#8  
قديم 01-30-2012, 12:40 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

و السر في هذه المرونة هنا ، و التشدد في المواقف السابقة:أن المواقف الأولى تتعلق بالتنازل عن العقيدة و المبدأ ، فلم يقبل فيها أي مساومة أو تساهل ، و لم يتنازل قيد أنملة عن دعوته .. أما المواقف الأخيرة فتتعلق بأمور جزئية ، و بسياسات وقتية ، أو بمظاهر شكلية ، فوقف فيها موقف المتساهل[1]..

هكذا يتجلى الهدي النبوي في ضرورة التمسك بالثوابت الإيمانية العقدية ، وضرورة التجديد والاجتهاد في طرائق السياسة وخطط الإصلاح .
ثانيًا: يتمثل الحفاظ على الثابت في رفضه r كل دروب الابتداع فيما يتعلق بالعبادات، والمناسك، و صور التقرب إلى الله تعالى، لأن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف ، فلا يُعبد الله إلا بما شرعه و أذن به، لا بما تستحسنه العقول، وتستسيغه الأهواء ، فهذا هو باب الغلو وأصل التحريف و التزييف في الدين .. و لا غرو أن أغلق الرسول r هذا الباب بإحكام و إصرار بمثل قوله :
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد "[2].
"... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "[3].
و تتمثل المرونة في تشجيع الابتكار والاختراع في أمور الدنيا – المعينة على الدين – مثل أدوات الحرب التي تدخل في قوله تعالى:
]وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ [الأنفال : 60 ] و مثل سائر الصناعات الحربية و المدنية المختلفة ؛ التي تشير إليها الآية الكريمة : ‏]‏ وَأَنزَلْنَاالْحَدِيدَفِيهِ بَأْسٌشَدِيدٌوَمَنَافِعُلِلنَّاسِ َ [ [الحديد: 25] . و لهذا رأيناه r يحفر الخندق حول المدينة في معركة الأحزاب، ويستخدم المنجنيق في معركة الطائف، و يحث على الإنتاج الحربي حتى يجعل صانع السهم كالمجاهد الرامي في استحقاق المثوبة عند الله ، و يحذر الأمة أن تكتفي بالزرع وتتبع أذناب البقر[4]. .
ولعل حديث النبي r الذي يقول فيه :
".. أنتم أعلم بأمر دنياكم "[5].
يفتح الباب في هذا المجال ، للاجتهاد والتجديد .
وبهذا تتجلى صفة المرونة في التشريع والمشرع، كمظهر من مظاهر الرحمة في التشريع.
المبحث الثاني
الوسطية والاعتدال
المطلب الأول: شهادة علماء الغرب:
يقول "ول ديورانت"- عن النبيr :
"أوجد بين المسلمين.. درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم"[6].
وهذه الخاصية تعني أن محمداً r في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفا وسطًا لا إفراط فيه ولا تفريط .
" وهذا الاعتدال بدوره يمهد السبيل نحو تقدم الأفراد والمجتمع"[7] على حد قول ماري أوليفر .
فالاعتدال والتوسط في كل شيء – كما يقول "علي يول" – " هما الفكرة الأساسية للإسلام"[8] .
والحق – كما يقول جورج سارتون - أن ما يتميز به الشرع الإسلامي من "البساطة والاعتدال، يسرّ لأي إنسان في أي موطن، أن يتقبله وينفذ إلى روحه وجوهره منذ اللحظة الأولى"[9]!
كما أن الشريعة الإسلامية هي أنجح الشرائع في الجمع بين ما هو روحي وما هو مادي .. والتوازن بينهما ..
ولقد أُعجب بهذا التوازن الباحث الهولندي الدكتور ميليما[10] بين المادة والروح في الإسلام، فقال : ".. لقد أعجبني اهتمام الإسلام بالمادة والروح باعتبارهما قيمتين أساسيتين، فالتطور العقلي والروحي للإنسان مرتبط في الإسلام وفي الفطرة على السواء ارتباطًا وثيقًا لا سبيل إلى فصله بحاجات الجسد"[11].
المطلب الثاني : حثهr على الوسطية وتحذيره من التشدد:
يقولإميل درمنغم : " كان كثير من المسلمين يكثرون من ... الصلاة والصوم، فرأى محمد [r] أن القصد أولى من الإفراط. فأشار بالاعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس، وحدث أن بعضهم قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد [r] هذه الأرسان؛ لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف !"[12].
ومثال ذلك قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادة الرسول، r فلما علموا ذلك كأنّهم تقالّوها‍! فقال أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أمّا أنا فأصّلي الليل أبدًا، وقال الآخر: لا أتزوجّ النساء، فقال r : " أأنتم الذين قلتم كذا وكذ ؟؟ أمَا والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكنيّ أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منِّي"[13]!
و قد جاء رجل إلى النبيr فقال: إنّي لأتأخرّ عن صلاة الصّبح من أجل فلان مما يطيل بنا.. قال أبو مسعود الأنصاري - راوي الحديث -: فما رأيتُ النبي r غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ، فقال:
" أيّها الناس !! إن منكم منفّرين ! فأيّكم أمَّ النّاس فليوجز، فإنَّ من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة"[14] .
و عن أنس بن مالك t أن النبي r رأى شيخًا يهادي بين ابنيه، فقال:
"ما بال هذا؟" . قالوا: نذر أن يمشي، قال: " إنَّ الله عن تعذيب هذا لنفسه لغني" . وأمره أن يركب[15] ..
ودخل مرَّة المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا: حبل لزينب، فإذا فترت تعلَّقت به، فقال، r : " حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد "[16]..
وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله، r : " إيَّاكم والغلوّ في الدّين فإنَّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين "[17] ..
وعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله، r : " هلك المتنطّعون !!!" قالها ثلاثًا[18] .
وعن أنس بن مالك t أن رسول الله، r كان يقول: : " لا تُشّددوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم، فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامع والدّيارات رهبانيَّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم "[19] .
المطلب الثالث : وسطية الإسلام في الأحكام:
إن الشرع الإسلامي وسط في أحكامه وأنظمته القانونية والاجتماعية، وبما في ذلك المجالات الأسرية والمدنية والجنائية والدولية .. :
فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي بالغت في التحريم، وكثرت فيها المُحرَّمات.وبين النصرانية التي أسرفت في الإباحة، حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة، مع أن الإنجيل يعلن أن المسيح لم يجئ لينقض ناموس التوراة، بل ليكمله[20] . ومع هذا أعلن رجال النصرانية أن كل شيء طاهر للطاهرين[21].فالإسلام قد أحلَّ وحرَّم، ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر، بل من حق الله وحده، ولم يُحرم إلا الخبيث الضار، كما لم يُحل إلا الطيب النافع، ولهذا كان من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه: ]‏ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[ [الأعراف: 157]
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة، كما هو وسط في شؤونه كلها، وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ولا قيد، وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته الضرورة والحاجة.
فقد شرع الإسلام الزواج بشرط القدرة على الإحصان والإنفاق، والثقة بالعدل بين الزوجتين، فإن خاف ألا يعدل، لزمه الاقتصار على واحدة، كما قال تعالى: ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة[ [النساء: الآية 3] .
وهو وسط في الطلاق بين الذين حرَّموا الطلاق، لأي سبب كان، ولو استحالت الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، كالكاثوليك.. وبين الذين أَرْخَو العِنان في أمر الطلاق، فلم يقيدوه بقيد، أو شرط، فمن طلب الطلاق من امرأة أو رجل كان أمره بيده، وبذلك سهل هدم الحياة الزوجية بأوهى سبب ..أما الشرع الإسلامي فقد شرع الطلاق، عندما تفشل كل وسائل العلاج الأخرى، ولا يجدي تحكيم ولا إصلاح، ومع هذا فهو أبغض الحلال إلى الله، ويستطيع المُطلِّق مرة ومرة أن يراجع مطلقته ويعيدها إلى حظيرة الزوجية من جديد[22].
والشرع الإسلامي – أيضًا - وسط في نظامه الاجتماعي بين (الإشتراكيين) أو(الماركسيين)، الذين يبالغون في حقوق المجتمع ودوره على حساب حقوق الفرد ونوازعه الذاتية وحريته.وبين (الليبراليين) أو (الرأسماليين) الذين يعطون للفرد الحريات المفرطة من غير ضوابط أو آداب على حساب المجتمع أو الجماعة الإنسانية ..
المبحث الثالث
التيسير
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب :
تتحدث الباحثة ماري أوليفر[23] عن مظهر التيسير باعتباره مظهر من مظاهر الرحمة لنبي الإسلام r، فتبين أن الشريعة الإسلامية التي نادى بها محمد r هي تشريعات "بسيطة سهلة يستطيع كل إنسان أن يفهمها بكل يسر. فالإسلام يؤكد في تعاليمه أن على الناس أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم في الأمور الدينية"[24]..
كذلك يبين جورج سارتون أن الشريعة الإسلامية تمتاز بـ" السماحة والبساطة والاعتدال" وهي – على حد قوله " يسرّ لأي إنسان في أي موطن.."[25]..
كما أن الشرع الإسلامي الحنيف كما يقول آتيين دينيه: " يستبين أقرب أنواع العلاج، فلا يحكم فيه حكمًا قاطعًا ولا يأمر به أمرًا باتًّا"[26].
ويبين - آتيين دينيه- أن الشرع الإسلامي لا يتعارض ولا يتصادم مع الطبيعة، لأنه شرع يسير، فهو " يساير قوانينها [ أي الطبيعة ] ويزامل أزمانها، بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة، مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون غرباء. على أن الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة وأن لا يتمرد عليها؛ وإنما هو يُدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولاً وأسهل تطبيقًا في إصلاح، ونظام، ورضًا ميسور مشكور، حتى لقد ُسمي القرآن لذلك (بالهدى) لأنه المرشد إلى أقوم مسالك الحياة، والأمثلة العديدة لا تعوزنا، ولكنا نأخذ بأشهرها، وهو التساهل في سبيل تعداد الزوجات"[27] .
المطلب الثاني : نماذج التيسير :
يتحدث القرآن الكريم عن صفات النبي الأمي محمد r المكتوبة صفته في التوراة والإنجيل، ويبين أن من أهم صفات محمدr أنه ييسر على الناس في الأحكام الشرعية، فقال الله تعالى : ] وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[[28]
فمحمد r " يضع عمن يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم ، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به" [29].
والله تعالى - وهو الرحيم بعباده - لا يكلف نفساً إلا وسعها ، وقد امتن على عباده بهذا التيسير ؛قال تعالى :] يُريد الله بِكُم اليُسْر ولا يُريدُ بِكُم العُسْر[[ البقرة: 185] .
ومن اليسر إعفاء النساء من وجوب صلاة الجمعة والجماعة وإعفاء الصغير، والمجنون، والنائم من سريان الأحكام التكليفية عليهم، والحدود، وبعض حقوق العباد كحق القصاص، وحق حد القذف، فقد اشترط فيها جميعاً البلوغ والعقل، واشترط في حد الزنى أربعة شهود تقليلاً لحالات وجوب الحد، تخفيفاً وتيسيراً، واشترط للرجم لشدته الإحصان تخفيفاً عن غير المحصن، واستثنى الولي الفقير من عدم جواز الأكل من مال اليتيم ؛ تخفيفاً عنه، فقد أذن له أن يأكل ولكن بالمعروف[30]، ونماذج أخرى كثيرة.
ولقد كان النبي rكمشرع يسعى إلى التيسير على الناس في الأحكام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .. والمواقف كثيرة في سنته وسيرته r وقد كان يتفادى ما يكون سبباً لتكاليف جديدة قد تشق على المسلمين، وكان يتجنب أن يفعل شيئاً يكون فيه مشقة وحرج على المسلمين[31]، فهم يتتبعون أفعاله ليتأسوا ..
فمن ذلك أنه r كان يحث أصحابه على ترك الإسئلة الفقهية المعقدة، أو التي لا ينبني عليها عمل، لئلاً تفرض عليهم فرائض بسبب سؤالهم. فقد سأله رجل عن الحج: أفي كل عام هو؟ فقال :"لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم"[32] .

وقال:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء"[33] .
وقال لبعض أصحابه: "ما بالكم تأتوني قلحاً لا تسوكون؟ لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء"[34].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة "[35].
وقال: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ"[36].

وعن قالت عائشة: خرج النبي r من عندي وهو مسرور طيب النفس ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: " إِنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي"[37].
فكونه قد دخل الكعبة، يخشى أن يشق بهذا العمل على المسلمين، فهذا العمل شاق، وغير متاح لكل الناس ..

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ ! فَقَالَ : " اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ" فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حَرَجَ " ، فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ r عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ:" افْعَلْ وَلَا حَرَجَ !"[38].
المطلب الثالث : حثه على التيسير:
قال النبي r مبَيِّنًا طبيعة هذا الدين: " إنَّ الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا .."[39]
وقال ابن عباس t : قيل للنبي r: يا رسول الله! أي الأديان أحبّ إلى الله؟ قال: "الحنيفيَّة السَّمحة"[40]..
وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لمَّا بعثهما إلى اليمن: " يَسِّرا ولا تُعسِّرا وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا.."[41]
وعن عروة الفقيميt قال: كنَّا ننتظر النبي، r فخرج يقطر رأسه من وضوء أو غسل فصلّى، فلمّا قضى الصّلاة جعل النَّاس يسألونه: يا رسول الله! أعلينا من حرج في كذا، فقال رسول الله، r "لا أيّها النّاس: إنَّ دين الله- عزّ وجلّ- في يسر، إنَّ دين الله- عزّ وجلّ- في يسر، إنَّ دين الله- عزّ وجلّ- في يسر"[42]
وجاء في وصفه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ r بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ "[43] .
و قال، r " إنَّ خير دينكم أيسره، إنَّ خير دينكم أيسره"[44].
وقال، r: " إنَّ الله تعالى رضي لهذه الأمَّة اليسير وكره لها العسير"[45].
وعن عائشة- رضي الله عنها- أنَّ رسول الله، r قال: " إنَّ الله لم يبعثني معنّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا "[46]
المبحث الرابع
الرخص الشرعية
المطلب الأول : الرخص الشرعية : ماهيتها وشرعيتها :
من مظاهر رحمة نبينا الكريم r في التشريع، ما شرعه r من رخص لأصحاب الأعذار، عند تطبيقهم للأحكام الشرعية ..
والرخصة في اللغة معناها اليسر والسهولة. وفي الشريعة: عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر، وعجز عنه مع قيام السبب المحرم. أو "مَا أُرْخِصَ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا"[47]، كتناول الميتة عند الاضطرار، وسقوط أداء صيام رمضان عن المسافر. وهو المعنى الحقيقي للرخصة. ويقابلها العزيمة .
وقد شرع الإسلام الرخص لرفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة لفقدان المصالح الضرورية. ورفع الحرج مقصد من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها، فإن الشارع لم يكلف الناس بالتكاليف والواجبات لإعناتهم أو تحصيل المشقة عليهم . وقد دل على ذلك القرآن والسنة وانعقد الإجماع على ذلك. فمن القرآن قوله تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم[ [ المائدة:6]
وضرب القرآن مثالاً للرخصة في قوله تعالى : ] فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ [المائدة :3] ..
فمن ذلك الإفطار في السفر أيام رمضان، وقصر الصلاة المفروضة في السفر، فتصلي الصلاة الرباعية بركعتين فقط حال السفر. والمسح على الخفين في الوضوء، والتيمم بالتراب إذا فُقد الماء للوضوء أو إذا كان المسلم مريضاً.. كما في قوله تعالى : ] وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً[‏‏ [النساء : 43]
وفي الرخص الشرعية .. قال النبي r: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"[48].. وفي رواية : "كما يحب أن تؤتى عزائمه"[49] ..
المطلب الثاني : نماذج الرخص الشرعية :
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ t قَالَ :
سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ" .
فَكَانَتْ رُخْصَةً .. فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ " .. فَأَفْطِرُوا[50] ..
و عَنْ أَنَسٍ t قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ، فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ، فَقَالَ رسول اللهr فِي ذَلِكَ : " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ"[51]
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ t أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"[52]
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: " يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ " فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " فَلَا تَفْعَلْ ! صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ" ..
قال عبدالله : فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً.
قَالَ: " فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ " .
قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالَ:" نِصْفَ الدَّهْرِ " ..
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: بَعْدَ مَا كَبِرَ يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ r[53].
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ:
خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا : مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ . فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ r، أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ : " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ !! أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ . إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ - أَوْ يَعْصِبَ - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ"[54].
ولقد أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا فَعَذَّبُوهُ حَتَّى يقول كلمة الكفر، وقَارَبَهُمْ فِي بَعْض مَا أَرَادُوا، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ r، وقال له : ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير[55] .. وبكى. فَجَعَلَ – صلوات ربي وسلامه عليه - يَمْسَح الدُّمُوع عَنْهُ[56]، وقال له: كَيْف تَجِد قَلْبك ؟ قَالَ : مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ ، قَالَ:" فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ "[57].
وفيه نزل َقَوْل اللَّه تَعَالَى:]مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [58][‏‏
المبحث الخامس
التدرج في التشريع
المطلب الأول : التدرج في التشريع: مفهومه والحكمة منه :
أولاً: مفهومه :
من مظاهر رحمته نبينا محمد rأنه كان لا يحمل الناس على الأحكام جملة واحدة، إنما كان مبدؤه التدرج، فهو القائل "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"[59] .
ومن ملامح الرحمة في شريعة الإسلام التدرج في التشريع، وقد قُررت في كثير من الأحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للاستجابة لأحكامها . رحمة من المشرع .
وقد كان التدرج في التشريع مسلكًا من مسالك علاج المجتمع وإصلاحه.
أما التدرج في الكشف عن حقيقة حكمٍ ما؛ فإنه يبدأ تلويحًا يفهمه الأذكياء، ثم تزداد الإبانة بما يكاد يوحي بالحكم، ثم يجيء الحكم حاسمًا بالمعنى المراد، وقد تم تحريم الربا والخمر بهذا الأسلوب المتأني، وليس في القرآن نص بإباحة الخمر أو الربا !.
ثانيًا: الحكمة منه :
والحكمة من التدرج هو ترويض النفوس على تقبل أحكام الله .. والتمهل في استئصال العادات القبيحة المتأصلة في النفوس لا سيما العادات المتوارثة عبر قرون طويلة . وتخفيفًا على الناس، تماشيًا مع فطرة الإنسان التي يتطلب التعامل معها التزام التدرج لتغييرها وحسن الارتقاء بها، كما أن التدرج يتلاءم مع منهج التغيير بشكل عام، إذ لا يمكن تغيير أوضاع المجتمعات لتتفق مع الشريعة إلا بأسلوب التدرج .
المطلب الثاني : نماذج للتدرج في التشريع :
أولاً: تحريم الخمور:
كانت الخمور متعمقة في المجتمع قبل بعثة النبي عربيًا كان أو عالميًا . وفي البيئة العربية صار شربالخمر جزءًا من السلوك الإجتماعي الذي يفاخر به ويتغنى به الشعراء، فلم يكن من الحكمة تحريم الخمر مرة واحدة إنما الأنفع والأصلح هو التدرج في التحريم ، ومن ثم حرمت الخمر على أربع مراحل[60]:
المرحلة الأولى: هي قوله تعالى:]‏ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا][النحل: 67[‏‏ففرقت الآية بين السكر والرزق الحسن أي أن السكر ليس من الرزق الحسن.
المرحلة الثانية: قوله تعالى:]يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[ [البقرة: الآية: 219] تمهيدًا للتحريم !
المرحلة الثالثة: قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[[ النساء: 43] .ومن ثم كان على المسلم أن يحذر أن يأتيه وقت الصلاة وهو سكران.
المرحلة الرابعة: هي المرحلة الحاسمة:]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ [المائدة: 90] . ويمضي القرآن موضحا علة التحريم: ]إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[ [المائدة: 91] .
ثانيًا: تحريم الربا:
كان الربا بأنواعه وأشكاله المختلفة عصب الاقتصاد في المجتمع العربي والرومي والفارسي آنذاك، وكانت النقلة الفجائية للتحريم ربما أحدثت خلخلة أدت إلى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي ومن ثم كانت الحكمة في أن يتدرج القرآن في تحريمه على مرحلتين:
الأولى: قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً[ [آل عمران: 130]
الثانية: قوله تعالى:]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [البقرة: 278] .

























الفصل الخامس
رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية والعسكرية
المبحث الأول : الحوار لا الصدام
المبحث الثاني : حرصه على نشر السلام
المبحث الثالث :رحمته للخصوم والأعداء
المبحث الرابع : رحمته للأسرى
المبحث الخامس : رحمته لقتلى العدو
المبحث السادس : رحمته لأهل الذمة
المبحث السابع: قيم حضارية في غزوة بدر الكبرى [ نموذجًا]



















المبحث الأول
الحوار لا الصدام
المطلب الأول : الحوار مظهر من مظاهر الرحمة :
إن تقديم لغة الحوار[61] على أسلوب الصدام، حقنًا للدماء وتغليب العقل على العنف، يعد من مظاهر الرحمة في شخصية النبيr، الذي ضرب المثل الأعلى في ميدان الحوار والتفاوض، كما ضرب المثل الأعلى في القتال والزود عن حياض الدين والوطن.
إنّ الإسلام هو دين الحوار والاعتراف بالآخر، وهو شريعة تطوير القواسم المشتركة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وإيجاد السّبل الكفيلة بتحقيق ذلك بما يساعد على العيش بسلام وأمن وطمأنينة، ويحفظ الإنسان من أن يحيا حياة الإبعاد والإقصاء ونكران الآخر. لهذا أمر الإسلام بالحوار والدّعوة بالتي هي أحسن، وسلوك الأساليب الحسنة ، والطّرق السليمة في مخاطبة الآخر. قال تعالى: ‏]‏ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[‏‏[62] .
علىهذه الأسس يرسي القرآن الكريم قواعد الحوار في الإسلام على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، إنه منهج حضاري متكامل في ترسيخ مبادئ الحوار بين الشعوب والأمم . " ومن الملاحظ على التعبير القرآني المعجز في الآية : أنه اكتفى في الموعظة بأن تكون(حسنة)، ولكنه لم يكتف في الجدال إلا أن يكون بالتيهي( أحسن). لأن الموعظة ـ غالباً ـ تكون مع الموافقين، أما الجدال فيكون ـ عادة ـ مع المخالفين؛ لهذا وجب أن يكون بالتي هي أحسن . على معنى أنه لو كانت هناك للجدال والحوار طريقتان: طريقة حسنة وجيدة ، وطريقة أحسن منها وأجود، كان المسلم الداعية مأموراً أن يحاور مخالفيه بالطريقة التي هي أحسن وأجود "[63].
ولذلك قال الله تعالى أيضا : ‏]‏وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] [العنكبوت: 46]فالحوار ممكن لأنّ هناك قواسم مشتركة ، وهناك مجال للتّفاهم والتّقارب ، وهي الإيمان بما أُنزل على المسلمين وغيرهم ، فالمصدر واحد وهو الله . فليتعارفوا وليعرفوا بعضهم ، ومن ثم فليتقاربوا وليتعاونوا على ما هو صالح لهم جميعا. فالقرآن يعطينا أسلوب بدء اللّقاء والحوار ، وكيف نستغلّ نقط التّلاقي بين المتحاورين .فيبيّن الأصول التي يمكن الاتّفاق عليها ويركّز على ذلك فيقول : ‏]‏قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ ] [عمران:64 ] ويبيّن الإسلام نوع العلاقة التي يجب أن تسود المسلمين وغيرهم .. إنّها علاقة التّعاون والإحسان والبرّ والعدل . فهذا هو الحوار الحضاري والعلاقة السامية ، قال تعالى: ‏]‏لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ[‏[ الممتحنة: 8]
" وتلكالقاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتفق مع طبيعة هذاالدينووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، بل نظرته الكلية لهذا الوجود"[64].
ومن ثم يتبين للباحث مدى الرحمة الواسعةالتي منحها الإسلام ورسول الإسلام، للبشر المخالفين للإسلام، فقرر أن الشرع أن التعامل يكون بالحوار، والدعوة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ويخص الإسلام أهل الكتاب بهذا الفضل، فهم أهل كتاب، وأخوة في الإنسانية، فالإسلام لا ينهانا أن نبر ونحسن إلى اليهود والنصارى ما داموا لم يقاتلون المسلمين في الدين ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم، ونداء المسلم دائمًا لأهل الكتاب أن "تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" .

المطلب الثاني : الإسلام يرفض المركزية الحضارية :
ونعتقد مع ذلك أن الإسلام كدين وحضارة عندما يدعو إلى الحوار مع الآخر.. ينكر (المركزية الحضارية) التي تريد العالم حضارة واحدة مهيمنة ومتحكمة في الأنماط والتكتلات الحضارية الأخرى، فالإسلام يريد العالم (منتدى حضارات) متعدد الأطراف، يريد الإسلامُ لهذه الحضارات المتعددة أن تتفاعل وتتساند؛ في كل ما هو مشترك إنساني عام . وإذا كان الإسلام ديناً عالمياً وخاتم الأديان، فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته لا يرمي إلى (المركزية الدينية) التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد.. إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله تعالى في الكون، قال تعالى: ‏]‏لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلَـَكِن لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىَ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[‏‏ [المائدة:48] .وقال أيضاً: ‏]‏وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ] [هود: الآية 118 [‏‏[65] .
إن دعوة النبي r إلى الحوار مع باقي الدول والحضارات تنبع من رؤيته في التعامل مع غير المسلمين الذين يؤمنون برسالتهم السماوية، فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً: قال تعالى:
" آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" [ البقرة : الآية 285]
لقد حمل نبي الرحمةr وأتباعه قيم الإسلام العليا ومثله السامية وأخذوا في نشرها في كل أرجاء الدنيا، دون إجبار الناس عليها، وبدأت عملية التفاعل بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأوربية والمصرية والفارسية والهندية. فلم يلغ الإسلام الحضارة المصرية إنما جودها، ولم يلغ الإسلام حضارة الهند إنما هذبها ، ونقى الحضارات من خبيث العقائد والأفكار، وجلى الطيب النافع من الموروثات والثقافات القديمة .
ومع مرور الزمن وانصرام القرون نتجت حضارة إسلامية جديدة أسهمت في إنضاجها مكونات حضارات الشعوب والأمم التي دخلت في الإسلام، فاغتنت الحضارة الإسلامية بكل ذلك عن طريق الحوار والتفاعل، وكانت هي بدورها فيما بعد عندما استيقظت أوروبا من سباتها وأخذت تستعد للنهوض مكوناً حضارياً ذا بال أمدّ الحضارة الأوروبية الغربية بما تزخر به من علوم وقيم وعطاء حضاري متنوع[66].
الشيء نفسه يمكن قوله عن الحضارة الغربية التي لم تظهر فجأة، بل تكونت خلال قرون كثيرة حتى بلغت أوجها في عصرنا الحاضر وذلك نتيجة التفاعل الحضاري مع حضارات أخرى هيلينية ورومانية وغيرها، وبفعل التراكم التاريخي وعمليات متفاعلة من التأثر والتأثير خلال التاريخ الإنساني الحديث. إن أكبر دليل على أن الحضارة الإسلامية لم تسع في أي وقت من الأوقات إلى التصادم مع الحضارة الغربية، هو أن العرب والمسلمين لم يضعوا في أي زمن من الأزمان صوب أهدافهم القضاء على خصوصيات الحضارة الغربية وهويتها الحضارية[67] .
المطلب الثالث : نماذج عملية من سيرة النبيr :
إليك هذه النماذج الطيبة من سيرة النبي ، والتي تبين كيف كان النبي يحاور الحضارات والأمم الأخرى، يدعوها إلى كلمة سواء .
فبعدما عقد النبي rهدنة بينه وبين مشركي مكة الذين حاربوه على مدار ثمانية عشر عاماً ـ أو أكثر ـ، استغل النبي rهذه الهدنة في مراسلة زعماء وأمراء وملوك العالم ..للحوار والتواصل والتعريف بدعوة الإسلام.. مركزاً في خطاباته على قيم السلام وحرية الاعتقاد، نرى ذلك جلياً في محتوى هذه الرسائل ..
هذا، ولنتأمل أحد هذه النماذج المشرقة، ولتكن رسالة النبيrإلى الملك المقوقس .. فكتــب النبــي r إلى جُرَيْج بـن مَتَّي الملقب بالمُقَوْقِس ملك مصر والإسكندرية، رسالة نصها‏:‏
"بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط.. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، ‏]‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[‏‏"[68].
واختار لحمل هذا الخطاب الصحابي المتحدث حاطب بن أبي بَلْتَعَة‏ t. ‏
وجدير بنا أن نذكر كلام حاطب t للمقوقس حتى يعرف الغرب أن هذه البعوث كانت تعرف هدفها جيداً كما أنها بلغت حداً من الفقه والحصافة يستحق الإعجاب البالغ.
قال حاطب: إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ..وكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكننا نأمرك به!
فقال المقوقس‏:‏ إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه‏.‏ ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوي، وسأنظر‏.‏
وأخذ كتاب النبي r، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى النبيr‏:‏
‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد ‏:‏ فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك"[69].
ولم يزد على هذا ولم يسلم، فتزوج رسول الله rمارية، فأنجبت له طفل ـ سماه إبراهيم، تقديراً وتشريفاً لأبي الأنبياء ـ عليه السلام ـ ، أما سيرين، فقد تزوجها الشاعر حسان بن ثابت t.
"تلك مُثلٌ لرسائله إلى رجالات النصرانية ومواقفهم منها. وقد ساق النبي كذلك مبعوثيه إلى رؤساء المجوسية يدعونهم إلى الله، ويحدثونهم عن الدين الذي لو تبعوه نقلهم من الغي إلى الرشاد.. وقد تفاوتت ردودهم، بين العنف واللطف والإيمان والكفر"[70]..
و النبي r بذلك أول من نادى بالحوار بين الحضارات والدول، في سبيل نشر قيم سامية .. ومارس هذا الحوار كما رأيت بمستوى عال من الأدب وحسن الخلق واحترام الرأي الآخر.
ولقد أرسل الرسول r الكثير من الرسل والسفراء – يدعوهم إلى الإسلام - ولتحقيق مثل هذا الحوار بينه وبين الأمم والحضارات الأخرى وملوك وزعماء العالم :
(1) فبعث الصحابي الفاضل دحية بن خليفة الكلبي – وكان أنيقًا وسيمًا -، إلى قيصر ملك الرومان، واسمه هرقل.
(2) وبعث الصحابي المناضل عبد الله بن حذافة السهمي – وكان راسخ الفكر والإيمان متحدثًا بليغًا - إلى كسرى ابرويز بن هرمز، ملك الفرس.
(3) وبعث الصحابي الجليل عمرو بن أمية الضمري – وكان لبقًا ذكيًا-، إلى النجاشي ملك الحبشة، ثم بعثه النبيr مرة أخرى إلى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ مدعي النبوة المشهور ، برسالة، وَكَتَبَ إلَيْهِ بِكِتَابٍ آخَرَ مَعَ السّائِبِ بْنِ الْعَوّامِ أَخِي الزّبَيْرِ فَلَمْ يُسْلِمْ .
(4) وبعث - فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ - الصحابي القائد عمرو بن العاص – داهية العرب -؛ إلى جَيْفَرٍ وَعَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ الجُلَنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ ، ملكي عمان.
(5) وبعث الصحابي الجليل سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي، الملك على اليمامة، وإلى ثمامة بن أثال، الحنفيين.
(6) وبعث الصحابي الجليل الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ.
(7) وبعث الصحابي الجليل شجاع بن وهب الأسدي، من أسد خزيمة، إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني، وابن عمه جبلة بن الأيهم، ملكي البلقاء من عمال دمشق للرومان.
(8) وبعث الصحابي الجليل الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيّ أحد زعماء اليمن، وقال : سأنظر .
(9) وبعث العلامة الفقيه معاذ بن جبل إلى جملة اليمن، داعياً إلى الإسلام، فأسلم جميع ملوكهم، كذى الكلاع وذي ظليم وذي زرود وذي مران وغيرهم.
(10) وَبَعَثَ الصحابي الجليل جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ، إلَى ذِي الْكَلاعِ الْحِمْيَرِيّ وَذِي عَمْرٍو يَدْعُوهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَا وَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ rوَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ.
(11) وَبَعَثَ الصحابي الجليل عَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ برسالة إلَى الْحَارِثِ وَمَسْرُوحٍ وَنُعَيْمٍ بَنِي عَبْدِ كُلَالٍ زعماء من حِمْيَرَ .
(12) وَبَعَثَ إلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ .وكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِقَيْصَرَ بِمَعَانَ فَأَسْلَمَ وَكَتَبَ إلَى النّبِيّ r بِإِسْلَامِهِ وَبَعَثَ إلَيْهِ هَدِيّةً مَعَ مَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ وَهِيَ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ وَبَعَثَ أَثْوَابًا وَقَبَاءً مِنْ سُنْدُسٍ مُخَوّصٍ بِالذّهَبِ فَقَبِلَ r هَدِيّتَهُ وَوَهَبَ لِمَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنِشًا[71] .
وأسلم سائر الملوك والأمراء الذين ذكرنا ، وأسلم قومهم، حاشا قيصر والمقومقس وهذوة وكسرى والحارث بن أبي شمر .. وتأخر إسلام ثمامة بن أثال، ثم أسلم مختاراً بعد ذلك.
وهكذا، أحدث الرسول r هذا الحوار البناء بين أمة الإسلام والأمم الأخرى في شتى بقاع العالم .. وتواصل مع قيادات ورموز العالم آن ذاك.. فمنهم من تجاوب وتناقش، ومنهم من تعامل مع رسل النبي بوقاحة، كما فعل كسرى ..
وهذا مظهر فريد من مظاهر الرحمة في شخصية النبي r، فقد قدم الحوار على الصدام في تعامله مع الأمم الأخرى لاسيما المخالفة للإسلام، وراسل النبي r زعماء وأمراء وملوك العالم؛ برسائل على مستوى عال من التحضر والذوق الرفيع، لتعريفهم بدعوة الإسلام وغايته. فحقن الدماء وأعلى من شأن الحوار والتبادل العلمي والثقافي ، حتى استفادت أوربا من الحضارة الإسلامية في بناء النهضة العلمية الأوربية الحديثة.

المبحث الثاني
حرصه على نشر السلام
لمحمدr الفضل الأعظم في نشر السلام في ربوع الجزيرة العربية، التي عاشت عدة قرون في حروب طاحنة ومعارك على أتفه الأسباب، وكثرت حروب "الفجار" التي انتهك أصحابها حرمة البلد الحرام.
وفي هذا المبحث نبين من خلال شهادات علماء الغرب والمواقف والأحداث؛ هذا المظهر من مظاهر الرحمة في شخصية محمد r:
المطلب الأول : محمدr رجل السلام[72]:
يقول المفكر هنري ماسيه :
" إذا بحثنا عن محمد [r]إجمالياً نجده ذا مزاج عصبي[73]، و فكر، دائم التفكير، ونفس باطنها حزن ، وأما مداركه فهي تمثل شخصاً يعتقد بإله واحد ، وبوجود حياة أخرى ، ويتصف بالرحمة الخالصة ، والحزم في الرأي والاعتقاد ، ويضاف إليه أنه رجل حكومة ، وأحياناً رجل سياسة وحرب ، ولكنه لم يكن ثائراً بل كان مسالماً "[74] .
ووصف جورج بروك[75] الإسلام بأنه : " دين السلام والمحبة بين البشر "[76].
وقال عنه المفكر الأيرلندي برناردشو: " إنه دين التعاون والسلام والعدالة في ظل شريعة محكمة لم تدع أمراً من أمور الدنيا إلا رسمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبداً"[77] .
إن إقرار السلام في منطة الجزيرة العربية الذي حققه محمد r يعد بحق مظهراً مهماً من مظاهر الرحمة، فقد شهدت الجزيرة العربية في عهد محمد r عدة معاهدات سلمية، مما يبين فضل رسول الله r في نشر ثقافة السلام بين العرب بعد قرون طويلة من الجاهلية والحروب الأهلية، وفضله في حقن الدماء وحفظ الأعراض والمقدسات، التي كانت منتهكة في عصور الجاهلية .. ولم تحدث أي حروب أهلية – في الجزيرة العربية - بعد ظهور محمد r وتسلمه زمام قيادة العرب .
المطلب الثاني : نموذج في حادث بناء الكعبة :
لما بلغ محمد r من عمره الخامسة والثلاثين – أي قبل بعثتة بخمس سنين -، تعرضت الكعبة للهدم ، بسبب سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصًا على مكانتها، فعمدت قريش إلى بنائها، فلما تنازع القرشيون فيما بينهم من الذي يضع الحجر الأسود في مكانه ، واختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خمسًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحكَّموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد[78]، فارتضوه، وشاء الله أن يكون ذلك محمد r ، فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا الأمين[79]، قد رضينا به هذا محمد[80]، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه[81]..
وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه.

ولقد راح المفكرون والعلماء، يعلقون على هذا الحادث بتعليقات مليئة بالتقدير والإعجاب لهذه الشعلة العبقرية التي تحاول في حرص شديد دائم على تحقيق الأمن والسلم بين الناس ، وعن نجاح محمد r من تفهم الموقف بسرعة عظيمة، والتوسل بهذه الحيلة البريئة وإرضاء زعماء قريش جميعاً..
فقد استرعت هذه الحادثة انتباه الباحث الألماني أغسطينوس موللر ( 1148- 1894)، فتوقف عندها ملياً ، في كتابه "الإسلام "، وتعرض لسياسة النبي r في هذا المقام وأنه "أدهش قريشاً بسياسته الرشيدة "[82].
كما توقف الأب هنري لامنس عند هذه الحادثة فقال :
" لما اختلفت قريش في قضية بناء الكعبة ، وأي فخذ منها يجب أن يعهد إليه بوضع الحجر الأسود في مكانه ، وكادوا يقتتلون ، فاتفقوا على أن يعهدوا بذلك إلى محمد بن عبد الله الهاشمي[r]، قائلين : هذا هو الأمين ! "[83] .
ولقد ربط المستشرق "أرثر جيلمان" بين هذه الحادثة التي منعت اقتتال القبائل العربية، وبين المرحلة التالية لبدء البعثة والوحي ، والتي تشكل مقدمة الدعوة الإسلامية، بقوله :
" لا بد أن يكون محمد [r]قد تأثر بإعجاب القوم وتقديرهم العظيم بهذه الفكرة التي بسطت السلام بين مختلف القبائل ، ولايستبعد أن يكون محمد[r] قد أخذ يحس بنفسه أنه من طينة أرقى من معاصريه ، وأنه يفوقهم جميعاً ذكاءً وعبقرية ، وأن الله قد اختاره لأمر عظيم .. !"[84] .



المطلب الثالث : نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة :
فلقد عقد النبي – صلى الله عليه وسلم – في العام الثاني من الهجرة- المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة لا سيما تلك القبائل التي كانت على الطريق التجاري المؤدي إلى الشام، وذلك من أجل أربعة أهداف :
الهدف الأول : تحييد هذه القبائل في قضية الصراع بين المسلمين والمشركين، وألا يكونوا يدًا مع المشركين على المسلمين .
الهدف الثاني : تأمين الحدود الخارجية للدولة .
الهدف الثالث : اعتراف هذه القبائل بدولة المسلمين
الهدف الرابع : تهيئة هذه القبائل لقبول الإسلام، والدخول فيه .
نماذج لهذه المعاهدات :
أولاً : مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ وَكَانَ نص وثيقة الْمُوَادَعَةِ على النحو التالي :
"بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ -إلا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ - مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً[85] وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى ."[86] . وكانت هذه المعاهدة عقب أول غزوة للنبي وهي الأبواء أو ودان (في صفر 2هـ - أغسطس 623 هـ )
كما عقد النبي معاهدة مع بَنِي مُدْلِجٍ[87] في ( جمادي الأولى 2هـ- نوفمبر 623 م) ، وكانت على نفس النحو من وثيقة بني ضمرة .
ثانيًا : مُوَادَعَةُ جهينة :
وهذه القبيلة تسكن منطقة العيص على ساحل البحر الأحمر، وكان نص هذه المعاهدة:
"إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم، وإن لهم النصر على من ظلمهم أو حاربهم إلا في الدين والأهل، ولأهل باديتهم من بر منهم واتقى ما لحاضرتهم"[88].
وقد دلت هذه الوثائق على مقتضيات أخلاقية سامية، فنرى فيها الرسول القائد السمح – صلى الله عليه وسلم - يوادع هذه القبائل على النصرة المتبادلة في المعروف، ويضمن لهم النبي الأمن والأمان على الأموال والأنفس، ويظهر لهم النبي أخلاق الإحسان والصلة ..

المطلب الرابع: نموذج في معركة الأحزاب :
ومن المواقف التي تدل على حرص محمد r على السلام، ما حدث في معركة الأحزاب (في شوال 5 هـ\ مارس627م) ، حيث حاصر المشركون المدينة المنورة، فلما اشتد على المسلمين الحصار و البلاء بعث رسول الله r، إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المرى، وهما قائدا غطفان ـ في جيش الأحزاب ـ وعرض عليهما النبي r ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فأحضر النبي r الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما، وعباد بن بشر قائم على رأس النبي r، مقنع في الحديد.. ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة.فلما أراد رسول الله r أن يفعل ذلك بعث إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه[89].
فرفضا هذه الفكرة..
ونزل النبي r على رأي الجماعة، فلم يتم هذا الصلح!
ولكن الشهاد في هذا الموقف، هو حرص النبي الدائم في تجنب الحل العسكري، قدر الإمكان.. وميله الدائم نحو الحل السلمي .
المطلب الخامس : نموذج معاهدة الحديبية:
لأول مرة تشهد الجزيرة العربية تلك المعاهدة المحمدية التي نادى بها النبي r وأبرمها في ذي القعدة سنة ست من الهجرة (مارس628 م) ، وهي معاهدة صلح الحديبية.
رغم ما كان من بنود مجحفة بالمسلمين في هذا الصلح ..
وإن المتأمل لأحداث صلح الحديبية يتبين له إصرار النبي r على تحقيق السلام، وأنه r كان دائماً يجنح للسلم إن هيئت له أسباب إقامة السلام في أي وقت..
فعندما قصد رسول r العمرة مع أصحابه، في العام السادس من الهجرة، أبت قريش أن تسمح للنبي وأصحابه بإداء عبادة العمرة، وهذا الفعل من القريشيين يعد جريمة كبرى في عرف العرب، إذ كيف يُصد عن البيت الحرام من جاء معظماً له !!
وعرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سُهَيْل بن عمرو – متحدثًا رسميًا لها - للتفاوض مع النبي r حول عقد الصلح، وأكدت له أن يكون في شروط الصلح : أن يرجع عن مكة عامه هذا دون عمرة، ففي ذلك – كما يرى القرشيون - جرح لمشاعر المشركين بعدما انتصر عليهم المسلمون في معركة بدر انتصارًا ساحقًا ، وحتى لا تتحدث العرب أن محمدًا r دخل مكة وأدى العمرة رغمًا عن المشركين -.
فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه r قال‏:‏ ‏"‏قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل"‏[90]، فجاء سهيل فتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح، وهي هذه‏[91] :‏
البند الأول ‏:‏ الرسول rيرجع من عامه هذا، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض‏.‏
البند الثاني : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض‏.‏
البند الثالث : ‏ من أحب أن يدخل في عقد محمد r وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق‏.‏
البند الرابع: من أتي محمداً r من قريش من غير إذن وليه ـ أي هارباً منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمدr ـ أي هارباً منه ـ لم يرد عليه!ّ‏
ثم ُدعي علي بن أبي طالب ليكتب مسودة المعاهدة، وكره سهيل بن عمرو ـ مبعوث القريشيين ـ أن يكتب في صدر الوثيقة " محمد رسول الله " وأبى عليّ بن أبي طالب، وهو كاتب الوثيقة ، أن يمحو بيده " رسول الله " ، فمحا النبي- صلى الله عليه وسلم -هذه الصفة بيده الكريمة، وأمر الكاتب أن يكتب " محمد بن عبد الله "[92] .وهذا الموقف يدل على سماحته في التفاوض.. ثم تمت كتابة الوثيقة ، ولما تم الصلح دخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب، ، فكان دخولهم في هذا العهد تأكيداً لذلك الحلف القديم ـ ودخلت قبيلة بنو بكر في عهد قريش[93] .
المطلب السادس: نموذج الصلح مع أهل خيبر :
لما استسلم يهود خيبر ( في المحرم 7 هـ / مايو 628)، في نهاية معركة رسول الله معهم صالحهم صلى الله عليه وسلم - ، وأعطاهم الأرض ، يَعْمَلُوا فيها وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا[94] .
وفي هذه المصالحة - بهذا الشكل - رحمة وعفو كبيرين بأهل خيبر ..
فهم في الحقيقة يستحقون الإعدام ! فهم قد خانوا النبي r وغدروا وتحالفوا مع مشركي قريش سرًا، وأصبحت قيادات خيبر والفصائل اليهودية الأخرى عملاء وجواسيس لمشركي مكة وغطفان ..كل هذا إلى جانب أنهم السبب الرئيسي في تحزيب جيوش الأحزب، من كل حدب وصوب..

ولما أقدمت امرأة منهم على محاولة اغتيال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حيث أهدت لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ[95].. وتُوفي اثر هذه المحاولة الفاشلة أحد الصحابة .. لم ينقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أهل خيبر ولم يعمل فيهم القتل – كما يفعل بعض الزعماء في مثل هذه المواقف – إنما أثبت الصلح وأقر العهد .



المبحث الثالث
رحمته للخصوم والأعداء
المطلب الأول : لماذا القتال ؟
هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة [في يوليه 622م ][96] فرارًا بدينهم ولبناء مجتمع إسلامي جديد آمن، ولتكون المدينة مقرًا للدعوة الإسلامية تنطلق منها البعوث والرسل إلى شتى بقاع الأرض تبلغ رسالات الله إلى العالم ..
وبالفعل نجح المسلمون في تأسيس أول دولة إسلامية ، وأخذ رسول الله يعقد الأحلاف والعقود مع القبائل والجماعات على الصعيدين الداخلي والخارجي للمدينة ، وأصبح للمسلمين لأول مرة كيان معترف به من هذه القبائل ..
وفي كل يوم يزداد فيه التقدم الإسلامي عقب الهجرة، يزداد معه حنق الوثنيين وغيظهم على المسلمين.
وأصبح المسلمون في حاجة ماسة للتسلح والدفاع عن أنفسهم ولحماية عقيدتهم ودولتهم ، وبالفعل نزل النص القرآني يجيز للمسلمين الدفاع عن أنفسهم بالسلاح، إضافة جواز مطاردة المصالح المادية والتجارية لقريش، من أجل استرداد الأموال والحقوق التي استلبتها قريش من المسلمين المستضعفين عند هجرتهم.
قال الله تعالى : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }[الحج : 39].
وكان الإذن بالقتال واسترداد الحقوق بالقوة، لعدة اعتبارات شرعية ومنطقية وجيهة:

أولاً: مصادرة أموال المسلمين وعقاراتهم :
عندما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، أصبحوا في ضيق من العيش، حيث صادر كفار مكة أموال وعقارات وتجارات المسلمين، وقام المشركون بتوزيع هذه الأموال بين صناديد مكة ظلمًا وسحتًا !
وكانت تجارة قريش تمر بالمدينة في الذهاب وفي العودة حال رحلتها الصيفية إلى الشام . وكانت بالنسبة للمسلمين فرصة ذهبية لاسترداد بعض حقوقهم .
ثانيًا: إعلان الحرب على الدولة الإسلامية الناشئة:
بادر زعماء مكة في إعلان الحرب على المسلمين، والسعي بشتى الطرق لإحداث حرب أهلية داخل المدينة، فأرسلوا إلى عميلهم عبد الله بن أبي بن سلول- وكان إذ ذاك مشركًا بصفته رئيس المدينة قبل الهجرة، فقد كاد الأوس والخزرج أن يجعلوه ملكًا عليهم، لولا هجرة النبي كتبوا إلى ابن سلول ومن خلفه من المنافقين في كلمات تنم عن شدة الحنق والغيظ على المسلمين :
"إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا ! وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ"..
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ النَّبِيِّ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ، لَقِيَهُمْ فَقَالَ : " لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمْ الْمَبَالِغَ ! مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ ؟ ! "..فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ تَفَرَّقُوا[97].
وهنا تظهر عظمة القائد الحكيم المربي – صلى الله عليه وسلم -، حيث قضى على هذه الفتنة في مهدها، وضرب على وتر العزة القبلية، فقد كان يدرك أغوار النفس البشرية التي يتعامل معها، ولذلك كان خطابه مؤثرًا في نفوس مشركي أهل يثرب[98].
وكان من أخلاقه – صلى الله عليه وسلم – أن تعصب لوحدة الصف ولم يتعصب لأصحابه المهاجرين دون الأنصار، أو المسلمين دون المشركين المدنيين، إنما ضرب ركز في خطابه على مصلحة المدينة - بما فيها من طوائف وعقائد - ضد أعدائها من الخارج ..
ثالثًا: تهديد أمن المسلمين :
وهو اعتبار آخر شرعي للإذن بالقتال لاسيما للدفاع عن حياة المواطن سواء داخل الدولة الإسلامية أو خارجها ، ونستدل على ذلك بحادث محاولة منع الصحابي الجليل سعد بن معاذ من أداء العمرة:
فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ : انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ .. فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟؟ فَقَالَ : هَذَا سَعْدٌ . فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا!! فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ - وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ - أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ، طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ [99].
تدل هذه الحادثة على أن أبا جهل يعتبر سعد بن معاذ من أهل الحرب بالنسبة إلى المشركين في مكة[100]، ولولا أنه دخل في جوار زعيم من زعمائها لأهدر دمه، تأمل قول أبي جهل لسعد : " لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا" ! فلم يكن أحد من المسلمين وإن كانوا معتمرين أو حجاج يستطيع أن يدخل مكة حاجًا أو معتمرًا أو نحو ذلك، إلا في جوار زعيم من الزعماء الوثنيين كما رأيت .
وهكذا يتبدى للمتبصر أن المسجد الحرام تحت احتلال فعلي، وإهانة واقعة، وعتو بيّن من قبل هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على المسجد الحرام، وما هم . قال الله تعالى {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنفال34
"إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه . إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف . إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله "[101].
ويدل هذا الحادث أيضًا – من كلام سعد – على أن المسلمين في هذا الوقت لم يتعرضوا ولو لمرة واحدة لقوافل مكة التجارية، وأن الدولة الإسلامية في هذا الوقت لم تعامل أهل مكة المشركين معاملة أهل الحرب. ومعنى هذا أن الأيدي الممسكة بزمام الأمور في مكة هي التي بادرت بالعدوان، وأعلنت الحرب على دولة الإسلام، وهددت الحجاج والمعتمرين من المسلمين، واعتبرت المسلمين أهل حرب لا يدخلون مكة إلا بصك أمان أو بصفة مستأمنين[102] .
فكان بعد كل هذا أن يدافع الشعب المسلم عن عقيدته وأرضه ودولته ونبيه ..

تنبيه هام :
لا يفهم من ذلك أن الجهاد في الإسلام لدفع العدوان فقط، أو أن الجهاد هو نوع واحد أو مرحلة واحدة .. كلا ! فالجهاد مراحل وأقسام ، فقد كان الجهاد فى بداية الدعوة، مقتصراً على الدعوة السلمية مع الصمود فى سبيلها للمحن و الشدائد، ثم شرع الى جانبها - مع بدء الهجرة- القتال الدفاعى، أى رد كل قوة بمثلها، ثم شرع بعد ذلك قتال كل من وقف عقبة فى طريق إقامة المجتمع الإسلامى، على أن لا يقبل من الملاحدة و الوثنيين و المشركين إلا الإسلام وذلك لعدم إمكان الإنسجام بين المجتمع الإسلامى الصحيح وما هم عليه من الإلحاد و الوثنية، أما أهل الكتاب فيكفى خضوعهم للمجتمع الإسلامى وانضوائهم فى دولته على أن يدفعوا للدولة ما يسمى ( الجزية ) مكان ما يدفعه المسلمون من الزكاة.وعند هذه المرحلة الأخيرة استقر حكم الجهاد فى االإسلام، وهذا هو واجب المسلمين فى كل عصر إذا توافرت لديهم القوة و العدة اللازمة . وعن هذه المرحلة يقول الله تعالى :" قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين " [ التوبة 123]، وعنها أيضاً يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله "[103].
المطلب الثاني : محمد r القائد الرحيم :
يتحدث الباحث "وليم موير" عن معاملة النبي rأعداءه تلك المعاملة التي اتسمت بالرحمة والعفو، حين فتحه مكة (في رمضان 8هـ/ يناير 630 م) ، فيقول :
"عامل حتى ألد أعدائه بكل كرم وسخاء حتى مع أهل مكة ، وهم الذين ناصبوه العداء سنين طوالاً ، وامتنعوا من الدخول في طاعته ، كما ظهر حلمه وصفحه في حالتي الظفر والانتصار ، وقد دانت لطاعته القبائل التي كانت من قبل أكثر مناجزة وعداء له "[104] .
كذلك يقول واشنجتون إيرفنج[105]:"كانت تصرفات الرسول [r] في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"[106].
فهو الفاتح الرحيم، بالحق والعدل، لا الغازي الطاغية أو الظالم..
"وفي إمكان المرء أن يتخيل المعاملة التي كان يجدر بفاتح دنيوي النزعة أن يعاملهم بها. ولكن صفح الرسول r كان لا يعرف حدوداً . فقد غفر لهم ثلاثة عشر عاماً من الاضطهاد والتآمر "[107] .. وهم الذين عذبوه وعذبوا أصحابه وهجَّروه وهجّروه أصحابه، وقتلوا منهم نفراً ليس بالعديد القليل ..
يقول "جان باغوت غلوب" معقباً " وهكذا تم فتح مكة دون إراقة دماء إلى حد كبير ... إلا أنه اكتسب قلوب الجميع بما أظهره من رحمة وعفو في يوم انتصاره "[108] .
هذا، ويقول المستشرق إميل درمنغم متحدثاً عن الفاتح والقائد الرحيم نبينا محمد r في حال انتصاراته :
"فقد برهن [محمد r] في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية؛ قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء ! "[109] .
"وهكذا ظهر الرسول r الذي كان رحمة للعالمين، وحرر الإنسانية من أصفاد الجهل والخرافة والفساد"[110] .. بل ظهر كما وصفه المفكر البلجيكي هنري ماسيه :"يتصف بالرحمة الخالصة"[111]. تلك الرحمة الخالصة التي غلبت دوماً – كما يبين مارسيل بوازار – على أحاديث النبيr وسيرته، فلا "تنفك الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية تصور في الأذهان كرم الرسول وتواضعه، كما تصور استقامته ونقاءه ولطفه وحلمه . وكما يظهره التاريخ قائداً عظيماً ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحاً قوي الشكيمة (ديمقراطياً).."[112] .
وفوق أخلاق الرحمة التي تخلق بها النبيr لما انتصر على أعدائه وتمكن منهم، في المعارك والفتوحات، نراه أيضاً رحيماً بمجرمين وأعداء – داخل الدولة - أمضوا حياتهم في دس الفتن بين المسلمين، والعمل الدائب من أجل هدم الدين والدولة، فضلاً عن عمالة هؤلاء المجرمين لأعداء المسلمين خارج حدود الدولة ..
يقول "مولانا محمد على" :
"وسماحة الرسول [r] نحو أعدائه يعز نظيرها في تاريخ العالم . فقد كان عبد الله بن أبي عدواً للإسلام ، وكان ينفق أيامه ولياليه في وضع الخطط لإيقاع الأذى بالدين الجديد، محرضاً المكيين واليهود تحريضاً موصولاً على سحق المسلمين . ومع ذلك فيوم توفي عبد الله دعا الرسول[r] ربه أن يغفر له ، بل لقد قدم رداءه إلى أهله كي يكفنوه به"[113] .
إن نبي الرحمة r لم ينتقم في أيما يوم من الأيام من امرىء أساء إليه! صحيح أنه أنزل العقوبة ببعض أعدائه في أحوال نادرة جداً، وفي فترات جد متباعدة . ولكن تلك الحالات كانت تنطوى كلها على خيانات بشعة قام بها أناس لم يعد الصفح يجدي في تقويمهم وإصلاحهم . والحق أن ترك أمثال هؤلاء المجرمين سالمين غانمين كان خليقاً به ألا يظن البعض أنه استحسن الأذى والإفساد .. والرسول rلم يلجاً إلى العقوبة قط حيثما كان ثمة مجال لنجاح سياسة الصفح كرادع إن لم نقل كإجراء إصلاحي[114].



[1] انظر: يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، ص ص 209 – 212 .

[2] صحيح ـ عن عائشة : رواه البخاري (2\ 959)، ومسلم (3\ 1343).

[3] صحيح ـ من حديث العرباض بن سارية : رواه أبو داود (2\ 610)، والترمذي (5\ 44)، وأحمد(4\ 126)، والدارمي في سننه(1\ 57)، والحاكم في المستدرك (1\ 174)، وصححه الألباني في الجامع الصغير(432)، والمشكاة (2\ 36) والصحيحة(6\ 238) وصحيح الترغيب (1\10).

[4] انظر : يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ص216 ، 217

[5] صحيح ـ من حديث أنس : رواه مسلم (4\ 1836).

[6] ول ديورانت: قصة الحضارة ، ص 13 / 68 – 69 .

[7] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 4 / 144

[8] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 4 / 128 .

[9] جورج سارتون : الشرق الأدنى : مجتمعه وثقافته ( بإشراف كويلر يونغ )، ص 140

[10] الباحث الهولندي ومؤلف عدد من الكتب الإسلامية بالهولندية. انتمى للإسلام عام 1955 خلال رحلة له إلى باكستان بعد تأمل وبحث .

[11] عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 6 / 124 – 125

[12] اميل درمنغم : حياة محمد ، ص 297 – 298. ولم أبحث في صحة هذه القصة .

[13] صحيح – رواه البخاري (6/116). ومسلم بمعناه (2/1020) رقم 1401.

[14] صحيح – رواه البخاري (1/172، 173). ومسلم (1/340) رقم 466، 467

[15] صحيح - رواه البخاري (7/234). ومسلم (3/1263، 1264) رقم 1642، 1643.

[16] صحيح - رواه البخاري (2/48). ومسلم (1/542) رقم (784).

[17] صحيح - رواه النسائي (5/268) برقم 3057 . وابن ماجة (2/1008) برقم 3029 وأحمد (1/215، 347)، وصححه الحاكم (1/466)، ووافقه الذهبي، وصححه - أيضًا- الألباني كما في السلسلة الصحيحة رقم 1283، وصحيح الجامع رقم 2680.

[18] صحيح - رواه مسلم (4/2055) برقم (2670). وأبو داود (4/201) برقم 4608. وأحمد (1/386).

[19] حسن – رواه أبو داود (4/276، 277) رقم 4904، وأبو يعلى، في المطالب العالية (1/117) رقم 422 وفي إسناد هذا الحديث: سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ مختلف في توثيقه. قال الحافظ في التقريب ص (238) مقبول. وقال - أيضًا - في التهذيب (4/57): ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له أبو داود حديثًا واحدًا.. وذكر هذا الحديث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/259): رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء وهو ثقة! وضعف هذا الحديث الألباني كما في ضعيف الجامع رقم (6232)، والأقرب حسن هذا الإسناد. والله أعلم.

[20] إنجيل متى (5/17)

[21] رسالة بولس إلى تيطس (1/15).

[22] انظر: يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ،133 وما بعدها ، وانظر له: الوسطية ودور الإعلام في إبرازها، بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية (رمضان 1427هـ)

[23] ماري أوليفر: باحثة نصرانية درست البوذية والهندوسية، و انتهى بها المطاف إلى الإسلام، حيث اعتنقته مؤمنة بأنه الدين الوحيد الذي يستجيب لمطالب الإنسان.

[24] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 4 / 144 – 145 .

[25] جورج سارتون : الشرق الأدنى : مجتمعه وثقافته ( بإشراف كويلر يونغ )، ص 140

[26] آتيين دينيه: أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 31 .

[27] آتيين دينيه : أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 31 .

[28] سورة الأعراف: الآية 157

[29] سيد قطب : في ظلال القرآن ، سورة الأعراف، تفسير الآية 157

[30] انظر: الموسوعة الكويتية – مادة: (تيسير ).

[31] كما هو الحال في عدم مداومته على أداء صلاة التراويح في رمضان، حتى لا يظن الناس أنها واجبة ..

[32] صحيح – رواه مسلم، باب فرض الحج مرة في العمر ، رقم 2380

[33] صحيح – رواه مسلم، باب السواك، رقم 370

[34] صحيح - رواه أحمد، وصححه الشيخ احمد شاكر في تعليقه على المسند 3 / 246 – 248، والشق الثاني من الحديث في السلسلة الصحيحة برقم 3067

[35] صحيح - مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 81) رقم 376

[36] صحيح – رواه البخاري، باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ ، رقم 2750

[37] رواه أبو داود، باب في دخول الكعبة برقم 1734. والترمذي برقم 799، وابن ماجة 3055

[38] صحيح - رواه البخاري، بَاب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، برقم 81.

[39] صحيح - البخاري، بَاب الدِّينُ يُسْرٌ، رقم 38

[40] حسن – رواه أحمد (1/236). والبخاري معلقًا (1/15). وحسن الحافظ إسناده في الفتح (1/117).

[41] صحيح - البخاري (5/108). ومسلم (3/1359) رقم (1733).

[42] رواه أحمد (5/69). قال الهيثمي في المجمع (1/67)؛: رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى وفيه عاصم بن هلال، وثقه أبو حاتم وأبو داود، وضعفه النسائي وغيره. قال الحافظ في التقريب ص (286): فيه لين

[43] صحيح - رواه البخاري، بَاب إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالِانْتِقَامِ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ ، رقم 6288 .

[44] قال الهيثمي في المجمع (4/18): رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح

[45] قال الهيثمي في المجمع (4/18): رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

[46] صحيح – رواه مسلم (2/1105) رقم (1478).

[47] الغزالي : المستصفى ص 194 .

[48] رواه أحمد عن ابن عمر، برقم 5600 ،وابن حبان، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، وقال الألباني في الإرواء(564) : صحيح

[49] رواية في المعجم الأوسط، للطبراني، برقم 8263 وصحيح ابن حبان وإسنادها قوي أيضًا. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1060) : صحيح .

[50] صحيح – رواه مسلم ، بَاب أَجْرِ الْمُفْطِرِ فِي السَّفَرِ إِذَا تَوَلَّى الْعَمَلَ، رقم 1888

[51] صحيح – رواه مسلم، بَاب أَجْرِ الْمُفْطِرِ فِي السَّفَرِ إِذَا تَوَلَّى الْعَمَلَ، 1887

[52] صحيح – رواه مسلم، بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، 1891

[53]صحيح – رواه البخاري، بَاب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ برقم 1888

[54] حسن – رواه أبو داود 284 ، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: حسن.

[55] البيهقي 8\ 209.

[56] أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْد مِنْ طَرِيق ابْن سِيرِينَ وَرِجَاله ثِقَات، فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 398)

[57] الحاكم، برقم 3319

[58] سورة النحل: الآية 106.

[59] سبق تخريجه ..

[60]انظر: محمد الخضري: تاريخ التشريع الإسلامي، ص21، وانظر: راوية أحمد عبد الكريم الظهار: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، 203

[61] للباحث دراسة تحت عنوان: حوار الحضارات : الموجود والمفقود والمنشود، ومقالة تحت عنوان: دور الإسلام في مشروع حوار الحضارات، مجلة المجتمع، الكويت، العدد1677، بتاريخ 19/11/2005.

[62] سورة النحل : الآية 125، وانظر: يوسف القرضاوي : خطابنا الإسلامي في عصر العولمة، ص 40

[63] انظر: يوسف القرضاوي : خطابنا الإسلامي في عصر العولمة، القاهرة، ص 41

[64] سيد قطب : في ظلال القرآن ، ج 6، ص 3544

[65] انظر : حسن عزوزي: الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري، مجلة البلاغ، يناير 2007

[66] انظر : حسن عزوزي: الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري، مجلة البلاغ، يناير 2007

[67] انظر : حسن عزوزي: الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري، مجلة البلاغ، يناير 2007

[68] انظر:البيهقي : دلائل النبوة، ج 5، ص 4، وما بعدها ، باب ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس.

[69] انظر : المصدر السابق

[70] محمد الغزالي : فقه السيرة، ص 274.

[71] انظر: هذه البعوث في كتب السيرة : ابن حزم : جوامع السيرة 29، 30، وابن هشام 4/ 25،وابن سعد 1 / 2- 15، و محمد بن حبيب البغدادي :المحبر 75 ، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 260 - 270، وابن كثير : السيرة النبوية 4/ 262، والإمتاع 307 وتهذيب النووي 1/30، وابن القيم : زاد المعاد 1/ 116. وانظر صور ونصوص رسائل النبي إلى الملوك في كتاب محمد حميد الله : الوثائق السياسية ص 135 وما بعدها.

[72] أرجو ألا نفهم من ذلك أن رسول الله رجل سلام وفقط، بل كان رجل حرب أيضًا، فكان رائدا في ميدان القتال والبأس ورائدا في ميدان الصلح والسلام .

[73] هذه الجملة نرفضها، بل كان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم -هادىء الطبع، لين العريكة .

[74] هنري ماسيه : الإسلام ، ص 11

[75] عضو البرلمان البريطاني

[76]مجلة العالم الإسلامي العدد 7 ، السنة الخامسة .

[77] مجلة الذكرى عدد 7 ، دورة 1 ص 22

[78] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1\ 75

[79] الحاكم : المستدرك، 1 \ 628 من حديث عبد الله بن السائب، برقم 1683

[80] الطبري: تاريخ الأمم والملوك1\526، وابن كثير: البداية والنهاية، 2\303

[81] انظر في هذه الحادثة أيضاً: محمد بن يوسف الصالحي : سبل الهدى والرشاد، 2\ 171، وابن الجوزي : صفة الصفوة،1\ 77

[82] انظر: محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص 22، 23.

[83] هنري لامنس : عهد الإسلام ، ص65

[84] ارثر جيلمان : الشرق ، ص 117

[85] دلالة على تأبيد هذا العقد، وفيه جواز تأبيد المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين مالم يكن في هذه المعاهدات ما يخالف الشرع .

[86] السهيلي : الروض الأنف 3/ 38

[87] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1 / 300

[88] انظر: محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية، ص62. وانظر إلى المزيد والمزيد من هذه المعاهدات في هذا الكتاب الفريد.

[89] انظر: ابن كثير : السيرة النبوية 3 / 201، ومحمد بن يوسف الصالحي: سبل الهدى والرشاد 4 / 376

[90] صحيح ـ رواه البيهقي في السنن الكبرى ( 9\ 220)، وهو في الإرواء(1\ 57).

[91] انظر: السهيلي : الروض الأنف 4\ 48،وابن هشام\ 316، وابن كثير: السيرة النبوية 3\ 320.

[92] انظر: ابن حزم: جوامع السيرة 1 / 209 .

[93] انظر: محمد بن يوسف الصالحي سبل الهدى والرشاد 5\ 52.

[94] صحيح البخاري - (3917)

[95] صحيح البخاري - (3918)

[96] رالف لنتون : شجرة الحضارة، 1/341.


[97] سنن أبي داود، باب في خبر النضير، حديث 2610، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود.

[98] انظر: على محمد الصلابي : السيرة النبوية، 1\ 364

[99] صحيح البخاري، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ يُقْتَلُ ببدر، ح 3656 .

[100] انظر: محمد خير هيكل: الجهاد والقتال 3/476، وعلى محمد الصلابي: السيرة النبوية، 1/364،

[101] سيد قطب : في ظلال القرآن، سورة الأنفال، الآية 34.

[102] انظر: محمد خير هيكل: الجهاد والقتال 3/476، وعلى محمد الصلابي: السيرة النبوية، 1/364

[103] محمد سعيد رمضان البوطي : فقه السيرة 126، والحديث متفق عليه .

[104] وليم موير : حياة محمد، 88

[105] واشنجتون إيرفنج : مستشرق أمريكي، أولى اهتمامًا كبيرًا لتاريخ المسلمين في الأندلس. من آثاره: (سيرة النبي العربي) مذيلة بخاتمة لقواعد الإسلام ومصادرها الدينية (1849)، و(فتح غرناطة) (1859)، وغيرها.

[106] واشنجتون إيرفنج: حياة محمد ، ص 72

[107] مولانا محمد علي: حياة محمد و سيرته، ص 269-270.

[108] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص 156-157.

[109] انظر: بشرى زخاري ميخائيل : محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل، ص50.

[110] مولانا محمد علي : حياة محمد و سيرته ، 282.

[111] هنري ماسيه : الإسلام ، ص 11.

[112] مارسيل بوزار : إنسانية الاسلام ، ص 46.

[113] مولانا محمد علي: حياة محمد و سيرته ، ص 269-270.

[114] انظر: مولانا محمد علي: حياة محمد و سيرته ، ص 269-270.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01-30-2012, 12:41 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

المطلب الثالث : هدي محمد في المعارك :
شرع نبي الرحمة لأمته آداب سامية وضوابط حاكمة على سلوك المقاتل المسلم، توجب عليه مخالفتها عقوبات زاجرة قي الدنيا والآخرة[1].
فلا يستخدم في الجهاد في سبيل الله إلا الوسائل المشروعة والأساليب النزيهة، فعن صفوان بن عسال قال :بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فقال: " سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا.."[2] .
وعن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم[3] .
وقال جابر : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتل شيء من الدواب صبرا[4]
وعن حنظلة الكاتب قال :
غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له فقال: " ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل !"
ثم قال لرجل : " انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك يقول: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا[5] .."[6] .
وقال – ذات يوم في معركة مستنكرًا على بعض أصحابه - :
" ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية !" .
فقال رجل : يا رسول الله :إنما هم أولاد المشركين !
فقال : "ألا إن خياركم أبناء المشركين .." .
ثم قال : " ألا لا تقتلوا ذرية ، ألا لا تقتلوا ذرية !! كل نسمة تولد على الفطرة حتى يهب
عنها لسانها فأبواها يهودانها و ينصرانها "[7] .
وعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع ، فقال أبو بكر له :
"إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له " .. وأوصاه قائلاً : " وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما[8]، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا [ وفي رواية : نحلا ولا تفرقنه] ولا تغرقنه ولا تغلل[9] ولا تجبن "[10]
عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : " اتقوا الله في الفلاحين ، ولا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب"[11].
وهذه النصوص وغيرها من دستور العسكرية الإسلامية التي وضعها رسول الله r تشتمل على الأصول الأخلاقية للحرب، وهذه جملتها[12]:
1- الإخلاص والتجرد للأهداف الحقيقية للحرب وترك ما يخالف ذلك من غلول وغدر وثأر وانتقام.
2- المحافظة على البيئة واجتناب الفساد في الأرض بتحريق الأشجار وقتل الحيوانات لغير ضرورة.
3- عدم التعرض لغير المقاتلين من النساء والصبيان والشيوخ.
4- السماحة الدينية واحترام مقدسات الآخرين، بعدم قتل الرهبان والقسيسين ما لم يقاتلوا أو يعينوا على القتال، وعدم التعرض كذلك لبيعهم وكنائسهم بسوء.

المطلب الرابع: فرية العنف ونشر الإسلام بالسيف :
ومن العجيب أن بعض الحاقدين ألصقوا بمحمد r تهمة القسوة والعنف ، ونشر دعوة الله بالسيف!
والحق أن رجالات العلم والفكر في أوربا قد ردوا على هذا الزعم، وفندوه ..

أولاً : رد العلامة لويس سيديو :
وكان من أبرز المدافعين والمظهرين بطلان ما نفثته أقلام الحاقدين ، المؤرخ الفرنسي العلامة لويس سيديو حيث قال:
"من التجني على حقائق التاريخ ما كان من عزو بعض الكُتّاب إلى محمد [r] القسوة... فقد نسي هؤلاء أن محمداً [r] لم يأل جهداً في إلغاء عادة الثأر الموروثة الكريهة التي كانت ذات حظوة لدى العرب، كحظوة المبارزات بأوروبة فيما مضى . وكأن أولئك الكُتّاب لم يقرأوا آيات القرآن التي قضى محمد [r] [بها] على عادة الوأد الفظيعة . وكأنهم لم يفكروا في العفو الكريم الذي أنعم به على ألد أعدائه بعد فتح مكة، ولا في الرحمة التي حبا بها ، كثيراً من القبائل عند ممارسة قواعد الحرب الشاقة... وكأنهم لم يعلموا أن محمداً [r] لم يسئ استعمال ما اتفق له من السلطان العظيم ، قضاء لشهوة القسوة الدنيئة ، وأنه لم يأل جهداً -في الغالب - في تقويم من يجور من أصحابه، والكل يعلم أنه رفض - بعد غزوة بدر- رأي عمر بن الخطاب في قتل الأسرى ، وأنه عندما حل وقت مجازاة بني قريظة ترك الحكم في مصيرهم لحليفهم القديم سعد بن معاذ ، وأنه صفح عن قاتل عمه حمزة ، وأنه لم يرفض -قط - ما طلب إليه من اللطف والسماح"[13] .
ثانيًا: رد الدكتورة كارين أرمسترونج
تقول الباحثة البريطانية كارين أرمسترونج في مقدمة كتابها (سيرة النبي محمد): "من الخطأ أن نظن أن الإسلام دين يتسم بالعنف أو بالتعصب في جوهره، على نحو ما يقول به البعض أحياناً، بل إن الإسلام دين عالمي، ولا يتصف بأي سمات عدوانية شرقية أو معادية للغرب ."[14] .
و تبين أن السبب في إلقاء هذه التهمة على النبيrمن قبل بعض الغربيين، إنما هو بسبب أحقاد قديمة، فتقول:
"إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصاً مثل محمد [r] يكون مناسباً للبدء ! فقد كان رجلاً متدفق المشاعر.. وقد أسس ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، وديناً اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق !! "[15] .
ثالثًا: رد الكاتب الألماني ديسون
يقول المفكر "ديسون: "من الخطأ أن يصدق المرء ما يروِّج له البعض من أن السيف كان المبشر الأول في تقدم الإسلام وتبسطه، ذلك أن السبب الأول في انتشار الإسلام يعود إلى هذه الأخوة الدينية الفريدة، وإلى هذه الحياة الجديدة الاجتماعية التي دعا إليها ومكَّن لها، ثم إلى هذه الحياة الشريفة الطاهرة التي راح يحياها محمد [r] وخلفاؤه من بعده، والتي بلغت من العفة والتضحية حداً جعل الإسلام قوة عظيمة لا تُغلب"[16] .
رابعًا: رد المفكر الهولندي دوزي:
يقول "دوزي" ، مبينًا ومؤكدًا أن النبي r لم يجبر أحدًا على اعتناق الإسلام .. فيقول في كلمات محددة جازمة :
"لم يُفرض فرضاً على أحد !!"[17]..
فلم يثبت ولو في مرة واحدة في تاريخ عهد النبيr أن أجبر أي إنسان على اعتناق الإسلام ولو بالضغط النفسي، فضلاً عن استخدام العنف أو السيف.
خامسًا: رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون:
يقول جوستاف لوبون :
"لم ينتشر الإسلام بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط"[18] ..
ويقول: "إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام، فقد ترك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم"[19] .
سادسًا: رد الكاتبة الايطالية لورافيشيا فاغليري:
وتبين لورافيشيا فاغليري أن" الإسلام لايبيح امتشاق الحسام[20] إلاّ دفاعاً عن النفس ، وهو يحرم العدوان تحريماً صريحاً... وأباحت الشريعة القتال للمسلمين دفاعاً عن حرية الضمير لإقرار السلم، واستتاب الأمن والنظام"[21].
كما حدث في معارك عديدة، كمعركة بدر (17 رمضان 2هـ/13مارس624م)، ومعركة أُحد ( شوال 3هـ/إبريل624 م)، ومعركة الأحزاب ( شوال 5 هـ\ مارس627م) .. فكلها معارك دفاعية، أقل ما يقال فيها أنها معارك دفاع عن النفس .
أو كما حدث في معارك أخرى، كمعركة قينقاع (السبت 15 شوال 2هـ /9 إبريل624، ومعركة النضير (ربيع الأول 4 هـ/غسطس 625 م) ومعركة قريظة(ذي القعدة 5 هـ/إبريل 627 م)، ومعركة خيبر (المحرم سنة 7 هـ /مايو 628).. فهي معارك جائت نتيجة للخيانة، والتحالف ضد المسلمين، ونقض العهود، ومحاولات عديدة لاغتيال النبيr.
سابعًا: رد العلامة توماس كارلايل
وحسبنا رد توماس كارلايل على تلك الفرية التي تذهب إلى أن محمداً rلم ينشر دعوته إلا بحد السيف ،فقال :
"إن اتهام محمد [r] بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!!"[22].. ويقول مفصلاً ..
"لقد قيل كثيراً في شأن نشر محمد[r] دينه بالسيف ، فإذا جعل الناس ذلك دليلاً على كذبه[r] ، فذلك أشد ما أخطأوا وجاروا ، فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لولا السيف ، ولكن ما هو الذي أوجد السيف ؟ هو قوة ذلك الدين ، وأنه حق . والرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجل واحد ، فالذي يعتقده هو فرد- فرد ضد العالم أجمع-، فإذا تناول هذا الفرد سيفاً وقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع ! وأرى - على العموم- أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال، أو لم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً، وحسبكم ما فعل شارلمان بقبائل السكسون ! وأنا لا أحفل إذا كان انتشار الحق بالسيف أم باللسان أو بأية آلة أخرى ، فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أو بالصحافة أو بالنار ، لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تَهزم إلا ما كان يستحق أن يُهزم ، وليس في طاقتها قط أن تقضي على ما هو خير منها ، بل ما هو أحط وأدنى "[23] .. فإنها حرب لا حكم فيها إلا لله الذي أرسل الرسل ذاتها ، ونعم الحكم ما أعدله وما أقسطه، إذا كان من عند الخالق !
المطلب الخامس : فرية حول القتل الجماعي ليهود بني قريظة :
معروف لدى كتب التاريخ أن يهود قريظة كانوا فصيل من فصائل المدينة المنورة .
ومعروف أنه بمجرد قدوم النبي r المدينة عقد بينه وبين اليهود الموجودين بها معاهدة تنظم الشأن العام الداخلي والخارجي للمدينة. وكان من بنود هذه المعاهدة:
1- التزام كل أبناء المدينة بما فيهم المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الآخر .
2- الدفاع المشترك عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي على المدينة .
وحدث في شوال 5 هـ \ مارس627م .. أن مر المسلمون بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش التحالف المشركة بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل، من مشركي قريش وأشجع وغطفان وبني سليم وأسد وفزارة .. على حين لم يزد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل، وكان المتوقع أن ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات المحتلة لحدود المدينة، بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين الفريقين.. لكن الذي حدث هو عكس هذا، فقد فوجئ المسلمون ببني قريظة يخونهم في أخطر أوقات محنتهم، ولم يرعوا للجوار حقاً، ولا للعهود حرمة، بل كانوا يسعون من وراء انضمامهم هذا إلى صفوف القوات الغازية التعجيل بالقضاء على المسلمين ودولتهم الناشئة !
أحدثت هذه الخيانة زلزالاً عنيفًا في نفوس المسلمين، وجرحًا عميقًا في وجدانهم، لا سيما بعد إعلان قريظة – جهارًا نهارًا - الانضمام إلى صفوف الغزاة ..لدرجة أن الرسول r حرص أول الأمر على كتمان الخبر على الشعب لمـا كان يخشى من وقعه على نفوس الجنود. وبمجرد أن انتهى إلى سمعه r النبأ أرسل وفداً دبلوماسيًا مكوناً من القادة الأفاضل سعد بن معاذ(قائد الأوس)، وسعد بن عبادة (قائد الخزرج)، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير- رضوان الله تعالى عليهم - ليذّكروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عقود وعهود، ويحذروهم مغبة ما هم مقدمون عليه، ولكن دون جدوى!
وبعد أن ولى المشركون المحتلون وحلفاؤهم الأدبار، يحملون معهم الهزيمة والإخفاق، وفشلت محاولاتهم لاقتحام المدينة المنيعة . رجع المقاتلون المسلمون إلى بيوتهم بالمدينة يستريحون من هذه الغمة، ويلتقطون أنفاسهم بعد فزع وقلق نفسي مريع دام شهرًا كاملاً.
ويبدو أن بعض الصحابة ظن أن الموضوع انتهى إلى ذلك الحد ! لكن أيترك الخائنون العملاء الناكثون للعهود دون محاسبة ؟ فنادى النبي r في المسلمين "ألا .. لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة !"[24]، فسار الجيش الإسلامي إلى فصيل الفتنة والخيانة، وتبعهم النبي r - القائد العام - بعد أن استخلف على المدينة – نائبًا عنه –عبد الله بن أم مكتوم، وحاصر المسلمون بني قريظة شهراً تقريبًا، ولمـا طال عليهم الحصار.. ورفض النبيr إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط، واستسلم بنو قريظة، ونزلوا على حكم رسول الله r ، فوكل r الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ– قائد الأوس - .. وفي اختيار سعد دلالة على حكمة النبيr وبُعد نظره، وإدراكه لنفسيات يهود قريظة ، لأن سعدًا كان حليف بني قريظة في الجاهلية، وقد ارتاح اليهود لهذا الاختيار، وظنوا أن الرجل قد يحابيهم في حكمه، لكن سعداً نظر إلى الموقف من جميع جوانبه. وقدره تقدير من عاش أحداثه وظروفه.
وبعد أن أخذ سعد t المواثيق على الطرفين أن يرضى كل منهما بحكمه. أعلن حكمه بالإعدام على الخونة، قائلاً: "فَإِنّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الرّجَالُ وَتُسْبَى الذّرّيّةُ وَتُقْسَمَ الأمْوَالُ "، فقال رسول الله rمؤيدًا هذا الحكم : " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ "[25] ..
فسيقوا إلى خنادق في المدينة، فُقتل رجالهم وُسبي نساؤهم وذراريهم. ولاقى بنو قريظة هذا المصير على هذه الخيانة.
وهنا يحلو للبعض أن يتطاولوا على تصرف النبي r ومعاملته لبني قريظة، ويعتبروا أن الإعدام الجماعي الذي تم لهؤلاء الناس يتسم بالقسوة والوحشية والإجرام... الخ ..
ونرد على مثل هذه الآراء ونقول :
أولاً: ماذا لو أن نتيجة غزوة الأحزاب تمت حسبمًا كان يخطط لها بنو قريظة وأحزابهم؟ ألم تكن هي الإبادة التامة للمسلمين أجمعين. على أن اليهود لم يقدِموا على هذا العمل الخسيس إلا بعد أن تكون لديهم ما يشبه اليقين بأنهم- بمساعدة المشركين- سوف يقومون بتدمير الكيان الإسلامي تدميراً كاملاً، واستئصال شأفة المسلمين استئصالاً كلياً – كما ورد في كتبهم إذا ظهروا على شعب من الشعوب - ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة[26].
لقد جاء في سفر التثنية : "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك وفتحت لك؛ فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك.. بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك "[27] .
ويعلق "مولانا محمد علي"، على هذا النص بقوله: "وهكذا حكم سعد وفقًا للشريعة الموسوية بقتل ذكور بني قريظة وبسبي نسائهم وأطفالهم وبمصادرة ممتلكاتهم.. ومهما بدت هذه العقوبة قاسية، فقد كانت على درجة الضبط للعقوبة التي كان اليهود ينزلونها- تبعاً لتشريع كتابهم- بالمغلوبين من أعدائهم، فأي اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد لا شعوري للشريعة الموسوية، وتسليم بأن شريعة أكثر إنسانية يجب أن تحل محلها، وأيما مقارنة بالشريعة الإسلامية في هذا الصدد خليق بها أن تكشف- في وضوح بالغ- أي قانون رفيق عطوف رحيم قدمه الإسلام إلى الناس"[28].
ثانياً: أن اليهود – لا سيما يهود قريظة - لم يلقوا من المسلمين طيلة السنوات التي تلت المعاهدة إلا كل بر ووفاء، ومعاملة حسنة طيبة، كما شهدوا أنفسهم بذلك، فعندما ذهب حيي بن أخطب – أكبر زعماء اليهود - إلى كعب بن أسد القرظي زعيم قريظة يغريه بنقض العهد مع النبي r قال: " وَيْحَك يَا حُيَيّ !! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمّدٍ إلّا صِدْقًا وَوَفَاءً " [29].. لكنه لم يزل به حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد.
ثالثًا : أن قانون أي دولة الآن يحكم بالإعدام على من يخون وطنه ويقيم اتصالات مع العدو أو يتجسس لحسابه، و لو درس الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن قوانين العصر الحديث والدول المتقدمة لا تختلف في شيء عما أصدره سعد بن معاذ[30]. .
فيهود قريظة خانوا العقد، وتآمروا وانضموا إلى أعداء الدولة الإسلامية وأوقعوا المسلمين بين شقي الرحى في المدينة مكتوين بنار المشركين من جهة واعتداء اليهود في ساعة المحنة من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر أربع جرائم:
أ - رفع السلاح ضد سلطان المدينة مع الأجنبي المعتدي المحتل.
ب - تسهيل دخول العدو للبلاد .
ج - التجسس لصالح تحالف المشركين.
د- دس الفتن والمشاركة في الحرب الإعلامية النفسية على الشعب المسلم.
إذا هو ( القصاص العادل)[31] الذي أصاب بني قريظة على خيانتهم ..
ومعظم قوانين العقوبات العصرية تجعل الإعدام عقوبة كل جريمة من الجرائم الأربع، وتسمى أي جريمة من هذه الجرائم باسم الخيانة العظمى!
رابعًا : قد يقال: كان من الممكن أن يعامل النبي r يهود بني قريظة كما يعامل القائد المنتصر رجال جيش عدوه الذي انهزم أَمامه واستسلم، أو يعاملهم كما عامل يهود بني النضير وبني قينقاع.. والجواب على ذلك أن بني قريظة لم يكونوا أسرى حرب حتى يميل بهم إلى الشفقة، ولم يكونوا في حالة حرب مع المسلمين، وإنما كانوا جيرانا متحالفين يشكلون مع المسلمين وحدة وطنية ملزمة بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي عدوان، لكنهم ظهروا أخطر من الأعداء، إذ يبيتون لأناس يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار، وواجبات الذمام، فكانوا بمثابة الخائن المتآمر المتواطئ مع العدو على أمته ووطنه في حالة الحرب القائمة وهذه خيانة عظمى ليس لها في جميع الشرائع إلا الإعدام السريع.. وموقفهم هنا يختلف اختلافًا واضحًا عن موقف بني قينقاع وبني النضير، فالأولون قد أبدوا البغضاء من أفواههم وأشاعوا الرعب والشكوك ورأوا في الدعاية المغرضة سلاحًا لا يفل.. وبنوا النضير ائتمروا على قتل الرسول r، وتحالفوا مع بعض المنافقين على المناجزة دون أن تتيح لهم الفرصة طريقًا يصلون منه إلى التنفيذ، وهؤلاء وأولئك أَهون خطًبا من الذين سلوا السيوف ووقفوا في صفوف العدو وأوقعوا الهلع في قلوب يحيط بها الروع من كل ناحية، فتعادل الكفتين بينهما طيش لا يقره إنصاف[32] .
المبحث الرابع
رحمتهr للأسرى
في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أبسط قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبيr بمبادئه العسكرية، ليشرع للعالمين تصورًا شاملاً لحقوق الأسرى في الإسلام.
وفي هذا العصر الحديث الذي شرّعت فيه المنظمات الدولية بنودًا نظرية – غير مفعلة وغير مطبقة – لحقوق الأسرى، كاتفاقيات جنيف بشأن أسرى الحرب في معاملة أسرى الحرب ورعايتهم جسدياً ونفسياً.و نرى رسولنا r يشرع قبلهم بمئات السنين حقوقًا شاملة وجامعة للأسرى، أضف إلى ذلك أن النبي r لم يجعل هذه الحقوق بنودًا نظرية بعيدة عن واقع الحروب – كما هو الحال في عصرنا -، بل جعلها منهجًا عمليًا وطبقها بنفسه في غزواته وطبقها تلاميذه في السرايا والمعارك الإسلامية ..
وفي إكرامه r للأسرى، مظهر فريد من مظاهر الرحمة، في وقت كانت تستباح فيه الحرمات والأعراض ..
"وكثيراً ما أطلق [r] سراح الأسرى في سماحة بالغة ، رغم أن عددهم بلغ في بعض الأحيان ستة آلاف أسير"[33] .
يقول سيديو : "والكل يعلم أنه[r] رفض -بعد غزوة بدر- رأي عمر بن الخطاب في قتل الأسرى... وأنه صفح عن قاتل عمه حمزة ، وأنه لم يرفض - قط -ما طلب إليه من اللطف والسماح"[34].

المطلب الأول : نماذج في معركة بدر (17 رمضان 2هـ/13مارس624م):
لقد استشار النبي rوزرائه في أسارى بدر فأشار عليه أبو بكر t أن يأخذ منهم فدية ، فهم بنو العم والعفو عنهم أحسن، ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام. وقال عمر t : لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها!!
فهوي النبي r ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر. فلما كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله r يبكى هو وأبو بكر فقال: يا رسول الله! من أي شئ تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله r: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ! لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة !" وأنزل الله تعالى قوله:] مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ[35][.
وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي r له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله r لأبي بكر أولاً ولموافقة الله له آخراً حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخراً وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة[36]..
وحين أقبل بالأسارى – بعد بدر - فرقهم النبيr بين أصحابه وقال :
"استوصوا بهم خيراً"[37] ..
وبهذه التوصية النبوية الرفيعة، تحقق في هذا الجيل الإسلامي الفضيل قول الله تعالى:
]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [[38] .
وهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يحدثنا عما رأى. قال: كنت في الأسرى يوم بدر[39]، فقال رسول الله r:" اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا"[40]. وكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَيّ ما يَمَسّهَا [41] .
ويقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "لما كان يوم بدر أُتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي r له قميصاً فوجدوا قميص عبدالله بن أُبي يقدر عليه فكساه النبي r إياه"[42]
وهذا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ يحدثنا قال: كنت في رهط من الأنصار [43] - جزاهم الله خيرًا -، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون[44].
وقد كان أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ في الأسارى، وختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وزوج ابنته زينب، أسره خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ ، فلما بعثت قريش فداء الأسرى بعثت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن الربيع بقلادة لإمها خديجة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا "، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها[45].

كان هذا الخُلق الكريم الذي غرسه المعلم الكبير محمد r في أصحابه وجنده وشعبه، قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة، وتنفيذ وصية r ، وأسلم معه السائب بن عبيد.
وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدثون عن محمد r ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير[46].
المطلب الثاني : نموذج معركة بني المصطلق (شعبان 5 هـ /يناير 627 م)
لقد أطلق المسلمون من في أيديهم من أسرى بني المصطلق – بعد معركة مع بني المصطلق أعداء الرسولr ، وذلك أن جُوَيْرِيَة بنت الحارث سيد بني المصطلق وقعت في سهم ثابت ابن قيس، فكاتبها، فـأدي عنها رسول الله r وتزوجهـا، فأعـتق المسلـمون بسبـب هـذا التزويـج مـائـة أهـل بيـت مـن بنـي المصطلق قـد أسلمـوا، وقـالـوا‏:‏ أصهـار رسول الله r[47]‏.‏ حيث كره المسلمون أن يأسروا أصهار رسول الله ! قالت عائشة : فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها[48].
واستكثر الصحابة على أنفسهم أن يتملكوا أصهار نبيهم وقائدهم r، وحيال هذا العتق الجماعي، وإزاء هذه الأريحية الفذة، دخلت القبيلة كلها في دين الله. إن مرد هذا الحدث التاريخي وسببه البعيد، هو حب الصحابة للنبي r، وتكريمهم إياه، وإكبارهم شخصه العظيم[49]، وتأسيهم بأخلاق قائدهم في معاملة الأسرى، والتي عهدوها من معلمهم في حروب سابقة .

المطلب الثالث : نموذج معركة حنين( 10 شوال 8 هـ/30 يناير 630 م)
يقول "جان باغوت غلوب":
"وكان انتصار المسلمين [على هوازن] في حنين كاملاً، حتى أنهم كسبوا غنائم كثيرة بين أعداد وفيرة من الإبل والغنم ، كما أسروا عدداً ضخماً من الأسرى معظمهم من نساء هوازن وأطفالها ، وعندما عاد النبي [r] عن الطائف دون أن يتمكن من فتحها شرع يقسم الغنائم والأسلاب بين رجاله . ووصل إليه وفد من هوازن المهزومة المغلوبة على أمرها يرجوه إطلاق سراح النسوة والأطفال من الأسرى، وسرعان ما لبى النبي [r] الطلب بما عرف عنه من دماثة و تسامح ، فلقد كان ينشد من جديد في ذروة انتصاره أن يكسب الناس أكثر من نشدانه عقابهم وقصاصهم"[50] .
لقد تأثر مالك بن عوف زعيم هوازن المهزومة بهذا العفو الكريم والخلق العظيم من محمد r، بعدما أطلق له كل الأسرى من قومه..
فجادت قريحته لمدح النبي r ، فأخذ ينشد فاصلاً من الشعر، يشكر فيه رسول الله r
فقال مالك :
šŠ¤1فِي النّاسِ كُلّهُمُ بِمِثْلِ مُحَمّدِ
š
š
مَا إنْ رَأَيْت وَلَا سَمِعْت بِمِثْلِهِ
Šš
šوَمَتَى تَشَأْ يُخْبِرْك عَمّا فِي غَــدٍ

š
š
أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إذَا اُجْتُدِيَ
Šš
šبِالسّمْهَرِيّ وَضَرْبِ كُلّ مُهَــنّدِ

š
š
إذَا الْكَتِيبَةُ عَرّدَتْ[51]أَنْيَابَهَا
Šš
šوَسْطَ الْهَبَاءَةِ[52]خَادِرٌ [53]فِي مَرْصَدِ 4 .
مرصد[54]
š
š
فَكَأَنّهُ لَيْثٌ عَلَى أَشْبَالِهِ
¤
Šš

المطلب الرابع : نماذج أخرى:
أولاً : عفوه عن ثمانين أسيرًا في الحديبية :
هبط عليهr فى صلح الحديبية (في ذي القعدة 6 هـ/ مارس628 م) ، ثمانون متسلحون، من جبل التنعيم[55]، يريدون قتله، فأسرهم، ثم منَّ عليهم[56].
ثانيًا : عفوه عن ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة
أُسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، وسيد اليمامة، فربطه الصحابة بسارية بالمسجد النبوي[57]. وإنما رُبط بسجد بناه أكرم الخلق، مطلق العاني الأسير، خير من أكرم العزيز إذا ذل، والغريب إذا ضل .
فَقَالَ النبي r - لأصحابه -: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ " ..
فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ[58] .
فلقد هزته الأخلاق المحمدية هزًا عنيفًا، فطفق يهتف بأخلاق محمد، ويقول :
"مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ!! وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ !! وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ !! "[59] ..
بل ويترجم ثمامة هذا الحب عمليًا ..فيبغض في الله ويقاطع في الله، فلما فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : صَبَوْتَ ؟؟!
قَالَ: " لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "[60] ! .
ثالثًا: لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح :
رأى الرسول أسارى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس فأمر من يقومون بحراستهم قائلاً: "لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح.. قيلوهم حتى يبردوا"، وقد سئل الإمام مالك - يرحمه الله: "أيعذب الأسير إن رجي أن يدل على عورة العدو؟" فأجاب قائلاً: "ما سمعت بذلك"[61] وبذلك يحرم الإسلام تعذيب الأسرى، ويرفض إهانتهم، ويقرر عدم إهمالهم.. كما لا يجوز تعذيب الأسير، ولا إهانته للحصول على معلومات عسكرية منه..
رابعًا : كسوة ونفقة لإسيرة :
وأعطى رسول الله كسوة ونفقة لابنة حاتم الطائي عندما وقعت أسيرة في أيدي المسلمين، بل حملها حتى خرجت مع بعض أناس من قومها[62].
خامسًا : عفوه عن مشركين قاتلوا يوم الفتح :
وأطلق يوم فتح مكة (رمضان 8هـ/ يناير 630 م ) جماعة من قريش فكان يقال لهم : الطلقاء[63].
فهذه نماذج، تبين لك مدى رحمة النبي r للأسرى، وهذه المواقف وغيرها تكشف الستار عن شخصية بلغت من السمو والرفعة مبلغًا بعيدًا، شخصية تحرك الأفئدة نحوها بفيض عارم من الرحمة والعفو والجاذبية .
المبحث الخامس
رحمته لقتلى العدو
المطلب الأول : مواراة جيف قتلى العدو في بدر:
فلما انتصر النبي – صلى الله عليه وسلم – على المشركين في معركة بدر نصراً ساحقًا، وقُتل في هذه الموقعة سبعون من صناديد الوثنية، لم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالتمثيل بجثث القتلى أو إهانتها، بل أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدفنهذه الجثثفي بئر من آبار بدرالقديمة ..
وقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- وقف على القتلى فقال – يعاتبهم في حرقة - : «بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس»[64] .
ونادى عليهم وهم في البئر قائلاً: «يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا فلان، ويا فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا» فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب»[65] .
المطلب الثاني : جثة نوفل بن عبد الله !
لما حاول نوفل بن عبد الله – لعنه الله – اقتحام الخندق الذي صنعه المسلمون لتحصين المدينة من حصار التحالف الوثني – في غزو الأحزاب - ومات مقتولاً في الخندق، عندما أصر على اقتحامه في فرقة من المشركين، سأل المشركون المسلمين جثته بمال يعطونه المسلمين، فأرسل المشركون إلى النبي: أن أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشر ألفاً[66].. فتعفف رسول الله عن هذا المال الخبيث، ونهاهم عن ذلك وكرهه !! وقال: " ادْفَعُوا إِلَيْهِمْ جِيفَتَهُمْ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ"[67]
وفي رواية قال: " ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته"[68].فلم يقبل منهم شيئًا، وخلى بينهم وبينه ..
وفي رواية : عن عن عكرمة أن نوفلاً تردى به فرسه يوم الخندق فقُتل فبعث أبو سفيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بديته مائة من الإبل فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم -وقال : "خذوه فإنه خبيث الدية خبيث الجثة"[69]..
وقال صلى الله عليه وسلم : " هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى "[70]
وإنما كره هذا لئلا ينسب إلى المسلمين ما لا يليق بمكارم الأخلاق، فقد كان عليه السلام يقول: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[71].
المطلب الثالث : جثة عمرو بن ود :
وبالمثل في نفس الغزوة، حدث مع عمرو بن ود – طاغية العرب - ، عندما قتله علي – رضي الله عنه – في مبارزة عنيفة.. وذكر ابن إسحاق أن المشركين بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
"هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى"[72].
ولما أقبل علي – رضي الله عنه - بعد قتله لعمرو بن عبد ود على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متهلل، قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع خير منها؟ قال: إني حين ضربته استقبلني بسوءته فاستحييت يا ابن عمي أن أسلبه[73].
المبحث السادس
رحمته لأهل الذمة
المطلب الأول : من هم أهل الذمة وما موقف الدولة الإسلامية منهم ؟
أهل الذمة هم الأقليات من أهل الكتاب دخل الدولة الإسلامية ..
يقول أدوار بروي:
"فاليهود والنصارى الذين هم أيضًا من أهل الكتاب، حق لهم أن يتمتعوا بالتساهل وأن لا يضاموا. وكان لابدّ من وقوف هذا الموقف نفسه من الزرادشتية والبوذية والصابئة.. وغيرها من الملل والنحل الأخرى. والمطلوب من هؤلاء السكان أن يظهروا الولاء للإسلام ويعترفوا بسيادته وسلطانه، وأن يؤدوا له الرسوم المترتبة على أهل الذمة تأديتها.. وفي نطاق هذه التحفظات التي لم يكن لتؤثر كثيرًا على الحياة العادية، تمتع الزميون[ في الإسلام] بكافة حرياتهم"[74].
ويقول : مونتكومري وات:
"إن تعامل المسلمين كان مختلفًا تجاه اليهود والمسيحيين والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للإسلام، رغم الدعوى القائلة بأن الأتباع المعاصرين لتلك الديانات قد ابتعدوا عن جوهرها. ومهما كان الأمر فقد كان بالإمكان قبولهم نوعًا من الحلفاء للمسلمين في معظم الأقطار التي فتحتها العرب. لذلك فإن غرض الجهاد لم يكن يهدف إلى تحويل أولئك السكان نحو الإسلام بقدر ما كان يهدف إلى اعترافهم بالحكم الإسلامي وبمنزلة أناس يحميهم الإسلام. وبعامة فإنهم (أهل الذمة)" [75] .
" وكانت الطائفة الذمية مجموعة من الناس تعتنق ديانة واحدة لها استقلالها الداخلي برعاية رئيس ديني كالبطريك أو الرابي، وكان على كل فرد من أفراد المجموعة الذمية دفع ضريبة شخصية إلى الحاكم المسلم ... وكانت تلك الضرائب أحيانًا أقل وطأة من الضرائب التي كانت تدفع للحكام السابقين. وكانت حمايتهم بصورة فعالة بالنسبة للدولة الإسلامية تمثل كلمة شرف تلتزم بها الدولة وتنفذها"[76] .
المطلب الثاني : شهادات علماء الغرب :
أولاً: حرية أهل الذمة في الاعتقاد :
يقول "روم لاندو" :
"على نقيض الإمبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض المسيحية على جميع رعاياها فرضًا، اعترف العرب بالأقليات الدينية وقبلوا بوجودها. كان النصارى واليهود والزرادشتيون يعرفون عندهم بـ (أهل الذمة)، أو الشعوب المتمتعة بالحماية. لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية.. التي أمست تدفع بدلاً من الخدمة العسكرية. وكانت هذه الضريبة مضافًا إليها الخراج، أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في ظل الحكم البيزنطي. كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل كملّة، أي كطائفة نصف مستقلة استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة. وكانت كل ملّة تخضع لرئيسها الديني"[77].
ثانيًا: حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر :
يقول ول ديورانت:
".. كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم"[78]..
ويقول" آدم متز"
"كانت حياة الذمي عند أبي حنيفة وابن حنبل تكافئ حياة المسلم، ودية المسلم، وهي مسألة مهمة جدًا من حيث المبدأ.. ولم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحض مواكبهم وأعيادهم ويأمر بصيانتهم.. وكذلك ازدهرت الأديرة بهدوء.."[79].
ثالثًا: رعاية المسلمون لأهل الذمة:
يقول آرثر ستانلي تريتون[80] :
"ولما تدانى أجل (عمر بن الخطاب) أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم) وفي الأخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول، وهي شهادة (عيثويابه) الذي تولى كرسي البطريركية من سنة 647 إلى 657م إذ كتب يقول: (إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، أنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملّتنا ويوقرون قسيسينا وقدّيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا). والظاهر أن الاتفاق الذي تم بين (عيثويابه) وبين العرب كان من صالح النصارى، فقد نصّ على وجوب حمايتهم من أعدائهم، وألا يحملوا قسرًا على الحرب من أجل العرب، وألا يؤذوا من أجل الاحتفاظ بعاداتهم وممارسة شعائرهم، وألا تزيد الجزية المجباة من الفقير على أربعة دراهم، وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهما، وإذا كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه لا يحق لسيدها أن يجبرها على ترك دينها أو إهمال صلاتها والتخلي عن صيامها."[81].
رابعًا: الاستعانة بهم في أجهزة الدولة :
يقول آدم متز:
"ومن الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصرّفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية"[82] ..
وقد كان عمر بن الخطاب t يستخدمهم في كتابة الدواوين والترجمة.
المطلب الثالث : وصايا النبي r بأهل الذمة والتحذير من إيذائهم:
أولاً: حرمة قتل الذمي بغير حق :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt:
عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"[83].
ثانيًا: حرمة قذف الذمي :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ[84] لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِياطٍ مِنْ نَارٍ" قيل لِمَكْحُولٍ: مَا أَشَدُّ مَا يُقَالُ، قَالَ: يُقَالُ لَهُ:يَا ابْنَ الْكَافِر[85]ِ.
ثالثًا: تحريم ظلمه :
عن عبد الله بن جراد ، أن رسول الله r قال :" من ظلم ذميًا مؤدياً الجزية[86] مقرًا بذلته ، فأنا خصمه يوم القيامة "[87] .
وفي ذلك يقول يقول كولدتسيهر[88] :
"فظلم أهل الذمة، وهم أولئك المحتمون بحمى الإسلام من غير المسلمين، كان يحكم عليه بالمعصية وتعدي الشريعة. ففي بعض المرات عامل حاكم إقليم لبنان الشعب بقسوة عندما ثار ضد ظلم أحد عمال الضرائب، فحكم عليه بما قاله الرسول [r]: (من ظلم معاهدًا، وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة). وفي عصر أحدث من هذا ما رواه بورتر Porter في كتابه (خمس سنين في دمشق) من أنه رأى بالقرب من بصرى (بيت اليهود) وحكى أنه كان في هذا الموضع مسجد هدمه عمر [t] لأن الحاكم قد اغتصبه من يهودي ليبني عليه هذا المسجد!"[89].

المبحث السابع
قيم حضارية في غزوة بدر [ نموذجًا]

كثيرة هي تلك القيم الحضارية التي ظهرت في غزوة بدر[الجمعة 17 رمضان 2هـ - 13مارس624م]كأحداث رئيسية في هذه المعركة..تلك المعركة التي لم تكن في حسبان جيش المسلمين الذين خرجوا لمطاردة ثفقة تجارية لقريش قادمة من الشام يقودها أبو سفيان بن حرب، كمحاولة جديدة لاسترداد بعض أموال المسلمين التي صادرتها قريش !
ولكن قضى الله أمرًا غير الذي أراده المسلمون، فقد استطاع أبو سفيان أن يفلت بالقافلة، بعدما أرسل الى مكة من يخبر قريشاًبالخبر غير الذي أراده المسلمون، فغضب المشركون في مكة، فتجهزوا سراعاً، وخرجوا في ألف مقاتل .. أما أبو سفيان فقد أرسل إلى قيادات مكة ، من يخبرهم بأن القافلة قد نجت، وأنه لا داعي للقتال، وحينئذ رفض أبو جهل إلا المواجهة العسكرية..
وفيما يلي نقف – سريعًا - على بعض القيم الحضارية المستفادة من هذه الغزوة :
المطلب الأول : لا نستعين بمشرك على مشرك :
لما خرج رسول الله r ، إلى بدر، أدركه خبيب بن إساف، وكان ذا بأس ونجدة ولم يكن أسلم، ولكنه خرج منجدًا لقومه من الخزرج طالبًا للغنيمة، وكانت تُذكر منه جرأة وشجاعة، ففرح أصحاب النبي r حين رأوه، فلما أدركه قال: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له النبي r" أتؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا، قال: "فارجع فلن نستعين بمشرك" " فلم يزل خبيب يلح على النبي، والنبي يرفض، حتى أسلم خبيب، فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ r بِذَلِكَ ، وَقَالَ : " انطلق"[90] ..
وعلى النقيض من هذا الموقف، جاء أبو قَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ، يطلب القتال مع المسلمين وقد كان مشركًا، فلما رفض الإسلام، رده رَسُولُ اللّهِ r وَرَجَعَ الرجل إلَى المدينة، وأسلم بعد ذلك[91] .

نرى القائد الإسلامي في هذا الموقف، يرفض أشد الرفض أن يستعين بمشرك على قتال مشرك، وأقل ما نُعَنون به هذا الموقف الحضاري المتكرر في السيرة الغراء، هو عنوان الحرب الشريفة النظيفة، التي تكون من أجل العقائد والمثل، لا من أجل القهر والظفر بالمغانم .. ففي هذا الموقف دلالة على أن الحرب في الإسلام لا تكون إلا من أجل العقيدة، فلا يصح إذن – إذا كنا نقاتل من أجل العقيدة – أن نستعين بأعداء هذه العقيدة في الحرب ..
وتخيل معي شعور الجيش المشرك، عندما تأتيه أنباء رفض القائد الإسلامي الاستعانة عليهم بغير المسلمين.. بيد أن الحروب الجاهلية في الماضي والحاضر يستعين فيها الخصم على خصمه بشتى الملل والنحل، الصالحة والطالحة، المهم أن يظفر الخصم بخصمه، فينهب ويسلب ويغدر .. دون الالتفات إلى قيم أو مثل !
أما القيادة الإسلامية الكريمة ترسخ هذا الأصل الأصيل في أخلاقيات الحروب، بحيث تُظهر عقيدتها السمحة، وتستميل نفوس الجنود الذين جاءوا لحرب المسلمين، ناهيك عن البعد الإعلامي، الذي يسحب القائد الإسلامي بساطه من تحت خصمه، الذي جاء بطرًا ورئاء الناس، فيظهر الخصم المشرك أمام الرأي العام العالمي والإقليمي بمظهر المتعجرف .. أما الجيش الإسلامي فيظهر بمظهر جيش الخير ، الذي يحترم العقيدة ، إلى الدرجة التي يرفض فيها أن يستعين في قتاله بمن يخالف عقيدته!

المطلب الثاني : مشاركة القائد جنوده في الصعاب:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله r قال : فكانت إذا جاءت عقبة رسول الله r قالا : نحن نمشي عنك قال : " ما أنتما بأقوى مني وما أنا بأغنى عن الأجر منكما "[92]
فالقائد الصالح هو من يشارك جنوده الصعاب، ويحفزهم على القليل والكثير من الصالحات، ليكون قدوة طيبة أخلاقية لجنوده في المنشط والمكره، وليس القائد بالذي يتخلف عن جيشه رهبًا من الموقف أو يتلذذ بصنوف النعيم الدنيوي وجنده يكابد الحر والقر.

المطلب الثالث الشورى :
ففي وداي ذَفِرَانَ بلغ النبي نجاة القافلة وتأكد من حتمية المواجهة العسكرية مع العدو.. فاستشار الناس ووضعهم أمام الوضع الراهن إما ملاقاة العدو وإما الهروب إلى المدينة .. فقال لجنوده : " أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاسُ"، ولا زال يكررها عليهم، فيقوم الواحد تلو الآخر ويدلو بدلوه، فقام أبو بكر فقال وأحسن . ثم قام عمر فقال وأحسن . ثم قام الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فقال وأحسن.. حتى قام القيادي الإنصاري البارز سعد بن معاذ، فحسم نتيجة الشورى لصالح الحل العسكري .
فهذا هو المجتمع الإسلامي، الذي يعتبر الشورى ركنًا من أركانه، وأصلاً في بنيانه.. في أيام كانت أوربا تحت حكم وراثي كنسي مستبد، يقيد الجنود بالسلاسل – في المعارك – حتى لا يفروا. لا قيمة عندهم لرأي، ولا وزن - في تصوراتهم – لفكر !

المطلب الرابع : النهي عن استجلاب المعلومات بالعنف :
وهذا مظهر آخر من المظاهر الحضارية في السيرة، فقد حذر رسولنا r من انتزاع المعلومات بالقوة من الناس، ففي ليلة المعركة بَعَثَ النبي r عَلِيّ بْنَ أَبِي طالب فِي مفرزة إلَى مَاءِ بَدْرٍ في مهمة استخباراتية لجمع المعلومات، فوجدوا غلامين يستقيان للمشركين، فأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا ، وَرَسُولُ اللّهِ r يُصَلّي، فقالا : نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ . فطفق الصحابة يضربوهما، حتى اضطر الغلامان لتغيير أقوالهما . فلما أتم رسول الله صلاته؛ قال لهما مستنكرًا :"والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا و تتركونهما إذا كذبا .. إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا ؟ ! ، صَدَقَا ، وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ"[93] .
هكذا كانت معاملة القيادة الإسلامية لمن وقع في قبض المخابرات الإسلامية للاستجواب، فنهى القائد عن تعذيب المستجوَب، أو انتزاع المعلومات منه بالقوة، فسبق اتفاقية جينيف الثالثة لعام 1949 التي تحظر إجبار الأسير على الإدلاء بمعلومات سوى معلومات تتيح التعرف عليه مثل اسمه وتاريخ ميلاده ورتبته العسكرية، ، وجرّم رسول الله كل أعمال التعذيب أو الإيذاء أوالضغط النفسي والجسدي التي تمارس على الأسير ليفصح عن معلومات حربية .
وثمة تقدم إسلامي على هذه الاتفاقات الأخيرة، فرسول الله قد طبق هذه التعاليم التي تحترم حقوق الأسير، بيد أن دول الغرب في العصر الحديث لم تعير اهتمامًا لهذه الاتفاقات ولم تحترمها، والدليل على ذلك ما يفعله الجنود الأمريكيون في الشعب العراقي والأفغاني .. وما يفعله الصهاينة في الشعب الفلسطيني.

المطلب الخامس : احترام آراء الجنود:
فلما تحرك رسول الله إلى موقع المعركة، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر من الجيش الإسلامي، وهنا قام الْحُبَاب بْنَ الْمُنْذِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع، وهو عند أقرب ماء من العدو، فَقَالَ له رَسُولُ اللّهِ r - مشجعًا - :" لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ"[94].وبادر النبي بتنفيذ ما أشار به الحباب ، ولم يستبد برأيه رغم أنه القائد الأعلى، وعليه ينزل الوحي من السماء!
إن هذه المواقف لتبين كيف تكون العلاقة بين القائد وجنوده، إنها علاقة تحترم الآراء الناضجة وتشجع الأفكار الصاعدة .

المطلب السادس : العدل بين القائد والجندي :
قلما نرى في تاريخ الحروب صورة تعبر عن العدل بيت القادة والجنود، فالتاريخ الإنساني حافل بصور استبداد القادة العسكريين وظلمهم للجنود.. أما محمد فنراه في أرض المعركة يقف أمام جندي من جنوده ليّقتص الجندي منه .. أما الجندي فهو ِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ، لما اسْتَنْتِل من الصف، غمزه النبي غمزة خفيفة في بَطْنِهِ - بالسهم الذي لا نصل له - وقال : " اسْتَوِ يَا سَوّادُ !" .. قال : يا رسول الله ! أوجعتني ! وقد بعثك الله بالحق والعدل؛ فَأَقِدْنِي ! فكشف رسول اللّهِ r عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ : " اسْتَقِدْ" .. فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ ! فَقَالَ النبي r : " مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ ؟ " ، قال : حضر ما ترى، فَأَرَدْتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله بخير[95]

المطلب السابع : الحوار قبل الصدام :
أراد النبي أن يستنفذ كل وسائل الصلح والسلام قبل أن يخوض المعركة، فما أُرسل إلا رحمة للعالمين، فأراد أن يبادر بمبادرة للسلام ليرجع الجيشان إلى ديارهما، فتُحقن الدماء، أو ليقيم الحجة على المشركين، فلما نَزَلَ الجيش الوثني أرض بدر أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ r عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ، وقد كان سفيرهم في الجاهلية، فنصحهم عمر بالرجوع إلى ديارهم حقنًا للدماء .. فتلقفها حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أحد عقلاء المشركين، فقال: قد عَرَضَ نِصْفًا، فَاقْبَلُوهُ، والله لا تُنْصَرُونَ عليه بعد ما عرض من النّصْفِ . فقال أبو جهل : والله لا نرجع بعد أن أمكننا الله منهم[96]. فانظر حرص الرسول على حقن الدماء وحرص أبي جهل على سفك الدماء، وانظر إلى هذه القيمة الحضارية التي يسجلها نبي الرحمة في هذه المعركة : الحوار قبل الصدام .

المطلب الثامن : الوفاء مع المشركين :
فقد قال النَّبِي في أُسَارَى بدر: " لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"[97] !!
وذلك لأن المطعم قد أدخل النبي r في جواره فور رجوعه من الطائف إلى مكة، وفي الوقت الذي تخلى فيه الناس عن حماية النبي خوفًا من بطش أبي جهل، قال المطعم : "يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم " .. وقد حفظ النبي r للمطعم هذا الصنيع وهذه الشهامة .
وقال النّبِيّ r في هذا اليوم أيضًا: "مَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا ."[98] وقد كان العباس في مكة بمثابة قلم المخابرات للدولة الإسلامية، وقد كان مسلمًا يكتم إيمانه .. أما أبو الْبَخْتَرِيّ فقد كان أكف المشركين عن المسلمين، بل ساند المسلمين في محنتهم أيام اعتقالهم في الشِعب، وكان ممن سعى في نقض صحيفة المقاطعة الظالمة، ومن ثم كانت له يد على المسلمين، فأرد النبي يوم بدر أن يكرمه. فالقيادة الإسلامية تحفظ الجميل لإصحاب الشهامة وإن كانوا من فسطاط المشركين .

المطلب التاسع : حفظ العهود :
قال حذيفة بن اليمان: ما منعنا أن نشهد بدرًا إلا أني وأبي أقبلنا نريد رسول الله r فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده إنما نريد المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرن إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد r ، لما جاوزناهم أتينا رسول الله r فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم فيما ترى؟ قال: "نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم"[99] !! .
وهذا الموقف من رسول الله يعد من مفاخر أخلاقيات الحروب في تاريخ الإنسانية، فلم ير المؤرخون في تاريخ الحروب قاطبة موقفًا يناظر هذا الموقف المبهر، ذلك الموقف الذي نرى فيه القيادة الإسلامية تحترم العهود والعقود لأقصى درجة، حتى العهود التي أخذها المشركون على ضعفاء المسلمين أيام الاضهاد، رغم ما يعلو هذه العقود من شبه الإكراه .

المطلب العاشر : النهي عن المثلة بالأسير :
لما أُسر سهيل بن عمرو أحد صناديد مكة فيمن أُسر، قال عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ لِرَسُولِ اللّهِ r: يَا رَسُولَ اللّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سهيل بن عمرو، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا ! وقد كان خطيبًا مفوهًا، يهجو الإسلام. فقَالَ رَسُولُ اللّهِ r - في سماحة وسمو -: " لا أُمَثّلُ بِهِ، فَيُمَثّلُ اللّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيّا !!"[100]. فلم يمثل به كما يمثل الهمجيون في قتلى وأسرى الجيش المهزوم، وسن بذلك سنة حسنة في الحروب، ويبقى له الفضل والسبق في تحريم إهانة الأسرى أو إيذائهم .

هكذا كان نبي الرحمة في ميدان القتال ، لا يستعين بمشرك على مشرك، يشارك جنوده ، ويستشيرهم، ويعدل بينهم، ويحترم آرائهم، ويحاور أعدائه، ويكون وفيًا كريمًا لأهل الفضل منهم، ويكرم االأسرى، وينهى عن إيذائهم













الفصل السادس
رحمته للعالمين في مجال المرأة والطفل
المبحث الأول : تحرير المرأة من الجاهلية
المبحث الثاني : مميزات المرأة في الإسلام
المبحث الثالث : رحمته للأطفال
المبحث الرابع : رحمته للبنات
المبحث الخامس : رحمته للإيتام
المبحث السادس : رحمته للأرامل





















المبحث الأول
تحرير المرأة من الجاهلية

في هذا المبحث نرى مظهراً جلياً من مظاهر رحمة سيدنا محمد r .. إنه تحرير المرأة، من ظلام الجاهلية . .
وبالطبع يحدثنا عن هذا المظهر من مظاهر الرحمة علماء الغرب !
لا سيما في معرض تناولهم لوضع المرأة العربية في عهد النبيr..
ونلحظ في هذه الآراء التقدير العالي من هؤلاء العلماء الغربيين لإصلاحت النبي rالتي رفعت من قدر المرأة، وحمايتها من الوأد والإقصاء والتهميش .
المطلب الأول : محمد r منقذ المرأة :
يقول الباحث البريطاني " جب "، متحدثًا عن محمد r:
" إنه من المسَلم به عالمياً بصفة عامة أن إصلاحاته [r] رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الإجتماعي والشرعي "[101] .
"ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء "[102]..
ويرى العلامة ول ديورانت[103]أن الإسلام قد رفع "من مقام المرأة في بلاد العرب ... وقضى على عادة وأد البنات، وسوّى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال ، وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها، وأن ترث، وتتصرف في مالها كما تشاء، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع ، وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن"[104].

ويوضح إميل درمنغم كيف حرر النبي rالمرأة، ويفصل في ذلك..قائلاً:
" مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب و حسَّن حالها، قال عمر بن الخطاب [t ] :(مافتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينًا لهن )، وقال النبي [r]:( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ).. أجل، إن النبي [r] أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن، ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرهاً وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق " [105].
يقول نظمي لوقا " ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية ... فأنزلت الآية التي تورث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، ونهى محمد [r]عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء .." [106] .
ويقول سوسة : ".. كانت المرأة في ديار العرب قديمًا محض متاع، مجرد ذكرها أمرٌ ممتهن. هكذا كان الوضع حينما جاء محمد [r]، فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة، كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال"[107].
المطلب الثاني : افتراءات وردود :
وهذه افتراءات يلوكها بعض الحاقدين، والرد عليها من قبل العلماء المسلمين وغير المسلمين:
الفرية الأولى : حول تعدد الزوجات :
أولاً: فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبي r :
يقول كويليام :
"أما تعدد الزوجات فإن موسى [عليه السلام] لم يحرمها، وداود [عليه السلام] أتاها، وقال بها ولم تحرم في العهد الجديد (أي الإنجيل) إلا من عهد غير بعيد. ولقد أوقف محمد [r] الغلوّ فيها عند حدّ معلوم."[108]
والحق أن محمدrلم يكن بدعًا من الرسل في قضية التعدد، فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة ثم هاجر، و يعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة، و داود عليه السلام تزوج بأكثر مما تزوج رسول الله بل يتهمه العهد القديم – ظلمًا - بأنه زنى بامرأة أوريا وقتل زوجها بالحيلة، ثم أخذها[109]، وتزوج سليمان -عليه السلام- بألف امرأة، سبعمائة منهن حرائر من بنات السلاطين وثلثمائة جوار[110].

كما أن التعدد كان سنةً جارية عند العرب، لاسيما عند الزعماء، فهو رمز للفحولة عندهم، ولقد كان الرجل يأتي النبي r ، فيقول: عندي ست زوجات أو تسع أو عشر أو أكثر، فبم تأمرني؟. فيأمره بأن يمسك أربعاً منهن ويسرح الأخريات[111]! وإلا لو لم يكن التعدد شائعاً عند العرب لاتخذوا تعدد الرسول r مطعناً فيه، أو سبة له، ولم يرد ذلك على لسان أحدٍ منهم. بل نرى أن جمع النبي بين تسع نسوة يعد عددًا متواضعا في عرف العرب في ذلك الوقت !

ثانيًا:فيما يخص تعدد الزوجات العام:
يقول إميل درمنغم:
"وأباح [النبي r] تعدد الزوجات..ولم يوصي الناس به، ولم يأذن فيه إلا بشرط العدل بين الزوجات فلا يهب لإحداهن إبرة دون الأخرى"[112].
ويتسائل إميل درمنغم قائلاً : "وأيهما أفضل : تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات السري؟...إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر"[113].
ويقول جاك ريسلر: " وفي الحق أن تعدد الزوجات بتقييده الانزلاق مع الشهوات الجامحة، قد حقق بهذا التشريع الإسلامي تماسك الأسرة، وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني "[114].
ويبن "لايتنر" : " أن هذا التعدد في الزواج مشروط بشروطه، فيقول "يَقدر الرجل أن يتزوج من أربع نساء بشرط المساواة بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد، فإن لم يكن قادرًا على كل ذلك فلا يباح له بإن يتزوج غير واحدة .ومن يتدبر شريعته [r] يرى أنه قد حض على الزواج بامرأة واحدة ، ولقد رفع مقام المرأة ورقاها رقيًا عظيمًا ، فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك صارت مالكة، وحكمها مؤيد وحقوقها محفوظة"[115] .
ويرد " كويليام " –أيضًا - على أصحاب هذه الفرية، فيقول لهم :
" جاء في القرآن ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً[ (سورة النساء، الآية: 3)، فيما يتعلق بمسألة تعدد الزوجات التي تنتقدون فيها على المسلمين ظلمًا وعدوانًا. إذ لا شك في أنكم تجهلون عدل النبي [r] بين أزواجه [رضوان الله عليهن] وحبه فيهن حبًّا مساويًا مما علم المسلمين الانتماء والإنصاف بينهن. على أن القرآن لم يأمر بتعدد الزوجات بل جاء بالحظر مع الوعيد لمن لا يعدل في الآية المتقدمة، ولذلك ترى اليوم جميع المسلمين منهم القليل لا يتزوجون إلا امرأة واحدة خوف الوقوع تحت طائلة ما جاء من الإنذار في القرآن المجيد. وإذا سلّمنا على العموم بأن عدم تعدد الزوجات أوفق للمعاشرة الدنيوية من تكررهن، فلا نسلم بالاعتراف بذلك على الوجه المتعارف اليوم بأوروبا من حصر الزواج في امرأة واحدة إذعانا للقانون واتخاذ عدة أزواج أخرى [غير شرعيات] من وراء الجدار..!!"[116]
الفرية الثانية: قول أحدهم :إن الإسلام لا يسوي بين المرأة والرجل :
ويرد جاك ريسلر على هذه الفرية، فيقول :
".. لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث، وأن تورث، وأن تشتغل بمهنة مشروعة"[117] .
ويقول العالم القانوني مارسيل بوازار:
" إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه) متساوية[118] وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتمامًا شديدًا بضمانها . فالقرآن والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف... وسعيا[ أي القرآن والسنة] إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددًا من الطموحات القانونية . أمام القانون و الملكية الخاصة الشخصية، والإرث "[119].
ويقول نظمي لوقا :"وفي سور القرآن أشار إلى المساواة عند الله بين الذكر والأنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء ، وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات الأعمال و الجهود .. وفي بعض الأمم القديمة ، والحديثة، كانت المرأة تحرم غالباً من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش.. "[120].
ويقول في موضع آخر : " ليس الإسلام-على حقيقته-عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة . بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة . لا يفضلها إلا بفضل، ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال"[121].

الفرية الثالثة : قول أحدهم: إن الإسلام لا يهتم بتعليم المرأة :
تقول "ماكلوسكي ":
"لقد دعا الإسلام إلى تعليم المرأة، وتزويدها بالعلم والثقافة لأنها بمثابة مدرسة لأطفالها. قال رسول الله r: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). لقد منح الإسلام المرأة حق التملك وحرية التصرف فيما تملك. وفي الوقت الذي نرى فيه أن المرأة في أوروبا كانت محرومة من جميع هذه الحقوق إلى عهد قريب جدًّا، نجد أن الإسلام منح المرأة بالإضافة إلى ما تقدم حق إبرام العقود للزواج. والمهر في نظر الإسلام هو حق شخصي للمرأة. والمرأة في الإسلام تتمتع بحرية الفكر والتعبير.."[122].

الفرية الرابعة : حول ضرب الزوج لزوجته:
ونرد هذه الشبه ونقول :
من المعلوم أن المذاهب والشرائع الوضعية التي كانت تسود العالم قبيل بعثة النبي r، كانت تشرِّعُ العنف ضدَّ المرأة إلى حد القتل!
وكانت المرأة في نظر الكنيسة في العصور الوسطى، جرثومة ملعونة ، وهي مصدر الذنوب والآثام[123] !

أما الإسلام فهو يحرّم العنف ضد المرأة، غير إن الشرع أباح استخدام الضرب للتأديب في نطاقٍ ضيقٍ جداً، وذلك خاصٌّ بالمرأة الناشز التي خرجت عن قوامة زوجها، وشكلت تهديداً لنظام الأسرة، وأصرت عليه، إذ لا يبيح الإسلام اللجوء إلى الضرب إلا بعد استخدام الوعظ كمرحلة أولى، ثم يجرَّب الهجر في المضاجع أثناء النوم بشروط وضوابط فقهية، ولا يهجر إلا في البيت، فإذا لم يجد الوعظ ولا الهجر فلا حرج من اللجوء إلى ضربٍ غير مبرح، هو إلى التهديد أقرب منه إلى التنفيذ، إذا وجد المصلحة في ذلك، ومثل هذه المرأة التي لم يصلحها وعظٌ ولا هجرٌ - والهجر عند النساء أشدُّ من الضرب نفسه ؛ لرقتهن وغلبة العاطفة عليهن – غالباً ما تكون في حالة شذوذٍ نفسي، وقد ينفع فيه العقاب البدني كحلٍّ أخيرٍ، وهو - رغم ما فيه من ضررٍ على المرأة - خيرٌ من الطلاق وتمزيق الأسرة، وهي أشبه ما تكون بقاعدة الضرورة التي تباح في بعض الحالات الاستثنائية[124] ..

إن التشريع الإسلامي في هذه القضية منطقي وموزون ومعتدل بالنظر إلى وضع المرأة المقذذ في الحضارات الأخرى التي تضهد النساء، وبالنظر أيضًا إلى النظام الإسلامي الذي يعطي الرجل حق القوامة على الأسرة، أي رئاسة مؤسسة البيت وتدبير شؤونه، ومثل هذه السلطة لا بد لها من قوة تجعلها نافذة وضابطة وإلا فإنها ستبقى حبراً على ورقٍ ليس غير..

الفرية الخامسة: حول الحجاب وحق المرأة في ستر عورتها :
تقول "روز ماري هاو ":
" الحجاب يحافظ على كرامة المرأة ويحميها من نظرات الشهوة، ويحافظ على كرامة المجتمع ويكف الفتنة بين أفراده. لذلك فهو يحمي الجنسين من الانحراف. وأنا أؤمن أن السترة ليست في الحجاب فحسب، بل يجب أن تكون العفة داخلية أيضًا، وأن تتحجب النفس عن كل ما هو سوء"[125].
وتثني "لورا فيشيا فاغليري" على هذا الكلام وتقول: "وليس هذا ناشئًا عن قلة احترام للنساء، أو ابتغاء كبت إرادتهن، ولكن لحمايتهن من شهوات الرجال. وهذه القاعدة العريقة في القدم، القاضية بعزل النساء عن الرجال، والحياة الأخلاقية التي نشأت عنها، قد جعلتا تجارة البغاء المنظمة مجهولة بالكلية في البلدان الشرقية، إلا حيثما كان للأجانب نفوذ أو سلطان. وإذا كان أحد لا يستطيع أن ينكر قيمة هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن عادة الحجاب.. كانت مصدر فائدة لا تثمن للمجتمع الإسلامي"[126].


[1] أنجوغو أمبكي صمب : أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية، ص 40 وما بعدها

[2] رواه ابن ماجة (2857 ) و الطبراني في المعجم الكبير ج 8 ص 70 ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة .

[3] صحيح – رواه البخاري - (5089)، ومسلم (3616)

[4] صحيح – رواه مسلم (3620)

[5] العسيف : الأجير المستهان به

[6] حسن - رواه ابن ماجة (2842)، و الحاكم ( 2 / 122 )، وهو في السلسلة الصحيحة برقم ( 701 )

[7] صحيح - رواه أحمد ( 3 / 435 ) و الدارمي ( 2 / 223 )، وهو في السلسلة الصحيحة (402)

[8] الهرم : الذي بلغ أقصى الكبر

[9] الغلول : الخيانة والسرقة

[10] مالك ( 858)، وابن أبي شيبة ج 7 ص 645 ، وعبد الرزاق (9375)

[11] معرفة السنن والآثار للبيهقي - (5645)

[12]أنجوغو أمبكي صمب : أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية، ص 40 وما بعدها

[13] لويس سيديو، بتصرف : (نقلا عن كتاب الإسلام بين الإنصاف و الجحود ، ص 134).

[14] كارين أرمسترونج : سيرة النبي محمد ص19

[15] كارين أرمسترونج : سيرة النبي محمد، ص393.

[16] ديسون : محمد بن عبد الله، 59

[17] دوزي: ملحق وتكملة القواميس العربية، مقدمة الكتاب

[18]جوستاف لوبون : حضارة العرب، ص ص128-129

[19] جوستاف لوبون : حضارة العرب، ص 127

[20] السيف.

[21] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام 11 ، 12

[22] انظر : عباس محمود العقاد : حقائق الإسلام وأباطيل خصومه: 227

[23] توماس كارلايل: الابطال ، ص 76

[24] انظر: ابن سيد الناس : عيون الأثر 2\50

[25] ابن القيم : زاد المعاد 3/117، و ابن سيد الناس : عيون الأثر 2/ 54، وابن هشام 2/240

[26] انظر: جمعة علي الخولي: معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة، والرد على ما يثار حولها من شبهات، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود، العدد 57،

[27] سفر التثنية – الإصحاح العشرون 10: 18.

[28] مولانا محمد علي : حياة محمد ورسالته ص 175

[29] الروض الأنف 3/ 422، ابن سيد الناس 2\ 38، وابن كثير : البداية والنهاية 4/103

[30] انظر: محمد رجب البيومي ، مجلة الحج العدد 12 السنة 88.

[31] محمود شيت خطاب : الرسول القائد، 259

[32] انظر: جمعة علي الخولي: معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة، والرد على ما يثار حولها من شبهات، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود، العدد 57، وانظر: محمد رجب البيومي، مجلة الحج العدد 12 السنة 88.

[33] مولانا محمد علي : حياة محمد و سيرته ، ص 269

[34] لويس سيديو: (نقلا عن كتاب الإسلام بين الإنصاف و الجحود ، ص 134).

[35] سورة الأنفال:الآية 67

[36] ابن القيم : زاد المعاد ، 3 \ 99

[37] ابن كثير: البداية والنهاية، 3\ 307

[38] سورة الإنسان:الآية 8

[39] أيام كان على غير الإسلام، وكان في جيش المشركين.

[40] ابن هشام (1 / ص 644)

[41] ابن هشام ( 1 / ص 644)، وابن سيد الناس : عيون الأثر 1\393

[42] البخاري (2846) وانظر: ابن حجر العسقلاني- فتح الباري6/ 144

[43] قبل إسلامه، أيام كان في جيش قريش، وأسره الصحابه في معركة بدر .

[44] انظر: الواقدي: المغازي 1/119.

[45] سبل الهدى والرشاد - (ج 4 / ص 71)

[46] انظر: علي محمد الصلابي : السيرة النبوية، 2\42

[47] ابن كثير: البداية والنهاية، 4\ 159

[48] ابن كثير: البداية والنهاية، 4\ 159

[49] انظر: علي محمد الصلابي : السيرة النبوية، 2\184

[50] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى، ص 157- 158.

[51]عردت: اشتدت وضربت، القاموس المحيط (1/313).

[52] الهباءة: غبار الحرب, مختار الصحاح، ص689.

[53]الخادر: المقيم في عرينه، والخدر ستر يمد للجارية من ناحية البيت.

[54] انظر: ابن هشام : السيرة النبوية (4/144).، والبيهقي : دلائل النبوة ( 5/ 270)،برقم 5440، وعلي محمد الصلابي : السيرة النبوية، ص 405، 406،

[55] جبل التنعيم : موضع بمكة في الحل، وهو الآن مدينة صناعية بالمملكة العربية السعودية. انظر:معجم البلدان 2\49، ومعجم معالم الحجاز 2\44

[56]انظر: ابن القيم : زاد المعاد (3 \ 99)

[57]انظر: ابن القيم : زاد المعاد (3 \ 99)

[58] صحيح – رواه البخاري (442) عن أبي هريرة

[59] صحيح – رواه البخاري (4024)، ومسلم ( 3310 ) عن أبي هريرة

[60] صحيح – رواه البخاري (4024)، ومسلم ( 3310 ) عن أبي هريرة

[61] انظر: وهبة الزحيلي : آثار الحرب، ص: (414).

[62] ممدوح إبراهيم الطنطاوي : أخلاقيات الحرب في الإسلام، مجلة الجندي المسلم : العسكرية الإسلامية العدد 112

[63] انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قوله تعالى : " وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ"، برقم 1808،. وابن القيم : زاد المعاد ( 5 \ 59 ) .

[64] ابن القيم : زاد المعاد (3/187).

[65] البخاري (7/234) كتاب المغازي، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش.

[66]علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 2/628

[67] رواه أحمد (2230)،) 2442 )، والتِّرْمِذِيّ ( 1715 ) والقصة منتشرة في كتب السيرة.

[68] علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 2/628

[69] رواه ابن أبي شيبة (36824) ، المتقي الهندي : كنز العمال ( 30102 )، ورواه الفزاري في السير ( 10) ، ولم أقف على صحة الحديث .

[70] رواه البيهقي في دلائل النبوة (1320)، ولم أقف على سنده .

[71] السرخسي : شرح كتاب السير الكبير - (ج 1 / ص 448)

[72] علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 2/ 628

[73] رواه البيهقي في دلائل النبوة (1320)، وانظر: علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 2/ 628

[74] أدوار بروي: تاريخ الحضارات العام ، 3 / 116

[75]مونتكومري وات: تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى ، ص 13

[76] مونتكومري وات : تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى ، ص 13 – 14 .

[77] روم لاندو:الإسلام والعرب ، ص119

[78] ول ديورانت : قصة الحضارة ، 3 / 130 – 131 .

[79]آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع ، 1 / 69 – 70 .

[80] آرثر ستانلي تريتون : ولد عام 1881 عين مساعد أستاذ للعربية في أدنبرا (1911) وكلاسكو (1919) وأستاذ في عليكرة في الهند (1921) ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن (1931-38-47)من آثاره: (الخلفاء ورعاياهم من غير المسلمين) (1930)، (علم الكلام في الإسلام) (1947)، (الإسلام إيمان وشعائر) (1950)، (مواد في التربية الإسلامية) (1957).

[81] آرثر ستانلي تريتون : أهل الذمة في الإسلام ، ص 158 – 159

[82] آدم متز : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع 1 / 87 .

[83] صحيح – رواه البخاري، برقم 6403، باب بَاب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ

[84] حُد : أقيم عليه الحد والعقوبة

[85] المعجم الكبير للطبراني (ج 15 / ص 434)، مسند الشاميين للطبراني (ج 9 / ص 316)

[86] الجزية : هي عبارة عن اشتراك مالي يدفعه المعاهد أو الذمي من غير المسلمين، وهي مقابل إقامتهم في الدولة الإسلامية وحمايتها لهم.

[87] أبو نعيم الأصبهاني : معرفة الصحابة (ج 11 / ص 339)

[88] كولد تسيهر (1850-1921م) : عين أستاذًا محاضرًا في كلية العلوم بجامعة بودابست (1873) ثم أستاذ كرسي (1906). من آثاره: كتاب (العقيدة والشريعة في الإسلام) (باريس 1920)، و(درس في الإسلام) في جزأين كبيرين.

[89]كولدتسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 46-47

[90] ابن سعد (ج 3 / ص 535)

[91] الواقدي (ج 1 / ص 48)

[92] ابن هشام ( 2/ 389 ) وحسنه الألباني في تحقيق فقه السيرة 167

[93] ابن هشام (ج 1 / ص 616)

[94] ابن هشام - (ج 1 / ص 620)

[95] ابن هشام - (ج 1 / ص 626)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 2835

[96] الواقدي - (ج 1 / ص 62)

[97] البخاري، ح: 2906

[98] ابن سعد - (ج 4 / ص 10)

[99] انظر: المستدرك للحاكم (4896 )، صحيح الإسناد وأقره الذهبي

[100] ابن هشام - (ج 1 / ص 649)

[101] هـ. أ. ر. جب : المحمدية ، ص 33.

[102]هذه الجملة لجيمس متشنر، نقلاً عن نقلا عن كتاب قالوا في الاسلام بقلم حسن الشيخ خضر الظالمي ص 50

[103] مؤلف أمريكي معاصر، تعد موسوعته ( قصة الحضارة) ذات ثلاثين مجلدا ، واحد ة من أشهر الموسوعات التي تؤرخ للحضارة البشرية، عكف على تأليفها السنين الطوال، وأصدر الكتاب الأول منها عام 1935، ثم تلته بقية الأجزاء ومن كتبه ( قصة الفلسفة ) .

[104] ول ديورانت: قصة الحضارة ، 13/60

[105] إميل درمنغم :حياة محمد ، ص 329-330.

[106] نظمي لوقا: محمد الرسالة والرسول ص 96

[107] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ، 2/42

[108] عبد الله كويليام: العقيدة الإسلامية :ص22 – 23

[109] انظر: العهد القديم :سفر صموئيل الثاني ، الباب الحادي عشر

[110] انظر: العهد القديم : الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول

[111] صحيح – أخرجه الترمذي ( 1 / 211 ) وابن أبي شيبة ( 7 / 51 / 1 ) وابن ماجه ( 1953 ) وقال الألباني : صحيح، وذلك عن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة : " أمسك أربعا وفارق سائرهن " . وفي رواية أخرى قال عروة بن مسعود الثقفي -: " أسلمت وتحتي عشر نسوة، أربع منهم من قريش إحداهن بنت أبي سفيان" .. فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: " اختر منهن أربعًا وخل سائرهن فاخترت منهن أربعا منهن ابنة أبي سفيان " .

[112] إميل درمنغم: حياة محمد ، ص 330.

[113] إميل درمنغم: حياة محمد ، ص 330-331.

[114]جاك ريسلر: الحضارة العربية ، ص 52

[115]لايتنر: دين الإسلام ، ص 11

[116] عبد الله كويليام : العقيدة الإسلامية ص 38 – 39

[117] جاك ريسلر : الحضارة العربية ، ص 52

[118] الصحيح : "بطريقة متساوية"، ولعله يقصد أن الإسلام أخذ في اعتباره التفوق الجسمي للرجل على المرأة، فكلف الرجل بالقتال أوالإنفاق على الأسرة دون النساء على سبيل المثال.

[119] مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام، ص 108

[120] نظمي لوقا: محمد الرسالة والرسول ص 96

[121] نظمي لوقا: محمد الرسالة والرسول ص 100، 101

[122] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 9/62 ، 63

[123] انظر: اميل درمنغم: حياة محمد ، ص 331

[124] انظر: محمد علي الخطيب: رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، 50.

[125] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء اسلموا 8 \25-26 .

[126] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص103 – 104 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-30-2012, 12:43 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

المبحث الثاني
مميزات المرأة في الإسلام
يقول مارسيل بوازار:
".. أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد [r] أنها حامية حمى حقوق المرأة"[1] ..
ونذكر في ذلك عدة نماذج :
المطلب الأول: الاستقلال الفكري للمرأة :
من أهم المميزات التي منحها الإسلام للمرأة، أن الإسلام احترم الاستقلال الفكري للمرأة، واحترم علمها وبيعتها وشهادتها ووجهة نظرها .. فيقول الله تعالى في القرآن : ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[[2]
"والآية تشير -بجانب ما فيها من أحكام- إلى ما كانت تستمتع به المرأة من استقلال فكري وكيان أدبي محترم"[3] في عهد محمد r
و"لم تكن النساء [المسلمات] متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة"[4]..

المطلب الثاني: حقوق المرأة في أمور الزواج :
ولقد كانت المرأة في الجاهلية لا حق لها في اختيار زوجها، أما في شريعة الإسلام فقد جعل الإسلامُ حقاً للمرأة في حرية اختيار زوجها، فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : وقال: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ثم أورد حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"[5]..
وفي هذا يقول الباحث الفرنسي آتيين دينيه : " بفضل تشريعاته [r] الحكيمة أصبحت البنت البالغ تستشار قبل زواجها ، وأصبح المهر لا يعطى للأب بل للعروس نفسها ، وقد وصف أعداء الإسلام تلك السنة الحكيمة بأنها : " شراء للمرأة " . وهم لم يسمعوا - فيما أظن - ذلك الجواب المفعم الذي يمكن أن يرد به المسلمون عليهم حينا يقولون لهم : إن المهر في بعض الأقطار العربية يدفعه والد البنت إلى رجلها ! ... وفوق ذلك ، فالمسلم مكلف بسائر حاجات البيت دون أن يكون له أي حق في التصرف في مال امرأته."[6]
" وأتبع [r] ذلك بأن منح المرأة حق المطالبة بالطلاق إن لم يوف الرجل بواجباته الزوجية "[7] ، وهو حق آخر للمرأة، يساعدها في دخول حياة زوجية جديدة أكثر توفيقاً ونجاحاً ..

إلى جانب الحقوق الزوجية الأخرى مثل حقها في الصداق ( المهر)، وحقها في الخلع، وحقها في النفقة، فقد أوجب الإسلام على الزوج أن ينفق على زوجته مع حسن معاملته لها، وفي هذا سأل أحد الناس النبي r فقال : يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ... ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت "[8] ..
المطلب الثالث: حقوق المرأة في الميراث والتملك:
وعن حق المرأة في الميراث يقول الباحث الفرنسي آتيين دينيه :
" منح الرسول [r] المرأة - كذلك - حق في الميراث. وحقها به : نصف حق الذكر ، وذلك لأن المرأة لا تدفع مهراً كالرجل، وليست مكلفة بحاجات البيت "[9] .
ويقول روم لاندو:"يوم كانت النسوة يعتبرن، في العالم الغربي، مجرد متاع من الأمتعة، ويوم كان القوم هناك في ريب جدّي من أن لهن أرواحًا! كان الشرع الإسلامي قد منحهن حق التملك. وتلقت الأرامل نصيبًا من ميراث أزواجهن"[10] .

المطلب الرابع: حق المرأة في العمل :
وعن حق المرأة في العمل تقول روز ماري[11]:
" إن الإسلام قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة ، وكامرأة ، وعلى عكس ما يظن الناس من أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها ... فالمرأة الغربية لا تستطيع مثلا أن تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة . فقد أصبح واجبًا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب العيش . أما المرأة المسلمة فلها حق الاختيار، ومن حقها أن يقوم الرجل بكسب القوت لها ولبقية أفراد الأسرة . فحين جعل الله سبحانه وتعالى للرجال القوامة على النساء كان المقصود هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته وقوت عائلته . فالمرأة في الإسلام لها دور أهم وأكبر.. وهو الإنجاب وتربية الأبناء، ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة الحق في العمل إذا رغبت هي في ذلك، وإذا اقتضت ظروفها ذلك "[12].

هذا إضافة إلى حق المرأة في العمل العام : فتبين ماكلوسكي[13] " أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحيانا خارج المنزل، فبعض النساء المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة ..في الحرب والتجارة. ولكن ذلك كله كان في إطار الخلق الكريم"[14] .
المطلب الخامس: تقدير الدور السياسي للمرأة :
وتقديراً لدور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي، فقد بايع رسول الله r النساء في موقعة مشهودة للقاصي والداني، فكانت بيعة النساء ثانى يوم الفتح (رمضان 8هـ/ يناير 630 م) على جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال ..
وسطّرها القرآن الكريم بآيات خالدة أمد الدهر:
قال الله تعالى : ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهََ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [15][

فلما كان اشتراك المرأة مع الرجل ، على أساس المساواة التامة ، في جميع المسؤوليات التي ينبغي أن ينهض بها المسلم .. كان على الخليفة أو الحاكم المسلم أن يأخذ عليهنّ العهد بالعمل على إقامة المجتمع المسلم بكل الوسائل المشروعة الممكنة ، كما يأخذ العهد فى ذلك على الرجال، ليس بينهما فرق ولا تفاوت .
ومن هنا كان على المرأة المسلمة أن تتعلم شئون دينها ودنياها ، كما يتعلم الرجل، وأن تسلك كل السبل المشروعة الممكنة إلي التسلح بسلاح العلم والوعي و التنبه إلي مكامن الكيد و أساليبه لدى أعداء الإسلام الذين يتربصون به، حتى تستطيع أن تنهض بالعهد الذي قطعته على نفسها وتنفذ عقد البيعة الذي في عنقها، وواضح أن المرأة لا تستطيع أن تنهض بشيء من هذا إذا كانت جاهلة بحقائق دينها غير منتبهة إلي أساليب الكيد الأجنبي من حولها[16] ..
المطلب السادس: إحترام جوار المرأة :
ولقد احترم الرسول r جوار المرأة ، فكان النبي r أول من اعترف بجوار المرأة في الجزيرة العربية بعد عهود الظلام .
ومثال أم هانىء واضح وجلي .. فقد أدخلت أحد المجرمين في جوارها – أي في حمايتها - يوم فتح مكة وقَبِل رسول الله r هذا الجوار، ومن ثم عفا عن هذا المجرم !
فلقد ذهبت أم هانئ بنت أبى طالب إلى رسول الله rعام الفتح، فقالت: يا رسول الله زعم ابن أمي علىّ أنه قاتل رجل أجرته : فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله r: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ"[17] !!
المطلب السابع : تأملات في هذه المميزات :
تستطيع أن تتأمل في هذه المميزات التي منحها النبيr للمرأة..
فتعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى الإسلام وظله، وكيف أنها نالت كل حقوقها الإنسانية والاجتماعية كما نالها الرجل سواء بسواء، مما لم يحدث نظيره في أمة من الأمم.

غير أن المهم أن تعلم الفرق بين هذه المساواة الإنسانية الرائعة التي أرستها شريعة الإسلام، والمظاهر الشكلية لها مما ينادى به عشاق العُري اليوم، إنما هي نزوات حيوانية أصيلة يتوخى من ورائها اتخاذ المرأة مادة تسلية ورفاهية للرجل على أوسع نطاق ممكن، دون أى نظر إلى شئ آخر[18].

إن النبي r لم يعتبر المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها، وهي أن المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اختص به من صفة الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة واتساع الحيلة، أن يلي رعايتها، فهو بذلك وليها، يحوطها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده، ذلك ما قرره الله تعالى بقوله،: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[19][

إن " تحرير المرأة" الذي قام به النبي r، كان تحريراً شاملاً وكاملاً بمعنى الكلمة .. فقد كان النبي rهو العامل الأساسي في إيقاف الجريمة الكبرى التي كانت تمارس في حق المرأة، ألا وهي جريمة " قتل البنات خشية العار".. إن ثقافة وأد البنات كانت هي الثقافة السائدة في تصور المجتمع نحو المرأة .. ولم يجرأ أحد المصلحين قبل النبي r التصدي لهذه العادة القبيحة .. بل كانت تزداد فحشاً وانتشاراً في أنحاء الجزيرة ..

هذا، وقد كانت المرأة تباع وتُشترى.. فلما بعثَ الله محمداً r أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة، فمنحها حق الحرية، وأن تبيع وتَشتري لا أن تُباع وتُشترى، وأن ترث كما يرث الرجل، لا أن تَورث كما كان الرجل يرثها مع مال أبيه .. إن العالم عن بكرة أبيه لم يعترف بالذمة المالية للمرأة .. وجاء النبي rوقرر هذا الحق للمرأة .. فأصبحت تستطيع أن تعقد كبرى الصفقات التجارية، وتتعاقد مع من تشاء وتوكل من تشاء ..

المبحث الثاني
رحمته للبنات
المطلب الأول : فضل محمد r على البنات :
لو كانت الخدمة الوحيدة التي أداها نبينا محمد r للبنات أنه أنقذهن من عادة الوأد الجاهلية .. لكفى بذلك فضلاً له عليهن .. !
فقد " كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن، ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضيقًا شديدًا"[20].
أضف إلى ذلك الفضل العظيم أنه r غير أفكار المجتمع العربي القديم تغييراً جذرياً .. في تعامله مع البنات ..
ولقد كَلف النبيr المجتمع الإسلامي أن يتعهد البنات الصغيرات بالتعليم والتثقيف والرعاية،- كما يقول جاك ريسلر - حيث يتم " تعليم البنات على تلقيهن تربية دينية قويمة ، وعلى تعويدهن على الصلاة، وجعلهن في وقت مبكر صالحات للأعمال المنزلية .وبعد سنوات أيضاً يعلمن قرض الشعر والفنون .."[21] ..
ويقول "ول ديورانت": "كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء بسواء، ونبغ عدد من النساء المسلمات في الأدب والفن"[22] .

المطلب الثاني : نماذج رحمتهr للبنات:
أولاً: حثه على الإحسان إليهن :
عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r قَالَتْ:
جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي؛ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ،فَدَخَلَ النَّبِيُّ r، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ:" مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ"[23] ..
فرعاية البنات في الإسلام ليس له جزاء إلا الجنة، فهن حائط الصد والحماية من النار يوم القيامة لمن أحسن إليهن .
كما في حديث آخر قال فيه النبي r :
" من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته ؛ كن له حجابًا من النار يوم القيامة "[24] ..

ثانيًا: عطفه على البنات :
عن أبي قَتَادَةَ قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ r وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا[25] .
وتحكي أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عن ذكريات الطفولة، عندما زارت النبي برفقة أبيها- بعدما قدمت من الحبشة - .. قَالَتْ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "سَنَهْ سَنَهْ " .. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ "حَسَنَةٌ" .. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي[26] . فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "دَعْهَا " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي ، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي "[27].
انظر كيف تركَ النبيr هذه الصبية الصغيرة حتى تَلعبَ معه، وتعبث بثوبه وجسمه كما يحلو لها ، فلا ينهرها، بل تراه يمازِحُها، ويلاعبها، ويضحك إليها، ويخاطبها بلغتها لغة أهل الحبشة .. ويعلق على ثوبها، ويقول لها عِيشْي وَخَرِّقْي ثِيَابك وَارْقَعْيهَا.. كما يقول المسلم لأخيه عندما يلبس ثَوْبًا جَدِيدًا : تُبْلِي وَيُخْلِف اللَّه .. !

ثالثًا: إكرامه لعائل البنات :
كان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، في أسرى معركة بدر (17 رمضان 2هـ/13مارس624م)، وكان محتاجًا ذا بنات، ولا يملك ثمن ما يفتدي به نفسه من الأسر .. فقال للنبي r : يا رسول الله، لقد عرفتَ ما لي من مال، وإني لذو حاجة، وذو بنات فامنن عليَّ، فمن عليه رسول الله r وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدًا . فقال أبو عزة يمدح رسول الله r على هذا العفو والكرم ونبل الأخلاق:
šŠ¤1بأنك حق والمليك حميدُ
š
š
مَنْ مبلغ عني الرسول محمدًا
Šš
šلها درجات سهلة وصعودُ
š
š
وأنت امرؤ بُوِّئت فينا مباءة
Šš
šشقيٌّ ومن سالمته لسعيدُ
š
š
فإنك من حاربته لمحاربٌ
Šš
šتأوَّّبُ ما بي، حسرة وقعود[28]
š
š
ولكن إذا ذكرت بدرًا وأهله
¤
Šš


المبحث الثالث
رحمته للأطفال
المطلب الأول : شهادة علماء الغرب:
يقول السير وليم موير : "وكان[r] سهلاً لين العريكة مع الأطفال، لا يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبون أن يقرئهم السلام !"[29] .
ويقول لويس سيديو: "لا شي أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد [r] بالأولاد. فهو قد حرّم عادة الوأد، وشغل باله بحال اليتامى على الدوام.. وكان يجد في ملاحظة صغار الأولاد أعظم لذة. ومما حدث ذات يوم أن كان محمد [r] يصلي فوثب الحسين بن علي [رضي الله عنهما] فوق ظهره فلم يبال بنظرات الحضور فانتظر صابرًا إلى حين نزوله كما أراد. "[30] .

ولقدكافح النبيr في سبيل استرداد حقوق الأطفال المسلوبة، عبر العصور الغابرة - خاصة في الميراث – بعدما كانت العصور الجاهلية تحرم الأطفال من الميراث، وتعتبر أن من لهم الحق في الميراث هم الذين يتستطيعون *** الغنائم أو يمتطون الخيل بمهارة وفروسية !..
كما أن محمداً r حمَّل الأسرة كلها أمانة رعاية الأطفال و***** حقوقهم.
فكانت الأسرة الإسلامية - كما يقول جاك ريسلر-:" ترعى دائمًا الطفل، وصحته، وتربيته، رعاية كبيرة. وترضع الأم هذا الطفل زمنًا طويلاً، وأحيانًا لمدة أكثر من سنتين، وتقوم على تنشئته بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة. وإذا حدث أن أصاب الموت بعض الأسرة، وأصبحوا يتامى، فإن أقرباءهم المقربين لا يترددون في مساعدتهم وفي تبنّيهم"[31]
ولا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى[32] ..
المطلب الثاني : نماذج رحمته للأطفال :
أولاً : أرحم البشر بالعيال:
يقول أنس بن مالك:
"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r"[33].
قال بريدة قال : كان رسول الله r يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران [ يتعثران في المشي ] فنزل رسول الله r من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : " صدق الله ] إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [ [ سورة التغابن: الآية15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما "[34] .
وعن شداد بن أوس قال :
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا . قال شداد : فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ . قَالَ : "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ "[35] !
وعن ثَابِت عَنْ أَنَس : أَخَذَ النَّبِيّ r إِبْرَاهِيم فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ[36].
ويقول أنس :
كان إبراهيم ( ابن محمدr ) مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينًا فيأخذه فيقبله ثم يرجع[37].

ثانيًا : توبيخهr للغلاظ مع الأطفال:
عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: أَبْصَرَ اْلأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ الّنبيّ r وهُوَ يُقَبّلُ الْحَسَنَ فقالَ إنّ لي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً ما قَبّلْتُ أحَداً مِنْهُمْ، فقالَ رَسُولُ الله r: "إنّهُ مَن لاَ يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ" [38].
وهو نداء إلى غلاظ القلوب عامة، وإلى المسيئين للأطفال خاصة..
ثالثًا : دعاؤه r للأطفال :
عن عائشة :
أن رسول الله r كان يؤتى إليه بالصبيان "فيبرّك عليهم "– أي يدعو لهم بالبركة، "ويحنكهم"[39] – أي يضع في أفواههم التمر اللين الذي مضغه في حنكه الشريف.
وعن ابن عباس قال : كَانَ النَّبِيُّ r يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا [ إبراهيم عليه السلام ] كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"[40].
وعن أسامة بن زيد عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ : "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا "[41].
وقال البراء : رَأَيْتُ النَّبِيَّ r وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ :" اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ"[42] .
رابعًا : سلامهr على الأطفال وعطفه عليهم:
لقد كان محمد r يسلم على الأطفال في الطرقات، ويمسح على رؤوسهم ووجوههم، فعن جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الأُولَى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانُ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ، قَالَ : وَأَمَّا أنا فَمَسَحَ خَدِّي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا ورِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُونَةِ عَطَّارٍ r[43].
خامسًا : رفقه r بالأطفال إذا صلى بهم :
يقول " كولن " :
"كانت صلاة رسول الله r طويلة، ولا سيما النوافل منها؛ إذ كانت تتجاوز طاقة الصحابة، ولكنه عندما يقف للصلاة يريد إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلاته ويتَجوَّز فيها؛ ذلك لأن النساء كن يقفن للصلاة خلف رسول الله rأي يشتركن في أداء صلاة الجماعة خلفه، فخوفاً من أن تكون أم ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلاته، ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الأم"[44].
يقول النبي r : "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلاتي كراهية ان أشق على أمه"[45] .
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال:
مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ r ، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ[46].
سادسًا: تعزيزه r للطفل الصادق :
فلما نزل القرآن، مصدقًا لكلام عمير بن سعيد، عندما قال قول الصدق والحق في رجل شتم النبي r، أخذ النبي r بأذن عمير فقال له النبيr - وهو يُحَيِّيه على الصدق- : " وفت أذنك يا عمير.. وصدّقَكَ رَبُكَ"[47].
سابعًا: ملاطفتهr للأطفال:
عن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله r أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، فكان إذا جاء رسول الله r فرآه قال " أبا عمير ما فعل النغير ؟"[48] ..
والنغير طائر صغير كان أبو عمير يلعب معه !
وقد rكان يصلي فإذا سجد ؛ وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أراد الناس أن يمنعوهما ؛ أشار إليهم أن دعوهما ..
قال أبو هريرة : كنا نصلي مع رسول الله r العشاء فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما [ بيده من خلفه أخذا رفيقًا ] فوضعهما وضعًا رفيقًا ، فإذا عاد عادا فلما صلى [ وضعهما على فخذيه ] جعل واحدًا هاهنا وواحدًا هاهنا .. ! قال أبو هريرة :
فجئته فقلت : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال : لا ..!"[49] .
ثامنًا: رحمتهr بغلام يهودي:
فعَنْ أَنَسٍ t قَالَ :
كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ r فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ r يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : "أَسْلِمْ" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ .فَقَالَ : لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ r فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ r وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ! !"[50] .

وهكذا نرى أعلى درجات الرحمة في شخصية هذا النبي الكريمr ، الذي يطلب من غلام يعالج سكرات الموت، أن ينطق بالشهادتين في لاحظاته الأخيره، لتكونا برهاناً لرسول الله يشفع به أمام الله لهذا الغلام .. يوم القيامة !
وهذا الشعور من رسول الله r يبين عمق عاطفته النبيلة الجياشة تجاه سائر البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم .
إتها الرغبة الشديدة الفياضة في هداية البشر ، رغم جهلهم المطبق برسالة محمد – إلا من رحم الله -، فهو يدعوهم إلى الجنة، وهم يتفلتون منه، كما في حديثه، الذي يمثِّل فيه لرحمته بتصوير رائع بليغ، فيقول: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي"[51] .


المبحث الرابع
رحمته للأيتام
المطلب الأول : النبيr اليتيم :
يقول جيمس متشنر عن النبيr:" ولد يتيماً محباً للفقراء والمحتاجين والأرامل واليتامى"[52]ويقول"فيليب حتي" ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة"[53] .
ومن أولى بحب اليتيم من محمدr، وهو نبي الرحمة اليتيم، الذي رغب في كفالة الأيتام وإيوائهم، وهو الذي ذاق مرارة اليتم، إذ حُرِم محمد r من أمه وأبيه، فلم تكتحل عيناه برؤية أبيه، ثم لم يلبث أن فقد أمه وهو في سنة السادسة من عمره، فآواه ربه سبحانه ورباه، وامتنَّ عليه بهذه النعمة قائلاً:
] أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)[، وأمره بشكر هذه النعمة بألا يقهر يتيماً أو يجرحه أو يهينه، وأن يجبر كسر قلبه، ويمسح على رأسه، ويكون هو الأب الأكبر الحنون لكل أيتام البشرية ! لاسيما في أوقات كان المجتمع قاسياً لا يرحم يتيمًا . فقد بُعث رسول الله r في مجتمعات - كما يقولسيدني فيشر- : "يعامل فيها الأرامل واليتامى وسائر الضعفاء كأنهم من سقط المتاع. فإذا بمحمد – عليه السلام – وهو فقير من كل ما يعتز به الملأ قد جاءهم بالهداية إلى الله وإلى سبل الخلاص، وغيّر مقاييس الأخلاق والآداب في أرجاء البلاد العربية"[54] ..
فعاش سيدنا محمدr وقد "شغل باله بحال اليتامى على الدوام.."[55] على حد قول لويس سديو .

وبهذا لا تنكسر نفس اليتيم ولا يشعر بذلَّة أو حزن حينما يرى كل ولد بجوار أبيه يقبل بفرح إليه ، ويرتمي في أحضانه، لأنه وجد في المسلمين أكثر من واحد يصنع معه ذلك .

ولذك نجد أن القرآن الكريم تحدث في شأن اليتيم في ثلاثة وعشرين موضعاً، نظراً لأهمية تضافر المجتمع لرعاية اليتيم، كما سن النبي r .

المطلب الثاني : نماذج في رحمتهr لليتيم:
أولاً: ترغيبه في كفالة اليتيم :
فعن سِهْلِ بنِ سَعْدٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله r: "أنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الْجَنّةِ كَهَاَتَيْنِ، وأَشاَرَ بإِصْبعَيْهِ يَعْنِي السّبّابَةَ وَالوُسْطَي"[56] ..
وهو يشمل يتامى المسلمين وغيرهم، كما تدل عليه صيغة العموم، لأن "أل" في اليتيم للجنس...

ثانيًا: مواساته لليتامى :
فمن أخباره r في هذا الجانب، أنه عندما قُتِل جعفر أمهل آل جعفر ثلاثاً، ثم أتاهم، يقول عَبْد اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ : فقال رسول الله r: " لا تبكوا على أخي بعد اليوم ". ثم قال: "ادعوا لي بني أخي ". فجيء بنا كأنَّا أفرخ فقال: " ادعوا لي الحلاق " فأمره فحلق رؤُوسنا[57] ثم لما رجع رَسُول اللَّهِ r إلى أهله، قال لهم:"إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم، فاصنعوا لهم طعاماً"[58] ..
ثالثًا: ترغيب النساء في تربية الإيتام :
يقول النبى :" أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى[أى تسابقنى] تريد أن تدخل معى الباب فأقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت علىأيتام لي"[59] ..
مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه، وابتعدت عن مواطن الشبهاتوالريبة، وعكفت على تربية الأبناء . هذه المرأة مكانتها- في الإسلام -أنها تسابق النبىr لتدخل معه الجنة!!
رابعًا: تحذيره من الإعتداء على مال اليتيم :
قال النبيr داعيًا ربه: "اللهمَّ إنِّي أحرِّج حقَّ الضعيفينِ اليتيم والمَرأة "[60] .
ومعنى الحديث : أي أُلحق الإثم بمن ضيَّع حقهما وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً .
وعد أكل مال اليتيم من الموبقات، فقال النبي r : " اجتَنبوا السَّبعَ الموبقَات " قيلَ يَا رسولَ الله ومَا هنَّ ؟ فذكرهن إلى أن قال : "وأكلُ مالِ اليَتيم "[61] .
فإذا بلغ اليتيم أشدَّه فيجب أن يسلم له جميع ماله ولا يجوز للوصي أن يبخس أو يأخذ منه شيئاً إلا بطيبة نفس من اليتيم بعد أن يبلغ أشده ويحصل رشده، فكل تصرف في مال اليتيم لا يقع في دائرة ما هو أحسن فهو محظور ومنهيٌّ عنه، فأكل ماله طمعاً فيه واستضعافاً له محرم ومنهي عنه، وتجميد ماله وعدم استثماره محرم ومنهي عنه، وإهماله وعدم صيانته محرم ومنهي عنه .
المبحث الخامس
رحمته للأرامل
المطلب الأول: حثه على السعي على الأرامل:
الأرملة التي حُرمت من الزوج، تكون منكسرة ومجروحة الخاطر وبحاجة إلى من يعولها، ولهذا رغب النبي rبجبر كسرها، ورعايتها فكان فيقول :
"الساعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سَبيلِ الله: كالقائم لا يَفتُر وكالصائم لا يُفطِر"[62].
ومعنى الساعي : الْكَاسِب لَهُمَا : الْعَامِل لِمَئُونَتِهِمَا[63]، الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين"[64] .. . فكافل الأرملة كالمجاهد في سبيل الله سواءً بسواء ..
وقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : سُمِّيَتْ أَرْمَلَة لِمَا يَحْصُل لَهَا مِنْ الْإِرْمَال ، وَهُوَ الْفَقْر وَذَهَاب الزَّاد بِفَقْدِ الزَّوْج[65].
المطلب الثاني : سعيه على الأرامل :
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قال:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيُكْثِرُ الذِّكْرَ ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ"[66].
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:
"إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ"[67].
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
"جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ لَهَا : " يَا أُمَّ فُلَانٍ اجْلِسِي فِي أَيِّ نَوَاحِي السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَجْلِسَ إِلَيْكِ " قَالَ: فَجَلَسَتْ فَجَلَسَ النَّبِيُّ r إِلَيْهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا[68].
الفصل السابع
رحمتهr للضعفاء
المبحث الأول : رحمته للفقراء
المبحث الثاني : رحمته للعبيد والخدم
المبحث الثالث : رحمته لذوي الاحتياجات الخاصة
المبحث الرابع : رحمته للمسنين
المبحث الخامس : رحمته للأموات




















المبحث الأول
رحمته للفقراء
وفي رعاية محمد r للفقراء والمحتاجين مظهر من مظاهر الرحمة في شخصيته r، وخصوصاً تلك الجهود المشكورة التي بذلها في مكافحة الفقر والبطالة ..
فبعدما عاشت الجزيرة العربية حياة الطبقية .. الغني يأكل الفقير، والقوي يبتذ الضعيف، ظهر سيدنا محمد r بدعوته التي حققت العدالة الاجتماعية متمثلة في دولة المدينة المنورة من ناحية، وفي منهج الإسلام في مكافحة الفقر والمرض والجهل من ناحية أخرى ..
المطلب الأول : فضل محمدr على الفقراء :
كان النبيr رحمة حقيقة للفقراء ..
رحمة لهم كمشّرع، رحمة لهم كحاكم، ورحمة لهم كغني ، ورحمة لهم كنبي قبل كل شيء!
يقول المستشرق الإسباني جان ليك:
" وقد برهن [r] بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى المساعدة ، كان محمد [r] رحمة حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء"[69].
وكان - كما تقول كوبولد -: "كريمًا بارًا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر الأحايين قليلاً لا يكاد يكفيه"[70].
"ومن يجهل أنه [r] لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان [r] حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه"[71].
وذات مرة " أوحى الله تعالى إلى النبي [r] وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ"[72] .
ويلخص واشنجتون إيرفنج السلوك المالي للنبي r بقوله :
"كان الرسول [r] ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة !"[73].
وفي يوم ازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى شجرة، فانتزعت رداءه فقال : "أيها الناس، ردوا علي ردائي ! فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً "[74].
ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلاف، وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله!
وحُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير !! فقام إليها يقسمها، فمارد سائلاً حتى فرغ منها[75]!.
وأعطى صفوان بن أمية غنماً ملأت وادياً بين جبلين فقال صفوان: أرى محمداً r يعطى عطاء من لا يخشى الفقر !
وفي ذلك؛ نرى في شخص رسول الله r نموذج الحاكم المسلم العفيف، الذي يتعفف عن المغانم والأموال في سبيل سد أبواب الفقر في المجتمع الإسلامي، كما أنه r بهذا المسلك يكون قدوة وأسوة للأغنياء، فيكون محفزاً لهم على البذل والإنفاق فوق الزكاة المفروضة..
المطلب الثاني : نظام الزكاة – نموذجًا:
وفي نظام الزكاة رحمة عملية للفقراء ..
فالحكومة الإسلامية تحّصل زكاة المال من الأغنياء لتردها إلى فقراء الشعب..
فلما بَعث النبيُ r معاذَ بن جبل إلى اليمن ، أوصاه الرسول r قائلاً : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"[76] ..
وتعرف الزكاة بأنها الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال الغنى . وتحسب الزكاة كنسبة 2.5% من المدخرات السنوية إذا تعدت قيمة معينة تعرف بالنصاب .
والزكاة مشتقة في اللغة العربية من زكا والتى تعنى النماء والطهارة والبركة. فإخراج الزكاة طهرة لأموال المسلم وقربة إلى الله تعالى يزداد بها ومجتمعه بركة وصلاحًا .
إذ ينظر الإسلام إلى مال المسلم الغني كأمانة استأمنه الله عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يرضى الله تعالى .

والزكاة في الإسلام هى أول نظام عرفته البشرية لتحقيق الرعاية للمحتاجين والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع حيث يعاد توزيع جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة والمحتاجين .
وخول "الفقراء حق أخذها إذا امتنع الأغنياء من دفعها طوعاً"، كما بين "ليورودتن"[77] .

وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع وتكافل أفراده والقضاء على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية إذا أحسن استغلال أموال الزكاة وصرفها لمستحقيها .
وفي الزكاة يقول "ول ديورانت" :
".. لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من (الضرائب)[78] ما فرضه عليهم محمد [r] لإعانة الفقراء.."[79].
ويفصِّل "جاك ريسلر" القول في فضائل الزكاة فيقول :
"كانت الزكاة قبل كل شيء عملاً تعاونيًا حرًا وإداريًا ينظر إليه على أنه فضيلة كبرى. "وفي تنظيم جماعة (المدينة) اعتد النبي [r] هذا العمل الخير كضريبة شرعية إجبارية لصالح الفقراء والمعوزين. وسيتحول فيما بعد هذا النظام وسيتولد عنه هيئة من موظفين وبيت مال.. لكن إذا كانت الدولة قد صنعت هذا العمل الخيّر مصدرًا لمواردها، فإن مبدأ الزكاة ظل – بفضل القرآن – فضيلة مارسها المسلمون تلقائيًا بوصفه واجبًا دينيًا. وينبغي أن نزجي الثناء لمحمد [r] فقد كان أول من شرع ضريبة تجبى من الأغنياء للفقراء، هكذا أوجد القرآن الرحمة الإجبارية !" [80] .
وما أجمل ما قاله بنكمرت[81] في وصفه لنظام الزكاة، حين قال : "لم أجد دينًا وضع للزكاة تشريعًا شاملاً كالإسلام. والمجتمع الإسلامي الذي يحرص على إخراج الزكاة يخلو من الفقر والحرمان والتشرد.. إنني أتصور لو أن العالم كله اهتدى إلى الإسلام لما بقي على ظهر الأرض جائع أو محروم ! ! والمجتمع المسلم الذي يلتزم بأحكام الإسلام وآدابه مجتمع نظيف سعيد تنعدم فيه الجرائم بكافة ألوانها."[82]
من ناحية أخرى ، فقد حذر سيدنا محمد rمن مغبة منع الزكاة وتوعد مانع الزكاة بالعذاب الشنيع يوم القيامة، فقال r
"من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع [ نوع من الثعابين ] له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ( يعني شدقيه ) ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ".. ثم تلا النبي [r]] ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة [ [آل عمران : الآية 180] "[83].
وقال مرغبلاً في فريضة الزكاة :"من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره"[84].
وقال r "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان : من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره"[85].
وقالr: "من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا . لايحل لآل محمد منها شيء"[86].
المطلب الثالث: دوره r في مكافحة البطالة :
أولاً : ترسيخ قيم العمل والانتاج :
لقد رسخ سيدنا محمد r في المجتمع بتعاليمه الغزيرة قيمًا اجتماعية وتنموية جليلة كالانتاجية والعمل.
فكرس في نفوس المسلمين بغض العطلة، وحب التكسب من عرق الجبين..
فكان رسول الله r يمقت أن يرى الرجل لا شغل له، وقد فضل r ثواب العامل من أجل لقمة العيش على العابد العاكف في المسجد، بل عد الساعي على إطعام بطنه وبطون أهله من الحلال كالخارج في سبيل الله . ونراه في أكثر من موضع يحبذ لكل مسلم فقير أن يحفظ ماء وجهه من سؤال الناس والأفضل له أن يخرج يتكسب من أي وسيلة مشروعة، ولو في جمع الحطب ..
فقال r - مشجعاً على العمل منفرًا من البطالة ـ :"لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره؛ فيبيعها فيكف بها وجهه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه"[87].
قال العلامة القرضاوي :
"فبين الحديث أن مهنة الاحتطاب على ما فيها من مشقة، وما يحوطها من نظرات الازدراء، وما يرجى منها من ربح ضئيل، خير من البطالة وتكفف الناس"[88] .
ثانيًا : قضاء حوائج العاطلين :
تجده r يفكر ويخطط لشاب فقير بحيث يوفر لهr فرصة عمل يتكسب منها ..
فعن أنس بن مالك: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي rيسأله (الصدقة)، فقال " أما في بيتك شىء ؟ " قال: بلى ، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء . قال " ائتني بهما " قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله r بيده وقال " من يشتري هذين " ؟ قال: رجل أنا آخذهما بدرهم. قال :" من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا . قال رجل :" أنا آخذهما بدرهمين ". فأعطاهما إياه ، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري. وقال " اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما فأتني به " فأتاه به. فشد فيه رسول الله rعودًا بيده ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يومًا " . فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا . فقال رسول الله r: " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة . إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع [ الفقر الشديد ] أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع "[89].
فانظر كيف خطط النبي rلهذا الشاب ، بحيث يوفر له النبي rفرصة عمل يتكسب منها.
ثالثًا: تحريمهr البطالة :
هذا، ولقد حارب سيدنا محمد r كل مظاهر البطالة، والإخفاق عن التكسب، بشتى الطرق، ليسد كل باب أمام انتشار الفقر في المجتمع ..
فقلد حرم النبيr البطالة مع القدرة على العمل، والحاجة إلى الكسب لقوته وقوت من يعوله، وفي هذا يقول النبي r : "إن الله يكره الرجل البطال"، " والبطالة تقسي القلب"[90] .
رابعًا: ترغيبهr في الزراعة :
ونراه يرغب في الزراعة في أحاديث مباركة ، مثل قوله :
"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا أَوْ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"[91].
خامسًا: ترغيبهr في الصناعة :
ويرغب في الصناعة، فيقول:
" مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ- عَلَيْهِ السَّلَام -كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ"[92].
سادسًا: ترغيبه rفي التجارة :
ويرغب في التجارة، قائلاً:
" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"[93].
وقد صنف الإمام البخاري باباً، تحت عنوان : بَاب الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى" فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ " .

المبحث الثاني
رحمته للعبيد والخدم
تتمثل رحمتهr للعبيد في عدة جوانب، أهمها أنه ساهم بشكل كبير تحرير العبيد، فضيق rمصادر الاسترقاق ووسع منافذ التحرير، كما جعل للعبيد حقوقًا وواجبات وأمر بالرفق بهم وبالخدم، فهم على أقل الأحوال إخوننا في الإنسانية .

المطلب الأول : تحرير العبيد
لقد كانت دعوة النبيr دعوة لحرية الإنسان ، والقضاء على العبودية ، فقرر الحرية الإنسانية وجعلها من دلائل تكريم الخالق للإنسان، ولذا رأيناهr يول عناية خاصة لتحرير الأرقاء ، عن طريق إلغاء مصادر الرق أولاً ، و تشجيع المسلمين على تحرير عبيدهم، انطلاقاً من قاعدة أن من أعتق عبداً أعتق الله له بكل عضو عضواً من أعضائه من عذاب النار[94].
ومن ثم نظم الإسلام أحكام الرق، بحيث تضيق في أسباب حدوث الرق، وتوسع في أساليب العتق، ولذلك - كما يقول إميل درمنغم : - "عُدّ فك الرقاب من الحسنات ومكفرًا لبعض السيئات"[95] .
ويذكر آدم متز[96]أهم أساليب العتق في الإسلام – مبيناً أن العتق يعد مبدأ من مبادىء الإسلام - ، فيقول : "كان في الإسلام مبدأ في مصلحة الرقيق، وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن يشتري حريته بدفع قدر من المال، وقد كان للعبد أو الجارية الحق في أن يشتغل مستقلاً بالعمل الذي يريده.. وكذلك كان من البر والعادات المحمودة أن يوصي الإنسان قبل مماته بعتق بعض العبيد الذين يملكهم"[97] .
وكان الرسول في مجتمعه الإسلامي إماماً في إقرار مبدأ تحرير العبيد ، حتى أن أسرى الحرب لم يعتبرهم عبيدًا ، وسمح لهم بدفع الفدية أو تعليم أبناء المسلمين لفك أسرهم[98].
فلم يبق [r] أيما عبد على عبوديته . فما إن يؤول إليه عبد رقيق، حتى يسارع إلى إعتاقه[99].
بل رفع r من شأن العبيد حتى جعل النبيr -كما يقول نظمي لوقا[100] - "العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش !"[101] .
ومن هنا وقفت قيادات قريش الأرستقراطية في وجه الدعوة التي ترنو إلى تحرير العبيد وتنادي بالمساواة التامة بينهم وبين السادة، ولقد كانت قيادات مكة تساوم قائد الدعوة على طرد هؤلاء العبيد مقابل إقرار قيادات مكة بالإسلام، ومن ثَم نزل القرآن الكريم محذرًا رسول الله أن يترك العبيد أو أن يطردهم، وهم الذي بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدعوة، ويدعون ربهم الواحد الأحد صباحًا ومساءً، يريدون ببذلهم وجه الله تعالى، لا يبتغون منصبًا أو جاهًا كما يبتغي غالبية السادة.. فقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28]، إن هؤلاء العبيد -في الشرع الإسلامي السمح- هم أعظم قيمة وأكثر بركة وأرق أفئدة وأطهر نفسًا، من هؤلاء السادة الذين يستعبدون الناس، ويتجبرون في الأرض بغير الحق.. هؤلاء العبيد نزل من أجلهم الأمر من السماء إلى رائد الدعوة rبأن يضعهم في عينيه! بل نزل التحذير من الله لرسولهr من أن يلتفت عن العبيد إلى زينة الكبراء، أو أن يتلهى عن العبد ويطيع السيد المارق.
أما العبيد فقد وجدوا الكرامة والحرية، في تعاليم الإسلام الإصلاحية، وفك رقابهم من طوق الفقر والذل، وخلصهم من عبادة الحجارة وسياط السادة. بل جعل منهم سادات المسلمين، حتى أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعليقًا على حادثة شراء أبو بكر لبلال بن رباح رضي الله عنهما ليعتقه من الرق فقال: "سيدنا وأعتق سيدنا!".
المطلب الثاني : فرية سن الإسترقاق:
ورغم جهود محمد r في تحرير العبيد إلا أن بعض الحاقدين زعموا أن محمداً rسن الاسترقاق!
ونحن نترك العلامة" لايتنر" يرد على هذه الفرية، فيقول:
".. إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن محمدًا [r] قد حضّ على عتق الرقاب، وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة"[102] ..
كذلك يتحدثالكاتب الفرنسي "فانسان مونتييه"[103]، مستنكراً هذه الشبيهة على أصحابها، فيقول:
" إنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن كثيراً من الكفَّارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هو تحرير الرقاب الذي عَدَّه الإسلام تقرباً وطاعة لله"[104]..
ويتحدثكويليام[105] عن هذه الرويات التي اختلقها الحاقدون، وزعموا أن محمداًr، سن الإسترقاق والخناسة .. فيقول :
"إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة، لا يمكن تصديقها وتصور وقوعها"[106] .. ويدلل على حقيقة أن محمداً r له الفضل في القضاء على النخاسة في الجزيرة العربية، فيضرب مثالاً بمناطق شرق ووسط أفريقيا، التي تفشت فيها مظاهر النخاسة والاسترقاق، ويبين أن السبب في تفشي هذه المظاهر في هذه المناطق هو "لأن الإسلام لم يدخل فيها ! ! وبرهان ذلك أن الإسلام من خصائصه إبطال النخاسة إبطالاً دائمًاً"[107] ..
رغم أن تجار النخاسة والرق – كما يقول ادوار بروي – كانوا "من الأوربيين"[108] .. ومن ثم.. "توقفت حركة التطور في البلدان [الأفريقية] على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الأرجاء تجار النخاسة والرق من الأوربيين "[109].
وإذا قيل: إن الإسلام لم يلغِ الرق والاتجار بالبشر إلغاءً كاملاً رغم عظم مجهودات نبي الإنسانية r في مكافحة الاسترقاق.. فجواب ذلك أن الدولة الإسلامية وحدها لا تستطيع أن تقضي تمامًا على عادة الاسترقاق والاتجار بالبشر، وذلك لعدة أساب وجيهة ومنطقية..
السبب الأول: أن مظاهر الاسترقاق والاتجار بالبشر كانت متأصلة ومنتشرة في المجتمعات الإنسانية، العربية وغير العربية، منذ قديم الزمن، فكان على الشرع الإسلامي -كعادته- أن يستخدم التدرج في القضاء على المنكرات والأعراف الفاسدة، فضيّق منافذ الاسترقاق ووسع أبواب العتق.
السبب الثاني: أن هذه العادات كانت قبل ظهور الإسلام بمثابة الأعراف الدولية، فقد كانت جميع الدول والإمبراطوريات -دون استثناء- تمارس الاسترقاق والاتجار بالبشر، ومن ثَم فإن القضاء على الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام، يلزم الجميع بمنع الاسترقاق أو الاتجار بالبشر.. ومعلوم أن الدولة الإسلامية أيام النبي r لم تكن من القوة والانتشار بالقدر الذي يسمح لها بمنع هذه العادات.
السبب الثالث: أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام، وإذا أصدرت الدولة قرارًا بمنع الرق؛ فسوف يقع حرج شديد على هؤلاء الناس الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم تقوم على كاهل هؤلاء العبيد.. فكان على النظام الإسلامي أن يأخذ بمبدأ التدرج في منع الاسترقاق والاتجار بالبشر.
السبب الرابع: أن الدولة الإسلامية لم تكن تمتلك من الإمكانيات الاقتصادية والمالية بحيث تتمكن من كفالة هؤلاء العبيد بعد تحريرهم، أو حتى توفير فرص عمل لهم جميعًا، فمن المعروف أن العبيد كانوا في كفالة أسيادهم، يطعمون من مال السادة، ويحترفون لهم في مهنهم..

[1] مارسيل بوازار : إنسانية الإسلام ، ص 140

[2] سورة الممتحنة: الآية 10

[3] محمد الغزالي : فقه السيرة، ص 260.

[4] اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص 28

[5] صحيح – البخاري، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، برقم ( 4843)، ومسلم، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، برقم( 1419 ) .

[6] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص 328-329 .

[7] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، 328-329 .

[8] صحيح– رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه،كتاب النكاح، باب باب في حق المرأة على زوجها برقم 2142 وقال أبو داود " ولا تقبح " أن تقول قبحك الله، ورواه أحمد برقم 20036، والحاكم برقم 2764، والطبراني في المعجم الكبير برقم 1034، وقال الألباني : حسن صحيح، صحيح سنن أبي داود، برقم 1875.

[9] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص 328-329 .

[10] روز ماري : الإسلام والعرب ، ص 203 .

[11] روز ماري ( مريم هاو) باحثة وصحفية إنكليزية، نشأت في عائلة نصرانية متدينة ، ولكنها مع بلوغها مرحلة الوعي بدأت تفقد قناعاتها الدينية السابقة وتتطلع إلى دين يمنحها الجواب المقبول . وفي عام 1977 أعلنت إسلامها.

[12] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء اسلموا، 8\28

[13] أسلمت وسمت نفسها منى عبدالله ماكلوسكي ، ألمانية، تعمل قنصلا لبلادها، ألمانيا الاتحادية ، في بنغلاديش، واهتدت إلى الإسلام في مطلع عام 1976 ، على يد شيخ الجامع الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود –رحمه الله – وشعرت يومها (وكأنها ولدت من جديد.) على حد قولها !.

[14] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء اسلموا ،9\64

[15] سورة الممتحنة:الآية :12

[16] انظر: محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة، 283

[17] صحيح - البخاري ( 1\ 469)، ومسلم (4\ 45).

[18] انظر : محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة ، 154

[19] سورة البقرة:الآية 228


[20] نظمي لوقا : محمد الرسالة والرسول ، ص 95 – 96 .

[21] جاك ريسلر: الحضارة العربية ، ص 53

[22] ول ديورانت: قصة الحضارة 13 \ 306

[23] صحيح – رواه البخاري، باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5536

[24] صحيح - السلسلة الصحيحة ، برقم 294

[25] صحيح – رواه البخاري، باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5537

[26] يعني منعني من العبث بخاتم النبي

[27] صحيح- رواه البخاري باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5534

[28] انظر: ابن كثير: السيرة النبوية 2\ 485

[29] وليم موير : حياة محمد 15 .

[30] لويس سيديو : تاريخ العرب العام ، ص 110 -111

[31] جاك ريسلر: الحضارة العربية ، ص 53

[32] وقد أفردنا مبحثاً خاصاً برحمته للبنات.

[33] صحيح – رواه مسلم، باب رحمته صلى الله عليه وسلم -، برقم 4280

[34] صحيح - . رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 6159

[35] صحيح – راوه النسائي ، باب بَاب هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَجْدَةٌ أَطْوَلَ مِنْ سَجْدَةٍ، رقم 1129، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.

[36] ابن حجر: فتح الباري ج 10، ص427.

[37] صحيح – رواه مسلم برقم 2316

[38] صحيح – رواه البخاري، باب رحمة الولد وتقبيله،برقم 5538

[39] صحيح – رواه مسلم (3 / 1691) برقم 2147

[40] صحيح – رواه البخاري ، برقم 3120

[41] صحيح – رواه البخاري، باب مناقب الحسن والحسين، رقم 3464

[42] صحيح – رواه البخاري، باب مناقب الحسن والحسين، رقم 3466

[43] صحيح - رواه الطبراني في المعجم الكبير ، برقم 1911، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 5789

[44] محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية ، 2/33

[45] صحيح - رواه البخاري عن ابن ربعي، بَاب مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ، برقم 666

[46] صحيح – رواه البخاري، بَاب :مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّبرقم 667،

[47] مصنف عبد الرزاق (10 / 47 ) 18304، والقصة معروفة في كتب السيرة.

[48] صحيح – رواه البخاري، برقم 5850، و مسلم برقم 2150

[49] صحيح – السلسلة الصحيحة برقم 3325

[50] صحيح – رواه البخاري ، برقم 1268

[51] صحيح - صحيح مسلم ، برقم 4236

[52] نقلا عن : محمد شريف الشيباني، الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة ،120

[53] فيليب حتى: الإسلام منهج حياة ، ص54.

[54] سيدني فيشر :الشرق الأوسط في العصر الإسلامي ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 54 -55

[55] لويس سديو : تاريخ العرب العام ، ص 110 .

[56] صحيح – رواه البخاري ، في الأدب باب فضل من يعول يتيماً وأبو داود في الأدب باب في من ضم يتيماً، رقم 5546

[57] رواه أبو داود، كتاب الترجل - باب في حلق الرأس، رقم 4192 . وصححه الألباني في المشكاة برقم 4463، و في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[58] رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز - باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت رقم 1611، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة ، والقصة منتشرة في كتب السيرة بعد معركة مؤتة .

[59] صحيح - رواه أبو يعلى الموصلى ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع.

[60] حسن - رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وهو في السلسلة الصحيحة ، برقم 1015

[61] صحيح - رواه البخاري (2560) ومسلم (129) وغيرهما

[62] صحيح – رواه البخاري، باب الساعي على الأرملة ، برقم 4934، ومسلم باب الإحسان إلى الأرملة، برقم 5295

[63] شرح النووي على مسلم 9\ 366

[64] ابن حجر : فتح الباري (ج 9 / ص 366)

[65] شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 366)

[66] رواه النسائي،باب بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ، برقم 1397، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.

[67] صحيح- رواه البخاري البخاري، باب الكبر، برقم 5610

[68] صحيح – رواه مسلم، باب بَاب قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ ، برقم 4293

[69] جان ليك : العرب ، ص 43

[70]اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص67

[71]لويس سيديو : تاريخ العرب العام ، ص 103 .

[72] لايتنر : دين الإسلام ،133 .

[73] واشنجتون إيرفنج : حياة محمد ، ص303

[74] صحيح ـ صححه الألباني في تخريجح كتاب فقه السيرة لمحمد الغزالي ص 392.

[75] انظر: ابن سيد الناس: عيون الأثر، ج 2 / ص 421، 422.

[76] صحيح ـ وهو في الإرواء، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، ص 36.

[77] انظر: محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص176

[78] الصحيح : الزكاة والصدقات

[79] ول ديورانت : قصة الحضارة ، 13 / 59.

[80] جاك ريسلر : الحضارة العربية، ص43

[81] بريشا بنكمرت (عثمان عبد الله ) : تربوي ، بمملكة تايلاند، نشأ في أسرة بوذية، راح يبحث، بعد إكمال دراسته، عن دين يجدر أن يكون "دين البشرية ودين الحياة"، كما يصفه، وفي مطلع عام 1971 أعلن إسلامه، وغير اسمه إلى عثمان عبد الله.

[82] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 3 / 115

[83] صحيح ـ أخرجه البخاري، برقم 1315، والنسائي برقم 8307 وأحمد، برقم 8307 عن أبي هريرة.

[84] حسن لغيره - رواه الطبراني في الأوسط واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مختصرا: " إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره " وقال صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، صحيح لغيره، برقم 743.

[85] صحيح لغيره – رواه ابو داوود، برقم 1349، والبيهقي في شعب الإيمان يرقم 3148، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب :صحيح لغيره، برقم 750

[86] حسن – رواه النسائي برقم 2401، وأحمد برقم 19183، وحسنه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، برقم 64.

[87] صحيح البخاري، رقم 1933، وابن ماجه برقم 1826

[88] يوسف القرضاوي: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، 40

[89] رواه أبو داود، برقم 1398، وابن ماجه 2189 ، وضعفه الألباني .

[90] رواه القضاعي، في مسند الشهاب من حديث عبد الله بن عمرو، برقم 278..

[91] صحيح – رواه أحمد 12038 عن أنس ، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين

[92] صحيح – رواه البخاري 1930 عن الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَاب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ.

[93]حسن - رواه الترمذي عن أبي سعيد، برقم 1130 وحسنه . .

[94]عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال:" من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار" (الإرب هو العضو )، صحيح مسلم، باب فضل العتق، حديث رقم 1509

[95] اميل درمنغم :حياة محمد، 290

[96] آدم متز (1869-1917) : باحث ألماني، عين أستاذًا للغات السامية، في جامعة بازل بسويسرا، وقد تخصص بالأدب العربي في العصر العباسي. من آثاره: (نهضة الإسلام في القرن الرابع الهجري) (1922)، وقد ترجم إلى العربية بعنوان: (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري).

[97] ا آدم متز : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، 1 / 290 .

[98] انظر: محمد شريف الشيباني، الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، 119

[99] مولانا محمد علي : نقلاً عن : محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، 119

[100] د. نظمي لوقا : كاتب نصراني من مصر. يتميز بنظرته الموضوعية .. كثيرًا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم . بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره. ألف عددًا من الكتب أبرزها (محمد الرسالة والرسول)، و(محمد في حياته الخاصة).

[101] نظمي لوقا:محمد الرسالة والرسول، ص 185

[102] لايتنر :دين الإسلام ، ص 7 .

[103] شغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس، وشغل منصب رئيس "مؤسسة الدراسات الإسلامية في "داكار"، وله عدة دراسات منها: كتاب "الإرهاب الصهيوني"، "والمسلمون في الاتحاد السوفيتي"، وكتاب "الإسلام في إفريقيا السوداء"، كما قد قام بترجمة ابن خلدون إلى الفرنسية.

[104] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا، 231

[105] مفكر إنكليزي، ولد سنة 1856، وأسلم سنة 1887 ، وتلقب باسم : (الشيخ عبدالله
كويليام، ومن آثاره : (العقيدة الإسلامية ) (1889) ، و (أحسن الأجوبة).

[106] عبد الله كويليام : العقيدة الإسلامية ، ص26

[107] عبد الله كويليام العقيدة الإسلامية ، ص26

[108] ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 3 / 564

[109] ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 3 / 564
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 01-30-2012, 12:45 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

المطلب الثالث : نماذج رحمته للعبيد :
إن المتأمل في التوجيهات النبوية يجدها تشي بالجهد الجهيد الذي بذله نبي الإنسانية في سبيل تحسين أوضاع العبيد والإماء ويعرف بحق كيف كانت مكرمة العبيد في الإسلام. وهذه بعض التوجيهات النبوية التي نذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر.
أولاً : وصيته r بالعبيد والإماء :
كان آخر كلمات النبي r وهو يجود بروحه الشريفة، وقد حضره الموت، الوصية بالعبيد والإماء.. فعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان آخر كلام رسول الله r: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"[1] !
إنه يوصي بالعبيد، وهو في سكرات الموت! فهو الذي احتضنهم حيًّا، وأوصى بهم بعد مماته خيرًا، فكان خير معلم لهم وخير أب وخير محرر .
ثانيًا: تحذيره r من إيذاء العبيد والإماء:
فكان يغضب أشد الغضب من ضرب العبيد أو إيذائهم، فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنت أضرب غلامًا لي؛ فسمعتُ مِنْ خَلْفِي صوتًا: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ.. لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ"! فالتفتُ فإذا هو النبي! فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى. قَالَ: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ النَّارُ أَوْلَمَسَّتْكَ النَّارُ"[2] .
كذا كان رسول الله يربي تلاميذه، ويفقه شعبه، على احترام آدمية الناس، وخاصة الضعفاء منهم والعبيد والخدم والأجراء.
ويمتد هذا النداء الأبوي إلى حكام المسلمين في كل زمان ومكان؛ فيلزمهم بحماية العبيد من التعذيب أو الاضطهاد، فضلاً عن السعي الجاد لتحريرهم.
ثالثًا: أمره r بالإحسان إلى العبيد
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألطف الناس بالعبيد، وأرفق الناس بالإماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله من أشد الناس لطفًا! والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه!! وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه[3] .
وعن المعرور قال : لقيت أبا ذر بالربدة، وعليه حلة وعلى غلامه حله [يعني من نفس الثوب ]فسألته عن ذلك . فقال : إني ساببت رجلاً، فعيرته بأمه[قال لبلال : يابن السوداء ]فقال لي النبي r: "يا أبا ذر ! أعيرته بأمه ! ؟ إنك امروء فيك جاهلية ! إخوانكم خولكم [العبيد والإماء والخدم والأسرى هم إخوانكم في الدين والإنسانية]، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده: فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم "[4] .

فحرم السخرية من العبيد أو الاستهزاء بألوانهم أو أنسابهم، كما حرم إجهاد العبد في الخدمة، وأوجب مساعدته إذا كُلّف ما يغلبه.. وحذر الفقهاء من استعمال العبيد على الدوام ليل نهار، فقالوا: إذا استعمل السيدُ العبدَ نهارًا أراحه ليلاً، وكذا بالعكس، وقالوا: يريحه بالصّيف في وقت القيلولة، ويمنحه قسطه من النّوم، وفرصة للصّلاة المفروضة. وإذا سافر به يجب عليه أن يحمله معه على الدابة أو يتعاقبان على البعير ونحوه.
بل قالوا: "إن كان العبد ذمّيًّا فقد ذكر بعض الفقهاء أنه لا يمنع من إتيان الكنيسة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير؛ لأن ذلك دينه، نقله البنانيّ عن قول مالكٍ في المدوّنة"[5]
وتأمل معي قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن عيّر العبد: "إنك امرؤ فيك جاهلية".. دلالة على أن صفة من يهينون العبيد ويؤذونهم بالقول أو الفعل، فوصفهم بالجهل، وربطهم بعصور الجاهلية، وعهود التخلف.
رابعًا: التعاون في تحرير العبيد :
شغل الرقُ سلمانَ الفارسي حينًا من الزمن .. فقد كان مولى عند أحد الوجهاء، حتي فات سلمان عدد من المشاهد مع الرسول الكريم r، منها بدر وأحد.
فذهب إلى النبيr
فأشار عليه النبي r أن يكاتب سيده، فكاتبه علي ثلاثمائة نخلة يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.
وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان، فأحضروا له النخل وحفروا معه أماكنها وقدم رسول الله r ووضعه بيده الشريفة وعُتق سلمان.
وكانت أول مشاهده غزوة الأحزاب، وكان هو صاحب فكرة إنشاء خندق عظيم حول المدينة لتحصينها من الغزاة .. ولما نجحت الفكرة، زاد تقدير الناس لسلمان نظرًا لرجاحة عقله، وجهده في خدمة دولة الإسلام بفكرة الخندق، فقال الأنصار : سلمان منا ! وقال المهاجرون: سلمان منا !
فقال النبيr : "سلمان منا أهل البيت !!"[6].
وهكذا ارتفع شأن العبيد في دولة الإسلام بجهدهم وخدمتهم للمجتمع، ولم تكن عبوديتهم أيما يوم من الأيام تشينهم بين إخوانهم المسلمين.وفي ذلك أيضًا النموذج العملي الذي حشد فيه النبي r جهود شعبه من أجل تحرير عبد. وهو بذلك يلزم المجتمع بضرورة تضافر الجهود الشعبية لفك الإنسان من الرق .

خامسًا: سن قاعدة : "كفارة ضرب العبد عتقه":
شرع الإسلام منفذًا لتحرير العبيد عن طريق سن قاعدة "كفارة ضرب العبد عتقه" والذي لم يكن موجودًا أيام الجاهلية، فمنح حق الحرية للعبد إذا ضربه سيده.
فعن أبي صالح ذَكْوَانَ عن زَاذَانَ قال: أتيتُ ابن عمر، وقد أعتق مملوكًا له، فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا، فقال: مالي فيه من الأجر مَا يَسْوَى هذا.. سمعتُ رسول الله r يقول: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أو ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ"[7].
سادسًا: كفالة الدولة الإسلامية للعبد المعاق أو المريض:
فلقد كان لِزِنْبَاعٍ أبو روح رضي الله عنه -أحد الصحابة- عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ سَنْدَرٍ، فوجده يقبل جارية له، فقطع ذَكَرَهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ، فأَتَى الْعَبْدُ النبي r فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزنباع: "مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت؟" قَالَ: فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. فذكر له ما فعل بالجارية!.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعبد: "اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ" فقال العبد: يا رسول الله فمولى من أنا؟ فقال: "مولى الله ورسوله".. فأوصى به المسلمين؛ فلما قُبض جاء العبد إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: وصية رسول الله r ، فقال: نعم، تجري عليك النفقة وعلى عيالك، فأجراها عليه حتى قبض.. فلما استخلف عمر رضي الله عنه جاءه فقال: وصية رسول الله r قال: نعم، أين تريد؟ قال: مصر، قال: فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضًا يأكل منها"[8] .
فالدولة -في الشرع الإسلامي- تكفل أصحاب الإعاقات من العبيد، -كما رأيت- كالمواطنين الأحرار، وقرر لهم الراتب المالي الدوري الذي يغنيهم عن التسول أو سؤال الناس.
المطلب الرابع: تحريم الاتجار بالبشر
ومن دلائل مكافحة الاسترقاق في الشرع الإسلامي، تحريمه لكافة صور ومظاهر الاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال الأحرار.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: "قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[9]
فجعل الاتجار بالبشر من أبواب الخيانة والغدر والظلم، والله عز وجل خصم لجميع الغادرين إلا أنه أراد التشديد على هذه الأصناف الثلاثة، فقد ارتكبوا جرمًا شنيعًا يتعلق بحقوق الإنسان، فأحدهم غدر بأخيه الإنسان، فعاهده عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه، والثاني باع أخاه الإنسان الحر، والثالث أكل مال أخيه الإنسان الأجير، وهو داخل في إثم المتاجرة بالبشر كالثاني؛ لأنه استخدمه بغير حق، وخالف الأمر النبوي: "أَعْطِ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"[10]
وجريمة الاتجار بالبشر -التي حرمها الشرع الإسلامي الفضيل- تتسربل بصور عديدة مارستها المجتمعات الجاهلية في القديم والحديث.. فمارستها قبائل العرب ودول الفرس والرومان قبل بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقطعون الطرق على الأحرار، فيسرقون أموالهم ويبيعونهم في أسواق النخاسة على أنهم عبيد.. وفي العصر الحديث مارس الأمريكان هذا السلوك الجاهلي مع الزنوج، فخصصوا الهيئات التي تبيع وتشتري فيهم، وهم أحرار، ومارسوا أبشع صور التمييز العنصري في حقهم. إضافة إلى ظهور جماعات المتاجرة بالأطفال والنساء؛ لغرض الاستغلال الجنسي التجاري، ناهيك عن استغلال هذه الجماعات للكوارث الطبيعية والحروب لممارسة نشاطها، وخير شاهد ما حدث في كارثة تسونامي وما أعلنته الصحف عن أرقام مفزعة للنساء والأطفال الذين تم الاتجار بهم في ظل هذه الكارثية الإنسانية، الأمر نفسه حدث مع ضحايا الشعب المسلم في البوسنة والهرسك بعد ما أعمل فيه الجيش الصربي الذبح، فتم بيع آلاف الفتيات والأطفال على مرأى ومسمع من العالم (المتحضر).. وتحولت البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى مراكز كبرى للاتجار بالبشر من جانب العصابات المنظمة التي تحصد سنويًّا ما بين 8 و10 مليارات دولار من الاتجار بالأطفال والنساء، وذلك وفقًا لإحصائيات وزارة العدل الأمريكية... بيد أن الشرع الإسلامي الكريم حرّم بيع الأحرار، وناهض تجارة البشر بالبشر، وحرم إكراه الفتيات على ممارسة البغاء فقال الشارع الحكيم: "وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: 33].
إلى جانب أن جريمة الاتجار بالبشر تنتهك حق الإنسان في الحرية، وتنتهك حقوق الأطفال والنساء في العيش في بيئة آمنة صالحة، فهي تنزعهم من أسرهم ومن بين آبائهم وأمهاتهم إلى جحيم الاستغلال الجنسي والسخرة والتعذيب النفسي والجسدي.. وكلها مظاهر حرمها الإسلام وحاربها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع مظاهر الاسترقاق والاتجار بالبشر؛ ليسجل أمام الله تعالى ثم التاريخ أن النظام الإسلامي هو أول نظام في تاريخ البشرية ناهض الاسترقاق وحارب المتاجرة بالبشر
المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم
أولاً: سلوكه r مع خادمه :
خادمه أنس t يحدثنا عن رحمته وشفقته r بالخدم..
وإن شهادة الخادم عن سيده لصادقة، وخاصة من رجل كأنس الذي خدمه تسع سنين، ونقل عنه إلى الأُمة آلاف الأحاديث، وكان معه كظله..
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ rأَحْسَنَ النّاسِ خُلُقاً. فَأَرْسَلَنِي يَوْماً لِحَاجَةٍ.
فَقُلْتُ: وَاللّهِ لاَ أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيّ اللّهِ r، فَخَرَجْتُ حَتّىَ أَمُرّ عَلَىَ صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ r قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ:" يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ ! أَنَا أَذْهَب يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: هَلاّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا [11]..
وإذا لام أحدٌ الخادم لتقصيره في خدمة سيدنا محمدr ، قال r : "دعوه ! فلو قُدر أن يكون كان!"[12].
ثانيًا: حثه على العفو عن الخادم :
كان سيدنا محمد r يوصي أصحابه بالعفو عن الخدم ..فعن عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي rفقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت. فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا عنه في كلِّ يومٍ سبعين مرَّةً "[13].
ثالثًا: توبيخه مَنْ ضرب الخادم:
كان لدى بني مقرّن خادمة، فلطمها أحدهم، فجاءت تشتكي إلى رسول الله rباكية، فاستدعى الرسول rمالكها قائلاً له: "أَعتِقوها"، فقالوا: ليس لهم خادم غيرها. قال: "فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها، فليخلّوا سبيلها[14] .
وعن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما ولا امرأة قط[15]
رابعًا: ترغيبه rفي إطعام الخادم :
فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ"[16].
خامسًا: نهيه عن الدعاء على الخادم :
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ"[17].

المبحث الثالث
رحمته بذوي الاحتياجات الخاصة

أخيرًا ًًالتفت العالم المتحضر في هذا القرن إلى ذوي الاحتياجات الخاصة !! بعدما نحى جانبًا نظريات عنصرية، فاسدة، تدعو إلى إهمالهم ، بزعم أن هؤلاء – أمثال الصم والبكم والعمي والمعاقين ذهنيًا– لا فائدة منهم ترتجى للمجتمع .. ولقد قدرت منظمة العمل الدولية في تقرير لها عام (2000م ) عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بأكثر من (610) مليون نسمة ، منهم (400) مليون نسمة في الدول النامية، وفي تقرير للبنك الدولي، تمثل هذه الفئة 15 % تقريبًا من نسبة السكان في كل دولة من دول العالم .

المطلب الأول : الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية:
وإذا نظرنا – سريعًا- إلى تاريخ الغرب مع ذوي الاحتياجات الخاصة، نجد مجتمعات أوربا القديمة، كروما وإسبرطا شهدت إهمالاً وإضهادًا صارخًا لهذه الفئة من البشر، فلقد كانت هذه المجتمعات – حكامًا وشعوبًا – تقضي بإهمال أصحاب الإعاقات، وإعدام الأطفال المعاقين عقب ولادتهم، أو تركهم في الصحراء طعاماً للسباع والطيور..
وكانت المعتقدات الخاطئة والخرافات هي السبب الرئيسي في هذه الانتكاسة، فكانوا يعتقدون أن المعاقين عقليًّا هم أفراد تقمصتهم الشياطين والأرواح الشــريرة. وتبنّى الفلاسفة والعلماء الغربيون هذه الخرافات، فكانت قوانين (ليكورجوس) الإسبرطي و(سولون) الأثيني تسمح بالتخلص ممن بهم إعاقة تمنعه عن العمل والحرب، وجاء الفيلسوف الشهير (أفلاطون) وأعلن أن ذوي الاحتياجات الخاصة فئة خبيثة وتشكل عبئًا على المجتمع، وتضر بفكرة الجمهورية.. أما (هيربرت سبنسر) فقد طالب المجتمع بمنع شتى صور المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، بزعم أن هذه الفئة تثقل كاهل المجتمع بكثير من الأعباء دون فائدة.
بيد أن العرب -وإن كانوا يقتلون البنات خشية العار- كانوا أخف وطأة وأكثر شفقة على أهل البلوى والزمنى، وإن كانوا يتعففون عن مؤاكلة ذوي الاحتياجات الخاصة أو الجلوس معهم على مائدة طعام.
وفي الوقت الذي تخبط فيه العالم بين نظريات نادت بإعدام المتخلفين عقليًّا وأخرى نادت باستعمالهم في أعمال السخرة اهتدى الشرق والغرب أخيرًا إلى "فكرة" الرعاية المتكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة.. في ظل هذا كله نرى رسولنا المربي المعلم صلى الله عليه وسلم كيف كانت رحمته لهذه الفئة من بني البشر، وهذا غيض من فيض رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

المطلب الثاني : رعاية النبي r لذوي الاحتياجات الخاصة:
فعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيىء ، فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة ! فَقَالَ: فَقَالَ: " يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ " فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطّرُقِ، حَتّىَ فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا[18].
وهذا من حلمه وتواضعه r وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة..
وفي هذا أيضاً : " بيان بروزه r للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدي بها وهكذا ينبغي لولاة الأمور وفيها صبره r على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين واجابته من سأله حاجة"[19].

وفي هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، صحيًا واجتماعيًا، واقتصاديًا، ونفسيًا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسد احتياجاتهم .
ومن صور هذه الرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة :
-توفير الحياة الكريمة لهم
- العلاج والكشف الدوري لهم
- تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم
- توظيف مَن يقوم على رعايتهم وخدمتهم .
ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه – ، لهذا المنهج النبوي السمح، فأصدر قرارًا إلى الولايات:
"أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانةتحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه " وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه ، وأمر لكلاثنين من الزمنى – من ذوي الاحتياجات – بخادمٍ يخدمه ويرعاه[20] .
وعلى نفس الدرب سار الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك – رحمه الله تعالى -، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز رعاية – لذوي الاحتياجات الخاصة ، فأنشأ [عام 707م- 88 هـ]مؤسسة متخصصة في رعايتهم، وظّف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًا لذوي الاحتياجات الخاصة ، وقال لهم : " لا تسألوا الناس " ، وبذلك أغناهم عن سؤال الناس ، وعين موظفًا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير[21].

المطلب الثالث: الأولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم:

وإذا كان الإسلام قد قرر الرعاية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على قضاء حوائجهم، فقد قرر أيضًا أولوية هذه الفئة في التمتع بكافة هذه الحقوق، فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الإكفاء ، ففي حادثة مشهورة أن سيدنا محمد r عبس في وجه رجل أعمى – هو الصحابي الفاضل عبد الله ابن أم مكتوم - جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم إلى الإسلام، و رغم أن الأعمى لم ير عبوسه، ولم يفطن إليه، إلا أن المولى تبارك وتعالى أبى إلا أن يضع الأمور في نصابها، والأولويات في محلها، فأنزل - سبحانه آيات بينات تعاتب النبي الرحيم عتاباً شديداً:
]عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ] [عبس: الآيات 1-12]
يقول الباحث الإنجليزي "لايتنر " معلقًا على هذا الحادث :
".. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي [r] وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان [r] كما يقول أغبياء النصارى بحقه [r] لما كان لذاك الوحي من وجود !"[22].
وقد كان النبي r يقابل هذا الرجل الأعمى، فيهش له ويبش، ويبسط له الفراش، ويقول له:
" مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي "[23] !
ففي هذه القصة، نرى علة المعاتبة، لكونهr انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس .
وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم.

المطلب الرابع: عفوهr عن سفهائهم وجهلائهم :
وتجلت رحمة ****** r بذوي الاحتياجات الخاصة، في عفوه عن جاهلهم، وحلمه على سفيههم ، ففي معركة أحد[ شوال 3هـ- أبريل624 م]، لما توجه الرسول r بجيشه صوب أحد، وعزم على المرور بمزرعة لرجل منافق ضرير، أخذ هذا الأخير يسب النبيr وينال منه ، وأخذ في يده حفنة من تراب وقال – في وقاحة - للنبيr: والله لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك لرميتك بها ! حَتَّى هم أصحاب النبي بقتل هذا الأعمى المجرم، فأبي عليهم -نبي الرحمة- وقال:
" دعوه ! فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر "[24].

ولم ينتهز رسول الله r ضعف هذا الضرير، فلم يأمر بقتله أو حتى بأذيته، رغم أن الجيش الإسلامي في طريقه لقتال، والوضع متأزم، والأعصاب متوترة، ومع ذلك لما وقف هذا الضرير المنافق في طريق الجيش، وقال ما قال، وفعل وما فعل، أبى رسول الله إلا العفو عنه، والصفح له، فليس من شيم المقاتلين المسلمين الاعتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب الإعاقات، بل كانت سنته معهم؛ الرفق بهم، والاتعاظ بحالهم، وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينا مما ابتلاهم .
المطلب الخامس : تكريمه وموساته r لهم :
فعن عائشة أنها قالت : سمعت رسول الله r يقول : " إن الله عز وجل أوحى إلى أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة... "[25] .
وعن العرباض بن سارية ، عن النبي r ، عن رب العزة - قال : " إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين ، لم أرض له ثوابًا دون الجنة، إذا حمدني عليهما"[26]
ويقول النبيr لكل أصحاب الإصابات والإعاقات : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ"[27]
ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية، مواساة وبشارة لكل صاحب إعائقة؛ أن إذا صبر على مصيبته، راضيًا لله ببلوته، واحتسب على الله إعاقته، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة .
وقد كان النبي r يقول عن عمرو بن الجموح ، تكريمًا وتشريفًا له: " سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح "وكان أعرج ، وقد قال له النبي r ذات يوم: " كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة "، وكان – رضي الله عنه - يولم على رسول الله r إذا تزوج[28].
و عن أنس بن مالك : أن رسول الله r استخلف بن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى[29] .
وعن عائشة أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا لرسول الله r وهو أعمى[30] .
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا[31] .
وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيب رجله في سبيل الله تعالى[32].
وهكذا كان المجتمع النبوي، يتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في تشريفهم، وكل ذلك اقتضاءً بمنهج نبي الرحمة r مع ذوي الاحتياجات الخاصة . .
المطلب السادس : زيارتهr لهم
وشرع الإسلام عيادة المرضى عامة، وأصحاب الإعاقات خاصة، وذلك للتخفيف من معاناتهم .. فالشخص المعاق أقرب إلى الإنطواء والعزلة والنظرة التشائمية، وأقرب من الأمراض النفسية مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ إهمال المعاقين في المناسابات الاجتماعية، كالزيارات والزواج ..
وقد كان رسول الله r يعود المرضى، فيدعو لهم ، ويطيب خاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة، وينشر على قلوبهم الفرح، ويرسم على وجوهه البهجة، وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف المدينة، خصيصًا، ليقضي له حاجة بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت المتبتلى تلبية لرغبته .. فهذا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ- وكان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول للنبي r: إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر، وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم؛ لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى.
فوعده r بزيارة وصلاة في بيته قائًلا : "سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" ..
قال عتبان فغدا رسول الله r وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله r فأذنتُ له فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ"، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله r ،فكبر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم [33].
المطلب السابع: الدعاء لهم :
وتتجلى – أيضًا - رحمة نبي الإسلام r بالفئات الخاصة - من ذوي الاحتياجات- عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحمل البلاء .. ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم .. فذات مرة ، جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة النبي r.. فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني..
قَالَ r: "إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك".
قَالَ: فادعُهْ.
فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ ويدعو بهَذَا الدُّعاءِ:
" الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ "[34] .
وعن عطاء بن أبي رباح، قال لِي ابْنُ عَبَّاس: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ : بَلَى .
قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ .. أَتَتْ النَّبِيَّ r فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي !
فقَال النبيَr:" إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ".
فَقَالَتْ :أَصْبِرُ . فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَاr [35].
هذا، وقد كان رسول الله يدعو للمرضى والزمنى عامة، فعن عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال : " أذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما"[36]
وهكذا المجتمع الإسلامي؛ يدعو -عن بكرة أبيه- لأصحاب الإعاقات والعاهات وما رأينا مجتمعًا على وجه الأرض يدعو بالشفاء والرحمة لأصحاب الاحتياجات الخاصة، غير مجتمع المسلمين، ممن تربوا على منهج نبي الإسلام!.
المطلب الثامن : تحريم السخرية منهم
كان ذوو الاحتياجات الخاصة، في المجتمعات الأوربية الجاهلية، مادة للسخرية، والتسلية والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين نارين، نار الإقصاء والإبعاد، ونار السخرية والشماتة، ومن ثم يتحول المجتمع - في وجدان أصحاب الإعاقات- إلى دار غربة، واضهاد وفرقة .. فجاء الشرع الإسلامي السمح، ليحرّم السخرية من الناس عامة، ومن أصحاب البلوى خاصة، ورفع شعار " لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك " . وأنزل الله تعالى آيات بينات توكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية، والتي نبتت في من نتن العصبية، والنعرات القبائلية، فقال عز من قائل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الحجرات:11]
كما ثبت عن النبي r أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس"[37]،"وغمط الناس" : احتقارهم والاستخفاف بهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس، علمًا وجهادًا، وتقوى وعفة وأدبًا .. نهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة :" فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ"[38]
ولقد حذر النبي r أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذاءه، عبسًا وسخرية، فقال :
"مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ "[39]
وقال : " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَّهَ أَعْمَى عَنْ السَّبِيلِ " [40]
فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أو السخرية، أوالتقليل من شأن أصحابها، فصحاب الإعاقة هو أخ أو أب أو إبن امتحنه الله، ليكون فينًا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.
المطلب التاسع : رفع العزلة والمقاطعة عنهم:
فقد كان المجتمع الجاهلي في القديم- سواءً في الجزيرة العربية أو أوربا الرومانية أوأسيا الفارسية - يقاطع ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزلهم ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، كحقهم في الزواج، والاختلاط بالناس، وزيارتهم والأكل والشرب معهم..
فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبيّ r لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولاأعمى ولا مريض، وكان الناس يظنون بههم التقذّر والتقزّز. فأنزل الله تعالى:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون }[النور: 61 ] [41] .
أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج، فهؤلاء بشر مثلكم، لهم كافة الحقوق مثلكم، فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا تهجروهم، فأكرمكم عند الله أتقاكم، "والله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " .
وهكذا نزل القرآن، رحمة لذوي الاحتياجات الخاصة، يواسيهم، ويساندهم نفسًيا، ويخفف عنهم . ويتقذهم من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب المعاقين، جراء عزلتهم أو فصلهم عن الحياة الاجتماعية .
وبعكس ما فعلت الأمم الجاهلية، فلقد أحل الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة الزواج، فهم – والله – أصحاب قلوب مرهفة، ومشاعير جياشة، وأحاسيس نبيلة، فأقر لهم الحق في الزواج، ما داموا قادرين، وجعل لهم حقوقًا، وعليهم واجبات، ولم يستغل المسلمون ضعف ذوي الاحتياجات، فلم يأكلوا لهم حقًا، ولم يمنعوا عنهم مالاً، فعن عمر بن الخطاب أنه قال :
" أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا..." [42] .
المطلب العاشر: التيسير على ذوي الاحتياجات الخاصة :
ومن الرحمة بذوي الاحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ من الأحكام التكليفية، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت أن رسول الله rأملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله". قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها "علي" – رضي الله عنه - (لتدوينها)، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلا أعمى، قال زيد بن ثابت: فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله r ، وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي [من ثقل الوحي]، ثم سري عنه- فأنزل الله عز وجل: ]غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ[[43].
وقال تعالى – مخففًا عن ذوي الاحتياجات الخاصة - : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }[الفتح:17 ].
فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال، فلم يكلفهم بحمل سلاح أو الخروج إلى نفير في سبيل الله، إلا إن كان تطوعًا .. ومثال ذلك، قصة عمرو بن الجموح – رضي الله عنه – في معركة أحد [ شوال 3هـ/إبريل624 م]، فقد كان – رضوان الله عليه - رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله r المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه ، وقالوا : له إن الله عز وجل قد عذرك ! فأتى رسول الله r فقال:إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه . فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ! فقال نبي الرحمة r : "أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك "، ثم قال لبنيه : "ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة" فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد[44] .
بيد أن هذا التخفيف، الذي يتمتع به المعاق في الشرع الإسلامي، يتسم بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدر استطاعته، يقول القرطبي[45]:
"إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الاعرج فيما يشترط في التكليف به من المشى، وما يتعذر من الافعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك."
ومثال ذلك الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجل التكاليف الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد .. أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف، فعن عائشة أن رسول الله r قال :" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ " [46].
فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه، فعن ابن عباس قال: أتي عمر – رضي الله عنه - بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- فقال: ما شأن هذه؟
قالوا : مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم .
فقال: ارجعوا بها !
ثم أتاه، فقال : يا أمير المؤمنين ! أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة ، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل ؟ قال : بلى. قال: فما بال هذه ترجم ؟ !قال لا شيء. قال علي: فَأَرْسِلْهَا. فَأَرْسَلَهَا . فجعل عمر يُكَبِّرُ [47].
هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، في وقت لم تعرف فيه الشعوب ولا الأنظمة حقًا لهذه الفئة، فقرر – الشرع الإسلامي- الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولويات المجتمع الإسلامي، وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم . وتكريم أصحاب البلاء منهم، لاسيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة، وحث على عيادتهم وزيارتهم ، ورغب في الدعاء لهم، وحرّم السخرية منهم، ورفع العزلة والمقاطعة عنهم، ويسر عليهم في الأحكام ورفع عنهم الحرج. فالله الله في شريعة الإسلام ونبي الإسلام !
المبحث الرابع
رحمته للمسنين
يشهد العالم في السنوات الأخيرة اهتمامًا ملحوظًا بالمسنين، وقد شهد المجتمع الدولي أكثر من فعالية دولية، من مؤتمرات وندوات عالمية، لتناول قضايا المسنين، وشهد عام 1982 أول إشارة من العالم المتحضر لرعاية المسنين، حيث أعلنت الأمم المتحدة، في اجتماع لمندوبي 124 دولة، أن العقد التاسع من القرن العشرين عقد المسنين، ورفعت منظمة الصحة العالمية عام 1983 شعار "فلنضف الحياة إلى سنين العمر"، وقد تبنى مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في مدريد عام 2002م خطة عمل لمعالجة مشاكل المسنين في مختلف بلدان العالم ..
والحق أن هذه المؤتمرات كانت شبيهه بالملتقيات الفكرية النظرية، فلم يطبق لها قراراً، ولم تُفعل لها خطة !
وكان الأولى لهذه الفعاليات والمؤتمرات أن تقرأ في منهج نبي الإسلامr ، وكيف رسم المنهج العملي في رعاية المسنين .
لقد كان نبي الرحمةr سباقًا في هذا الميدان، ومرجعًا مهمًا – ينبغي أن يُأخذ به - لكل فعالية أو نشاط يهدف إلى رعاية المسنين .
وينطلق منهج رعاية المسنين – في الإسلام – من منطلق إنساني سامق، بعيدًا عن التمييز بين فئات المسنين على أساس الجنس أو اللون أو الدين . فالإسلام لا يقرر قواعد الرعاية للمسنين من منطلق عنصري أو عرقي كما هو الحال في العالم " المتحضر " في هذا الوقت الراهن .
فالمسن الفرنسي ذو البشرة البيضاء له الرعاية الشاملة والحقوق الكاملة، أما المسن الأسود والذي يحمل نفس الجنسية لا يتمتع بمعشار ما يتمتع به المسن الأبيض، رغم أنهم أصحاب وطن واحد ودين واحد ولغة واحدة.. !
فياليت هذا العالم " المتحضر" ينظر إلى منهج نبي الإسلام مع المسنين، كل المسنين، البيض والسود، العرب وغير العرب، المسلمين وغير المسلمين .
وإليكم بعض تعاليمه r في رعاية المسنين ..
المطلب الأول : حثه على إكرام المسنين والرفق بهم:
أولاً: مناشدة الشباب لإكرام المسنين :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"[48] .
وهكذا أوصى شباب المجتمع بشيوخه، وشباب اليوم هم شيوخ الغد، وتبقى الوصية المحمدية متواصلة ومتلاحقة مع حقب الزمن، توصي الأجيال بعضها ببعض، وفيه بشارة بطول العمر وبالقرين الصالح الذي يكرم من أكرم شيخًا، والجزاء من جنس العمل .
وانظر إلى هذا التعميم : " مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ" .. أي شيخ مسن، مهما كان لونه، ومهما كان دينه، فالمسلم مطالب بإكرام المسن دون النظر إلى عقيدته أو بلده أو لونه ...

كما في حديث أنس بن مالك ، أن رسول الله r قال: "والذي نفسي بيده ، لا يضع الله رحمته إلا على رحيم" ، قالوا : يا رسول الله ، كلنا يرحم ، قال :" ليس برحمة أحدكم صاحبه .. يرحم الناس كافة "[49] . فيرحم الناس كافة، والأطفال كافة، والمسنين كافة، بعجرهم وبجرهم، مسلمهم وغير مسلمهم .
ثانيًا: إكرام المسن من إجلال الله :
فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أن رَسُولُ اللَّهِ r قال "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"[50] .
فجعل إكرام المسنين من إجلال الله . . وربط بين توقير الخالق وتوقير المخلوق ، وإجلال القوي سبحانه وإجلال المسن الضعيف، وذكر علامة، يُكرم بها صاحبها، هي الشيب، فكان حقًا على كل من رأي هذه العلامة في إنسان إن يكرمه ويجله .
ثم انظر كيف جمع بين المسن وحامل القرآن والسلطان، وقدم المسن، كأنه يقول لك وقرْ المسن كما توقر السلطان والرئيس والحاكم، وعظم المسن كما تعظم حامل القرآن الحاذق.
وتحت لفظ " إكرام ذي الشيبة المسلم "، تأتي كل صور الرعاية والإكرام للمسنين، كالرعاية الصحية، والرعاية النفسية، والرعاية الاجتماعية والاقتصادية، ومحو الأمية، والتعليم التثقيف، وغيرها من صور العناية التي ينادي بها المجتمع الدولي الآن .
ثالثًا: ليس من المسلمين من لا يوقر الكبير :
فعن عبد الله بن عمرو : أن رَسُولُ اللَّهِ r قال : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا "[51].
فجعل من الذين لا يوقرون الكبراء والمسنين عناصر شاذة في مجتمع المسلمين، بل وتبرأ منهم ! إذ ليس من المسلمين من لا يحترم كبيرهم، وليس من المجتمع من لم يوقر مشايخه وأكابره من المسنين . وتأمل – هداك الله – لفظة النبي " يوقر كبيرنا " – هكذا بضمير الجمع ، تعظيمًا للكبير والمسن - ، ولم يقل " يوقر الكبير"، ليقرر أن الاعتداء على الكبير أو المسن بالقول أو الفعل أو الإشارة هو اعتداء على جناب رسول الله r، الذي نسب المسن إليه وانتسب إليه، بقوله .." كبيرنا" .
رابعًا: تسليم الصغير على الكبير :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنْ النَّبِيِّ rقَالَ: " يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"[52].

فقرر النماذج العملية البسيطة ، فيما يتعلق بجوانب الذوقيات الاجتماعية العامة، وبدأ بأهم هذه المظاهر الأخلاقية والذوقية، وهو مظهر توقير الكبير واحترام المسن، فهو البند الأول في " الإتيكيت الإسلامي ".. ولما كان الصغير هو المبادر في مثل هذه الأحوال، كان عليه فيما دون ذلك ، فيبدأ بالمساعدة، ويبدأ بالملاطفة، ويبدأ بالزيارة، ويبدأ بالنصيحة، ويبدأ بالاتصال .. الخ
خامسًا : تقديم المسن في وجوه الإكرام عامة:
قال النبي r : " أمرني جبريل أن أقدم الأكابر " [53].
وهذه قاعدة عامة في تقديم الكبير والمسن في وجوه الإكرام والتشريف عامة ..
وقد أمر النبي r أن يُبدأ الكبير بتقديم الشراب ونحوه للأكابر..فقال : "أبدؤا بالكبراء - أو قال – بالأكابر"[54].
ولقد مارس هذا الخلق عمليًا، فتقول عائشة : " كان r يستن وعنده رجلان، فأُوحي إليه : أن أعط السواك أكبرهما ! "[55].
وعن عبدالله بن كعب :"كان r إذا استن أعطى السواك الأكبر، و إذا شرب أعطى الذي عن يمينه"[56].
قال ابن بطال : فيه تقديم ذي السن في السواك ، و يلتحق به الطعام والشراب و المشي والكلام[57]. ومن ثم كل وجوه الإكرام .
كما أمر r بتقديم المسن في الإمامة :
ففي الصحيح من حديث مالك بْنِ الْحُوَيْرِثِ أن النَّبِيِّr قال :" .. فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " [58] .
وهو لا يتعارض مع تصريح النبي r بتقديم الأحفظ لكتاب الله.
وجد جمع بينهما في حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ حين قَال رَسُولُ اللَّهِ r: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَة،ً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا ..." [59] .
كما أن الكبير – في الهدي النبوي – أحق بالمبداءة في الكلام، والحوار، فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ r فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r:
"كَبِّرْ الْكُبْرَ " ..
قَالَ يَحْيَى يَعْنِي لِيَلِيَ الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ .. الحديث[60]

[1] صحيح - رواه أبو داود ( 2\ 761) برقم 5156، وأحمد(1\78)، برقم 585، وصححه الألباني في الجامع الصغير(1\11) برقم 106

[2] صحيح - سنن أبي داود، برقم ( 4492)، باب حق المملوك، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود، برقم 5159.

[3] رواه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة (116)، وأبو حنيفة في مسنده ( 40)، والحارث في مسنده (939)، وذكره ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ( 3931 ). ولم أقف على سنده .

[4] صحيح – رواه البخاري،كتاب الإيمان، برقم 30، وأخرجه مسلم في الإيمان والنذور، باب: إطعام المملوك مما يأكل، رقم: 1661

[5] عن الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، باب "رقّ"

[6] رواه الحاكم في المستدرك، برقم 6541، والطبراني في المعجم الكبير، برقم 6040، والقصة منتشرة في كتب السيرة، في ثنايا أحداث الخندق .

[7] صحيح - سنن أبي داود ، برقم4500 ، وصححه الألباني صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2278

[8] حسن – رواه أحمد ( 2 / 182 )، وأخرجه أبو داود ( 4519 ) وابن ماجه ( 2680 )، وحسن الألباني في الإرواء 1744

[9] صحيح - رواه البخاري، كتاب البيوع ، باب إثم من باع حرًا، ح: 2075

[10] حسن – رواه البيهقي، ح: (11439)، عن أبى هريرة. وحسنه الألباني

[11]صحيح – رواه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم باب حسن خلقه، رقم 2310

[12] صحيح - رواه أحمد، وصححه الألباني في ظلال الجنة ، برقم 355

[13] رواه أبو داود، باب في حق المملوك، برقم 4496.

[14] صحيح – رواه مسلم ، كتاب الأيمان - باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده

[15] صحيح - سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في التجاوز في الأمر، ح: (4154)، وابن ماجة، كتابالنكاح، باب ضرب النساء، ح: (1974)، وقال الألباني : صحيح ، انظر مختصر الشمائل المحمدية، ص 182

[16] رواه أحمد، برقم 16550، والنسائي5\382 برقم9204، قال ابن كثير : إسناده صحيح ولله الحمد ( التفسير 2/264)

[17] صحيح – رواه داود برقم 1309، كتاب الصلاة، بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ.، وهو في صحيح الترغيب والترهيب 2\ 133

[18]صحيح – رواه مسلم برقم 4293

[19] شرح النووي على مسلم (15 \ 82 )

[20] انظر: ابن الجوزي: سيرة عمر بن عبدالعزيز ، 130

[21] انظر: ابن كثير : البداية والنهاية، 9/ 186، وتاريخ الطبري 5/ 265

[22] لايتنر : دين الإسلام ، ص 12 – 13 .

[23] تفسير القرطبي 19/ 184، والبيضاوي 451

[24]ابن كثير : السيرة النبوية (ج 2 / ص 347)

[25] صحيح - رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وصححه الألباني في المشكاة(ج 1 / ص 55)، برقم 255

[26] صحيح رواه ابن حبان ح: 2993

[27] صحيح – رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ح: 4664

[28] أبو نعيم الأصبهاني، معرفة الصحابة 14 / 155

[29] صحيح – رواه أحمد ، ح: 13023، وصححه الألباني في الإرواء ح: 530

[30] صحيح – رواه مسلم، كِتَاب الصَّلَاةِ، بَاب جَوَازِ أَذَانِ الْأَعْمَى إِذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ، ح: 381

[31] تفسير الرازي، ج 11 / ص 374.

[32] رواه البيهقي ( 1 / 392 )، وقال الألباني : وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى


[33] صحيح البخاري، كتاب الصلاة باب المساجد في البيوت ، ح: (407)، وانظر: ح (627)، ومسلم ، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، ح: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ح: (1052)

[34] صحيح – رواه الترمذي (وشرح العلل)، أبواب الدعوات عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، 3578، وابن ماجه برقم 1385، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي.

[35] صحيح – رواه البخاري برقم 5220، بَاب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنْ الرِّيحِ، ومسلم، برقم 4673 بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

[36] صحيح – رواه البخاري، كتاب المرضى،باب دعاء العائد للمريض ، ح: (5243)، ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، ح: 4061

[37] صحيح – رواه مسلم ،ح: 91

[38] البخاري، ح: 5583

[39] حسن - رواه أحمد،ح: 1779

[40] حسن - رواه أحمد ، ح: 2763

[41] انظر: تفسير الطبري ، 19 / ص 219

[42] موطأ مالك،كِتَاب النِّكَاحِ، بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ، ح: (969) ، ومصنف ابن أبي شيبة - (ج 3 / ص 310)

[43] صحيح- رواه البخاري ، كتاب الجهاد والسير، والآية في سورة النساء: رقم 95 .

[44] انظر: ابن هشام 2 / 90

[45] تفسير القرطبي 12 / 313

[46] صحيح - رواه ابن ماجة، كِتَاب الطَّلَاقِ، بَاب طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ،ح: ( 2041)، وابن خزيمة في صحيحه ( 1003 )، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة، وفي الإرواء ( 297 )

[47] صحيح - رواه أبو داود، كِتَاب الْحُدُودِ، بَاب فِي الْمَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حَدًّا،ح: (4399)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود، وفي الإرواء ( 2 / 5 )


[48] رواه الترمذي، باب ما جاء في إجلال الكبير، رقم 1945 ، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وحسنه صاحب الجامع الصغير، انظر: فيض القدير - (ج 5 / ص 543)

[49] صحيح - رواه أبو يعلى الموصلي 4145 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 167

[50] حسن - رواه أبو داود، باب في تنزيل الناس منازلهم، رقم 4203، وابن أبي شيبة، برقم 5\ 224، والبيهقي، رقم 2573، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، 3\ 78

[51]صحيح – رواه الترمذي و رواه أحمد، برقم 6643، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 5 / 230 )

[52] صحيح – رواه البخاري، باب تسليم القليل على الكثير، رقم 5763

[53] صحيح - رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 9 / 97 / 1 ) ، وهو في السلسلة الصحيحة ، برقم 1555

[54] صحيح – أخرجه أبو يعلى ( 2 / 638 )، وهو في السلسلة الصحيحة، برقم 1778

[55] صحيح - رواه أبو داود،كِتَاب الطَّهَارَةِ، بَاب فِي الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ ح: 46، وهو في السلسلة الصحيحة - (ج 4 / ص 129)، برقم 1555

[56] صحيح - صحيح وضعيف الجامع الصغير - (ج 18 / ص 444)، برقم 8797.

[57] انظر:الألباني السلسلة الصحيحة - (ج 4 / ص 129)

[58] صحيح البخاري، كِتَاب الْأَذَانِ، بَاب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ ، ح: (595)

[59] صحيح مسلم ، كِتَاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَاب مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، ح: (1079)

[60] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب إكرام الكبير، ح: (5677)، ومسلم، كتاب الْقَسَامَةِ وَالْمُحَارِبِينَ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ، بَاب الْقَسَامَةِ، ح: (3157).
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-30-2012, 12:46 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

سادسًا : التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية :
فالأحكام الشرعية في الإسلام دائما تأخذ في الاعتبار مبدأ التخفيف عن صاحب الحرج، كالمسن .. نرى ذلك بوضوح في جل التشريعات الإسلامية .. فقد خفف الشرع عن المسن في الكفارات والفرائض والواجبات..
أما التخفيف عن المسن في الكفارات، فقصة المجادلة(خولة بنت ثعلبة) في القرآن خير دليل، عندما وقع زوجها (أوس بن الصامت) – وهو الشيخ المسن – في جريمة الظهار، ونزل الحكم الشرعي العام : " وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)" [ المجادلة ]..
وقال رسول الله r لخولة المجادلة: "مُريه فليعتق رقبة"، فسألت التخفيف عن زوجها .فقال: "فليصم شهرين متتابعين". فقالت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تَمر". فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده ! فقال نبي الرحمة : "فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر" ! ولم ينس الرسول الجليل والأب الرحيم أن يوصي المرأة الشابة بزوجها الشيخ فقال:"استوصي بابن عمك خيرًا".[1]
وفي الفرائض : أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان - ويطعم - إذا شق عليه الصيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه الجلوس .. وهكذا..
ولقد عنّف الرسول r معاذ بن جبل، ذات يوم، لما صلى إمامًا فأطال فشق على المأموم، قائلا :
"يَا مُعَاذُ ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ ! [ ثَلَاثَ مِرَارٍ] ! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ !"[2]
ورخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطى وسيلة النقل . فعَنْ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ لها النَّبِيُّ r :" فَحُجِّي عَنْهُ". [3].
المطلب الثاني : نماذج رحمته r للمسنين :
أولاً: إنصاته لعتبة وتلطفه معه :
جاء عتبة بن ربيعة - أحد شيوخ المشركين في مكة- يتحدث إلى النبي r، بحديث طويل يريد أن يثنيه عن دعوته، وكان من بين ما قال:
أنت خير أم عبد الله؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت النبي، تأدبًا وإعراضًا عن الجاهلين !
فواصل عتبة قائلاً : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فقل يسمع لقولك، لقد أفضحتنا في العرب حتى طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، ما تريد إلا أن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى[4] .. فلما عاين عتبةُ هذا الأدب الجم من رسول الله، خفف من حدة الحديث، وقال : يا بن أخى، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيًا [ يعني جنون أو مس ] تراه لا تستطيع رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه.
و لا زال عتبة يتحدث إلى النبيr، بهذا الحديث الذي لا يخلوا من التعريض أو من التجريح، ورسول الله r في أنصات واستماع بكل احترام للشيخ ..
حتى إذا فرغ عتبة، قال له النبي r- في أدب ورفق -: " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال: نعم.
قال: "اسمع منى".
قال: أفعل.
فقرأ عليه النبي أول سورة فصلت[5].
ثانيًا: سعيه لفك أسر شيخ كبير:
فلما أُسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب، في معركة بدر، ووقع أسيرا في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقيل لأبي سفيان: افد عمرًا ابنك ! قال: أيجمع علي دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرًا، دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم.
فبينًا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله r إذ خرج شيخ كبير مسلم إلى مكة لأداء العمرة، وكان اسمه سعد بن النعمان بن أكال - أخو بني عمرو بن عوف- فخرج معتمرًا، رغم أن الظروف السياسية عصيبة لاسيما بعد بدر .. ولم يظن أنه يحبس بمكة، وقد كان عهد أن قريشًا لا يعرضون لأحد جاء حاجًا أو معتمرًا إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة، فحبسه بابنه عمرو ..
ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله r فأخبروا خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان، فيفكوا به الشيخ، ففعل رسول الله r ، وأفرج عن ابن أبي سفيان على الفور، دون فداء، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ[6].
ثالثًا:رفقه بأبي قحافة وتوقيره له :
لما دخل رسول الله r مكة فاتحًا (في رمضان 8هـ/ يناير 630 م)، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة النبي r، ليتعرف عليه، لعله أن يسلم . فلما رآه رسول الله r قال:
" هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ ! " .
قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه! !
فأجلسه النبيr بين يديه، وأكرمه، ثم مسح على صدره، ثم قال:" أسلم"
فأسلم.
ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة[7] بياضًا من شدة الشيب.
فقال رسول الله r- في تلطف جم وذوق رفيع -: " غيروا هذا من شعره ! "[8].
وأخيرًا، يمكن أن نلخص الهدي النبوي في التعامل مع المسنين في عدة نقاط هي :
1-مسؤولية المجتمع بكامله – خاصة الشباب - عن شويخه ومسنيه، علمًا بأن رعاية المسنين واجب عيني على الأنظمة والحكومات والشعوب . ويمتد الواجب إلى حشد الجهود الفردية والجماعية والرسمية وغير الرسمية لرعاية المسنين .
2- الرعاية الكاملة والشاملة للمسن، صحيًا نفسيًا وعقليًا واجتماعيًا، وغيرها من صور العناية وقد جمعها اللفظ النبوي في جملة " إكرام ذي الشيبة " ..
3-توقير المسنين في المعاملات الاجتماعية اليومية المختلفة .
4-تقديم المسنين في وجوه الإكرام عامة، كالإمامة والطعام والشراب .
5-التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية، ومراعاة الفتوى الشرعية لهم .

المبحث الخامس
رحمته للأموات

المطلب الأول : زيارته rلقبور الأموات :
وتمتد رحمته – صلوات ربي وسلامه عليه – إلى الأموات، باعتبار أنهم إخواننا في الإنسانية سبقونا إلى الدار الأخرة .. ولما كان الأموات إخواننا قد سبقونا إلى القبور، فحقاً لهم أن نبرهم ونرحمهم ونصلهم .. فسن النبيr سنة زيارة المقابر وإلقاء السلام على أهل القبور .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ :
" السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ.. وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا " .. قال أصحابه : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ! قَالَ : " أَنْتُمْ أَصْحَابِي. وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.."[9].
هذا وقد كان يزور سيدنا محمد r مقبرة البقيع من حين إلى آخر ..
وكانr يزور شهداء معركة أحد كل أسبوع[10] .
بهذه الأحاسيس المرهفة، يزور النبيr قبور إخوانه، حيث يدعو لهم، ويتذكر أيامهم، ويسترجع ذكرياته معهم، ويأمل أن يلقاهم في دار الخلد في ظلال الله .. عند الحوض الشريف يوم القيامة ..
ومن هنا احترم الإسلام شعيرة زيارة القبور حتى ولو كانت من غير مسلم، فالفتح الإسلامي – مثلاً – كما يقولكرامرز[11] " لم يمنع من زيارة القبر المقدس[12] أو يحول بين الأوربيين المسيحيين وبين إنجاز هذه الفريضة الدينية"[13] .
المطلب الثاني : مشاركته في دفن الأموات بنفسه r:
أولاً : جنازة عدو من أعدائه :
وتراه في ذوق رفيع وسمو، ورحمة، يشارك الناس في دفن الميت بنفسه، ويدخل في الحفرة فيستلم الميت على ركبته، ويهدي قميصه إلى الميت ليكفّن فيه، رحمة منه، وموساة لأهله، وإن كان الميت من ألد أعدائه ..
انظر كيف كانت أخلاقه مع عدو الدعوة الإسلامية في المدينة عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ، لما مات، وأرادوا دفنه:
قال جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ t:
"أَتَى رَسُولُ اللَّهِ r عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ..!"[14] .
ثانيًا: جنازة حبيب من أحبابه r:
قال عبدالله بن مسعود :
قُمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله r في غزوة تبوك(في رجب 9 هـ/ أكتوبر630) ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله r وأبو بكر وعمر، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله r في حفرته، وأبو بكر وعمر، يدليانه إليه وهو يقول :"أدنيا إلى أخاكما " فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه، قال اللهم : "إنى قد أمسيت راضياً عنه؛ فارض عنه" .قال عبدالله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة[15]. فقال أبو بكر : والله لوددت أني صاحب الحفرة[16]..
المطلب الثالث : حزنه r إذا فاتته جنازة وصلاته عليها :
فذات يوم مر سيدنا محمد r بالمقابر فوجد قبراً جديداً ومعه أبو بكر . فقال النبي : " قبر من هذا ؟ "[17] فقال أبو بكر: يا رسول الله هذه أم محجن، كانت مولعة بلقط القذي من المسجد. فقال : " أفلا آذنتموني !!" فقالوا :كنتَ نائمًا، فكرهنا أن نهيجك .
قال : "فلا تفعلوا ، فإن صلاتي على موتاكم نور لهم في قبورهم"[18] .
فصف أصحابه فصلى عليها ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنَّ أَسْوَدَ - رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً - كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (وكَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ) فَمَاتَ – أو ماتت - وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ r بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ :مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ ؟ قَالُوا : مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " أَفَلَا آذَنْتُمُونِي ؟ ! "فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ، قَالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ. قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ[19].
يقول : " أَفَلَا آذَنْتُمُونِي ": أَفَلَا أَعْلَمْتُمُونِي ؟ ! يلوم أصحابه أن فوته عليه هذا العمل الإنساني، وهو تشييع جنازة مسلم، ولو كان حقيراً في نظر الناس ..

المطلب الرابع :توقيرهr للجنائز والقبور ولو كانت لغير المسلمين :
أولاً : قيامه r إذا مرت الجنازة :
بينما الرسول r في مجلس علم مع أصحابه، إذ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ على الفور!
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ .فَقَالَ – في سماحة - : "أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟ ! "[20]
وقد كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، يقومون للجنازة.
وقال جابر بن عبد الله :
قَامَ النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ حَتَّى تَوَارَتْ[21]
وعن أبي أسَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ "[22]..
ثانيًا: وضعه r الجريد الأخضر على القبر :
فقد مَرَّ النَّبِيُّ r بمزرعة من مزارع الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ r : " يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ " ثُمَّ قَالَ : " بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه،ِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ (خَضْرَاء ) فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ..
فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟
قَالَ : " لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا - أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا"[23] .
وقَدْ رَوَى اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّهُ r مَرَّ بِقَبْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : اِئْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ ، فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْد رَأْسه وَالْأُخْرَى عِنْد رِجْلَيْهِ "[24]
وَقَدْ تَأَسَّى الصَّحَابِيّ الجليل بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب بِذَلِكَ، وتأثر بهذه المواقف من رسول الله، فَأَوْصَى أَنْ يُوضَع عَلَى قَبْره جَرِيدَتَانِ[25]، تبركًا بفعلهr ، ورجاء أن يخفف عنه[26].
ثالثًا : أمرهr بعدم إيذاء الميت:
فنهى عن التمثيل بالمقتول في الحرب، فقال : "وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا"[27]
ونهى عن المساس بعظام الموتى، فعَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"[28].
ونهى عن إيذاء الأموات بأي شكل من الأشكال، فعن ابن مسعود: قال: "أذى المؤمن في موته، كأذاه في حياته"[29] ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ"[30].
وعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ:" لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا"[31]
وعن عمارة بن حزم t قال رآني رسول الله r جالسًا على قبر، فقال:" يا صاحب القبر ! أنزل من على القبر، لا تؤذي صاحب القبر، ولا يؤذيك ! "[32]
المطلب الخامس: دعاؤه r للأموات :
يقول عَوْف بْنَ مَالِكٍ :
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ :" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَه،ُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَد،ِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ _ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ -" قَالَ : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ[33]
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا، وَمَاتَ الْآخَرُ بَعْدَهُ، فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ r : "مَا قُلْتُمْ ؟ " قَالُوا : دَعَوْنَا لَهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ r: فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَأَيْنَ عَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَلَمَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ[34].
وكان يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ – أيضًا -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا"[35] .
وكان يأمر أصحابه بالدعاء للميت فيقول : " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"[36].
المطلب السادس : بكاؤه r على الأموات وعند القبور:
أولاً : في وفاة عثمان بن مظعون :
فعندما أُخبر رسول الله r بوفاة عثمان بن مظعون t أسرع إلى بيته، فقد كان عثمان t من الصحابة القريبين إلى قلبه. فبكى النبي r عليه بكاء كثيراً[37].
ثانيًا: في وفاة سعد بن عبادة :
عن ابن عمر t قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي r يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا-، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: "قد قضى؟". قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي r ، فلما رأى القوم بكاء النبي r بكوا. فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذِّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا"، وأشار إلى لسانه[38].
ثالثًا : في وفاة طفله إبراهيم :
لما رُزق رَسُولُ اللَّهِ r بطفل من زوجته السيدة مارية المصرية، قال لأصحابه - في ابتهاج وسرور - : "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ" . قال أنس : ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدْ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ rَقُلْتُ يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ [ أي توقف]! جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَمْسَكَ!
فَدَعَا النَّبِيُّ r بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ..
فَقَالَ أَنَسٌ : لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ[أي يحتضر] بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ r، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ :
"تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ"[39].

رابعًا: بكاءه عند قبر أمه:
ومن المواقف المؤثرة الصعبة على نفوس الصحابة، موقفهم عندما شاهدوا قائدهم في عام الحديبية ( 6هـ) يبكي بحرقة عند قبر أمه آمنة بنت وهب.
فعن سفيان الثوري أن نبي الله r انتهى يوماً من عام الحديبية إلى رسم قبر فجلس، وتفجر ينبوع الرحمة في قلبه فبكى وقال – بعينين دامعتين -: "هذا قبر آمنة بنت وهب" وكان عمره إذ ذاك نحو السّتين[40].
وعن عبد الله بن مسعود :
أن النبي r خرج يومًا وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر ، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ، فجلس إليه فناجاه[41] طويلاً ، ثم ارتفع صوته ينتحب باكيًا ، فبكينا لبكاء رسول الله r ، ثم إن رسول الله r أقبل إلينا ، فتلقاه عمر بن الخطاب t ، فقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فقد أبكانا وأفزعنا ، فأخذ بيد عمر ، ثم أومأ[42] إلينا فأتيناه، فقال – في شفقة -: " أفزعكم بكائي ؟ " فقلنا : نعم، يا رسول الله فقال ذلك مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : " إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ، ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي .. فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة ، فذلك الذي أبكاني.."[43] .
قال أحد الصحابة : فما رأيت ساعة أكثر باكيًا من تلك الساعة[44] .
لقد تذكر r بهذه الزيارة لقبر أمه الذكريات ..
فراح يستعيد جروح الماضي في وجدانه ..
فخيم عليه شعور اليتم الرهيب !
فتأوه القلب الصديع !





الخــــــاتــمة

أولاً : ملخص البحث:
تناولت هذه الدراسة موضوع رحمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - للعالمين في مقدمة وسبعة فصول، وخاتمة، فكان ملخص البحث على النحو التالي :
الفصل الأول : من هو نبي الرحمة ؟
قام الباحث بعمل تعريف موجز بنبي الرحمة rيشتمل على مختصر لأهم الأحداث في حياة الرسول r ، وشهادات الأدبيات الغربية بصدق نبوتهr، وبحقيقة رحمته للعالمين. وبين الباحث في نهاية الفصل خصائص هذه الرحمة المتجسدة في شخص محمدr ، وذلك من حيث كونها رحمة ربانية وعالمية وعملية ومتزنة.
الفصل الثاني : رحمته للعالمين مجال التنوير والحضارة:
تناول الباحث في الفصل الثاني أهم مظاهر رحمته r للعالم في مجال التنوير والحضارة، ورحمته للبشر في ذلك كونه أخرجهم من الظلمات إلى النور، فحول العرب من قبائل عصبية متناحرة إلى أمة متماسكة متحضرة، ولا يخفى فضله r على الحضارة الأوربية أيضًا بشهادة علماء الغرب أنفسهم.
وفي هذا الفصل تناول الباحث رحمته للبشرية بتدعيمه لقيم العلم والمعرفة، والتحضر والتربية والتسامح الديني ، وخدمة الإنسانية ورعاية حقوق الإنسان فكلها قيم حضارية تمثل جانبًا عظيمًا من جوانب الرحمة قي شخصية النبي محمد r، ويغفل عنه الكثير من الباحثين.
الفصل الثالث: رحمته للعالمين في مجال الأخلاق:
في هذا الفصل تناول الباحث أهم مظاهر الرحمة في الجانب الأخلاقي والسلوكي لشخصية النبي r، فتناول البحث بعض من شمائله وأخلاقه، مثل رفقه rولين عريكته وذوقه مع الناس، وعفوه لا سيما مع أعدائه، وتخلقه r كحاكم بأخلاق العدل والمساواة بين الناس، وتحذيره من استعباد الناس ونهيهه عن التمييز العنصري .
ودوره rفي نشر الحب والإخاء بين العرب وبعضهم، وبين العرب وغيره، وبين المهاجرين وبعضهم، وبين فصائل المدينة وبعضها، حتى صار المسلمون قوة أخوية واحدة قد ألف الله بين قلوبهم بشكل معجز .
وتناول الباحث في هذا الفصل - أيضًا - مظهرًا سلوكيًا مهمًا يبين رحمتهr ألا وهو جانب المعاملات المالية وسماحته فيه .
الفصل الرابع: رحمته للعالمين في مجال التشريع :
تحدث الباحث في هذا الفصل عن رحمة النبيr بالناس كمشرع، فتناول مرونته ووسطيته واعتداله
وفي سياسته الشرعية في الأحكام التي تتسم بالتيسير .
ونماذج عملية للرخص الشرعية والتدرج في التشريع، والتي تبين رحمته للبشر كمشرِّع، أرسله الله ميِّسرًا سهلاًr ، يضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .
الفصل الخامس : رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية والعسكرية :
في هذا الفصل تناول الباحث رحمة النبي rبغير المسلمين في ميدان الصراعات والحروب، وكيف كان يقدم الحوار على الصدام، ويجنح للسلم، ويبرم المعاهدات والعقود حقنًا للدماء، ويرحم العدو إذا قُهر، ويوصي خيرًا بأهل الذمة، ويمنحهم الحق في حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، ويوصي بالأسرى خيرًا .
وتناولنا في هذا الفصل الرد على أهم الشبهات في ذلك، والتي منها فرية نشر الإسلام بالسيف والعنف ورد علماء الغرب أنفسهم في ذلك ..

الفصل السادس: رحمته للعالمين مجال المرأة والطفل:
في هذا الفصل تناول الباحث مظاهر رحمة النبي rفي مجال المراة والطفل،وكيف أنقذ سيدنا محمدr النساء من ظلام الجاهلية وظلم الوأد وهضم الحق، ومن ثم كيف حررهن التحرير الحقيقي الكريم، وجعل لهن مميزات متفردة، في وقت كانت فيه المرأة – الأورببية - تعامل كجرثومة فوق الحيوان ودون الإنسان !
وتناول البحث الرد على الإفتراءات المتعلقة بهذا الموضوع، لاسيما في مسائل مثل تعدد الزوجات، وزواج النبي r وضرب الزوج لزوجته، وحجاب المرأة، والرد على ذلك من خلال أدبيات الغرب أنفسهم .
وتناول الفصل نماذج عملية لرحمة النبي r بالأطفال عامة وبالبنات خاصة، ورحمته بالأيتام والأرامل.
الفصل السابع: رحمتهr للضعفاء
في هذا الفصل تناول الباحث رحمة محمد r للضعفاء، فبين كيف كانت رحمته للفقراء ، في كل زمان حتى قيام الساعة .
وكيف تعامل النبي r مع مشكلة الفقر ومشكلة البطالة .
ورحمتهr للخدم وللعبيد وكيف جعل لهم حقوقًا وساهم في تحريرهم .
ورحمتهr لذوي الاحتياجات الخاصة وكيف كانت سنته معهم ورفقه بهم في الأحكام والمعاملات .
ورحمتهr للمسنين، وكيف كانت سنته ورعايته للمسن .
ورحمتهr للأموات، وكيف سن هذا الكم الضخم من الآداب المتعلقة بالجنائز والأموات، والتي تبين رحمته وتكريمه r للإنسان حيًا وميتًا. ونماذج عملية في كل ذلك .
ثانيًا : النتائج :
وبعد هذه الجولة، في هذه الدراسة،نستطيع نجمل أهم النتائج التي توصل إليها الباحث على النحو التالي :
1- كان محمد r رحمة حقيقة وعملية للبشرية منذ بعثته وحتى وقتنا هذا، بشهادة علماء الغرب، أمثال جان ليك، وتوماس كارلايل، و لين بول، ولوبون وغيرهم..
2- تبين للباحث عظم رحمة النبيr للبشرية في ميدان التنوير والمعرفة والعلم، فظهر دوره r في نقل الجزيرة العربية من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم، ومن عصر الظلام إلى عصر النور، وبان دروه كذلك في تحضر العالم كله، خاصة الغرب، وتحدث في ذلك علماء غربيين أمثال رودي بارت، وولز، واشنجتون ايرفنج، وغيرهم .
3- عاش أصحاب الديانات والعقائد المختلفة في ظل حكم النبي r حياة آمنة ، قد حفظ النبيr لهم فيها حق حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر، وحفظ لهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم من السوء كالمسلمين سواء بسواء .
4- في مجال الأخلاق، تبين للباحث ذلك الكم الضخم من القيم الأخلاقية والسلوكية المجتمعة في شخصية سيدنا محمد r، كالرفق واللين والعدالة والمساواة والحب والإخاء، والتي تمثل بعض تجليات الرحمة في شخصيته r ..وقد ركز العلامة توماس أرنولد كثيرًا على الجانب الخلقي في شخصية النبي r.
5- تجلت مظاهر الرحمة – كذلك - في شخصية النبي r كمشرِّع لتنظيم حياة المجتمعات البشرية، فظهرت في سياسته التشريعية مظاهر عدة على رأسها المرونة والوسطية والاعتدال والتيسير والرخص الشرعية والتدرج في التشريع..
6- في ميادين الصراعات السياسية والعسكرية، تجلت بوضوح مظاهر رحمته r، فقدم الحوار على الصدام، و الحل السلمي على الحل العسكري، وطبق مبدأ الحوار بين الحضارات بنجاح وراسل لذلك قادة وملوك العالم وأرسل إليهم الرسل والسفراء . وشهد أعداؤه وخصومه، بعظم أخلاقه، وسمو عفوه، لاسيما مع الأسرى.وقد أطنب الباحثون الغربيون في تجلية هذه المظاهر، أمثال إميل درمنغم، والعلامة لويس سيديو ، والدكتورة كارين أرمسترونج ، وغيرهم .
7- حرر النبي r المرأة من رق الجاهلية ، وأنقذها من مأساة الوأد، ورد لها اعتباراتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وظهرت لهr النماذج الفذه في رحمته بالأطفال عامة وبالبنات خاصة، إضافة إلى الأيتام والأرامل .
8- لقد ضرب نبينا محمد r المثل الأعلى في الرحمة بالضعفاء، فظهرت رحمته الجلية البينة بالفقراء وكيف ساندهم، والعبيد وكيف حررهم، والخدم وكيف أكرمهم، وذوي الاحتياجات الخاصة وكيف واساهم، والمسنين وكيف وقرهم.. وامتدت رحمتهr بالإنسان حتى في بطن الأرض ميتًا !

ثالثًا : التـوصيـات
1- : اقتراح عقد مؤتمر في موضوع تحت عنوان " تجليات الرحمة النبوية" :
وهو مؤتمر يهدف إلى تجلية جوانب الرحمة في شخصية النبي r، ودفع الإفتراءات القديمة والحديثة ، ويتم تناول هذا الموضوع في سبعة محاور هي :
المحور الأول: خصائص رحمة النبي r
- تأصيل لغوي وشرعي لصفة الرحمة
- الرحمة صفة الخالق
- الرحمة صفة الرسالة
- الرحمة صفة الأمة
- عالمية الرحمة
- عملية الرحمة
- حول الرحمة المتزنة
المحور الثاني: من تجليات رحمة النبيr في مجال التنوير والحضارة :
- التوحيد
- التحضر
- التسامح
- المعرفة
المحور الثالث : من تجليات رحمة النبيr في مجال الأخلاق:
- الرفق
- العفو
- العدل
- الإخاء
المحور الرابع : من تجليات رحمة النبيr في مجال التشريع
- المرونة
- الوسطية
- التيسير
- نموذج : الرخص الشرعية
المحور الخامس: من تجليات رحمة النبيr في مجال الحرب والسلام
- معاهدات السلام النبوية
- رسائل الملوك
- أخلاقيات الحرب
- حقوق الأسرى
- ردع الطغاة والمجرمين
المحور السادس : من تجليات رحمة النبيr في مجال المرأة والطفل
- التحرير الإسلامي للمرأة
- حقوق المرأة في الإسلام
- حقوق الطفل في الإسلام
المحور السابع : من تجليات رحمة النبيr للضعفاء :
- مكافحة الفقر
- رعاية المسنين
- رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة
الفترة التحضيرية :
مدة سنة، ويتم دعوة الباحثين والمفكرين والكتاب في جميع أنحاء العالم، للمشاركة في المؤتمر بإعداد الدراسات والبحوث المحكمة حول محاور المؤتمر، من خلال مسابقة عالمية لخدمة المؤتمر .
ويتم توزيع نتائج المؤتمر وتوصياته – مترجمة - على أصحاب القرار والساسة والمثقفين والتربويين والإعلاميين البارزين في أوربا وأمريكا.
2- اقتراح مشروع تحت عنوان " ترجمة مائة كتاب في السيرة " :
يتم تشكيل لجنة من كبار الباحثين والكتاب والمترجمين الذين أسهموا بكتابات أو بحوث في مجال سيرة النبي r، لاختيار مائة دراسة عربية حول سيرة النبيr تصلح ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية بالأساس ثم الفرنسية، وتركيز نشر هذه الكتب – بعد ترجمتها - في أوربا وأمريكا. ويتم استنهاض الداعمين لهذا المشروع من الحكومات العربية والإسلامية ورجال الأعمال .
3- اقتراح إنشاء مركز بحثي علمي للتعريف بنبي الرحمة r
وتكون مهمة هذا المركز إنتاج البحوث والدراسات والدوريات والوسائط المتعددة للتعريف بنبي الرحمة r باللغات الحية .
4- اقتراح تدريس السيرة النبوية في المراحل التعليمية :
فتقوم وزارات التربية والتعليم العالي في البلدان الإسلامية، بتشكيل لجان متخصصة لبحث إمكانية تدريس السيرة النبوية في الصفوف الدراسية والجامعية..
5: اقتراح إنشاء قناة فضائية للتعريف بنبي الرحمة r
فتقوم هذه القناة بعرض كل ما يتعلق بسيرة النبي r والتعريف به، من ندوات ومحاضرات، وأفلام، ورسوم متحركة، وكتابات .
6- اقتراح فيلم سينمائي عالمي :
بحيث يوجه الفيلم إلى عامة الشعوب الغربية، بهدف تعريفهم بنبي الإسلام، ويتم عرضه في كبرى دور العرض الأوربية والأمريكية .. ويشترط في هذا العمل السينمائي أربعة شروط:
الشرط الأول : أن ينضبط بالضوابط الشرعية .
الشرط الثاني : الاستعانة بالكفاءات العالمية من ممثلين ومخرجين .
الشرط الثالث: أن ينال الدعم المالي السخي من رجال الأعمال المسلمين .
الشرط الرابع : ألا تحتكر حقوق نشره شركة معين أو شخص محدد، بل تكون حقوقه ممنوحة لأي إنسان ينشر الفيلم .
7- فقرة إعلانية للتعريف بنبي الرحمة :
مدة هذه الفقرة الإعلانية دقيقة واحدة، يتم بثها من خلال كبرى القنوات الأوربية والغربية .. وهي بلا شك تحتاج إلى دعم مالي كبير.
إضافة إلى استئجار عدد من الساعات من مساحة البث في بعض القنوات وتقديم من خلالها برامج تعريفية بنبي الرحمة .
8 – المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية :
على القادة والساسة العرب والمسلمين قطع أية علاقات دبلوماسية أو تجارية أو أية شراكات أو اتفاقات مع أي دولة تسىء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم -.
عليهم أن يمحو العار الذي لحق بهم جراء تعاملهم مع من سب نبيهم .
9- اقتراح " مهرجان محمد للجميع " :
وهو مهرجان عالمي سنوي يعقد في عاصمة كبرى من عواصم العالم، يشتمل هذا المهرجان على مجموعة فعاليات تعريفية بنبي الرحمة، ومن ضمن تلك الفعاليات محاضرات وندوات ومعارض وأفلام وأناشيد ومسابقات وجوائز تصب في موضوع النصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم - .
وهو مشروع يحتاج إلى دعم الحكومات والجماعات ورجال الأعمال، أو يكون على الأقل تحت رعاية أحد زعماء العرب ...
10- أن يحمل كل مسلم ومسلمة أمانة الدفاع عن نبي الرحمة، والزود عن حياضه، ونشر منهجه الإصلاحي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، ومن ثم العمل على إعداد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة.

رابعًا : أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة :
وهذه أفكار عملية - لكل مسلم - لنصرة نبي الرحمة :
1-الكتابة إلى الصحف والمجلات وتعقب أية تصريحات تسيء بنبي الرحمة – عليه الصلاة والسلام -
2-عمل مدارسة مسجدية أو حلقة أسبوعية بالمسجد لمدارسة كتاب نبي الرحمة أو كتاب مفيد في السيرة، إضافة إلى العلوم الشرعية الأخرى ( كالحديث والتفسير والفقه والعقيدة)
3- إرسال 10 رسائل إلكترونية على الأقل إلى مواقع عالمية، بهدف التعريف بنبي الرحمة. وذلك بشكل أسبوعي على الأقل.
4- إرسال ثلاثة رسائل نصية sms بالمحمول للأصحاب والإخوان بهدف التذكير بقضية النصرة. وذلك بشكل أسبوعي على الأقل .
5- تعليق بوسترات ولوحات – تشتمل على أحاديث نبوية وتوصيات عملية- في الأماكن العامة – بشكل لائق – بهدف نصرة نبي الرحمة .
6- عمل مسابقة ثقافية وأخرى بحثية عن " نبي الرحمه وأخلاقه وسيرته ومنهجه " بشكل دوري وجوائز مجزية.
7- إنشاء جمعية خيرية لتحفيظ القرآن وتعليم السيرة النبوية .
8- توزيع ونشر الكتب التي تعرف بنبي الرحمة .
9- إنشاء مدونات مواقع دعوية ومجموعات بريدية للتعريف بنبي الرحمة – بكل اللغات - ومن السهل جدًا إنشاء مدونة مجانية على موقع مثل blogspot.com
10 – عمل كروت شخصية .. الوجه الأول يشتمل على بيناتك والوجه الثاني يشتمل على شعار " معًا لنصرة نبي الرحمة " أو نحو ذلك من النصائح العملية المفيدة .
11- حث الخطباء على تناول القيم الحضارية في السيرة النبوية وعدم الإغراق في الجزئيات .
12- حث المعلمين والتربويين على نشر القضية بين جموع الطلاب .
13- العمل على إقامة المعارض الفنية والدعوية في المدارس والجامعات للتعريف والنصرة .
14- إقامة مخيمات ومعسكرات صيفية تتناول فعاليات ومحاضرات للنصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم -
15- عقد الدورات العلمية التي تتعلق بمنهج السيرة وكيفية الاستفادة منها .
15- نشر فتاوى العلماء في حكم سب النبي أو التعريض بجنابه – صلوات الله وسلامه عليه - .
16- على كل مسلم حر شريف أن يقاطع منتجات الأعداء " الصهاينة والأمريكان" والدول التي تسيء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم - . عار على المسلم أن يُدخل بيته هذه المنتجات أو يطعم منها بطون أولاده !






[1] تفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 36)

[2] صحيح البخاري، كِتَاب الْأَذَانِ، بَاب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ ، ح: (664)

[3] صحيح مسلم، كتاب الحج ، باب الحج عن العاجز، ح: (2376)

[4] السيرة الحلبية 1/456

[5] انظر: ابن كثير : السيرة النبوية 1/504

[6] محمد بن يوسف الصالحي الشامي : سبل الهدى والرشاد - (ج 4 / ص 70)

[7] واحدة الثغام، وهو نبت أبيض، أو كالسحابة البيضاء دلالة على شدة بياض شعره .

[8]انظر: ابن كثير : السيرة النبوية (ج 3 / ص 558)

[9] صحيح – رواه مسلم، برقم 367

[10] صحيح – رواه البخاري، في المغازي 27، و مسلم في الفضائل 30 .

[11] البروفيسور جي. م. ج كرامرز: ولد بهولندة، سنة 1891، وكان أستاذًا للتركية والفارسية في جامعة ليدن حتى سنة 1939، اشتغل من 1915 حتى 1921 مترجمًا للسفارة الهولندية في الأستانة. كان أحد المساهمين في كتابة كثير من الموضوعات في دائرة المعارف الإسلامية، وألف كتاب: (فن التاريخ عند الأتراك العثمانيين) (1944).

[12] في فلسطين . رغم أن العقيدة الإسلامية لا تعترف بهذا القبر!

[13] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام،129

[14] صحيح – رواه البخاري، برقم 1263

[15] ابن سيد الناس : عيون الأثر (ج 2 / ص 261)

[16] المعجم الأوسط للطبراني، برقم 11165، والقصة مموجودة في كتب السيرة، أحداث غزوة تبوك .

[17] لك الله يا رسول الله ! كنتَ تسأل حتى عن الأموات !

[18] رواه البيهقي في السنن الكبرى (ج 4 / ص 48)

[19] صحيح – رواه البخاري ، برقم 1251

[20] صحيح – رواه البخاري، باب من قام لجنازة يهودي، عن سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، برقم 1229، ومسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1596

[21] صحيح – رواه مسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1595

[22] صحيح - رواه مسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1592

[23] صحيح – رواه البخاري، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، برقم 209

[24] ابن حجر : فتح الباري (ج 1 / ص 341)

[25]ابن حجر : فتح الباري (ج 1 / ص 341)

[26] ابن بطال : شرح البخاري (ج 5 / ص 385)

[27] صحيح – رواه مسلم، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَبرقم 3261

[28] رواه أبو داود، بَاب فِي الْحَفَّارِ يَجِدُ الْعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ ذَلِكَ الْمَكَانَ،برقم 2792

[29] مصنف ابن أبي شيبة 3\ 245

[30] صحيح – رواه مسلم، بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، برقم 1612

[31] صحيح- رواه مسلم، بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، برقم 1614

[32] صحيح لغيره - رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة، وهو في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 3 / ص 221)، برقم 3566 .

[33] صحيح – رواه مسلم، باب الدعاء للميت في الصلاة، برقم 1600

[34] رواه النسائي ، باب الدعاء، برقم 1959، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود، رقم 2524

[35] رواه النسائي ، باب الدعاء، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، برقم 1960، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي رقم 1986

[36] حسن – حسنه الألباني في إرواء الغليل برقم 732

[37] صحيح – رواه البخاري، كتاب الجنائز، 3

[38] صحيح – رواه البخاري، في كتاب الجنائز، 45؛ ورواه مسلم، في كتاب الجنائز، 12

[39] صحيح – رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، برقم 4279

[40] انظر : حسين محمد يوسف : سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم، القاهرة: 44

[41] المناجاة : الحديث بصوت منخفض سرا

[42] الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه

[43]صحيح – رواه وصحيح ابن حبان برقم 986 ، وفي أخبار مكة للأزرقي - (ج 3 / ص 212)، برقم 985، رواه البهيقي في دلائل النبوة برقم 102، ، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية 23.

[44] دلائل النبوة للبيهقي - (ج 1 / ص 117)، برقم 101
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 01-30-2012, 12:48 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

نبي الرحمة ووقعنا !
ليس من المعقول أن نجد في عصر ارتفعت فيه رايات الظلم ، وسمات الإظلام أن نترك جوانب مضيئة، من تراثنا وديننا يغفلها الكثيرون عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أهم تلك الصفات التي اتسم بها " الرحمة" ولم تكن هذه الصفة بادية عليه فحسب، وإنما كانت خلقا لصيقا اتصف به لدرجة أن الله، وصفه به ، فقال تعالى :" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" وقال عن نفسه صلى الله عليه وسلم "أنا نبي الرحمة" ولم تكن الشهادات على مستوى الكلام اللفظي، بل امتدت للواقع العملي فكان خلقه القرآن، وكان يتعامل مع الناس جميعا بعين الرحمة، وكان يقول "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" و ليس هذا فقط بل امتدت رحمته للحيوان فجرم حبس الهرة وتوعد الفاعلة بالنار، وامتدح من رحم كلبا ووعده بالجنة..
وفك الأسير، وأحسن إليه، ورحم قتلى الحروب من المشركين فواراهم الثرى، كل هذا في زمن كانت الجاهلية فيه متعمقة في الغلظة، والظلم فيها أساس الحياة، والقانون فيها قانون الساعد والسلاح والقوة.
فهذه حياة نبينا التي تتسم بالرحمة، وهده مدنيتهم التي لا تعرف إلا الخراب والدمار والقوة فيها أساس الحكم وليس العدل . والبطش بالآخرين أساس حياة الظالمين. فانظر وتفكر بالأمر، ستجد عجبًا بين حال الإسلام وحياة نبيه ، وترك المسلمين للنهج، وطمع الآخرين ..فقط أريدك أن تتدبر الأمر بروية..
وفق الله تعالى الجميع للعمل بالشرع وإعلاء رايته، والسير وراء خاتم المرسلين نبي الرحمة
ا. د / محمد عبد اللطيف البنا
مدير تحرير النطاق الشرعي
بشبكة إسلام اون لاين
*******
الغرب والإسلام ( رؤية سيكولوجية )
تبدى الغرب على حقيقته ، وزالت القشور ، وربما إرهاصات الأحداث المؤلمة التي يشهدها العالم الإسلامي ، على ما فيها من ألم وقتل وتعذيب واستضعاف للأمة المسلمة ، واستهانة بها وبمقدساتها وقيمها وثوابتها ، ولكن ذلك على الرغم من آلامه ووحشيته ، أزال القناع عن الوجه البشع للغرب ، بما فيه من عنصرية مقيتة ، وأحادية انفعالية هائجة مائجة .

وأيامنا تشهد مهزلة عالمية للقيم المدنية التي يدعو لها المجتمع الغربي ، وأصبحت مصدر تنكيت العالم ، في ما يدعونه من الديمقراطية وحقوق الإنسان ، والحرية التي لا تعرف ذوقاً ولا اعتباراً للإسلام ، في ضوء نظرة عنصرية ، تحترم فيها الديانة المسيحية واليهودية ، والمعتقدات الأخرى ، ولا تجد طاقتها وجهدها إلا في النيل من الإسلام ورسالته ، وتوجه كيدها العالمي عبر الصحف والانترنت للهجمة على الرسول الأكرم محمد r ، حتى أصبح مشروعاً غربياً منظماً، نسمعه كل يوم ، في صحف متنوعة ، ومواقع متعددة ، في رسالة عدائية منظمة ، تبدي مساحات من القلق الغربي من سرعة انتشار الإسلام ، وبالأخص بدايات اعتلائه مناصب قيادية في ضوء لعبة الديمقراطية ، التي يقبلها المجتمع الغربي ، إنهم يريدون إسلاما ، على مزاجهم هشاً سلبياً يتيح مساحات لاستهلاك بضائعهم الفكرية المتهاوية ، وسلخ المسلم من دينة ، حتى يكون كائن مهجن من بضائع فكرية متنوعة ، يمكن وصفها بأنها حاويات قمامات الشعوب ، من الأفكار والقيم المتهاوية ، فهذه الصورة المثالية التي يريدها الغرب لأبناء الأمة المسلمة .

انكشف الغرب ، وتهاوت مقالته الدعائية ، وغدا على وجه الحقيقة ، لصوصية ، تنادي بالقيم في عقر دارهم ، ويصدرون العنف والأرهاب والدمار والقتل والاحتلال ، وإلا كيف نفسر التعاضد الأمريكي مع أوروبا مع اللوبي الصهيوني وهم يعيثون فساداً في العراق، ودموية في غزة ، واحتلالأ معلناً في أفغانستان ، وتهديد وقح للمقاومة اللبنانية، التي رفعت قيم الإسلام عالية ، بأخلاقياتها السامية التي تكاد تكون مفقودة في عالمنا المتساقط أخلاقيا، واستفزاز سافر للسيادة السورية والنهضة النووية الإيرانية ، في استراتجيات سياسية عنصرية مقيتة ، تستهدف القوة في الجسم الإسلامي الواحد .

الإسلام صحوة في الزمان والمكان ، والعزة مرتبطة به ، ولا عزة لنا ، ورسولنا الأكرمr يهان ، وتشوه صورته في الغرب الأسود المقيت الحاقد ، فلا عزة لنا إلا باتباع نبينا الأكرم r ، ورفع مقامه عالياً ، في ضوء معطيات العصر وإمكانياته ، ولا عزة لنا إلا بذلك ، ومن هنا يجب التصدي لكل محاولات النيل منه ، ومن رسالته المحمدية السمحة ، إنه النور الساكن في قلوبنا ، وماء الحياة ، الذي يصنع حاضرنا ومستقبلنا ، والطهر السلوكي في كافة مسارات حياتنا .
مهما نالوا من نبينا الأعظم r سيبقى شمساً مشرقة في قلوبنا ، حيث تفتح نوافذها للوجود في طاقة نورانية لا حدود لها ، تتجاوز الدنيا بكافة مساحاتها ، لتنير طريق السالكين على الله تعالى ، إنه الحب الخالد في قلوبنا ، ولا بد لليل أن يسافر بعيدا ، ويسفر الفجر ، فكل متوقع آت ، وكل آت قريب ، ولا بد للأمة المسلمة أن تنهض ، وتتولى مقاليد مشروعها النهضوي التنويري العلمي في العالم أجمع ، فتنشر رسالة النور والتسامح ، ورسالة التواصل الثقافي ، عوضاً عن رسالة الإرهاب الغربي ، والديمقراطية المزورة ، وحقوق الإنسان المشوهة الأحادية ، التي يعتريها دوما قيم اللامساواة ، والحرية الفوضوية العبثية ، التي تدمر الشعوب المستضعفة ، وتختال بنفسها ، لابد للحقيقة أن تنجلي ، لا بد ولو عن قريب .
د. سعاد جبر
كاتبة وناقدة من الأردن
********
حجة على الغرب وحجة علينا
إن ما يفعله الغرب من الإساءة للنبي الأكرم صلوات الله عليه وآله وصحبه ما هو إلا حجة تقام عليه والتي عجزنا نحن عن إيصالها إليه، كما أنها عمل دعائي بغير رضانا ..
بل وبغضبنا للفت الانتباه للإسلام..
ثم إن ما يفعله أيا كان للإساءة لهذا الدين ولرسوله لا يملك حجة واحدة
مقبولة عقلا حتى يمكنها بناء القناعات بعدم مصداقية دين الله، وعليه، فإن الأمر فيه ما يخدم الإسلام، ولا يعني هذا الرضى عما يفعله اللؤماء من إساءة لنبينا.. كلا ! بل نحن نعلم تشريعه في حق من يسيء إليه .. إنه إن نال المسيء عقوبته أفاد غيره وألجم شيطانه ووفر عليه وساوسه..
محمد محمد البقاش
أديب وباحث وصحافي من المغرب
maisa_rose@yahoo.com
***********
ماذا فعلنا للدفاع عن سيد البشر ؟
لقد أسهمت حركات التنصير ومؤسساتها الدينية في التشكيك في الإسلام والطعن في مقدساته، ، ولا تخفى علينا كتابات كثير من المستشرقين داخل الدوائر الأكاديمية، وانتهاء بقنوات الاتصال ووسائل الإعلام المعاصرة، وكل يلمس تصعيد حملات الدعاية المناوئة للإسلام وتشويه صورته أمام الرأي العالمي بشكل محموم ، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، والتي أشعلت جذوة نيران تشتعل تحت كثير من رماد الشبهات المتراكمة ضد الدعوة الإسلامية الحق ، وها نحن نسمع كل يوم هذه الإساءات تصب على رؤوس المسلمين وليس آخرها التشويه الكاريكاتوري المسيء لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم - المنشور في صحف ومجلات دنمركية ونرويجية، فالتشويه والصمت عن محاسن الإسلام هما السلاحان الرئيسيان لبعض وسائل الإعلام الغربي في تشكيل الرعب الهستيري من الإسلام، بل بلغ الأمر التطاول على مقام سيد الخلق والمرسلين وشتمه علناً من قبل رموز دينية مسيحية ويهودية وأخرى سياسية عبر وسائل الإعلام، بل والدعوة إلى توجيه ضربة عسكرية، انتقامية أو وقائية في إطار ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب، لهدم الكعبة الشريفة وقصف مكة المكرمة بقنبلة نووية. وظهر الصليبيون الجدد بشعارهم القديم والمطالبة برفع الصليب على مقدسات المسلمين وأطلال الحرم المكي بعد تدميره !
لقد أنبأنا القرآن الكريم بهذه الحملات التي تدق طبول الحرب بوسائل الإعلام حيث يقول الله تعالى: "لَتُبْلَوُنّ فِيَ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ"[ آل عمران: 186]
ولعلنا نطرح تساؤلاً هو: ماذا فعلت الحكومات والمؤسسات الدينية الإسلامية في عالمنا الإسلامي؟
هل ستصمت خوفًا من تهم دعم الإرهاب والحبو لأمريكا.
أم ستشجب وتستنكر كما تعودنا دوما من منظماتنا الاسلامية التي تجري تعقد ندوات في الدنمرك بعد الحادث وكأننا نطيب خاطرهم ونقول لهم حقكم علينا قاطعناكم ياجماعة لا تفعلون ذلك مرة أخرى؟
والآن نشاهد صورًا من دولة السويد ودولانا ومؤسساتنا صامتة وعلى رؤؤسها الطير في حين أوقفت ماليزيا صحيفة لمدة شهر لرسمها المسيح عليه السلام وهو يمسك سيجارة.
إنا لمنتظرون ما هم فاعلون ويا حسرة عليهم وعلينا،بيد أن هناك صورة نمطية للذل والخضوع والخنوع لهؤلاء الذين يبررون أن الدين ربنا يحفظه ويحميه وينسون أن العمل واجب لحماية الدين ! أم ننتظر انتشار البشير والتنصير ونتفرج ومؤسسات الدعوة الإسلامية مكبلة خائفة مرعوبة من حكوماتها !!أماالأفراد فلا بد لهم من أخذ الإذن من مؤسسات الإعلام والدعوة للعمل حتى لو لنشر كتاب واحد !
ا.د ليلى بنت صالح محمد زعزوع
كاتبة وأكاديمية سعودية
www.drlailazazoe.com

***********
أحد.. جبل يحبنا ونحبه
أحد جبل قريب من المدينة المنورة، كانت عند سفحه المعركة المشهورة التي مس المسلمين فيها القرح. وهو الجبل الذي التف المشركون من خلفه ليكروا على المسلمين وليحولوا نصرهم إلى هزيمة.
أحد الجبل الذي استشهد على جنباته أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، مع سبعين من رجال الإسلام الميامين. أحد الجبل الذي كسرت عنده رباعية النبي الشريفة وجرحت وجنتاه حتى سال دمه.
أحد الذي وقف عنده أبو سفيان بعد النصر العارض ينادي اعل هبل.. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأصحابه ردوا عليه، قولوا الله أعلى وأجل.
أحد هذا ما كان له حسب التصور الإسلامي للكون ولعلاقة المسلم بما حوله من مخلوقات أن يكون معلماً للتشاؤم، ولامحطة من محطات النقمة، ولا مركز إشعاع للكراهية والنكد.
كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، أسد الله وأسد رسوله، أثيراً عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حبيباً إلى قلبه، وهو عمه وأخوه من الرضاعة، كما كان الحسين رضي الله عنه ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رسول الله لم يحول أحد إلى كربلائية غفلة وجهل وكراهية وإنما أثبته سنة ماضية منبعاً للحب والرضى، فقال: أحد جبل يحبنا ونحبه. قال هذا تقويماً لتصور،وتقريرا لحقيقة ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المسلم وبين هذا الكون الفسيح. قال هذا تأسيساً ليكون كل جبل وكل واد وكل نهر وكل بحر (أحداً).
أحد جبل يحبنا ونحبه..
أي نفس سامية هذه التي تستشعر الحب يفيض من الجمادات وتمتلك القدرة على استقباله مشاعر طرية ندية، وإن كانت قد فقدت حول هذه الجمادات الأصحاب والأحباب. تستقبل الحب من جلاميد صخر، مسها عندها القرح، وعظم فوقها المصاب.
أحد جبل يحبنا ونحبه..
لتفيض النفس المؤمنة على الموجودات كلها حباً حتى تغمرها. دورة للحب في هذا الوجود تشبه دورة الماء الذي يروي كل ما يمر به. والإنسان بقلبه ونفسه وروحه وجسده، محطة الإرسال ومحطة الاستقبال يفيض حباً على كل شيء، ويستقبله من كل شيء.
أحد جبل يحبنا ويحبه..
أي حالة من الصفاء الوجودي التي تستشعر الحب يفيض من الوجود كل الوجود، بينما يغفل عنه الكثيرون، الذين تعطلت في نفوسهم القدرة على الاستشعار، والقدرة على الأحساس. النفوس المؤمنة وحدها هي التي تستشعر الحب يفيض من الأحياء ومن النباتات ومن الجمادات تستشعره درجة، وتستقبله ثانية، وتتبادله ثالثة، حتى مع الموطن الذي كان فيه جرح وقرح وهذه رابعة.
أما الكراهية والبغض فهي حالة لا يعرفها قلب المؤمن، ولا تصدر عن نفسه، إلا لتصبغ الشر المجرد والإثم المحض. تكره الشر المتلبس في إنسان، ولا تكره الإنسان، وتبغض الإثم الذي يواقعه، وتذكر دائماً أنه أخوك، فتظل يدك أبداً ممدودة إليه بالحب لتستنقذه من الشر والإثم الذي هو فيه.
زهير سالم
مدير مركز الشرق العربي - لندن

********
نبي الحب !
الحب أنقى عاطفة إنسانية في الوجود ولها عظمة كعظمة الاعتقاد أو الإيمان يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، قرن الرسول الكريم هنا الإيمان بالحب لتكوين الاخوة الاسلامية ، كقناة يدخلها المرء ليغتسل من أدرانه ويرتقي سلم الاتصال الدائم بالله تعالى ، ومفردات الإيمان والحب والأخوة تفرض على الانسان أن يكون على قدر عالٍ من الأخلاق وإلا كيف استطاع رسول الرحمة ان يأخذ مكانته في قلوب الناس ويدعوهم الى حضن الاسلام مالم يكن مثالية حية من الأخلاق ، إذقال الله تعالى : (وإنك لعلى خُلق عظيم ) .إن الأخلاق الحسنة التي حملها الرسول الكريم كانت لها ثقل كبير في اجتذاب الناس والدخول الى الإسلام وإنقاذهم من ظلمات الكفر والجهل وفوضى السلوك ... نعم بالحب كجذر للأخوة وسلوك طريق الأخلاق الحسنة، يعيش الانسان تحت خيمة الإسلام سعادة الحياتين ، الدنيا والاخرة .. قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - (إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الانبياء والشهداء يوم القيامة بمكانتهم من الله . قيل يارسول الله تخبرنا من هم؟؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير ارحام بينهم ولا اموال يتعاطونها ، فوالله ان وجوههم لنور وانهم لعلى نور لايخافون اذا خاف الناس) وقرأ – صلى الله عليه وسلم - : (آلا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون ). فما أحرانا أن نقتفي هذه الآثار العظيمة .. فالمسلم يشع نور المحبة ويمنحها الاخر دون منّة سواء لأخيه المسلم أم لأخيه في الإنسانية هذا الإسلام وهذه مسيرته ، فتعساً للذين يتصيدون في الماء العكر من أعداء الإسلام دين المحبة...
وجدان عبدالعزيز
كاتب عراقي
wijdan_abd@yahoo.com
*******
الرحيم شيّد حضارة والمتهوّسون صنعوا صُلبان الدم
الإمبراطورية الثالثة التي أسسها نبي الصحراء محمد كانت عجيبته الكبرى وبناءه المجيد، هذا البنّاء العظيم ( محمد ) شيّد ملكا وسلطانا امتّد من حافات المحيط الأطلسي حتى سهول الصين ومن جنوب فرنسا حتى أواسط أفريقيا في سنوات معدودات لا يكفين لبناء قرية .. عمل محمد الديني والمدني استغرق ثلاث وعشرين سنة أمضى ثلثها في مكة خائفا يترقب وممنوعا من الاتصال بأي شخص إلا سراً ، لكن يثرب قريته الطينية التي هاجر إليها أخيرا قُدِر لها أن تكون سيدة الكون بلا منازع .
هل لك أن تتخيل كم من الجيوش سيحتاج الرجل وكم من الحروب سيخوض وكم من الأموال سيمتلك ليحقق ذلك ، اجل لقد كان جيش محمد – صلى الله عليه وسلم - مؤلفا من بضع مئات !! ورجاله لم يكونوا يمتلكون ما يقيم أودهم من التمر والخبز ، وفي إحدى الحروب وهي حرب الخندق كانوا يستعيرون ثياب نسائهم ليتقوا بها برد الشتاء ، إن حروبه وغزواته الكثيرة والتي بلغت أكثر من اثنين وعشرين حربا وغزوة عمّ بعدها الإسلام وتعاليمه كل جزيرة العرب لم يُقتل خلالها أكثر من ثمانمائة وخمسين رجلا من جميع المتقاتلين من المؤمنين والكافرين ..
هذا العدد المتواضع كان اقلّ بكثير من أعداد القتلى الذين يسقطون في أية معركة تافهة بين أية قبيلتين عربيتين أو الذين تدوسهم الخيل في نزهة صيد من نزهات كسرى أو قيصر إبان ملكهما العضوض ، انه حقا ثمن زهيد لنشر دين وإقامة دولة وبناء حضارة يتفق الجميع على دورها المحوري في البناء الإنساني الكوني في كرتنا الارضمائية ، وانه أيضا لقربان معقول ومبارك لنشر روح أخرى في الكون غير روح الإيقونات والنيران المقدسة وآلهة الطين التي كانت تحكم العالم القديم والتي رأينا جزءً من سفالتها أثناء الحروب الصليبية التي أجد من واجبي قبل التحدّث عنها أن أنبه إلى إن تبيين وكشف سفاهة وانحطاط إتباع دين ما أو الإشارة إلى الأدران التي لحقت بأي ديانة لا يعني بالضرورة معاداة أصل ذلك الدين أو الحقد عليه أو السعي للانتقاص من مؤسسه الأول ، فمن الواضح لمتتبعي تاريخ الأمم المتدينة التي ظلت تنافح طويلا عن انتمائها الديني , إن مسيرة أبنائها المتدينين كانت في كثير من الأحيان سلسلة من الخيانات الكبرى لروح الرسالة الأصلية ومبادئ صاحبها الأول ، وان التطاحن والاحتراب الطائفي هو بضاعة مُزجاة لبعض الخبثاء المجاذيب الذين يعيدون تسويقها للدهماء بعد دمغها بماركات تجارية إلهية أو سماوية أو أخروية – سمها ماشئت – .
لقد بدأت قصة الحروب الصليبية التي استغرقت قرنين من الزمان عندما لبّى العالم المسيحي الغارق في التخلف آنذاك نبوءة مجذوب ارعن اسمه بطرس ، ذلك الجندي القديم الذي ترهب بعد أن طرأ على حياته الروحية شيء من المس جراء ما لاقاه من سوء المعاملة من قبل بعض المسلمين عندما كان حاجّا إلى بيت المقدس ، فحلم بأنه مرسل لدعوة أوربا إلى تحرير الأرض المقدسة ، وقبل هذا كان رجال الاكليروس قد أوجبوا الحج إلى تلك الديار وجعلوه فريضة مكفِّرة لأسوء الجرائم وأبشع الرذائل ..والتقت هلوسات بطرس الذي سمي بــ ( الناسك) مع رغبات البابا أوربان ومصالح القيصر الروماني الكسيس كومنين وبقية سنيورات أوربا، فعُقد في ايطاليا مؤتمر سنة 1095م لهذا الغرض برعاية الحبر الأعظم ورددت جموع الغوغاء (( الرب يريد ذلك )) مطالبة بالزحف نحو فلسطين ، وتألف جيش ابتدائي من العصابات قوامه 130 ألف رجل كان على رأسه بطرس الناسك فزحف بحركة شاملة مابين بحر الشمال ونهر التيبر ، وقد أكرمت البلدان الاوربية جيش الرب هذا بتوفير الأرزاق والدعم في بادئ الأمر , وما إن وصل إلى بلغاريا التي كان سكانها قليلي الحماسة لمثل هذه الهستريا الجماعية فأبوا أن يضّيفوا هذه العصابات مجاناً مما اغضب الصليبين فاخذوا في نهب قرى تلك البلاد وذبح أهليها وارتكبوا أبشع الجرائم بحق السكان المحليين مثل تقطيع الأطفال إربا إربا وشيّهم كالخراف وقد اضطر الأتراك المسلمين في آسيا الصغرى لمقابلة جيش الوحوش هذا بقسوة وصلابة ولم يلبث هذا الجمع أن أُبيد ، ثم توالت بعده الحملات الصليبية وكان بعضها يتألف من مليون مقاتل .. وقد تميز الصليبيون في جميع حملاتهم بأنهم اشد الوحوش نذالة وخسة فقد كانوا لايفرقون بين الحلفاء والأعداء. والمحاربين والعزل , يقول المؤرخ الراهب روبرت عن دخول الصليبيين للقدس :(( وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي خُطفت صغارها ،وكانوا يذبحون الأولاد والشيوخ ، وكانوا لايستبقون إنسانا ، وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية ، فيا للشره وحب الذهب ، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ، فيا لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل ، ثم احضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم في برج القصر وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم ، وسوق فتيانهم وكهولهم إلى أنطاكية ليباعوا فيها )). وقد كان سلوك الصليبين عند دخولهم القدس مناقضا تماما لسلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب عندما دخلها قبل قرون , يقول الكاهن ريموند داجيل كاهن مدينة لوبوي عندما روى خبر ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر : (( لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان ، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت الأيدي والأذرع تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها ، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعث من ذلك إلا بمشقة )) ..وقد شمل الانحطاط والسفالة جميع المشتركين في الجهد الصليبي المسعور ، حتى من يفتخر به المسيحيون ويسمونه قلب الأسد فقد ذبح ريكاردوس ملك انكلترا هذا ثلاثة الآف أسير مسلم أمام معسكر المسلمين ،كانوا قد سلموا أنفسهم إليه بعدما قطع لهم عهداً بحقن دمائهم ليثبت انه ابعد الناس عن قيم النبل والفروسية التي كان يتمتع بها أمير الجيش الإسلامي آنذاك الناصر صلاح الدين الذي لم يبخل عليه بالطعام والمرطبات و بطبيبه الخاص أثناء مرضه ، ومع إن الحملات الصليبية الست الكبرى استمرت لقرنين من الزمن فأنها فشلت في أن تحتل القدس أو تحتفظ بها ..لكنها نجحت في التأسيس للحقد والصراع المزمن بين أبناء الحضارتين الإسلامية والمسيحية ، هذا الصراع الذي يجعل المسلمين يشكّون بأي جهد سياسي أو عسكري صادر من الغرب تجاههم , وهو الذي يجعلهم يحسبون هفوة لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش في بداية حملته العسكرية على العراق التي وصف فيها حملته تلك بالحملة الصليبية ، يحسبونها حلماً مقيماً وخطة متأصلة في قلوب المسيحيين .. بعد هذا هل يحق لنا أن نشتط فنقول إن عيسى وإنجيله المترع بالسلام والمحبة كانا مسئولَين عن برامج القتل وخطط الفساد التي ينفذها أتباعه المحسوبين على ديانته ، لاشك إنهما بريئان كبراءة محمد وقرآنه من صفاقة بعض المسلمين وانحطاطهم ، ومها يكن من أمر فأن رجلا استطاع أن يبعث امة ويقيم حضارة وينشر دينا كبيرا في بضع سنين .. لهو مزاج الرحمة الحقيقي ونزوة الكون الكبير العتيقة .. انه الرحيم محمد ...

بركات محي الدين
مفكر وباحث عراقي
barakatmr@yahoo.com
********
رجل من الشرق عظيم
النبي الذي لم تكن له عصا سحريه
يشق بها البحار
ويفجر بها العيون والانهار
النبي الذي لم يأمر الرياح
و لم يأمر الجن ولم يكلم النمل
النبي الذي لم يحيي الموتا
ولم تنزل عليه مائدة من السماء
ولم ينزل عليه المن والسلوى
***
النبي الذي ربط على بطنه الحجر من الجوع
النبي الذي كُسرت أسنانه الأمامية في احد المعارك
النبي الذي هاجر من مكة إلى ألمدينه هو وصاحبه سيرا على الإقدام في صحراء لم تطأها قدم انسان
النبي الذي قال لجلدية عندما قدر عليهم اذهبوا فانتم الطلقاء

***
هوالنبي محمد بن عبد الله النبي الأمي الصادق الأمين
نبي المنطق ولا شيء غير المنطق.
رجل من الشرق عظيم
هلّ على أرضِ الحجاز عظيم
دنا فأقبل في الربوع نعيم
صلى عليك الله يا نورالهدى
صلوا عليه و سلموا تسليم
صارت بمقدمهِ العروبة معْقِلاً
للعلْمِ تحْمِلُ شعْلة التنظيم
رجلٌ على عرْش الكمال تربّع
كيفَ وكان حفيدُ إبراهيم
مثل بياض الثلج كان فؤاده
مثل غِلال القمْح كان كريم
مثل سِباع البرّ في نظراتهِ
عزُّ الرُجولة صادقٌ وحكيم
صعبٌ يُهاب إذا تقدم في الوغى
كالصقْرِ يجْثم فوْق كل غريم
وإذا تقدم في السلام كإنه
مطرٌ تحايا منهُ كل هشيم
رجلٌ من الصحراء يعْشقُ رمْلها
لو مسّها ضرٌّ تراهُ سقيم
يبْني على بحْر الرمال عرينُهُ
بيتٌ من السعفِ وبضعُ أديم
ترى الخيول مع الجمَال تحفّه
وترى النخيلَ مع الرياح تهِيم
سبْحان من جعلْ الصحارىموْطِناً
في وصْفِها يحْتارُ كل عليم
التمْر واللبن المخضُّ غِذاؤه
وفِرَاشُهُ قشٌ عليه كليم
لا يبتغي ترف الحيـاة و عزَهـا
لا يبْتغي جاهاًٌ ولا تعْظيم
دانت لهُ روما وفارس يوْمَها
تحْت خِيام البدوِ كان يُقيم
إن محاسِنُهُ أحِير لوصْفِها
طبْعُ التواضع فيه كان عظيم
رجلٌ أكرر قلّ ما أمْثالُهُ
وكأنّهُ ملَكٌ لهُ تكْرِيم
هبطَ من العلْياء يحْمِل نُوره
رجلٌ إذا ذُكِرَ العِظَامُ زَعِيم
محمد عبد القادر عزوز
شاعر ليبي – بنغازي
*******


دعوة لدعم مشروع كتاب نبي الرحمة
مشروع كتاب نبي الرحمة مشروع حضاري كبير نال رعاية نخبة من علماء وكتاب الأمة .
وهو مشروع يهدف إلى نشر كتاب نبي الرحمة على أوسع نطاق وباللغات الحية وإيصاله إلى الساسة والمثقفين والإعلاميين الغربيين ..
إن رجل الأعمال كريك وينن " Craig Winn " أنفق ملايين الدولارات على كتاب "نبي الخراب" المسيىء لخير البرية ، وأنشأ للكتاب موقعًا إلكترونيًا يحمل عنوان الكتاب، للترويج له بين شعوب أوربا ..
لقد أكددت العديد من الدراسات أن أكثر من 60 % من الشعوب الأوربية يعتقدون أن محمد بن عبد الله قاطع طريق ومدعي للنبوة ليس إلا !
لذا نهيب بالمسلمين في كل مكان أن يسارعوا في دعم هذا المشروع الطموح الذي يهدف بالأساس إلى التعريف برسول الله – صلى الله عليه وسلم - بين شعوب الغرب..
فرجال المال والأعمال يساهموا في تمويل المشروع من أموال الصدقات وزكاة المال والوصايا والصدقات الجارية – وهو خير باب في أبواب الصدقات الجارية .."علم ينتفع به" – كذلك المال الذي عرضت له شبهة ويريد صاحبه ان يتخلص من، فهو مال حرام على صاحبه حلال لمثل هذه المشاريع .
وكذلك الإعلاميين والمثقفين والدعاة لهم دور كبير في نشر قضية الكتاب، في وسائل الإعلام المختلفة .. ليصدق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير كفاعله " .
أيضًا لسنا في غنى عن الدعم المعنوي من الأخ القارىء ولو بدعوة بظهر الغيب لكل من شارك وساهم في هذا المشروع .
للاستفسار ومزيد من المعلومات
www.nabialrahma.com
nabialrahma@gmail.com
هاتف: 0020104420539
*****************

المصادر والمراجع

· القرآن الكريم : كتاب الله تعالى .
· إنجيل برنابا: ترجمة : خليل سعادة، تقديم : محمد رشيد رضا، القاهرة : دار الفتح للإعلام العربي.
· إبراهيم خليل أحمد(القـس إبراهيم فيلـوبـوس سابقًا) : محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، مكة المكرمة : المكتبة التجارية، 1409هـ.
· ابن أبي شيبة( أبو بكر عبد الله بن محمد الكوفي) : المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق : كمال يوسف الحوت، الرياض : مكتبة الرشد، الطبعة الأولى ، 1409.
· ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج): صفة الصفوة، تحقيق : محمود فاخوري - محمد رواس قلعه جي بيروت : دار المعرفة، الطبعة الثانية ، 1399 – 1979
· ابن القيم (محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي) : زاد المعاد في هدي خير العباد ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط، بيروت – الكويت: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية -الطبعة الرابعة عشر ، 1407 هـ- 1986م،
· ابن القيم(محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي) : إغاثة اللهفان، تحقيق : محمد حامد الفقي، بيروت : دار المعرفة، الطبعة الثانية ، 1395 – 1975
· ابن حبان (محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي) : صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق : شعيب الأرنؤوط، بيروت : مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية ، 1414 – 1993.
· ابن حجر (أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي) : فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت : دار المعرفة ، 1379هـ .
· ابن حزم (علي بن أحمد بن سعيد الظاهري ) :جوامع السيرة ، تحقيق : إحسان عباس، القاهرة: دار المعارف ، الطبعة الأولى ، 1900 م
· ابن حزم (علي بن أحمد بن سعيد الظاهري): الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة: مكتبة الخانجي، د.ت
· ابن رجب ( أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي): جامع العلوم والحكم، بيروت: دار المعرفة، الطبعة الأولى ، 1408هـ.
· ابن سعد (محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري): الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس، بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى 1968 م.
· ابن سيد الناس (أبي الفتح محمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن يحيى)(ت 734هـ): عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، بيروت : دار الآفاق، 1977م.
· ابن عبد البر (بو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري): الاستذكار، تحقيق : سالم محمد عطا ، محمد علي معوض، بيروت : دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ، 1421 - 2000
· ابن عساكر (علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي):تاريخ دمشق، تحقيق: علي شيري، دمشق : دار الفكر . د.ت
· ابن كثير(إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية، بيروت:مكتبة المعارف، د. ت.
· ابن كثير(إسماعيل بن عمر): السيرة النبوية، بيروت: مكتبة المعارف،د. ت.
· ابن ماجه (محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني): سنن ابن ماجه، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت : دار الفكر، د.ت .
· أبو الحسن علي الحسني الندوي: السيرة النبوية، دمشق : دار القلم، الطبعة الثالثة، 1427هـ-20062.
· أبو الحسن علي الحسني الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، القاهرة : مكتبة السنة، 1410هـ - 1990م.
· أبو بكر جابر الجزائري : هذا ****** محمد رسول الله يا محب، القاهرة : المكتبة التوفيقية، د. ت.
· أبو داود (سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي) : سنن أبي داود ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت : دار الفكر ، د.ت.
· أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ر الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الرابعة ، 1405هـ.
· أبو يعلى (أحمد بن علي بن المثنى الموصلي التميمي) : مسند أبي يعلى، تحقيق : حسين سليم أسد، دمشق :دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى ، 1404 – 1984.
· آتين دينيه وسليمان الجزائري : محمد رسول الله، ترجمة : عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم محمود، القاهرة : الشركة العربية، الطبعة الثالثة ـ 1959 م،
· أحمد الحجي الكردي : بحوث في علم أصول الفقه، د. ط .
· أحمد أمين : التكامل في الإسلام، د. م : دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، د.ت .
· أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني : المسند، القاهرة: مؤسسة قرطبة، د.ت .
· أحمد ديدات: ماذا يقول الكتاب المقدس و الغرب عن محمدr، الطبعة الأولى ، القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع ، 1404هـ.
· أحمد راتب عرموش: قيادة الرسول السياسية والعسكرية، بيروت: دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1423هـ- 2002م.
· أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 2006م
· أحمد عبد الرحمن إبراهيم : الفضائل الخلقية في الإسلام، القاهرة : دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1409هـ-1989م .
· أحمد فريد : وقفات تربوية مع السيرة النبوية، الأسكندرية : دار ابن خلدون، د. ت.
· آرثر ستانلي تريتون: أهل الذمة في الإسلام ، طبعة لندن ، 1951 م.
· آرلونوف : مقالة "النبي محمد "، مجلة الثقافة الروسية ، ج 7 ، عدد 9..
· أرنولد توينبي: الإسلام والعرب والمستقبل، ترجمة: نبيل صبحي الطويل، د.ط.
· أكرم ضياء العمري : السيرة النبوية الصحيحة، الرياض : مكتبة العبيكان، ط5، 1424هـ 2003م
· أكرم ضياء العمري ، موقف الاستشراق من السنة والسيرة ، بحث منشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة ، 1995م .
· الألباني (محمد ناصر الدين) : تمام المنة في التعليق على فقه السنة، المكتبة الإسلامية ، دار الراية للنشر، الطبعة الثالثة ، 1409هـ .
· الألباني (محمد ناصر الدين) : مختصر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ – 1985م.
· الألباني (محمد ناصر الدين): إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل(8 مجلدات)، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية ، 1405هـ – 1985م.
· الألباني (محمد ناصر الدين): السلسلة الصحيحة ،الرياض: مكتبة المعارف، د.ت.
· الألباني (محمد ناصر الدين): صحيح الترغيب والترهيب، الرياض: مكتبة المعارف - الطبعة : الخامسة.
· الألباني (محمد ناصر الدين): صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، بيروت : المكتب الإسلامي، د. ت.
· الألباني (محمد ناصر الدين): ضعيف الترغيب والترهيب، الرياض : مكتبة المعارف، د. ت.
· الألباني (محمد ناصر الدين): ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة - 1413-1993م.
· الألباني(محمد ناصر الدين) : تخريج أحاديث كتاب مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، بيروت : المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى ،1405 هـ- 1984 م.
· البخاري (محمد بن إسماعيل ): صحيح البخاري، بيروت: دار ابن كثير، الطبعة الثالثة ، 1407هـ – 1987م.
· البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي بن موسى): سنن البيهقي الكبرى ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا،- مكة المكرمة: مكتبة دار الباز ، 1414هـ - 1994م.
· البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي بن موسى): شعب الإيمان، بيروت : دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1410هـ.
· التبريزي (محمد بن عبد الله الخطيب): مشكاة المصابيح، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني بيروت : المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة - 1405 هـ- 1985م.
· الترمذي (محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي) : الجامع الصحيح، تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون ، بيروت : دار إحياء التراث العربي، د. ت.
· الحاكم (محمد بن عبدالله أبو عبدالله النيسابوري): المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت :دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ، 1411هـ - 1990م،
· الحميدي (عبدالله بن الزبير أبو بكر ) : مسند الحميدي، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت – القاهرة : دار الكتب العلمية، مكتبة المتنبي ، د. ت.
· الدارمي (عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد ) : سنن الدارمي، تحقيق : فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي، بيروت : دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى ، 1407.
· السهيلي: الروض الأنف، تحقيق: عبد الرحمن ال**** ،القاهرة: 1967 م.
· السيد سابق: إسلامنا ، القاهرة: الفتح للإعلام العربي، د. ت .
· الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم) : المعجم الأوسط، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد ، ‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، القاهرة: دار الحرمين ،1415 هـ.
· الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم) : المعجم الصغير، تحقيق : محمد شكور محمود الحاج أمرير، بيروت : المكتب الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1405 – 1985.
· الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم) : المعجم الكبير، تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد، الموصل : مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية ، 1404 – 1983.
· الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم) : مسند الشاميين، بيروت : مؤسسة الرسالة، تحقيق : حمدي بن عبد المجيد، الطبعة الأولى ، 1405 – 1984.
· الطبري(محمد بن جرير أبو جعفر) :تاريخ الأمم والملوك( تاريخ الطبري)، بيروت: دار الكتب العلمية، 1407هـ.
· الغزالي (محمد بن محمد أبو حامد) : المستصفى في علم الأصول، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ، 1413.
· الكتاب المقدس . طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
· الكولونيل بودلي: حياة محمد، لندن، 1946م.
· المتقي الهندي (علي بن حسام الدين ): كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، بيروت : مؤسسة الرسالة، 1989 م .
· الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف الكويتية، الكويت.
· النسائي (أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن) : المجتبى من السنن، تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة حلب : مكتب المطبوعات الإسلامية، الطبعة الثانية ، 1406 – 1986.
· الهيثمي (نور الدين علي بن أبي بكر ) : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت:دار الفكر، 1412 هـ.
· إميل درمنغم : حياة محمد، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة : دار إحياء الكتب، الطبعة الثانية، 1949 م .
· إميل درمنغم :حياة محمد، ترجمة : محمد عادل‌ زُعَيْتِر، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثانية، 1988م
· آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد ، د. م: دار مادرس للنشر، 1932م.
· أنجوغو أمبكي صمب : أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية، السنغال : مطبعة دار الكتاب يمبل دكار،1427هـ 2006م
· برهان غليون ومحمد سليم العوا: النظام السياسي في الاسلام، بيروت – دمشق: دار الفكر، الطبعة الأولى ، 2004.
· توماس كارلايل :الأبطالوعبادة البطل والبطولات في التاريخ ، ترجمة : محمد السباعي. كتاب الهلال، القاهرة: العدد 326 صفر 1398
· جاك ريسلر :الحضارة العربية، ترجمة : خليل أحمد خليل، عويدات للطباعة والنشر.د.ت
· جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى، د .ط
· جمعة علي الخولي: معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة، والرد على ما يثار حولها من شبهات، الرياض: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود، العدد 57، 1423هـ - 2003
· جورج حنا : قصة الإنسان، طبعة بيروت- دار الثقافة، 1959م.
· جورج سارتون : الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، تعريب عمر فروخ، بيروت : مكتبة المعارف، 1952 م.
· جوستاف لوبون: الدين والحياة، ترجمة عادل زعيتر، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثانية، 1988.
· جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثانية، 1988.
· جون وليام دريبر : تاريخ التطور الفكري الأوروبي، المجلد الأول، طبعة لندن 1875م.
· حسن عزوزي: الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري، مجلة البلاغ، يناير 2007
· حسين محمد يوسف : سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم، القاهرة: دار الإنسان ، القاهرة ط. 1399هـ.
· حكمت بشير ياسين، عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان، جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، الطبعة الأولى، 1426هـ-2005م.
· خالد محمد خالد : رجال حول الرسول، القاهرة : دار المقطم، الطبعة الأولى، 1415هـ-1994م.
· دانييل بريفولت:نشأة الإنسانية، ترجمة: سهيل حكيم ، دمشق: وزارة الثقافة السورية.د.ت.
· ديسون : محمد بن عبد الله: تعريب عمر أبو النصر، د . م، 1934م
· ديفيد بنجامين (عبد الأحد داود): محمد في الكتاب المقدس، ترجمة : فهمي شما، مراجعة : أحمد محمد الصديق . مطابع الدوحة الحديثة ، د. ت.
· ديوان شند شرمة: أنبياء الشرق، طبعة كلكتا ،1935م.
· رالف لنتون:شجرة الحضارة،ترجمة أحمد فخري ، القاهرة: مكتبة الإنجلومصريّة، د.ت.
· راوية أحمد عبد الكريم الظهار: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام: الرياض: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، الطبعة الأولى، 1426هـ- 2005م.
· رشدي فكار: نظرات إسلامية للإنسان والمجتمع خلال القرن الرابع عشر الهجري، القاهرة : مكتبة وهبة، ط 1، 1980م، ص 31.
· رقية طه جابر العلواني : فقه الحوار مع المخالف في ضوء السنة النبوية، الرياض: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، الطبعة الأولى، 1426هـ- 2005م.
· روجيه جارودي: دعوة الإسلام، ترجمة ذوقان قرقوط، القاهرة / بيروت : الوطن العربي، 1984 م
· رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة : مصطفى ماهر – القاهرة 1967م.
· زيد بن عبد الكريم بن عبد الكريم الزيد : التسامح في الإسلام، الرياض : جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، إصدارات الجائزة، 1426هـ.
· زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، تعريب : فؤاد حسنين علي ، القاهرة: دار المعارف .د.ت
· ستانورد كب : المسلمون في تاريخ الحضارة، الرياض : الدار السعودية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1305هـ 1985م .
· ستيفن ونسيمان : تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة: السيد الباز العريني ، بيروت: مكتبة الحياة، 1413هـ -1993م.
· سيد قطب : معركة الإسلام والرأسمالية ، القاهرة : دار الشروق ، 1415هـ - 1995م
· سيد قطب: في ظلال القرآن، القاهرة : درا الشروق، ط 16. 2000م
· سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام، بيروت : دار الطليعة ، 1972.
· شاختوبوزورت: تراث الإسلام ، ترجمة : د.حسين مؤنس وإحسان صدقي، عالم المعرفة، الجزء الأول، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والعلوم الآداب.
· شوقي أبو خليل: الإسلام في قفص الاتهام، دمش: دار الفكر ، الطبعة الثانية. د.ت.
· صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم، المنصورة : دار الوفاء : 1426هـ-2005م.
· عباس محمود العقاد : إسلاميات ، القاهرة : دار المعارف، الطبعة الثانية، 1985.
· عباس محمود العقاد : عبقرية محمد ، القاهرة : المكتبة العصرية- الدار النموذجية، ، الطبعة الأولى، 2000م.
· عباس محمود العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، القاهرة :كتاب الهلال، د.ت.
· عباس محمود العقاد: ما يقال عن الإسلام (سلسلة كتاب الهلال/ 189) القاهرة: دار الهلال. 1386هـ/ 1966م.
· عبد الحسين شعبان :ثقافة حقوق الإنسان، رابطة كأوا للثقافة الكردية، بيروت ، الطبعة الأولى،2001.
· عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله : كمال الدين الإسلامي وحقيقته ومزاياه ، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، الطبعة الأولى ، 1418هـ
· عبد الله محمد الرشيد: القيادة العسكرية في عهد الرسول r، دمشق : دار القلم، الطبعة الأولى، 1420هـ-1990م.
· عبد الله ناصح علوان : معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية، القاهرة : دار السلام ، ط 2، 1404هـ - 1984م ، ص 155
· عبد الله نجيب سالم : مواقف إنسانية في السيرة النبوية، بيروت : دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1414هـ- 1994م.
· عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون : البرهان شرح كتاب الإيمان، د.م : طباعة مركز البحوث بجامعة الإيمان، الطبعة الأولى، 1427هـ - 2006م.
· عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا، الكويت : دار القلم، الطبعة الثالثة، 1983م.
· عفيف عبد الفتاح طبارة : روح الدين الاسلامي، بيروت: مطبعة دار العلم للملايين، الطبعة الثامنة، 1969م.
· علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية، دار المعرفة للطباعة و النشر، 1400 هـ 1980 م
· علي محمد الصلابي : السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث، القاهرة : مؤسسة اقرأ، الطبعة الأولى ، 1426هـ-2005م
· عماد الدين خليل : دراسة في السيرة، بيروت : مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة عشرة، 1422هـ - 2001م .
· عماد الدين خليل : قالوا عن الإسلام ، الرياض: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1412هـ.
· فاطمة صالح الجارد : عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان، الرياض جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، الطبعة الأولى، 1426هـ- 2005م.
· فريد عبد الخالق: في الفقه السياسي الإسلامي، القاهرة : دار الشروق، الطبعة الثانية، 1427هـ - 2007م.
· فريد عبد الخالق : تأملات في الدين والحياة، القاهرة : دار التوزيع والنشر الإسلامية،الطبعة الأولى، 1423هـ- 2003م.
· فيليب حتي : تاريخ العرب ، ترجمة : ادوارد جرجي وجبرائيل جبور، بيروت 1965 م
· كارين أرمسترونج :سيرة النبي محمد ،ترجمة :فاطمة نصر، و محمد عناني، د.م: طبعة كتاب سطور ، شركة صحارى.د.ت .
· كونستانس جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله، تعريب : محمد التونجي، د. م : الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 1983م.
· لايتنر : دين الإسلام ، ترجمة : عبدالوهاب سليم ، دمشق: المكتبة السلفية ، دمشق، 1423هـ
· لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام: ، ترجمة: منير بعلبكي، بيروت : دار العلم، 1960م.
· لويس سيديو : خلاصة تاريخ العرب العام: إشرف علي مبارك باشا ، القاهرة، د.ت
· مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام، ترجمة : عفيف دمشقية، بيروت: دار الآداب، 1980 م
· محمد الخضري: تاريخ التشريع الإسلامي، القاهرة: مطبعة الاستقلال، الطبعة السابعة، 1960 .
· محمد الغزالي : فقه السيرة، القاهرة: دار الشروق، الطبعة الثانية، 1424هـ 2003م
· محمد الغزالي: تأملات في الدين والحياة، الإسكندرية : دار الدعوة، الطبعة الأولى، 1410هـ- 1990.
· محمد الغزالي: خلق المسلم، الإسكندرية : دار الدعوة، الطبعة الثالثة، 1411هـ- 1990.
· محمد أمين حسن : خصائص الدعوة الإسلامية، الأردن : مكتبة المنار، الطبعة الأولى، 1983م،
· محمد بن سلامة بن جعفر أبو عبد الله القضاعي: مسند الشهاب، بيروت : مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، 1407 هـ– 1986م
· محمد بن عبد الله السحيم: أعظم إنسان في الكتب السماوية ، القاهرة: منشورات مكتبة الخانجي ، د.ت.
· محمد بن عبد الوهاب: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الرياض: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1418هـ.
· محمد بن يوسف الشامي الصالحي (ت 943هـ)،: سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد، تحقيق :مصطفى عبدالواحد. مصر:المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراثالإسلامي ، عام 1392هـ / 1972م.
· محمد حميد الله : الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت : دار النفائس، الطبعة السابعة، 1422هـ 2001م.
· محمد حسام الدين الخطيب: نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية، المشاركة الفائزة بالجائزة الثانية بمسابقة موقع الألوكة:(انصر نبيك وكن داعياً)، فرع البحث العلمي، 27/11/2006 م 7/11/1427 هـ.
· محمد رجب البيومي: مجلة الحج، العدد 12 السنة 88.
· محمد سعيد رمضان البوطي : فقه السيرة، القاهرة : دار السلام 1419هـ- 1999م
· محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة،. د.ط.
· محمد عبد القادر أبو فارس : السيرة النبوية دراسة تحليلية، عمان : دار الفرقان، الطبعة الأولى : 1428هـ - 1997م .
· محمد عبد القادر أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام، الكويت: الاتحاد الإسلامي العالمي، 1984.
· محمد عزت الطهطاوي: محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن ، القاهرة : مكتبة النور، د. ت.
· محمد علي الخطيب : رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، البحث الفائز بالجائزة الرابعة بمسابقة موقع الألوكة: (انصر نبيَّك وكن داعياً)، فرع البحث العلمي. 28/11/2006 م - 8/11/1427 هـ.
· محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية ، ترجمة و تحقيق: لينا عبد القدوس أبو صالح ، بيروت : مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 1999
· محمد مسعد ياقوت : " دور النبي صلى الله عليه وسلم في تحضر العرب"، المقالة الفائزة بمسابقة " انصر نبيك وكن داعياً " من الموقع الإسلامي " الألوكة " .. فرع المقالة الصحفية- 2006.
· محمد مسعد ياقوت : حوار الحضارات : الموجود والمفقود والمنشود، القاهرة: منظمة الكتاب الأفريقيين والأسيويين ، أغسطس 2005م ـ مسابقة مبارك العالمية للسلام والتنمية.
· محمد مسعد ياقوت : دور الإسلام في مشروع حوار الحضارات،مجلة المجتمع، الكويت، العدد1677، بتاريخ 19/11/2005
· محمد مسعد ياقوت :الإسلام والغرب .. حوار وصدام، جريدة الأسرة العربية، العدد 59، بتاريخ : 14\11\2005م.
· محمد مصطفى الزحيلي: التدرج في التشريع والتطبيق في الشرعية الإسلامية، الكويت: ادارة البحوث والدراسات، اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، سلسلة تهيئة الأجواء، العدد 14، 2007م.
· محمود شيت خطاب : الرسول القائد، بيروت : دار الفكر، الطبعة السادسة، 1422هـ - 2002م
· مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم، بيروت : دار إحياء التراث العربي.
· ممدوح إبراهيم الطنطاوي : أخلاقيات الحرب في الإسلام، مجلة الجندي المسلم : العسكرية الإسلامية العدد 112.
· منير محمد الغضبان : المنهج الحركي للسيرة النبوية، المنصورة : الطبعة الخامسة عشرة، 1427هـ 2006م .
· موسوعة تاريخ الحضارات العام، ترجمة: فريد م. داغر، فؤاد ج. أبو ريحان، إشراف: موريس كروزيه، عويدات للطباعة والنشر، الطبعة الأولى ، 2003 م.
· مولانا محمد علي : حياة محمد وسيرته، ترجمة : منير البعلبكي، بيروت: دارالعلم للملايين،1397هـ- 1977م
· مونتجمري وات : محمد في المدينة، ترجمة : شعبان بركات ، بيروت: منشورات المكتبة العصرية ، د. ت
· مونتجمري وات : محمد في مكة ، ترجمة: شعبان بركات ، بيروت: منشورات المكتبة العصرية ، د. ت
· مونتجمري وات :تأثير الإسلام في أوربا في العصر الوسيط. ترجمة: حسين أحمد أمين، بعنوان "فضل الإسلام على الحضارة الغربية" دار الشروق. بيروت. 1983.
· مونتجمري وات:الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ترجمة : عبد الرحمن عبد الله، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م
· ناصر بن سليمان العمر : الوسطية في ضوء الكتاب والسنة، د.ط
· نصري سلهب: في خطى محمد، بيروت: دار الكتاب العربي، 1970م
· نظمي لوقا: محمد في حياته الخاصة،القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1969 م.
· هــ. أ. ر. جب : المحمدية ، طبعة لندن ، 1953 م.
· هربرت جورج ولز :معالم تاريخ الإنسانية، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد ، القاهرة:الهيئة المصرية العامة، 1967م
· هنري ماسيه : الإسلام، بيروت: منشورات عويدات، 1988م.
· ول ديورانت :قصة الحضارة ، بيروت : مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى، 2003م.
· ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله : معجم البلدان، بيروت : دار الفكر، د.ت .
· يوسف القرضاوي : الإسلام و العلمانية وجهاً لوجه ، القاهرة: دار الصحوة للنشر و التوزيع ، 1408هـ - 1987، ط1
· يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، القاهرة، مكتبة وهبة،الطبعة الرابعة، 1409هـ-1989م
· يوسف القرضاوي : الوسطية ودور الإعلام في إبرازها، بحث مقدم لندوة اقرأ الفقهية (رمضان 1427هـ)
· يوسف القرضاوي : خطابنا الإسلامي في عصر العولمة، القاهرة : دار الشروق، الطبعة الأولى، 1424هــ - 2004م، ص 40 ، 41 .
· يوسف القرضاوي: الإيمان والحياة: القاهرة: مكتبة وهبة، الطبعة التاسعة، 1410هـ- 1990م .
· يوسف القرضاوي: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، القاهرة : مكتبة وهبة، الطبعة الخامسة، 1406هـ - 1986م.


المحتويات
šŠ¤12
š
الإهداء
š4
š
المقدمة
š19
š
الفصل الأول: من هو محمدr ؟
Šš
š20
š
المبحث الأول: تعريفٌ عامٌ بنبي الرَحْمَة r
š20
š
المطلب الأول : الميلاد والنشأة
š20
š
المطلب الثاني : أخلاق وصفات محمد
š22
š
المطلب الثالث : حال العالم عشية البعثة Šš
š23
š
المطلب الرابع :النبوة والوحي Šš
š23
š
أولاً : شهادة الكتب السماوية السابقة Šš
š24
š
ثانيًا: شهادات علماء الغرب: Šš
š24
š
1- شهادة واشنجتون إيرفنجŠš
š24
š
2- شهادة مارسيل بوازارŠš
š25
š
3-شهادة إميل درمنغمŠš
š25
š
4- شهادة لايتنر Šš
š26
š
5- شهادة لورافيشيا فاغليري Šš
š26
š
6- شهادة روم لاندو Šš
š27
š
المطلب الخامس : لمحة مختصرة عن سيرة النبيr: Šš
š27
š
أولاً : أول ما نزل عليه rŠš
š27
š
ثانيًا: إسلام العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل Šš
š27
š
ثالًثا:أول من أسلم Šš
š27
š
رابعًا: إيذاء المسلمين Šš
š28
š
خامسًا: الهجرة إلى الحبشة وإسلام ملك نصارى الحبشةŠš
š28
š
سادسًا: الحصار وعام الحزنŠš
š29
š
سابعًا: دعوة القبائل ولقاء الأنصارŠš
š29
š
ثامنًا: الهجرة إلى المدينة المنورة Šš
š31
š
تاسعًا: الفتح وانتشار الدعوةŠš
š32
š
عاشرًا: حجة الوداع، ووفاة النبي Šš
š33
š
المبحث الثاني: محمد رَحْمَة rللعالم في أدبيات الغربŠš
š33
š
المطلب الأول:شهادة إنجيل برناباŠš
š34
š
المطلب الثاني: شهادة الراهب النصراني بحيرا Šš
š35
š
المطلب الثالث: شهادة العلامة توماس كارلايلŠš
š35
š
المطلب الرابع : شهادة المفكر البريطاني لين بولŠš
š35
š
المطلب الخامس : شهادة السير وليم مويرŠš
š36
š
المطلب السادس: شهادة القسيس السابق دُرّانيŠš
š36
š
المطلب السابع : شهادة الكاتب الإسباني "جان ليك"Šš
š36
š
المطلب الثامن : شهادة العلامة واشنجتون ايرفنجŠš
š37
š
المطلب التاسع : شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون Šš
š37
š
المطلب العاشر: شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر Šš
š38
š
المبحث الثالث: خصائص رحمته rŠš
š38
š
المطلب الأول: ربانية الرحمةŠš
š39
š
المطلب الثاني : دعوية الرحمة Šš
š40
š
المطلب الثالث : عالمية الرحمةŠš
š42
š
المطلب الرابع : عبقرية الرحمة Šš
š42
š
المطلب الخامس : وسطية الرحمةŠš
š43
š
المطلب السادس : عملية الرحمةŠš
š44
š
الفصل الثاني : رحمته للعالمين في مجال التنوير والحضارة:Šš
š45
š
المبحث الأول: التنوير والتوحيد:Šš
š45
š
المطلب الأول : محمد r تنويرياً عملاقًا: Šš
š48
š
المطلب الثاني : نضاله في إخراج الناس من الظلمات إلى النورŠš
š49
š
المطلب الثالث : نجاح حركة التنوير Šš
š51
š
المبحث الثاني: التحضر والرقيŠš
š51
š
المطلب الأول : العرب من القبيلة إلى الدولة والأمة:Šš
š51
š
أولاً: العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل محمد rŠš
š52
š
ثانيًا: جهود مضنية من النبيr : Šš
š53
š
ثالثًا: تميز فكرة الأمة الإسلامية Šš
š54
š
المطلب الثاني : إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي rŠš
š55
š
المطلب الثالث: فضل النبي في تحضر العالم Šš
š58
š
المبحث الثالث: التسامح الديني Šš
š58
59
š
المطلب الأول : محمد[r]الحاكم المتسامح الحكيم المشرع
المطلب الثاني : دستور المدينة نموذجًاŠš
š60
š
المطلب الثالث: استقبال الوفود النصرانية Šš
š61
š
المطلب الرابع : الحرية في الاعتقاد وممارسة الشعائر Šš
š63
š
المبحث الرابع: رعاية العلم والمعرفةŠš
š63
š
المطلب الأول : بداية عصر العلم والمعرفةŠš
š64
š
المطلب الثاني : القرأة أولي تعاليم محمدrŠš
š64
š
المطلب الثالث : احترام العقلŠš
š65
š
المطلب الرابع : حثه على طلب العلم Šš
š66
š
المطلب الخامس: العلم من وظائف رسالتهŠš
š68
š
المطلب السادس : من توجيهات محمدrŠš
š70
š
المبحث الخامس: الخطاب التربويŠš
š70
š
المطلب الأول : المعلم الرحيم Šš
š71
š
المطلب الثاني: نماذج رحمته للمتعلمين Šš
š72
š
المطلب الثالث : أساليبه في الخطاب التربوي:Šš
š72
š
أولاً: التمهيد والتهيئةŠš
š73
š
ثانيًا: التكرار والإعادة Šš
š73
š
ثالثًا: التأني أثناء العرض Šš
š73
š
رابعًا: مراعاة طاقة المتعلمين Šš
š73
š
خامسًا: ضرب الأمثال Šš
š74
š
سادسًا: استخدام الوسائط المتعددة Šš
š74
š
1- التعبير بحركة اليد والأصابع Šš
š74
š
2- التعبير بالرسم والمجسمات: Šš
š74
š
أ) الرسم Šš
š74
š
ب) المجسمات Šš
š74
š
3- التعليم التطبيقي العملي Šš
š75
š
المبحث السادس: خدمة الإنسانية Šš
š75
š
المطلب الأول : محمد rخادم الإنسانيةŠš
š76
š
المطلب الثاني: خطبة الوداع : الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان Šš
š78
š
المطلب الثالث: توجيهات إنسانية Šš
š79
š
الفصل الثالث: رحمته للعالمين في مجال الأخلاق:Šš
š80
š
المبحث الأول: الرفق واللينŠš
š80
š
المطلب الأول: طريق محمد .. طريق الرفق Šš
š81
š
المطلب الثاني : حثه على الرفق : Šš
š81
š
أولاً : الرفق يحبه الله Šš
š81
š
ثانيًا: الرفق جمال وذوقŠš
š81
š
ثالثًا: الرفق ي*** الخيرŠš
š81
š
المطلب الثالث: نماذج رفقهr:Šš
š81
š
أولاً: الرفق بالمتعلمين:Šš
š82
š
ثانياً: الرفق بالسفهاء :
ثالثًا : الرفق بالعصاة :
Šš
š82
š
رابعًا: الرفق بالشعب والرعية:
خامسًا : الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة
سادسًا: الرفق بالحيواناتŠš
š83
š
المبحث الثاني: العفوŠš
š83
š
المطلب الأول : محمد rالعفو .Šš
š85
š
المطلب الثاني : نماذج عفوه r: Šš
š85
š
أولاً: عفوه عن مشركي مكة عام الفتحŠš
š85
š
ثانيًا: عفوه عن أهل الكتاب Šš
š86
š
ثالثًا: عفوه عن الضعفاء أثناء الحروبŠš
š86
š
رابعًا: عفوه عن الأعراب الغلاظ :Šš
š86
š
1- الأعرابي الذي رد على النبيr بوقاحةŠš
š86
š
2- الأعرابي الذي اتهم النبي r بالظلم
3- الأعرابي الذي قابل إحسان النبي بالإساءة :
š87
š
المبحث الثالث: العدالة والمساواة
š87
š
المطلب الأول : محمد r حاكمًا عادلاً
š89
š
المطلب الثاني : العدالة ومساواة في معاملاته اليومية
š90
š
المطلب الثالث: نماذج تعاليمهr :
š90
š
أولاً: تحذيره من استعباد الناس …
š90
š
ثانيًا: نهيه عن التمييز العنصري
š90
š
ثالثًا: عدله مع غير المسلمين ( العدل مع فصيل يهودي – العدل مع رجل يهودي)Šš
š90
š
رابعًا: الكل سواء أمام القانون
š91
š
خامسًا : مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع: Šš
š91
š
المطلب الرابع : الناس سواء كأسنان المشط:Šš
š93
š
المبحث الرابع: الحب والإخاء
š93
š
المطلب الأول : الأُخوة مكان العصبية Šš
š94
š
المطلب الثاني : لماذا نجح النبي r في تحقيق الحب والإخاء ؟
š95
š
المطلب الثالث : نماذج تعاليمه r : Šš
š95
š
أولاً : المسلمون المتآخون المتحابون كالجسد الواحد
š95
š
ثانيًا: المسلمون المتآخون المتحابون كرجل واحد
š96
š
ثالثًا: المسلمون المتآخون المتحابون في ظلال الله
š96
š
رابعًا: المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة الله
š96
š
خامسًا: المسلمون المتآخون المتحابون يغبطهم الأنبياء والشهداء
š96
š
المبحث الخامس: سماحته في المعاملات المالية
š97
š
المطلب الأول : حثه على السماحة في المعاملات المالية :
š97
š
أولاً: في البيع والشراء والقضاء
š97
š
ثانيًا: التيسير على المعسر
š97
š
المطلب الثاني : نماذج سماحته في المعاملات المالية
š99
š
الفصل الرابع: رحمته للعالمين في مجال التشريع :
š100
š
المبحث الأول: المرونة والتجديد:
š100
š
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب
š101
š
المطلب الثاني: الشريعة الإسلامية : ثوابت و متغيرات
š102
š
المطلب الثالث : في مجال الثابت و مجال المتغير
š103
š
المطلب الرابع : منطقة الفراغ التشريعي والنصوص المحتملة:
š103
š
أولاً : منطقة الفراغ التشريعي
š104
š
ثانيًا: المتشابهات
š104
š
المطلب الخامس : ***** الثابت و تجديد المرن
š107
š
المبحث الثاني: الوسطية والاعتدال:
š107
š
المطلب الأول: شهادة علماء الغرب
š107
š
المطلب الثاني : حثهr على الوسطية وتحذيره من التشدد
š109
š
المطلب الثالث : وسطية الإسلام في الأحكام
š110
š
المبحث الثالث: التيسير:
š110
š
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب
š111
š
المطلب الثاني : نماذج التيسير
š113
š
المطلب الثالث : حثه على التيسير
š114
š
المبحث الرابع: الرخص الشرعية:
š114
š
المطلب الأول : الرخص الشرعية : ماهيتها وشرعيتها
š115
š
المطلب الثاني : نماذج الرخص الشرعية
š116
š
المبحث الخامس: التدرج في التشريع:
š116
š
المطلب الأول : التدرج في التشريع: مفهومه والحكمة منه :
š116
š
أولاً: مفهومه
š117
š
ثانيًا: الحكمة منه
š117
š
المطلب الثاني : نماذج للتدرج في التشريع :
š117
š
أولاً: تحريم الخمور
š118
š
ثانيًا: تحريم الربا
š119
š
الفصل الخامس : رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية والعسكرية:
š120
š
المبحث الأول: الحوار لا الصدام
š120
š
المطلب الأول : الحوار مظهر من مظاهر الرحمة
š121
š
المطلب الثاني : الإسلام يرفض المركزية الحضارية
š123š
المطلب الثالث : نماذج عملية من سيرة النبيr
š126
š
المبحث الثاني: حرصه r على نشر السلام
š126
š
المطلب الأول : محمدr رجل السلام
š127
š
المطلب الثاني : نموذج في حادث بناء الكعبة
المطلب الثالث : نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة :
أولاً : مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
ثانيًا : مُوَادَعَةُ جهينة :



š128
š
المطلب الرابع: نموذج في معركة الأحزاب
š129
š
المطلب الخامس : نموذج معاهدة الحديبية
š130
š
المطلب السادس: نموذج الصلح مع أهل خيبر
š131
š
المبحث الثالث: رحمته للخصوم والأعداء
š131
š

المطلب الأول : لماذا القتال ؟
أولاً: مصادرة أموال المسلمين وعقاراتهم :
ثانيًا: إعلان الحرب على الدولة الإسلامية الناشئة:
ثالثًا: تهديد أمن المسلمين

المطلب الثاني : محمد r القائد الرحيم
المطلب الثالث : هدي محمد في المعارك
š133
š
المطلب الرابع : فرية العنف ونشر الإسلام بالسيف
š133
š
أولاً : رد العلامة لويس سيديو
š133
š
ثانيًا: رد الدكتورة كارين أرمسترونج
š134
š
ثالثًا: رد الكاتب الألماني ديسون
š134
š
رابعًا: رد المستشرق الهولندي دوزي
š134
š
خامسًا: رد المؤرخ الكبير جوستاف لوبون
š135
š
سادسًا: رد الكاتبة الايطالية لورافيشيا فاغليري
š135
š
سابعًا: رد العلامة توماس كارلايل
š136
š
المطلب الخامس: فرية : القتل الجماعي ليهود بني قريظة
š140
š
المبحث الرابع: رحمتهr للأسرى
š140
š
المطلب الأول : نماذج في معركة بدر Šš
š142
š
المطلب الثاني : نموذج معركة بني المصطلق Šš
š142
š
المطلب الثالث : نموذج معركة حنينŠš
š143
š
المطلب الرابع : نماذج أخرى.
المبحث الخامس : رحمته لقتلى العدو
المطلب الأول : مواراة جيف قتلى العدو في بدر
المطلب الثاني: جثة نوفل بن عبد الله
المطلب الثالث : جثة عمرو بن ود
š144
š
المبحث السادس: رحمته لأهل الذمة
š144
š
المطلب الأول : من هم أهل الذمة وما موقف الدولة الإسلامية منهم ؟
š144
š
المطلب الثاني : شهادات علماء الغرب :
š144
š
أولاً: حرية أهل الذمة في الاعتقاد
š145
š
ثانيًا: حرية أهل الذمة في ممارسة الشعائر
š145
š
ثالثًا: رعاية المسلمون لأهل الذمة
š146
š
رابعًا: الاستعانة بهم في أجهزة الدولة
š146
š
المطلب الثالث : وصايا النبي r بأهل الذمة والتحذير من إيذائهم:
š146
š
أولاً: حرمة قتل الذمي بغير حق
š146
š
ثانيًا: حرمة قذف الذمي
146


ثالثًا: تحريم ظلمه
المبحث السابع: قيم حضارية في غزوة بدر الكبرى[ نموذجًا]
المطلب الأول : لا نستعين بمشرك على مشرك :
المطلب الثاني : مشاركة القائد جنوده في الصعاب:
المطلب الثالث الشورى :
المطلب الرابع : النهي عن استجلاب المعلومات بالعنف :
المطلب الخامس : احترام آراء الجنود:
المطلب السادس : العدل بين القائد والجندي :
المطلب السابع : الحوار قبل الصدام :
المطلب الثامن : الوفاء مع المشركين :
المطلب التاسع : حفظ العهود :
المطلب العاشر : النهي عن المثلة بالأسير
š148
š
الفصل السادس: رحمتهللعالمين في مجال المرأة والطفل:
š149
š
المبحث الأول – تحرير المرأة من الجاهلية:
š149
š
المطلب الأول : محمد r منقذ المرأة
š150
š
المطلب الثاني : افتراءات وردود
š150
š
الفرية الأولى : حول تعدد الزوجات
š150
š
أولاً: فيما يخص تعدد الزوجات الخاص بشخص النبيr
š151
š
ثانيًا:فيما يخص تعدد الزوجات العام
š152
š
الفرية الثانية: قول أحدهم :إن الإسلام لا يسوي بين المرأة والرجل
š152
š
الفرية الثالثة : قول أحدهم: إن الإسلام لا يهتم بتعليم المرأة
š153
š
الفرية الرابعة : حول ضرب الزوج لزوجته
š154
š
الفرية الخامسة: حول الحجاب وحق المرأة في ستر عورتها
š154
š
المبحث الثاني : مميزات المرأة في الإسلام
š154
š
المطلب الأول: الاستقلال الفكري للمرأة
š155
š
المطلب الثاني: حقوق المرأة في أمور الزواج
š156
š
المطلب الثالث: حقوق المرأة في الميراث والتملك
š156
š
المطلب الرابع: حق المرأة في العمل
š157
š
المطلب الخامس: تقدير الدور السياسي للمرأة
š158
š
المطلب السادس: إحترام جوار المرأة
š158
š
المطلب السابع : تأملات في هذه المميزات
š159
š
المبحث الثاني: رحمته للبنات
š159
š
المطلب الأول : فضل محمد r على البنات
š160
š
المطلب الثاني : نماذج رحمتهr للبنات:
š160
š
أولاً: حثه على الإحسان إليهن
š160
š
ثانيًا: عطفه على البنات
š161
š
ثالثًا: إكرامه لعائل البنات
š161
š
المبحث الثالث: رحمته للأطفال
š161
š
المطلب الأول : شهادة علماء الغرب
š162
š
المطلب الثاني : نماذج رحمته للأطفال :
š162
š
أولاً : أرحم البشر بالعيال
š163
š
ثانيًا : توبيخهr للغلاظ مع الأطفال
š163
š
ثالثًا : دعاؤه r للأطفال
Šš
š163
š
رابعًا : سلامهr على الأطفال وعطفه عليهم
š164
š
خامسًا : رفقه r بالأطفال إذا صلى بهم
š164
š
سادسًا: تعزيزه r للطفل الصادق
š164
š
سابعًا: ملاطفتهr للأطفال
š165
š
ثامنًا: رحمتهr بغلام يهودي
š165
š
المبحث الرابع: رحمته للأيتام
š165
š
المطلب الأول : محمد r اليتيم
š166
š
المطلب الثاني : نماذج في رحمتهr لليتيم:
š166
š
أولاً:ترغيبه في كفالة اليتيم
š166
š
ثانيًا:مواساته اليتامى
š167
š
ثالثًا: ترغيب النساء في تربية الإيتام
š167
š
رابعًا: تحذيره من الإعتداء على مال اليتيم
š167
š
المبحث الخامس: رحمته للأرامل
š168
š
المطلب الأول: حثه على السعي على الأرامل
š168
š
المطلب الثاني : سعيه على الأرامل
š169
š
الفصل السابع: رحمتهr للضعفاء
š170
š
المبحث الأول: رحمته للفقراء
š170
š
المطلب الأول : فضل محمدr على الفقراء
š171
š
المطلب الثاني : نظام الزكاة – نموذجًا
š173
š
المطلب الثالث: دوره r في مكافحة البطالة :
š173
š
أولاً : ترسيخ قيم العمل والانتاج
š175
š
ثانيًا : قضاء حوائج العاطلين
š175
š
ثالثًا: تحريمهr البطالة
š175
š
رابعًا: ترغيبهr في الزراعة
š175
š
خامسًا: ترغيبهr في الصناعة
š175
š
سادسًا: ترغيبه rفي التجارة
š176
š
المبحث الثاني: رحمته للعبيد والخدم
š176
š
المطلب الأول : تحرير العبيد
š177
š
المطلب الثاني : فرية سن الإسترقاق
š178
š
المطلب الثالث : نماذج رحمته للعبيد :
š179
š
أولاً : وصيته r بالعبيد والإماء
š179
š
ثانيًا: تحذيره rمن إيذاء العبيد والإماء
š179
š
ثالثًا: أمره r بالإحسان إلى العبيد
š180
š
رابعًا: التعاون في تحرير العبيد
š180
š
خامسًا: كفارة ضرب العبد عتقه
سادسًا : ألطف الناس بالعبيد :
سابعًا :كفالة الدولة الإسلامية للعبد المعاق أو المريض:

š180
š
المطلب الرابع: تحريم الاتجار بالبشر
المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم

رفقه وعطفه على الخدم:
š180
š
أولاً: سلوكه r مع خادمه
š181
š
ثانيًا: حثه على العفو عن الخادم
š181
š
ثالثًا: توبيخه مَنْ ضرب الخادم
š181
š
رابعًا: ترغيبه rفي إطعام الخادم
š182
š
خامسًا: نهيه عن الدعاء على الخادم
š182
š
المبحث الثالث: رحمته بذوي الاحتياجات الخاصة :
š182
š
المطلب الأول : الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية:
š182
š
المطلب الثاني : رعاية النبي r لذوي الاحتياجات الخاصة:
š182
š
المطلب الثالث: الأولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم:
š183
š
المطلب الرابع: عفوهr عن سفهائهم وجهلائهم :
š183
š
المطلب الخامس : تكريمه وموساته r لهم :
š184
š
المطلب السادس : زيارتهr لهم
š184
š
المطلب السابع: الدعاء لهم :
š184
š
المطلب الثامن : تحريم السخرية منهم
š184
š
المطلب التاسع : رفع العزلة والمقاطعة عنهم
المطلب العاشر: التيسير على ذوي الاحتياجات الخاصة


Šš
š185
š
المبحث الرابع : رحمتهr للمسنين :
š185
š
المطلب الأول : حثهr على إكرام المسنين والرفق بهم:
š185
š
أولاً: مناشدة الشباب لإكرام المسنين
š185
š
ثانيًا: إكرام المسن من إجلال الله
š185
š
ثالثًا: ليس من المسلمين من لا يوقر الكبير
š185
š
رابعًا: تسليم الصغير على الكبير
خامسًا : تقديم المسن في وجوه الإكرام عامة
سادسًا : التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية
Šš
186


المطلب الثاني : نماذج رحمته r للمسنين :
186


أولاً: إنصاته لعتبة وتلطفه معه
186


ثانيًا: سعيه لفك أسر شيخ مسن
186


ثالثًا:رفقه بأبي قحافة وتوقيره له
187


المبحث الخامس: رحمته بالأموات:
187


المطلب الأول : زيارته rلقبور الأموات
188


المطلب الثاني : مشاركته في دفن الأموات بنفسه r:
188


أولاً : جنازة عدو من أعدائه
188


ثانيًا: جنازة حبيب من أحبابه r
189


المطلب الثالث : حزنه r إذا فاتته جنازة وصلاته عليها
189


المطلب الرابع :توقيرهr للجنائز والقبور ولو كانت لغير المسلمين :
189


أولاً : قيامه r إذا مرت الجنازة
190


ثانيًا: وضعه r الجريد الأخضر على القبر
190


ثالثًا : أمرهr بعدم إيذاء الميت
191


المطلب الخامس: دعاؤه r للأموات
192


المطلب السادس : بكاؤه r على الأموات وعند القبور:
192


أولاً : في وفاة عثمان بن مظعون
192


ثانيًا: في وفاة سعد بن عبادة
192


ثالثًا : في وفاة طفله إبراهيم
192


رابعًا: بكاءه عند قبر أمه
194


الخاتمة
194


أولاً : ملخص البحث
195


ثانيًا: نتائج البحث
198


ثالثًا : التوصيات
رابعًا : أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة :

110


المصادر والمراجع
212


تعريف بالكاتب
212


المحتويات



الكاتب في سطور
محمد مسعد ياقوت – كاتب وداعية إسلامي مقيم في مصر .
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المشرف العام على موقع نبي الرحمة
www.nabialrahma.com
البريد الإلكتروني : yakoote@gmail.com
المدونة الشخصية : yakut.blogspot.com
جوال0104420539(002)
الأعمال التي قام بها:
- باحث متفرغ لإعداد مشروع علمي في مؤسسة أحمد بهاء الدين الثقافية.
- يكتب في العديد من المجلات العربية والإسلامية كمجلة المجتمع الكويتية، ومجلة المعرفة السعودية، ومجلة الرسالة المصرية، ومجلة آراء حول الخليج الإماراتية، ويكتب في شبكة إسلام أون لاين . نت.
- قدم سلسلة حلقات عن الثقافة العلمية وأزمة البحث العلمي، في القناة السادسة المصرية
- أعد سلسلة حلقات عن أخلاقيات الحرب في الإسلام. في قناة الأمة الفضائية .
- يمارس الخطابة الدينية في مساجد مصر .
- ألقى العديد من المحاضرات الفكرية والثقافية في العديد من المحافل.
المؤلفات :
- الاختلاط وأثره على التحصيل العلمي والابتكار- رؤية شرعية - ، البحث الفائز بجائزة موقع المرأة " لها أون لاين" للثقافة و الإبداع ، عام 2004
- حوار الحضارات : الموجود والمفقود والمنشود، بحث مقدم إلى منظمة الكتاب الأفريقيين والأسيويين ، أغسطس 2005م ـ .
- هروب النخب العلمية ، بين واقع النزيف وسبل العلاج : بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي العاشر للندوة العالمية للشباب الإسلامي، " الشباب وبناء المستقبل" .
- صفات رجل البر، لم يطبع بعد .
-عناية الكتاب والسنة بالمسجد الأقصى المبارك ، لم يطبع بعد .
- حق النصرة للشعب الفلسطيني ماديًا ومعنويًا، لم يطبع بعد .
- التجديد والمجددون في الإسلام، لم يطبع بعد .
- أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، لم يطبع بعد .
- الرقائق والخواطر ، تحت الإعداد
- الحوار في السيرة النبوية ، تحت الإعداد.
- مشاركة الشباب العربي في العمل السياسي – بين الواقع والمأمول ، تحت الإعداد
- قيم حضارية في السيرة النبوية، كتاب إلكتروني.
- قصص قصيرة منشورة في المجلات المواقع [ بار أحرنوت – سجين رأي – المسكن الشعبي – على الطريقة الفيدرالية –السجينة – طوابير النهضة – ملحمة شاعر ]
-صنائع المعروف، ثلاثون بابًا من أبواب الخير، القاهرة ، دار النشر للجامعات، 2007
- أزمة البحث العلمي في مصر والوطن العربي، القاهرة : دار النشر للجامعات، الطبعة الأولى، يناير 2007م






__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الـرحمة, نبـي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع نبـي الـرحمة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا نبـي الله عـذرا ... فبـك العليـاء تفخـر ام زهرة أخبار ومختارات أدبية 0 06-21-2013 07:32 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59