطر هو:كيف ظل هذا المسمار في موقعه أولاً؟وكيف يظل يعمل منسجماً مع باقي الآلة ثانياً؟أما التفكير فيما إذ كان وجود الآلة كله ضرورياً,وفيما إذا كانت الآلة كلها تعمل في الاتجاه الصحيح,فهذا مما قل المشتغلون به,وصار ينظر إليه على أنه اشتغال بما لا يعني!0
السرعة المتزايدة للتغيرات الشاملة ,تجعل الخروج عن المسار الصحيح أمراً في غاية السهولة,مما لا يوجب على الواحد منا وضع دستور عام لحياته فحسب, وإنما مراجعة ذلك الدستور بين الفينة والفينة,فنحن لا نرى الحقيقة الكلية دفعة واحدة,وإنما نقترب منها,ونحاول اجتراحها ليس أكثر0
العادة الجديدة التي علينا أن نكتسبها هي أن يخصص الواحد منا كل ثلاثة أشهر-مثلاً- جلسة مفتوحة للتفكير في وضعيته العامة: أهدافه,أنشطته,وسائله,علاقاته ... ومحاولة اكتشاف ما يحتاج منها إلى تحسين,أو إلى تجديد,أو إلى تصحيح 0نحن بحاجة في هذا السياق إلى أن نوسع رؤيتنا للحياة,وأن نوسع المنظور الذي ننظر من خلاله إلى الأشياء؛وذلك بواسطة الخيال والوعي,والاتصال بالهدف الأسمى لوجودنا-وهو الفوز برضوان الله؛ جل وعلا- ومن خلال إبراز سلسلة الأهداف الصغرى التي تتصل بذلك الهدف وتخدمه,مثل تحسين مستوى الالتزام بأمر الله-تعالى-وتحسين مستوى النجاح
في أعمالنا,وتحسين مستوى مساهمتنا في إصلاح الحياة العامة0
سوف يحفزنا على استلهام دور القائد في حياتنا الخوفُ من أن تصبح أنشطتنا المجموعة نوعاً من الجهاد في غير عدو,أو نوعاً من الخطأ الفاجع على نحو ما يصنع الطائر حين يبيض في غير عيشه الذي تعب في بنائه!0
إن التفكير في المسائل الكبرى شاق,وربما بدا عديم الجدوى,لكن الصحيح أنه-إلى جانب كل ما ذكرناه من مسوغات القيام به-يدلنا على البدائل والخيارات التي لا تظهر لنا أبداً عند الانشغال بالأمور الصغيرة,وهو بذلك يسهَّل علينا اكتشاف السبل الأكثر ملاءمة لإمكاناتنا,والأكثر ملاءمة للظروف المتغيرة التي نمر بها,وهو بذلك يساعدنا على بلورة فلسفة أفضل في التعامل مع كل ما حولنا0
هناك في الحقيقة الكثير من العادات السيئة التي ينبغي التخلص منها,مثل عادة التدخين,والنوم الكثير,والإفراط في تناول الطعام,والمنبهات,ومثل زيادة الفضول,
وحب تتبع أخبار الآخرين,ومثل الفوضى في التعامل مع الأشياء000لكن المساحة المتاحة لا تسمح بأكثر مما سطرناه,وأعتقد على كل حال أننا إذا وعينا الأمور الرئيسية في حياتنا,فإن كثيراً من المسائل الفرعية سيجد حله على نحو تلقائي؛والله المستعان0
Jالشـــــــــــعور بالواجـــــــــب:-
الأفق الفكري للإنسان هو النبع الرئيس الذي تفيض منه المشاعر,وهو الإطار الذي نتفاعل في داخله تلك المشاعر,وهو المنظم لتداعياتها المختلفة0عقيدة التوحيد والدواعي المشتقة منها,تجعل من المسلم أمة في رجل,فهو لا يتحسس واجباته ومصالحه الشخصية فحسب,وإنما يتحسس واقع أمته ومستقبلها أيضاً, ويحمّل نفسه من ذلك أموراً ربما لم تكن مفروضة عليه أساساً,لكن طبيعة أخلاقية الشعور بالواجب,تفجر في ذات المسلم ينابيع المجانية والكرم الذاتي التي لا تعرف الرسوم والحدود0الشعور بالواجب شكل من أشكال الالتزام,تشعر به ذات حرة,تلزم نفسها بنفسها,فأكثر الناس شعوراً بالحرية,أكثرهم شعوراً بالواجبات والفرائض الحضارية .
عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-كان-ومازال-مضرب في العدل,وفي القيام بواجبات الوظيفة على أفضل وجه ممكن,ومع هذا كان يقول:"يا ليتني أخرج منها-أي الخلافة-لا عليَّ ولا لي"0وكان يقول:"والله لو عَثَرتْ شاة في أرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها,يقول"لمَ لمْ تعبَّد لها الطريق"؟!0
الإحساس بالواجب هو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة والفردية,ليعكس تسامي الإنسان,أو قدرته على الالتزام تجاه غيره,والتضحية في سبيله0في حالات التخلف,وفي حالات الأزمات الحادة-خاصة-يصبح التهرب من المسؤولية ديدن الناس,ويندفعون إليه بالغريزة دون تفكير,وينتظر كل واحد من الآخرين أن يفعلوا شيئاً؛ويكون السواد الأعظم من الناس في مقاعد النظارة!0
إن ضعف الشعور بالواجب يتولد عنه تلقائياً ضعف الشعور بالمسؤولية,ويتولد عن الثاني شعور عميق بالتفاهة والعقم والفراغ,وإن كثيراً مما يسمى مشكلات عاطفية , ليس في جوهره سوى أعراض لذلك الشعور0
تجديد البعد الخلقي,يفرض على الواحد منا أن يتفحص بدقة توعين من الالتزام:
الأول والأهم:هو ما التزمنا به بسبب إيماننا بالله-تعالى-وإسلامنا لوجه له0
الثاني:ما قبلنا به حين انخرطنا في الحياة الاجتماعية,وربطنا مصيرنا,ومصير أشياء كثيرة بمصير أمة الإسلام0ومن الجليّ أننا نعاني من فراغ كبير في هذا الجانب,فالمسائل المهمة والملحّة التي تتعلّق بعيشنا ومستقبلنا المشترك,لا تلقي سوى القليل من الاهتمام ومن فئة محدودة من الناس!0
المجتمع بتربيته وأعرافه وتركيبته الثقافية,ينشَّط الشعور بالواجب,أو يقتله,وهنا يبرز دور الرواد العظام الذين لا يخضعون للمعطيات الاجتماعية السائدة وإنما يندفعون بوحي من مبادئهم نحو تجاوز السقف الاجتماعي,وتأسيس بُنى ثقافية جديدة أكثر صحة ونقاء وصلاحية0وسيكون للمؤسسات التربوية والاجتماعية دور حاسم في هذا الشأن؛نظراً لكونها أدوات تغيير ودفع نحو الوضعية الصحيحة .
إن الإنسان يكون إنساناً على مقدار ما يرتاع للفارق بين ماهو كائن,وبين ما يجب أن يكون,ولا يتم ذلك إلا من خلال الإحساس بالوظيفة الشخصية في ردم الفجوة,
وإحـداث عمليـة التطــــــــابق0
___

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image032.gif[/IMG]الفصل الثاني:-

تحديات جديدة:
إن النظرة الإسلامية للإنسان أنه مملوك الله-تعالى-ومن ثمَّ فإن عليه أن يتصرف في جسمه-وجميع شؤونه-على النحو الذي يقرّه عليه الشرع,ومن هنا فإنه ليس للمرء أن يقتل نفسه,أو يقطع عضواً من أعضائه,كما أنه ليس له أن يمتنع عن الطعام حتى الموت, وليس للمسلم أن يتناول من الأطعمة و الأشربة ما ثبت ضرره,وكلما اشتدّ ارتباط إمكانية الشفاء بدواءٍ ما كانت درجة الحض على تناوله أقوى من أجل ***** الجسم الذي ائتمننا الله-تعالى-عليـه0
هناك العديد من النصوص التي تحثّ المسلم على المحافظة على بدنه قوياً صحيحاً
معافى,منها قوله-عليه الصلاة والسلام-:[المؤمن القوي خيراً وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف,وفي كلًّ خير],قوله[خيركم من طال عمره وحَسُن عمله],وقوله[ما ملأ ابن آدم وعاء شرَّاً من بطنه,بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن صلبه,فإن كان لا محالة,فثلثٌ لطعامه,وثلثٌ لشرابه,وثلثٌ لنَفَسه]0
وعلى المسلم بعد هذا وذاك أن يتجنّب التعرض للأمراض,وأن يتجنب كذلك تعريض غيره لها,فلا يدخل بلداً انتشر فيه وباء من الأوبئة,كما ورد في الحديث: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض,فلا تدخلوها,وإذا وقع بأرض وأنتم فيها,فلا تخرجوا منها)0
لا خلاف اليوم أن الأرض-على الرغم من توفير كثير من المرفهات,ووسائل الراحة,وتقدّم التشخيص الطبي,والسيطرة على الكثير من الأمراض-لم تعد المكان الأكثر ملاءمة لصحة الإنسان وعافيته بسبب التخريب الواسع النطاق الذي أحدثه الإنسان في البيئة من خلال تلويث الماء والهواء والتراب,ومن خلال إتلاف الغابات,واستهلاك الموارد غير المتجددة بصورة جشعة لم يسبق لها مثيل0أضف إلى هذا السلوكيات وأنماطَ العيش الجديدة التي فرضتها,أو أتاحتها الحضارة الحديثة0
عدد سكان الأرض يقاربون الآن 6مليارات,وكانوا من قبل ألفي سنة نحواً من 250مليون فقط0وقد زادوا نحواً من(50%)خلال الرابع الأخير من القرن الحالي,ومعظم هذا العدد الضخم من الناس,لا يسلكون السلوكات التي ترضي الله-تعالى-ولا السلوكات التي اجعل الأرض صالحة لاستمرار العيش عليها0
ولا أريد أن أفصّل في هذا,لكن من المهم أن نعرف أنّ أمراض السرطان والحساسية وأمراض المناعة والكبد,وأمراض الدم والقلب,وغيرها من الأمراض المستعصية,يزداد انتشارها عاماً بعد عام,وهذا يتطلّب من كلّ واحد منّا أن يحسَّن مستوى ثقافته الصحية,
ما دامت المخاطر التي تهدد حياته تزداد باستمرار0
بعض الناس ينظر نظرة استخفاف إلى كل ما يتعلق بهذا الشأن,ويظن أن الاهتمام بالبعد الجسدي,لا يعدو أن يكون شكلاً من الانغماس في المادية,أو استثماراً في مشروع خاسر حيث إن الموت هو نهاية الجميع!وربما كان هذا التوجه من بعض موروثات عصور الانحطاط التي مرّت بها أمة الإسلام,وإلا فإن مجمل التعاليم الإسلامية,تدعم الاهتمام بالجسد والعناية به,وحين كانت أمة الإسلام تملك الرؤية الصحيحة لأمور دينها ودنياها-كانت أسبق الأمم في مجالات النظافة والوقاية من الأمراض,وبناء المستشفيات,والعلوم الطبية عامة0
إن محافظة الإنسان المسلم على جسد قوي وسليم ونشيط,هي مطلب إسلامي لأن الجسد هو الراحلة التي سنبلغ عليها كل الأهداف,وينبغي أن تكون تلك الراحة قوية بما في الكفاية0ومن وجه آخر فإن الأجهزة الطبية المتقدمة,ومعظم الأدوية-لا سيما المواد الفعَّالة فيها-مستوردة,وتستهلك جزءاً مهماً من الأموال الإسلامية,مما يعني أن محافظة كل فرد على صحته العامة,ستعني توفير الكثير منها ضعف الإمكانات,وتزايد الأعباء0
إن الآجال بيد الله-تعالى-واهتمام الإنسان بصحته قد يوفر عليه الكثير من آلام الشيخوخة وعذاباتها,والتي تصرفه عن الكثير من عبادة ربه,والكثير عن واجباته المختلفة0مما يوجب استهداف المرور بها بسلام قدر المستطاع,والله غالب على أمــره0
'قواعــــــد في حفظ الصحة العامة:
هذا بعض الأفكار والقواعد والملاحظات التي تساعد على حفظ الصحة العامة(1)
[(1)ننصح باقتناء كتاب حول الصحة العامة,مثل كتاب(الوقاية خير من العلاج) للدكتور عبد الرزاق الكيلاني,والذي اعتمدنا عليه في أكثر ما كتبناه هنا0]
نسوقها عبر المفردات التالية:
{النظرة إلى وضعية الحياة الدنيا:-
ينبع أساس الموقف الصحيح من البدن وحقوقه والمحافظة عليه من نظرة الإنسان إلى الدنيا والآخرة,فالذي يغلب على حسَّه ووعيه أن الحياة الدنيا هي كل شيء أو هي الشيء المضمون,فإنه في الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد(2)[(2) حدثني أحد الأشخاص ذات يوم عن أسلوبه في تأثيث بيته وإمتاع نفسه-في دائرة المباح-وحين وجدت في ذلك نوعاً من التوسع الزائد,قال لي:كم حياة و سنعيش؟
فقلت:سنعيش حياتين:مؤقتة ودائمة0وأنا في الحقيقة لم أضف إلى معلوماته,ولا إلى معتقده شيئاً,لكني نبّهته من غفوة كان فيها0]
ومغريات الاستماع بالمآكل والمشارب,وصنوف المتع,وأشكال اللهو0وحين ينظر المرء إلى الحياة الدنيا على أنها دار ممر,وأنه ينبغي أن نعيش فيها وفق متطلبات الدار الآخرة ورمزياتها-فإنه حينئذٍ سيستطيع-بعون الله-أن يفعل الكثير على طريق سلامته الصحية0
ويؤسفني القول:إن الإحساس يكون العيش هنا مؤقتاً وزائلاً قد ضعف لدى كثير من المسلمين,مما جعل سلوكهم العملي لا يختلف كثيراً عن سلوك غيرهم ممن لا يرجو الله الدار الآخرة؛ولذا فإن التقدم على صعيد لا الجسد قد يتوقف على التقدم على صعيد الفكر والروح والعقيدة,وهذا ما يؤمّنه إلى حدًّ ما ذكرنا في ثنايا هذا الكتاب عن ذلك0
{التـوازن:
التوازن سرّ نجاح الإنسان وتميزه,وعند النظر في مسيرة الحياة كلها نجد أنها تقوم على قاعدة من التوازنات المعقدة؛ولا ينبغي للإنسان أن يخرج عن ذلك, فالانسجام مع ما بثّه الله-تعالى-من سنن في كل أرجاء الحياة مصدر مهم للفلاح والنجاح,ولابد أن نراعيه على صعيدنا الشخصي قبل أي شيء آخر,ومن الملاحظ هنا أن بين شبابنا اليوم مَن انهمك في رعاية حاجات الجسد إلى الحد الأقصى,بل إن نشاطاً واحداً من نشاطات الجسد-كالرياضة-صار محور اهتمامه وتثقفه ومتابعاته000وهو على الصعيد الروحي والفكري والاجتماعي, يكاد يكون مفلساً!0
في المقابل نجد من غلب عليه الاهتمام بشؤون الفكر أو الروح أو المال ... وأهمل جسده,فلا يعرف شيئاً عن أحواله,ولا عن علاجه,ولا مدى صلاحية أجهزته,وهذا كله من الخلل الذي يحطّ في النهاية من النسق العام التوازن الشخصية كلها,وإن لم يشعر بذلك؛
وحين زار سلمان الفارسي أبا الدرداء-رضي الله عنه- صنع له طعاماً,وقال له:كلْ فإني صائم0قال سلمان:ما أنا بآكل حتى تأكل0فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم-أي الليل-فقال له:نم,فنام,ثم أراد أن يقوم,فقال له:نم,فلما كان آخر الليل قال سلمان:قم الآن:فصلَّيا جميعاً,وقال سلمان:إن لربك عليك حقاً,وإن لنفسك عليك حقاً,فأعطِ كلَّ ذي حثًّ حقَّه0فبلغ ذلك النبيَّrفقال: "صدق سلمان"0
إن تلبية حاجات الجسد,تخرج ذات المرء من أفق المثالية والانعزال عن الواقع , إلى الموضوعات الخارجية؛لتصبح مركز توازن ودمج بين المثالية والواقعية,ومن خلال ذلك تستقيم شؤون الحياة,أو يصبح الاستمرار ممكناً؛ومع هذا فإن لدى الإنسان قابلية كبيرة للانجذاب إلى العناية ببعض جوانب حياته وشخصيته على حساب جوانب أخرى,ولابد من الانتباه ومجاهدة النفس من أجل استعادة التوازن,ولا سيما حين تكون الأشياء المهملة شاقة,أو بعيدة عن نور الوعي0


{توجيهـات شـرعيـة:-
إن العقيدة الإسلامية,تؤمّن للمسلم الفضاء النظري لرؤاه وتوجّهاته ومعاييره, وأولويَّاته0 أما الشريعة,فتؤمّن له بالبصيرة بمواضع الفعل والكفّ من خلال الأحكام الفقهية,ومن خلال الآداب الفردية والاجتماعية0وتوجيهات الشريعة الغرّاء وآدابها في مجال حفظ الصحة العامة كثيرة جداً,نذكر طرفاً منها في الآتي:
أ-أكل الطبيات من غير تبذير ولا إسراف,ومراعاة الاعتدال في الشأن كله,وفي هذا يقول-سبحانه-:{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}[الأعراف:31]0وقال في وصف عباد الرحمن:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}[الفرقان:67]
ب-التداوي:تناول الدواء من أجل مكافحة الأمراض والأوبئة التي تهاجم الجسم-شيء حثت عليه النصوص,فقد جاء بعض الأعراب إلى النبيrوقالوا: يا رسول الله, أنتداوى؟فقال:"نعم يا عباد الله تداووا فإن الله-عزَّ وجلّ-لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد",قالوا:وما هو؟قال:"الهـرم"0
وهناك أحاديث كثيرة-كما في الطب النبوي-تصف بعض الأدوية لبعض العلل أو الأمراض,أو تلك التي تبيّن بعض فوائد وميزات بعض الأطعمة,ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يرى العلل تفتك في جسده,ثم لا يعيرها أي اهتمام بسبب احتجاج فاسد بالقَدَر تارةً,أو بسبب طبيعة الإهمال لديهم,أو الادّعاء بالانشغال بما هو أهم!0
ج-الامتناع عن المحرمات:إن الناظر فيما حرّمه الإسلام من الأشياء والأفعال يجد أنه دائماً يعود بنوع من الضرر على صحة الإنسان العامة,أو على طريقة إدراكه للأشياء,أو على علاقته بالبيئة من حوله000وكلما تقدم العلم,وزادت خبرة البشرية بأوضاعها العامة,صارت رؤيتنا لذلك الارتباط بين المحرمات والأضرار أوضح0ولذلك فالملتزم بالشرع يريح مرتين:رضوان الله-تعالى-أولاً, وصلاح وضعيته العامة ثانياً0
ولا أريد أن أستعرض هنا مشكلات الربا والقمار والخمور والمخدرات وأكل لحم الخنزير ولحم الميتة,وما شاكل ذلك مما يغرق العالم اليوم,فذاك حديث يطول, ويكفي أن نتلمس بعض الأضرار التي تسببها فاحشة الاتصال الجنسي غير المشروع: الزنا واللواط؛لنعرف فداحة الخسائر التي تحيط بحياة البشر من جرّاء الإعراض عن المنهج الربّاني الأقوم0
إن فشوّ الزنا واللواط في كثير من المجتمعات قد أدى إلى انتشار عدد من الأوبئة الخطيرة,مثل مرض الإفرنجي(السيفيليس)الذي يقع منه في أمريكا وحدها نصف مليون إصابة سنوياً على الرغم من كثرة الأدوية وتقدّم التشخيص الطبي0يراجع عيادات الأمراض(الزهرية)فيها نحو 20مليون مريض0ويقال:إن في العالم عام1987م ما يقارب 250مليون شخص مصاب بالسيلان(التعقيبة)!0
والمرض الخطير الذي بات يحصد بني الإنسان حصداً,هو فيروس(الإيدز), الذي كثيراً ما ينتقل عن طريق الإيصال الجنسي بأناس مصابين به,فيحطّم جهاز المناعة لدى الإنسان فتنهار مقاومته,ويصبح الجسم بلا حول ولا قوة,كالجيش الذي سُحب منه سلاحه أو الحصن الذي تهدّمت جدرانه0
هناك أرقام كثيرة ومخيفة حول انتشار هذا المرض الذي لم يُكتشَف له علاج ناجح حتى الآن0ونصيب الدول الفقيرة والنامية من هذا أكبر من نصيب الدول المتقدمة,لا لعفّة الشعوب الصناعية,ولكن لوجود وعي صحي لديها أفضل مما هو عند غيرها,ويقدّر بعض الإحصاءات أن عدد حاملي هذا الفيروس موجودين في أفريقيا,وهو ينتشر بين الذين أعمارهم(10-25)سنة0وبعض القرى في أوغندا مُسح سكانها مسحاً0والنمو السكاني الذي يبلغ في أفريقيا نحواً من 3% يمكن أن ينعدم قريباً0وقالت منظمة الصحة العالمية:إن من المتوقع أن يكون عدد المصابين بحمى الإيدز في سنة 2520:مليار شخص, وإن(20)من شبان دول أفريقيا الوسطى والهند وتايلند وبعض بلاد أمريكا الجنوبية مصابون بحمى الإيدز الآن(1)[(1)أرجو أن تؤخذ كل الأرقام المتعلقة بالإيدز وجميع الأمراض الوبائية على أنها إحصاءات غير دقيقة,وهي ليست أكثر من مؤشرات, تنبع خطورتها من دلالتها على تطوّر الحالة الصحية للعالم أكثر من أي شيء آخر]0
وتشير تقارير وزارة الصحة الفرنسية إلى أن حالة وفاة واحدة في مدينة باريس من بين كل ثلاث وفيات بين سِنّ(25-44)سنة من العمر,هي بسبب الإيدز0
إن الخمر تضعف كريات الدم البيضاء التي تمنع تكاثر حمى الإيدز,وإن العدوى بالإيدز كثيراً ما تحدث في الغرب نتيجة الشذوذ الجنسي,ونتيجة حقن المدمنين على المخدران أنفسهم بحق ملوثة,وهكذا يتلاقي الشذوذ الجنسي مع الزنا وشرب الخمر وتناول المخدرات في حملة مترابطة لإبادة الجنس البشري0
وهكذا تبدو روعة التشريع الإسلامي في حفظ الكيان الإنساني من التدهور والانحلال . ولكن يبدو أن الحضارة الحديثة قد أضعفت إرادة الإنسان على مقدار ما زادت في قدراته,فكأنها نزعت منه من الإنسانية على مقدار ما زرعت فيه من البهيمية والوحشية!!0
د-النظافة:من أهم ما يساعد على المحافظة على الصحة العامة(النظافة)على المستوى الشخصي,وعلى مستوى البيئة,وليس هناك دين من الأديان أعطى من الاهتمام بمسألة النظافة ما أعطيته الأحكام والآداب الإسلامية0
الجلد ذو أهمية بالغة في حياة الإنسان,فهو يشكل الدرع الواقي,وخط الدفاع الأول عن الجسم,وهو الكيَّف الذي يحفظ حرارة الجسم في حدها الطبيعي, ويحمي الجسم من الأشعة الضارّة000خلايا الجلد تتجدّد باستمرار,والخلايا الميتة تبلغ الملايين يومياً,وهي تتراكم على سطح الجلد,كما أن العرق الذي يرشح منه,يتبخر ماؤه,وتبقى أملاحه000مما يوجب العناية به وتنظيفه باستمرار؛ وقد ورد الحديث:"إن الله طيّب يحبّ الطيب,نظيف يحبّ النظافة,كريم يحب الكرم,جواد يحب الجود,فنظفوا لأفنيتكم,ولا تَشَبَّهوا باليهود"(1)0[(1)رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح,والأفنية:ساحات الدور0]
وفي حديث الشيخين:(حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام, يغسل رأسه وجسده )0الشريعة توجب على المسلم الاغتسال من الجنابة والاحتلام ,كما توجب على المسلمة الاغتسال بعد الطهر من الحيض والنفاس0وسنَّته لصلاه الجمعة-وبعض الفقهاء يقول بوجوبه-وللعيدين والإحرام ودخول مكة,والإفاقة من الإغماء,وعند طواف الإفاضة,وعند التوبة من الذنب, وفي مناسبات أخرى عديدة0
وأوجبت الشريعة الوضوء-وهو غسل أعضاء الجسم الظاهرة التي يكثر تعرضها للوسخ والغبار-للصلاة والطواف وصلاة الجنازة0ومن السنّة التوضّؤ قبل النوم وللأذان والوقوف بَعَرَفة,وعند ثورة الغضب وغيرها000
وبالإضافة إلى هذا فإن الإسلام يولي اهتماماً خاصاً لنظافة الفم والأسنان,لمِا لذلك من درر جوهري في المحافظة على صحة الجسم؛ولذا فقد شرع المضمضة والسواك في أوضاع وأوقات عديدة في اليوم والليلة على ماهو معروف ومشهور0
لا تقتصر النظافة على ما ذكرناه,وإنما تتعدّاه إلى ضرورة المداومة على تقليم الأظافر بانتظام,وغسل الأيدي قبل الطعام وبعده,وبعد قضاء الحاجة,وبالإضافة إلى الانتباه إلى نظافة الطعام والشراب,ومكافحة الذباب والبعوض,وعدم التبوُّل في الماء والطريق والظل0
إن الإسلام لا يحرص على النظافة فقط,وإنما على الطهارة أيضاً,والتي هي مفهوم شرعي لا تعرفه أمم كثيرة,ولذلك نجد أن تنزّه المسلم عن البول والغائط في جسمه وثوبه لا نظير له عند معظم-إن لم نقل جميع-الأمم الأخرى,وبذلك يمكن القول:إن المسلم الملتزم بتعاليم دينه,هو الأطهر والأنظف في هذا العالم؛والله الحمد0
{الغـــذاء المتوازن:
هو شرط أساسي لصحة جيدة,ومعظم الناس على جهل عظيم بما يحتاجه جسم الواحد منهم0ويظن كثيرون أن مجرد ملء المعدة يعدّ كافياً لحصول أجسامهم على حاجتها من الغذاء؛ولذا ترى بعض الناس قد أصيب بالبدانة نتيجة كثرة ما يأكل,وهو إلى جانب ذلك مصاب بفقر الدم بسبب سوء ذلك الذي يأكله!0
المتخمون في أمة الإسلام كُثُر,والجياع وأشباههم أيضاً كثر,وكل ذلك بسبب أشكال من الخلل والقصور الثقافي والسلوكي؛والمطلوب أن نستعيد التوازن الضروري لاستقامة حياتنا الفردية والاجتماعية0
وظائف الغذاء في جسم الإنسان أربع:البناء,وتوليد الطاقة,ودعم المناعة,وبقاء النوع0 ولكي يتم تزويد الجسم بالغذاء على أحسن وجه يجب أن يشكّل(البروتين)نحواً من(15-18%)من غذائنا,والدهون(30%),والسكريات والنشويات(52-55%),بالإضافة إلى بعض المعادن و(الفيتامينات)0وإن الخلل الكبير في هذه النسب يسبب أضراراً كبيرة للجسد على المدى البعيد؛وعلى سبيل المثال فإن نقص(البروتين)في الراتب الغذائي
اليومي إذا كان حاداً فإنه يؤدي إلى ضمور العضلات وانتفاخ البطن ونقص المناعة000
أما زيادته عن الحد المطلوب,فإنها تشكّل عبئاً على الكبد والكلى,هكذا000
إنني لا أريد التفصيل في مسألة أنواع الغذاء,وما يشتمل عليه كل منها من عناصر مهمة,لكن أقول:إن الوعي الصحي بما تحتاجه أجسامنا كمّاً وكيفاً,وبمصادر ذلك؛أمر ضروري لكي نساعدها على عبور رحلة الحياة الشاقة0
{التخلـــــــــص من البدانة:-
أساس مهم من أسس الصحة العامة,وأحد مطالب السلامة والنجاة من معطيات زماننا, حيث كثرت وسائل الترفيه,وصنوف الأطعمة التي لا تكاد تُحصر,مما يغري الإنسان بالإسراف في تناولها,والذي تنشأ عنه زيادة في الوزن لدى كثير من الناس0
كان القدماء يعرفون الكثير عن مضار البدانة,وقد ورد من الآثار والحكم في ذمها الكثير,ومن ذلك قولهr(أكثر الناس شبعاً في الدنيا,أطولهم جوعاً يوم القيامة) وقوله:(المؤمن يأكل في مِعَى واحد والكافر في سبعة أمعاء)0
ويروي عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-أنه قال:(إياكم والبطنة(1)
[(1)البطنة:الامتلاء الشديد من الطعام]
في الطعام والشراب,فغنها مفسدة للجسم,مورثة للسقم,مكسلة عن الصلاة,وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد,وأبعد من السَّرَف0وإن الله-تعالى-ليبغض الحبر(1) [(1):العالم]
السمين,وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه)0
هناك مقاييس عدة للوقوف على الوزن المثالي,أشهرها يقوم على تساوي الوزن مع الطول بعد حذف100سم من الطول,فالذي طوله 170سم يكون وزنه المثالي 70كغ؛
فإذا زادت كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص عن حاجة الجسم اليومية, فإن الجسم يحوّل كثيراً من الزائد إلى(دهون)تتراكم تحت الجلد,وفي العضلات,وحول الأوعية الدموية000فيبدأ وزنه بالازدياد0والبدانةأو السمنة في نظر بعض العلماء ثلاث درجــــــــــــــات:-
1-سمن معتدل إذا زاد الوزن بنسبة(20-40%)من الوزن المثالي0
2-سمن متوسط(41-100%)من الوزن المثالي0
3-سمن شديد إذا زاد الوزن بنسبة أكثر من(100%)من الوزن المثالي0
لكن تجب معالجة السمنَة منذ أن تصل في الوزن إلى (10%)خاصة في الأطفال,لأن المعالجة بعد ذلك تصبح صعبة0
يمكن القول:إن البدانة إلى سلسلة مروَّعة من المخاطر على الصحة العامة للإنسان , وتوضح بعض الإحصاءات أن البدانة تترافق مع نقص العمر بسبب ما تؤدي إليه من الأمراض,فقد تبيّن أن ازدياد الوزن10كغ عن الحد المثالي يترافق معه مع نقص العمر بنسبة18% وازدياد 15كغ يترافق مع نقص العمر بنسبة 28%0ويقول أحدهم:كلما زاد الوزن عن الحد المثالي 10كغ نقص العمر عشر سنوات(2)0[(2)الأعمار بيد الله-تعالى-وهذا الكلام عن الوضع العام وليس عن الأفراد,وإلا فقد يعيش النحيف أقل من السمين,وقد يُعَمَّر البدين جداً أكثر من المعدل الوسطي السائد في بلاده,لكن الله-جلَّ وعلا-بنى الحياة كلها على الأسباب والمسببات,والإحصاءات التي يذكرها العلماء في هذا الشأن,عبارة عن استقراء لما هو واقع بالفعل,وليس لما يمكن أن يقع0]
من الأمراض التي تسببها البدانة ارتفاع الضغط الشرياني,وتشحُّم الكبد, والروماتيزم المزمن,ودوالي الساقين,وخثرات الأوردة,وقصور القلب الاحتقاني, وأمراض الشرايين التاجية,والعقم لدى النساء,وقصور التنفس,وانتفاخ الرئة, وازدياد (كولسترول)الدم, والإصابة بالسكري,إلى جانب الإصابة بتآكل غضاريف المفاصل ...
وعلى سبيل المثال,فقد تبيّن أن زيادة الوزن عن الحد المثالي بمقدار(20%) تجعل صاحبها مهيّـأ للإصابة بالداء السكري أكثر من الشخص الطبيعي بنسبة عشرة أضعاف0
وكلما ازداد وزن الجسم كيلوغراماً واحداً عن الحد المثالي,يزداد طول الأوعية الدموية في الجسم 3كم؛وهكذا فالقلب الذي كان عليه أن يخدم وزناً معيناً للجسم وطولاً للأوعية الدموية,يجد نفسه مضطراً لخدمة جسم أكثر وزناً بكثير, وأوعية أكثر طولً بكثير,مما يجهده,ويضعفه قبل الأوان!0
هناك الكثير من الطرق للتخلّص من البدانة,ولكن أكثرها أمناً وفاعلية تلك التي تعتمد على(الإرادة الصلبة)التي تساعد صاحبها على مقاومة شهوة التهام المقادير الكبيرة من الطعام,إلى جانب شيء من الرياضة الملائمة0د
{الإقــلاع عن التدخين:
لا نريد أن نتحدث عن البعد عن تناول الخمور والمخدرات؛لأننا لا نوجّه الخطاب إلى الفئة المتورطة في مثل هذه الأمور,وإنما نوجّهه إلى تلك الشريحة الخيرة من الناس,والتي ترغب في تحسين أحوالها,والارتقاء في معارج الكمال0وبعض من هذه الفئة قد يجد نفسه أسيراً لعادة التدخين بسبب عوامل مختلفة0
ومن المؤسف حقاً أنه في الوقت الذي بدأ العالم الغربي يحارب التدخين, ويرتب العقوبات والغرامات على تناوله في الأماكن العامة,وأماكن العمل والطائرات000في هذا الوقت أخذ(الدخان)ينتشر بين اليافعين والشباب من أبناء المسلمين على نحوٍ مخيف,ينذر بأوخم العواقب0
وقد كان بعض علماء المسلمين يتردّدون في تحريم الدخان,أما الآن بعد أن ثبت أضراره الكثيرة,فينبغي أن تصير الفتوى إلى التحريم أو ما يقاربه,وينبغي على الحكومات أن تقف موقفاً صارماً من الاتجار به وترويجه,وإلجاء المنتفعين من ورائه إلى أضيق السبل0
إن أهم المواد المنبعثة من الدخان ثلاث,هي:النيكوتين,وغاز أوّل أكسيد الفحم, والقطران؛وهي ما بين مواد سامة ومسرطنة,كما أن الورق الذي يُلفّ به التبغ أيضاً مادة مسرطنة0
وأضرار التدخين عديدة,ويذكر د:كيلاني:أن الإحصاءات تشير إلى أن التدخين يتسبب في(30%)من الإصابات بالسرطان,وفي(25%)من الوفيات بأمراض الشرايين التاجية لمن هم دون سنة ال(65)سنة من العمر. وهو يتسبب في(11%) من إجهاضات الحوامل,
وفي(15%)من سرطانات الرئة(خاصة),ونسبة إصابة المدخنين المعتدلين بسرطان الرئة تبلغ تسعة أضعاف نسبة غير المدخنين0أما في المدخنين المدمنين , فتبلغ النسبة عشرين ضـعفاً0
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية ما ملخصه:يحدث كل سنة(2.5)مليون وفاة بسبب التدخين في العالم0وهو يسبب(16%)من وفيات أمراض القلب و(39%) من وفيات جهاز التنفس,و(78%)من وفيات سرطان الرئة0
إن ثمن السكاير التي تُدخَّن في العالم كله كلَّ سنة يقدَّر ب(100)مليار دولار, تذهب هباء,وتلوَّث البيئة أيضاً,فهل هذا حلال؟0
إن مسؤولية الإقلاع عن التدخين تقع على المدخن أولاً,لكن لابد من سنّ التشريعات والقوانين التي تحارب هذه الظاهرة المستفحلة,ولابد للأسرة والمدرسة من أن تقوما بواجبهما في التوجيه والرقابة والمتابعة,كما أن الوسائل الإعلامية المختلفة لها دور بالغ الأهمية في محاصرة هذه الظاهرة0ولا يخفي أن هذه الموجة الهائلة التي تجتاح أقطاراً عديدة في عالمنا الإسلامي,هي جزء من موجه الضياع التي يتعرض لها شبابنا اليوم,لأسباب عدة,باتت واضحة للقاصي والداني؛والله المستعان0
{الراحة النفسية:-
لا يصح للمسلم أن ينسى أن كل ما يحققه من نجاح,وما يصيبه من خير,هو من توفيق الله-تعالى-ومعونته وفضله,وأن ما يصيبه من بلاء وشدائد قد يكون بسبب أخطائه وتقصيراته,وقد يكون ابتلاء من الله-تعالى-يُثاب عليه إذا صبر واحتسب0وفي كلتا الحالتين,فإنَّه لا يصح لنا أن ننسى كل مكاسب والنجاحات التي نحققها في هذه الحياة,
هي مكاسب ونجاحات مؤقتة وزائلة,هي وأصحابها,وأيضاً فإن كل أشكال الإخفاق والبلاء,هي الأخرى مؤقتة,وستزول إن عاجلاً وإن آجلاً0وهذا الإدراك يؤمن للمسلم نوعاً من التوازن النفسي,كالذي نستشفّه من قول الله-سبحانه-{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بمآ أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}[الحديد:22-23]0
حتى يصل المسلم إلى هذه الحالة,فإن عليه أن يحرر نفسه من اسر الهموم والوساوس والأوهام؛إذ على الواحد منّا أن يأخذ بالأسباب,ويفعل كل ما يستطع فعله في الاتجاه الصحيح وأن يرضى بالنتائج,ويستسلم لأمر الله-تعالى-0
تقول هذا لأن(الجلطة القلبية)تأتي اليوم في الدرجة الأولى بين أسباب الوفاة في كثير من بلاد العالم,وهذه الجلطة سببها تصلّب الشرايين,وحين تُصاب شرايين القلب بالتصلّب والضيق,يكون القلب مملوءاً بالدم,ولكنه لا يستطع أن يأخذ منه الكمية الكافية له. وسبب تصلّب الشرايين هو ازدياد نسبة (الكولسترول) و(الغليسيريدات)الثلاثية في الدم0
إلى جانب ذلك فإن (الكرب)ذو تأثير بالغ في تصلّب الشرايين في حدوث الجلطة, وبعض الأطباء يجعل العامل النفسي هو السبب الرئيسي في حدوثها, ويذكرون أن وزنه بين أسباب حدوثها يصل إلى(70%),وتخفيف الكرب يكون بالعلاج الإدراكي,والرضا بقضاء الله وقدره,والتذكّر بأن هناك أناساً كثيرين قد أصيبوا بأكبر مما أُصبنا به,ويعانون أشد مما نعاني منه0
لا بد بعد هذا وذاك من الحرص على الاسترخاء والنوم المبكر,وقد ثبت أن نوم أول الليل أنفع للجسم من نوم آخره؛فالسهر خلاف السُّنّة إلا من حاجة مشروعية, فتقليله هو الأصل,وتعوّد النوم المبكر يساعد المسلم على اغتنام أوقات السحَر المباركة,وحضور صلاة الفجـر مع الجماعة0
{ممارسـة الرياضــــــــة:-
إن ممارسة الرياضة الملائمة لسن الواحد منّا على درجة عالية من الأهمية,فهذه الأجهزة التي متّعنا الله-تعالى-بها تحتاج المحافظة عليها إلى استخدامها بأسلوب يحافظ على سلامتها,ويحرضها على النمو0
وقد كان كثير مما هو مطلوب يتم في الماضي بطريقة عفوية,حيث الآلات التي توفّر الجهد العضلي شبه معدومة,مما يضطر الناس آنذاك إلى استخدام أيديهم وأرجلهم على نحوٍ مستمر في جلّ شؤونهم0أما اليوم,فإن كل ذلك يتجه إلى تقليل الحركة,وقضاء الأعمال في المنزل أو في المكتب,واستخدام الجهد العضلي إلى أدنى حدّ ممكن على ما هو معلوم000
كثيرون أولئك الذين يقولون:إنه لا وقت لديهم لممارسة الرياضة,مع أن الواحد منهم لو حسب ما يقضيه من وقت في أحاديث غير ذات قيمة على الهاتف,وما يقضيه من ساعات عديدة أمام التلفاز لوجد أن ما يبذَّره من وقت أكثر بكثير مما يحتاجه لتجديده بُعد البدني,وإبقائه في حالة جيدة من الحيوية0
إن تنشيط الجسم ورفع كفاءة أجهزته المختلفة,ثمرة لن تكون أبداً مجانية, فمبدأ) : لا فائدة بدون ألم)ينطبق على موضوع الرياضة,كما ينطبق على موضوعات أخرى كثيرة0
فوائد الرياضة كثيرة جداً,فهي تحرق الدهون الزائدة عن حاجة الجسم, وتخلّصه من أذاها وشرورها,كما أنها تحرك المفاصل,وتنشّط الدورة الدموية, فتأخذ المفاصل حاجتها من الكلس والمغنزيوم,وغيرهما كاملة0
وللرياضة أيضاً أثر جيد على الحالة النفسية0وكلما كان الهواء نظيفاً,وكان المكان مفتوحاً,كانت فائدة الرياضة أعظم,وبعد الفجر يكون الهواء في قمة نقائه,لذا فإن ممارسة الرياضة بين طلوع الفجر وطلوع الشمس تكون ذات مردود أفضل . المشي والجري والحركات السويدية وركوب الخيل والسباحة ... كلها رياضات مفيدة ونافعة,
ويمكن الواحد منّا أن يسلك الطريق الأطول إلى المسجد أثناء ذهابه إليه والإياب منه,كما يمكنه ترك استخدام سيارته يوماً في الأسبوع,وقضاء حاجاته القريبة ماشياً . وإن مشي نصف ساعة إلى ساعة يومياً يُعدً كافياً للمحافظة على درجة جيدة من اللياقة البدنية,المهم أن يختار المرء الرياضة المناسبة لسنّه,وأن ينتظم فيها في كل الظروف والأحوال .
إن الاهتمام بالبدن مطلوب في هذا الزمان أكثر من أي وقت آخر نظراً لأننا نعيش حياة مصطنعة,كثيراً ما تكون خارجة عن دورة الحياة الفطرية الطبيعية, ولابد أن نعوَّض ما فقدناه نتيجة ذلك بالوسائل المختلفة التي أشرنا إلى كثير منها0والله المستعان.

___

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image033.gif[/IMG]الفصل الثالـــــــــث:-

المنطلـق النظري:
العيش في الزمان الصعب,يتطلب من المسلم أن يستنفر كل قواه:الروحية والعقلية والجسمية والمهارية؛حتى لا يُهمَّش,أو يجد نفسه تابعاً ذليلاً لجهة ما,أو يجد نفسه كسيراً حسيراً,لا حول له ولا طَوْل0إن الحياة العامة التي يعيشها السواد الأعظم من الناس ليست حياة سوية,حيث اختصر كثير من الأنشطة الروحية والأدبية,أو ألغي؛مما جعل المجال الأكبر للتنافس بينهم هو المال,وما يتبعه من متاع الدنيا,وصار مما لا جدال فيه أن(المال)قد غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى؛فعن طريقة يمكن الوصول إلى أي شيء,كما يمكن دفع أي شيء,و به يمكن ستر أي شيء000
وهذه الوضعية الصعبة لا يصح تجاهلها,كما لا تصح مسايرتها على نحو مطلق. الرؤية الإسلامية العامة في مسألة المال والاقتصاد والكسب والاستثمار والإنفاق, رؤية تميل إلى التوازن والاعتدال,وهي رؤية مترابطة,تراعي مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة في آن واحد,كما تراعي حيثية كون الدنيا مزرعة للآخرة, وكونها دار ممر,لا دار مقر أيضاً0
ولعلنا نجمل المنطلق النظري في هذا الشأن في النقاط التالية:-
'-إن الله-جلّ وعلا-ضامن ومتكفل بالرزق لكل إنسان,بل لكل ذي روح, يقول-سبحانه-{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}[هود:6].
ويقول{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}[الذاريات:58] .
لكن ذلك لا يعني أن رزق الله للناس سيكون درجة واحدة,فالحكمة البالغة اقتضت التفاوت في المعايش تحقيقاً للتكامل,وتنويعاً للابتلاء,وفي هذا يقول-سبحانه-{أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون}[الزخرف:32]0
لكن النظام الإسلامي يكفل تكافؤ الفرص في العيش والكسب,ويؤمّن وسائله على نحوٍ متساوٍ؛ولكل مجتهد نصيب0
2-الكسب والعمل والكد في طلب الرزق عبادة,وإن لم تتعدَّ ثمرات ذلك الدائرة الشخصية والأسرية للمسلم,لكن بالشروط والآداب التالية:
-إن يكون العمل مشروعاً,فالعمل في الربا وأمكنة القمار والملاهي,لا يكون طيباً؛والله-تعالى-لا يقبل إلا طيباً0
-أن تصحبه النية الصالحة:نية المسلم إعفاف نفسه,وإغناء أسرته,ونفع أمته, وعمارة الأرض,وما شابه ذلك0
-أن يلزم فيه حدود الله-تعالى-فلا يظلم,ولا يخون,ولا يغش,ولا يجور على حق غيره0
-أن يحاول تأدية العمل بإتقان وإحسان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً0
-ألا يشغله عمله الدنيوي عن تأدية واجباته الدينية,كما قال-تعالى-{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}[النور:37]0و مرّ على النبيr
رجل,فرأى الصحابة من جَلَده ونشاطه,فقالوا:يا رسول الله,لو كان هذا في سبيل الله ؟! (أي الجهاد)فقال:إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً,فهو في سبيل الله؛وإن كان خرج يسعى على أبويْن شيخين كبيرين,فهو في سبيل الله؛ وإن كان خرج على نفسه يعفّها,فهو في سبيل الله,وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة,فهو في سبيل الشيطان)(1)[(1)قال المنذري:رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.] وفي حديث مسلم:[دينار أنفقته في سبيل الله,ودينار أنفقته في رقبة(أي عتق عبد)ودينار تصدّقت به على مسكين,ودينار أنفقته على أهلك, أعظمها الذي أنفقته على أهلك]0
'-تستنهض الرؤية الإسلامية في مجال الكسب كل مسلم إلى العمل وبذل الجهد في استنباط خيرات الأرض,وتدوير رأس المال,وإنتاج الخدمات المختلفة,فهي تجارب العطالة والبطالة وهدر الطاقات والإمكانات,وهناك من النصوص ما يحبّذ قيام المسلم على أعماله بنفسه,وكسب قوْته من عمل يده وجهده الخاص,مهما كانت ثمار ذلك متواضعة ومحدودة؛فذاك خير من سؤال الناس, وإراقة ماء الوجه في ذلّ الحاجة إلى الآخرين,وفي الحديث البخاري: (ما أكل أحد طعاماً قطّ خيراً من أن يأكل من عمل يده,وإن النبي الله داود كان يأكل من عمل يده)0وعند البخاري أيضاً:(لأَنْ يأخذ أحدكم أَحْبُلَه,ثم يأتي الجبل,فيأتي بحزمة من حطب على ظهره,فيبيعها,فيكفّ بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)0
'-اختلف العلماء اختلافاً واسعاً في التفاصيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر, واستدلّ كل فريق بأدلة صحيحة على اختياره0والذي أراه أننا حيت ننظر إلى المسألة على المستوى الفردي,فإن الأفضلية تتوقف على مسلك الغني ومسلك الفقير تجاه الحالة التي هو فيها,فالشكر ليس درجة واحدة,وهناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الوفرة,كما أن هناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الفقر والقلّة .
أما على المستوى العام,فلا ينبغي أن يختلف في هذا الأمر,حيث أن هناك اعتبارات كثيرة,تجعل المقارنة بين الغني والفقير غير واردة,ففي زماننا خاصة,يستحيل تعليم الناس من غير مؤسسات ترعاها الدولة,كما يستحيل إيجاد نوع من التجانس الثقافي من غير مؤسسات إعلامية,كما يستحيل المحافظة على الاستقلال الوطني من غير جيش وسلاح0000
كما أن هناك شرائح اجتماعية عديدة,تعيش في ظروف وأوضاع خاصة,كما هو الحال والشأن بالنسبة للأرامل والأيتام والمعوقين واللاجئين والباطلين عن العمل والمفلسين والغارمين,والذين تعرّضوا لكوارث طارئة(1)[(1)ورد في هذا المعنى عن سعيد بن المسيب قوله:(لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حله, يعطي منه حقه,ويكف وجهه عن الناس)0وكان يقول:(اللهم إنك تعلم أني لم أمسكه بخلاً,ولا حرصاً,ولا محبة للدنيا ونيل شهواتها,وإنما أريد أن أصون به وجهي عن بني مروان حتى ألقى الله,فيحكم بيني وبينهم,أَصِلُ منه رحمي, وأود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار] ... فحين يكون الفقر هو السمة العامة للدولة وللمجتمع,فإن كل ما ذكرناه من مؤسسات وفئات,سيكون في حالة صعبة,وأحياناً مأساوية0وسيختلف الأمر حين يكون المالية الوطنية جيدة,على ما هو ملموس في بعض الدول(2)[(2)صرّح وزير التعليم الإندنوسي أن وزارته لا تستطيع أن تؤمن غلا كتاباً واحداً لكل عشرة طلاب0وفي المقابل تفيد بعض الإحصاءات أن مجمل ما تبرّعت به المؤسسات والأفراد في الولايات المتحدة عام1996م قد بلغ نحواً من(151)مليار دولار؛ذهب نحو من(45%)منها لدعم المؤسسات الدينية,ونحو من(13%)لدعم التعليم ونحو(9%)لدعم الصحة . فكم مجمل ما تبرع به الناس في العالم الإسلامي الذي يزيد عدد سكانه على عدد سكان أمريكا أكثر من خمس مرات؟!]
وقد أدرك كثير من علماء السلف أن الفقر كان وسيلة إذلال لكثير من الناس,كما كان ذريعة لشراء بعض الذمم,ولذا فإن عدداً غير قليل منهم حاولوا تحسين وضعهم المادي,
وحثّوا الناس على مثل ذلك,يقول ابن الجوزي:"ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء الناس,فإن العالم إذا استغنى ضمّ إلى العلم خير الكمال,وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب,فاحتاجوا إلى ما لابد منه,وقلّ الصبر,فدخلوا مداخل شانتهم,وإن تأؤلوا فيها,إلا أن غيرها كان أحسن لهم"0
وقال حماد بن زيد:قال أيوب:(ألزم سوقك,فإنك لا تزال كريماً على إخوانك ما لم تحتج إليهم)0
وقال سفيان الثوري:(كان المال فيما مضى يُكره,فأما اليوم,فهو ترس المؤمن)0
'-إن ظاهرة الفقر التي تلف معظم أقطار العالم الإسلامي,وكثيراً من أبنائه لم تُدرس على نحو كافٍ,وهي ظاهرة متجذرة في التاريخ الإسلامي,وأطن أنه مما لا ينبغي أن يختلف فيه أن هذه الظاهرة المخفية,تعود إلى الكسل وسوء التوزيع والظلم,والفساد الإداري من جهة,وإلى اختلاط بعض المفاهيم من جهة أخرى0وفي هذا السياق نجد على مدار التاريخ من المسلمين من يغلط في فهم بعض قضايا القضاء والقدر,ولا سيما مسألة الرزق,وأنه مقسوم ومكتوب,على ما هو معتقد أهل السنة والجماعة,حيث فهم كثير من المسلمين أنه ما دام الزرق مكتوباً ومحدداً,فِلمَ العناء والكدّ,ولِمَ التفكير والتخطيط؟
والحقيقة أن أنواع القضاء ثلاثة:
[COLOR=**********]أ-قضاء يستوجب الصبر والشكر,وهو كل ما يحدث للإنسان بدون تدخل إرادته, مثل كونه ابن فلان,ومثل ما قضى الله له به من الوسامة أو القبح والذكاء أو الغباء .. [/COLOR]
[COLOR=**********]ب-قضاء يستوجب المعالجة,أي مقابلته بما ربطه الله-تعالى-به من أسباب؛فما قضى الله به من الجوع,يعالَج بالأكل,وما قضى الله به من المرض,يُعالَج بالدواء , وهكذا ...[/COLOR]
[COLOR=**********]ولذا لمّا أراد عمر رضي الله عنه عدم دخول الشام نظراً لوجود الطاعون فيه, وقيل له:(أفراراً من قضاء الله(قال:(نعم أفرّ من قدر الله إلى قدر الله)0[/COLOR]
[COLOR=**********]ج0ما قضى الله به من التكاليف الشرعية,فهذا يُمارس تجاهه حريته,فإن فعل ما أمر به كان مثاباً,وإن عصى عوقب0ولو سلبه الله-تعالى-الاختيار لأسقط عنه المسؤولية على ماهو معروف0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن كثيراً من المسلمين خلط بيم ما أراد الله-تعالى-بنا وبين ما أراد منا,وبين ما منه بد,ويمكن دفعه ومعالجته,وبين ما ليس منه بد,فلا ينفع معه إلا الرضا والاستسلام والصبر والحمد .[/COLOR]
[COLOR=**********]حين نجد عالماً من علماء المسلمين,أو رجلاً فذّاً ممن يّقتدى به فقيراً,فهذا لا يعني أن الفقر ممدوح؛وأن أصلح لحال الأمة وحال الأفراد,فربما يكون ذلك بسبب تفرغه للعلم,[/COLOR]
[COLOR=**********]كما عزف بعض الأئمة عن الزواج خوفاً من شغله لهم عن التأليف والتعليم0وقد يكون فقره بسبب أنه وجد نفسه في ظروف صعبة,وحاول تحسين وضعه,فلم يستطع, وقد يكون ذلك لأنه خشي على نفسه فتنة الغني,والدخول في مداخل الثراء وتبعاته,والعجز عن القيام بحق المال000[/COLOR]
[COLOR=**********]إن الانحراف في فهم حقيقة القضاء والقدر,يحوّل الإيمان به من سلاح يخوض به المسلم غمار الأخطار,ويقف به المواقف الصلبة(لأنه يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له)إلى إنسان جبري معطّل للأسباب,يتقوّت الأماني,و يغوص في لأوحال الكسل والبطالة0وهذا ما يعاني منه كثير من المسلمين اليوم!0[/COLOR]
'-من المنطلقات الإسلامية التوسط في الإنفاق,فلا يمسك المسلم المال عن مواضع البرّ والصلة والصدقة000ولا ينفقه في ذلك أو في أكل وشرب,ويظل بعد ذلك حيران,لا يدري ماذا يصنع بنفسه وعياله0وقد ذكر بعض المفسّرين أن سبب نزول قوله-جلّ وعلا-{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا}
[الإسراء:29],هو أن غلاماً جاء النبي r:إن أمي تسألك كذا وكذا0فقال:(ما عندما اليوم شيء)0قال:فتقول لك:اكسني قميصك0فخلع قميصه,فدفعه إليه, وجلس في البيت عرياناً0
حسن التدبير,وإدارة الموارد القليلة مما يساعد على جعل حياة المسلم أقرب إلى الاستقرار,ومما يساعد على تكوين المالية العامة في الأمة,ولا سيما إذا علمنا أن كثيراً من الأعمال اليوم,لا يقوم على الجهد البدني فحسب,وإنما يحتاج إلى أدوات إنتاج,والتي لا يمكن توفيرها إلا عن طريق ادّخار بعض المال,مما هو متاح للمصاريف اليومية0
ومن العجيب أن يذم بعض علماء المسلمين(الادخار)تعلّقاً بأدبيات أو نماذج لا تمثّل توجّه الشريعة السمحة,بمقدار ما تمثل نزعات فردية,هي أقرب إلى المثالية , التي إن صلحت لفرد من الناس-نظراً لظروفه الخاصة-لم تصلح أن تكون قاعدة عامة في حياة الأمة؛ومن ذلك ما نقله الغزالي في الإحياء عن بعض علماء المسلمين من أن من حصل له مال بإرث او كسب000فله في الادخار ثلاثة أحوال:
[COLOR=**********]الأولى:أن يأخذ قدر حاجته في يومه,فيأكل إن كان جائعاً,ويلبس إن كان عارياً ... [/COLOR]
[COLOR=**********]ويفرق الباقي في الحال,ولا يدخره,فهذا الوفي بموجب التوكل تحقيقاً وهذه الدرجة هي الدرجة العليا0[/COLOR]
[COLOR=**********]الثانية:المقابلة لهذه المخرجةُ له عن حدود التوكل:أن يدّخر لسنة فما فوقها, فهذا ليس من المتوكلين أصلاً!0[/COLOR]
[COLOR=**********]الثالثة:أن يدخر لأربعين يوماً فما دونها,فهذا موضع خلاف:هل يخرجه ذلك عن مقام التوكل أم لا؟0[/COLOR]
[COLOR=**********]وهذا مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]ادّخر مرةً لأهله قوت سنة,كما أن شعيرة الزكاة قائمة على امتلاك أنعام أو مال يحول عليه الحول,كما أن العديد من الصحابة الكرام,كانوا يمتلكون الأموال الطائلة,ولا يستطع أحد أن يقول: إنهم بذلك خرجوا عن حدود التوكل0وما أكثر الأقوال والمذاهب التي شوّشت الرؤية على العامة,وكونت في حسهم التوجهات الفكرية والسلوكية الخاطئة!0[/COLOR]
أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش:
إن المنطلقات النظرية في كل أمور الحياة,ليست هي التي تنقل الناس من حال إلى حال,والمناهج على مختلف أشكالها وألوانها,ليست هي التي تحمل الناس إلى الغايات التي يريدونها؛فقد حفظ الله-تعالى-هذا الدين,وظلت قطيعات الشريعة دائماً واضحة للعيان,لكن الأمة مع ذلك تراجعت عما كان عليه سلفها؛لأنها لم توفر الشروط والبيئات التي تساعد المنهج على أداء دوره في حياة الناس0
وهكذا فالمنطلقات النظرية ترسم الطريق,وتسهل العمل,وتزيل العوائق الثقافية من وجهة,وتجعل الإنجاز يبدو مشروعاً وممكناً,كما أنها توفر معايير قياسه,لكنها لا توجد العمل نفسه,وإنما توجده البرامج والأساليب والأدوات التي نوظفها في سبيل تحقيقه؛ولذا فقد يملك خريج من كلية التجارة كل الأفكار والنظريات التي تجعل منه رجل أعمال ناجحاً,لكن ذلك وحده,لا ينتج أي شيء ما لم يكن لديه المشروع والمال والإطار التنفيذي00
وسأستعرض هنا بعض ما أعتقد أنه يساعد في تدبير شؤون العيش والرزق,وإدارة الإمكانات المتاحة من خلال الحروف الصغيرة التالية:
1-الاستقامة والالتزام:-
[COLOR=**********]تأتي الاستقامة,وتقوى الله-تعالى-على رأس ما يمكن أن يفعله المرء في مواجهة الصعاب,وتحسين ظروف المعيشة,فقد تعهّد-سبحانه-بالرزق وتفريج الكروب لمن يتّقيه,[/COLOR]
[COLOR=**********]ويلتزم بأمره ونهيه,حيث فال[/COLOR]:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}[الطلاق:3-2]
[COLOR=**********]مما يوسع في الرزق صلة الرحم وبر الأقارب,فقد ورد في الحديث الصحيح: "من أحب أن يبسط له في رزقه,ويُنسأ له في أجله,فليصل رحمه"0وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس,يواجه الأزمات بالتفلت من الضوابط الشرعية وبقطع الرحم,والإقلال من الصدقة ظناً منهم أن ذلك يوسَّع خيارات الحركة لديهم,ويضغط نفقاتهم,وما دروا أنهم بذلك يحرمون بركة التوفيق والمعونة من الله-تعالى-وربما تضاعفت أزماتهم,وكان ما خسروه أكثر بكثير مما ربحوه0[/COLOR]
2-التفـــــــــوق:-
[COLOR=**********]لا يكون المتدين الحق شخصاً عادياً؛لأن طبيعة التدين الصحيح تقتضي التفوق والتقدم على الأقران؛وكلما كان استيعاب المسلم للمرامي الأخلاقية والحضارية للإسلام أفضل كان نجاحه في شؤونه الحياتية المختلفة أعظم0[/COLOR]
[COLOR=**********]قد يكون من الصعب على الواحد منّا أن يتفوق في جميع أنشطة الحياة,إذن فليحاول أن يكون الأول والثاني في محيطه في بعضها,كالمحافظة على الوقت , أو الدقة في أداء العمل, أو حسن الإصغاء,أو الاستفادة من الفرص المتاحة,أو حُسن المعشر والعلاقة بين الناس ... على ألا يتخلف عن الحدّ المقبول في باقي أموره . إن أي تفوق في أي من هذه الأمور وأشباهها سيجعل قدرتنا على مواجهة الصعاب أفضل,وسيزيد من كفاءة عيشنا في الزمان الصعب0[/COLOR]
3-حاول تحسين دخلك:-
يعيش كثير من الناس في هذا الزمان على حافة الفقر,وهناك شكوى عامة من تزايد صعوبة توفير الحاجات الأساسية,حيث تحوّل كثير مما كان يُعد في الكماليات إلى أشياء ضرورية تصعب استقامة الحياة بدونها؛أضف إلى هذا وجود بطالة متصاعدة في قطاع الشباب-و لا سيما المتعلم منه-إلى جانب ارتفاع الأسعار على نحو مستمر,ومن الحلول لمواجهة هذه الوضعية أن يحاول الإنسان تحسين دخله,حيث إن بإمكان المرء أن يوجِد لنفسه عملاً فرعياً,يدر عليه دخلاً إضافياً؛ومهما ساءت الأحوال,فإن هناك دائماً بعض الفرص للحصول على مصدر يزيد في دخل الإنسان,كما أن بإمكان ربات البيوت أن يعملن في بعض الصناعات اليدوية الخفيفة داخل بيوتهن,لتعزيز دخل أزواجهن0
وقطاع الخدمات يتنامى على نحوٍ سريع,وهو يوجِد اليوم فرصاً كثيرة للعمل,لا تحتاج إلى الكثير من المال بمقدار ما تحتاجه من التنسيق والتنظيم,أي المبادرة والعقل المنظّم وشيء من الجهد والصبر0ولاننسى أن نقول:إن هذا يجب أن يتم في إطار من التوازن ومراعاة الحقوق الأخرى المترتبة على الواحد منا0
4-تعـود تأجيل الرغبات:-
لدى النفس البشرية ميول غريزية نحو الكسل والفوضى,والهروب من الواجبات, والابتعاد عن الأعمال الجادة0وكثيراً ما يرى الواحد منا نفسه وقد قطع عملاً مهماً,يقوم به من أجل إجراء مكالمة هاتفية غير ملحّة,ولا ضرورية,أو لزيارة صديق كان معه بالأمس,أو لسماع نشرة أخبار,يعرف أنه ليس فيها أي جديد000
المطلوب من الواحد منا أن يسجّل على نفسه كم مرة في اليوم استطاع تأجيل رغبة ملحة من أجل إتمام عمل مهم,وكم مرة قطع عمله من أجل خاطر خطر على باله,وهو لا ينطوي على أية أهمية أو قيمة0
إنّ تحرك الوقت على نحو متتابع يرتّب علينا مسؤوليات وأعباء جديدة,ولا بد من مواجهتها عن طريق الاستمرار في العمل قدر المستطاع0
5-اكتسـاب المهـارات:-
[COLOR=**********]كانت متطلبات العيش في الماضي غير البعيد محدودة جداً,ولذا فإن الواحد من الناس كان يقوم بمعظم حاجاته0ومع ارتقاء الإنسان في مدراج الحضارة أخذت أساليب الحياة تتعقد شيئاً فشيئاً,وزاد اعتماد الناس بعضهم على بعض, مما جعل تقسيم العمل يزداد شمولاً وعمقاً,وصارت صلاحية الإنسان في البناء الاجتماعي,تستمد اكتمالها من مدى ما يمكن أن يقدمه لمجتمعه من إسهامات هو بحاجة إليها0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن مهمة العلم أن يرتاد آفاق المجهول,ويكشف السنن,ويحلل العوامل المتشابكة للظواهر المختلفة000لكنّ هذا كله لا يحسَّن نوعية الحياة على نحو ملموس ما لم يتُرجم إلى تطبيقات عملية,ويتجسد في أساليب ووسائل,توفر الراحة للناس؛وهذا ما ينجبه اللقاء السعيد بين العلوم النظرية وبين الممارسات المهنية والتقنية0[/COLOR]
[COLOR=**********]إنّ جزءاً كبيراً من صعوبة العيش زماننا يعود إلى ضعف القاعدة الصناعية والمهنية في بلاد المسلمين؛واضح أن التقدم الصناعي الذي أحرزته الدول الغربية, وبعض الدول التي تسير على نهجها-هو الذي مكّنها من قيادة الحضارة,وإملاء العيش الكريم على الأمم الأخرى,وقد أفرز ذلك بطالة ضخمة,اجتاحت مئات الملايين من أبناء العالم الإسلامي,وصار إتقان الشاب لحرفة أو مهنة يكتسب من ورائها رزقه أمراً في غاية الأهمية[/COLOR]
[COLOR=**********]ومن المؤسف جداً أن كثيراً من الشباب-العربي خاصة-يفضّل أن يجلس كسيراً حسيراً في بيته,أو يمضي سحابة يومه متجولاً في الشوارع على تعلّم حرفة أو مهنة أو تطوير مهارة يمتلكها,وذلك من بعض بقايا الجاهلية الأولى في النفوس والأعراف, حيث كان المهنيون-على نحو عام-هم عماد الطبقة التي تتولى خدمة المجتمع, وهناك إلى جانبها طبقتان أخريان:طبقة(الشجعان)وطبقة(التجار)التي تمثّل النفوذ والثراء في المجتمع0[/COLOR]
[COLOR=**********]وقد حاول النبي[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]القضاء على مفاهيم كراهية المهن من خلال أقواله,ومن خلال سلوكه الشخصي,وقد انفعل الناس بذلك في البداية إلى حدَّ كبير,لكن الأمر لم يدم طويلاً حيث جاءت حركة الفتوح بمئات الألوف من العبيد وغيرهم ممن وفد إلى الجزيرة العربية والحواضر الإسلامية الأخرى,وكان كثير من أولئك يتقن الكثير من المهن والحرف والمهارات,مما جعل العرب يشعرون بعدم الحاجة على امتهان الحرف ما دام هناك من يقوم بشؤونهم المختلفة,فعاد ازدراء المهن من جديد إلى حياة الناس[/COLOR](1)[COLOR=**********]![/COLOR][(1)يقول الفرزدق معيّراً بأبيهالحداد:
إني بني لي في المكارم أوّلي ونفخت كيرك في الزمان الأول]0
[COLOR=**********]إن العيش في الزمان الصعب,يتطلب تحرراً ثقافياً,وتجاوزاً للأعراف والتقاليد البالية التي جعلت كثيراً من الشباب يسلك مسلك ذي العيال المتكبر؛إنهم يريدون أن يشكَّلون طبقة متميزة بدون أي شيء يؤهلهم لذلك!0[/COLOR]
[COLOR=**********]التقدم الحضاري اوجد أزمات كثيرة,ومنح فرصاً أكثر,وقد صار هناك الكثير الكثير من المهن والحِرَف والمهارات التي يمكن اكتسابها وإتقانها في بضع شهور,حيث إنه بسبب التقدم التقني,وتوفر الآلات المساندة صار إتقان الصنائع أسهل من ذي قبل0[/COLOR]
[COLOR=**********]إلى جانب المهن والحِرَف القديمة صار هناك حِرَف كثيرة يمكن للإنسان أن يتقنها؛ فالوضع الجديد للدعاية والإعلان-مثلاً-منح ذوي المواهب في الرسم والخط فرصاً عظيمة للعمل0وبرامج الحاسوب وفّرت الملايين من فرص العمل . وليس سراً أن كثيراً من البرامج لا تصممه الشركات في مبانيها,وإنما تعهد به إلى هواة يقومون بتصميمها في منازلهم0***** المحركات والأجهزة والإلكترونية والكهربائية والساعات,وما شاكلها تتطلب المزيد من العاملين,وتنمو على نحو مطّرد0[/COLOR]
[COLOR=**********]الواجب على الواحد منّا أن يستخدم جزءاً من أوقات فراغه في تطوير بعض مهاراته,أو تعلّم بعض المهن الخفيفة التي يستفيد من ورائها في تحسين وضعه المعيشي,وإنّ كل ذلك من جملة الأعمال التي تساعد الأمة على النهوض؛إذ لا نستطيع أن نوجد مجتمعاً أقوى من مجموع أفراده,فوجود الأفراد المهرة,يعني في النهاية مجتمعاً ماهراً0[/COLOR]
6-اغتنام الفرص المتاحة:-
[COLOR=**********]الفرص تعني دائماً ظروفاً أكثر ملاءمة للقيام بعمل ما,وهذه الظروف لا تتوفر دائماً,بل إن الفرص الكبرى,قد لا تتوفر إلا مرة واحدة في العمر0الفرص لا تطرق باب أحد,وعلى الناس أن يبحثوا عنها0حين يكون المرء إيجابياً وفعّالاً, فإنه يقع على الكثير من الفرص أكثر من غيره,لأنه يدرك جوانب النفع الخفية, فيسبق إلى الاستفادة منها0الكسل والخوف من الإخفاق,من أكبر العوامل التي تُقعِد الإنسان عن الاستفادة من الفرص0إن مشاورة أهل الخبرة فيما يلوح من إمكانات للتحسن,تساعد كثيراً على التحرك والإقدام, فلنجعل ذلك خلقاً لـــــــنا .[/COLOR]
[COLOR=**********][/COLOR]
7-السفر باب من أبواب الرزق:-
السفر قطعة من العذاب,لكنه أيضاً باب من أبواب الرزق,حيث يستفيد المرء خبرات جديدة,وينقل إلى البلد الذي يسافر إليه خبرات بلده الذي نشا فيه, ويقع على فرص غالباً لا تتوفر في بلاده,وقد قال-جلّ وعلا-{ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرة وسعة}[النساء:100]قال أبن عباس وغيره:"السّعَة:سعة الرزق"وكان ابن عمر يقول:"ما خلق الله موتةً أموتُها بعد الموت في سبيل الله أحب إليّ من الموت بين شعبتي رحلي,أبتغي من فضل الله ضارباً في الأرض"
وعلى مدار التاريخ كان الناس يهاجرون ويسافرون تفادياً للمجاعات والأزمات الخانقة,
وكان معظمهم يجد في ذلك منجاة مما هو فيه من كرب وضيق وقلّة0إن تعلّق المرء بمسقط رأسه,ومقام أهله شيء فطري,ورمز في غاية الأهمية(1)[(1)يروى عن الشافعي-رحمه الله –قوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريجٌ همًّ واكتساب معيشــــــــــــــــةٍ وعلم وآداب وصحبة ماجـــــد}
وعلى كل حال فالخيّرون يبنون حيث اتجهوا,وحيث أقاموا؛وغربو سنوات قد تساعد على الاستقرار والسعة عمراً مديداً0
8-توفير شيء من الـــــــدخــل:-
[COLOR=**********]كانت الحياة في الماضي أقرب إلى الرتابة,والمفاجآت فيها قليلة,والاحتياجات محدودة0أما اليوم فكل شيء قد تغيّر,وصار توقّع الحالة الطارئة من مرض وسفر ومصرفات تعليم00أمراً ضرورياً0أضف إلى هذا أن تحسين الوضع المادي لأحدنا , سيظل مرتبطاً بتوفير شيء-ولو قليل-من المال,مما يوجب على الواحد منَّا ألاّ ينفق كل ما يأتيه من مورد,وأن يحاول يجتزئ شيئاً منه,يعدّه لما ذكرناه ولغيره0[/COLOR]
[COLOR=**********]بعض الناس ينفق دخله الشهري في أيام معدودة,ثم يستدين إلى نهاية الشهر, ليظل يشعر بأنه عاجز مغلوب!ومع أن بعض الناس يكون مضطراً فعلاً لمثل ذلك, إلا أن الصحيح أن كثيرين منا يسيئون استخدام مواردهم المالية,وينفقون كثيراً على أشياء تَرَفية,أو دعوات وولائم مظهرية,ثم يظل يطرق باب فلان وعلاّن مُريقاً ماء وجهه!0[/COLOR]
[COLOR=**********]فكرة الصندوق الاحتياطي التي يعمل بها بعض الناس جيدة ومفيدة,حيث يقوم بعضهم باجتزاء(10%) من الدخل الشهري,ويضعه في ذلك الصندوق ليستخدم فيما بعد في نحو ما ذكرناه0[/COLOR]
9-إدارة الإمكانات المحدودة0
[COLOR=**********]كلما كانت الإمكانات محدودة,والموارد شحيحة,احتجنا إلى براعة أكثر في إدارتها؛حيث إن علينا أن نؤمّن حاجاتنا من وراء رأس مال محدود0وتظهر التجارب العالمية يوماً بعد يوم أن بإمكان الإدارة الممتازة أن تعوض ضعف الإمكانات المتاحة؛والتقدم التقني الهائل يتيح أكثر فأكثر لأعداد كبيرة من الناس أن ينتجوا كميات كبيرة من المحاصيل من جرّاء زراعة مساحات صغيرة جداً,وفي بعض الدول صارت الزراعة المنتجة على أسطح المنازل,وعلى الأرفف المقامة على الجدران-مألوفة؛كما أنه صار في إمكان صاحب الخبرة أن يقيم مصنعاً صغيراً في حجرة من داره, بل إن بعض المصانع الكبرى كانت نواتها في يوم من الأيام عبارة عن ورشة صغيرة جداً,كما هو الشأن في مصانع (فورد) للسيارات .[/COLOR]
[COLOR=**********]مما يساعد على خفض النفقات تأجيل شراء بعض الأشياء على الأوقات التي تكون فيها رخيصة-وهذا ما يفعله كثير من الناس في أمريكا-وأكل بعض الفواكه والخضار في مواسمها,حيث تكون عادة منخفضة,وإجراء المكالمات الهاتفية في أوقات التخفيض,والعزوف عن شراء الأشياء الترفية والكمالية ... ولابد مع هذا وذاك من الإقلاع عن عادات البطر والتبذير في المأكل والملبس والمسكن,حيث تنفق النساء الأموال الطائلة على الملابس وأدوات الزينة, وحيث تطبخ كميات كبيرة من الطعام, لا تجد من يأكلـهـا000[/COLOR]
[COLOR=**********]إنّ التفكير الجادّ,ومحاولة فهم أسرار النجاح في بعض القطاعات أو المؤسسات الناجحة مما يولّد الأفكار المبدعة التي يمكن أن تقوم عليها مشاريع ناجحة, وحين تُجَد الفكر, وتُدعَم بدراسة جدوى عقلانية وعلمية,فغن المال لا يغدو مشكلة,حيث يتهافت المستثمرون على صاحب الفكرة,وبذلك يكون صاحب الفكرة قد استثمر إمكاناته الذهنية,وربح أكثر من أصحاب الإمكانات المادية الجيدة,والتي لا يعرفون ماذا يصنعون بها0[/COLOR]
10-لا تــجمّد أموالك:-
[COLOR=**********]المال أداة إنتاجية مهمة,والرؤية الإسلامية فيه تحثّ على جعله متحركاً نامياً, حيث إن في حركته توفير فرص عمل للمحتاجين إليه,كما أن فيها تنشيطاً للاقتصاد الوطني,[/COLOR]
[COLOR=**********]وعائدا على الدولة وأصحاب رؤوس الموال,إذا ما أُدير بشكل جيد0ولعلّ هذا ما يفسّر قوله-عليه الصلاة والسلام-:"لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرّني ألاّ تمرّ عليّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدَيْن"[/COLOR]
[COLOR=**********]وعن عمر-رضي الله عنه:-(ألا من ولي يتيماً له مال,فليتّجر له في ماله,ولا يتركه فتأكله الصدَقة"0وإن في ترتيب الإسلام الزكاة في الأموال غير المستثمرة حضّاً لأصحابها على استثمارها,لأن المال ما أُوجِدَ من أجل أن يُكتنَز ويُكدَّس في البيوت, وإنما من أجل الاستغلال,حتى ينتفع بحركته الناس0[/COLOR]
11-العلاقات الحسنة مصدر رزق:-
[COLOR=**********]مصير البشرية متوقّف على عدد محدود من الأمور الجوهرية,أهمها علاقة الناس بخالقهم-جلّ وعلا-ثم علاقتهم بعضهم مع بعض0والتعاليم الإسلامية في هذا الشأن, تؤسس علاقات ممتازة بين الناس؛لأنها قائمة على الحثّ والعطاء والتسامح والتعاون؛ونجد هذا[/COLOR] واضحاً في نحو الحثّ على ابتداء الغير بالسلام, إكرام الضيف والجار,ومقابلة الخطأ بالعفو,والتبسّم في وجه الأخ المسلم,والصبر على ما تجرّه مخالطة الناس من الأذى,
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,وعيادة المريض,وزيارة الأصدقاء,وصلة الرحم, والنصح للشريك,وغشيان المساجد في الجمعة والجماعات والأعياد0
إنّ كل ذلك فوق أنه تعبّد لله-تعالى-يعود بالنفع العظيم على أصحابه؛فهو مثلاً يجعل الآخرين يشعرون بالامتنان,ويبحثون عن وسيلة يردون بها المعروف,كما أنه يبني الثقة والأُلفة بين المسلمين,وهو أيضاً وسيلة للتعارف والتعاون0وحين يحتاج واحد من الناس على نوعٍ من الخدمة أو العمل,فغنه يلجأ أولاً لمن يعرفهم؛وهذا هو الدافع الذي يكمن خلف الكثير من أعمال الإعلان التي تُنفق فيها الملايين0
إننا بحاجة دائماً إلى الثقة بأنه مهما ساءت الأحوال,واشتدّت الكروب,فستظل هناك فرص وخيارات,لكن قصورنا الذاتي,وضعف شفافيتنا تجاه الفرص,هما اللذان يحولان دون الاستفادة منها,واستخدامها في تجاوز الحالات الصعبة0

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image034.gif[/IMG]

[COLOR=**********][/COLOR]

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image035.gif[/IMG]الفصـل الأول:-


اعتقد أن تأثير الآخرين في حياتنا هو عادةً أكبر مما نعترف به,وهذا يؤدي إلى عدم إعطاء العلاقات الاجتماعية حقها من الحياطة والعناية0
إن الله-جلّ وعلا-افتتح وجود الكائن البشري افتتاحاً اجتماعياً,فآدم لم يعش في الجنة وحيداً,وإنما مع حواء0وحين هبطا إلى الأرض,اتًسعت دائرة حياتهما الاجتماعية بإنجاب الأولاد ووجود الأسباط والأحفاد0ومنذ ذلك اليوم,وإلى يوم الناس هذا ما فتئت الفضاءات التي تكتسبها العلاقات الاجتماعية في حالة من الاتساع الدائم؛حيث عن من طبيعة التقدم الحضاري تعقيد كل شيء؛ والذي يقتضي من جهته المزيد من التداخل والتشابك,والمزيد من العلاقات الاعتمادية0
إنّ المداد الفسيحة الشاسعة للارتقاء البشري مدينة للنظم الاجتماعية التي يحيا البشر داخلها؛بل يمكن القول:إن الحياة الاجتماعية تسهم على نحوٍ جوهري في تشكيل الطبيعة الأولى لنا؛حيث إن كثيراً من مفردات الطبيعة خلال العلاقات المربية والخبرات المكتسبة0
أما الحيوان فإنه يستطع أن ينشأ دون رعاية,وأن يُشبع كل غرائزه,ويقوم بكل وظائفه دون أية مساعدة؛فالبرمجة الغريزية تكفيه مؤونة ذلك0لكن الآفاق التي يمكن أن يلامسها محدودة جداً,وليس الإنسان كذلك0
ويمكن أن نسلّط الضوء على أهمية العلاقات الاجتماعية في حياتنا من خلال المفردات الآتية:-
1-[COLOR=**********]الذات الإنسانية ذات مشتَّتة بين الخصوصية المركَّزة,وبين الاعتماد على الآخرين. ومما لا خلاف فيه أن أهم موارد خبراتنا وعواطفنا وسعادتنا واستقرارنا , يظل على صلة بالآخرين؛فمنذ الولادة يبدأ الطفل بالاعتماد على أبويه, ليس من أجل تامين نموّه فحسب,وإنما من أجل تكوين ذاته؛وحين يكبر قليلاً, ويتخلَّق شيء من الوعي لديه,يعتقد أن فقده لحد والديه يعني تغييراً جذرياً في حياته,كما يعني حدثاً مزعجاً,لا ينبغي أن يخطر وقوعه في البال0ومع الأيام تتعدّد موارد الفيض الاجتماعي من خلال القرابة والزواج والصداقة إرادة منه, وتلك التي ينتسب إليها باختباره0[/COLOR]
[COLOR=**********]وكلّما ازداد نضج الإنسان,وأراد أن يوسّع نشاطه وجد-على خلاف ما قد يتبادر-أن حاجته للآخرين صارت أعظم,وأكثر حيوية وإلحاحاً؛فعلى حين يقول المراهق:أنا يقول البالغ الناضج:نحن0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن العالم الذي يحيط بنا بكل منجزاته وأشيائه وأفكاره وانعكاساته,يربطنا على نحوّ ما بأشخاص كثيرين لا نعرفهم,ويفتح قنوات-أحياناً غير مرئية-للتواصل معهم والتأثير بهم0 وفي المقابل فإن قراراتنا واختباراتنا وأنشطتنا المختلفة ستسهم في تشكيل العالم الذي سيعيش في أجوائه مَن سيأتي بعدنا0[/COLOR]
[COLOR=**********]وأعتقد أن إدراك هذه الوضعية على نحوٍ جيد,سوف يجعلنا نتأمل أكثر فأكثر في أهمية العون الغيري لوجودنا,كما يجعلنا نفكر في رعاية التبادلية الاجتماعية وتعزيزها وترشيدها0[/COLOR]
[COLOR=**********]2-يظل المرء يشعر بالقصور الذاتي عن فهم العالَم الذي يعيش فيه,ومهما بلغ من النضج والاكتمال,فإنه لا يفتأ يشعر بالحاجة إلى مَن يساعده على تكوين رؤية إدراكية للوسط الذي يحيا فيه,ولمجريات الأحداث التي تقع في ذلك الوسط0وهذا في الحقيقة لا يتم من خلال كثرة قراءة الكتب,ولا سماع نشرات الحديث المتبادل حول مجمل الأوضاع والشؤون المختلفة0[/COLOR]
[COLOR=**********]وإنّ الحوادث المستفيضة والمستمرة,توجد عالماً معرفياً مشتركاً بين الزواج والأصدقاء والزملاء والجيران000وهذا العالم المشترك ينمّي البصيرة الاجتماعية والثقافية لدى جميع المشتركين فيه0ونجد قيمة ذلك إذا تأملنا النمط الفكري والمعرفي الذي يسود لدى الانطوائيين والانعزاليين والعزّاب الذين ليس لهم أصدقاء يثقون بهم,حيث يلمس المرء في كثير من الأحيان تقويماً مشوَّهاً,ورؤية غائمة لكثير من مفردات الواقع المعيش[/COLOR]
[COLOR=**********]3-تُشبع العلاقات الاجتماعية لعديدَ من الحاجات العاطفية والنفسية لدى الإنسان؛وتلك الحاجات متعددة,ويتم إشباعها بطرق مختلفة0وعلى الرغم من أن العلاقات الاجتماعية,لا تخلو من التسبب في بعض المتاعب إلا أنّ هناك أدلة عديدة على استقلال المشاعر الإيجابية عن المشاعر السلبية؛إذ يمكن للمرء أن يُشبع ميوله إلى العديد من الحاجات الاجتماعية في نفس الوقت الذي يعاني فيه من مفرزات صِلاته بالآخرين,كما يحدث للأم التي تستمع بوجود طفلها المريض إلى جانبها,مع ما يسببه لها مرضه من آلام ومخاوف ومشاق0[/COLOR]
[COLOR=**********]على الرغم من أن العلاقات الاجتماعية تصبُّ في النهاية في محصّلة واحدة إلا أنها كثيراً ما تختلف في نوع الوظيفة,التي تقوم بها في تدعيم كياننا المعنوي وإشباع حاجاته ورغباته؛وعلى سبيل المثال فإن العلاقات الزوجية إلى جانب أنها تشكَّل السياق الشرعي لتلبية نداء الفطرة الذي وضعه البارئ-سبحانه-في الزوجين توفّر أجواء الودّ والرحمة والطمأنينة والثقة وإسقاط الكلفة والتعاون والنس000؛وما أجمل قول الله-جلَّ وعلا[/COLOR][COLOR=**********]-:-{[/COLOR]ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم:21]
[COLOR=**********]علاقات الأخوّة والصداقة الحميمة,وتوفر تحسناً فورياً للحالة المعنوية,كما أنها توفر المرح في حالة الأطفال والشباب,كما توفر لكبار السن الشعور بالأُنس,وتملأ شيئاً من الفراغ0ويمكن القول على نحوٍ عام:إنّ الناس يحتاجون إلى أصدقاء حاجة ماسّة لثلاثة أسباب جوهرية:[/COLOR]
أ-المساعدة العملية في بعض الشؤون,وتوفير بعض المعلومات حول بعض القضايا0
ب-إسداء النصح وتقديم العطف,والاستماع إلى الشكوى بإخلاص وتفهّم, والمشاركة في النظرة إلى العالم0
ج-تماثل الاهتمامات والمشاركة في بعض الأنشطة,وممارسة بعض الألعاب . وجود الأبناء في الأسرة مهم للغاية,ومع أن الرضَّع والمرهقين –الذكور منهم خاصة-يسببون العديد من المشكلات أسرهم,إلا أنهم يشبعون الميول إلى الأبوّة والأمومة,كما أنهم يشبعون في المنازل الحيوية والمرح,ويستمتع الأبَوان برؤيتهم وهم ينضجون ويكبرون0 أضف إلى هذا أنّ الأبوين يريان في أولادهما نوعاً من التحقيق الذات,كما يريان فيهم نوعاً من الاستمرار والرشد والعمق في فهم الحياة0
علاقات القرابة علاقات قهرية,لا حيلة للمرء فيها,وهي ترتب بعض الحقوق والواجبات الشرعية والأدبية بين الأقرباء,مما يجعل المرء يشعر أن بإمكانه أن يتوقع علاقات وثيقة ومستمرة مع بعض الناس على مدى الحياة,كما أن بإمكانه أن يتوقع دعماً معنوياً ومادياً غير مشروط؛وهذا مما يوفر الطمأنينة والثقة,ويحدّ من مشاعر الاغتراب والوحدة0
أما علاقات الجوار,فهي إلى جانب كونها تؤمّن بعض الأشياء الضرورية,كما تسهّل سبل التعاون-تجعل المرء يشعر أن له سنداً,يعتمد عليه عند وجود المخاطر الطارئة؛فالجار كثيراً ما يشبه(حزام الأمان)الذي لا تُعرف عَظَمة فائدته إلا عند وجود مشكلة,أو وقوع ما ليس في الحسبان0وهكذا فإن شبكة العلاقات الاجتماعية,تؤمَّن للإنسان من أشكال الرفاهية ما لا يمكن أن يؤمَّنه أي شيء آخر .
[COLOR=**********]4-يواجه الإنسان العديد من المشاقّ والأزمات في حياته المهنية والخاصة, وذلك يسبّب له العناء,والإحساس بالضعف,ويعكّر مزاجه0والدعم الاجتماعي الذي يتلقّاه الإنسان ممن حوله من أقرباء وأصدقاء ... يجعل تأثير المشاق والأزمات , في حياته يتضاءل إلى حدّ التلاشي0[/COLOR]
[COLOR=**********]الدعم الاجتماعي ينعكس في صورة شعور الفرد بان هناك مَن يهتم به اهتماماً عميقاً, ويقدّره؛و في صورة شعور الفرد باندماجه الشديد مع الآخرين00ويتجلّى تارة في صورة توفر شخص,يمكن أن تحدثه عن نفسك ومشكلاتك باطمئنان, ودون حرج أو خوف0 ويتجلّى في بعض الأحيان في درجة تقدير المرء لذاته, وثقته بنفسه,وإحساسه بالسيطرة على المواقف المختلفة,باعتبار ذلك مستمدّاً-جزئياً-من استجابات الآخرين ومشاعرهم الإيجابية تجاهه0[/COLOR]
[COLOR=**********]أما طرق عمل الدعم الاجتماعي في تخفيف العناء,والتغلّب على الصعاب,فهي عديدة؛ إذ ربما كان لها تأثير فوري على(نظام الذات)وربما كان لها تأثير مباشر على الانفعالات؛[/COLOR]
[COLOR=**********]إذ يولَّد التفاعل الاجتماعي الداعم درجةً من المشاعر الإيجابية القادرة على كفّ الاكتئاب والقلق0[/COLOR]
[COLOR=**********]أضف إلى هذا أن المرء يواجه الأحداث الخارجية على أنها أقلّ مشقّة,وأخف وطأة عندما يشعر أنه يتلقى نوعاً من المساندة ممن تربطه بهم بعض العلاقات, وعلى سبيل المثال فإن الصلاة على الميت وتشييعه,وتعزية أهله,وصنع الطعام لهم يخفف الكثير من إحساسهم بالمصيبة,كما أن إحساس المشرف على الموت بان هناك من أقربائه وأصدقائه مَن سيقوم على رعاية أسرته وأولاده من بعده, يخفف من مشاعره تجاه فراق أهله والابتعاد عنهم0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن الدعم الاجتماعي يشكّل ما يشبه العوازل الزيتية التي يضعها الشخص على جلده لوقايته من أشعة الشمس الضارة؛وقد ثبت من خلال بعض البحوث والدراسات أن النَّساء المتزوجات واللواتي لهنّ أطفال أقلُّ عرضه للاكتئاب والهواجس المزعجة من النساء غير المتزوجات,ومن اللواتي ليس لهن أطفال0 ويخفّ احتمال الإصابة بالاكتئاب إذا كان الزوج يمكن الاعتماد عليه في حلّ المشكلات, وفي تحمّل الزوجة في حال الإصابة المرض أو ما يشابهه0[/COLOR]
[COLOR=**********]إنّ كثيراً من صور الاضطراب العقلي ينشأ من اجتماع درجة عالية من المشاقّ مع درجة منخفضة من المساندة الاجتماعية0[/COLOR]
[COLOR=**********]توفّر علاقات الأخوّة والصداقة دعماً لا يُستهان به؛إذ تساعد على تجنب الشعور بالوحدة الذي يسبب الشعور بالقلق والملل,وانخفاض تقدير الذات0[/COLOR]
[COLOR=**********]وعلى مقدار ما تكون شبكة العلاقات الاجتماعية كثيفة,يستطع المرء التخلص من تلك المشاعر0وعلاقات الصداقة الأشد تأثيراً في تخفيف العناء,هي تلك العلاقات الحميمة التي تُسقِط الكثير من التكلُّف,وتوفر مظلّة أمنية واقية من أهوال الأحداث المفاجئة غير السارّة0[/COLOR]
[COLOR=**********]العمل يسبب المشاقّ بطرق متعددة,فساعات العمل الطويلة,وطبيعة(الميكنة) ذات الإيقاع المتكرر وضغط الوقت والضوضاء والحرارة,والمسؤولية عن الآخرين, والصراع معهم000كل ذلك يسبب المشقة0والذي يخفف من آثار كل ذلك الصِلات الدافئة مع بعض الزملاء؛كما أن تعاون المشرفين على العمل وتشجيعهم,وإشراكهم لمرؤوسيهم في اتخاذ بعض القرارات,كل ذلك يضفي على العمل شيئاً من المتعة,ويخفف من ضغوطه0[/COLOR]
[COLOR=**********]وحين تتوفر(الروح الجماعية)في أكثر الأعمال مشقة,فإنها تعزل الكثير من آثارها ؛ وهذا ما يحاول كثير من العمال توفيره من خلال الأهازيج الحماسية التي يرددونها بصورة جماعية0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن الرؤية الإسلامية في مجال العلاقات الإنسانية,تؤسس عدداً كبيراً من المفاهيم والأدبيات التي تدفع المرء إلى الالتحام بمجتمعه,وإلى إقامة شبكة واسعة من الصِلات على مختلف المستويات,وفي كافة الاتجاهات؛وحسبك أن تستعرض النصوص الواردة في برّ الوالدين,وصلة الرحم,والحقوق الأسرية, وحقوق الجار والضيف والصديق والفقير وابن السبيل والأرامل والأيتام... لتجد أن الاستجابة لأمر الله-تعالى-في هذا الشأن,[/COLOR]
[COLOR=**********]تجعل المرء يشعر بوجود روافد ضخمة من الدعم والحماية التي يمكن أن تأتيه من جهات عديدة,بعضها غير معروف لديه!0[/COLOR]
[COLOR=**********]إذا كانت العلاقات الاجتماعية على هذه الدرجة من الأهمية والخطورة,فإن من واجبنا أن نسعى إلى رعايتها وتنميتها,وتحسين مستواها,وفهم الأساليب والأدوات التي تساعد في كل ذلك0وهذا ما أسأل الله-تعالى-أن يعينني على توضيحه في الصفحات القادمــة0[/COLOR]
سمــــــــــــــــــات اللَّبِنَة الصالحــــــة:-
البناء الاجتماعي العام يقوم على دعامتين أساسيتين:دعامة تستمد تشخيصها من الصفات الفردية الخيّرة والفاضلة التي ينبغي أن يتحلّى بها كل واحد ممّن يشكلون الكيان الاجتماعي؛ودعامة تستمد مقوماتها مما يجب العمل عليه من أفكار وأخلاقيات وتدابير في تسهيل التواصل الاجتماعي,وحلّ الإشكالات والتوترات الناجمة عنه0والذي يلقي نظرة فاحصة على النصوص والتوجيهات الشرعية الواردة في هذا الشأن,يجد أنها تتوزع على مساقين:مساق فردي, ومساق جماعي0
وعلى الرغم من استقلال هذين المساقين في الظاهر,إلا أن بينهما من معابر التأثر والتأثير والاعتماد المتبادل الكثير؛على النحو الذي نجده بين(علم النفس) الذي يبحث في شؤون السلوك الفردي,و(علم الاجتماع)الذي يبحث في شؤون السلوك الجماعي0
إن مجمل الأدبيات المتعلقة بالتنظير لمدى صلاحية الأفراد في تكوين البناء الاجتماعي,يستهدف تنمية الوعي حول الدور الشخصي لأفراد ذلك البناء, وانعكاسه في النهاية على مدى صلابة البناء وضعفه,حيث بات من الواضح أنه لا يمكن أن نؤسس مجتمعاً أقوى من مجموع أفراده0وإذا وجدنا أمة حققت نصراً كبيراً عاماً,فذلك لأن كل واحد من الشريحة العظمى فيها استطاع أن يحقق نوعاً من النصر على صعيده الشخصي0
إنّ اللبنات الهشّة لن تشكل في النهاية أكثر من جدار هشّ,وإنّ الخطوة الأولى على طريق التقدم الاجتماعي الحقيقي تظل متعلقة بما يمكن أن يطرأ على ذواتنا من تحسّن وتقدّم نشعّه في علاقاتنا وأعمالنا الجماعية وإنتاجاتنا المختلفة .
ولعلّى هنا أذكر أهم السمات التي تؤهّل الفرد المسلم لإقامة علاقات جيدة مع الآخرين وتؤهّله بالتالي لأن يكون لَبِنَة صالحة في الصرح الاجتماعي؛وذلك من خلال المفردات التالية:-
1-الالـتـزام:
لكل مجتمع فلسفته ورؤيته وقيمه,وهي في مجملها تحدد(الصبغة)التي ينبغي أن يصطبغ بها,ويضبط سلوكه وفق مقولاتها وملامحها0تلك الصبغة هي الصفة التي ينبغي أن تستهدف كل المؤسسات التربوية والإعلامية تعميمها,وجعلها بمثابة الروح التي تسري في جميع مناشط الحياة,حيث تشكّل في النهاية اللغة المشتركة التي يتفاهم بها المرء مع ذاته وإخوانه0
ولو تساءلنا عن الصفة الغالبة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية والتي ينبغي أن تجسدها في حياتها,لوجدنا أنها(الالتزام)والذي هو في جوهره عبارة عن فعل المسلم للواجبات وتركه للمحرّمات مع التأدب بآداب الشريعة الغرّاء في شأنه عامة0
حين تكون العلاقات بين الناس عبارة عن مجموعة من الصفقات والمقايضات, فغنها عن كثير مما سنذكره هنا,حيث يغلب عليها آنذاك أن تكون عابرة ومؤقتة وسطحية؛لكن حين يُنظر إليها على أنها موارد للنموّ الذاتي والنضج الشخصي, وموارد لتشييد البناء الاجتماعي,فإنها حينئذٍ تحتاج إلى الارتكاز على أسس عقدية ومنهجية وقواسم الأخلاقية مشتركة؛وبذلك وحده تكون العلاقات الاجتماعية (مرايا)تعكس البنى النفسية والأخلاقية العميقة للناس,مما يعزز الكيان الفردي والكيان الاجتماعي في ىن واحد من خلال التفاعل والتواصل المشترك .
إنّ الشخص الفاسد أو المتحلل,لا يستطع أن يندمج اندماجاً حقيقياً في (الجماعة المسلمة) ولا يستطع أن يثريها,أو يرفد مقوماتها المعنوية على وجه صحيح وفعّال,بل إنه يفعل العكس من ذلك,حيث يشوّش سلوكه المنحرف رؤية الناس لـ(النواة الأخلاقية) التي ينبغي أن تتشكّل حولها مفاهيم التواصل والتعامل بينهم0
2-التــــــــواضع:
شيء جميل ومطلوب أن يثق الإنسان في قدراته,ويعرف قدر نفسه الحقيقي, ولكن سوف يكون من الخطأ الفادح المبالغة في ذلك,إذ إنَّ من تظنّهم دونك يستطيعون أن يضعوك دون المرتبة التي وضعتهم فيها؛فمقاييس التفاضل,ليست واحدة دائماً ولا واضحة؛ فمنظومة القيم والذوق والعُرف,وزاوية النظر,ونوعية الاهتمامات,كل ذلك ينعكس على تقويم الناس بعضهم لبعض,وذلك كله مختلف ومتنوع0وقد كان مما أرشدنا الله إليه من الحكمة قوله{ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}[الإسراء:37]0
إن التواضع فوق أنه تعبير دقيق عن العَظَمة الحقيقة-قليل التكلفة على المستوى الشعوري والعلمي؛فالمتواضع يبدو دائماً أقل من حقيقته,وبذا فإنه يظل يكبر في عيون الناس دون جهد يبذله,على حين أن المتكبّر يضع نفسه في امتحان دائم,فهو رجل عريض الدعاوى,وعليه باستمرار أن يثبت أنه ليس أقل مما يدّعيه,وهيهات هيهات أن يستقيم له ذلك0
إن الكِبر يولّد التوتر المرضي لدى صاحبه,ولدى المجتمع الذي يعيش فيه, ويكفي من ذلك ما يحدثه المتكبّر في بيئته من معادلة الاحتقار المتبادل!وقد أحسن من شبّه المتكبّر بالصاعد في الجبل,يرى الناس صغاراً,ويرونه صغيراً0
إن المتواضع كالأرض المنخفظة تجتمع فيها خيرات السماء,على حين تغادر القمم والسفوح0ولو لم يكن في التواضع سوى جعل صاحبه قادراً على جذب من هم أكثر منه تفوّقاً لكان مكسباً كبيراً! وعلى كل حال فإن المتكبّر يظل هو الخاسر؛حيث يفقد دفء اللفة وحرارة الالتحام بالآخرين,وبذلك فإن ما يزهو به يكون عامل إقصاء له عن الناس وحرمان مما تمسّ حاجته إليه0
3-الصـــبر:
[COLOR=**********]الحياة الاجتماعية بطبيعتها تحدث احتكاكات ونزاعات,وذلك نظراً لاختلاف أمزجة الناس وميولهم وأفهامهم ومصالحهم000وهذا يتطلب من كل واحد منّا أن يحاول يتَّسع لغيره,ويلتمس له نوعاً من العذر0وبما أن العلاقات الاجتماعية مستويات متعددة,فإن المشكلات الناشئة عنها أيضاً ذلت مستويات عدّة,ومهما يكن الشأن,فإن قَدْراً من التحمّل والصبر يظل مطلوباً0وقد ورد في الحديث الصحيح:""المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم""0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن الله-جلَّ وعلا-جعل هذه الدنيا دار ابتلاء,وقد فّر فيها كل شروط الابتلاء, ولذا فحيثما اتّجه الإنسان,وفي أي حال كان,فإنه سيكون ممتحَناً,وعليه أن يحاول النجاح,[/COLOR]
[COLOR=**********]ولن يتأتّي له ذلك له ذلك إلا إذا امتلك العزيمة في مواجهة الصعاب0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن الجزاء على الصبر يظل دائماً أكبر مما يتوقع المرء,وقد قال الله-سبحانه[/COLOR]-:{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر:10],وقال:{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}[السجدة:24]0
[COLOR=**********]إن النزق والعجلة وضعف التحمّل,قد جعلت كثيرين منّا يخسرون الكثير من الفرص,و الكثير من العلاقات0وبعضنا يتأفف حين يرى غيره يتّخذ موقفاً مغايراً لما يعتقده أو يلائمه ظناً منه أنه على الحق القطعي الذي يجعله بمثابة الجماعة التي تتوجب العودة إليها؛ لأنه لم يتعلم الفرق بين الحق القطعي والحق الاجتهادي ؛ ولطالما انقطعت حيال الودّ والتعاون بين كثير من أهل الخير نتيجة الرؤية الغائمة لهذه القضية!0[/COLOR]
4-الرحمــــــــــــــة:-
[COLOR=**********]الرحمة خُلُق من أنبل الأخلاق الإنسانية التي ينبغي على المسلم أن يتخلّق بها؛لأنه يتجاوز مسألة الحقوق والواجبات إلى مرتبة المروءة والشهامة والتبرع والإحسان0وإن طمع المسلم في ثواب الله-تعالى-واعتقاده أنّ الخَلقَ عيالُ الله,والشفافية التي يوجدها الإيمان000إنّ كل ذلك يدفع المسلم دفعاً إلى أن يكون نموذجاً في الحدب والرأفة ومد يد العون0وهذا الخلق الكريم هو الذي يملأ الفجوات التي تسببها طوارئ الحياة,ويسببها القصور في النظم الثقافية والاجتماعية,وهو الذي يضفي على الحياة معنىّ لا يضفيه أي شيء آخر0[/COLOR]
[COLOR=**********]والنصوص التي تثني على هذا الخُلُق العظيم كثيرة,منها قوله-سبحانه[/COLOR]-{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}[الفتح:29]0[COLOR=**********]ورود في الحديث الصحيح: [من لا يَرْحَم الناسَ لا يرحمه الله]0وقد كان سلوكه-عليه الصلاة والسلام- كله رقة ورحمة حتى على مستوى التشريع وبعض مسائل العبادة؛حيث ورد عن عائشة-رضي الله عنها-أنها قالت:[إن كان رسول الله-[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]-ليدع العمل,وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس,فيُفرَضَ عليهم]0قال-عليه الصلاة والسلام-:[إني لأقوم إلى الصلاة, وأريد أن أطوَّل فيها,فأسمع بكاء الصبي, فأتجوز في صلاتي(أي يخففها)كراهية أن أشقّ على أمتي]0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن أدبياتنا تعلّمنا أنّ خُلُق الرحمة,لا ينبغي أن يوجَّه سلوكنا تجاه البشر, فحسب , وإنما تجاه الحيوان أيضاً؛فحبس امرأةٍ لهرَّة-كما ورد في الحديث-حتى ماتت جوعاً كان سبباً في دخولها النار0وسقي بغيّ من بغايا بني إسرائيل لكلب كاد يقتله العطش-كان سبباً في مغفرة الله لها0[/COLOR]
[COLOR=**********]في الرحمة يتم العفو عن الزلاّت,والإغضاء عن التقصير,وتقدير الظروف الخاصة, وذلك كله مما يؤهّل المرء لإقامة علاقة طيبة مع إخوانه وأبناء مجتمعة القريب منهم والبعيد0[/COLOR]
5-المبادرة الفردية:
لا نبعد القول إذا قلنا:إنّ تربيتنا العامة,تقتل روح المبادرة والمبادأة؛حيث إن هناك حرصاً شديداً على (الرتابة)،وعلى أن يتم كل شيء وفق نظام محدد,كما أن التعليم التلقيني,يكرَّس خلق التبعية والتقليد,مما صار يثير المخاوف من أي شيء ليس له نموذج سابق0التخلّف العلمي والتقني والإداري,هو الآخر,يفكّك الروح الجماعية,
ويجعل كل واحد في الناس,ينتظر غيره؛ليصنع شيئاً0 ويستنبطن عدد كبير منّا مقولة:
(ليبدأ غيري)0و(علينا أن ننتظر النتائج)!0
حبّ الخير والعمل الصالح مركوز في المستوى الأعمق من شعور كل مسلم, والمستعدّون للمساهمة والمشاركة الإيجابية كثيرون,إلا أن المستفيدين لوضع أول لبنة ,وسير أول خطوة-قلّة قليلة؛حيث الضعف الشديد في روح المبادرة, والمسارعة إلى المقدمة0وهذا أدى إلى ضياع ما لا يُحصى من القضايا العامة التي يتوجّب على الجميع النهوض بها؛وليس أدلّ على ذلك من ضمور مفاهيم (الفروض الكفائية),إذا ما قورنت ب(الفروض العينيّة)0
المبادرة سمة أساسية من سمات البعد الاجتماعي لذواتنا,ومن خلالها يمكن أن نعمر الكثير من الأنشطة والعلاقات؛ولذا لم يكن مستغرباً أن نجد الكثير من النصوص التي تحثّ المسلم على المسارعة إلى ما ينبغي القيام به دون النظر إلى موقف الآخرين من الكبار والصغار,ومن تلك النصوص قوله-r-(من سنَّ سنَّة حسنة,فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)ومنها قوله(إن أَوْلى الناس بالله من بدأُهم بالسلام)0
إنّ أهمّ سمات العظماء في كل الأمم أنهم يدركون الوضعية الصحيحة لمجتمعاتهم ,و يملكون الرغبة في المساهمة في بلوغها,حيث إن شعورهم بالمسؤولية يفتح لهم دائماً آفاقاً جديدة,ويمدّهم بطاقات استثنائية,فيتحركون حين يسكن الناس,ويعطون حين يشحّ العطاء؛فأين المبادرون؟0
6-اللباقـــــــــــة:
البنية العميقة التي توجّه سلوك الناس,وتنظّم ردود أفعالهم,ليست بنية(عقلانية) , وإنما هي بنية(عاطفية),وعلى مقدار ما يتم من الارتقاء في سلّم الحضارة,تزيد إمكانات التفاهم المتبادل بين الناس,وترتفع درجة حساسية الشخص تجاه تصرّفات الآخرين, حيث ينتظر الجميع مزيداً من الدقة والتهذيب والملاطفة(1) [(1)روح الحضارة أنثى,وكلما ارتقى الناس في معارجها,أضفوا على جوانب حياتهم المختلفة-حتى اللغوية- مسحة أنثوية]0
وملاحظة الاعتبارات المختلفة0
ومع التسليم بتفاوت طباع الناس وسجاياهم,إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ(اللباقة) شيء يُكتسَب من خلال التثقيف والمران والتدرّب,ومع الأيام تصبح الميسم الذي يطبع اتجاهات التفكير وأشكال السلوك لدى الإنسان,ويحصل من وراء ذلك خيرٌ كثير0
تحمل اللباقة معنى الظروف ومعنى الإتقان,فالشخص اللبق يجمع بين خفة الروح, وإتقان الاتصال بالناس,والأساس الأعمق ل(اللباقة)يتمثل في (الشفافية) و التي تعني قدرة المرء على استكناه الاتجاه الذهني للآخرين,وتحسّس مواقفهم الشعورية تجاه الأحداث والأشياء والتصرفات المختلفة0وهذه القدرة تتولّد عن الثقافة والخبرة ودقة الملاحظة,وعن شدة اهتمام الإنسان بأولئك الذين يربطه بهم بعض العلاقات الاجتماعة0
مظــــــاهر اللبــــــــاقة:
الوضع الاجتماعي العام هو الذي يحدد الأسس والمعايير التي إذا توفرت في سلوك شخص ما عُدَّ(لبِقاً)أو خارجاً عن حدود اللباقة0ومع أنّ هناك قواسم مشتركة بين أمم الأرض في هذا الشأن,إلا أنّ هناك الكثير من الأعراف والاعتبارات المحلية التي تجعل سمات الشخص اللبق تختلف من بيئة إلى أخرى0
ولكون المجتمعات الإسلامية,تؤوب في كثير من شؤونها إلى الأدبيات الإسلامية , فإنَّ المعايير المشتركة بينها في هذا المجال-كما في المجالات الأخرى-كثيرة, منها:
-تقديم الآخرين واحترامهم,والاعتراف بميّزاتهم وفضائلهم,مظهر مهم من مظاهر اللباقة والكياسة,ولن يكون من المبالغة القول:إنّ تلهّف الفرد إلى التقدير والاحترام,يُعدّ محركاً جوهرياً لكثير من أعماله وأنشطته0من الأقوال الرمزية في هذا الشأن:(كل شخص يولد وعلى جبينه علامة تقول:من فضلك اجعلني أشعر أنني مهم)0وكلما حدث اتصال بين الناس تناقلوا بينهم رسالة صامتة,تقول:(فضلاً زكّني),(لا تمرر بي غير آبه),(أرجوك اعترف بكياني)0
-الابتداء بالسلام,والسؤال عن الحال,والاستفسار عن مآل قضية,تشغل بال الأخ المسلم أو عن مريض يهمه أمره,وملاطفة أولاده ومداعبتهم000 كل ذلك من مظاهر الاهتمام التي تعبّر عن التقدير0
وقد أراد النبي-r-أن يغرس هذا المعنى في نفوس الأطفال,فكان إذا مرَّ على صبيان سلَّم عليهم0
ومن المهم في هذا الباب ألاَّ يتجاوز الاهتمام بالآخرين الحدود المقبولة,فيفسَّر على أنه تطفُّل,أو اقتحام للشؤون الخاصة0والفضيلة دائماً بين رذيلتين,والشيء إذا تجاوز حدّه انقلب إلى ضدّه0
على الواحد أن يعتاد فتح فمه بالثناء,وبيان المحامد,من غير مبالغة ولا إسراف, فتشجع الآخرين وشكرهم,واستحسان ما يقومون به,يجعلهم يشعرون بنوع من المكافأة على جهودهم؛وهذا ضروري لا ستمرارهم في أعمالهم0
وقد أنثى النبي-r-على الكثير الكثير من خصائص أصحابه وسماتهم,على نحو ماهو معروف ومشهور0وقد مدح أموراً يستخفّ بها الناس عادة ليعلّمهم شكر النَّعَم, ويؤصّل في نفوسهم فضيلة الثناء,فقد ورد في حديث مسلم أن النبي-r-سأل أهله إداماً يأتدم به, فقالوا:ما عندنا إلاَّ خلّ,فدعا به,فجعل يأكل, ويقول:(نِعْمَ الأُدم الخلّ,نِعم الأُدم الخلّ)0
-من اللباقة ألاَّ نزعج الناس بمشكلاتنا وهمومنا الخاصة,فعندا لناس ما يكفيهم من الهموم,ولنحاول أن نركز على استخدام الضمير(أنت) في كلامنا, ومناقشاتنا , فذاك أدعى لإشعار المخاطَب بأننا لا نتمركز حول ذواتنا,وأدلّ على رغبتنا بمشاركته0
-هناك مواقف مربكة كثيرة,نتعرض لها,وربما لا تساعدنا البديهة في بعض الأحيان على التصرف الملائم فيها,وسيكون من المستحسن آنذاك أن نتخيّل تلك المواقف,ونتأمل في العبارات التي نقولها فيها,والتصرّفات التي تناسبها؛إنه من الاستعداد للمفاجآت0
-تبشير الأخ بشيء يسرهّ,وتهنئته على خير أصابه,من الأمور المهمة في هذا الشأن. والتبشير أدبٌ قرآني رفيع؛فقد بشَّر الله بعض عباده بما يسعدهم في مواضع عدَّة,وأمر نبيَّه-r-أن يبشَّر المؤمنين بما أعدَّه لهم من الثواب,كما في قوله:{فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}[الزمر:17-18]0وبشَّر النبي-r-زوجته خديجة بيت في الجنة من قصب-اللؤلؤ المجوّف-لا صخب فيه ولا نصب0
-التجاهل وعدم التدقيق,مظهر جميل من مظاهر اللباقة؛إذ لكل واحد من الناس هنات وعورات لا يرغب في اطلاع الناس عليها؛وإذا كان لابدّ من التعرّض لشيء من ذلك,
فليكتفِ الإنسان بالتلميح عن التصريح,وبالإجمال عن التفصيل؛وهذا ما نستفيده من السلوك الشخصي للنبي-r-فقد كان من دأبه عدم الخوض في التفاصيل عندما يرى ماهو موضع مؤاخذة واعتراض,كما كان يتجنّب ذكر أسماء الأشخاص والقبائل إلا بخير وقد قال الله-سبحانه-فيه{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبات به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض}[التحريم:3]0
7-صنـاعة المشـاعر:
[COLOR=**********]يمكن للمرء أن يقيم علاقاته الاجتماعية على أساس عقلاني ووفق حقوق التبادل الاجتماعي؛كما يمكن أن يقيمها على معطيات المشاعر0العواطف شديدة التقلّب,سريعة التغيّر؛وردود أفعالنا الأولية على أحداث الحياة وتصرفات الناس,هي ردود عاطفية في المقام الأول0وإذا اعتمدنا تلك الردود أساساً للتصرف,فإن علاقاتنا الاجتماعية سيصيبها الكثير من المد والجزر والدفء والبرود,وسنظهر بمظهر الذي لا يعرف ماذا يريد,والذي لا يدري إلى أين يتّجه0[/COLOR]
[COLOR=**********]من وجهٍ آخر فإن حياتنا الثقافية بعض الأنماط والمقولات السوقية المبتذلة, والتي تصوّر للمرء أنه نتاج مشاعره وعواطفه,وأنّ حيلته تجاهها ضعيفة؛ولذا فمن الأفضل له ألاَّ يقاومها؛فإذا كان لا يرتاح إلى فلان من الناس,فالأفضل له حتى لا يكدر نفسه أن يبتعد عنه0وإذا لم يجد في علاقته مع زوجته التوافق والانسجام الذي يتخيّله,فالطلاق هو الحل000وهكذا يظهر الإنسان كليلاً,وأسيراً لعواطف, قد يكون وراء تكوينها مجموعة من الأوهام والخيالات,أو رؤية الأشياء من منظور أناني0[/COLOR]
[COLOR=**********]حتى يكون الواحد من لَبِنة صالحة في بنيان اجتماعي قوي,فإن عليه أمرين:[/COLOR]
[COLOR=**********]أ-أن يبني علاقاته على أساس عقلاني قوي,يتم من خلاله الأخذ ظروفهم ومصالحهم الخاصة0ومن خلال كل ذلك يحدد المرء مستوى العلاقة الذي يمكن أن يربطه بمن يريد الاتصال به0ولا يعني هذا إهمال العواطف والأحاسيس وتحييدها,وإنما يعني تأطيرها ببعض الخبرات والقواعد الثقافية؛مما يضفي عليها المنطقية والاستمرار0[/COLOR]
[COLOR=**********]ب-النظر إلى المشاعر والعواطف على أنها نتائج وثمرات لتصرفاتنا وسلوكاتنا, وليست أشياء حتمية علينا أن نخضع لها0وهذه النظرة,تشكّل فارقاً مهماً بين الكسالى والمتقاعسين والفوضويين,وبين الواثقين في أنفسهم الذين يشعرون بقدر جيد من السيطرة على مشاعرهم وعاداتهم النفسية0ويرشدنا القرآن الكريم إلى أن إحساننا إلى الآخرين,وصبرنا عليهم,يغيّر في مشاعرنا نحوهم,ومشاعرهم نحونا,على نحو ما نجده في قوله-سبحانه[/COLOR]-{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت:34]
[COLOR=**********]و في حديث مسلم وغيره:(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا,ولا تؤمنوا حتى تحابوا, ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم,أفشوا السلام بينكم)0[/COLOR]
[COLOR=**********]إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا,فإن فصلاً جديداً رائعاً يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منّا!0[/COLOR]
8-الألــــــــــــــــــفـــــــــــــة:-
[COLOR=**********]لدى الإنسان نزوع فطري نحو التوافق مع غيره من الناس,فهو اجتماعي بطبعه, وهو في سبيل هذا مستعد للتنازل عن أشياء عديدة,لكن بما أن هذه الدنيا دار ابتلاء,فقد قضت حكمة الله-تعالى-أن يبلو الناس بعضهم ببعض, وكان من جملة ذلك أن طلب من كل واحد منهم أن يشذَّب من نفسه وخلقه وسلوكه في سبيل التآلف والانسجام مع من يقيم علاقات معهم؛فالبنيان الاجتماعي حتى يكون بنياناً قوياً وجميلاً,يتطلب دائماً التضحية المشتركة والمتبادلة,وعلى مقدار ما يحدث من ذلك تكون درجة(الألفة)والقبول الاجتماعي0[/COLOR]
[COLOR=**********]وهناك من النصوص ما يدل على أن طبيعة التديّن الحق,تجعل من المسام الإنسان الأصلح للتواصل الاجتماعي أخذاً وعطاء,منها قوله-علية الصلاة والسلام-: (المؤمن مألفه,ولا خير فيمن لا يألف,ولا يؤلف)0وقوله في حديث طويل:(فإنما المؤمن كالجمل الأَنِف حيثما انقيد انقاد)0فالفظاظة والغلظة والجفاء,لا تتناسب أبداً مع خيرية المسلم,ولا مع طبيعة الإيمان0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن كل ما ذكرناه,وسنذكره من سمات(اللبنة الصالحة)يساعد في الحقيقة على تآلف القلوب,ويحد من وجود النزاعات بين الناس؛ولكن سنذكر هنا بعض الأمور ذات الانعكاس المباشر على تآلف الناس وتصافيهم من خلال النقاط التالية:-[/COLOR]
أ-طيب الكلام وإلانته,من أكبر العوامل التي تؤلف بين قلوب الناس,وتسلّ من نفوسهم وقد قال الله-تعالى-{وقل لّعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للإنسان عدواً مبين}[الإسراء:53]0قال بعض المفسرين: "أمر الله المؤمنين بحسن الأدب وإلانة القول وخفض الجناح واطراح نزغات الشيطان"0وورد في الحديث الشريف:(ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيّ)0وفي الحديث آخر(إن الله يبغض لفاحش البذيّ) ويقول الشاعــر:
قد يمكث الناس دهراً ليس بينهم ودٌ فيزرعه التسلـيـم واللطف
إن خلق(الحياء)الذي يغلب على المسلم,يحول بينه وبين الكلام الفاحش الذي يتلفظ به من حُرم التربية القويمة0يقول أحد الصحابة:"كان النبي-r-أشد حياءً من العذراء في خدرها,فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفنا ذلك في وجهه"0
إن مباسطة الناس ومخالطتهم ومداعبتهم تزيد في الألفة,وتساعد على التخلص من الكِبر والترفُّع المذموم؛ويقول الصحابة-رضي الله عنهم-[إن كان النبي-r-ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير:يا أبا عمير ما فعل النُّغَير]0وتجاوز الأمر في ذلك إلى أن يبش في وجوه أقوام لا يستحقون ذلك,ليسنَّ لأمته مذاهب في التعامل,تُبقي على التواصل,
واستمرار الحياة الجماعية؛على نحو ما نجده عند البخاري من أن رجلاً استأذن على النبي-r-فلما رآه قال:بئس أخو العشيرة,و بئس ابن العشيرة,فلما انطلق الرجل,قالت عائشة:يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا,ثم تطلّقتَ في وجهه,وانبسطتَ إليه؟!فقال الرسول-r-يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؛إنَّ شرَّ الناس منزلةً يوم القيامة مَن تركه الناس اتّقاء شرّه)0
ما فعله النبي-r-هو ما نسمّيه ب(المداراة)وهي مباحة,وقد تكون مستحبّة, وهي غير (المداهنة),إذ إن المرء الذي يُدراي,يبذل الدنيا من أجل صلاح الدنيا أو صلاح الدَّين أو صلاحهما معاً0أما المداهن,فإنه يبذل دينه من أجل صلاح دنياه0
إننا بحاجة إلى أن نكثر من الدعاء لمخاطبينا في كلامنا حتى نضفي على علاقاتنا الشخصية المسحة الإيمانية المتمحورة حول الإخوّة في الله والعبودية له0
ب-الجدارة بالثقة:
علاقات الناس بعضهم مع بعض على درجات:ما بين حميمة وممتدة,وما بين هامشية وعابرة0على مستوى العمل يحتاج المرء أن يكون موضع ثقة من رؤسائه وزملائه0وتلك الثقة كثيراً ما تكون متعلقة بمستوى كفاءته ونشاطه,واستجابته لمل يُطلب منه إنجازه من أعمال0
ويحتاج كل واحد من الناس-على المستوى الاجتماعي-إلى أن يكون موضع ثقة عامة من معارفه وأقربائه,وموضع ثقة خاصة جداً من أفراد قليلين,تركوا بينهم وبينه مسافة قصيرة,وخلطوا بأنفسهم,وأطلعوه على أسرارهم,والخافي من شؤونهم0وفي كلتا الحالتين يظل المرء بحاجة ماسَّة إلى أن يؤهل نفسه لنيل الثقة من خلال سلوكه وتعامله وأدائه واستجاباته0
وعلى نحو عام كلّما كان المرء مستقيماً وحكيماً وأقرب إلى السواء الاجتماعي, استحوذ على ثقة الناس,وجعلهم يقصدونه في الأزمات والملمّات,وفي مسائلهم الخاصة0ولعلّ مما يشخَّص ذلك الآتي:
[COLOR=**********]-حفظ السر؛فالمرء يظل بحاجة إلى مَن يستشيره,ويفضي إليه بذات نفسه,ومن أخصّ سمات من يستشار أن يحافظ على سرّية ما استُشير فيه,وحفظ السر في الحقيقة نوع من الوفاء بالعهد؛والله-جل وعلا-يقول:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}[الإسراء:34][/COLOR]
[COLOR=**********]ويبد أن النبي-[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]-كان يركّز في تربيه لصحابه على هذه المسألة؛حتى إننا نجد-كما في بعض الأخيار-حرص الفتيان على كتمان السر؛ففي حديث مسلم وغيره عن ثابت عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:[أتى عليَّ-رسول الله[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]-وأنا ألعب مع الغلمان,فسلَّم علينا-فبعثي في حاجة,فأبطأت على أمي0فلما جئت قالت:ما حسبك؟[/COLOR]
[COLOR=**********]فقلت:بعثني رسول الله لحاجة0قالت؛ما حاجته؛قلت:إنها سرّ0قالت(لا تخبرنَّ بسرَّ رسول الله-[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]-أحداً0قال أنس:والله لو حدَّثت به أحداً لحدَّثتك به يا ثابت)0[/COLOR]
[COLOR=**********]-إن الناس يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه؛فحين يحثّ مدير مصنع عدداً من عماله على القيام بمهمة خاصة أو خطرة,وبيدي واحد منهم الاستعداد للقيام بها,فإن المدير يجد نفسه مضطراً إلى تكليفه,والوثوق به,ما لم تسبق له معرفة خاصة به تدل على عدم قدرته على إنجازها0[/COLOR]
[COLOR=**********]وكثيراً ما يكون لما نتوقعه من ذواتنا أثر كبير فيما يحدث؛وعلى سبيل المثال, فإذا توقّع من دخل مقابلة شخصية لإشغال وظيفةٍ ما أنه سينجح في تلك المقابلة,فإن ذلك التوقع سرعان ما يتحول إلى قناعة,ويغدو مصدراً لتزويد صاحبة بالهمة والنشاط والالتزام بالاستعدادات التي تؤهله للإجابة بكفاءة على الأسئلة أثناء الاختبار,مما يزيد من احتمال فوزه بالعمل الذي يسعى إليه. ويحدث العكس في كل ذلك حين يتوقع لنفسه الإخفاق في تلك المقابلة . ولنوعية التربية التي تلقّاها الفرد,وللخيرة التي اكتسبها في حياته أكبر الأثر في توجيه توقعاته,وفي درجة ثقته بنفسه0[/COLOR]
[COLOR=**********]-يصعب على الناس أن يثقوا بالشخص ذي الأقوال أو السلوكات المتناقضة, حيث إن الثقة تُبنى على نحو تراكمي ومتدرج؛وتقلب الشخص من اتجاه إلى اتجاه أو قيمة إلى قيمة أخرى,يحول دون ذلك التراكم0إن الناس حتى يثقوا بشخص,ويقيموا معه علاقات حميمة يشعرون أنهم بحاجة إلى القدرة على التنبّؤ بسلوكه,وما عساه أن يفعله؛ والشخص المتذبذب,بين أنماط مختلفة من السلوك والاتجاهات,يحرمهم من ذلك التنبّؤ؛ولذلك فإنهم لا يضعون ثقتهم فيه,ولا يألفونه .[/COLOR]
[COLOR=**********]في بعض الأحيان لا يكون الشخص متقلباً,لكنه يعطي انطباعات خاطئة عنه, وذلك من خلال عادة(المبالغة)لديه؛حيث يفهم الناس منه قطع وعود على نفسه,لا يفي بها فيما بعد,أو تعمقَ اتجاه أو سلوك لديه,هو ليس كذلك0[/COLOR]
[COLOR=**********]ومن الواضح أن كثيرين منا يستخدمون(اللغة)استخداماً سيئاً,إلى جانب أنها في الأصل ناقل قاصر للأفكار والمعاني؛فكثيراً ما يفهم مخاطبي أنني سآتي في وقت محدد,حين سُئلت عن وقت رجوعي إلى المنزل,فقلت إنه في الساعة الثانية ظهراً؛فرتب أمر الاتصال بي بناءً على أن ذلك موعد مني له,مع أنني أردت أن أخبره بأحسن تقدير للوقت الذي أعود فيه دون إحساس مني بأني بذلك أقدّم أي التزام نحو أي شخص؛ وتكون النتيجة تكوُّن انطباع لديه أنني غير دقيق, ويصعب التنبّؤ بما يمكن أن أفعله0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن علينا أن نوقن أن(الجدارة بالثقة)شيء يشعّه مجمل الشخصية أكثر مما تشرحه الأقوال,وهي انعكاس حقيقي للتكامل الذي يلمسه الناس في ذواتنا؛ وعندما نريد للآخرين أن يثقوا بنا,ويألفونا,فإن علينا أن نحسَّن من ذواتنا,ونرفع من مستوانا,وننتبه إلى استخدامنا للغة,ونبدي اهتماماً أكثر بالآخرين0[/COLOR]
ج-الوضـــــــــــوح:-
يحب الناس الوضوح,والوقوف على كل ما يتعلق بمن يرغبون الاندماج معه؛ لكن هذه الرغبة,تصطدم برغبة أخرى,هي حرص الناس على أن يكون لهم خصوصياتهم التي لا يطلعون عليها أحداً,وتلك التي لا يطلعون عليها إلا فئة محدودة جداً من الناس؛ولذا فلا بد من التوازن في هذه المسألة0وقد تكون الخطوة الأولى في هذا الاتجاه أن يحدد الإنسان ما يعده خصوصيات له, فيكتمه ,ويلبّي رغبة إخوانه ومحبيه في الكشف عما عداه
وأعتقد أن هذا مهم للاندماج والائتلاف؛حيث إن الناس إذا كونوا انطباعاً عن شخص بأنه(متكتَم),أو لا يحب بالمثل؛ويفقد الإنسان بذلك الكثير من الدفء والتواصل الاجتماعي0
وعلى كل حال,فإن نوعاً من التحديد للمعلومات التي يتيحها المرء لغيره,قد يكون مطلوباً؛حيث إن العلاقات التي تربطنا بالزملاء في العمل,غير المعلومات التي تربطنا بالشركاء في عمل تجاري,غير العلاقات التي تربطنا بأهل الحي000
وربما كان من الحكمة أن نعطي كل واحد من هؤلاء المعلوماتِ التي تتوافق مع نوعية العلاقة التي تربطنا به؛فعلى حين يُطلب من(الخاطب)أن يتيح الكثير من المعلومات لأهل(المخطوبة)حتى الصحية والنفسية والمزاجية منها,فإن الزميل في العمل,لا يحتاج من المعلومات إلا ما يخدم المهمة أو الوظيفة المشتركة التي ننجزها بالتعاون معه0
إن الذين يكتمون على ما لا ينبغي التكتّم عليه,يجعلون من أنفسهم محوراً للتقوّلات والشائعات,ويساهمون في تشكيل صورة معتّمة وقلقة عن شخصياتهم؛ مما يجعل التعامل معهم-من وجهه آخر-عسيراً0
هناك أقوام من الناس,في قلوبهم مرض,يقولون ما لا يعتقدون,ويفعلون غير ما يقولون , دأبهم الغيبة والنميمة,وتسوق الشائعات,والمديح في الحضور والذم في الغَيْبة000 وصفهم النبي-r-بقوله:[تجد شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه,وهؤلاء بوجه]هذا الصنف من الناس أحوج إلى التقويم والإصلاح,ولا تستقيم معه علاقة محترمة0
د-تقنيات في إيجاد الألفة:
إذا رأينا شخصين منسجمين انسجاماً تاماً,ومتفاهمَين تفاهماً كاملاً أو شبه تام, فإن هذا دليل على وجود الكثير من الأمور المشتركة بينهما؛في طريقة التفكير وفي الاهتمام والذوق وسلَّم القِيَم وتعبيرات الجسم000ومن العسير على الواحد منا أن يحقق درجة عالية جداً من الألفة مع أعداد كبيرة من الناس,وعلى نحو مستمر,ولكن بالإمكان تحقيق ذلك مع عدد محدود من الناس,وفي بعض الجلسات ,ومع هذا فإن الحالات العابرة والمحدودة من الألفة والانسجام,تترك انطباعات إيجابية,وتنمو تلك الانطباعات مع الأيام لتشكّل جسوراً لتواصل أعمق, وأبعد أثراً0
إننا حين نريد من صحبتنا للآخرين شيئاً أكثر من الدعم الاجتماعي,أو أكثر من المؤانسة فإن علينا آنذاك أن نبحث في كيفية إيجاد الأجواء التي تمكّن من التأثر والتأثير,وعبور الأفكار والقناعات والمشاعر بغية إنجاز أشياء مشتركة,تعود علينا,أو على المصلحة العامة بالخير والنفع0
كل تقنيات إحداث الألفة والوئام تتمحور حول تعظيم القواسم المشتركة,وأوجه التشابه بين مَن يسعون إلى التآلف,سواء أكانوا أفراداً أم مجموعات؛وهذا ما نسمّيه أحياناً ب(المجاملة)وما ينطبق على الأفراد كثيراً ما ينطبق على المجموعات ؛ والوسائل التي تؤدي إلى ذلك كثيرة,نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي:-
[COLOR=**********]-من تقنيات الألفة,توافق الصوت وطريقة الكلام بين الجلساء,من حيث النغمة والسرعة والبطء والدرجة والنبرة,والارتفاع والانخفاض؛إذ من الصعب أن نتفاهم مع شخص إذا كان صوته مرتفعاً وصوتك منخفضاً أو العكس,أو كان يسرع في كلامه,وأنت تتكلم ببطء0 ولطالما أخفقت محادثات ومفاوضات بسبب أن أحد المفاوضين,يحسن الاستماع,و ينتظر محدّثة حتى ينتهي من حديثه,على حين أن المفاوض الآخر لا يفعل ذلك0وكم حدث من التباعد بسبب عدم التجانس في درجة الصوت بين المشتركين في حوار؛ حيث يُفسَّر ارتفاع صوت أحد الطرفين على أنه مخلٌّ باللباقة والشفافية,ويفسَّر انخفاض الصوت لدى الطرف الآخر بالبرود أو الضعف أو بطء الفهم0[/COLOR]
[COLOR=**********]-توافق الحركات أثناء الجلسة:حركات اليدين والرجلين والرأس,كيف تحرك رأسك عندما يكون جوابك(نعم)للإمام والخلف0وكيف تحرك رأسك هندما يكون جوابك(لا) من اليمين إلى الشمال,ومن الشمال إلى اليمين0كذلك حركة اليدين إلى الأعلى والأسفل واليمين والشمال,وهذا يحتاج إلى أن نقلد تقليداً تاماً من نودّ إيجاد التآلف معه0[/COLOR]
[COLOR=**********]-توافق تعبيرات الجسم:طريقة الجلوس,وضع اليد على الخد,وضع اليدين على بعضهما,كما في الصلاة,وضع إحدى الأصابع على الشفة أو الصدغ0وبذا يكون محاول التآلف بمثابة(مرآة)تعكس ما عليه جليسه0[/COLOR]
[COLOR=**********]-التوافق في نوع الموضوعات التي تكون مادة للقاء,هل هي شرعية أو اجتماعية أو اقتصادية,أو مما يتعلق بهمًّ مشترك0وأعرف كثيراً من الصِلات قد تقطع أو تقلَّص بين أناس يفترض أنهم متآلفون,بسبب عدم تمكنهم من إيجاد موضوعات مشتركة,يتحدثون بها,أو عدم وجود مستوى موحد وملائم للحديث نظراً لتفاوت المستوى الثقافي,أو عدم توافق سلسلة المعقولات و المسلمّات الثقافية0[/COLOR]
[COLOR=**********]-مراعاة رغبات الجليس:درجة إضاءة المكان وحرارته,نوعية ما يرغب في تناوله من طعام وشراب,وهل يحبه بادراً أو ساخناً,كثير السكّر أو قليله,ومتى يرغب في تناوله:في أول اللقاء أو في آخر أو في وسطه000فذاك كله يحُسب في رصيدك لديه,ويترك أثراً في تقويمه لك0[/COLOR]
[COLOR=**********]-لمس القيم التي يؤمن بها مَن نحاول التآلف معه,ومراعاة مشاعره نحو مسائل وقضايا, يعدها حساسة؛ولن يكون من دواعي اللفة أن تمتدح الانفتاح أمام شخص منغلق,أو تمتدح السخاء في الإنفاق أمام شخص ينظر نظرة تقدير إلى التدبير والتدقيق فيه0[/COLOR]
[COLOR=**********]وحتى يستطيع المرء النجاح في كل ذلك وغيره,فإن عليه أن يمتلك أمرين:[/COLOR]
أ-قوة الملاحظة ورهافة الحسّ,من أجل رصد خصائص الجليس ومزاجه واهتمامه .
ب-الخبرة والمهارة للتكيف معه في كل ما ذكرناه0
[COLOR=**********]والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:هل عمليات التوافق مشروعة وملائمة لما ينبغي أن نتحلّى به من إخلاص وصدق وصفاء في العلاقات؟[/COLOR]
[COLOR=**********]الحقيقة أن الأمور بمقاصدها,فمهارات الألفة والاتصال والتفاوض والحوار,يمكن أن تستخدم في إقناع شخص في دخول الإسلام أو تحسين علاقته بالله-تعالى-أو في إثارة حماسته لمناصرة قيمة نبيلة000كما يمكن أن نستخدم في إغواء بعض الناس وخداعهم وسلبهم بعض ممتلكاتهم000فالأهداف والمقاصد,هي التي توضح كل ذلك؛فالسلاح يمكن أن يستخدم في نصرة دين وتحرير وطن, ويمكن أن يستخدم في قطع طريق,أو قتل بريء0[/COLOR]
[COLOR=**********][/COLOR]
9-تقبّــــــــــــــــــل النقـــــــد:
النقد أداة من أعظم الأدوات التي اخترعتها البشرية لبلوَرة وعيها,واكتشاف ذواتها وأصولها,وأوجه القصور في مشروعاتها وإنجازاتها؛حيث تظل الأفكار غائمة ومعتمة,ما لم تتعرض لِلَوك الألسنة,وأشعة الروزو(التقييم)0
وربما شعرت البشرية أن ما لديها من ضعف في الحوافز على العمل,وما لديها من قصور اجتماعي,وسوء استغلال للسلطة والوظيفة-لا يعالج إلا من خلال تأسيس سلطة اجتماعية, يمارسها أفراد المجتمع بعضهم على بعض0وقد تعلّمت البشرية من تاريخها الطويل أن البديل عن ممارسة النقد وقبوله,سيكون أشكالاً من الانحباس في الحركة الاجتماعية,وأشكالاً من الفساد والتأسّن الفكري000والتي لا تقود من جهتها إلا إلى الانهيار الداخلي والتحلل الذاتي0
مهما كان الوعي لدينا عظيماً,ومهما كانت جهودنا كبيرة ومتميزة,فإنه ستظل هناك مسافة بين ما ننظّر له,وبين ما يتجسّد في واقعنا العملي,وذلك لأسباب موضوعية,يصعب في كثير من الأحيان تجاوزها0
الفجوة بين ما هو كائن,وما يجب أن يكون,هو التي تعطي المشروعية للنقد, وتُلزمنا أخلاقياً بالإصغاء لمن يمارسه0صحيح أن بعض الناس إذا أرى القسم المملوء من الكأس شكا من وجود القسم الفارغ0
وصحيح أن بعض الناس يتجاهل نصف عقولنا حين يحاول إبراز عيون الآخرين وستر محاسنهم؛إلا أنَّ الصحيح أيضاً أنَّ معظم إنجازاتنا ومواقفنا وتصرفاتنا,يظل مشوباً بشيء من النقص,ويظل بالتالي قابلاً للمراجعة والنقد والتصحيح0ويجب أن نعترف أن لدينا ميولاً فطرية إلى حُبّ المديح,ونفوراً غريزياً من النقد؛ولدى كثيرين منا أقدار من الثقة بالنفس,وتزكية العمل,مبالغ فيها,ولا تستند إلى معطيات حقيقة0
انطلاقاً من هذا وذاك,فإننا نرى أن تقبُّل النقد,والامتنان لمن ينقد,ينبغي أن يكون هو المبدأ الذي نحمل عليه أنفسنا,لكن هذا لا يحرم المرء من حقه في المجادلة عن نفسه,والدفاع عن موقفه,حيث إن هناك الكثير من النقد الذي يصدر عن اجتهاد خاطئ وعن رؤية غير واضحة0
ولعلّنا نلقي الضوء على حيثيات الموقف الذي ينبغي اتّخاذه من النقد في المفردات التالية:
أ-على المسلم أن يعدّ كل ما يقدَّم إليه من نقد هدية,تستوجب الشكر والتقدير, وذلك هو الحصيلة المنطقية لاعتقادنا بأننا قوم غير كاملين0وقد كان عمر-رضي الله عنه- يدعون لمن ينصحه,وينتقده,ويقول:(رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي ) . ورفض النصح فرع عن تزكية النفس,واعتقاد الكمال فيها,وهذا ما نهانا الله تعالى عنه بقوله{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى}[النجم:32]0
وقال-سبحانه-{ألم تلا إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً}[النساء:49]0 إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن ركين في الحياة الإسلامية,وخير تشجيع لممارسته هو تقدير موقف الناصحين,وإشعارهم بالامتنان لعملهم
ب-حين يوجَّه إلى الواحد منَّا نقدٌ ما,فإن عليه أن يسمعه بقلب وعقل مفتوحين , وآذان صاغية,ولا ينبغي إظهار التبرّم أو الاشمئزاز,أو مقاطعة الناقد قبل أن ينهي عرض ما لديه, فذاك أفضل مكافأة يمكن أن تقدّمها إليه0
ج-ليس من النادر أن يكون الناقد متزايداً,أو غير عادل فيما يقول؛إذ كثيراً ما تكون معلومات الناقد فير دقيقة,وقد ينطلق في نقده من معايير غير صحيحة .. والواجب في كل هذا أن نستوعب الناقد,وأن نشعره أننا أكثر مما يتوقع في سعة آفاقنا ورحابة صدورنا وأن نتّخذ مما قاله مادة للتواصل والحوار0
د-كثيراً ما يكون المنتقد مندفعاً إلى النقد بسبب كلمة سمعها عنك,وكثيراً ما يكون ما ينتقده من أقوالك مواقفك000غير مبلوَر في ذهنه,وهنا فإن من حقك أن تتأكد من استيعابه لمرامي ما يقوله,وذلك من خلال طلبك منه أن يشرح مضمون الرسالة التي يودّ إيصالها إليك,وأن يأتي بأمثلة على ما يقوله,فإذا كان ينتقد فيك العجلة في اتّخاذ القرار,أو عدم التزام الصدق000فإن عليك ألاّ تتردّد في مناقشة ذلك معه,وذكر المواقف التي يظن أن نلك جرى فيها,وبذلك تؤمَّن له نوعاً من(التغذية المرتدة), د
وتساعد على أن يُنضج مقولاته,ويكون دقيقاً في ملاحظاته0
إنك بذلك تشاركه في تصوّر الموقف حيث يجتمع لدى المنتقد أكثر وجهة نظر واحدة, ويشعر بتعاطفك معه0
هـ-لا ينبغي في أي حال من الأحوال أن نُفهم من ينتقدنا أنه مخطئ في كل ما قاله, وانه غير عادل,وأنّ كل ما يقوله ليس له أي أساس من الصحة؛فذاك يقتل روح المبادرة إليه,ويجعله يحجم عن توجيه النصح في المستقبل؛مع أنّ الأمة في أمسّ الحاجة إلى تنمية هذا النمط من السلوك,وإحياء روح المفاتشة والمصارحة . إن الناقد إن لم يُصِب فيما قاله,فقد أصاب في تحفّزه واندفاعه نحو تقديم الاعوجاج,ومحاصرة الخطأ,وله أجر ذلك وفضله,وينبغي أن نُشعره بذلك .
و-علينا بعد أن نسمع ونناقش مع منتقدنا ما يقوله أن نقوم بتلخيص النقاط التي تضمّنها نقده,وبَلْوَرتها معه,حتى لا نخطئ في فهم الرسالة الموجَّهة إلينا,وحتى نشعِر المنتقِد باهتمامنا بما قاله0
ز-من حق من وجَّه إليه النقد أن يعبّر عن مواقفه حيال ما يوجَّّه إليه في إطار من الأدب الإسلامي,وشكر المنتقد,إذ إننا لا نريد لحركة النقد الاجتماعي أن توغر الصدور,وتباعد ما بين الناس؛وأفضل طريقة لذلك أن ننفَّس عن مشاعرنا من خلال إبدائها للمنتقد0
ح-آخر وأهم وأشقّ ما علينا أن نقوم به في هذا الشأن هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع المنتقد؛ومع وجود نتائج فرعية حسنة لممارسة النقد,إلاَّ أن الثمرة الحقيقة, هي أن يفضي النقد إلى نوع من التغيير في سلوك المنتقَد,وهذه مسؤوليته ومهمته الخاصة التي لا يستطع أحد أن يقوم بها عوضاً عنه0
وبهذا نختم ما أردنا تسجيله هنا من سمات المواطن الصالح أو اللبنة الصالحة, وسوف نتمكن بحول الله-تعالى-من إغناء هذه السمات من خلال ما تبقّى من صفحات هذا الكتاب0

____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image036.gif[/IMG]الفصل الثاني:
[COLOR=**********][/COLOR]
[COLOR=**********]الاتصال والتبادل والتأثير والتأثّر سمات أساسية في وجود الكائن الحي,ويأتي الإنسان على رأس القائمة في هذه الأمور0لكل شيء وجودان:وجود ذاتي, ووجود غيري0 والوجود الغيري يمثّل جسر العلاقات مع الموجودات الأخرى؛ فالكتاب له كيْنونته المستقلة,وكونه معدّاً لأن يقرأه الآخرين,فذاك وجوده الغيري ...[/COLOR]
[COLOR=**********]كلما عَظُمت إمكانات النمو والارتقاء لدى الشخص,اتّسع وجوده الغيري والعلائقي , وشعر بالحاجة إلى الآخرين. وكلما كان الشخص أقرب إلى العجز والخمول والانحلال شعر بضعف اتصاله بالآخرين.ولو أننا في علاقات(مدير عام) وعلاقات (عاطل عن العمل) لوجدنا الفرق الجلي المعبّر عن هذه الحقيقة0[/COLOR]
[COLOR=**********]يمكن تعريف الاتصال بأنه:[مهارة تبادل المعلومات والتفاهم مع شخص آخر] وإذا تأمّلنا في مفردات حياتنا اليومية وجدنا أن معظم أوقات اليقظة,ينقضي في عمليات اتصال مع الآخرين,كما يتجلّى ذلك في أحوالنا حين نسمع,وحين نتكلّم, وحين نكتب,وحين نقرأ,ونبيع ونشتري000حتى الاختلاط المجرّد في الشارع دون اتصال مباشر,فإنه ينطوي على عمليات اتصال,حيث الكثير من الرسائل غير الملفوظة,وحيث الدلالات الكثيرة لما نسمعه ونراه؛ولذا فليس غربياً أن يُشخصّ الإخفاق في الاتصال بأنه وباء الإدارة المعاصرة0قد صار(علم الاتصال) يحتل بين العلوم الحديثة مكانة مرموقة اليوم,[/COLOR]
[COLOR=**********]وبات يهتم به إلى جانب المتخصصين باحثون ودارسون من مجالات أخرى عديدة , مثل علم النفس وعلم الاجتماع,ومثل خبراء العلوم السياسية إلى جانب اللغويين وعلماء أصول الإنسان والفلاسفة ... وهذا كله يدل على خطورة موضوع (الاتصال) والوظائف البارزة التي يؤديها في حياتنا الحضرية0[/COLOR]
كيف نجعل اتصالنا جيـــداً؟:
في زمان شديد التعقيد كزماننا,صار من الضروري ألاّ نركن إلى أساليبنا العفوية والفطرية في العيش؛فالوسط المعقّد لابد أن يواجَه بأسلوب عيش يكافئه,وإلا فإن النتائج ستكون وخيمة0ولعّنا نذكر هنا بعض الأسس والمبادئ والتقنيات التي تساعدنا على تحقيق اتصال جيد ومثمر لنا,ولمن نتصل به,وذلك من خلال الكلمات التالية:
1-تكوين الانطباع الأولي:-
حين نلتقي بشخص أول مرة,فإنه يكون حريصاً على أن يكوّن عنّا انطباعاً أوّلياً,يتخذ منه رأس جسر لطريقة تعامله معنا فيما بعد0هذا الانطباع الأولي, يُستقى من أمور ظاهرة وشكلية في الغالب,لكنه مهم جداً0
ولا أريد هنا أن أدعو إلى التصنّع في علاقاتنا,ولكن أودّ أن ندرّب أنفسنا على تجنب المظهر المكروه لدى الناس,ومفاجأة الجليس بأمور لا يرغب فيها,وهذا مما أدَّبنا به الإسلام0
إن حرصنا على تكوين انطباع أوّلي جيد عنّا يدل وجود شفافية,كما أنه يشير إلى الأفق الذي بإمكاننا الارتقاء إليه0وهناك كلام كثير حول ما يجعل أحدنا لائقاً في عين أخيه من الوهلة الأولى,نذكر هنا بعضه:
-لبس الثياب التي تناسب الموقف من غير مبالغة,فالثياب التي تُلبَس في الأعراس والمناسبات أو مقابلة شخصية مهمة غير تلك التي يلبسها الإنسان للعمل أو التسوّق أو النزهات0
-ابدأ لقاءك بالابتسام,واعمل على أن يتم الاتصال البصري بينك وبين مَن تقابله من خلال النظر إلى جهته,وليس إلى أسفل أو إلى جهة أخرى,ولكن لا تثبّت عينك فيه؛ فالمسلم حيي,وتثبيت النظر قد يسبب الحرج للآخر0
-ابدأ بالمصافحة,ولا تنزع يدك من يد مَن تصافحه حتى ينزعها هو,أو بحسب ما يقضي به العرف0ولطالما كانت المصافحة مصدراً لبعض الدفء في القلوب0
-لنحاول التجديد في ألفاظ التحية,فبعد إلقاء السلام يمكن للمرء أن يقول عوضاً عن (مساء الخير):(أسعد الله مساءك)أو يقول:(سعدت بلقائك)عوضاً عن (كيف حالك) ... إن هذه التجديدات,تترك أثراً إيجابياً في نفس السامع,وتجعله يتوقع من صاحبها شيئاً جديداً ومفيداً0
-حاول جمع بعض المعلومات عمن تريد مقابلته,وناده بأحب الأسماء إليه,وإذا كان له لقب علمي,فخاطبه به,وحاول في كل حال أن تنطق اسمه على نحو صحيح0
-إذا كان اللقاء في بيتك,فحاول أن تستقبله أمام البيت,وأن تشيّعه في الخروج , وحاول أن تقدم له من الضيافة والنُّزُل ما تعرف,أو يغلب على ظنك أنه ينال رضاه واستحسانه0
-استعدّ للَّقاء على نحو جيد,وحضّر للموضوع الذي تريد مناقشته,واستحضر في ذهنك ما يمكن أن تجيب به على أسئلة مَن تقابله0
-تقدير ما يطلبه الموقف من حُسن الاستماع,وعدم مقاطعة الجليس,والحرص على أن يكون أحدنا مستمعاً أكثر من كونه متكلماً ما لم نرَ الحرص ممن نقابله على أن نتكلم على نحو معيّن؛فلا بأس آنذاك أن نلبّي رغبته0
إذا لم يوفّق أحدنا إلى ترك انطباع جيد لدى مَن قابله في المرة الولي,فلا ينبغي ان ييئس,إذ غالبا ما تكون هناك فرصة ثانية لاستدراك ذلك0
2-اعرف نفســـــــــك:
إن من محاور الإصلاح والنهوض بحياتنا الاجتماعية المعاصرة,أن يسعى الخيّرون والغيورون فينا إلى محاولة التأثير في الآخرين,وجعلهم ينحازون إلى المبادئ والقيم والأفكار التي يرون أنها ضرورية للعيش في(الزمان الصعب), وهذا يتطلّب أن نحسَّن مستوى خبرتنا بأنفسنا باعتبارنا كائنات اجتماعية,يمثّل الاتصال بالنسبة لها مصدراً مهماً للنضج والتحقق الذاتي والانتشار المعنوي0ومن الوسائل التي تساعد على بلوغ هذا الهدف ما يلي:
-إخوانك القريبون منك هم مرآتك الحقيقة,ولا شك أنهم يختزنون العديد من الملاحظات عن طريقة اتصالك وتخاطبك وحوارك مع الآخرين0وهم أقدر على تقويمك وإفادتك في هذا الشأن-حتى يقف المرء على ملاحظات إخوانه,فإن عليه أن يصوغ العديد من الأسئلة,ويوجّهها إليهم من نحو:هل أتصل بكم بالهاتف في أوقات غير مناسبة؟هل طريقة كلامي غير مريحة,وهل دخولي في الموضوع الذي أريد التحدّث فيه ملائم,هل تشعر أن لدي نوعاً من العناد والإصرار على الرأي بغير وجه حق؟وما شابه ذلك0إذا لم تعجبنا أجوبة إخواننا, ولم نرها مقنعة,فينبغي أن نشكرهم,ولا نقف موقف المدافع0
-يمكن للمرء أن يتعرّف على حُسن اتصاله بالآخرين من خلال ردود أفعال الآخرين عليه,فهو يستطيع-إن كان قوي الملاحظة-أن يدرك إن كان يُساء فهمه بكثرة من قِبَل مستمعيه,كما يدرك إن كان يُغضب محاوره,كما يدرك عن كان لا يحسن الإصغاء,أو إن كان يقاطع محدّثه قبل أن ينتهي حديثه ... وبمقدار ما تكون ملاحظتنا لسلوكنا عند الاتصال قوية ومنظّمة,يتحسّن مستوى اتصالنا,ونستغني عن سماع ملاحظات الإخوة والأصدقاء0
-تسجيل الصوت على شريط وسيلة مهمة لمعرفة أسلوبنا في الاتصال,حيث يتم التعرّف على طريقة نطق الكلمات,وسرعة الحديث ونغمة الصوت,ومدى تنوّعها أثناء الحديث0
.. ويمكن للمرء أن يقوم بمحاولات تحسينية لكل ذلك0وعلى المرء أن يكون مستعدّاً للمفاجأة حين يتفحّص صوته أول مرة,فربما لن يكون مرتاحاً له0
3-الدقة في استخدام اللغة:-
للغة مستويات عديدة,وكل واحد من الناس يستخدم مستوى منها؛فهناك كلمات لها معنى حقيقي,وآخر مجازي,وكلمات لها معنى معجمي ومعنى عامي دارج؛ كما أنّ هناك كلمات ذات معانٍ غريبة,لا يعرفها إلاَّ المختصون والمهتمون0
أضف إلى هذا أنّ الكلمات,ليست وحدها هي التي تحمل المعاني التي نرسلها؛ فقد دّلت دراسة قام بها فريق من الباحثين البريطانيين أننا حين نتحدّث مع شخص وجهاً لوجه,فغن الكلمات هي العنصر الأضعف في إيصال المعلومات إليه,إذ لا تحمل سوى(7%),على حين أنَّ النبرة الصوتية تحمل (38%) , وتحمل تعبيرات الجسم(55%)0 وفي كثير من الأحيان نلغي وظيفة الكلمات في الدلالة حين تتعارض مع تعبيرات الجسم فقد يخبرنا صديق بخبرٍ ما فلا نصدقه,ونقول:عيناك تقولان غير ذلك0وإذا رأينا شخصاً ممتقع اللون,فإننا لن نصدّق كل عبارات الطمأنة التي نسمعها منه,ونصرّ على أن مكروهاً قد وقع, وهكذا ...
من المهم أن يكون هناك انسجام بين معاني الكلمات ونبرة الصوت وتعبيرات الجسم فذاك يجعل رسائلنا في غاية الوضوح,وهناك أمور عدة تجب مراعاتها في هذا الشأن,تذكر منها الآتي:-
-البلاغة أن نستخدم أسلوباً,يناسب السامع,وتتناغم كلماته مع معانيه؛وكثيراً ما نخطئ في تصوّر الإمكانات اللغوية لمن نخاطبه,فتضل رسالتنا طريقها إليه,أو نفقد جزءاً من تأثيرها,وقد تكون سبباً في حدوث سوء تفاهم,نحن في غنى عنه0
ومن المعروف أن كل أصحاب تخصص,وكل أصحاب مهنة بعض المفردات الخاصة بمجالهم؛وحين نستخدم تلك المفردات في خطاب عام,فإنها سوف تستغلق على كثير من السامعين؛ولذا فلابد من اصطناع لغة ملائمة لمن نتحدث معه.بعض الناس يعلَّم العربية,ولذا فإن يشيع في كلامه المجاز والتورية والاستعارة , وهذا يعكر صفو الفهم لدى غير المختص.وبعض الناس يفهم المراد, لكنّه يفسَّر ذلك على أنه نوع من الحذلقة والتشدّق,فينبغي الانتباه لذلك0
-بعض الناس يستخدم بعض الكلمات الإنجليزية أو الفرنسية000أثناء حديثه,مع أن المرادف العربي حاضر على لسانه وقريب وواضح؛وهذا في الحقيقة شيء سيَّئ, إذ إن ذلك على محامل سيئة؛حيث من الممكن أن يظن أن الدافع لذلك هو(التعالم)وإظهار سعة المعرفة والاطلاع0ومن الممكن أن يفسّر ذلك على أنه نوع من الاستخفاف باللغة الأم أو المخاطب,كما يمكن أن يُظن أن ذلك بسبب ضعف عربية من يفعل ذلك000
وبقطع النظر عن كل تلك التفسيرات,فإن الأليق دائماً بنا ألا نستخدم في خطابنا أكثر من لغة واحدة إلا عند الحاجة,حيث لا مصطلحات أو مفردات مقابلة0ونجد من لطف بعض المتحدّثين أنه يعتذر لمستمعه عند استخدام كلمة أجنبية,إذ من الممكن أن يكون الخاطب غير عارف بمعناها,فيسبب ذلك له الارتباك والإحراج.
ويقال مثل ذلك الذين يستخدمون كلمات عامّية مغرقة في عامّيتها,أو ذات سمة لهجية خاصة؛مما يضطر السامع إلى الاستفسار والاستفهام0بعض الناس يملك حسّاً مرهفاً,فيسأل مخاطبه عن مدلول كلمة لديه قبل أن ينطق بها,فيشع بذلك جو المودة,ويعمّق التفاهم0
-كثير من الناس يسيطر عليهم حبّ الكلام والاستفاضة في الحديث غير آبهين بمواقع كلامهم من نفوس سامعيهم,فيسوق النكات والأمثال التي تجرح بعض الحاضرين؛فقد يسوق أحدهم طرفة تتعلق بقبيلة أو أهل بلدة أو أهل حرفة, ويكون بعضهم موجوداً0 وقد يسوق-مثلاً-قصة أو طرفة أو عِظَة تتعلق بأهل عاهة من العاهات كالعرج أو العور أو العمى,ويكون ذاك مفتاحاً لخصومات وشرور عريضة,وهو إن لم يكن إثماً في نفسه,فإنه يجرّ صاحبه إلى الإثم,ولذا فلا بد من الحذر الشديد0
-لا يخفي أن التربية التي يتلقّاها الناس في البيوت متفاوتة في درجة رقيّها وتهذيبها ,كما أن المهن والوظائف التي ينخرط فيها الناس أيضاً متفاوتة,وهذه وتلك آثاراً كبيرة في مستوى الكلام لديهم0وكثير من الناس يندفع في الحديث على سجيته دون أي مراعاة أو تحفّظ,مما يجعلهم يخدشون آذان مستمعيهم بكلمات وتعبيرات سوقية مبتذلة, فيكوّنون انطباعات سيئة عنهم0
وبقطع النظر عن هذه السلبية,فإن من المهم للإنسان أن يرقَّي أسلوب حديثه, وأن يتحرر من بعض العادات الكلامية التي نشأ عليها,فالتعبير الجميل أدب إسلامي رفيع؛وفي حديث الشيخين[لا يقولنّ خبثت نفسي,ولكن ليقل لقِسَت نفسي](1)[(1)معنى خبثت:
غثت .وهو عين المفهوم من(لقست)ولكن النبي-r-كره لفظ الخبث]0
إن الهدف من كل ما ذكرناه ليس النجاح في الاتصال فحسب,إنما الارتقاء الذاتي , وعكس كل ذلك على البيئة التي نربي فيها أنفسنا وصغارنا0
4-الاتــصــــال عبر الهاتف:-
يوفر لدينا الاتصال بالهاتف الكثير من الجهد والوقت,ويمكن القول:إنه لا ينبغي لأي منا أن يخرج من بيته أو عمله لقضاء أي مصلحة,يمكن قضاؤها عن طريق الهاتف أو الناسوخ(الفاكس)أو ما شابه ذلك,فالوقت هو أغلى ما نملك,ويجب أن نتعامل معه بحكمة وحرص0
ولكن الهاتف باعتباره وسيلة اتصال0فإن من الممكن أن نستخدمه على نحوٍ يوفّر علينا الكثير,ويمكن أن نستخدمه على نحوٍ نقتل به أوقاتنا أو نجعل منه مصدر إزعاج للآخرين؛ولذا فإن هناك مجموعة من الأفكار والآداب التي تساعدنا على اتّباع الأسلوب الأمثل لاستخدام هذه الوسيلة المهمة,نسوقها عبر النقاط التالية:
-علينا أن نحدد التاريخ والوقت المناسب للاتصال بالآخرين,فقد يكون وقت اتصالنا وقت عمل كثيف بالنسبة لهم أو وقت نوم أو طعام... وعدم الانتباه لذلك , سيجعل اتصالنا مصدر إزعاج وإرباك بالنسبة لهم,كما أن فرص ردّهم علينا ستكون ضئيلة0
-سيكون من المهم أن نقوم قبل الاتصال بتحديد المسائل التي نرغب في الحديث عنها,والنتائج التي نرغب في الوصول إليها,أو الأمور التي نود إقناع من هاتفناه بها0
وعلينا أن نحاول ألا تخرج المكالمة عما رأينا تحديده قدر الإمكان؛لأن ذلك قد يشتت ذهن مَن اتّصالنا به,وينسيه الموضوع الأصلي للاتصال0
-اللطف مطلوب في السؤال عن الشخص الذي نريد محادثته,وذكر اسم المتصل مطلوب أيضاً؛وبعض الناس لا يذكر اسمه,ولكن يطلب ممّن اتصل به أن يذكر اسمه؛ و هذا منافٍ للأدب؛لأن الذي بدأ الاتصال بمثابة مَن طرق باب غيره,عليه أن يذكر اسمه, ويستأذن ويسلّم0وإذا ردّ على الهاتف شخص غير الذي نودّ محادثته,فمن الأليق أن نسلّم عليه أولاً,وإن كان طفلاً داعبناه,ثم نسأله عن إمكانية محادثة مَن نريد محادثته0
-عندما يردّ على الهاتف الشخص الذي نرغب في محادثته,فسيكون من اللطف أن نبادر إلى سؤاله:هل هذا وقت مناسب لمحادثته0وعلينا أن نبدي له استعدادنا للاتصال به في وقت آخر0وليس من الملائم أن نقول له:هل أنت مشغول,فقد يكون غير مشغول,
ولكن لا يرغب في التحدّث إلى أحد,فنضطره آنذاك إلى الكذب. ولباقة المسلم تمنعه من إحراج الآخرين .
-لنحاول أثناء المحادثة الهاتفية أن نجعل كلماتنا مفعمة بالحيوية والدفء,إذ إنّ كون مَن نخاطبه لا يرانا,يجعل من السهل عليه أن يكوّن عنا بعض الانطباعات الخاطئة, وينبغي أن نمتنع عن أي عمل أثناء المكالمة؛لأن الطرف الآخر سيدرك أْننا مشغولون عنه,وأننا لا نهتم كثيراً للتحدث معه؛وسيكون الامتناع عن أي عمل أكثر أهمية0
-إذا كان ما سنقوله مهماً أو دقيقاً,فالأفضل عدم الاتصال بالهاتف وترتيب لقاء لذلك أو إرسال رسالة خطية0وسيكون من المفيد عند إنهاء المكالمة كتابة ما تمّ الاتفاق عليه إذا كان الحديث يتعلق بمشروع أو صفقة أو اتّفاق ما؛فالمرء قد ينسى ما يجب عليه أن يذكره بعد مدة0
قد يُبتلى المرء بأقوام يحبون الثرثرة على الهاتف,ولا يقيمون أي وزن لأوقات الناس ومشاغلهم,وفي هذه الحال يجب على الواحد منّا أن يكون حكيماً في الإفلات منها,كما كان ابن الجوزي حكيماً في إنجاز بعض الأعمال أثناء زيارة بعض الثقلاء له0
وهناك إجراءات عديدة,تساعد المرء على ذلك؛منها:إشعار الطرف الآخر أنّ لدينا وقتاً قصيراً للحديث معه,كان يقول أحدنا:عندي وقت قصير للحديث معك,فأرجو أن تسمح لي بدقيقتين من وقتك0ومنها ألاّ يسمح للحديث بالخروج عن الموضوع الذي تم الموضوع الذي تم الاتصال من أجله0
بعض الناس يتحدث واقفاً من أجل الاختصار0وبعضهم ينهي السؤال عن الصحة والأحوال الاجتماعية بأسرع وقت؛حتى يُشعر الطرف الآخر باستعجاله0وكل هذا جيد ومفيد0وعلى كل حال فالحديث في الهاتف ذو جاذبية,وذو إغراء خاص,ولا بد من أجل المحافظة على الوقت من مقاومة ذلك الإغراء0



5-الخطــــــاب المؤثَّـــــــــر:0
سنظل نستهدف التأثير في غيرنا,وإيصال رسائلنا إليهم على أعلى درجة من القوة والوضوح؛فذاك جزء من تحقيق وجودنا المعنوي0وسيكون ذلك أكثر حيوية إذا كان الواحد منّا داعية أو محاضراً أو معلّماً أو سياسياً0
صحيح أنّ مضمون الكلام يستأثر بالتأثير الأساسي,لكن لا ينبغي الاستهانة بالأسلوب والقالب الذي نوصل به ذاك المضمون؛وكم من سلعة نفيسة أعرضَ عنها الناس لسوء تغليفها أو سوء عرضها0وكم من عالم متبحّر لا يلفت الأنظار إليه؛لأنه لا يحسن شيئاً من فنّ الخطاب المؤثر0وكثيراً ما يكون الفارق بين متحدّث ناجح وآخر مخفق هو الاهتمام والحرص على تجويد الخطاب وإنقائه . وإليك بعض الوصايا التي تجعل المخاطبين ينفعلون بما تقول,ويتأثرونه:
-لنختر لمحاضراتنا وأحاديثنا عناوين جذابة ومعاصرة,وذلك من خلال ملامستها لمشكلة يعايشها الناس,أو من خلال علاقتها بحدث,يشغل بالهم,أو من خلال كونها تدل الناس على طريق من طرق النجاح0وعلى الواحد منا أن يتجنّب السجع في العنوان؛فقد باتت الذائقة الثقافية المعاصرة تمجه,وقد كان مستحبّاً في غابر الأزمان0ولكن يجب أن نكون على حذر من العناوين البرّاقة والجذّابة التي لا تترجم مضمون حديثنا على نحو دقيق,ولا تطابق معها0كما أن علينا أن نحذر من العناوين الكبيرة التي نعجز عن القيام بحقها0
-الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة مهم جداً لإعطاء المصداقية لما نقوله,وعامل مهم في دفع الوحشة عن كلامنا,ولكن لابد دائماً من نوع من التوازن بين الاستشهاد والتحليل,كما أنه لابد من الحذر من ليَ أعناق النصوص وسوقها على نحوٍ متعسّف0
-سيكون من المستحسن دائماً أن نزوّد السامعين بملخص من ورقة أو ورقتين قبل بدء المحاضرة,تضمنه محاور المحاضرة والنقاط الأساسية فيها0
-للأرقام والإحصاءات والجداول سحرها الخاص اليوم,وعلى مقدار ما نضمن محاضرتنا منها يكون تأثيرها وإقناعها,وتكون إثارتها للسامعين؛وكلما كانت الأرقام أكثر حداثة,كان وقعها في نفوس السامعين أشد0
-الربط بين الموضوع الذي نتحدّث عنه وبين الأحداث الجارية-إذا كان ممكناً- سيكون مفيداً جداً,ولا سيما إذا فعلنا ذلك في بداية المحاضرة؛حيث يثير اهتمام المستمعين أكثر فأكثر0
-استخدام الأسئلة أثناء المحاضرة في محاولة لإشراك الجمهور,والتجديد في الخطاب,
ولكن لا ينبغي انتظار أجوبة عليها,وإنما المراد إيجاد نقاط ارتكاز مشتركة أثناء الحديث؛مثل قولنا:[كم يا ترى سنوفّر على البلاد من مال لو أننا جميعاً امتنعنا عن التدخين؟ومثل:[كيف ستكون الحال لو أن كل واحد منّا التزم ببرنامج قراءة ثلاث ساعات كل يوم؟0
-لا بأس بذكر بعض الجهود التي استغرقها إعداد العمل,كالقول:إن مسوَّدات هذه المحاضرة قد بلغت مئة وخمسين صفحة,أو القول:قد عملت في تحضير هذا الموضوع ثلاثة أشهر0 وفي المقابل لا بأس بالتحدّث عن خبرات بعض المستمعين والحاضرين بالموضوع,وحاجة المتحدّث إلى بعض ملاحظاتهم حوله0
-إذا استطعت أن يشتمل حديثك على بعض الفكاهة,فافعل؛لأن ذلك سوف يضفي على اللقاء كله مسحة جميلة ممتعة,ولكن علينا أن نخشى دائماً الإسراف في ذلك0
-لا تثبت نظرك في الأوراق التي أمامك,وتمهل النظر إلى وجوه القرّاء,فذاك أكبر مصدر للسأم والملل؛ولكن انظر إلى الجمهور تارة,وإلى أسفل تارة مطرقاً كأنك تفكّر؛
فذاك يثير في سامعيك التساؤل عمّا تريد قوله0
-تنظيم النقاط والفقر وتسلسلها عاملٌ مهمٌّ في مساعدة المستمعين على الفهم, فينبغي أن نحرص عليه قدر الإمكان0وقد يكون أحسن أسلوب لذلك,هو أن نقسم كل عنوان من العناوين الرئيسة إلى عدد من النقاط,كأن نقول:وإليك خمس ملاحظات حول سلبيات الأمر الفلاني؛أو نقول:إن أهم المبادئ التي يمكن استخدامها في إدارة الذات أربعة وهكذا000
ولكن لنحاول ما استطعنا ألا نضخّم الأرقام,وإذ لا يستحسن أن تزيد على خمسة أو ستة؛ فقدرات السامعين على استيعاب التقسيمات الكثيرة محدوة0
-قد يكون اللجوء إلى تكرار بعض الأفكار أو المقاطع مفيداً في لفت انتباه السامعين إلى ما تعده مهماً,وذلك كما لو أننا لو كرّرنا قول أحدهم:"إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره"0
-ليكن وضعك الذهني والبدني في أحسن حالاته,فنم جيداً قبل المحاضرة,ولا تناول وجبة دسمة,وحاول تهدئة أعصابك عبر ممارسة شيء من الاسترخاء قبل الحضور إلى مكان المحاضرة0
-لابد من مراعاة السرعة المناسبة أثناء الكلام؛والحدّ الأدنى للسرعة هو (120) كلمة في الدقيقة0وأكثر المتحدثين,يبلغ متوسط سرعتهم في الكلام في حدود (200) كلمة0البطء الزائد في الكلام يجعل المستمعين يفقدون التركيز,ويشتت انتباههم0أما السرعة الزائدة, فتجعلهم غير قادرين على المتابعة,واستيعاب ما يسمعونه0
-أحفظ مقدمة محاضرتك على نحوٍ جيد,واقرأها مرات عدة قبل إلقائها,واضبط الكلمات الصعبة بالشكل,وتأكد في كل الأحوال من أنك قادر على مراعاة القواعد النحوية أثناء الإلقاء0
-تفاعل مع موضوعك,وأظهر ذلك التفاعل من خلال تعبيرات الوجه وحركات الجسم,
فحيوية المحاضر ضرورية لجعل اللقاء كله حياً ومثمراً0
-لا تدع التشاؤم يسيطر عليك؛صوّر الواقع كما هو,لكن لنزرع الأمل بإمكانية التحسّن والخلاص بشكل دائم0
-اختتم محاضرتك بملخص مركّز يشتمل على أهم النقاط التي تتناولها0ويمكن أن تكون موضوع(الخاتمة)دعوة توجهها للمستمعين من أجل إنجاز شيء ما أو الابتعاد عن أمر من الأمور,أو الاهتمام بقضية من القضايا0
-الاستعداد المسبق لما يتوقع المرء من أسئلة يطرحها الجمهور,وعدم التردد في قول:(لا أدري)عندما يأتي سؤال لا يعرف جوابه0
إن في أمتنا الكثير الكثير من الخير,وإن لدى مجتمعاتنا توثّباً لعمل شيء ما,لكن الجميع ينتظرون أولئك الذين يدلّونهم على ما يفعلونه,وينظمون وعيهم تجاه مسؤولياتهم؛وهذا كله من مهمات المثقفين المخلصين؛من محاضرين ناجحين, وخطباء مؤثرين0والله المستعان0

الإصــــــغاء الجـيّــد:-
يولد الإنسان صارخاً,ثم يتعلم الكلام,ويميل الطفل إلى الإكثار من اللغو,ثم يتعلم الإنصات,وهكذا مع نمو ملكاتنا وخبراتنا نتعلم متى نتكلم,ومتى نسكت, وكيف نتكلم, وكيف نصغي0حين نجتمع مع شخص,أو نستمع إلى متحدث, فإننا نتلقى العديد من(الرسائل)ذات المحتويات المختلفة؛والمعلومات التي نحصل عليها من وراء ذلك الاتصال,هي التي تحد من الشك الذي يصاحب تلك الرسائل,أو الذي تسببه الضوضاء الموجودة في المحيط الذي يتم فيه الاتصال0يقولون:إن الله-جلّ وعلا-خلق للإنسان لساناً واحداً وأذنين حتى يسمع ضِعف ما يتكلم؛لكن يبدو ان ما لدنيا من فضول,وما نجده في كثرة الكلام من إثبات الذات000يجعلنا نتكلم أضعاف ما نسمع!0
الذين يتعلمون الكلام المقنع,والذين يتدربون على تنميق الكلام,لا يحصون عدداً,
وقلما تجد من يقرأ كتاباً,أو ينتسب إلى برنامج من أجل تعلم حُسن الإصغاء؛ وربما كان ذلك فرعاً من عدم اهتمامنا بالفهم العميق,وربما كان بسبب أننا نهتم بالتأثير في الآخرين أكثر من اهتمامنا بالتفاعل معهم؛ولذا فإننا لا نجد حاجة إلى إتقان فن السماع؛مع أن من غير الشائع أن يحصل تأثير في الآخرين من غير تأثر بفرديتهم وظروفهم ومتطلباتهم0

مـــيزات الإصغاء:-
-إذا قارنا بين المشكلات التي يجرها الإسراف في الكلام,وبين المشكلات التي يتعرض إليها الميَّالون إلى السماع والإصغاء؛لوجدنا أنه لا وجه للمقارنة0وحين يكون هناك تعليمات أو اقتراحات أو تحذيرات,فغن المعولين بكثرة الكلام،لا ينتهون لشيء من ذلك
على حين أن الميالين إلى الصمت,يدركون كل ذلك على وجه أدق0هذا غير ما يقع فيه الثرثارون من أخطاء ومزالق0ولو أننا تقيدنا بالأدب الإسلامي في هذا لقلّ كلامنا,
وكثر إصغاؤنا؛فقد ورد في الحديث الصحيح:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليقل خيراً,أو ليصمت)0
-حُسن الإصغاء يساعد صاحبه على الفهم العميق للظروف والأوضاع المحيطة؛ حيث يتمكن المرء من فهم الطرق التي يفكر بها الذين حوله,كما يتمكن من فهم بيئة العمل,
وأفضل الطرق في إنجازه0أضف إلى هذا أن الإنصات يكسو صاحبه نوعاً من الهيبة,
ويجعله يبدو في أعين الناس أكثر حكمة وفهماً,حيث تكون المحاكمة العقلية لدى المرء أفضل في حال الصمت0
-إن الإصغاء يلبي حاجة مهمة للإخوان والأصدقاء والزملاء,وهي تطلعهم إلى من يستمع إليهم,ولذا فإن المصغي يُدخل السرور عليهم,وينال منهم التقدير0
-من وظائف الإصغاء امتصاص غضب الآخرين؛حيث إن أول استجابة للانفعال تكون عن طريق الآذن,وعندما نصغي اشخص غاضب,فإننا نتعرف على سبب غضبه,فنظهر تعاطفنا معه,ونجعله ينفَّس عن غضبه,ويعود إلى هدوئه؛ولذلك فإن من غير الصواب أن نجادل شخصاً غاضباً دون أن نعرف سبب غضبه,وبعد نبدي التعاطف معه,ثم نحاول إطفاء غضبه0
تحـسيــــــن الإصغاء:-
[COLOR=**********]كل شيء مهما كانت وضعيته,يظل قابلاً لنوع من الارتقاء والتحسين؛والخبرات المتراكمة لدى البشرية علمتها كيف تتلافى الأخطاء,وتستفيد من الفرص0[/COLOR]
[COLOR=**********]مسألة استثمار السماع ليعطي أفضل مردود شغلت منذ أمد بعيد الكثير من التربويين والمهتمين بالاتصال الإنساني0وبإمكاننا أن نضع هنا بعض النقاط التي تجعل السماع لدينا أعظم فائدة,وذلك على نحو الآتي:0[/COLOR]
-أول خطوة على طريق تحسين الإصغاء,هي أن نحاول السماع بنية الفهم لما يقال0
ومع أن بإمكان كل واحد أن يدعي ذلك,إلا أن الصحيح أن الذين يولون القدر الكافي من الاهتمام والتركيز لما يسمعونه يظلون قلة0وكثير من الذين يظهر لنا أنهم مصغون فعلاً,إما يكونوا غير شاعرين بأهمية ما يسمعونه لهم,وإما أن يكونوا في حالة تهيّؤ للرد على ما يسمعونه0أو يكونوا في حالة شرود,وفي جميع هذه الأحوال فإنهم يحرمون من الفهم العميق لما يقال0
-ليست الأذن أداة سمع,وإنما هي أدوات توصيا فحسب؛حيث أن عمليات السمع تتم في الدماغ,وهناك يتم تحليل ما يُسمع,وتحديد رد الفعل الملائم عليه؛ولذا فإن للمرء أن يسمع,ويفهم,وبإمكانه أن يسمع,ولا نفهم,حيث تتدخل في عمليات الفهم العميق أمور كثيرة جداً0وقد نهى الله-جلَّ وعلا-المؤمنين عن بعض أحوال الكافرين و المنافقين في مسألة السماع في آيات عدة,منها قوله:{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}[الأنفال:21],وإذ في معتقداتهم وعقولهم ما يمنعهم من السماع الحقيقي المثمر الذي يضيف إلى المعرفة,ويغير السلوك0حين نستمع إلى شخص يتحدث,فإننا نحاول الفهم,من منظور عاداتنا النفسية والفكرية,ومن خلال إطارنا المرجعي,وأحياناً من خلال مصالحنا0
ومع أن التخلص من ذلك على نحو كامل غير ممكن في معظم الأحيان,إلا أن علينا أن نجاهد أنفسنا لنفهم ما نصغي إليه من خلال الدخول إلى العالم الشخصي للمتكلم, فنرى إطار القضية التي يتحدث عنها من خلال نمطه الخاص في التفكير,ومن خلال رؤيته ومعلوماته ومشاعره000
هذا الدخول إلى العالم الشخصي للمتحدث,يحتاج منا إلى وعي مضاعف؛ فالكلمات والتراكيب والجمل التي ينطق بها,ليست ذات مدلولات معجمية صارمة,كما أنها لا تستخدم وفق عُرف اجتماعي محدد؛فهناك شبكة معقدة من العوامل التي تتحكم في إعطاء الكلام معانيه النهائية,من نحو الخلفية الثقافية والخبرة العامة,ومدى إلمام المتكلم بما يتحدث عنه والتاريخ العائلي له,ونوعية علاقته الشخصية بذلك,ومصلحته في الانطباعات التي يود أن يتركها000
وعلى سبيل المثال فإن المتحدث إذا كان يتناول حكاية خلافه مع خضم له,أو قصة انشقاقه عن حزبه,أو أسباب اتهامه بارتكاب جريمة,فإن علينا أن نتوقع سماع الكثير من الزيف والكثير من المبالغة,وأن نلمس إخفاء الكثير من الحقائق التي تعكر صفو النتائج التي يرغب في الوصول إليها0
هناك أشخاص تعودوا في أسلوب تحدثهم أن يستخدموا ألفاظاً من نحو(عظيم جداً)و (كثير جداً)و(قريب جداً)000وعلينا آنذاك أن نعرف كيف نحذف (جداً) هذه من مدلولات خطاب الواحد منهم,ونفهم ما يصفه على أنه عظيم وكثير ... من وجهة نظره هو .
وهناك أشخاص يغلب عليهم التشاؤم أو النظرة المثالية,فيستخدمون الألفاظ التي تصور نزعتهم تلك,وعلينا أن نعرف أيضاً كيف نحيد محصلات تلك الألفاظ,, ونعزلها عن سياق المدلول العام لكلامهم0إذا فعلنا ذلك ونحوه أمكننا أن نتجاوز المعنى المباشر لما يقول إلى معنى المعنى,وأمكننا بذلك أن نحصل على فهم أكثر عمقاً وأكثر توازناً0
-علينا أن نستمع إلى المتحدث بصدر رحب مهما كان الكلام الذي يقوله مزعجاً أو غير منطقي أو غير دقيق؛فهو يمثل وجهة نظر شخص,رضينا بتجشم مشاقّ الحضور من أجل سماعه0وانفعالنا الحاد سوف يحرمنا من استيعاب ما يقول،وسيضعنا في بداية الطريق إلى رد فعل غير سويّ عليه,حيث نفهم آنذاك فهماً مشوشاً,ونحمّل كلامه ما لا يحتمل, ونتيجة كل ذلك موقف غير دقيق ولا متزن.
-حتى تنجح عملية الإصغاء فإننا بحاجة إلى أن نكون في وضع بدني مريح؛ المقعد ينبغي أن يكون ملائماً,والمسافة التي بيننا وبين المتحدث أيضاً ملائمة, ويستحسن الجلوس في المقدمة,كما ينبغي أن نكون في مكان يتيح لنا رؤية جيدة للمتحدث؛إذ إن معظم مفردات الرسالة-كما ذكرنا-سترد إلينا من تعابير الوجه وحركات الجسم0
وينبغي ألا يكون المرء أيضاً جائعاً أو عطشان أو حاقناً حتى يستطيع الاستمرار في الاستماع والمتابعة بتركيز جيد0
-الإصغاء الجيد يقتضي ألا نقاطع المتحدث قبل إتمام قوله؛فإذا كان كلامه منفَّراً إلى حد لا يطاق,فإن بإمكان المرء أن ينسحب من المكان,أو يشغل ذهنه بشيء يصرفه عن السماع0ومن حق المتحدث علينا كذلك ألا نصدر أي حكم على كلامه حتى ينهيه؛
ويؤسفني القول:إن مجالسنا مشحونة دائماً بالمقاطعات,ومشحونة بالأحكام المستعجلة! وسيكون من الحكمة أن نسأل عن بعض النقاط الملتبسة قبل أن نعلن الحرب على المتكلم!0
-المهم مما يقال دائماً هو جوهره,وهذا يملي علينا أمرين:-
الأول:هو ألا يصرف انتباهنا عن مضمون الحديث الطريقة أو الأسلوب الذي يستخدمه المحاضر؛فقد يكون استخدامه للغة سيئاً,كأن يكون غير متقن لقواعدها, وقد يكون لا يحسن النطق بالشواهد القرآنية أو الشعرية000وكثيراً ما يشغلنا هذا ونحوه عن الاهتمام بجوهر ما يقال0
الثاني:أنه من خلال المداخلات والتعليقات والأسئلة التي تتم بعد المحاضرات والندوات,كثيراً ما يتم الانحراف عن صُلب الحديث,والصيرورة إلى مناقشة قضايا هامشيه وجانبية,مما ينسي الحاضرين الكثير مما اشتمل عليه الموضوع الذي اجتمعوا من أجله0وهذا يوجب علينا مرة أخرى محاولة العودة دائماً إلى القضية الأساسية التي اجتمعنا للسماع عنها0
-حين يكون الحديث مركّزاً وكثير التشعيبات والتقسيمات,أو يكون طويلاً؛فإن استيعابنا له سيكون جزئياً ومحدوداً,ولذا فلا بد من أن يكون في يد الواحد منا قلم وورقة من أجل تدوين بعض الملاحظات وبعض الأفكار الأساسية الواردة؛ ولكن ينبغي الحذر من الاسترسال في الكتابة بحيث يبدو المتحدث وكأنه يخاطب نفسه؛فالتوجيه الإسلامي في هذا المجال ينطوي على أن نرمق المتحدث بأبصارنا حيث يتم تنظيم التفاعل الداخلي بيننا,وحيث يشعر المتحدث بأننا نشاركه في عمله0
إن ما يمكن قوله في قضية الإصغاء والاستماع كثير,وسنتمكن من أن نكون مستمعين جيدين إذا توفر لدينا ما يكفي من الاهتمام والوعي0

____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image037.gif[/IMG]الفصل الثالث:-

ذكرنا فيما مضى أن العلاقات الاجتماعية والأسرية,تعد من أهم مصادر سعادة الإنسان, وأهم مصدر لتربيه وإنضاجه,ولذا فإنها تستحق منا كل العناية والاهتمام . المبادئ والأعراف والتقاليد والبنى الثقافية المختلفة والمصالح والأهواء والخلفيات التاريخية ..
كل ذلك يمد العلاقات الاجتماعية بالأطر التي تتفاعل فيها,والأسس والنظم التي تحكم تفاعلاتها وتغيراتها.
وبما أننا نعيش في عالم يتغيّر في كل شيء بسرعة كبيرة,فإننا نتوقع أن يتغير الكثير من المفاهيم التي تخلع المعاني على تصرفاتنا الاجتماعية,وهذا يلزمنا بالمزيد من العمق في فهم مسيرتنا الاجتماعية,والمزيد من الحذر والاهتمام في رعايتها,وجعلها تنشد باستمرار نحو المبادئ والأسس الإسلامية التي هي سر صلاح شؤوننا كلها,وكناقد ذكرنا في الحديث عن سمات اللبنة الصالحة, والحديث عن الاتصال الإنساني الكثير من المبادئ والأفكار التي نعتقد أن مراعاتها ستعود على علاقتنا بالديمومة والارتقاء؛ وسنذكر هنا-بحول الله-أيضاً ما يزيد هذه المسألة وضوحاً ونضجاً,وذلك من خلال المفردات التالية:-
1-التـوازن بين التعقل والانفعال:
[COLOR=**********]العقل والعاطفة عنصران جوهرياً من عناصر الشخصية الفردية والجماعية؛ومع أن كل واحد منهما يعمل على محور مغاير للمحور الآخر,إلا أن بينهما من التداخل والتقاطع الكثير؛مما يجعلهما عنصري توازن واتزان واستقرار في حياتنا مهما كانت علاقتنا بطرف ما(عقلانية)و مصلحية ومقنَّنة,فإننا لا نستطيع أن نعزلها عن تأثير العواطف والانفعالات . ومهما كانت علاقتنا بطرف ما عاطفية و شفافة ومجردة, فإن استمرارها,سيظل مرتبطاً بمعطيات عقلية وأحياناً مصلحية0[/COLOR]
[COLOR=**********]إنّ الارتباط الشديد بين النسيج العقلي والنسيج العاطفي,سيجعل أي محاولة للفصل بينهما تبوء بالإخفاق التام0ولعلنا نلمس هذه المسألة في الحروف الصغيرة التالية:[/COLOR]
أ-حين أقيم علاقة أسرية أو علاقة زمالة اختيارية,ويطغى عليها الجانب العاطفي ؛فإن المتوقع لتلك العلاقة أن تتسم بسمة التذبذب والمد والجزر,ما دمنا قد أخضعناها لشيء سمته الجوهرية كذلك0العلاقة التي تقوم على الحب والإعجاب الشديد والحماسة الزائدة,قد تحمل الإنسان على أن يضحي بتضحيات كثيرة في سبيل من يحبه؛وقد تحمله على المبالغة والكذب,ومخالفة النظم والقوانين من أجله,وقد تحمله على أن يهمل علاقاته الاجتماعية الأخرى ... وربما يفاجأ في النهاية أن من فعل كل ذلك من أجله,لا يستحق كل ذلك,حيث إنه يتوقع المقابلة بالمثل,فإذ لم يحصل عليه,فإنه قد ينفض يده من تلك العلاقة,ويقلصها إلى الحد الأدنى,ثم يلغيها . وهذه الحالة شائعة جداً في مجتمعاتنا العربية ذات العاطفة الموارة0
ب-في المقابل فإن العلاقات التي تقوم على أساس التعاقد والحقوق والواجبات, والقيام بخطوة أمام كل خطوة,ولفتة إزاء لفتة,تظل علاقات سطحية وباردة, وفي أحيان كثيرة مؤقتة0إن ضعف العاطفة في العلاقات الأسرية والاجتماعية,لا يسمح بالاندماج الذهني والشعوري بين أصحاب تلك العلاقات,كما لا يسمح بملامسة آفاق الخيرة الإنسانية ذات الأهمية لكل طرف من أطرافها,وهذا يجعل ما نتوقعه من وراء تلك العلاقات من أمن ودعم وإحساس بالتأنق,ضعيفاً جداً,وبذلك تفقد أهم معانيها0
ولا نستبعد بعد هذا أن تؤثر(العلاقات البادرة)في نوعية أحكامنا العقلية,فنكون غير موضوعين,أو نخضع للهوى,أو المصحلة على النحو الذي يحدث عندما تطغى العاطفة ؛ وذلك لأن شبكة العلاقات الواسعة,تفرض أحكاماً ومواقف متضاربة,وفقد الاتزان بين العقل والعاطفة,يجعلنا نرجَّح في استجاباتنا لها من غير مرجح,ومن غير وجه حق,ولذا فلا بد من الاعتدال على نحو دائم,وقد ورد في الحديث الشريف: "أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما0وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما"0
ج-ليس من السهل إقامة التوازن بين العقل والعاطفة,ولكن يمكن في كل الأحوال إحراز شيء من التقدم في ذلك؛ومما يساعد في هذا الشأن أن نعي درجة عاطفتنا في العلاقة التي نقيمها مع زيد من الناس؛هل هي قوية أو ضعيفة,هل تمثل لنا هاجساً مستمراً,وهل تحملنا في بعض الأحيان على تقديم تضحيات كبيرة,أو تدفعنا إلى تجاوز الحق والممالأة على الباطل00إذا كان الأمر كذلك,فهذا يعني أن الجرعة العاطفية في تلك العلاقة,قد تجاوزت الحد الطبيعي البنّاء,ويجب أن نعيدها إلى نصابها الصحيح0 ومما يساعد على التوازن كذلك أن ننظر إلى درجة عاطفة الطرف الآخر في تلك العلاقة
وأن ننظر إلى ماهو سائد من علاقات في المجتمع,فالمقارنة تساعد في كثير من الأحيان على الموازنة0
مجاهدة النفس عنصر أساسي في إقامة التوازن,فإذا كان المنطق والواجب يفرضان زيارة فلان من الناس أو مواساته أو الحدب عليه,وكانت رغبتنا ضد ذلك,فإن علينا أن نجاهد أنفسنا,ونتجاوز عواطفنا,لنستجيب إلى صوت العقل0وفي المقابل فإن للمجاهدة دورها في إيقاف العواطف والانفعالات التي تسود علاقة ما عند حدود معينة0
الأعمال الروحية والعلاقات العاطفية,تميل بطبعها إلى التطرّف,وهذا التطرّف يجعلها في حالة دائمة من التقلب,وكبح تطرّفها يجعلها أكثر عقلانية,وذلك من خلال مراعاة ما تمر به الطبيعة البشرية من نشاط وفتور,وإقبال وإدبار0التوازن يكون بإقبالنا في حال إدبار الطرف الآخر وتريثنا في حال إقباله الشديد,وعليه هو أيضاً أن يفعل مثل ذلك0
2-رعاية العلاقة الخاصـة:
يبني الناس في مسيرة الحياة علاقات كثيرة وموزعة على دوائر ومستويات عدة؛ فمن خلال المشي في الطريق-مثلاً-نبني علاقات وواسعة جداً؛ولتلك العلاقات رعاية عابرة أيضاً,وهي تتجسد فيما يسمى(آداب الطريق),وهناك علاقة أضيق نطاقاً وأعمق من هذه,وهي رابطة الإخوة الإيمانية{ إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات:10] . ولهذه العلاقة التي تنشأ تلقائياً من الدخول في دين الله-تعالى-حقوق وآداب معرفة0
وفي إطار الأخوة الإيمانية تنشأ علاقات قهرية مثل علاقة القرابة والرحم,وينشئ الواحد منا علاقات اختيارية خاصة,وهي ما يسمى ب(الصداقة),وهي ما نريد التحدث عنه هنا عبر المفردات التالية:
أ-إن حاجة الواحد منا إلى أخ نقيم معه علاقة خاصة ومتميزة,حاجة ماسّة,ففي ذواتنا ثغرات كبيرة,لا تسد إلا عن طريق هذا الأخ الصديق الذي نأنس به, ونطمئن إليه,ونرى فيه الإنسان المواقف في الرخاء,والمؤازر في الشدة,والذي نشعر بثمرات صحبته دون أن يثقلنا بتبعاتعا0 هذا الصنف من الإخوان لا يظفر المرء في العادة بعدد كبير منه, وإذا تهيأ لأحدنا أربعة أو خمسة منه فهو محظوظ .
وقد روي عن الإمام الشافعي قوله:"ضياع العالِم أن يكون بغير إخوان"وقال القاسم بن محمد:"قد جعل الله في الصديق البارّ المقبل عوضاً عن ذي الرحم العاقّ المدبر"0
الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم,يتعرضون لأعظم الصعاب في حياتهم ,ومنهم أنفسهم يواجه الآخرون الكثير من المفاسد والشرور!0
ب-أشواق الإنسان إلى أن يكون له أخ حميم أشواق فطرية أصيلة؛وأعتقد أننا نملك القدرة على الحصول على ذلك0لكن لابد من بذل الجهد والتضحية؛إذ لا بد من النفع في مقابل الآخذ0إذا شعر المرء أنه ليس لديه صداقات حميمة, أو أن علاقاته الأسرية, أوصِلاته بأرحامه,ليست بتلك التي تشبع تطلعاته,وتشعره بالأمان,فإن عليه أن يبحث في أسباب ذلك0
ومع أنه ليس من السهل الإحاطة بها,إلا أننا يمكن أن نكون متفقين على العديد منها؛
على سبيل المثال فإن حدة المزاج,وتعكره من أجل أشياء لا تعد مثيرة في العرف العام أو لدى ذوي المزاج المعتدل,مما يحول دون تآلف الناس,ومما يدعو الكثيرين إلى الابتعاد0
التفتيش عن أخطاء الآخرين ومتابعتها,والإسراف في نقدهم,وإظهار البَرَم من أوضاعهم, مما ينفر الناس,ويشتت الأصدقاء0
كثرة الثرثرة والإفاضة في الكلام,مما يجر غالباً إلى إفشاء الأسرار,وإلى(النميمة), فعندما يخلو وفاض الثرثار من الأخبار,لا يجد ما يخوض فيه إلا سِيَر الناس ومشكلاتهم . وهذه الحالة سببها غالباً رقة في الدين,وقصور في الثقافة والتعليم, وإحساس بالنقص,فيسعى النمّام على احتلال مركز الدائرة عن طريق النميمة, حيث لا شيء آخر لديه0وقد قالوا :
من نمّ لك نمّ عليك"ومهما حاول النمام التستر,فإن أمره في النهاية إلى انفضاح, فيسقط من عيون الناس,ويخسر جلَّ أصدقائه0
الأنانية والتطرف في حب الذات,من الأسباب الأساسية للإخفاق في تكوين صداقات جيدة0الأناني ليس لديه ما يقوله سوى الإشارة بماله صلة به؛وليس لديه ما يهتم به سوى ما يعود عليه بالنفع الخاص,وحين يجد فرصة ما,فإنه ينسى من يمكن أن يشاركه فيها من أصدقائه0جوهر الأنانية مضاد تماماً لجوهر الصداقة الحميمة التي يقوم على المشاركة والاعتماد المتبادل0
والأنانية حالة مستمرة من العمى عن كل شيء إلا النفس والمصالح الخاصة0
لا ننسى هنا بالإضافة إلى ما سبق أن بعض الناس يميل بطبعه إلى الانطواء والعزلة, ولهذا الصنف من الناس علامات عديدة منها:ميله إلى الهوايات الذهنية والتعبير عن النفس بالقلم لا باللسان,والحساسية المرهفة والمزاج المتقلب, وسرعة الارتباك والخجل والدقة والنظام والشغف بالتفاصيل,وتفصيله الأعمال التي لا تتصل بالناس,والتردد والإحجام000
إن كل ما ذكرناه ممكن العلاج,ولكن لا بد من العزم والصبر والتضحية.
ج-نحن لا نؤكد على فكرة اكتساب المزيد من الأصدقاء من أجل إشباع بعض الرغبات,أو العثور على نصير في وقت الشدة فحسب؛فهناك أهداف أخرى أكثر نبلاً وأعظم فائدة,من نحو التعاون على البر والتقوى,ومن نحو التكافل والتباذل , ونحو المناصحة والتقويم,والتقدّم على طرق الخير والصلاح ... وانطلاقاً من هذا, فإن العثور على من يكون ملائماً لصداقة حميمة وخاصة,ليس بالأمر السهل دائماً . وقد ورد في الحديث الشريف:"الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة" . ولابد من التدقيق فيمن يصلح للأخوة والصداقة حيث إنّ تأثير الصديق الحميم في سلوك صديقه كبير؛وربما استطاع أن يعيد صياغة الكثير من أفكاره وأخلاقه ومشاعره؛وقد ورد في الحديث:"المرء على دين خليله,فلينظر أحدكم من يخالل"0
ولذا فلابد من توفر بعض الصفات الأساسية فيمن نختاره لعلاقة خاصة0ويأتي على رأس تلك الصفات الاستقامة والالتزام؛فهما الأرضية العريضة والصلبة التي تشكل عليها كل السمات الأخرى المطلوبه0أضف إلى هذا توفر درجة مقبولة من التفتح والجديّة والحرص على الوقت والإيثار وبذل المعروف والشفافية والتعاون والصراحة,وعدم سيطرة النزعة المادية عليه000وكل هذه السمات ذات درجات متعددة في الناس0وربما كنا في بعض الأحيان مثاليين أكثر من الطبيعي,حيث نطلب من غيرنا ما ليس فينا0وهذا من أسرار الشكوى التاريخية من انعدام وجود(الخل الوفيّ)!0
د-إذا وجد المرء الأخ الذي يبحث عنه,فليحسن عشرته,وليقم بحقوق أخوته, وله أن يعلم أن العلاقات الحميمة,يمكن أن تتحول إلى علاقات شكلية أو رسمية , إذا لم يتوفر لها رعاية الكافية والتحفيز المستمر0ولا ينبغي أن يتساهل في ذلك,فيخسر علاقات بناها خلال فترات طويلة,وقد يكون من الصعب بعد ذلك استعادتها أو تعويضها0
تمـسّـك إن ظفرت بذيل حـرّ فإن الحـرّ في الدنيا قليل
هذه العلاقة الخاصة تحتاج إلى رعاية شاملة ومشتركة ومتكافئة نوعاً ما0ومن أشكال تلك الرعاية ما يلي:
-المساعدة المالية,فإذا وجد الصديق صديقه في أزمة,فإن عليه أن يمد له يد العون قبل أن يشكو إليه حاله,ويسأله؛وقد ضرب الصحابة الكرام المثل الأعلى في هذا الشأن,حيث تجاوز العديد منهم منزلة المساعدة إلى مرتبة الإيثار على نحو ما وصفهم الله-تعالى-به في قوله:{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}[الحشر:9]0وكان بعض السلف يحذّر من صحبه من لا يتعرّف على صديقه إلا أوقات الرخاء,ويسميه بصديق العافية0
-تقديم الخدمة والإعانة بالنفس والجاه,من مواجب الأخوة وحقوق الصداقة, وكان أحد الصالحين يقول:"إذا استقضيت أخاك حاجة,فلم يقضها,فذكّره ثانية, فلعله يكون قد نسى,فإن لم يقضها,فكبّر عليه,واقرأ هذه الآية:{والموتى يبعثهم الله}[الأنعام:36]0
-يتوقع الصديق من صديقه أن يفرح لفرحه,ويحزن لحزنه,كما يتوقع منه الحرص على مصالحه وحفظ أسراره؛وإن الوفاء بتلك التوقعات,مما يساعد على استمرار الأخوة والصداقة ونحوها0إذا سمعنا ثناءً على أحد أصدقائنا,فمن المستحب أن ننقله إليه0وإذا احتاج المر إلى مناصحة,وإبداء ملاحظة حول أمر يتعلق به,فعلينا ألا نبخل بذلك,بل إن هذا قد يكون مما يوجبه عقد الإيمان والالتزام0والتماس العذر له أيضاً مما ينتظره؛ وقد قال ابن المباركfrown.gifالمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات"0
وحُسن الظن بالأخ مطلوب أيضاً,وعلينا أن نحمل أفعاله وتصرفاته ومواقفه على الوجه الحسن ما كان ذلك ممكناً0شكر الصديق على صنيعه,وإبداء السرور لمعاونته,مما يطلبه الإسلام من المسلم:"من لم يشكر الناس لم يشكر الله"0
-العفو عن الزلات والصفح عن الهفوات,خُلُق أساسي وركن ركين في رعاية الصداقة0و إذا طلب الواحد منا الكمال في إخوانه,فلن يجد يوماً ما حوله منهم أحداً0
ولست بمستبق أخاً لا تلمّسه على شَعَث أي الرجال المهذّب
فلا بد من المفاتحة في بعض الأحيان,وغض الطرف والتغافل في أحيان كثيرة . كما أننا نلاحظ على إخواننا بعض الأمور,فإنهم يلاحظون علينا مثلها أو أكثر0
-الوفاء والإخلاص والثبات على المودة,وإكرام من يلوذ بالصديق من أهل وأقرباء وأصدقاء00أمور توطد الأخوة,وتبعث فيها روح التجديد والجاذبية,وقد ورد في الحديث أنه-r-أكرم عجوزاً دخلت عليه,فقيل له ذلك,فقال:"إنها كانت تأتينا أيام خديجة,وإن كرم العهد من الإيمان".ومن جملة الوفاء مواصلته ولو تباعدت الدار, والتواضع له,وإن تباينت المنزلة الاجتماعية,فالترفع على الإخوان بسبب ما يتجدد من الأحوال دليل على رداءة الطبع0
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن
-لا تتم الأخوّة,ولا تكتمل الصداقة من غير ترك الكثير من التكلف والكثير من الرسميات التي تنشأ بين الناس؛وكان أحد الخلفاء يقول:"ما من لذة من لذات الدنيا إلا ذقتها سوى لذة واحدة0قيل:ما هي؟قال:أخ أطرح مما بيني وبينه مؤونة التكلّف"0وقال الفضيل:"إنما تقاطع الناس بالتكلّف,يزور أحدهم أخاه, فيتكلف له,فيقطعه ذلك عنه"0
ومع هذا فإن الخلطة الزائدة,قد تفسَّر في بعض الأحيان على أنها اقتحام للخصوصيات, ولذا فلا بد من الحذر0
حين نعرف أن وجود الصديق الحميم في حياتنا,يعد مورداً مهماً لاستكمال سعادتنا واطمئنانا ونضجنا,فإننا سوف نبحث عنه,ونحرص عليه,ونرعي أخوته0
3-العلاقات الشفيـفة:-
نحن في حاجة مستمرة إلى أن نضفي على علاقاتنا مسحة من التأنق والشفافية واللمسات الحانية؛فذلك وجه من وجوه السمو الإنساني,وجه من وجوه كبح (الوحش) الكامن في داخلنا0وهو أيضاً ضروري لتسهيل الحياة,وجعلها أكثر دفئاً ونمواً0وكل ما سنذكره مما يساعد على تحقيق ذلك ينبغي أن يظل مؤطراً بإطارين عظيمين: المشروعية والاعتدال0
إنّ فقد وسائل الشفافية في العلاقات لإطار المشروعية,يجعلها عامل تناقض وهدم في حياتنا بدل أن تكون عامل بناء وتقدم0وإن فقدها لإطار الاعتدال يجعلها تقع في حيز التطرّف الذي يفضي في النهاية إلى ضد ما أوجدت من أجله؛ فالفضيلة خُلُق وسلوك يقع بين رذيلتين0الذي يمنح علاقاتنا الشفافية أمور كثيرة ومتداخلة,وربما ذكرنا بعضها تحت عناوين أخرى,ولكن سنجملها هنا لما لها من أهمية خاصة في هذا,ومنها:
-التجهم في وجوه الناس,لا يحل أي مشكلة,ولا يعطي صاحبه وزناً إضافياً؛ولذا فلنحاول دائماً أن(نبتسم)0كل واحد منا قادر على أن يعبس في وجوه الآخرين , لكن القادرين على الابتسام في معظم الأحيان,هم الصفوة0وفي الحديث الشريف: "تبسمك في وجه أخيك صدقة:0
-إذا تجادلنا وتناظرنا حول موضوع ما فسوف نُبلْور أفكاراً,وربما غيّرنا بعض القناعات, وربما أثبتنا أننا نتمتع بدرجة عالية من الفهم والاطلاع000
ولكن ربما خسرنا علاقتنا بأخ آذيناه في نقاشنا,ولذا فلا بد من موازنة دقيقة بين ثمرات ذلك والأضرار المترتبة عليه؛وليكن الشعار في هذا:"نتناقش وننقد ولكن في ظل علاقة حميمة"0
-إذا أخطأ الواحد منا,ففي غالب أنه يتمكن من الدفاع عن خطئه,ومعظم الناس يفعلون ذلك,لكن إذا أردنا الارتقاء بعلاقاتنا وإثبات أننا أعلى من المستوى المألوف,
فإن علينا أن نسرع إلى الاعتذار والاعتراف بالخطأ والتقصير0وعلينا أن نتذكر دائماً أن المهم هو صورتنا أمام أنفسنا:{بل الإنسان على نفسه ولو ألقى معاذيره}[القيامة:14-15] لنسمح لإخواننا ومجالسينا أن يظهروا تميّزهم ومواهبهم,ولنعطهم الفرصة لذلك0
يقول أحد الحكماء:"إذا أردت أن توجد لك مزيداً من الأعداء,فتميّز على أصدقائك, أما إذا شئت أن تكسب الأصدقاء,فدعهم يتميّزوا عليك"0
-إذا أردنا لأفكار أن تنتشر,فعلينا أن نترك الآخرين يشعرون بأنها أفكارهم,وذلك يتم من خلال تقديمنا مقترحات أو رؤوس أقلام,ونترك لغيرنا أن يفصّل فيها,أو يدلل عليها0
-مهما اختلفنا في رؤية الأشياء,فإن هناك هامشاً ثقافياً مشتركاً,فلنحاول دائماً توسعة ذلك الهامش وإثراءه,فذاك أفضل سبيل لبناء حياة عامة آمنة ومنتجة0مما يساعد على ذلك أن نحاول فهم الأمور من وجهات نظر جديدة,وعلى نحو أخص من وجهة نظر من ننازعه ونخاصمه0
-حين نحاول إصلاح بعض الأمور,فعلينا ألا نصدر الأوامر الصريحة,ولكن نقدم اقتراحات حيث لا أحد يرتاح لسماع الأوامر والزواجر0
-في كثير من الأحيان نسبب الإحراج لغيرنا دون أن نشعر,فيحس الآخرون كأنهم في سجن,ولذا فلا بد من أن نحرص على تسهيل الانسحاب لمن نحادثه, ونتيح له فرصة لحفظ ماء الوجه0إنّ علينا أن ننبه على الخطأ,ولكن نذكر أيضاً أن إصلاحه سهل وميسور,وأنه خطأ غير مقصود0
-لنستخرج النبل الذي في نفوس الآخرين من خلال تقدير جهودهم,والثناء على أعمالهم ومواقفهم الجيدة,ولنذكر أن ذلك من سبل دعم الخير,وعامل من عوامل استمـراره0
4-العــــلاقات الأسـرية:-
إن معظم ما ذكرناه,وما سنذكره في العلاقات الاجتماعية,يصح قوله في(الحياة الأسرية)
والتي تمثل الطبقة الأعمق في علاقاتنا الخاصة,ولكن أحببنا أن نخصها ببعض الملاحظات لمالها من أهمية خاصة0وما سأذكره هنا موجَّه للعلاقة بين الزوجين على نحو خاص,حيث إنها تمثل محور السرية0ولعلنا نشير هنا إلى النقاط التالية :-
[COLOR=**********]أ-علينا أن ندرك أن مضي الحياة الزوجية على إيقاع واحد,يولّد السأم والملل, حيث صورة الحركة اليومية تتكرر باستمرار,لتفقد الحياة كثيراً من معانيها. مع مرور الزمن يحصل لدى الزوج والزوجة نوع من التشبع؛فكا منهما قد عرف الآخر معرفة كاملة-كما يظهر-ووصل إلى قناعة بعدم جدوى النقاش أو النصيحة , فيصبح التصلب هو سيد الموقف,ولم يعد ثمّة من مخرج سوى التكيف والصبر000[/COLOR]
[COLOR=**********]الوصول إلى هذه الحالة شائع جداً في كثير من البيوت,وليس له من دواء سوى أن يثبت كل طرف إلى الطرف الآخر أن إمكانات التجديد والتغيير,ما زالت موجودة0 [/COLOR]
[COLOR=**********]ويتجسد هذا في مفاجئة كل طرف للآخر بتغيير رأيه ومواقفه حيال بعض المسائل أو الأشخاص أو العادات0وإذا جربنا هذا وأشعناه في حياتنا,فسوف نشعر وكأننا نولد من جديد,وستلوح في الأفق طيوف عيش مختلف0التنازل الذي نتفاجأ به من قبل شريكنا, هو ينبوع الأمل بإمكانات متفتحة,لا حدود لها,وعلينا أن نفجّر ذلك الينبوع كلما أمكننا ذلك0[/COLOR]
[COLOR=**********]ب-غنّ كثيراً من النساء يتضايقن من بعض تصرفات أبنائهن أو جاراتهن ... وهذا الضيق ينعكس على علاقتهن بأزواجهن0كما أن كثيراً من الرجال يتضايقون من سوء ظروف العمل,أو من العلاقات خارج المنزل,ولا يجدون متنفَّساً مما يضايقهم سوى الزوجة والأولاد000[/COLOR]
[COLOR=**********]وهكذا فالمكان الذي يأمل فيه الإنسان أن يكون واحة للأمن والراحة, والاستعداد للعمل الشاق في يوم جديد,يصبح مكاناً لتصريف الهموم!وقد اصطلح الناس على تسمية ذاك ب(النكد)حيث تُضخم الأشياء الصغيرة,وتُستغَل الهنات لإحداث تشويش كبير في الحياة الزوجية؛وحيث الحكم على ما يقبل التأجيل بوجوب الإنجاز الفوري,وطلب ما لا يقبل التأجيل في الواقع000[/COLOR]
[COLOR=**********]هذه الوضعية تحتاج في أول ما تحتاجه إلى(القلب الكبير)والحسّ المرهف حتى لا تختلط علينا الأمور,ونحل مشكلات,نحن صنعناها على حساب طرف ليس له فيها أي يد0[/COLOR]
[COLOR=**********]ولا بد مع هذا التدّرب على ترك مشكلات العمل في العمل,ومشكلات البيت في البيت, والتدّرب على أن يكون للواحد منا عقلان وقلبان,يجعل أحدهما لحياة العمل والأسواق والعلاقات الخارجية,ويفرّغ الآخر لحياته الأسرية التي,هي المحور الأساسي في عيشه وهنائـــــــــه[/COLOR]
[COLOR=**********]ج-لكل واحد من الزوجين اهتماماته وطباعه,كما أن له موروثات تربوية وجينية خاصة,وكل هذا من عوامل التباين0والذي كثيراً ما نغفل عنه هو أن جوهر العلاقة بين الزوجين,لا يقوم على(التشابه),وإنما على(التخالف)العضوي والنفسي والعقلي,ولا بد من أخذ بعين الاعتبار0لكن هذا التخالف هو سر الحياة المنجبة النامية,[/COLOR][COLOR=**********]ولا بد أن يحدث عنه بعض العقابيل الجانبية,والتي يمكن تحجيم [/COLOR][COLOR=**********]آثارها من خلال إبداء كل من الزوجين لإعجابه بذوق الآخر واهتماماته, وبهمومه كذلك0[/COLOR]
[COLOR=**********]إن إطراء أكلة صنعتها الزوجة,أو الثناء على إعادة ترتيب أثاث البيت,لا يكلف شيئاً,لكن الزوجة تعده مكافأة مجزية للجهد المضني الذي بذلته في ذلك؛ وعلى المرأة أن تفعل نحو ذلك حيال إنجازات زوجها وأعماله0[/COLOR]
[COLOR=**********]د-التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية,ليست صغيرة,فإهمال الزوجة للنطق ب(مع السلامة)أو(صباح الخير)أو السؤال عن سبب انزعاج زوجها000وما شابه ذلك,يفسَّر لدى الزوج تفسيراً سيئاً,ويحمّل دلالات أكبر مما يتحملها0وعدم سؤال الزوج لزوجته عن سبب نومها المبكر,أو عن سبب قلقها حيال موضوع ما,أو عن سبب مقاطعة جارتها000[/COLOR]
[COLOR=**********]كل هذا يُفسَّر من قبل المرأة على إنه إهمال من الزوج,وعدم اكتراث بالحياة الزوجية كلها0ولذا فلابد من ملاحظة ذلك بعناية,إذا ما أريد للعلاقة بين الزوجين أن تمضي على خير وجه0[/COLOR]
[COLOR=**********]ه-وجود النقاش بين الزوجين أمر يتكرر يومياً تقريباً,وهو إن دل على شيء, فإنما يدل على إيمان مشترك بضرورة توحيد المفاهيم والمواقف تجاه الأشياء المختلفة؛لكن لن سلسلة المعقولات لدى الرجل والمرأة,ليست متطابقة0ولأن هناك عوامل تباين عديدة أخرى,فغن النقاشات لا تنتهي في كثير من الأحيان إلى وفاق0[/COLOR]
[COLOR=**********]وانتشار هذه الظاهرة كبير في الأسر التي نالت أعلى درجات التعليم,وفي السر التي لم تنل أي قدر منه0لكن الذي يختلف هو أسلوب النقاش,ومستوى المسائل المطروحة له0أما النتائج فواحدة تقريباً0[/COLOR]
[COLOR=**********]وقد دلت دراسة أمريكية حديثة على أن من أكثر العوامل التي تجعل النقاش بين الزوجين,يفضي إلى الطلاق والفراق هو الانسحاب من المناقشة,وإسكات أحد الطرفين الآخر,وكأن لسان الحال يقول:لا فائدة من الاستمرار في الحوار, والطرق أمام الوفاق مسدودة0ولذا فإن من المهم جداً أن نمتلك طول النَّفَس على سماع وجهة نظر الشريك,وإذا أردنا إقفال الحوار,فليكن إقفالاً لطيفاً ومؤقتاً , كأن يقول:أعطينا هذه المسألة الآن من الكلام أكثر مما تستحق,وقد بدأنا نكرر ما قلناه من قبل,والأحسن أن نترك الموضوع لننظر فيه في وقت أوسع0[/COLOR]
[COLOR=**********]و-هناك حقيقة واضحة,تعد إحدى العلامات الفارقة بين الرجل والمرأة,وهي غلبة حب (الاستهلاك)على المرأة؛ولذا فإن إنفاق الرجل على البيت,وترفيهه لأسرته,هو المعيار لكفاءته ولياقته الأسرية0وإن كثيراً من العلاقات الزوجية ينهار بسبب شح الرجل,أو ضيق ذات يده,أو تقاعسه عن كسب رزقه؛ونجد في أدبياتنا العديد من النصوص التي تحث المسلم على الإنفاق على عياله,حيث يُعدّ ذلك من أفضل الصدقات إذا احتسبه,ومنها قوله-[/COLOR][COLOR=**********]r[/COLOR][COLOR=**********]-[دينار أنفقته في سبيل الله, ودينار أنفقته في رقبة[/COLOR](1),[COLOR=**********]ودينار تصدقت به على مسكين,ودينار أنفقته على أهلك ,أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك[/COLOR][COLOR=**********]][/COLOR][(1)أي في عتق إنسان وتخليصه من الرق0]0
[COLOR=**********]وعلى المرأة في المقابل أن تصبر على الظروف القاسية التي قد تمر بها أسرتها, وأن تحسن إدارة الإمكانات المحدودة التي بين يديها,حتى يجعل الله بعد عسر يسراً0 [/COLOR]
5-منـح الثقة:-
يستحيل قيام حياة اجتماعية من غير قدر ما من الثقة تؤسس عليه العلاقات المختلفة0 ومهما اخترع البشر من نظم وقوانين لتنظيم علاقتهم,فإنه سيظل هناك فراغات عديدة,لا يمكن تسيير الحياة فيها من غير الثقة0ويمكن الاستغناء عن الثقة إذا تحول الناس إلى آلات صماء,أو انعدمت العلاقات بينهم,وهذا ما لا يكون0
حين نبني علاقات تجارية,أو نقوم بإنجاز أعمال مشتركة في أجواء,الثقة فيها ضئيلة, فإننا سننشئ الكثير من النظم والقيود التي تسيّر العمل,وسوف تركّز المسؤوليات في أيدي أشخاص قليلين جداً0أضف إلى هذا أن تحسين الإنتاجية,سيتم من خلال الثواب والعقاب(الجزرة والعصا)وهذا سيؤدي إلى نتائج وخيمة جداً,حيث تسود أجواء الرقابة والتجسس و(البوليسية),كما أن الأشخاص الذي بيدهم صنع القرار, سيجدون أنفسهم عاجزين عن متابعة ما يجري وتسييره؛مما سيؤدي إلى تعويق العمل, وخنق روح المبادرة,وتبخر الإحساس بالمسؤولية000والنتيجة النهائية انخفاض في الإنتاجية,وتأسّن خلقي,يصبغ العلاقات القائمة0
هل البديل لهذا أن نمنح الثقة الكاملة لمن تربطنا بهم علاقات اجتماعية أو علاقات عمل,ونرتاح من النظم واللوائح والمتابعات؟0
يبدو أن الحل الصحيح لا يكمن هنا ولا هناك0ولعلنا نسلّط بعض الأضواء التي تنير لنا الطريق في هذه المسألة من خلال الإرشادات التالية:-
-إن منح الثقة للآخرين يحمل مسحة طرفين:المانح والممنوح؛فقد يكون المانح من الذين لا يرغبون في الوثوق بالآخرين, وقد يكون مفْرِطاً في ذلك,فيضع الثقة في غير محلها0الذين نثق بهم,قد يستحقون ما نمنحهم إياه من ثقة عن جدارة,وقد يأخذون أكثر من حقهم,وقد يحرمون مما هم أهل له . وليس لدينا معايير صارمة تمكننا من القيام بذلك بدقة وموضوعية0
-إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من بعض النظم والترتيبات المعتدلة, وإن الاعتماد على النظم دون ثقة يشكل وضعاً يسوده الشك والترقب والاتهام, كما أن الاعتماد على الثقة دون نظم,يحد من فاعلية الثقة,ويجعلنا نشعر على نحو متزايد أننا وضعناها في غير محلها0غن تركك النقود حول مكتبك,يزيد من إغراء الآخرين بالتقاطها,وإنّ القادمين إلى بلد سيكونون أقل التزاماً بالتعليمات إذا علموا أنه ليس هناك تفتيش على حقائبهم وهكذا000
-معظم الناس,يعرفون خطورة الإفراط في منح الثقة,ويدركون آثاره,لكن القليل من الناس من يدرك الأضرار المترتبة على حجب الثقة عن الآخرين؛ فالوالد الذي يساعد الطفل على إنجاز كل شيء بإتقان,أو يحاول أن يحميه من أي خطر(1)[(1)إنّ المرء يتعرض للمخاطر إذا لم يخاطر],ينتقص من قدرة الطفل على إنضاج حسّ المسؤولية لديه,ويحد من احتمال أن يصبح جديراً بالثقة0لماذا يكلف الطفل نفسه مشقة النظر إلى اتجاهي الطريق قبل اجتياز الشارع إذا كان مستوثقاً أن شخصاً ما سيقوم عنه بهذه المهمة؟
الأساس الذي نمنح بناء عليه الثقة كثيراً ما يكون غامضاً,أو يكون تصورنا له غير دقيق, فقد يحكم أحدنا على جدارة صديق بالثقة بناءً على ابتسامة العريضة,أو طول مدة العلاقة0
وحين نمنح إنساناً قرضاً حسنا فإننا نعتمد على صفاته الخُلُقية في الأمل باسترداد القرض,وكثيراً ما نعرض عن التفكير في قدرته على رد المبلغ الضخم الذي اقترضه,ولا سيما إذا كان وقت حلوله قريباً0
إنّ كثيراً من الأعمال الاقتصادية,أخفق,وانتهى إلى الإفلاس,مع أن القائمين عليه من درجة عالية من الخُلُق والأمانة,لكن لا يملكون ما يكفي من الكفاءة والحنكة وحسن الإدارة لقيادة أعمالهم في سبيل النجاح0وهذا يجعلنا نفكر ملياً في الأساس الذي نمنح على أساسه الثقة للآخرين0
-لعل من الأسس الجيدة في مسألة منح الثقة,الاعتماد على تحديد درجة المخاطر التي أقدم عليها حين أضع ثقتي في فلان من الناس,وليس على ما يتمتع به من أخلاق وسيرة حسنة؛فالذي يريد أن يودع سراً خطيراً في حياته لدى شخص,أو الذي يريد أن يستثمر لديه(تحويشة العمر)عليه أن يفكر ملياً قبل أن يقدم على هذه الخطوة في الأضرار التي يمكن أن تلحق به نتيجة لذك0
وحين نفكر في هذا الاتجاه,فغننا لا نتساءل عن مدى صلاحية ذلك الشخص لتحميل ما نريد تحميله إياه بمقدار ما نتساءل عما إذا كان القيام بذلك أصلاً صواباً,ما دامت المخاطر التي يمكن أن تقع بسبب ذلك فادحة0
نعم قد نضطر في بعض الأحيان إلى فعل ذلك,ونختار السيَّئ لنتخلص من الأسوأ؛ فلان آوي إلى زورق نجاة مع شخص تحوم حوله ش****,خير لي من أغوص في الماء غريقاً مع السفينة0المخاطر المتوقعة إذاً هي الحَكَم,والموازنة بين مخاطر منح الثقة ,ومخاطر الثقة في أمر ما هي الفيصل في ذلك0
إن على كل واحد منا أن يؤهل نفسه لأن يكون موثوقاً,وأهلاً لتحمل الثقة والمسؤولية والأمانة,كما أن عليه أن يتأمل ملياً قبل أن يضع ثقته في زيد وعبيد,وليكن الشعار:
(لأكن جديراً بالثقة إلى أقصى حد,ولكن لا أمنح ثقتي إلا على أصول واضحة,وضمن حدود معينة)0


6-عـلاقات لنـفع الجميع:-
إذا راجعنا الحقوق والأدبيات التي يرتبها الإسلام الحنيف على أشكال التواصل الاجتماعي,وأنماط العلاقات الإنسانية,وجدنا أنه يريد لها دائماً الاستمرار والتكافؤ, فاستمرار العلاقات الطيبة هو نبع لخير دائم؛حيث لا يمكن بناء مجتمع جيد من أفراد, لا تسود بينهم درجة من الاندماج والتعاون؛وحيث يتكلس المجتمع حين تضيق فيه معابر الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر0
لكن هذه الحالة مشروطة بوجود نوع من التكافؤ في العلاقات,بمعنى أن يشعر الجميع أنه يأخذ ويعطي وفق مستويات متساوية أو متقاربة,ولذا فجميع العقود في الإسلام,وكذلك حقوق القرابة والجوار000قائمة على هذا الأساس؛لأن الله-جل وعلا-الذي برأ الخلق وفطرهم,يعلم ذلك منهم,ولذا شرع لهم ما يصلحهم0لا ريب أنه مهما حصل من تقنين ووزن للعلاقات الاجتماعية,فسيظل هناك من عليه أن يقدّم تضحيات أكثر في بعض الأحيان,لكن ذلك يكون مؤقتاً و مؤطراً بإطار التحمل والوسع,ويكون هناك في العادة نوع من الفسحة للإنسحاب .
الزوجة التي توفي زوجها,وترك صبية صغاراً مطالبة-أدبياً-أن تضحي,وتمتنع عن الزواج حتى تربيهم ولكن لو أحبت الانسحاب,فغن لها ذلك,وترتب الشريعة الغراء بعد ذلك لمسألة الرعاية والحضانة من يقوم بها0وفي حال قبولها بالتفرغ لتربيتهم فإن ذلك لن يكون من غير مكافأة وثواب من الله-تعالى-ويمكن أن تقول هذا في مسألة الكفاءة في الزواج,وفي أبواب العقود التجارية؛فالعقد يرتب حقوقاً ومنافع متساوية,ويضمن فرصاً متكافئة,ولمن يبدي سماحة أكثر في تطبيقه أجر,لكن لا يلزم أحد بشيء لا يرغب الالتزام به0
الناس في أوضاعهم و سلوكاتهم اليومية,وفي علاقاتهم العامة,يغلب عليهم طبع الاستئثار والفوز بأكبر قدر من المغانم في مقابل تحمل أدنى قدر من المغارم, فيطبعون علاقاتهم بطابع الشح والاستبداد والاستغلال,وحبّ بناء القصور المشيّدة من أنقاض أكواخ الفقراء والمساكين,وهذا من أكبر مصادر الشقاء الاجتماعي0بعضهم يتصرف أحياناً بروح انتقامية ثأرية,فيطبق فلسفة [عليّ وعلى أعدائي]فيدمر بحمقه نفسه وشكاءه0
وهناك نمط آخر يفضل دائماً أن يُستغل,وأن يبقى في المؤخرة,وذلك ليس عن زهد واحتساب,وإنما عن ضعف وانهزام,وهو بذلك يحكم على علاقاته أن تنتهي إلى الضمور والإفلاس,كبئر يُنزح منها باستمرار دون أن تمدها منابعها بما يكفي من الماء0
إن حجر الزاوية في العلاقات المستمرة والمتكافئة والنافعة للجميع هو [الاستقامة] إذ هي التي تساعد المرء على أن يكون محل ثقة الآخرين,وهي عينها التي تساعده على الوفاء بالتزاماته تجاه أخيه,وهي عينها التي تفتح له باب التفاعل المجُدي مع الآخرين؛وإذا لم يتوفر هذا المبدأ في حياتنا,فستكون كل الوسائل التي نصطنعها في علاقاتنا عبارة عن تقنيات سطحية,وإن الناس سيشعرون في حال فقد الاستقامة أننا نخدعهم,ونحاول ابتزازهم؛وبالتالي فإن علاقتنا معهم,ستنتهي,أو تتقلص0
الاستقامة مفهوم شرعي,وأدبياتها شرعية إنسانية,وهذا هو الذي يمنحها مرجعية تعبدية؛ حيث تكون كل عوامل العلاقات النافعة للجميع من صدق وإيثار وتحمل للأذى,وعفو عن الزلاّت وصراحة وتعاون000أخلاقيات يُتقرَّب بها إلى الله-تعالى-ويُرجي ثوابها0 وهذا هو الذي يمنح توازن هذا النوع من العلاقات بُعداً جديداً ولا يخضع للمعادلات الدنيوية؛وهذا ليس بالمر القليل0
-النضج والقدرة على الموازنة الدقيقة من أجلّ المبادئ التي يجب توفرها في هذه العلاقات,حيث إن المطلوب أن يدرك المرء خصوصياته وخصوصيات الآخرين, وأن يوازن بين استقامة العلاقة واستمرارها,وبين عطاءاتها على المدى القصير و عطاءاتها على المدى البعيد000
وعلى سبيل المثال,فإن المرء مطالَب في علاقات كهذه أن يوازن بين قوة فرديته وحقوق انتمائه وبين الثقة بالنفس واحترام الآخرين وبين النقد والاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الآخرين,وبين النصر الخاص والنصر العام,وبين اللطف والصلابة في الحق .
وهكذا فعلى المرء أن يسير على حبل مشدود,ويستخدم حتى لا يسقط كل ما لديه من خيال ووعي وإرادة حرّة وحكمة0
عقلية الوفرة,أو الإيمان بوجود الفائض,ومبدأ مهم هو الآخر فيما نحن بصدده . والمسلم يعتقد على نحو عام أن التفكير من خلال أنماط الشح والكوارث,ليس بالتفكير السديد, فالخير كثير,والفرص أيضاً كثيرة,وهناك دائماً ما يتسع للجميع . وما نشاهده من أزمات اقتصادية,وعسر,يعود إلى قصور إنساني وسوء توزيع في المقام الأول .
وإلى هذا المعنى يشير قول الله-جل وعلا-:{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم}[البقرة:268]0الناس الذين يعتقدون أنه ليس هناك ما يكفي الجميع, يشعرون بالمقت والحسد والغيرة,إذا ما حصل غيرهم على بعض الامتيازات أو الأرباح أو الفرص,وكأن ذلك نُزع منهم نزعاً,وكأن تقدُّم الآخرين,لا يتم إلا على حسابهم0وهم في المقابل يبتهجون في سرهم إذا عاني غيرهم,أو خسر على أمل أن يصبَّ ذلك في مصالحهم في نهاية الأمر!0
المؤمن يعتقد أن ما كان له لن يكون لغيره,وأن ما ليس مقدراً له لن يناله بقوته وبراعته, ولذا فهو يتوشح دائماً بالرضا والطمأنينة,ويعتقد أن نجاح أي مسلم,هو نجاح للأمة التي ينتسب إليها,وأنه سيصيبه شيء من ذلك النجاح على نحو ما0
إن هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الصدد؛ولكن سيظل مدار كثير من النجاح متوقفاً على ما يمكن أن نملكه من قدرة على التضحية والبذل وإيثار الآجل على العاجل0
7-إيضـــــــــــاح التوقعــــــات:-
من غير الممكن إخضاع العلاقات الاجتماعية للتقنين,كما أن من غير الممكن دائماً وضع الحدود الفاصلة بين ما ترتبه العلاقات المختلفة من حقوق وواجبات,وبين ما يتطوع به الفرد من باب الشهامة والنبل؛فطبيعة ألفاظ التحية والمجاملة عند المقابلة,
وطبيعة ما يدور في المجالس من أحاديث توحي بوحدة الحال,وتساوي المشاعر والمصالح,مما يدفع الناس إلى أن يتوقعوا من وراء علاقات القرابة والجوار والصداقة00
أكثر بكثير مما تتحمَّله0
ونجد هذا أكثر وضوحاً بين الأقرباء والجيران حيث العقاب على التقصير,هو سيد الموقف,وهو اللازمة التي لا يمُلُّ من تكرارها!0
من المهم لاستقرار العلاقات الطيبة واستمرارها أن يفهم الطرف الآخر ما يمكن له أن يتوقعه,ولو بطريقة غير مباشر-من وراء علاقته بي؛فذاك خير من صدمات شعورية وعاطفية,لها بداية,وليس لها نهاية0
بعض الناس يعتقد أن على أصدقائه أن يقرضوه ما يحتاج من مال؛لكن الأصدقاء لهم تجارب مماطلة مريرة معه ومع غيره,وهذا سيدفعهم إلى الإحجام0وإذ تم القرض, وطلب المقرض من أحدهم(وثيقة إثبات)للدين,فإنه يتضايق,ويعد ذلك مما يخدش الصداقة,مع أن ذلك مطلب شرعي0
قد تكون أنسب طريقة لإيضاح ما لكل طرف أن يتوقعه من الطرف الآخر,هو إيجاد ثقافة اجتماعية ترسم معالم مثل هذا الأمر في إطار من ثوابت الشريعة وآدابها,وفي إطار من المفاهيم التي تشع بعض معاني الاستقلالية والخصوصية0
والذين يرتبون الأعباء الإضافية على العلاقات الاجتماعية,هم أولئك الذين يطلقون الكلمات المعسولة,ويسرفون في إعطاء الوعود,على نحو ما يفعل الخاطب مع خطيبته حين يسرد لها عن مناقبه وبطولاته,وحين يصور لها الحياة معه على أنها سمن وعسل وفلّ وياسمين000
لا بد مع هذا من أن نتعلم المسامحة والتماس الأعذار,فالصديق الذي خالف العرف,ولم يصطحب معه هدية في مناسبة زواج أحد أولاك000قد يكون ناسياً,وقد يكون لا يملك ثمنها,وقد يكون حضر على عجل,فلم يتمكن من شرائها000وإذا استمر هذا منه فإن علينا أن نشطب ذلك نهائياً من توقعاتنا منه,ونتعامل معه وفق النمط الذي يراه هو0

____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image038.gif[/IMG]الفصل الرابع:

[COLOR=**********]الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة,من اكبر حقائق هذا الوجود,فنحن مختلفون على مقدار ما نحن متفقون0الاتفاق يمنحنا إمكانات هائلة للتعاون والبناء المشترك0[/COLOR]
[COLOR=**********]والاختلاف مصدر للثراء والتجديد والصقل والإبداع والنمو000ونحن بحاجة إلى كل ذلك0بيننا اختلافات نفسية وعاطفية وعقلية,ولكل منا نشأته وثقافته وتجربته ومصالحه وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية,وكل هذا يمنح المشروعية للاختلاف في كثير من الأمور0[/COLOR]
[COLOR=**********]إذا أردنا أن نعترف بالاختلاف-بل الصراع أحياناً-فإن مفتاح ذلك يتطلب منا الاعتراف بأن الناس لا يرون الحقائق القائمة على ما هي عليه,أو بعيون مجردة, وإنما يرونها عبر نظارات وأغشية من ثقافتهم وفهمهم واهتمامهم؛ولذا فإن كثيراً من الخلاف يقع حيث نوقن أنه لا خلاف0ولذا فلا بد أن نعترف أننا حيال التفاصيل الدقيقة,لا بد مختلفون,[/COLOR]
[COLOR=**********]وعلينا بعد ذلك أن نحاول تأطير الخلاف وتمحيصه؛لنصل إلى حالة من التحديد المتدرج للنزاعات,وبَلْوَرة أسس فضّها وتجاوزها0[/COLOR]
أســـــــباب وجود الاختلافات0
هناك أسباب كبرى تشكل بيئة الخلاف والصراع,وهناك أسباب جزئية قد يتوفر بعضها لدى بعض الناس دون بعضهم الآخر0 فمن الأسباب الكبرى:-
1-القيم والمفاهيم والأفكار التي نرى من خلالها الوجود,تشكل أهم المصادر التي تؤسس للخلاف والاختلاف والصراع؛حيث إنها تصوغ وجودنا الفكري على نحو متباين,
وتمدنا بالمعايير التي تحدد موقفنا من مجمل السلوك البشري0
2-نحن نعيش في عالم يزداد تعقيداً وتنوعاً,فهناك اليوم من كل شيء أنواع كثيرة,وهذا التنوع,يعني توفر خيارات كثيرة,ووجود الخيارات باب واسع للاختيار المتعدد,أي للخلاف والاختلاف 0وباختصار إن الناس على قدر اختلافهم يريدون أشياء مختلفة,و لهذا فإن الأشياء التي ترضي الجميع جوانب الحياة جداً,وهذا وإن كان يذكر في مجال السلع,إلا أنه يمتد ليشمل جوانب الحياة كافة0
3-اجتماع الناس مع بعضهم يولّد بطبيعته توترات,فبغض النظر عن المكان الذي يعمل فيه أحدنا,فإنه سيواجه شيئاً مشتركاً,وسيكابد مالا بد له من مكابدته,وهو الاصطدام-على مستويات مختلفة-مع الآخرين0إن سوء الفهم وعدم تطابق الذوات والمفاهيم والاحتياجات عوامل أساسية في جعل اجتماع الناس مصدراً للتوتر والاختلاف0
4-إننا نعيش,ونعمل في عالم موارده المنظورة محدودة,وعقلية الشح والخوف من المستقبل التي تطبَّع بها أكثر الناس,تزيد الأمر سوءاً,ويشعر معظم الناس أنهم لا يحصلون على ما يريدون0وهذا في حد ذاته مصدر لنزاعات كثيرة0
أما الأسباب الجزئية التي تولّد الصراع والخلاف فهي كثيرة جداً,نذكر أهمها في الآتي:
-حين يجد الطفل أباه يحابي أخاه,أو يجد الموظفُ مديَره يغدق المكافآت على من لا يستحقونها في نظره,على حين يُحرم هو منها,فإن ما سيحدث هو الشعور بالمرارة والظلم والشعور بالتحامل على الأب والمدير,وعلى أولئك الذين نالوا أكثر من غيرهم0
-وبعض الناس,يحملون بين جوانبهم روحاً عدوانية,وكأن الواحد منهم,يبحث دائماً عمن يتشاجر معه0
-قسم غير قليل من الناس,عنده نقص في المرونة الفكرية والنفسية فالإصرار والعناد على مالا نهاية سمة جوهرية في تعامله وعلاقاته0
-حين يعاني شخص من انخفاض معنوياته,أو من شعوره بعدم الأمان أو الاستقرار في حياته,فإنه يفسَّر أي نقد يوجَّه إليه على أنه هجوم شخصي عليه,مما يسبب له الأذى, ويجعله يتخذ مواقف حادة,ممن ينصحه أو ينقده0
-نختلف في وزن المعلومات والإشارات التي تصل إلينا من الواقع المعيش والمحيط الاجتماعي,كما نختلف في تحديد صدقها وتفسيرها طبقاً لاختلاف أفكارنا وثقافتنا والزاوية التي ننظر منها,مما ينعكس على مواقفنا وردود أفعالنا0
-الاختلاف في الوسائل والأساليب التي علينا أن نعتمدها في إنجاز أمر,أو تغيير واقع,سبب مهم من أسباب الاختلاف0
-التنافس من أجل السيطرة,وتسلّم زمام الأمور,أدى على مدار التاريخ إلى أسوأ أنواع الصراع, وأكثرها وحشيةً ودموية0
-التوقعات التي لم تتحقق كثيراً من البنى والعلاقات الاجتماعية في مهب الريح؛
فالرجل الذي يطلّق زوجته,يفعل ذلك لأنه لم يجد لاما كان يتوقعه منها0ومدير المصنع الذي طرد أحد عماله,فعل ذلك,لأنه لم يحصل على ما كان يتوقعه منه0وهكذا فعناك الكثير الكثير من الأسباب التي تُصدّع العلاقات,وتُسبَّب الخلاف في وجهات النظر والمواقـــــــف0
كيف نقلل من الخلافات مع الآخرين؟
لابد أن نختلف,ولكننا نستطيع أن نؤطر الخلاف,ونجعله موضوعياً ومنتجاً ومحدداً , وذلك من خلال عدد من الإجراءات,نذكر منهـا:-
1-على الواحد منا أن يثق في عون الله-تعالى-له وأن يخطط لاستغلال موارده-مهما كانت محدودة-على الوجه الأكمل؛فبذلك يتمكن من أمر مهم في تجنب الصراع,ألا وهو التقليل من الآمال التي يعقدها على الآخرين إلى أدنى حد,حيث يقل عتبه على الآخرين,كما تقل خيبة أمله فيهم0ويسنأنس لهذا بما ورد في الصحيح من أن نفراً كانوا عند رسول اللهrفقال:(ألا تبايعون رسول اللهr؟فقالوا عَلامَ نبايعك؟قال: تبايعونني على أن تعبدوا الله,ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس,وتطيعوا)وأسر كلمة خفية:(ولا تسألوا الناس شيئاً) . قال راوي الحديث:(فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم,فما يسأل أحداً أن يناوله إياه0
2-في مقابل هذا,من أجل تقليل الاحتكاك بالآخرين,فإن على المرء ألا يسرف في إعطاء الوعود للآخرين,فيجلعهم يتوقعون منه أشياء,لا يستطيع هو الوفاء بها . ومن الواضح أن كثيراً من الناس يطلقون الكثير من الوعود عبر إشارات و غمغمات غير واضحة,وكثيراً ما يتلقفها أولئك(الغرقى)والمأزومون الذين يحاولون التعليق بأي شيء, ويحمّلونها أكثر مما تحتمل,ويبدؤون في التوقعات,ثم تكون العاقبة الخيبة التامة , ثم الغضب ممن سبَّب لهم ذلك0
علينا في هذا الصدد أن نحرص على الوضوح التام,وأن نقلل إمكانات اللبس إلى أقل ما يمكن0ولنتذكر أن الوعد الذي نقطعه على أنفسنا,يرتب علينا مسؤولية شرعية, وأن من علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف0
3-كثير من الخلافات ينشأ بسبب سوء الفهم,وقديناً قالوا:[أساء فهماً فأساء جابةً](1) [(1)أي ساء فهمه للكلام,فساء جوابه عليه].
ولذا فإن علينا أن نحسَّن مهارات(الاستماع) لدينا,كما نحسَّن مهارات الحديث؛ حتى لا نسيء فهم الآخرين,ولا نتسبب في سوء فهمهم لنا0
4-لا تدع نفسك فريسة للآخرين,فيثيروا غضبك متى ما أرادوا,ويدخلونك بذلك في العديد من الأزمات0وعلينا أن ندرك أن التماسك والسيطرة على الانفعالات من أهم الأسباب التي تتيح الفرصة للتفاهم وحل المشكلات عن طريق التداول الهادئ0لا يعني هذا أن على المرء ألا يغضب أبداً,لكن يعني ألا يصبح معروفاً بسرعة الانفعال والتأثر لأتفه الأسباب0
5-لنبحث دائماً عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الآخرين . إن البحث عن حلول,يعني تأجيل الصراع,كما يعني إيجاد نوع من الضمان لعدم تجدد أسبابه؛ على حين أن لوم الآخرين-ولا سيما إذا كثر-يدل على أن هناك أخطاء في العلاقات على مستوى المبدأ والنظام0
6-على الواحد منا أن يخفف من إصدار الأوامر والحكام,وألا يعمد إلى التهديد أو يكثر من النصائح إلا في أضيق نطاق,وهذا المسلك يجب أن يكون عاماً في المنزل ومع الزملاء والمرؤوسين والطلاب ... فما ذكرنا يثير دائماً توترات, ويفتح الأبواب للحزازات0
7-لنحاول أن نقضي بعض الوقت في محاولة فهم السباب الكامنة وراء سلوك الناس وتصرفاتهم؛إذ إن نوع السلوك قد لا يمكن فهمه وتفسيره من غير معرفة الدوافع العميقة التي دفعت إليه0معرفة الدوافع قد تمكننا من معرفة المحاور التي تتمحور حولها أنشطة الأشخاص الذين نتعامل معهم,وإذا ما استطعنا وضع اليد عليها,نكون قد امسكنا بالمفتاح الذي سنستخدمه في فتح مغاليق الكثير من تصرفاتهم الغامضة والمتناقضة0
إدارة الخـــــــــلافات وحلهـا:-
ليست هناك مشكلة ليس لها حلول,فقد رتَّب الباري-جل وعلا-هذا الكون على أساس احتفاظ أنظمته بنهايات مفتوحة؛حتى إن البدن حين يسوء حالته إلى الحد الذي لا تتحمله الروح,فإنه يعطيها المسوّغ كي تتخلص منه0هناك دائماً حلول,لكن حين تكون المعطيات سيئة,فإن علينا ألا نتوقع حلولاً جيدة0والمهم أن نكتسب الخبرة التي تساعدنا على الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة . وحين لا نجد حلاً فورياً لاعتبارات موضوعية,فإن علينا أن ندير تلك المشكلة, حتى نعثر على الحل الملائم0وإليك بعض النقاط التي تساعد على ذلك0
[COLOR=**********]1-ما يثيره الخلاف بين الناس-في أكثر الأمر-ليس الحق الصريح أو الباطل المحض,وإنما الباطل الملتبس بالحق,والحق المختلط بالباطل,ولذا فإننا إذا تعاملنا مع خلافتنا بعقلية(إما هذا وإما ذاك)فالغالب أننا لن نصل على حلول جيدة0[/COLOR]
[COLOR=**********]لكن حين نعتقد أن ما بيديه كل فريق من حجج يناصر بها موقفه,لا يعدو أن يكون رؤى واجتهادات ظنية,قابلة للكثير من النقاش والتفسير المغاير-فإننا نكون مستعدين آنذاك للبحث عن الطريق الثالث الذي نسير فيه معاً نحو الاتفاق والائتلاف0[/COLOR]
[COLOR=**********]2-عند مناقشة أي خلاف فإن البداية قد تكون بتحديد نقاط الخلاف التي أدت إلى حدوث سوء الفهم بين المتخاصمين0وإنما نقول هذا لأن التجربة علمتنا أنّ كثيراً من النزاعات التي تثور بين الأهل والأصدقاء والزملاء كثيراً ما تكون عبارة عن تحسسات نفسية لا ترتكز على معطيات فكرية نحددة0[/COLOR]
[COLOR=**********]3-سيكون من المصلحة تهيئة الجو النفسي لحل الخلاف0وذلك من خلال التقليل من شأن الخلاف مهما كان ذلك ممكناً0وهذا الأمر يجب أن ينظر إليه على أنه خطوة مبدئية,هدفها إيجاد بعض المشاعر الإيجابية وليس شيئاً آخر0[/COLOR]
[COLOR=**********]4-لنحاول طرح العديد من الأسئلة التوضيحية البعيدة عن روح المواجهة . وعلينا الاستماع لإجاباتها0وإذا اقتضى الأمر توجيه المزيد من الأسئلة حول تلك الإجابة, فعلينا أن نفعل ذلك0وعلينا ألا نتّهم الطرف الآخر بأنه لا يجيب على الأسئلة,بل نوجّه المزيد من الأسئلة حتى تتضح الصورة0[/COLOR]
[COLOR=**********]5-على الواحد منا أن يحافظ على هدوئه,ويعطي الوقت الكافي لخصمه لسرد ما لديه, والتنفيس عما يجده من كرب وضيق في نفسه0[/COLOR]
[COLOR=**********]6-علينا أن نتجنب أثناء مناقشة المشكلة الحديث عن الدوافع والمشاعر,لأنه من السهل إنكارها,كما أن علينا أن نتجنب الحديث عن المسائل الشخصية, لأنها تسبب أذى بالغاً لمن نختلف معه,وتزيد في الخلاف بدل أن تساعد على حلّه0[/COLOR]
[COLOR=**********]7-من المستحسن أثناء البحث عن حلًّ أن نتجاوز الماضي إلى الحاضر؛فبدل أن تقول لخصمك:لم أثق بك في يوم من الأيام,أو تذكره بأخطائه السابقة, اعمد إلى القول: كلامك هذا يجعلني أشك فيك,أو يضعف ثقتي بك0وقد يكون من الأفضل أن نبحث عوضاً عن أسباب حدوث خطأ من الأخطاء في كيفية إيجاد الاحتياطات لعدم تكرره في المستقبل0[/COLOR]
[COLOR=**********]8-لابد لأحدنا أن يعترف بدوره في المشكلة,واو كان صغيراً؛لأن هذا سوف يدفع الطرف الآخر إلى سلوك المسلك نفسه0وحين تحدث اعترافات متبادلة بالخطأ وقبول اللوم,فإن المأمول أن ينتهي الخلاف من فوره .[/COLOR]
[COLOR=**********]9-حاول أن تلفت نظر الخصم إلى هدف سام مشترك,أنتما مطالبان ببلوغه,مما يفرض تجاوز الخلافات الصغيرة,والانطلاق إلى الانخراط في أعمال أكبر وأهم .[/COLOR]
[COLOR=**********]10-إذا لم يمكن الوصول إلى حلًّ مناسب,فإن من الممكن الاستنجاد بالوقت,وتأخير المواجهة لعل الزمن يكون جزءاً من الحل0ولكن علينا أن ننتبه إلى أن التأجيل المتكرر قد يؤدي إلى تأزيم المشكلة,ولذا فتأجيل البحث ليس لطمس المشكلة,وإنما للاستفادة من فرصة جديدة لحلها0[/COLOR]
[COLOR=**********][/COLOR]
____


[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image039.gif[/IMG]

أحمد الله-تعالى-الذي سهَّل إنجاز هذا الكتاب على النحو الماثل بين يدي القارئ الكريم,وكنت قد نوَّهت في المقدمة إلى أنَّ أصل هذا الكتاب كان موزعاً على خمس رسائل,ثم وجدنا من المناسب جعلها في سِفر واحد للسبب الذي ذكرته قبلُ0وعند مراجعتي للتجربة الخيرة للطباعة وقفت على وجود تكرار في بعض الأفكار أو الاستشهادات أو العناوين؛لكن ذلك قليل ومحدود0
ولم أشأ أن أحذف ذلك المكرر-والذي حدث بسبب تأليف تلك الرسائل في أوقات مختلفة- حتى لا يختلف تسلسل الأفكار,وأيضاً فإن بعض القراء قد يجد فيه ما يذكَّر بشيءٍ مرَّ به,أو يساعد على الربط بين موضوعات مختلفة0
إن الموضوعات التي تناولتها في هذا الكتاب متباينة,لمن يجمع بينها جمعياً أمران:
الأول:أنها مجتمعةً تساعد على أن يكون القارئ معاصر لأحداث زمانه,وكفئاً في التعامل معــــــها0
الثاني:أنها جميعاً تتجه نحو تفعيل الإمكانات الشخصية للمسلم المعاصر,وبيان الطرق التي تساعده على استثمار أفضل ما لديه من طاقات0
ولذا رأيت جعل هذا الكتاب ضمن سلسلة(الرحلة إلى الذات)والتي صدر منها جزءان من قبل0
وأسأل الله التوفيق لصالح الأعمال0
وآخر دعوانا أن الحمـد لله رب العـالمـين0
____
[COLOR=**********][/COLOR]
[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image040.gif[/IMG] [COLOR=**********][/COLOR]


1.آفاق بلا حدود,تأليف د0محمد التكريتي,دار المنطلق,ط . أولى, عام1415هـ0
2.آفاق المستقبل,تأليف جاك أتالي-ترجمة د0محمد زكريا إسماعيل0بيروت-دار العلم للملايين,ط1,عام1992.
3.أتح لنفسك فرصة,تأليف جوردون بايرون,تعريب عبد المنعم الزيادي, القاهرة, مكتبة الخانجي,بدون التاريخ0
4.الاتصال والسلوك الإنساني,تأليف برنت روبن,ترجمة د0صالح الدباسي وزملائه, الرياض,معهد الإدارة العامة,عام1412هـ0
5.أثر تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي في المجتمع-مجموعة بحوث قدمت إلى مؤتمر الفقه الإسلامي الأول في الرياض-نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض0
6.الأخلاق النظرية,تأليف د0عبد الرحمن بدوي0الكويت-وكالة المطبوعات, ط2,عام 19760
7.إدارة الأوليات,تأليف ستيفن كوفي وزميليه,ترجمة السيد المتولي حسن0
8.إدارة العقل,تأليف د0جيلان بتلر,و د0توني هوب,ترجمة مكتبة جرير-السعودية ,مكتبة جرير,ط0أولى,عام1998م0
9.الإسلام كبديل,تأليف د0مراد هوفمان,نشر النور الكويتية ومؤسسة بافاريا, عام1993.
10.إشكالية التحيز,تحرير د0عبدالوهاب المسيري0نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي,ط1,عام 1415هـ0
11.إعادة إنتاج الهوية,تأليف أحمد حيدر0دمشق-دار الحصاد, ط1,عام1997.
12.اغتيال العقل,تأليف د0برهان غليون0بيروت-دار التنوير,ط2,عام1987.
13.الإنسان والتفكير الإيجابي,تأليف د0عيسى الملا,ط.عام 1414هـ0
14.إنسانية الإنسان,تأليف(رينيه دوبو),ترجمة د0نبيل الطويل-بيروت-مؤسسة الرسالة,ط2,علم1404هـ0
15.بناء حضارة جديدة,تأليف ألفن توفلر,ترجمة سعد زهران,القاهرة,مركز المحروسة للبحوث والنشر,ط.أولى,عام1996هأ0
16.بنية الثورات العلمية,تأليف توماس كون,ترجمة د0شوقي جلال,الكويت- سلسلة عالم المعرفة,عام1413هـ0
17.تحسين التفكير بطريقة القبعات الست,تأليف إدوارد دوبونو,ترجمة د0عبد الطيف الخياط,مكة المكرمة,المكتبة المكية,ط.أولى,عام 1414هـ0
18.تطوير القوى الذاتية في عالم الأعمال,إعداد سمير بعلبكي,لبنان-دار الأصدقاء, ط.أولى,عام1418هـ0
19.التنمية الثقافية,تأليف لفيف من خبراء اليونسكو,ترجمة سليم مكسور0بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر,ط1,عام1983.
20.جريدة الرياض,العدد 10930الصادر في3 صفر1419,العدد 10951الصادر في 24صفر1419هـ-مقالان للدكتور عبد السلام المسري0
21.حاجات الإنسان الأساسية في الوطن العربي,بقلم مجموعة من الخبراء,ترجمة د0عبد السلام رضوان,الكويت-سلسلة عالم المعرفة,العدد150,عام1410هـ0
22.الخطوات الذكية,تأليف سام ديب وليل سوسمان,نقله إلى العربية سامي سلمان, الرياض-مؤسسة المؤتمن,عام1418هـ0
23.دليل التدريب القيادي,تأليف د0هشام الطالب,نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي,عام 1414هـ0
24.سيكلوجية السعادة,تأليف مايكل أرجابل,ترجمة فيصل يونس,الكويت,سلسلة عالم المعرفة,العدد175,عام1414هـ0
25.الصحة النفسية والعلاج النفسي,تأليف د0حامد زهران,القاهرة,عالم الكتب, ط0ثانية , عام1982م0
26.طريق الشخصية الجذابة,تأليف جيمس بندر,تعريب عبد المنعم الزيادي,القاهرة, مكتبة الخانجي عام1981م0
27.الطريق إلى مكة,تأليف توم رودل,تلخيص الشركة العربية للإعلام العلمي,القاهرة, عام1997م0
28.العادات السبع للقادة الإداريين,تأليف ستيفن كوفي,ترجمة هشام عبدالله0بيروت –المؤسسة العربية للدراسات والنشر,ط1,عام1995.
29.العبادة في الإسلام,تأليف د0يوسف القرضاوي,بيروت-مؤسسة الرسالة,ط0رابعة, عام1975م0
30.العقل واستخدام طاقته القصوى,تأليف توني بوزان,ترجمة إلهام الخوري,دمشق, دار الحصاد,ط1,عام1996.
31.العلم والإيمان في الغرب الحديث,تأليف د0هاشم صالح0الرياض-سلسلة كتاب جريدة الرياض,ط1,عام 1998.
32.عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة,تأليف جان ماري بيلت,ترجمة السيد محمد عثمان0الكويت-سلسلة عالم المعرفةعام1415هـ0
33.فتح الباري لابن حجر العسقلاني0القاهرة-المطبعة السلفية0
34.فصول في التفكير الموضوعي,تأليف د0عبد الكريم بكار,دمشق,دار القلم,ط0ثانية,عام1419هـ
35.فقر الشعوب بين الاقتصاد الوضعي,والاقتصاد الإسلامي,تأليف د0حمدي عبدالعظيم,ط0أولى,عام1415هـ0
36.فن الدراسة والإيصال,إعداد د0ملا حويش,إسبانيا,مطابع ديداكو,ط0ثانية,عام 1418هـ0
37.كيف تصبح غنياً وسعيداً,تأليف مصطفى البطحيش,ط0أولى,عام 1413هـ0
38.كيف تكون عملياً أكثر,إعداد وترجمة سامي سلمان,الرياض-مؤسسة المؤتمن, ط0رابعة,عام1418هـ0
39.الماهية والعلاقة,تأليف د0علي حرب0الدار البيضاء-المركز الثقافي العربي, ط1,عام1998.
40.مدخل إلى التنمية المتكاملة,تأليف د0عبدالكريم بكار0الرياض-دار المسلم, ط1,عام 1418هـ0
41.مقدمة في علم الاستغراب,تأليف د0حسن حنفي0القاهرة-الدار الفنية, عام1411هـ0
42.مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي,تأليف د0عبد الكريم بكار0الرياض-دار المسلم ,ط1, عام1417هـ0
43.المهذب من إحياء علوم الدين,إعداد صالح الشامي,دمشق,دار القلم,ط0أولى ,عام1413هـ0
44.نحو التآلف والاتفاق,تأليف روجر فيشر وسكوت براون,ترجمة د0محمد محمود رضوان,القاهرة,الدار الدولية للنشر,ط0ثانية,عام1995م0
45.نصر بلا حرب,تأليف ريتشارد نيكسون,إعداد محمد عبد الحليم أبو غزالة0القاهرة –مركز الأهرام للترجمة,ط1,عام1409هـ0
46.نهاية التاريخ وخاتم البشر,تأليف فرانسيس فوكوياما,ترجمة حسين أحمد أمين0القاهرة-مركز الأهرام للترجمة,ط1,عام1413هـ0
47.الوقاية خير من العلاج,تأليف د0عبد الرزاق الكيلاني,دمشق-دار القلم,ط0أولى,عام1416هـ0
____


[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image041.gif[/IMG]


الباب الأول.
الفكرة أو المقولة:
'-إن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية مناسبة,ويتمكن من الوصول إلى الآخرين –سيحظى بأنصار ومؤيدين ...
'-إن وعي الأمم بما لديها يظل غير مكتمل ما لم يتوفر لها كيانات مناوئة تقارن نفسها بها ..
'-إن تأزم الفكر كثيراً ما ينشأ عن تدهور الواقع المعيش وعجزه عن حفزه له ...
'-الغرب غرب,والشرق شرق,ولا يمكن لهما أن يصبحا شيئاً واحداً,ولكن بإمكان كل منهما أن يستفيد من خبرات الآخر ...
'-إن إغراض البشرية عن هدي الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-قد جعل التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة والانحلال الاجتماعي ...
'-إن الحداثة تتعرض في الغرب للمراجعة من لدن مفكرين كبار بغية إعادة التوازن إليها ..
'-العلم يستطيع أن يفسَّر الأشياء,لكنه لا يستطيع أن يقول:لماذا وجدت الأشياء,أو ما هي الغاية من الوجود ...
'-يصح القول:إن معظم الخطط التنموية في العالم الإسلامي لا تعكس أي اهتمام بالمسائل الروحية والأخلاقية! ...
'-إن فقد مصادر الأخلاق لمطلقيته و تعاليه,يجعلها تبدو هشَّة ومعلقة في الفراغ, ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي ...
'-إن الأدبيات الاجتماعية الإسلامية تعلَّمنا أنه لا يمكن الحصول على تقدم فردي حقيقي في وسط منهار ...
'-مما ترسَّخ في الوعي الأوروبي الحديث أن الإنسان حصاد ما يعرفه ويتقنه ويملكه0
وهذا هو السر \في اندفاع الغرب في طريق الاكتشاف والتصنيع إلى أبعد حد مكن ..
-'انطلاقاً من الرؤية الغربية في تأليه(التقدم)تم إهمال كل الأثمان الاجتماعية والبيئية
التي تدفعها البشرية من أجل الحصول عليه ...
'-إن تحررنا من الخضوع للمقولات الشائعة عن التحضر والرقي والتقدم,سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء,وهذا ما علينا أن نفعله ...
'-لا يمكن ضبط الحاضر والاستفادة منه على نحو جيد إلا من خلال الضغط عليه بآمال مستقبلية ...
'-من أهم سمات(المفكر)فهم طبائع الأشياء وجوهر العلاقات التي تربط بينها,
والمؤثرات التي تتبادلها,مما يمكنه من تقديم رؤى كلية ...
'-جوهر التطور الجيد لا يقوم على التخلي عن الثابت,وإنما على توفير العلاقة الحية والخصبة التي تربط بينه وبين المتغير ...
'-في خضمَّ القرن العشرين قرن التقدم وغزو الفضاء,ينفجر العنف في كل مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها ...
'-كل شيء اليوم بقانون:القتل والسلب والدعارة000لكن دون أي قاعدة أخلاقية ...
'-تعقد الحياة الحاضر جعلت خبرات كثير من الناس-في كثير من الأحيان-غير كافية لإدراك طبيعة التحديات,وإدراك ما تستحقه من استجابات ....
'-يرى كثير من المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للانقياد الأعمى ما هو سوى محاسن زائفة,وان من حسن حظ رب الأسرة أن يجد في أسرته من يقول له(لا) ..
'-إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات,لا يقوم في طبائع الأشياء بمقدار ما يقوم في نوعية علاقتنا بها0والواجب أن نفقه تلك العلاقة كي تكون استجاباتنا للتحديات مكافئة وراشدة ....
'-نظام التجارة نظام غلاّب بطبعه0وتشهد خبرات عدة بأنه قادر على تطوير معظم جوانب الحياة ....
'-عصرنا هذا عصر الارتحال والسفر والصفقات,وصار كثير من الناس يتخفف من كل ما يقيد حركته0وفي الغرب هناك تحرر من الحياة الأسرية بسبب القيود التي تضعها على الحركة ....
'-تعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل على أن يتقدم الإبداع على السلبية , والدائم على الزائل,واللمسة الإنسانية على اقتناء الأشياء ....
'-نتيجة للإفلاس الروحي صار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الأكبر,وصار التقدم الاقتصادي كبير أصنام العصر ...
'-ليس ثمة أي مسوَّغ مقبول لانجراف المسلم في التسابق على إرواء حاجات الجسد, ما دام يعتقد أن الآخرة هي دار العيش الحقيقي ....

الباب الثانـــــــــــي:
الفكرة أو المقولة:-
'-إن السعادة تنبع من الداخل,أما الشعور بالرضا فإنه ينبع من خلال المقارنة مع الآخرين ...
'-المسافات التي تفصل بين المسلمين في البلد الواحد تتباعد حيث يتم تبخير(الطبقة الوسطى)لصالح قلة من أصحاب الثروات وكثرة من المعدَمين ....
'-صار الإنسان يشعر أنه أسير لأشياء كثيرة,وصار من الواجب عليه أن يبذل جهداً إضافياً من أجل تصليب إرادته ....
'-التغيير السريع قسَّم العالم إلى قسمين متمايزين:قسم ينظم شعراؤه الأشعار التي تتغنى بالأمجاد الوطنية,وقسم يتغنى مثقفوه بالسياحة في عالم بلا حدود ...
'-لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدمية والعبث بسبب فقد العدالة وغياب القانون في ضبط الحياة العامة ....
'-حين يبلغ اليأس من صلاح الأحوال مداه,فإن المحرومين والمقهورين لا يبحثون عما يعيد لهم حقوقهم,وإنما يندفعون إلى الأسلوب الذي يمكنهم من الحصول على قسم من (الكعكة) المنهوبة ....
'-حين يكون المرء شريفاً في مجتمع تسوده السرقة فإن شرفه يصبح عقوبة له؛وقليل أولئك الذي يتحملون تلك العقوبة إلى ما لا نهاية ....
'-مشكلة الوعي في هذه الأيام أن الواقع يتغير على نحو أعقد وأسرع من قدرته على استيعابه ...
'-معظم الناس في الأرض يعيشون خارج عصرهم,ولا سيما الشعوب التي تستهلك منتجات العصر دون المشاركة في إنتاجها ....
'-بعض الذين يعيشون خارج العصر مكبَّلون بأوهام (المثالية)فهم يظنون أن ما يجري في الواقع قريب مما هو مستقر في الذهن من قيم ومُثُل ....
'-هناك من يتوهم أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان,وكلما فكر في عمل خُيَّل إليه أن الساحة مزدحمة,فالفرص دائماً لغيره,وله التحسر على ما فات!0000000000000
'-إن الذي الذي يتمسك بمبدئه قد يفوته بعض الربح في بعض الأحيان,لكنه يربح ذاته وآخرته في كل حين00000000000000000
'-إن المؤسسات الناجحة في زماننا تتسم بأنها تملك نظماً قابلة للمراجعة والتجديد والتعديل على حين يفلح الذين يعيشون خارج عصرهم في نقد غيرهم00000000
'-إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ يعد انتصاراً لشهوة أو غرض آني000000000
'-يحتاج المسلم في أجل الاحتفاظ بحريته وحيويته إلى أن يحمل بين جوانحه روح الثورة,والتأبي على القولبة000000000
'-لا شيء يحول دون التفوق المستمر كالنرجسية والإعجاب بالنفس ونزع إنجازاتنا من طبيعتها الزمنية لنجعلها شيئاً نهائياً000000000000000
'-حين يتجاوز المرء في عمله حدود الواجب فإنه يشعر بالأناقة والرفاهية الروحية ....
'-إن الامتداد يقتل الاتجاه,وقد تطاول الأمد على كثير من الناس حتى نسوا هدف وجودهم,أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل ....
'-كل هدف صغير هو وسيلة لهدف أكبر منه,وكل هدف كبير هو غاية لهدف أصغر منه ...
'-الواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة-في حدود معينة-وعوضاً عن أت نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا00000000000000
'-السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للإمكانات الشخصية والظروف المحيطة وفهم جيد بطبائع الأشياء ومنطق تطورها00000000000000
'-الخطوة الأولى في طريق النجاح هي الأهم,ثم يشكَّل التدرج التراكمي في تحقيق النجاح نوعاً من الدعم للبواعث0000000000
'-إن الناجحين في الحياة,لا يشكلون أكثر من(5%)من الناس وأكثر الباقي من العاديين والمخفقين ....
'-إن الرتابة نوع من العدم,وإن الاستسلام للأخطاء نوع من الخروج من المحيط الحي إلى محيط الجماد000000000000000000
'-لا بد لنا من أن يفيد(تقييم)أنفسنا من جديد حتى لا نقع أسرى للمفاهيم المغلوطة والمشوَّهة التي كوّناها عن أنفسنا00000000000
'-هذه الدنيا دار ابتلاء وتنغيص,وكل جهودنا لتحسينها ستظل ناقصة؛إذ من غير الممكن أن نصل إلى حلول كاملة في وسط غير كامل00000000000000
'-ليس هناك ناجحون في هذه الحياة على نحو ظاهر لا يهتمون بأوقاتهم00000000
'-الإحساس بالمسافات الزمانية والمكانية منتَج حضاري0000000000000000
'-الوقت لا يدار,وعندما نديره فإنما ندير طاقاتنا وأواوياتنا000000000000000000
'-العمل الشاق يؤدي إلى التعب0والعمل الذكي يؤدي إلى مزيد الإنتاجية0000000
'-الرتابة مكروهة لأنها تقتل روح تفتح الروح والعقل,ومع هذا فيمكن استخدام شيء منها استخداماً نافعاً00000000000000000000000000000000
'-الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح,وسوف يجد المرء نفسه منجذباً إلى عمل الأشياء السهلة000000000000
'-إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من مجموع أفرادها؛فالمجتمع القوى مكوَّن أصلاً من أفراد أكثرهم أقوياء0والمجتمع الضعيف مكوَّن أصلاً من أفراد أكثرهم ضعفاء ...
'-اعمل ما هو ممكن الآن,ولا تنتظر تحسن الظروف؛فمباشر الممكن نفسها توسع دائرة العمل,وتخفف من مشكلاته000000000000000000000
'-إن من شروط رفع كفاءة الأداة أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا,ونصلّب إرادتنا نحو القواطع والصوارف الكثيرة000000000000000000000000
'-في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة,وقليل من الوسائل الجيدة0 والنتيجة:إنتاجية متواضعة000000000000000000000
'-مع أننا لا ندعي العصمة,ولا تدعي لنا,إلا أن أكثرنا يحاول أن يظهر دائماً بمظهر المعصوم ...
'-الاعتراف بالمشكلة على ما هو دون محاولة طمسها أو تشويهها هو الخطوة الأولى على طريق العلاج0000000000000
'-تشخيص المشكلات ونحن في حالة خوف أو قلق يجعلنا نراها أكبر من حقيقتها .....
'-من الأخطاء الشائعة لدى الشعوب والأفراد استسهال الحلول التي يتعلق جزء منها بالآخرين ....
'-لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديد,ولنكشف من خلالها قدراتنا الكامنة .....
'-من خلال الأنشطة المؤطرة في سياق خطة وأهداف واضحة يمكن-فحسب-الانتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجوّ ومأمول000000
'-ينبغي أن نحتفظ بقدر من الحماسة والتعاطف مع برامجنا,لكن ذلك يكون وقت التنفيذ لا وقت التخطيط .....
'-النجاح في تنفيذ ما هو أولى فعلاً يحتاج أن نفرق بين الأشياء المهمة والأشياء الملحًّة
'-السباقون لا يقعون أسرى لمعايير محيطهم الاجتماعي,ولا يتخذون من تقصير المجتمع ذريعة للتقصير؛لأنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله-تعالى-فردية00000000
'-المتقاعسون يحملون مشاعر طفولية,تترجم دائماً إلى الاعتماد على الآخرين000000
'-إن التوازن الجيد في زمان الشح والندرة-يحتاج إلى أن نمتلك حاسة جديدة,
تمكننا من الموازنة بين ما نكسب وما نخسر00000000000000
'-بين السرعة والدقة علاقة جدلية:فكلما كنت سريعاً وجب عليك أن تكون دقيقاً أكثر . وكلما كنت دقيقاً أمكنك أن تكون أكثر سرعة
'-إذا شرحت فكرتك عشرين مرة,وفهمها الناس عنك تماماً كما تريد, فأنت محظوظ وبارع ....
'-أضحت(اللغة)ناقلاً أشد قصوراً؛لأنها لا تنمو على نحو مكافئ لما تعبر عنه ....
'-الناس ذوو مطالب متناقضة,فهم يريدون الحصول على كل شيء دون أن يدفعوا أي شيء ..

الباب الثالث:-
الفكرة أو المقولة:-
'-إن أمداء النمو أمام التقدم الروحي والعقلي ما زالت فسيحة؛لأن ما تم منها ما زال محدداً ....
'-تدل البحوث المتنوعة أن العقل البشري عملاق نائم,وأن ما تم استخدامه من إمكاناته لا يزيد على1% ....
'-القرآن الكريم يركز على المضمون الفكري المكتسب باعتباره شيئاً قابلاً للنمو
والتعديل ....
'-العقلانية,لا تستحوذ على الحياد والإطلاق,فهي نسبية لأن الثقافة التي تسهم في تكوينها متباينة بين الأفراد والأمم ....
'-إن بنُانا الفكرية,هي باعتبار ما انعكاس لما يجدّ من نظريات وآراء مبثوثة في مجالات الحياة المختلفة0000000000000000000
'-نحن بحاجة إلى أن نمتلك أعلى درجات اليقظة والحذر حتى نصون عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة0000000000000000000
'-التجديد شاق على النفس؛لأنه يطلب التخلّي عن بعض المألوفات,كما يتطلب ضبطاً أكثر للنفس,والالتزام بتكاليف جديدة000000000000000000000
'-مفتاح معايشة التغيير المستمر,هو أن يكون بداخلنا(جوهر)يستعصي على التغيير ....
'-حتى تتخلق الأشياء في الواقع,فينبغي أن تتخلق في الذهن أولاً وتستقر في(اللاشعور) ..
'-عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة,فإنها تتيح لنا المزيد من الفرص والاختيارات ....
'-من غير الممكن عزل الأفكار عن المشاعر,فبينها تأثر وتأثير وتكامل مستمر00000000
'-خير طريق للخلاص من ضغوط الأفكار السيئة,هو أن نتبع طريقة(إغلاق الملفات)بعد أن نكون قد استخلصنا من مشكلات الماضي العبر والدروس المتاحة000000000000
'-ما من فكرة تدخل مضمار التطبيق,تستطيع أن تحافظ على ما كانت عليه قبلُ من تحديد وتماسك ....
'-الأعمال العقلية المطردة,لا تؤدي بالضرورة إلى تقدم عقلاني مطرد؛ فالنكوص
والتراجع أمر مألوف في هذا الميدان00000000000000000000000000000
'-ليس المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة,وإنما المطلوب الاستمرار في فضح الممارسات الفكرية الخاطئة00000000000000000
'-ليس من المستغرب أن يعثر المرء على فكرة عظيمة في سيل من اللغو0000000000
'-نحن لا نفهم إلا ما نعرف؛فإذا فهمنا كل ما نسمع,فهذا دليل على أن فائدتنا منه محدودة ....
'-علينا أن نتذكر دائماً أن كثيراً مما نسمعه,لا يعدو أن يكون رأياً من الآراء00000000
'-لو غُذَّيَ الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة حياته,فإنه لن يمتلئ كلياً0000000000
'-إن الدماغ الخالي من المعلومات,يطرح طروحاً شكلية,ويكون الخيال لديه محدوداً ..
'-من أمارات(المرونة الذهنية)القدرة على تعرية الألفاظ مما تعلق بها من شوائب الاستعمال, والتأبي على القولبة والنماذج الجاهزة ....
'-حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة,فإن وضع الموسى على المفصل يصبح أمراً تقديرياً اجتهادياً ....
'-المهم دائماً ألا ننساق خلف التشابه الظاهري الجزئي وننسى الفوارق العظيمة بين المتشابهات00000000000000000000
'-مهمة الفلسفة,لا تتجسد في مدنا بالمعلومات,وإنما في زيادة شفافيتنا نحو الأشياء الغامضة000000000000000000
'-إن المجتمع لا يمكن أن يكون في النهاية أقوى من مجموع أفراده ....
'-عكس ما يظن الناس فإن إتاحة فرصة للنقد,لا تزيد فيه,وإنما تخفف من حدته ....
'-ربما يكون النقد في أحسن أحواله,حين يدخل في علاقة جدلية مع الأعمال البنائية..
'-لا بد من القول:إن الخط الفاصل بين الاندفاع الأحمق وبين التفكير الإيجابي هو خط ضيق جداً ....
'-إن التفكير الجيد,يحتاج إلى رعاية ومتابعة مستمرة؛حتى لا يخرج عن مساره00000
'-معظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية؛وهذا طبيعي؛لأن الفكر الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ,يفعل ذلك مع نفسه000000000000000000000
'-إن كثيراً من التعثر في حركتنا النهضوية,يعود إلى أننا لم نستطع اختراق الكثير من طرقنا وعاداتنا الفكرية,التي ورثناها عن عهود الانحطاط000000000000000000
'-النمو جزء من طبيعة المشكلات؛ولذا فإن المستوى الفكري الذي يسود عند ولادة مشكلةٍ ما يصبح بعد مدة غير كافٍ لمعالجة تلك المشكلة0000000000000000
'-إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث باستفاضة عن العَوْلَمة والقرية الكونية إلا أن لديه انجذاباً هائلاً نحو الإقليمية والعنصرية والطائفية!00000000000000
'-إن الضلال الذي ينشأ من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم من الضلال الذي ينشأ من الكذب الصراح000000000000000000000000000000
'-حين يتفوَّق إنسان في مجالٍ ما,فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تدفع الآخرين إلى الثقة فيه في أمور خارجة عن اختصاصه وخبراته00000000000000000000000
'-كما أنه من السهل على المرء أن يتاجر بعملة زائفة,فمن السهل أيضاً أن يتاجر بعض الناس ببعض الحقائق العلمية0000000000000000
'-إدراكنا للأشياء يتم عبر وسيط ثقافي ونفسي وفكري؛مما يجعله نسبياً ومسربلاً
بالخصوصية ....
'-إنّ قدرة الإنسان على الخروج عن الخطوط الغريزية لديه,يحمّله مسؤولية اختياراته ويوجب عليه تدعيم جهازه الداخلي000000000000000000
'-التحديات التي تواجه الأمم-كالتحديات التي تواجه الأفراد-هي دائماً داخلية ..
'-إنّ كل الحلول في الرؤية الإسلامية,هي حلول تتم في الداخل أولاً,ثم يتم الانطلاق نحو خارج0000000000000000000000000000000000
'-كان التركيز في الماضي على تزكية النفس عن طريق قمعها وضبطها أكثر من التركيز على الثقة والاعتداد بها؛وكان لذلك بعض النتائج السلبية000000000000000
'-إن الشرك الأكبر والأصغر,وما يتولد عنهما من رغبات ومقتضيات,تشكل البداية لسلسة من العلل النفسية والسلوكية000000000000000000
'-حين يصبح(الإيمان)عبارة عن قناعة عقلية,ويكف عن توجيه السلوك,فإن حزمة من الأمراض النفسية تجتاح كيان المسلم,وتعكر صفو حياته0000000000000000000
'-من الملاحظ أن الذين يحسنون التفريق بين الأمراض النفسية,وبين المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون00000000000000000000000
'-لن يستطع أحد أن يزعم أنه تخلَّص من أمراضه النفسية,وصار من حقه الإخلاد إلى الراحة؛فلا راحة المؤمن إلا بلقاء ربه000000000000000000000
'-القلق منشَّط قوي للخيال إذا ما وُظَّف في العثور على بعض الحلول,أو ارتياد بعض الآفاق الجديدة000000000000000000000000000
'-كم سيكون مؤلماً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسماً كبيراً من حياته أنه كان
منشغلاً على الدوام بمتاعب لن تقع,وخائفاً من أشياء وهمية,لا وجود لها إلا في عقله ..
'-سيكون من المهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع أو لما يتوقع أن يقع,قبل أن تشتته حوادث الأيام والليالي00000000000000000000000000
'-إن أهم مواردنا الوقت والطاقة المختزنة؛ومن السهل أن نهدر هذين الموردين العظيمين في أمور تافهة0000000000000000000
'-عقل الكسلان بيت الشيطان,والمقلقات تسيطر على الفارغين الذين لا يجدون ما يشغلون أنفسهم به000000000000000000
'-قد تدفع الثقة الزائدة بالنفس إلى بعض الأعمال الطائشة,وبذلك فإنها تكون أول خطوة على طريق الإحباط000000000000000000
'-كثير من التقاليد يدفع الناس إلى أن يظهروا واثقين بأنفسهم أكثر مما هم عليه في واقع الحال ....
'-الثقة بالنفس لا تولد ولادة صناعية,وإنما هي ثمرة النجاح في الحياة, ومظهر من مظاهر التوازن النفسي0000000000000000000000000000000000
'-الناس يثقون بالشخص على قدر ثقته بنفسه,ويرون الأشياء على النحو الذي يراها عليه الواثقون0000000000000000000000000000000
'-وقوع الإنسان في الخطأ هو الأصل في مسيرته الحياتية,ولو حاول إنسان أن يرتكب نوعاً غير مسبوق من الحماقة أو الخطأ؛فالغالب أنه لن يصل إلى ما يريد00000000000
'-إنه ما يُغلق باب حتى يُفتح باب آخر,لكن قصورنا التربوي والثقافي يجعلنا نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح0000000000000000000000000
'-إنّ عظماء الرجال ليسوا أولئك الذين يستسلمون لما أعدوه من أسباب,وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم من(الغيب)عبر ثقتهم بعون الله وتوفيقه0000000000000000
'-إنّ المسلم لا يستسلم أبداً؛لأنه حين تتقطع به الأسباب,يلجأ إلى مسبَّب الأسباب؛ سبحانه وتعالى00000000000000000000000000000000000
'-إنّ الإنسان ليس ضئيلاً,لكنه كسول إلى حد بعيد0000000000000000000000
'-إن من المؤسف أن تضعف إرادة كثير من الناس في الوقت الذي تتعاظم فيه قدراتهم.
'-النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى الآخرة,قد تغيرت في البُنية العميقة لثقافتنا لدى معظم المسلمين؛وهذا في حدَّ ذاته مصدرٌ لمشكلات كثيرة00000000000000000
'-إرادة الاستمرار والمثابرة,هي التي تجعلنا نرى كثيراً من الأشخاص الذين لا يملكون سوى قدرات متوسطة-يرأسون أعمالاً ناجحة0000000000000000000
'-إنّ في وسع الإنسان أن يحقق نجاحات كبيرة,إذا فعل الأشياء التي يعرف مقدماً أنه ينبغي أن يفعلها00000000000000000000000000000000000000000000 00
'-إذا استطاع الإنسان الالتزام بالنشاطات التي أضافها إلى برامجه,فإنه يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق0000000000000000000000
'-لنحاول دائماً أن نضفي على عاداتنا نكهة الإرادة الواعية؛حتى لا نقع في فخ الرتابة التي هي عدو لدود للإرادة الحرة0000000000000000000000000000000000
'-إن المثابر وحسن إرادة الإمكانات المحدودة أعظم أثراً في إيجاد الأشياء الجديدة من الومضات الذهنية أو الإمكانات العقلية الفائقة000000000000000000000000
'-في الأحوال العادية والعامة يجب أن يُحسم الصراع لصالح التوازن والاعتدال0000
'-سيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا الشخصية بعيداً عن بصيرتنا الداخلية بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم0000000000000000000000000000
'-الوقت المملوء الجدية والمهام,يقوَّض مقدرتنا على التطور,ويضعف من استجابتنا لدواعيه00000000000000000000000000000000000
'-إن المهم دائماً,ليس أن نعمل كثيراً,وإنما أن ننتج كثيراً,وأن نحافظ مع العمل الكثيف على حيويتنا ....
'-الميل الشديد إلى أمر من الأمور-كالنفور الشديد منه-يشوش رؤيتنا للخيارات المتعلقة به ....
الباب الرابع:-
الفكرة أو المقولة:-
'-قد غادرت الروح المركز الحيوي الذي احتلته على مدار التاريخ,مما أدى إلى هامشية الخطط والتنظيمات التي تدعم الجوانب الروحية والخلقية00000000000
'-ليس بعيداً ذلك اليوم الذي تتناقض فيه إمكانات النمو المادي,ويرجع فيه إنسان العصر إلى الروح من جديد,ولكن هل سيجد آنذاك شيئاً منها يتشبّث به؟!0000000000
'-القاعدة الروحية الأخلاقية,هي التي تتحمل الثقال الناجمة عن الانتكاسات في مجالات الحياة المختلفة0000000000000000000000000000000000000000
'-الجاذبية التي تتمتّع بها القرون الإسلامية,تنبع أساساً مما كان يسودها من قيم التقوى والنبل والصفاء والتضحية والتضامن الأهلي,وليس من التفوق في العلوم والحروب والعمران00000000000000000000000000000000000000000
'-المجتمعات تُحكم بالمُثُل والقيم؛وليس بالعقوبات,فالعقوبات لا تُنشئ مجتمعاً,لكنها تحميه ...
'-حين يصاب مجتمع ما بالشلل الأخلاقي يفقد فاعليته الفكرية والخلقية,مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسعّ000000000000000000
'-إنّ الإيمان العميق والمصحوب بالالتزام بالسلوك الإسلامي هو الضمانة الأساسية لاستمرار التألق الروحي الفطري والمكتسب00000000000000000000
'-إنّ مجمل الاستجابات الوجدانية والسلوكية لمحبوبات الله-تعالى-هو الفيصل بين حقيقة حب الله وادّعائه00000000000000000000000000000000
'-إنّ أعظم المعارك يتم خوضها في حجرات صامتة داخل الروح,وهناك تُصنع الانتصارات,كما تقع الهزائم الكبرى000000000000000000000000000000
'-إنّ التمسك بالسنّة يعني أن يحيا المسلم دائماً في حالة من الوعي الداخلي وضبط النفس00000000000000000000000000
'-ليس هناك أمة تعمد إلى تدمير البنية الخلقية لديها,لكن معظم الأمم قد تفعل ذلك خلال عملها على تحقيق بعض متطلباتها دون وعي أو إدراك لذلك00000000000000
'-إنّ كل مبدأ أو هدف,لا يتحقق,يتحوّل إلى شعار,ثم إلى نوع من اللغو00000000
'-ليس لدينا تقاليد ثقافية راسخة,تمجّد العمل الصامت؛ولذا فالوجاهة عندنا دائماً لمن يحسن تشقيق الكلام000000000000000000
'-إنّ مظاهر التحضّر المختلفة,ما هي إلا قشرة رقيقة,تكمن تحتها روح وحش كاسر ينتظر الفرصة للوثوب0000000000000000000
'-إنّ كثيراً من المسلمين يعرَّضون سمعة الإسلام الدولية للخطر من خلال الصور الشائنة التي يتيحونها لوسائل الإعلام العالمية دون أي إحساس بالمسؤولية000000000
'-إنّ الذي ينظر في سِيَر العظماء يجد أنهم دائماً يملكون طاقة كبرى على التأبي والتمنّع على الانجراف في التيار000000000000000
'-إنّ(الحرية)ليست ذات بنية ثورية,وإنما هي ثمرة النضج البطيء الذي نحرزه على الصُّعُد المختلفة00000000000000000000000000000
'-الانتصارات والهزائم تظل هامشية ما لم تعمَّق مدلولاتها في نفوسنا وأخلاقنا وعلاقاتنا ..
'-إنّ دخول الأخلاق الإنسانية في دورات كالدورات الاقتصادية فيه الكثير من المهانة لوعي الناس وكرامتهم000000000000000000000000000000
'-إنّ العادات الفكرية تسهَّل عمل العقل,لكنها في الوقت نفسه تضع على مداركنا ما يشبه الغشاوة,فلا نرى الآفاق الممتدة,والإمكانات الكامنة000000000000000000
'-إهمال الأشياء التافهة,يحوَّلها إلى أشياء مهمة00000000000000000000000000
'الناس من التفكير في القضايا الكبرى,لأن ذلك قد يقتضي في النهاية اتّخاذ قرارات كبرى تقضي الكثير من التغيير في نمط الحياة الخاصة0000000000000000000000
'-إذا لم نمارس دور القائد في حياتنا الخاصة,فقد تصبح أنشطتنا المحمومة نوعاً من الجهاد في غير عدو0000000000000000000000000000000000000
'-الشعور بالواجب التزام تشعر به ذلت حرة,تُلزم نفسها بنفسها؛و أكثر الناس شعوراً بالحرية أكثرهم شعوراً بالواجبات الحضارية00000000000000000000000000
'-ضعف الشعور بالواجب يتولّد عنه تلقائياً ضعف الشعور بالمسؤولية,الذي يتولّد عنه
أيضاً شعور عميق بالتفاهة والفراغ00000000000000000000000000000000000
'-إنّ الإنسان يكون إنساناً بقدر ما يرتاع للفارق بين ما هو كائن,وبين ما يجب أن يكون..
'-بعض الناس يظن أن الاهتمام بالبعد الجسدي لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكال الانغماس في المادية أو هو استثمار في مشروع خاسر؛لأن الموت نهاية الجميع!00000
'-إنّ الذي يغلب على حسّه ووعيه أن الحياة الدنيا,هي كل شيء,فإنه في الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد؛لأن غير ذلك قد يبدو غير ذي معنى00000000000000
'-إنّ تلبية حاجات الجسد وصيانته,تُخرِج المرء من أفق المثالية,والانعزال عن الواقع لتصبح مركز دمج بين المثالية والواقعية000000000000000000000000000
'-الملتزم بآداب الشريعة يربح مرتين:رضوان الله-تعالى-أولاً وصلاح وضعيته العامة ثانياً .
'-إنّ انتشار مرض(الإيدز)كشف النقاب عن الحملة المترابطة التي يقوم بها الزنا,
واللواط,وشرب الخمر,وتناول المخدرات-لإبادة الجنس البشري00000000000000
'-إنّ الحضارة الحديثة نزعت من البشر من الإنسانية على مقدار ما زرعت فيهم من البهيمية والوحشية00000000000000000000000000000000
'-كثرة المتخمين,وكثرة الجياع في أمة الإسلام,دليل وجود خلل ثقافي وسلوكي,و
لابد من استعادة التوازن في ذلك00000000000000000000000000000
'-إن البدانة هي مصدر لسلسلة من الأمراض الخطيرة؛لذا فإن الطب الحديث قد حثَّ على التخلّص منها,كما ذمّها السلف والحكماء من قبل00000000000000000
'-لا يصح لنا أن ننسى أن كل المكاسب والخسائر في هذه الدنيا مؤقتة وزائلة هي وأصحابها000000000000000000
-إنّ تنشيط الجسم,ورفع كفاءة لأجهزته المختلفة,لن تكون أبداً مجانية,وقاعدة:(لا فائدة بدون ألم)قاعدة عامة في كل مجالات الحياة00000000000000000
-إن المال قد غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى,وذلك نتيجة طبيعية لتهميش كثير من الأنشطة الروحية والأدبية00000000000000000000000000
-إنّ فضل الغني على الفقير,وفضل الفقير على الغني,يظل متوقفاً على مسلك كل منهما تجاه الحالة التي هو فيها00000000000000000000000000000
-لن يكون على مستوى الأمة مجال للمقارنة بين الغنى والفقر؛حيث إن الفقر يعطل عمل كثير من المؤسسات التربوية والاجتماعية والتي لا تنهض من غير المال00000000
-إنّ ظاهرة الفقر المنتشرة في العالم الإسلامي,تعود إلى الكسل وسوء التوزيع والظلم والفساد الإداري بالإضافة إلى اختلاط بعض المفاهيم00000000000000
-إنّ كثيراً من المسلمين خلطوا بين ما أراده الله منّا,وما أراده الله بنا000000000
-إنّ المنطلقات النظرية,ترسم الطريق,وتسهل العمل,.لكنها لا توجِد العمل نفسه,وإنما توجده الأساليب والأدوات والبرامج التي نوظفها في سبيل تحقيقه00000000000
-لا يكون المتديّن الحق شخصاً عادياً,فطبيعة التديّن,تقتضي دائماً التفوّق000000000
-التقدّم العلمي,يتيح فرصاً للعمل تحتاج إلى التنظيم والإدارة أكثر من حاجتها إلى المال ..
-لا يحسَّن العلم نوعية الحياة ما لم يُترجَم إلى تطبيقات عملية,وهذا ما ينجبه اللقاء السعيد بين العلوم النظرية والممارسات المهنية والتقنية000000000000000
-لا يمكن أن يكون هناك مجتمع أقوى من مجموع أفراده؛ولذا فالنهوض بالذات هو مساهمة مقدَّرة في نهوض الأمة000000000000000000000000000000
-الإنسان الإيجابي الفعّال,يكتشف جوانب النفع الخفية للأشياء وهذا يجعله يسبق غيره .
-كلما كانت الإمكانات محدودة,والموارد شحيحة احتجنا إلى براعة أكثر في إرادتها ..
-حين تولد الفكرة,وتدعم بدراسة جدوى عقلانية وعلمية,فإن المال لا يغدو مشكلة حيث ينهال المستثمرون على صاحبها000000000000000000
-مصير البشرية متوقف على عدد محدود من الأمور,أهمها علاقة الناس بخالقهم-جلَّ وعلا-ثم علاقتهم بعضهم مع بعض ......
الباب الخـــــــــــــــــــــــــــــــامس:-
الفكـرة أو المقولة:
-إنّ تأثير الآخرين في حياتنا,هو أكبر عادةً مما نعترف به ...................
-إنّ كثيراً من مفردات الطبيعة الإنسانية,لا يورث عن الآباء,وإنما هو ميراث على كل واحد أن يستعبده نفسه .........................
-الذات الإنسانية ذات مشتَّتة بين الخصوصية المركزة وبين الاعتماد على الآخرين .....
-كلما ازداد نضج الإنسان,وأراد أن يوسَّع نشاطه,وجد أن حاجته للآخرين صارت أعظم .
-إنّ العالم المعرفي المشترك الذي توجده الحوارات بين الأزواج والأصدقاء,هو الذي ينمّي البصيرة الاجتماعية والثقافية لدى المشتركين فيه ...
-إن الدعم الاجتماعي الجيد,يولَّد مشاعر إيجابية قادرة على كفّ الاكتئاب .....
-إن اللبنات الهشة,لن تشكّل في النهاية سوى جدار هش ..............
-حين ننظر إلى العلاقات الاجتماعية على أنها موارد للنمو الشخصي فإننا لا نجد بُدَّاً من إقامتها على أسس عقدية ومنهجية قواسم مشتركة ................
-إن الشخص الفاسد يشوش رؤية الناس ل(النواة)الأخلاقية التي يجب أن تتشكّل حولها مفاهيم التواصل الاجتماعي .........................
-إن الكبر يولّد التوتر الماضي لدى صاحبه,ولدى المجتمع الذي يعيش فيه ....
-إن المتواضع يستطيع أن يجذب من هم أكثر منه تفوقاً,وذلك مكافأة مجزية له ...........
-حُلُق الرحمة,يتجاوز الحقوق والواجبات والعقود إلى النبل والشهامة والمروءة .....
-التخلف الحضاري,يفكك الروح الجماعية,ويقتل روح المبادرة؛حيث ينتظر كل واحد من الناس غيرَه,ليكون البادئ ................................
-إن أهم سمات العظماء في كل الأمم أنهم يدركون الوضعية التي ينبغي أن تصل إليها مجتمعاتهم,ويحاولون الإسهام في بلوغها ...........................
-تعني الشفافية القدرة على استكناه الاتجاه الذهني للآخرين,وتحسس مشاعرهم تجاه الأحداث والأشياء المختلفة ...........................
-إن تلهف الفرد على التقدير والاحترام,يعد محركاً جوهرياً لكثير من أنشطته ...
-الفضيلة دائماً شيء بين رذيلتين,والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده ....
-من اللباقة ألا نزعج الناس بمشكلاتنا الخاصة؛حيث إن عندهم من المشكلات ما يكفيهم.
-المشاعر الطيبة ثمرات للإحسان وحُسن التعامل,وليست أشياء يجب أن نخضع لها ......
-إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا,فإن فصلاً جديداً رائعاً يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منا .....................
-إن الناس كثيراً ما يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه ...............
-لا يثق الناس في شخص,لا يستطيعون التنبؤ بسلوكه ومواقفه ...................
-الجدارة بالثقة شيء يشعه مجمل الشخصية,أكثر مما تشرحه الأقوال ...........
-إن الذين يتكتمون على ما لا ينبغي التكتم عليه,يجعلون من أنفسهم محاور للتقولات والشائعات ............................
-كل تقنيات إحداث الألفة والانسجام تتمحور حول تعظيم القواسم المشتركة , وإيجاد أوجه التشابه بين الذين يسعون إلى التآلف .............
-مهما كانت جهودنا متميزة,فإنه ستظل هناك مسافة بين ماننظَّر له,وبين ما يتجسد في واقعنا العملي ....................
-الفجوة بين ما هو كائن,وما ينبغي أن يكون,هي التي تعطي المشروعية للنقد ....
-يجب أن نعترف لأن لدينا ميولاً غريزية لحب المديح والنفور من النصح والنقد ....
-لا ينبغي في أي حال من الأحوال أن نفهّم من ينتقدنا أنه مخطئ في كل ما قاله ......
-إن الناقد إن لم يصب في مضمون ما قاله,فقد أصاب في تحفزه للإصلاح ومقاومة الاعوجاج ..
-ليس من المبالغ فيه أن نعدَّ الإخفاق في الاتصال بالآخرين,أحد أوبئة حياتنا المعاصرة .
-طالما كانت المصافحة مصدراً لبث الدفء في القلوب ...................
-البلاغة:ـن نستخدم أسلوباً يناسب السامع,وتنسجم كلماته مع معانيه ..........
-يعتبر الناس التأثير في الآخرين جزءاً من تحقيق وجودهم المعنوي .........
-كثيراً ما يكون الفارق بين المتحدث الناجح والمخفق هو الحرص على تجويد الخطاب وإتقانه .....
-يولد الإنسان صارخاً,ثم يتعلم الكلام,ويميل الطفل إلى الإكثار من اللغو,ثم يتعلم الإنصات ..
-على حين نجد كثيرين,يحرصون على تعلم تنميق الكلام؛فقلما نجد من يحرص على تعلم الإنصات ..............
-حين نستمع إلى شخص يتحدث,فإننا نحاول فهمه من خلال عاداتنا وإطارنا المرجعي,مع أن الفهم الدقيقة,يتطلب أن ندخل إلى عالمه الشخصي .........
-علينا أن نتعلم كيف نحذف من حديث الذين يبالغون كلماتٍ من نحو:(عظيم جداً) و (كثير جداً)و(قريب جداً)؛حيث إن هذه العبارات غير ذات معنى في واقع الأمر00000
-مهما كانت علاقتنا بالآخرين عقلانية ومقننة؛فإننا لا نستطيع عزلها عن تأثير العواطف والانفعالات .....
-إن ضعف العاطفة في العلاقات الاجتماعية,لا يسمح بالاندماج الذهني والشعوري,كما لا يسمح بملامسة آفاق الخبرة الإنسانية العميقة لدى أصحاب تلك العلاقات ...............
-الأعمال الروحية والعلاقات العاطفية,تميل بطبعها إلى التطرّف الذي يترتب عليه التذبذب,ولذا فيجب تأطيرها دائماً بإطار عقلي ....................
-إن الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم,يتعرضون لأعظم الصعاب و المشاق على نحو صامت ................
-الترفع على الإخوان بسبب ما يجدُّ من أحوال,دليل على رداءة الطبع ........
-ليكن شعارنا:(نتناقش,وننقد,ولكن في ظل صداقة حميمة) ..............
-إذا أردنا لأفكارنا أن تنتشر,فعلينا أن نجعل الآخرين,يشعرون أنها أفكارهم ....
-إذا أردت المزيد من الأعداء,فتميّز على أصدقائك ..............
-لنستخرج النبل الذي في نفوس الآخرين من خلال الثناء على جهودهم وأعمالهم ..
-مضي الحياة الزوجية على نمط واحد,يؤدي إلى السأم,ويصلَّب الأحاسيس ...
-على كل واحد من الزوجين أن يلقي في روع الآخر أن إمكانات التغيير موجودة , وأن التكيف والصبر ليس هما الحل الوحيد .............
-جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة,لا يقوم على التشابه,وإنما على التباين, و الغفلة عن هذا,سببت الكثير من المشكلات الأسرية ..................
-التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية,ليست صغيرة؛فتضخم الأشياء التافهة,شيء دارج جداً في البيوت ........................
-سلسلة المعقولات لدى الرجل مختلفة عنها لدى المرأة,وهذا يجعل كثيراً من النقاش بينهما لا يأتي بأي نتيجة ......................
-الانسحاب من النقاش,وإشعار أحد الطرفين للآخر,أن لا فائدة ترتجي منه,من أكثر أسباب وقوع الطلاق شيوعاً ................
-يغلب على النساء حب الاستهلاك؛ولذا فإن ترفيه الرجل لأسرته,يحل الكثير من المشكلات ...
-إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من التنظيم والترتيب المعتدل ....
-إن على مَن يمنح الثقة أن ينظر إلى المخاطر التي تترتب على ذلك أكثر من نظره إلى أهلية من يضع ثقته فيه .......................
-حتى تستمر علاقاتنا,فإنه يجب بناؤها على التكافؤ ............
-لا بد أن نفكر من خلال عقلية(الوفرة)والاعتقاد بان هناك ما يكفي الجميع ...
-من المهم لاستمرار علاقاتنا وصفائها أن يعرف كل واحد منا ما يمكنه أن يحصل عليه من وراء تلك العلاقات ...........
-الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة,من أكبر حقائق هذا الوجود .........
-إن علينا أن ندرك أن الناس لا يرون الأشياء على ما هي عليه,وإنما يرونها عبر نظارات وأغشية من ثقافتهم واهتماماتهم ومصالحهم .............
-تنوع ما هو متاح,جعل الأشياء التي تُرضي الجميع قليلة,وبذلك تم فتح مجالات جديدة للاختلاف ..................
-حين يعاني إنسان ما من انخفاض معنوياته,أو من شعوره بعدم الأمان,فإنه يفسَّر كل نقد موجَّه إليه على أنه نقد شخصي له ..............
-من وسائل تجنب الاختلاف,تقليل الاعتماد على الآخرين,وما نتوقعه منهم ....
-لنبحث دائماً عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الآخرين ......
-الباطل المتلبس بالحق,والحق المتلبس بالباطل هما مصدر أكثر النزاعات بين الناس ...

_____

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image042.gif[/IMG]


الموضوع:
مقدمـة,,,,,
الباب الأول
عصرنا وملامحه وأوضاعه
الفصل الأول:-هل يعيش العالم عصراً واحداً؟
نحن والغرب ................
الفصل الثاني:قيم ومفاهيم وأوضاع سائدة
أولاً-من التفاؤل إلى العدمية ................
ثانياً-ضياع الهدف النهائي ................
ثالثاً-التأزم الخلقي ................
رابعاً-تقدم بلا حدود ................
خامساً-تغير في المفاهيم ................
سادساً -العنف وإرادة القوة ................
سابعاً-التحدي والاستجابة ................
ثامناً-انتشار نظام التجارة ................
تاسعاً-جنون الاستهلاك ................
الباب الثاني
العيش في الزمان الصعب.
الفصل الأول-عصر العيش الصعب
-لماذا زماننا صعب؟ ................
-انتقال مركز السيطرة من الإنسان إلى الأشياء ................
-صيرورة كثير من الضروريات كماليات ................
-الحاجة إلى مزيد من المهارة ................
-تغيرات سريعة قسَّمت شعوب العالم ................
-زيادة السأم من الحياة وانتشار الجرائم ................
-اليأس من صلاح الأحوال ................
-تدهور الحياة البيئية ................
الفصل الثاني-العيش خارج العصر
*مدخل ................
*سمات الذين يعيشون خارج العصر ................
1-التكبل بالأوهام ................
2-التخفف من القيود الأخلاقية ................
3-التشتت بين الماضي والمستقبل ................
4-فقد المبادرة الشخصية ................
5-الإعراض عن النقد الذاتي ................
6-عدم الاهتمام بالوقت ................
7-الإهمال والفوضى ................
الفصل الثالث-نموذج المسلم المعاصر
1-توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا ................
2-عدم المساومة على المبدأ ................
3-المحافظة على الصورة الكلية ................
4-التحرر الدائم ................
5-التفوق على الذات ................
6-الشعور بالتأنق ................
7-وضوح الهدف ................
8-نحو الهدف ................
9-السلوك المنطقي ................
10-الحرص على النجاح مهما يكن صغيراً ................
11-الوضع الإيجابي ................
12-التقييم الذاتي ................
الفصل الرابع-قضايا عامة
أولاً-المدينة الفاضلة وَهْم ................
ثانياً-إدارة الوقت ................
*لماذا يضيع الوقت ................
*مبادئ وآليات في الاستفادة من الوقت ................
ثالثاً-تحسين الإنتاجية ................
*العوامل المؤثرة في الإنتاجية-مبادئ تحسينها ................
رابعاً-مواجهة المشكلات ................
خامساً-الاهتمام بالمستقبل ................
*أفكار تساعد على رسم خطة شخصية ................
سادساً-السعادة والرضا ................
*مصدر الشعور بالسعادة ................
*مصدر الإحساس بالرضا ................
سابعاً-السبق والتقاعس ................
*سمات السبّاقين والمتقاعسين ................
ثامناً-لكل شيء ثمن ................
تاسعاً-الدقة ................
عاشراً-مطالب متناقضة ................
الباب الثالث
العيش في الزمان الصعب
البعد العقلي والنفسي
الفصل الأول-البعد العقلي
العقل وأهميته المتزايدة ................
العقل:شكل ومضمون ................
العقلانية ................
الفصل الثاني-تجديد البعد العقلي
1-شروط للتجديد ................
2-استخدام العلاج الإدراكي ................
3-النظرة المتعمقة ................
4-الاستماع الجيد ................
5-تنشيط الذاكرة ................
6-المرونة الذهنية ................
7-تحسين التفكير عن طريق القبعات الست ................
الفصل الثالث-التفكير المعوجّ
1-إصدار الأحكام المسبقة ................
2-سوء التعامل مع المعلومات غير الملائمة ................
3-الضلال في تفسير الظواهر ................
4-تأثير الانطباعات الأولى ................
5-تأثير الهالة ................
6-المبالغة ................
7-القراءات القاصرة ................
الفصل الرابع-البعد النفسي ................
التجديد البعد النفسي: ................
1-تخليص النفس من أمراضها ................
2-تخفيف القلق ................
3-تخلَّص من الاكتئاب ................
4-الثقة بالنفس واحترامها ................
5-الإرادة الصلبة ................
6-حسم الصراع الداخلي ................
7-كافئ نفسك ................
8-السيطرة على الانفعالات ................
الباب الرابع
العيش في الزمان الصعب
البعد الخلق والبعد البدني وإدارة شؤون العيش
الفصل الأول-تجديد البعد الخلقي
*القاعدة الروحية الخلقية ................
*خلق وسلوك جديدان:
1-التمسك بالسنّة ................
2-تجسيد المبادئ الأخلاقية ................
3-نحو أخلاق شفيفة ................
4-التأبي الخلقي ................
5-لياقة خلقية ................
أ-إغناء الحياة العامة ................
ب-فضيلة الاهتمام ................
ج-خُلق التسامح ................
6-اكتساب عادات جديدة: ................
أ-التخلص من التسويف ................
ب-الخروج من دائرة الكلالة ................
ج-الانهماك في العمال الصغيرة ................
7-الشعور بالواجب ................
الفصل الثاني-تجديد البعد البدني
*تحديات جديدة ................
*قواعد في حفظ الصحة العامة: ................
1-النظر إلى وضعية الحياة الدنيا ................
2-التوازن ................
3-توجيهات شرعية: ................
أ-أكل الطيّبات باعتدال ................
ب-التداوي ................
ج-الامتناع عن المحرّمات ................
د-النظافة ................
4-الغذاء المتوازن ................
5-التخلص من البدانة ................
6-الإقلاع عن التدخين ................
7-الراحة النفسية ................
8-ممارسة الرياضة ................
الفصل الثالث-إدارة شؤون العيش
*المنطلق النظري:
1-الله-تعالى-ضامن لرزق العباد ................
1-العمل في الحصول على رزق عبادة00000000000000000
3-الأكل من عمل اليد0000000000000000
4-الغني الشاكر أم الفقير الصابر0000000000000000
5-أسباب الفقر في العالم الإسلامي00000000000000000
6-التوسط في الإنفاق000000000000000
*أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش:000000000000000
1-الاستقامة و الالتزام00000000000000000000
2-التفوّق000000000000000000
3-حاول تحسين دخلك000000000000000000000
4-تعوّد تأجيل الرغبات00000000000000000000
5-اكتساب المهارات0000000000000000000000000
6-اغتنام الفرص المتاحة000000000000000000
7-السفر باب من أبواب الرزق0000000000000000000000
8-توفير شيء من الدخل00000000000000000
9-الإمكانات المحدودة0000000000000000000
10-لا تجمّد أموالك000000000000000000
11-العلاقات الحسنة مصدر رزق0000000000000000
الباب الخامس
العيش في الزمان الصعب
العلاقات الاجتماعية
الفصل الأول-أهمية العلاقات الاجتماعية0000000000000000000
1-تشتت الذات الإنسانية0000000000000000000000
2-المساعدة على فهم العالم00000000000000000
3-إشباع الحاجات العاطفية000000000000000
4-المساعدة على مواجه الصعاب000000000000000
سمات اللبنة الصالحة:00000000000000
1-الالتزام0000000000000000
2-التواضع000000000000000
3-الصبر000000000000000000
4-الحمة0000000000000000000000
5-المبادرة الفردية00000000000000000
6-اللباقة000000000000000000000000
-مظاهر اللباقة000000000000000000000
7-صناعة المشاعر0000000000000000000000000
8-الألفة:0000000000000000000000000
أ-طيب الكلام والإنته000000000000000000000
ب-الجدارة بالثقة0000000000000000
ج-الوضوح000000000000000
د-تقنيات في إيجاد الألفة0000000000000
9-تقبُّل النقد:000000000000
أ-بيان العيوب هدية000000000000000000
ب-الاستماع للنقد بقلب مفتوح0000000000000000
ج-استيعاب الناقد0000000000000000000
د-الاستفسار من الناقد0000000000000000000000
ه-عدم إفهام الناقد أنه مخطئ00000000000000000000
و-تلخيص ما يتضمنه النقد00000000000000000
ز-تنفيذ ما تم الاتفاق عليه00000000000000000
الفصل الثاني-الاتصال الإنساني00000000000000000000000
-تعريف الاتصال000000000000000
-كيف نجعل اتصالنا جيداً؟000000000000000000000
1-تكوين الانطباع الأولي00000000000000
2-اعرف نفسك00000000000000000
3-الدقة في استخدام اللغة000000000000000000000
4-الاتصال عبر الهاتف00000000000000
5-الخطاب المؤثّر000000000000000000000000
-الإصغاء الجيد:
1-ميزات الإصغاء00000000000
2-تحسين الإصغاء00000000000000000
الفصل الثالث-مبادئ ومفاهيم في العلاقات الاجتماعية00000000000000
1-التوازن بين التعقل والانفعال00000000000000000
2-رعاية العلاقة الخاصة:0000000000000000
أ-ندرة الطراز الرفيع من الإخوان000000000000000
ب-أسباب انعدام الصداقة الحميمة0000000000000000
ج-ما يجب توفره في الصديق000000000000
د-أشكال رعاية الصداقة000000000000000
3-العلاقات الشفيفة:000000000000000000000000
-اهميتها00000000000000000000000
-ما يمنح علاقاتنا الشفافية0000000000000000
4-العلاقات الأسرية00000000000000000000000
أ-ركود الحياة الزوجية0000000000000
ب-عزل متاعب الحياة عن المنزل0000000000000000
ج-علاقة الزوجين تقوم على التخالف000000000000000000
د-الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة00000000000
هـ-الانسحاب من الحوار00000000000
و-حب الاستهلاك عند المرأة00000000000000
5-منح الثقة:00000000000000000
-منح الثقة يقوم على طرفين000000000000000000000
-الجميع بين الثقة والنظام0000000000000000000
-خطر حجب الثقة00000000000000
-أسس في منح الثقة000000000000000
6-علاقات لنفع الجميع:00000000000000000000000
-التكافؤ في العلاقات 000000000000000000
-الاستقامة هي حجر الزاوية في العلاقات0000000000000
-الموازنة بين الذات والآخر0000000000000000
-عقلية الوفرة0000000000000000000000
7-إيضاح التوقعات000000000000000
الفصل الرابع-التعامل مع الاختلافات0000000000000
أسباب وجود الاختلاف:0000000000000
1-اختلاف القيم والأفكار00000000000000
2-التنوع وكثرة الخيارات000000000000000000
3-اجتماع الناس يولَّد التوترات00000000000000
4-محدودية الموارد000000000000
أسباب جزئية للاختلاف0000000000000
كيف نقلل من الخلافات مع الآخرين؟000000000000
1-تقليل الاعتماد على الآخرين00000000000000000000
2-عدم الإسراف في إعطاء الوعود0000000000000000
3-التخلص من سوء الفهم000000000000000
4-لا تغضب00000000000000000
5-البحث عن الحلول عوضاً عن اللوم0000000000000000
6-التقليل من إصدار الأحكام00000000000000000
7-محاولة فهم الدوافع السلوكية للآخرين000000000000000000000
إدارة الخلافات وحلها:00000000000000000000000
1-ما يثير الخلاف هو الالتباس000000000000000
2-تحديد نقاط الخلاف000000000000000000000
3-تهيئة الجو النفسي للحل00000000000000000000
4-توجيه المزيد من الأسئلة00000000000000000
5-المحافظة على الهدوء0000000000000000000000
6-الإغضاء عن الدوافع والمشاعر000000000000000000
7-تجاوز الماضي على الحاضر0000000000000000
8-الاعتراف بالخطأ0000000000000000000
9-لفت نظر الخصم إلى هدف مشترك0000000000000000000
10-الاستنجاد بالزمن000000000000000
الخاتمة00000000000000
فهرس المراجع المختارة00000000000000000
فهرس الأفكار والمقولات العامة0000000000000000000
الفهـــــــــــــــــــــــرس000000000000000000000 000000

[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image043.gif[/IMG]


[COLOR=**********][/COLOR]

[COLOR=**********][/COLOR]
[COLOR=**********][/COLOR]

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الزمن, الشعب, عصرنا, والعيش


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع عصرنا والعيش في الزمن الصعب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بائعة السمن صابرة الملتقى العام 2 06-30-2017 09:28 AM
هل أنت مؤهل للسفر والعيش على كوكب المريخ؟ Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 04-19-2017 12:19 PM
بائعة السمن صابرة الملتقى العام 0 11-22-2016 08:41 AM
ارادة السمو زهير شيخ تراب الشاعر زهير شيخ تراب 2 08-20-2014 07:55 AM
حق العودة بين التفريط والعجز Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 01-14-2014 10:56 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59