#1  
قديم 04-28-2015, 08:21 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة الصقر


عرض كتاب " الصقر " لهيلين ماكدونالد
ــــــــــــــــــــ

(محمود ثروت أبو الفضل)
ـــــــــــــ

9 / 7 / 1436 هــ
28 / 4 / 2015 م
ـــــــــــــ

21322820.jpg

• اسم الكتاب: الصقر.
• العنوان بالإنجليزية: Falcon.
• المؤلفة: هيلين ماكدونالد.
• تحرير: أحمد خريس.
• سنة النشر: 1430هـ/2009م.
• دار النشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (مشروع كلمة).
• الطبعة: الأولى.
• صفحات الكتاب: 194.

news_910A3B23-E3C2-4F25-B77D-A4971E971A3A.jpg

صدَر عن "المجمع الثقافي - كلمة" لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث الطبعة الأولى من كتاب "الصَّقر" للباحثة "هيلين ماكدونالد"، وهو جزء من سلسلة علمية باللغة الإنجليزية تحت عنوان "سلسلة الحيوانات - Animal Series"، تولَّت ترجمتَها ونشْرها الدارُ ضِمن مشروعها الثقافي، وطُبِع هذا الكتاب في نسخته الإنجليزية أول مرة عام 2006 بلندن.

تبحث تلك السلسلة العلميَّة في التاريخ الطبيعي للحيوان - موضِع الدراسة - حيث تُبرِز أنواع سلالاته المختلفة، وأماكن وجوده، وتَكاثُره، ودورة حياته الطبيعية، كما تهتم تلك السلسلة أيضًا بالتاريخ الثقافي للحيوان؛ حيث تُلقي الضوء على أهم المعتقَدات والأساطير والخرافات التي مثَّل فيها الحيوان عنصرًا رئيسًا في تكوينها وانتشارها، وأيضًا يُبرِز تداخُل الحيوان في النِّتاج الأدبي والفني لأشهر الأدباء والفنانين، وغيرهم.

تُعَد صورة الصقر في التاريخ الإنساني من الصور التي ارتَبطت بمفهوم القوة والجُرأة والنَّبالة، وكانت رياضة الصيد بالصقور في العصور القديمة مقصورة على الملوك والطبقات النبيلة من المجتمعات الأوروبية، وما زالت رياضة الصيد بالصقور تَنال اهتمامًا بالغًا ومكانة رفيعة في بلاد فارس والخليج العربي، وقد دخَل الصقر في كثير من مفاهيم وثقافة الصناعات العسكرية؛ حيث اعتبِر من "المخلوقات الحربية"، ولسرعته الخارِقة في الانقِضاض والصيد والدوران والمراوغة؛ ارتبَط بعالم الطائرات المقاتِلة على وجه الخصوص، وليس أدل على قِيمة الصقر في التاريخ القديم والحديث من اتخاذه كرمزٍ بالِغ الدَّلالة في الهدايا الدبلوماسية بين مُمثِّلي الدول، حيث كان إهداء صقر من أحد الملوك لنظيره من أثمن الهدايا، وأجدَرها بالاهتمام والامتِنان.

وقد استعرَضت الكاتبة في كتابها كيف أثار الصقر فضولَ وتَطلُّعات البَشرِ على مدى قرون، بشكل جعله أكثر من مجرَّد طائر؛ حيث تطرَّقت "في الفصل الأول إلى بعض الصفات البيولوجية والبيئية للصقور"، وفي بقيَّة الكتاب استعرَضت بعض الجوانب الثقافية والتاريخية التي تعلَّقت بالصقر، وعالمه، وما مثَّله للبشر من أهمية أسطورية وملحمية.

يصِف الكاتب "تي. إتش. وايت" العلاقة بين الصقر والإنسان من خلال تجرِبته الشخصيَّة مع صقره، بأسلوب فنيٍّ بديع؛ فيقول:
"كان هناك أحد البابليين يحمِل صقرًا فوق مِعصمه في "خوراسباد" قبل حوالي 3000 سنة مضت، ولم يستطِع معظم الناس أن يفهَموا سرَّ السعادة في ذلك، ولكن الرجل كان سعيدًا، والآن أعتقِد أنني يجب أيضًا أن أشعر بالسعادة، وأن أكون واحدًا من ضمن صفٍّ طويل من السابقين".

ومؤلِّفة الكتاب هي "هيلين ماكدونالد"، مُحاضِرة وزميلة باحث في كلية "جوسيس، كامبريدج"، وسبَق لها العمل في الكثير من منظَّمات حماية الصقور في بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وصْف الكتاب:
قامت الكاتبة بوضع كتابها في مقدمة وستة فصول، تناوَلت فيها تاريخ الصقر الطبيعي والثقافي وعلاقته بالإنسان، حيث تتبنَّى الكاتبة - على وجهٍ ما - وجهةَ نظرِ عددٍ من العلماء المُحدَثين الذين يرون أن عالَم الحيوانات يُعتبَر مُحاكاة للعالم الإنساني وما فيه من قِيمٍ ومفاهيم، يقول عالم الرياضيات "كيث و. ريتشموند": "عند مقارنتنا بالصقور، فإننا نبدو مخلوقات أقل درجة! لأن الصقور تَمتاز بالقوة والجُرأة والجمال والدم الساخن، الذي يجعل منها مخلوقات نبيلة"، وقد تناوَل الكتاب حياة الصقور - بما فيه من معلومات علميَّة - بطريقة ميسرة محبَّبة؛ وذلك لتقريب تلك المعلومات إلى عقل القارئ غير المتخصِّص، وتَضمَّن هذا الكتاب 101 صورة توضيحية منها 45 صورة مُلوَّنة؛ لربْط المعلومات المتنوعة بالكتاب بصورتها المرئية في ذِهن القارئ.

وجاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:
• مقدمة.
1- التاريخ الطبيعي.
2- الصقور الأسطورية.
3- الصقور المُدرَّبة.
5- الصقور المهدَّدة بالانقِراض.
6- الصقور العسكرية.
7- الصقور الحضريَّة.

وقد تناوَلت المقدِّمة نبذة تعريفية بالصقور، ومدى تأثيرها في الحياة الكونية؛ حيث ظلَّت العلاقة بين الإنسان والصقر، على مدى قرون طويلة، علاقةَ تَعاون وطيد، وإعجاب بلا حدود من جانب الإنسان؛ حيث أشارت الكاتبة إلى استمرار الوَلَع بتربية الصقور ومشاهدتها وتدريبها على الصيد حتى وقتنا الحالي.

بينما تناوَل فصل "التاريخ الطبيعي" نبذة تعريفيَّة بالصقور، وسلالاتها، وأنواعها المُتبقية، ومدى الصفات التي تَتشارَك فيها حياتيًّا، وأهم سِماتها الجسديَّة والتكوينية التي تُميِّزها عن غيرها من الطيور، وهجرتها، كما تناوَل هذا الفصل تكاثُرها، وكيفيَّة تَوالدها.

بينما ألقت الكاتبة في فصل "الصقور الأسطورية" الضوء على الثقافات المختلفة التي عاش فيها الصقر، وارتبَط فيها بمفاهيم وفلسفات مختلِفة، اتَّسمت في بعض الأحيان بالقوة والجُرأة، وفي بعضها الآخر بالوحشية البُدائية، وفي العصور الوسطى بأوروبا ارتبَط بمفهوم النَّبالة، كما أَبرَزت الكاتبة ارتباط الصقور في العصور الحديثة بالمفهوم العسكري؛ حيث مثَّلت الصقور صورة حقيقية للمُحاكاة، خاصَّة في أنظمة الدفاع كالطائرات والصواريخ الموجَّهة على سبيل المثال.

أما فصل "الصقور المدرَّبة"، فتناوَل بشكل خاص ولَعَ الإنسان منذ القديم بتربية الصقور وتدريبها على الصيد والقَنْص، وتمكُّن هذه الرياضة من خَلْب لبِّ الكثير من الملوك والنُّبلاء والفرسان وعامة الناس لأوقات طويلة حتى وقتنا الحاضر، وبشكل مثَّل هوسًا مُحبَّبًا يُبرِز مدى ارتباط الصقر بعالم الإنسان، وقد تناوَلت الكاتبة تاريخ هذه الرياضة، وشواهدها، وأهم الكتابات التي ألِّفت بشأن قواعد تلك اللعبة أو الرياضة.

أما فصل "الصقور المهدَّدة بالانقراض"، فيتناوَل المشكلة التي نبَّه إليها كثير من علماء الحيوان في العصر الحديث، ألا وهو تناقُص أعداد الصقور وسلالاتها بشكل يدعو للقلَق والإحساس بالخطر، حيث أدَّت مطاردة الإنسان لهذا الطائر - بالقتل والمطاردة والصيد والاستغلال - إلى تناقُص أعداده بصورة حيوية، بل وكذلك نجد أن بعض المواد الكيماوية والمُبيدات الحشريَّة التي استُخدِمت في عصور سابقة كمادة "DDT" كان لها دور في انخفاض أعدادها بصورة أوضح في الأراضي الزراعية، وقد تدخَّلت الجمعيات البيئية وجمعيات حماية الصقور لمحاولة إنقاذ الأعداد الباقية من بعض تلك السلالات المهدَّدة بالانقِراض، ومحاولة مساعدتها بصورة حضَريَّة على التكاثُر، ومحاولة إنجاب سلالاتٍ جديدة؛ لتعويض النَّقص الطارئ على أعدادها.

أما الفصل الخامس بالكتاب والذي حمَل عُنوان "الصقور العسكرية"، فيتناوَل ارتباط الصقر بالمفهوم العسكري لكثير من الدول وأنظمة دِفاعها؛ حيث يتبنَّى عالِم الطيور الروسي "ج.ب. ويمنتيف" المَثَل الشرقي القديم الذي يقول: "إن رياضة الصقور هي شقيقة الحرب"، وقد ظهَر هذا المفهوم بشكل واضح قديمًا؛ حيث كانت رياضة الصقور إحدى مكوِّنات تعليم الفارس الأوروبي في القرون الوسطى، وفي الحرب العالمية الثانية استُخدِمت الصقور المدرَّبة لتأدية أدوار حربيَّة حساسة أثناء المعارك بين الجَبَهات المختلفة، ويرى كثير من محبِّي رياضة الصقور أن مراقبة الصقور تُعزِّز خصائص الفرسان، وتُنمِّي المهارات التكتيكية للمعارِك.

أما الفصل السادس والأخير، فقد جاء بعنوان "الصقور الحضريَّة"؛ وتناوَلت الكاتبة خلاله المقابلة بين عالَمي الإنسان والصقر بصورة طريفة؛ حيث تناوَلت بالذِّكر أشهر الصقور التي استوطَنت سطوح أعلى مباني المنشآت السكنية والشركات في الحواضِر الأوروبية، والتي أطلَقت عليها الكاتبة وصْف "صقور ناطِحات السحاب"؛ حيث تبدو هذه الصقور من أعلى تلك الشواهِق بمثابة كائنات مُراقِبة لتطوُّر الحياة البشرية وتجدُّدها، وشاهِد على الحَداثة التي غرِقت فيها أوروبا، أو على حدِّ وصْف الكاتبة: "من أعلى ناطحات السحاب يبدو أن هذا الصقر يشترِك في منظر المدينة كما يبدو على الخريطة".

وقد وضَعت الكاتبة في نهاية كتابها سجلاًّ زمنيًّا مُختصَرًا بالتواريخ لأهم المعلومات التي أوردتها الكاتبة في فصول كتابها حول الصقور وتاريخها الطبيعي والثقافي، ولم تنسَ الكاتبة في خِتام صفحات كتابها توجيه الشكر لكافة الأصدقاء والباحثين والمؤسَّسات والمنظَّمات البيئية الذين ساعدوها في إتمام هذا الكتاب، وساعَدوا في إمدادها بأي معلومات أو صور توضيحية حول حياة الصقور وتاريخها.

التاريخ الطبيعي:
يتمُّ تقسيم الصقور إلى أربع مجموعات فرعية: الصقور صغيرة الحجم، الصقور الضئيلة القاتِلة (Merlins)، ومجموعة (Kestrel)، والصقور كبيرة الحجم التي تنقسِم إلى قِسمين: صقور الشاهين (Peregrines)، وصقور الصحراء.

وتتَّسم كل هذه الأنواع بسرعة الطيران، والعيون السوداء، ومهارة الصيد، وكِبَر حجم الأنثى عن الذَّكر.

ويمكن تقسيم هذه الأنواع حسَب سلالاتها على النحو التالي:
أ- صقور الشاهين: يُعَد صقر الشاهين من أكثر الطيور نَبالة، وعراقة، وفي الجزيرة العربية وإيران يُسمَّى صقر الشاهين (Peregrine)، وتَعني باللغة الفارسية (إمبراطور).

11174963_833719503375319_4015705658108669793_n.jpg?oh=a7650f3db7a320c8d5889069796240f6&oe=55D5A6E2&__gda__=1436273982_ed7ecc8eb074db7f546cdcc4097cddec


وتَميل ألوان صقور الشاهين التي تعيش في مناطق خطوط العَرض الاستوائيَّة الرطْبة إلى اللون الداكن بشكل أكبر بكثير من الصقور التي تعيش في المناطق الشمالية أو الجافة.

وتشمَل أنواع الشاهين الصحراوية طائر الصقر "بارباري" ذا الكتفين العريضين، ولونه كلون الصدأ مع قليل من اللون الأزرق، ويوجد شمال إفريقيا، وفي جبال إيران وأفغانستان نجد صقر الشاهين ذا اللون الأحمر في مؤخِّرة العُنُق.

ب- صقر الصحراء: يُعتبَر صقر الصحراء "جيرفالكون" (GyrFalcon) أكبر الصقور، وهي طيور ضخمة وتكون الأنثى بحجم النَّسر تقريبًا، ولها القدرة على التكيُّف مع ظروف البيئة؛ حيث تعيش في المناطق الجافة والقطبية وشِبه القُطبية، وله ريش سميك وعميق في الصدر ويُغطِّي القدمين تمامًا عند جلوسها، وتَستحِم في مياه الثلوج التي ذابت حديثًا، ويَعتمِد في طعامه على صيد طائر الترجمان والحِدأة والغرنوق والقوارض وعدد من الأسماك والحشرات.

1510653_833726073374662_5302480923321083714_n.jpg?oh=5362742cf26b627d53c5b3b5a27a5c8e&oe=559E4409&__gda__=1440232751_76e6716d3c7cf73082ca3a6a3470d2d2

وتمتاز صقور "الجيرز" بأنها تُقدَّم كهدايا لكِبار الشخصيات، وفي المفاوضات الدبلوماسية؛ فقد أرسَل الملِك "تشارلز الثالث" ملك فرنسا صقورًا نرويجية من نوع "جيرفالكون" إلى "باجازات" كفِدية من المارشال "دي بوسي كولت" و"دي لاتريمول"، وذلك بعد معركة "نيكوبول" في عام 1396.

أما النوع الآخر من الصقر الصحراوي، فهو صقر "Sakr"، ويُسمَّى أيضًا "فالكوشيرج - Falco cherrug"، وهو الطائر المحبَّب لهواة الصقور العرب.



جـ- صقر لانر: يسمَّى "فالكوبياميكس" (Falco biarmicus)، يَكثُر في المناطق الجافة في إفريقيا وجنوب أوروبا، وهو ذو لون أزرق ضارِب إلى الرمادي، واللون الوردي المُشابِه للسلمون.

د- صقر ألتي فالكوالتيكس: هو طائر أسود مُشابِه لصقر "جري"، ويأتي من المنطقة الروسيَّة المعروفة باسم "تورول" في منغوليا.

هـ- صقر فالكوججر (Falco Jugger): صقر ذو ريش ناعِم بني وأصفر اللون، وهو يتغذَّى على السحالي وعلى الطيور والثدييات الصغيرة.

و- الصقر الأسود إف سبنجر (F.Subniger)، والصقر الرمادي إف هيبوليوكس (F.hypoleucos): نوعان من الصقور الكبيرة التي لا تُنسَب لصقور الشاهين أو صقور الصحراء، وتوجد في أستراليا.

تُعَدُّ حاسة البصر عند الصقور شديدة الحِدة والدِّقة؛ فالصقور تستطيع بنظرها الخارق رؤية ما بين (70-80) حَدَثًا في الثانية، بينما المخ البشري لا يستطيع أن يرى أكثر من 20 حَدَثًا في الثانية الواحدة، وعندما تُثبِّت الصقور نظَرها على هدفٍ ما، فإنها تحرِّك رأسها إلى أعلى وأسفل عدة مرات؛ حيث ترسُم صورة مثلَّثة ومجسَّمة للهدف، ويَرجع ذلك لضخامة حجم عيون الصقور، ولكون الشبكية عديمة الأوعية لمنْع أي ظلال أو بعثرة أضواء.

وتستطيع الصقور رؤية الأشياء بشكل أوضح من الإنسان، بل وتستطيع أيضًا رؤية الأشياء بشكل مختلف، فمن المعتقَد أنها ترى الضوء الاستقطابي وهو المهم للمِلاحة في السماء الملبَّدة، وكذلك تستطيع رؤية الألوان فوق البنفسجية.

ومِنقار الصقر قوي للغاية، ويوجد انبِعاج داخلي في الفَكِّ السفلي يتلاءم مع البروز الحاد للفك العُلوي؛ لتمزيق فقارات الضحيّة والقضاء عليها، وتتميَّز السلالات القاتِلة للطيور بأن لديها ساقان قَصيرتان؛ لكي تتحمَّل تأثير الاصطدام بالفريسة وهي مُسرِعة، وأجنحتها كبيرة للغاية ممتدَّة تتَّسِم عند الانقضاض بأنها طويلة ومدبَّبة ومحدَّبة إلى أسفل؛ لسرعة الانزلاق وخِفَّة الطائر، وتَصِل سرعة الصقر عند الانقضاض إلى أكثر من ضعفَي 80 ميلاً في الساعة.



أما جهازها الهضمي، فيختلف عن بقية الطيور بأنه قصير للغاية؛ لكونها تقتصِر فقط في غذائها على امتصاص اللحوم وهضْمها، ولفْظ المواد الصُّلبة والزوائد في صورة حزمة أو كرة من الفضلات، والصقور لا تشرب كثيرًا؛ لأنها تَمتصُّ معظم الرطوبة التي في جسم الفريسة وتقتصِر عليها.

وتستطيع الصقور أن تُفرِز حامض البوليك 3000 مرة أكثر مما هو مركَّز في مستويات الدم لديها، وهي نِسبة كافية لإحداث حفرة في الصُّلب!

أما في موسم التكاثر، فتتولَّى الصقور تربية صِغارها إلى أن يَنبُت ريشها، ويستطيعَ الصقر الصغير الطيران واصطياد الفرائس الصغيرة بمفرده، ونجد أن الصقور ليست جيدة في بناء أعشاشها، حيث تستخدِم أعشاش تنتمي لمجموعة سابِقة من طيور النسر أو الغراب، وفي بعض الأحيان يكون العُش عبارة عن نتوءات صخرية في فتحات الصخور أو عند شواطئ الأنهار.

الصقور الأسطورية:
ارتبَطت معظم الخرافات الخاصَّة بالصقور بفِكرة أنها أكثر نُبلاً من بقية الطيور، ونجد ذلك في قَصص الحيوان القديمة التي كانت تتداوَل في الأدب الشعبي مِثل قصة "توماس بلج- Thomas Blage" بعُنوان "الصقر والديك الرومي"، وكذلك في القول المأثور الشائع "أطعم الغراب ما تشاء؛ ولكنه لن يتحوَّل أبدًا إلى صقر".

وهناك أسطورة قديمة في كاليفورنيا لشعب "تشوماش- Chumash"، مَفادُها أن الحيوانات كانت قبل أن يَرِث الإنسان العالم تعيش في تجمُّعات، يقودها نَسر ذهبي، هو رئيس جميع الحيوانات، والصقر "تويش" هو ابن أخيه.

أما في قبائل جنوب شرق أمريكا، فكان المحاربون والصيَّادون القدامى يستخدمون أجزاء الصقور كطواطم وحليات معلَّقة؛ رغبة في استعادة حِدة نظر الصقر وقُدرته على الصيد والانقِضاض، كما استُخدِم منقار الصقر في السِّهام المُغطَّاة بريش الصقر في العصر البرونزي في أوروبا؛ من أجل إعطاء السهم قدرة على السرعة والدِّقة في التصويب مِثل التي يمتلِكها الصقر.

ونجد أن الصقر استُخدِم كشعار وطوطم لأكثر من 24 قبيلة بآسيا الوسطى؛ حيث كان صقر "التاي" شعار منزل القائد "أتيلا"، والذي رسَمه على دِرعه.

أما في مصر القديمة، فنجد أن المصريين القدماء استخدَموا الصقر كأحد الأشكال المميزة للمعبود "حورس" مُمثِّل الملَكيَّة في الحضارة المصرية القديمة، وأحد معبودات مدينة "هليوبوليس"، والذي كان يُعبَد منذ العصور المبكِّرة في مدن مصرية عدة، ومن أشهرها مدينة "نخن"، والتي أطلِق عليها باليونانية "هيراكونبوليس" أو "مدينة الصقر"، ومن أشهر تلك التماثيل الممثَّلة بهيئة الصقر حورس تمثال مجموعة "توت عنخ آمون" الذهبي، كما كان يتمُّ تحنيط الصقور وتُقدَّم كقرابين للآلهة، ونجد أن معبد "نختنبو الثاني" بسقارة المخصَّص لإيزيس أم حورس كان يحتوي على أكثر من 10000 صقر محنَّط داخل برطمانات تَفصِلها طبقات من الرمال.

أما حديثًا، فقد استُخدِم الصقر كرمز أو شعار لكثير من الفِرق الرياضية والشركات وعدد من البضائع والمنتَجات الشهيرة، ولعلَّ من أشهر تلك الفِرَق فريق صقور أطلانطا لكرة القدم، أما الشركات، فنجد شركات "فالكون" التي تقوم ببيع العديد من البضائع.

11203163_833742446706358_2510928391125582052_n.jpg?oh=dcb36e7bf823de22b4ca6f0cd2a05e8c&oe=5598A519&__gda__=1436026821_dd3fb678c38298df62bf7d2ccd55c5bc


الصقور المدربة:
ظهرت هذه الرياضة في وسط آسيا منذ آلاف السنين، وانتقَلت منها إلى الشرق، ووصلت إلى اليابان والصين في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي العصور الوسطى استولَت هذه الرياضة على لبِّ الأفراد في أوروبا، وصارت بمثابة الهَوس، وتعرِّف القواميس والمعاجم رياضةَ الصقور بأنها استخدام الصقور المدرَّبة من أجل الصيد، ونجد أن الفُرس برعوا في تدريب الصقور لاصطياد البط البري، بل وتدريبها لاصطياد الفرائس الكُبرى من نوعية النسور والغِزلان



وكان "لويس الثالث عشر" يقوم باصطياد العصافير باستخدام صقور مدرَّبة في حدائق "اللوفر".

أما في الخليج العربي، فنجد الولَع بتربية الصقور كأحد المظاهر القَبَليَّة التي ما زال يحافظ عليها الأحفاد حتى يومنا هذا، أما في زيمبابوي، فنجد أن الطلاب في كلية الصقور كانوا يدرِّبون الصقور كجزء من مقرَّرهم الدراسي.

وقد أصبحت معارِض تدريب الصقور منتشِرة للغاية في أوروبا وخاصةً في بريطانيا.

وقديمًا يذكُر "كورتيز" أن حضارة "مونتيزوما" كان لديها مجموعة كبيرة من الطيور في بلاط "إيزتك" كانت تستخدَم في تدريب الصقور، ويذكُر المؤرخون العرب أن أول مَن بدأ بتدريب الصقور على الصيد كان "الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة" قبل الإسلام.

ونجد أن هذه الرياضة شاعت بين الأرستقراطيين على وجه خاص، يقول بلين: "حتى بين الأفراد المثقفين، فإن استخدام وامتلاك الصقور النبيلة كان مُقتصرًا فقط على الطبقة الأرستقراطية كحق ومَيزة حصرية".

وكان لمدرِّب الصقور ثلاث مهام: تدريب الصقر، وتهذيب الطريقة التي تستخدِمها الصقور في مطارَدة الفريسة، وتدريبها على العودة في حالة عدم نجاح المهمَّة.

ويصَف "جيم ويفر" مهنة تدريب الصقور بقوله: "أن تُعطي للصقر فرصة لكي يُظهِر قدُراته الطبيعية إلى أقصى مدى".

أما معدات الصيد وأدواتها، فنجد من أهمها: القنبرة الجلدية النحيفة التي توضَع فوق رأس الصقر لحجْب كافة الأضواء وعدم تشتيت الصقر، وتأتي بتصاميم مختلفة، فهناك قنبرات جلد الماعز الهندية، والقنبرات العربية الناعمة، والقنبرات الهولندية الثقيلة، مع الصفائح الجانبية الملونة والصوف وحلية الريش.

كما يرتدي مدرِّب الصيد قفَّازًا جلديًّا في يده اليسرى؛ لكي يقف عليه الصقر، وأحيانًا يحمل مدرِّبو الصقور العربُ صقورَهم على منسوجة أو كفِّ الكُم.

11159502_833781640035772_8570083158549223833_n.jpg?oh=16c35c83fa467cd6bf7867a7f7725d38&oe=55D91F3A

11161366_833791506701452_3489733861729766847_n.jpg?oh=b9eec7caf2084256875610cc8ceba995&oe=55CDB5C7


ويسمَّى رِباط الرجل المسحوب والذي بواسطته يُمسِك الصائدون بالصقور: "سبق"، وهو مصنوع من ضفيرة حرير أو خيط، وأحيانًا يكون من الجلد الناعم، وفي بعض الأحيان تُربَط في أرجل الصقر أجراس فِضية أو نُحاسية؛ لتحديد موضِعه عند الخروج للصيد.

أما عن كيفية تدريب الشخص الصقرَ، فيرى مدرِّبو الصقور أن أفضل طريقة لتربية الصقور يكون من خلال معدتها، وذلك من خلال الاهتمام المستمِر من صياد الصقور بمعدة الطيور، من خلال إشراك صيَّاد الصقور بالغذاء، وتدريبه على التِقاط الطعام من يد المدرِّب حتى يألَف هذا، ومع مرور الوقت تَزيد المسافة التي يقفِزها الصقر من أجل الحصول على الطعام من قبضة المدرِّب، إلى أن يأتي الوقت الذي يطير فيه بسرعة إلى المدرِّب بعد مطاردة الفريسة والظَّفَر بها.

الصقور المهددة بالانقراض:
نجد أن صقور الشاهين صارت معرَّضة بشدة للانقِراض في السنوات الأخيرة، ونجد أن الصقور الضخمة تعرَّضت لأزمة حقيقية في الخمسينيات والستينيات؛ حيث دأَب المزارعون في أمريكا الشمالية على مطاردتها بالقتل والقنْص؛ وذلك لاعتقادهم أنها مصدر أساسي لتدمير زراعتهم وصيد طيورهم الداجنة، ونتيجة لذلك انخفضت أعدادها في أمريكا وأوروبا، فعلى سبيل المثال أقسَم المزارعون في أحد مزارع أسكتلندا أن يقتُلوا كل صقر مفترِس، وفي القرن التاسع عشر أصبحت مهنة قتْل الصقور مهنة معترَفًا بها في بريطانيا.

وأسهَمت المبيدات الحشريَّة في انقِراض أعداد كبيرة من صقر الشاهين الأمريكي كبير الحجم رمادي اللون؛ حيث وجِد أن تلك المبيدات والمواد الكيماوية تتناوَلها الصقور مع غذائها وتتركَّز حتى في بيض أجنَّتها، فقد وجد الباحثون أن بيض الصقور الأسكتلندية يحتوي على أربعة أنواع من المبيدات الحشرية شاملة مواد DDE-DDT المُميتة.

وقد كتب "تشراشال كارلسون" عام 1962كتابًا عن استخدام المبيدات الحشرية وتأثيرها على الطيور والبيئة، سماه: "الربيع الصامت"، أوضَح فيه المكوِّنات القاتلة لتلك المبيدات الحشرية وتأثيراتها المدمِّرة على حياة الإنسان والطيور.

وتوصَّل العالِم "راتكليف" لحَلِّ اللغز وراء أكل الصقور لبيضها؛ إذ لاحَظَ أن سُمك قشرة البيض كان قليلاً بنسبة 20% عن سُمك قشرة البيض في الظروف العادية، وذلك من تأثير تلك المبيدات القاتِلة؛ مما كان يعرِّض البيض الأقل سماكة للكسر عند فترة الرُّقاد عليها، وهلاك أجيال عديدة من أجنَّة الصقور.

وتم اتِّخاذ بعض الإجراءات البيئية من جانب مؤسَّسات البيئة وجمعيات حماية الصقور؛ للحد من هذا النَّقص المُتزايد في أعداد صقور الشاهين، وتَبنَّت الدولة عدة إجراءات وقوانين لحماية تلك الطيور، حيث تم فرْض حظْر طوعي على بعض أنواع المبيدات الحشرية القاتِلة، وذلك في بريطانيا، بل وتم في أمريكا من جانب بعض المؤسَّسات البحثية تجارِب لتفريخ بيض الصقور صناعيًّا، ومحاولة الحفاظ عليها حتى خروج الأجنَّة للحياة.


11206003_833791906701412_2159196149454931032_n.jpg?oh=1637ab1916bb4aa72b58ba6be6f170f8&oe=55A0052C


وأنشِئ في الولايات المتحدة مِرفَق تربية الصقور، والذي أشرَف عليه "توم كايد" مدير مختبر "كورنيل" لعلوم الطيور، والتي كانت تُربَّى فيها أعداد كبيرة من الصقور تصِل إلى 40 زوجًا من الصقور الكبيرة، والتي يتم مراقبتها ودراسة عاداتها بحثيًّا، ومحاولة تدريبها والحِفاظ على ضِعافها حتى تعود للحياة البرية بسرعة.

الصقور العسكرية:
نجد أن الصقر ارتبَط منذ القِدم بمفهوم عسكري وطيد الصِّلة، واتَّخذه المحاربون القدامى رمزًا لهم؛ حيث كان يُعتقَد أنهم يتحوَّلون بعد الموت في القتال إلى صقور، ودرَّبت الجيوش القديمة الصقور على نقْل الرسائل العسكرية، ومطاردة الحمام الزاجل المستخدَم في المراسَلة للظَّفَر بما تحمِله من رسائل للعدو، ونجد أنه عام 1870 تمَّ استخدام الصقور الألمانية المدرَّبة لتقطَع الطريق على البريد الفرنسي المرسَل بالحمام في حصار باريس، وتضمَّنتْ كتب الدليل السومرية في القرن السادس عشر فصلاً عن رياضة الصقور، وفي القرن السابع عشر الميلادي قام الملَكيون الإنجليز بمحاربة قوات البرلمانيين بمدافع سُمِّيت بمدافع فالكون (الصقر) زِنة 2 رطل، كما أطلَق الأمريكيون في القرن العشرين على الصاروخ الموجَّه جو-جو القادر على حمْل رؤوس نووية، اسم "فالكون AIN-26".


ونجد أن فِكر الدفاع الجوي تأثَّر بسِمات عدد من الطيور الجارحة التي تتميَّز بسرعة الانقضاض، والتي جاء على رأسها الصقر، بل أصبح عِلم دراسة الطيور فرعًا من العلوم العسكرية الجوية، بل إن مسألة الحدود في السياسة الخارجية الأمريكية قورِنت بقدرة الصقور على امتلاك مساحات في الجو خاصة بها بصورة مثيرة للإعجاب، فنقرأ في مجلة ضباط الجو المواطنين: "حيثما تطير الصقور، تُصبح تلك المنطقة منطقتهم"، ونقرأ أيضًا: "في مملكة الطيور تؤخذ مسألة الحدود بجدية بالِغة، إنها مسألة حياة أو موت".


11188494_833792330034703_7812462002246979822_n.jpg?oh=7892e91105727ea6c70ad0f3b76a7482&oe=55DC04E2


ومن أعجب ما تمَّ ذِكره من طُرُق تطوير الصقور عسكريًّا أن الجيش الأمريكي طوَّر طريقة بعد الحرب العالمية الثانية لتعليم الصقور كيف تُميِّز بين الحَمام التابع له وحمام العدو الزاجل!

وقد استغِلَّت الصقور من جانب العلماء العسكريين ورواد المخابرات الحربية كأبراج مراقَبة حية من الجو؛ لرصْد التحركات المباغِتة من القوات المُعادية، وأيضًا لمراقبة الحياة البرية لكثير من الكائنات والطيور الأخرى، حيث كانت تعلِّق على ظهورها عددًا من الأجهزة اللاسلكية والأقمار الصناعية لرصد المعلومات وتحليلها من قِبَل الباحثين.

خاتمة:
كتب "روجر تلاي" عام 1948 يقول:
"لقد ظهر الإنسان من ظلال الماضي حاملاً صقرًا على مِعصَمه، وكانت عيون الصقر البُنية الخالية من العاطفة شاهدًا على صراع الإنسان من أجل الحضارة، الذي خاضه الإنسان، وتحوَّل من العيش في الخيام في سهول آسيا منذ آلاف السنين إلى قاعات الرخام لملوك أوروبا في القرن السابع عشر".

وترى الكاتبة في كتابها أن عالَم الصقور في بعض مراحل حياته يتقابَل مع عالَم الإنسان الموازي له، بل ويتداخل معه في كثير من الأحيان، "فكلٌّ من الإنسان والصقر يمتلِكان بشراسة القدرة على جعل الحَدَاثة امتدادًا من الماضي"؛ فالصقور شاهدة على تحوُّلات التاريخ وامتداده عبر قرون مختلفة، فالصقر هو صقر أينما وجِد أو عاش، أو كما تصِف الكاتبة هذا المفهوم في خاتمة كتابها فتقول: "تقوم الحضارات وتنهار، وتتغيَّر خطوط الموضة، ولكن يبقى الريش الذي يكسو الصقر كما هو، فالصقور في الماضي والحاضر والمستقبل سوف تظَلُّ كما هي محتفِظة بشكلها ومظهَرها، إن هذا النوع من الخلود هو ما يَمنح الحيوانَ مَيزة خاصة في إشارته إلى التاريخ".


----------------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الصقر


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:20 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59