#1  
قديم 09-14-2016, 07:41 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة فقاعة الإلحاد


فقاعة الإلحاد*
ــــــ

12 / 12 / 1437 هـ
14 / 9 / 2016 م
ــــــــــ

الإلحاد f1f62310b2e99cd5b5983afb96e33a0e-796x427.jpg





يعود الإلحاد مجددا ليكون ظاهرة فكرية حاضرة في ظل ظروف عصيبة تمرُّ بها المنطقة وتعصف بوجودها وهويتها ومقدراتها. وفي حين تسعى الأمة للوقوف على أقدامها في مواجهة حالة الاستلاب والغيبوبة الحضارية يأتي خطاب التشكيك في الثوابت والمقدسات ليقف في طريق اليقظة والنهضة، وليصرف الجهود عن التقدم والبناء إلى التضعضع والجدل! لقد بات موضوع "الإلحاد" مشكلة فكرية يدور حولها سجال إعلامي ونقاش فلسفي وصراع أيديولوجي؛ خاصة وأن وسائل إعلام مختلفة ومراكز أبحاث متعددة تتحدث عن ارتفاع نسبة زيادة هذه الظاهرة في العالم الإسلامي والمنطقة العربية -خصوصا.

ظاهرة في الخفاء:
----------

تهتم بعض الدراسات ومراكز الأبحاث برصد ومتابعة ظاهرة الإلحاد وفق رؤية إحصائية تهتم بالمعطى المادي لهذه الظاهرة. ولغة الأرقام رغم كونها لغة موضوعية في البحث العلمي خاصة في الجوانب الرياضية والهندسية والفيزيائية إلا أنها في العلوم الأخرى تظل مؤشرا ضمن مجموعة أخرى من المؤشرات والدلائل التي ينبغي تتبعها في فهم الظاهرة الاجتماعية والإنسانية.

وكمثال على ذلك سبق لقسم المتابعة الإعلامية لـ"بي بي سي" أن أجرى بحثاً على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي عن كلمة "ملحد" باللغة العربية والإنجليزية، وتبين أن مئات من صفحات فيسبوك وحسابات تويتر التابعة لـ "ملحدين" من العالم العربي جذبت آلاف المتابعين لها. ويحتوى فيسبوك على العديد من الصفحات التي تدعو الملحدين العرب إلى الانضمام إليها. وعلى تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف، فمثلا يتجاوز عدد متابعي حساب "أراب أثيست" الثمانية آلاف متابع، وتضم صفحة "الملحدين التونسيين" أكثر من 10 آلاف متابع، وتضم صفحة "الملحدين السودانيين" أكثر من 3000 متابع، وكذلك تضم "شبكة الملحدين السوريين" أكثر من 4000 متابع[1]. يدخل موقع "الحوار المتمدن" 70 ألف زائر يومياً، ويبلغ عدد كُتَّاب المقالات فيه 18 ألف كاتب، ويدخل موقع "إلحاد" 10 آلاف زائر يوميا، ويضم 14 ألف عضو، و"شبكة اللادينيين العرب" يدخلها 4 آلاف زائر يوميا، وتضم 7000 عضو. وعلى ( اليوتيوب) هناك عدة قنوات بعضها تجاوز حاجز المليون مشاهدة! بالإضافة إلى مئات الحسابات التي تضم عضوية قليلة بالمئات أو بالعشرات.[2]
فهذه الأرقام لا تعبر بالضرورة عن أعداد الملحدين، كونها لا تستند على معطى واضح ومقياس معياري لاعتبار أن متابع حساب ما أو صفحة ما ملحدا لمجرد المتابعة!!

كما أن الحديث عن أن "850" موقعا إلحاديا طالها الإغلاق في 16 شهرا بالمملكة العربية السعودية[3]، لا يعكس حجم الظاهرة في واقع الأمر، وإن أعطى مؤشرا من المؤشرات. لذلك فإن بعض المراكز البحثية تتجه لاعتبار هذه الأرقام مؤشرات.
فقد أجرى –كمثال- "معهد غالوب الدولي" استطلاعا عام 2012م، في 57 بلدا، شمل آراء 50 ألفا من المستوجبين، وصدر تحت عنوان: "مؤشر عام حول الدين والإلحاد". وإجمالا، يعتقد 59% من المستجوبين عبر العالم أنهم دينيين مقابل 23% يرون أنفسهم غير دينيين و13% يؤكدون أنهم ملحدون. وتختلف النسب العامة من بلد لبلد آخر. وقد حصلت المملكة العربية السعودية على نسبة 6%، لتكون بذلك أول بلد في العالم الإسلامي يتجاوز فيها الإلحاد حاجز الخمسة في المائة، مقابل 75% من المتدينين و19% من السعوديين يرون أنفسهم غير متدينين!

هذا التضارب في الأرقام تتنازعه جهات رسمية دينية أو ثقافية، وجهات مدنية وحقوقية، ومراكز أبحاث واستطلاعات رأي، ووسائل إعلام وغيرها. ففي مصر ووفقا لتصريحات لدار الإفتاء المصرية -في يناير 2014م- فإن هناك نحو 866 ملحدا في مصر، في حين قدر آخرون عددهم بالآلاف.[4]
ونظرا لحساسية التصريح بالإلحاد في المجتمعات الإسلامية المحافظة والمتدينة -غالبا- فإن البعض يشكك في الأرقام المطروحة، ومن ثمَّ في حجم الظاهرة وانتشارها. كما أن الشخصيات الوهمية التي تقف وراء صفحات الفيسبوك والتويتر وقنوات اليوتيوب والمدونات الداعية للإلحاد معظمها غير معلومة الهوية، وإن كانت هي الوسائل الإعلامية الأكثر تداولا بين الملحدين العرب.

لذا فإن من الصعوبة بمكان دراسة حجم ظاهرة الإلحاد، خاصة وأن الاعتراف بالإلحاد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يمثل انتهاكا للهوية والدين، ويوجب العقوبة الرادعة. غير أن مظاهر الإلحاد تظل ملموسة في الأفكار والآراء المبثوثة في المؤلفات أو المقالات أو الكتابات الأدبية أو عبر القنوات والإذاعات؛ وتؤتي ثمارها وآثارها على مستوى الفكر والأخلاق والسلوك والحياة العامة. وهذا مما لا يمكن إنكاره بالطبع.

ردة فعل متطرفة:
----------

ظهر الإلحاد في الغرب كردة فعل طبيعية إزاء ما آلت إليه أوضاع الكنيسة المسيحية في أوروبا -زمن العصور الوسطى- من انحراف وانحطاط؛ إلى الحدِّ الذي أصبح معه إصلاحها غير ممكن. وهذا بدوره انعكس على صورة الدين لدى الناس، خصوصا مع كثرة الانحراف الذي وقع عليه، حتى باتت نصوص الدين طلاسم غيبية لا يمكن للفرد أن يفهمها أو يتأمل فيها، وباتت عقائد الدين قصصا خرافية لا توافق عقلا ولا منطقا ولا حسا، وباتت طقوس الدين أعمالا جوفاء يمارسها البلداء والبلهاء، وباتت تكاليف الدين أغلالا وآصارا على الفقراء والضعفاء تنهك أجسادهم وتأكل ثمار جهودهم لتطعمها للأغنياء وأصحاب السلطة، وبات رجال الكنيسة "رجال دين" يحاربون العقل والمعرفة والفكر، ويتهمون رجالاتها بالزندقة، ولا يقبلون برهانا ولا دليلا! وبات الإبداع والابتكار في نظر الكنيسة محرما! وبات النقد والسعي في الإصلاح والتصحيح ردة وكفرا! وأصبح القتل أسهل عقوبة تبذل للمخالف..!
لم تعد الكنيسة دارا للمتنسكين، وملاذا للتائبين، وملجأ للخائفين، ودرعا للمظلومين، ومدرسة للمتعلمين، وغوثا للمحتاجين؛ بل عاش رجالها في فساد أخلاقي ومالي، وبذخ من العيش، متحالفين مع ذوي النفوذ الظلمة الفاسدين في مقابل مجتمع محطم روحيا وماديا، تغتاله يد الملوك والنبلاء والإقطاعيين، ويتصارع بوحشية دموية لإشباع نزوات ذوي السلطة والثروة ورجال الدين.

ومع انفصام حركة العلم والمعرفة عن الدين، ودخولهما في صراع مباشر، نحى مفكروا أوروبا وعلماؤها إلى وضع النظريات البديلة لفلسفة الوجود والحياة والتاريخ والاجتماع. فظهرت الداروينية والشيوعية المادية، والعلمانيةُ السياسية، والوجودية الرافضة للأخلاق، والوضعية المنحازة للعلم التجريبي، والطبيعية المنكرة لما خلف عالم المادة. وجميعها فلسفات ونظريات تقاطعت وتداخلت وقدمت رؤى تصورية مغايرة للعقائد الدينية، وأفكار جديدة، وتفسيرات مختلفة للمعهود، وقيما حديثة تقوم على معايير وضعية.
لقد كان منشأ الإلحادِ متزامنا مع ثورة الشعوبُ الأوربيّةُ على استبداد الحكام وطغيان الكنيسة؛ وتبنّى تأسيسه كبارُ الفلاسفةِ والعلماء، أمثال: نيتشة، وفولتيير، وكارل ماركس، وإنجلز، وراسل، وكونت، وغيرهم من علماء التاريخ والاجتماع والطبيعة والقانون.
وكان من آثار هذه الحركة الانفعالية شقان: إيجابي وسلبي.

أما الإيجابي فتمثل في الخروج من الدين المسيحي المـُحرَّف وما آل إليه وضع التدين الذي سوَّقه رجال الدين؛ فغلبت الخرافة ومصادمة حقائق الوجود والمادة والحس والعقل، وسادت حالة الغلو والتنطع المفضية إلى تقديس البشر وادعاء عصمتهم إلى حد اتصافهم بصفات الرب، وسحبهم لخصائصه على أشخاصهم، ونطقهم باسمه ونيابة عنه، وتصرفهم في ملكوته ومصائر الخلق!

هذا الخروج قاد العلماء والمفكرين الأوروبيين –فيما قادهم إليه- لاستعادتهم للوعي الإنساني، وسعيهم للاسترشاد بعقولهم التي أسعفتهم –بدون شك- في الشق المادي والبشري والدنيوي، حيث أخذوا بمناهج البحث الرياضية والطبيعية والتاريخية والاجتماعية لتوصلهم في كثير من قضايا الوجود لمعارف صحيحة ومعلومات دقيقة وقوانين سليمة. فكان من آثار ذلك النهضة الأوروبية التي شهدت كافة العلوم الطبيعية والصناعية، وانتهت بعلوم التقنية التي لا تزال فاعلة في العالم المعاصر بشكل يبهر العقول.
وهذا لم يكن ليتم لولا عودة علماء ومفكري أوروبا للميراث الذي توفر لديهم من الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات السابقة؛ حيث مثلت قاعدة للانطلاق والبناء عليها، وإن لم تتم الإشارة لدى كثيرين منهم إلى ذلك، لحساسية علاقة المجتمع الأوروبي المسيحي بالإسلام تاريخيا.

ولم يكن –حقيقة- ليقوم لأوروبا نهضة عمرانية أو تقدم علمي في ذات الظروف التي عاشتها في العصور الوسطى –من استبداد الملوك وطغيان رجال الدين. ومن هنا جاء الربط المنطقي بين (الدين) و(العلم) كضدين لا يلتقيان في الوعي الغربي! و(الدين) في التجربة الأوروبية لم يكن غير (النصرانية)، غير أن عقلية التعميم غلبت على وعي علمائهم ومفكريهم، فأصبح (الدين) كُلَّ دينٍ، أيا كان، ودون أي اعتبار للفوارق.
والصحيح أن (الدين) السماوي الذي لم يبلغه تحريف مادي أو معنوي، عندما يمتثله حملته بصدق واعتدال ليقدموا من أنفسهم قدوة في الحكمة والعدل والرحمة والإحسان، بعيد كل البعد عن (الدين) السماوي المحرف أو الوضعي، الذي يمثل عبئا على الإنسان ومشكلة في الحياة وسدا إزاء المستقبل. لذا لما كانت الصوفية الخرافية، بطقوسها القبورية، وعقائدها الجبرية، وسلبيتها في الحياة، هي المهيمنة على المجتمع الإسلامي وجد الإلحاد الشيوعي والعلمانية السياسية طريقهما إلى بلاد المسلمين. والشيء ذاته في المجتمعات الوثنية ذات العقائد الخرافية.

أما الشق السلبي فهو أكبر من أن يحصر، ذلك أنه يشمل الجانب غير المرئي في الإنسان والمجتمع البشري. فلم ينشأ عن الإلحاد مجتمع وردي ولا دول وردية، بل عاشت أوروبا فترة صراعات مريرة سياسية واجتماعية عقب خروجها من العصور الوسطى واقتحامها ما يوصف بـ"عصر التنوير" في القرن الثامن عشر ميلادي.

إن الإلحاد فقاعة لا يمكنها البقاء؛ فهو مصادم للفطرة، مناقض للعقل والعلم، مخالف لجميع الشرائع السماوية. فالإلحاد موقف سلبي لا واعي، ينتفض على باطل لكنه لا يؤسس لحق، ومصادر الحق عنده متضاربة عاجزة أن تفي بسد احتياجاته المعرفية والقيمية والروحية والأخلاقية.
وسيبقى إقناع الملحدين بعدم تصادم الدين الإسلامي مع مناهج العلم والمعرفة الصحيحة، ومع نتائج العلم والبحث العلمي، ومع الإبداع والابتكار، بل قيامه هو عليها وثناءه لها وتوجيهه أتباعه إليها، أمرا سهلا، متى ما عرفوا حقيقة الإسلام الصافي النقي البعيد عن محدثات بني البشر الجاهلية. والحديث معهم حول واقعية الإسلام، وعقلانية الإسلام، ومنطقية الإسلام، وإنسانية الإسلام، وعدالة الإسلام، بهذه الشمولية، ودعوته المطلقة للعلم والمعرفة، والفكر والتفكر، والبحث والاستكشاف، والجدل والحوار، دون رفع أي شخص عن بشريته إلا في حالة النبوة –واستثناء في شق الإبلاغ عن الله، كفيل –إن ملكوا الحياد الموضوعي- أن يؤيد ثورتهم العلمية والمعرفية في حدود عالم الشهادة، ومناهضتهم للدين المحرف في حدود عالم الإيمان.
------------------------------------
[1] الإلحاد في العالم العربي: لماذا تخلى البعض عن الدين؟ أحمد نور- قسم المتابعة الإعلامية، موقع بي بي سي، في 31/8/2015م.
[2] الإلحاد.. من يقف وراءه وكيف يروج له؟ حامد العطار، موقع إسلام أونلاين، في 17/1/2016م.
[3] تصريح الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ لصحيفة عكاظ، في 19/8/2014م.
[4] بي بي سي، في 31/8/2014م.



ـــــــــــــــــــــــــ
*{مركز التأصيل للدراسات والبحوث}
ــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الإلحاد, فقاعة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع فقاعة الإلحاد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإلحاد الناعم أخطر من الإلحاد الخشن عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 1 11-14-2014 08:16 AM
ارتفاع أسعار العقارات في دبي يثير مخاوف من فقاعة جديدة عبدالناصر محمود أخبار اقتصادية 0 10-03-2013 09:11 AM
بالفيديو.. انفجار فقاعة صابون ببطء 18000 جزء من الثانية Eng.Jordan أخبار منوعة 0 04-16-2013 09:30 AM
تفاصيل توقع فقاعة سندات في الولايات المتحدة Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 04-16-2013 09:27 AM
هل فيسبوك وتويتر مجرد فقاعة؟! Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-07-2012 10:22 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:08 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59