#43  
قديم 01-15-2015, 09:16 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة طاعة الشيخ عند الصوفية

طاعة الشيخ عند الصوفية*
ـــــــــــــ

24 / 3 / 1436 هــ
15 / 1 / 2015 م
ـــــــــــــ



من الصعب على كل من لا يعلم حقيقة الصوفية أن يتصور بعد قراءة هذه الكلمات أننا نتحدث عن فكر يدين أتباعه بالإسلام، ويدعون أنهم منتسبين إليه والى شريعته ومنتمين إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ يجد أن ما يقوله هؤلاء يتعارض بالكلية مع ابسط ما يعلمون عن الإسلام وشرائعه وأحكامه، فكيف لهؤلاء أن يكونوا قادة للمسلمين في أي زمان أو مكان؟؟

والعجيب أن هذا الكهنوت لم يكن في الإسلام يوما، بل ارتبط أكثر ما ارتبط بالنصارى، حيث يوجبون أن يجلس كل منتسب للنصرانية على كرسي الاعتراف أمام كاهنه ليخرج كل مخبوء في نفسه لكي يحصل على الغفران من الكاهن، ولم يعرف الإسلام يوما شخصية وسيطة بين العبد وبين ربه، ولم تعط هذه المكانة للأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام من الأصل حتى يدعي نوالها من هم دونهم.

ومن الطوام التي أتى بها الصوفية في أمر الشيخ ما يلي:

1- وجوب وجود الشيخ في حياة كل صوفي.
------------------------------

مصطلح الشيخ وطريقة التعامل معه احد الركائز الأساسية في الصوفية، فلا يعتبرون الصوفي إذا لم يكن شيخ بل عد بعضهم الرجل الذي ليس له شيخ أنه من الضُلَّال.

ومن أقوالهم في ضرورة ووجوب وجود شيخ في حياة كل منهم ما قاله أبو عبد الرحمن السلمي يقول: "من لم يتأدب بشيخ فهو بطال، ومن لم يلحقه نظر شيخ وشفقته لايجيء منه شيء"[1] ، وقول القشيري: "من لم يكن له أستاذ لم يفلح أبدا"[2] ، بينما يزيد أبو يزيد ويشتط فيقول: "من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان" [3].

وقال الغزالي في الإحياء: "يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد شيخه، فليتمسك به" [4] .

قال الطيبي: "فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخًا له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه! ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخًا يخرجه من كل ورطة، وإن لم يجده في بلده أو إقليمه، وجب السفر إليه" [5] .

قال عبد القادر عيسى: "الطريق العملي الموصل لتزكية النفوس، والتحلي بالكمالات الخلقية، هو صحبة الوارث المحمدي، والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيمانًا، وتقوى وأخلاقًا، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية، وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته" [6].

وهذا المفهوم لا يعرفه الإسلام، فلا واسطة بين العبد وربه، والواسطة الوحيدة التي كانت موجودة كانت في أمين الوحي جبريل عليه السلام الذي كان ينقل الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وانقطع هذا الاتصال بتمام الرسالة وبموت النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج العبد إلى واسطة بينه وبين ربه سبحانه.

2- منزلة الشيخ الواجبة في نفوس أتباعه
-------------------------

كما اشتط الصوفية في قضية وجوب وجود الشيخ في حياة المسلم اشتطوا أيضا في المكانة الوجبة له، فقال ذو النون المصري جملة شديدة إذا اعتقدها المسلم على الوجه الذي قيلت به لربما خرج بالكلية من دين الإسلام، فقال : "طاعة مريد شيخه، فوق طاعته ربه" [7].

الشيخ في نظرهم هو الواسطة بين الله والمريدين، وهو أمين الإلهام كما أن جبريل أمين الوحي، يقول السهروردي: "كلام الشيخ بالحق من الحق، فالشيخ للمريدين أمين الإلهام، كما أن جبريل أمين الوحي" [8].

3- التبرير الصوفي لهذه المكانة للشيخ
---------------------------

ذكر الدكتور "لطف الله خوجة" تبريرهم العجيب لهذه المكانة الشديدة التي يجب أن يبلغها الشيخ في عين مريديه فيقول : "إن في هذا التبجيل الكبير للشيخ سرا قد لا يعرفه الكثير،أشار إليه الجيلي، حين ذكر أن الإنسان الكامل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يظهر في صورة لأولياء، في كل زمان ومكان، وعلى ذلك فإن المريد يتعامل في حقيقة الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الإنسان الكامل، الذي هو، في نظرهم، من نور الله ومحل نظر الله تعالى،ومنه خلق العالم، وهو أول موجود،فلذا كان من الواجب أن يوقره وينزل طاعته منزلة طاعة الله"[9]

ومن أعجب ما يمكن أن يقرأه مسلم من كلمات تحمل فكرة ضالة مضلة لاشك وأنها ليس بينها وبين الإسلام صلة وهي فكرة الإنسان الكامل التي يشرحها الجيلي بقوله: "وسر هذا الأمر تمكنه صلى الله عليه وسلم من التصور بكل صورة، فالأديب إذا رآه في الصور المحمدية التي كان عليها في حياته فإنه يسميه باسمه، وإذا رآه في صورة ما من الصور وعلم أنه محمد، فلا يسميه إلا باسم تلك الصورة،ثم لا يوقع الاسم إلا على الحقيقة المحمدية، ألا تراه صلى الله عليه وسلم لما ظهر في صورة الشبلي رضي الله عنه، قال الشبلي لتلميذه: أشهد أني رسول الله، وكان التلميذ صاحب كشف فعرفه، فقال: أشهد أنك رسول الله… فإذا كشف لك عن الحقيقة المحمدية أنها متجلية في صورة من صورة الآدميين، فيلزمك إيقاع اسم تلك الصورة على الحقيقة المحمدية، ويجب عليك أن تتأدب مع صاحب تلك الصورة تأدبك مع محمد صلى الله عليه وسلم، لما أعطاك الكشف شأن محمد صلى الله عليه وسلم متصورة بتلك الصورة، فلا يجوز لك بعد شهود محمد صلى الله عليه وسلم فيها أن تعاملها بما كنت تعاملها به من قبل، وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم، ليعلي شأنهم ويقيم ميلانهم، فهم خلفاؤه في الظاهر وهو في الباطن حقيقتهم" [10].

4- حق الشيخ على المريد
--------------

فكما اشترطوا في الأقسام السابقة التنظيرية للفكرة اشترطوا أيضا في تنفيذها حيث اشترطوا للشيخ على المريد حقوقا لم يعطها الإسلام للأنبياء ولا لبشر على بشر مهما كان، فقال القشيري: " ومن شرطه – أي المريد الحق في نظرهم - أن لا يكون له بقلبه اعتراض على شيخه، ثم يجب حفظ سره حتى زره إلا عن شيخه، ولو كتم نفسا من أنفاسه عن شيخه فقد خانه في حق صحبته، ولو وقعت له مخالفة فيما أشار عليه شيخه، فيجب أن يقر بذلك بين يديه في الوقت، ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه عقوبة له على جنايته ومخالفته، إما بسفر يكلفه أو أمر يراه" [11]. ويقول السهروردي: "وهكذا أدب المريد مع الشيخ أن يكون مسلوب الاختيار لا يتصرف في نفسه وماله إلا بمراجعة الشيخ وأمره". ومن لم يفعل ذلك فإنه عند الصوفية لم يراع حرمة الشيخ التي تحدث عنها القشيري.

ويقول عبد الوهاب الشعراني "أدب المريد مع شيخه، يلازمه، ويصبر عليه، ويحبه، ويسلم له حاله، ولا يعترض عليه، ولا يتزوج إلا بإذنه، ولا يكتمه شيئا، ويريه فقره إليه، ولا يقول له: لا. يرضى بكل اختياره، ويتعاهد عياله، ولا يمد رجله تجاه شيخه" [12]، وبالتالي فتسحق إرادة المريد بين يدي شيخه تماما حتى يكون كالميت بين يدي مغسله، فلزموه بارتداء لبس معين، وبمشية معينة، وبشيخ معين، وبطريقة معينة لا يمكنه تخطيها ولو بقلبه.

فهل هذا من الإسلام؟ فقد قال العلامة ابن باديس رحمه الله : "الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف، ومبناها كلها على الغلو في الشيخ والتحيز لأتباع الشيخ وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ، إلى ما هناك من استغلال وإذلال وإعانة لأهل الإذلال والاستغلال، وتجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور وغير ذلك من الشرور".

الشيخ والعهد
--------

دخول المريد مع شيخ من شيوخهم يلزمه إقرار من الطرفين وتعاقد يسمى بالبيعة أو اخذ العهد، وللمريد الذي يعطي العهد لشيخه له شعار وهو لبس الخرقة وإعطاء العهد أو "الميثاق" من المريد للشيخ على طاعة الله فلا تكفي للمسلم شهادة التوحيد بل يوجبون معاهدة الشيخ على الطاعة.

شروط الشيخ:
-----------

والصوفية يشترطون شروطًا في الشيخ من أهمها ما يلي:

أ- أن يكون عالمًا بالفرائض العينية: كالعقائد والعبادات والمعاملات، ونحوها.

ب- أن يكون عارفًا بالله، - والعارف بالله مصطلح صوفي غامض بيّنه المناوي بتعريف أشد غموضا من المصطلح ذاته: (العارف من أشهده الرب نفسه! فظهرت عليه الأحوال) [13].

وعلى عادة الصوفية في الغموض واستعمال الأساليب الرمزية الإشارية في بيان الحقائق الصوفية، يقول محمد فاضل أبو ماضي: (والعارف هو المقبل بفكره وقواه النفسية على قدس الجبروت، مستديمًا لشروق نور الحق لسره بعد تركه للملك، وإشراقه على الملكوت ومواجهة نفسه للعزة) [14].

ج- أن يكون خبيرًا بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها: فلابد أن يكون قد زكَّى نفسه على يد مرب ومرشد، فخبر مراتب النفس وأمراضها ووساوسها، وعرف أساليب الشيطان ومداخله، وآفات كل مرحلة من مراحل السير، وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه [15].

د- أن يكون مأذونًا بالإرشاد من شيخه: فلابد أن يكون المرشد قد أُجيز من قِبَل شيخه بهذه التربية وهذا السير، فمن لم يشهد الاختصاصيون بعلم يدعيه لا يحق أن يتصدر فيه" [16].

الأدب مع الشيخ:

من الموضوعات الهامة التي افرد لها الصوفية الكثير من كتاباتهم موضوع الأدب مع الشيخ، لنكتشف أنهم يفرضون على المريد أن يعامل شيخه بتعامل يفوق التعامل البشري وليتجاوز كل عرف وكل منهج إسلامي قويم، فيقول ابن عربي في الفتوحات المكية في (باب في معرفة مقام احترام الشيوخ): (إن حرمة الحق في حرمة الشيخ، وعقوقه في عقوقه! هم حجّاب الحق، الحافظون أحوال القلوب على المريدين، فمن صحب شيخًا ممن يُقتدى به ولم يحترمه، فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه! والغفلة عن الله، وسوء الأدب عليه يدخل في كلامه ويزاحمه في رتبته، فإن وجود الحق إنما يكون للأدباء، والباب دون غير الأدباء مغلق، ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيوخ).

ومن الخطورة الشديدة على دين المسلم إذا كان منتميا للصوفية أن يرى أن عليه أن يعطي هذه الحقوق لبشري مثله حتى لو كان شيخه الذي يعلمه، فهذه مرتبة لا يجب أن ينالها بشري من العيد أبدا، فيوجبون للشيخ على المريد آدابا مرعية يجب عليه مراعاتها وقسموها إلى آداب ظاهرة وباطنه.

أولًا: الآداب الباطنة:

ذكر بعضها ابن عجيبة في شرحه للحكم العطائية:

1- اعتقاد كماله، وأنه أهل للشيخوخة والتربية؛ لجمعه بين شريعة وحقيقة، وبين جذب وسلوك.

2- تعظيمه وحفظ حرمته غائبًا وحاضرًا، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وعلى قدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له، ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.

3- انعزاله عن عقله ورياسته وعلمه وعمله إلا ما يرد عليه من قِبَل شيخه، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة، فلابد أن يغتسل من علمه وعمله قبل أن يصل إلى شيخه، لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي.

4- عدم الانتقال عنه إلى غيره، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح، وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها [17].

5- عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه؛ لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه، فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به، ويحجب عنه خيرًا كثيرًا، ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه، قال العلامة ابن حجر الهيثمي: (ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ، والنظر في أحوالهم وأفعالهم، والبحث عنها، فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته، وإنه لا ينتج قط، ومن ثم قالوا: من قال لشيخه: لِمَ؟ لم يفلح أبدًا، وقال محمد بن حامد الترمذي: من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم، فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة، وقال أبو العباس المرسي: تتبعنا أحوال القوم، فما رأينا أحدًا أَنكر عليهم ومات بخير) [18].

6- أن يبالغ في حب شيخه: قال الشعراني: (عمدة الأدب مع الشيخ هو المحبة له، فمن لم يبالغ في محبة شيخه؛ بحيث يؤثره على جميع شهواته لا يفلح في الطريق؛ لأن محبة الشيخ إنما هي مرتبة إدمان يترقى المريد منها إلى مرتبة الحق عز وجل، ومن لم يحب الواسطة بينه وبين ربه التي من جملتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النار.

وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل حتى لو قام أهل مصر كلهم في صعيد واحد، لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه، ولو غاب عنه الطعام والشراب أيامًا لاستغنى عنه بالنظر إلى شيخه في باله! وسمعت سيدي عليا المرصفي يقول: المريد يترقى في محبة شيخه إلى حد يتلذذ بكلام شيخه له كما يتلذذ بالجماع! فمن لم يعمل إلى هذه الحالة فما أعطى الشيخ حقه من المحبة!) [19] .

7- ألا يشرك مع شيخه أحدًا في المحبة، قال الشعراني: (ومن شأنه ألا يشرك مع شيخه أحدًا في المحبة، وكان سيدي علي بن وفا يقول كثيرًا: إياكم أن تشركوا في المحبة مع شيخكم أحدًا من المشايخ، فإن الرجال أمثال الجبال وهم على الأخلاق الإلهية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: (تخلقوا بأخلاق الله)، فكما أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها! وكما أن الجبال لا يزحزحها عن مكانها إلا الشرك بالله تعالى ما دام العالم باقيًا، فكذلك الولي لا يزيل همته عن حفظ مريده! من الآفات إلا شرك موضع خالص المحبة من قلبه!) [20].

8- عدم الاعتراض على الشيخ، فقد قال أبو علي الدقاق: (من دخل في صحبة شيخ ثم اعترض عليه بعد ذلك، فقد نقض عقد الصحبة، ووجب عليه تجديد العهد، على أن الأشياخ قد قالوا: إن عقوق الأستاذ قد يترتب عليه استحكام المقت، فلا يكاد يصح من ذلك العاق توبة! وكان أبو جعفر الخلدي يقول: من لم يحفظ الأدب مع المشايخ سلَّط الله عليه الكلاب التي تؤذيه).

9- الحرص على عدم تغيير قلب الشيخ، قال أحمد الأبيوردي: (إياكم والعمل على تغيير قلب شيخكم عليكم، فإن من غيَّر قلب شيخه عليه لحقته العقوبة، ولو بعد موت الشيخ! وزار أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي، فلما قدم خادمه السفرة قالا له: كُلْ معنا يا فتى، فقال: لا، إني صائم، فقال له أبو تراب: كُلْ، ولك أجر صوم شهر! فقال: لا، فقال له شقيق: كُلْ ولك أجر صوم سنة! فقال: لا، فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرَق ذلك الشاب بعد سنة فقُطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ! وسمعت شيخنا برهان الدين بن أبي شريف يقول: من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه هو لم ينتفع به!).

10- التقرب إليه بخدمته، قال علي بن وفا: (من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم، وكان يقول: من آثر أستاذه على نفسه كشف الله له عن حضرة قدسه، ومن نزَّه حضرة أستاذه عن النقائض منحه الله بالخصائص، ومن احتجب عنه طرفة عين فلا يلومن إلا نفسه إذا أوبق بوائق البين، ولا يصل المريد إلى هذا المقام إلا إن جعل مراد شيخه مراده!).

11- ألا يدخل عقله في كلام الشيخ، قال الشعراني: ومن شأنه [أي المريد] أن لا يقيم ميزان عقله على كلام شيخه، حتى لو قال له: لا تحضر مجلس فلان العالم أو الواعظ، فلا ينبغي له حضوره! وذلك لأن شيخه أمين عليه في كل شيء يرقيه أو يوقفه أو يؤخره، وغير شيخه لم يلتزم ذلك معه فربما علمه ما يضره! ويورثه الإعجاب بنفسه مثلًا فيهلكه!.

وللشيخ أن يخرج المريد من ورد إلى ورد آخر، فإذا نهاه عن ورد بادر إلى امتثال أمره وليس له الاعتراض عليه بباطنه، ويقول: إن الورد خير، فكيف ينهاني عن فعله؟ فربما رأى الشيخ في ذلك الورد ضررًا على المريد! بدخول علة قادحة في الإخلاص مثلًا "[21] .

ويمنعون المريد من لزوم شيخ آخر أو الاستفادة منه، فقد سأل الشعراني شيخه الخواص: (هل أصحب أحدًا من مشايخ العصر لآخذ عنه الأدب؟ فقال: لا تفعل ذلك في حياتي أبدًا) [22] ، وفيما يلزم مريد الرفاعي أن يتحلى به: (أن لا يلتجئ إلى غير شيخه، حتى ولو كان ذلك الشيخ من الصالحين)[23] .

ثانيًا الآداب الظاهرة:

من أهم وأوجب آداب المريد مع شيخه الصوفي الطاعة الكاملة ويقدمانها على طاعة العبد لأبيه وأمه ،فقال الشيخ داود الكبير: (خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك؛ لأن أباك كدرك وأستاذك صفَّاك، وأستاذك علَّاك، وأباك مزجك بالماء والطين، وأستاذك رقاك إلى أعلى عليين) [24] .

وبعد هذه الطاعة يلزمون المريد بهذه الآداب الظاهرة وهي:

1- السكينة والوقار في الجلوس بين يديه: فلا يضحك، ولا يرفع صوته عليه، ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة حتى يستدعيه للكلام، أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض الصوت ورفق ولين، ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريبًا معه، وكل ذلك كما يقول عبد القادر عيسى: (لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له، ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم! وثمرات ألحاظهم وبركاتهم!) [25] .

2- المبادرة إلى خدمة الشيخ بقدر الإمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، قال ابن عجيبة: (فخدمة الرجال سبب الوصال لمولى الموالي) [26] .

ونقل الشعراني عن الشيخ علي وفا أنه قال: (من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!) [27].

وقد تصل الخدمة بالمريد إلى أن ينظف مرحاض الشيخ! فعليه أن لا يعترض على ذلك؛ لأن الخدمة سبب للترقي والوصول، قال الشعراني: "فيجب عليه أن لا يعترض على شيخه بقلبه إذا استعمله في نزح السراب مثلًا، أو قال له: اعمل سراباتي - والسراب هو المرحاض - وقد كان الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر بسبب نزحه سراب بيت الشيخ عبد الله المنوفي، فسمع الشيخ يطلب القنواتية، فأتى بالفأس والزنبيل من الليل وصار ينزح إلى الظهر، فما رجع الشيخ عبد الله من الدرس حتى نزح السراب كله، فدعا له الشيخ فصار علماء المالكية كلهم يرجعون إلى قوله وترجيحه إلى وقتنا هذا" [28] .

ولنا أبلغ الدروس من هذه القصة لنعلم مكانة المريد في نظر الشيخ وفعل الشيوخ بمريديهم ويظنون أنهم يحسنون صنعا، فحكى الشعراني وقال: بلغنا أن سيدي إبراهيم المواهبي لما جاء إلى سيدي الشيخ أبي المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس في الاصطبل يخدم البغلة ويقضي حوائج البيت! وقال له: احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين! حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده - انظر إلى الزهد في الدنيا والرغبة في الخمول وعدم الصدارة والرئاسة كما يزعم الصوفية عن التصوف! - فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة، وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظمًا ونثرًا حتى انبهرت عقول الحاضرين، فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد! " [29].

فهل يمكن بعد هذا أن يقول احد أن هذه علاقة بين عبد وعبد مثله أم أنها تصل إلى مرحلة من التقديس ما يمكن أن يقال أنها علاقة عبد بربه ومعبوده؟

إن الأمر يحتاج من كل من ينتسبون للصوفية أن يراجعوا دينهم في علاقتهم مع من يقومون بتوجيههم فلا ينزلونهم منزلة تفوق منزلة البشر تحت أي مسمى من المسميات وان يعودوا للمنهج الإسلامي الصحيح، فلم يفعل ذلك احد من سلف هذه الأمة من جيل الصحابة والأجيال التي تلته[30] .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

[1] جوامع آداب الصوفية (تسعة كتب في أصول التصوف والزهد) ، محمد بن الحسين السلمي ، تحقيق: سليمان إبراهيم آتش، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان - ص160

[2] الرسالة للقشيري 2/735.

[3] تذكرة الأولياء، (1/171).

[4] إحياء علوم الدين، الغزالي، (3/56).

[5] حقائق عن التصوف، ص(95). للشيخ عبد القادر عيسى ، كتبه في الدفاع عن التصوف ودفع الشبهات عنه

[6] المصدر السابق، ص(54).

[7] تذكرة الأولياء 1/171، نقلا عن كتاب: في التصوف الإسلامي ص78.

[8] عوارف المعارف للسهروردي 5/265، ملحق بإحياء علوم الدين للغزالي.

[9] مقال : لماذا يفرض الصوفية طاعة الشيخ؟!! / للشيخ لطف الله خوجه

[10] الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل تأليف : عبد الكريم الجيلي تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد عويضة 2/74- 75

[11] الرسالة للقشيري 2/ 36-37

[12] كتابه"الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية"

[13] التوقيت على مهمات التعريف، ص(496).

[14] مذكرة المرشدين والمسترشدين، ص(35).

[15] حقائق عن التصوف، ص(79).

[16] المصدر نفسه

[17] إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ابن عجيبة، ص(771).

[18] حقائق عن التصوف، ص(59).

[19] الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، الشعراني، ص(114-155).

[20] المصدر نفسه

[21] هذا والإحالات السابقة كلها من الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، الشعراني

[22] درر الغواص، ص(53).

[23] قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر، ص(278).

[24] الطبقات الكبرى، الشعراني، (1/169).

[25] حقائق عن التصوف، ص(99).

[26] شرح الحكم، ص(175).

[27] الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، ص(150).

[28] المصدر نفسه

[29] المصدر نفسه

[30] من مراجع التقرير بحث للأستاذ عبد العزيز مصطفى الشامي نشر على موقع الصوفية
ــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 01-22-2015, 09:26 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة موقف الشيعة من القرآن الكريم

موقف الشيعة من القرآن الكريم*
ــــــــــــــــ

2 / 4 / 1436 هــ
22 / 1 / 2015 م
ــــــــــ




القرآن هو كتاب الله عز وجل:
----------------------

القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس، ونصوص القرآن قطعية، ولقد نقل القرآن إلينا بطريق التواتر كتابة ومشافهة، والتواتر يفيد الجزم والقطع بصحة المنقول، ومن ثم كانت نصوص القرآن قطعية الورود.

فمن المقطوع به أنها وردت إلينا عن الرسول كما أنزلت عليه من ربه؛ لأنها نقلت إلينا عن الرسول بطريق التواتر كتابة ومشافهةً، والنقل بطريق التواتر يفيد القطع واليقين، فقد كتب القرآن عن الرسول جماعة من كتاب الوحي، وحفظه جمع من الصحابة لا يمكن أن يتواطئوا على الكذب، ونقله عن هذه الجموع جموع أخرى، فلم يختلفوا في حرف أو لفظ على تعدد البلاد وتباعد الأقطار واختلاف الأجناس(1).

ولم يختلف في عصر من العصور عما في غيره، بل هو كتاب واحد، بلفظ واحد، يجتمع أهل الأرض جميعا على قراءه، دون اختلاف بينهم: لا في سورة، أو آية، أو كلمة، أو حركة.

حكم منكر القرآن:

فمن أنكر- ولو- آية من القرآن الكريم بعد علمه بثبوتها في المصحف، أو إخبار الثقات له بكونها من القرآن الكريم، فإنه يعتبر كافراً، لأن الله تعالى أمرنا بالإيمان بالكتاب كله، فمن أنكر شيئاً منه فهو غير مؤمن به، وقد نقل الإجماع على كفر من أنكر آية من القرآن جماعة من أهل العلم منهم: عياض وابن قدامة(2).

الشيعة بين تحريف اللفظ وتحريف المعنى:
---------------------------------

الناظر إلى موقف الشيعة من القرآن الكريم، يجده موقفا غاية في التخبط، وهذا التخبط عادة متأصلة فيهم، وفيما يخص الموقف من كتاب الله ذهب فريق منهم- وهو الأقل سوءا وعددا- إلى إثبات النص القرآني، وإنكار تحريفه، مع تحريف معانيه ودلالاته، أما الفريق الآخر، وهو الغالب عندهم، فذهب إلى القول بتحريف القرآن الكريم، وادعى أن لدى الشيعة قرآنا آخر غير القرآن الذي بين أيدي المسلمين(3).

يقول الشيخ محمد مال الله في هذه المسألة: "ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني صاحب الكافي والروضة والقمي صاحب التفسير والشيخ المفيد والطبرسي صاحب الاحتجاج والكاشاني ونعمة الله الجزائري والأردبيلي والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة الاثنى عشرية إلى القول بتحريف القرآن وأنه اسقط من القرآن كلمات بل آيات حتى أن أحد علمائهم المتأخرين وهو النوري صنف كتابا سماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف رب الأرباب)"(4).

من شبهات الشيعة حول القرآن والرد عليها(5):
-----------------------

الشبهة الأولى: زعموا أن التواتر لم يتوفر للقرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل حديث قتادة عن البخاري، قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه، من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أربعة، كلهم من الأنصار(6).

الرد: أن ما روي في هذا المر من أحاديث غير مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أن المراد أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف التي نزل بها إلا أولئك، لأن الذين حفظوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر من ذلك بكثير، ودليل ذلك حديث بئر معونة، حيث قتل سبعون من القراء. كما أن دواعي الحفظ لدى الصحابة، وتمام الاستعداد عندهم يحيل القول بقلة الحفظ منهم.

الشبهة الثانية: زعم الرافضة أن بعض القرآن لم يتفق له التواتر، ومثلوا لذلك بقول زيد بن ثابت: "حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصارى، لم أجدها مع أحد غيره: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ...)(7) حتى خاتمة براءة(8).

ومثله أيضا بقوله: فقد آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فالتمسناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(9) فألحقناها في سورتها في المصحف.(10).

الرد: أولا: على آية سورة براءة: ويرد على ذلك بأن زيد بن ثابت كان يعرف هذه الآية قبل هذه الحادثة، بدليل رواية أخرى يقول فيها: "فقدت آية كنت أسمع رسول الله يقرأها: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...)، الآية فالتمسناها، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت؛ فأثبتناها في سورتها(11).

وهذه الآية قد شهد كل من عمر وعثمان وأبي بن كعب أنهم سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قول زيد: "لم أجدها مع أحد غيره"، فقد قال الحافظ في الفتح: "أي مكتوبة، تقدم أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.."(12).

ثانيا: الرد على آية سورة الأحزاب: كلام زيد :"فقد آية كنت أسمعها" يدل على معرفته إياها، ثم إن هذه الآية شهد بسماعها من الرسول صلى الله عليه وسلم خزيمة الأنصاري، وشهادته تعدل شهادة رجلين بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.، ثم إن هذه الحادثة وقعت في عهد عثمان، أثناء نسخ المصحف، ولا يتصور أن تكون هذه الآية مفقودة منذ عهد نزول القرآن، مرورا بالجمع الأول على عهد أبي بكر، ولا تعرف إلا في عهد عثمان، مع حفظ الله لكتابه ودينه.

الشبهة الثالثة: زعم الشيعة أن القرآن تعرض لتحريف شديد من قبل الصحابة أثناء عملية الجمع، وأن عثمان رضي الله عنه قد أسقط منه خمسمائة حرف، حتى قام أحد مشاهير الشيعة، وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي بتأليف كتاب في ذلك، سماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".

الرد: يرد على ذلك بالقول بأن هذا الزعم مخالف لإجماع المسلمين، ثم إن علي بن أبي طالب داخل في هذا الإجماع، كما أنه زعم مخالف لحفظ الله (تعالى) للقرآن.

من تحريفات الشيعة لكتاب الله عز وجل:
-----------------------

من أمثلة ذلك ما ذكره الكليني في كتابه الكافين حيث جاء بمئات الآيات التي زعم أن الله أنزلها هكذا، ومن ذلك:

1- عن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (ومن يطع الله ورسوله في ولاية عليّ وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً) هكذا أنزلت(13).

2- عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله في قوله: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم فنسي)، هكذا والله أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم(14).

فلعنة الله على الكاذبين المروجين لهذه الأباطيل.

ــــــــــــ

الهوامش:

(1) التشريع الجنائي في الإسلام، عبد القادر عودة (1/178).

(2) الشبكة الإسلامية، حكم من أنكر آية من القرآن الكريم.

(3) سطو الشيعة على مصادر التلقي وأصول الاستدلال- رمضان الغنام- مركز التأصيل.

(4) الشيعة وتحريف القرآن- للشيخ محمد مال الله: (ص:63)- دار الوعي الإسلامي- بيروت.

(5) ملخصا عن كتاب منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان حسن (1/65)، وما بعدها.

(7) رواه البخاري: (3599).

(8) سورة التوبة: (128).

(9) رواه البخاري: (4701).

(10) سورة الأحزاب: (23).

(11) رواه البخاري: (3823).

(12) رواه البخاري: (4702).

(13) فتح الباري (9/15).

(14) الكافي: (2/372).

(15) الكافي: (2/379).

-------------------------
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 03-02-2015, 08:33 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة هل البوذية دين أم فلسفة ؟

هل البوذية دين أم فلسفة ؟*
ــــــــــــــ

11 / 5 / 1436 هــ
2 / 3 / 2015 م
ــــــــــــــ





كثيرة هي التعاليم والأفكار التي تحولت بعد موت أصحابها إلى غير حقيقتها، بسبب ما أصابها من تحريف وزيادة وأساطير على يد فئة من أتباع تلك التعاليم والأفكار، ولعل النموذج الصارخ لما نتحدث عنه "البوذية"، التي بدأها "بوذا" كفكرة ورياضة للتخفيف عن آلام الناس وأحزانهم، فإذا بها تتحول على يد أتباعه من بعده إلى ديانة لها طقوس وأساطير.

ومن هنا تأتي أهمية السؤال الذي هو عنوان هذا التقرير: هل البوذية دين أم فلسفة، أم هي في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، بل هي رياضة عملية روحية لا أكثر ولا أقل ؟! سؤال اختلفت الإجابة عليه حسب الزمان والأشخاص، وهو ما سأحاول بيانه في هذا التقرير بإذن الله تعالى.

بداية لا بد من القول بأن الإجابة على هذا السؤال يتطلب التفريق بين معنى "الدين" ومعنى "الفلسفة".

تعريف الدين ومفهومه
--------------

الدين في اللغة: مشتق من الفعل (دان)، وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء، ويختلف المعنى باختلاف ما يتعدى به، فإذا تعدى بنفسه يكون (دانه) بمعنى ملكه، وساسه، وقهره وحاسبه، وجازاه، وإذا تعدى باللام يكون (دان له) بمعنى خضع له، وأطاعه، وإذا تعدى بالباء يكون (دان به) بمعنى اتخذه ديناً ومذهباً واعتاده، وتخلق به، واعتقده. (1)

وهذه المعاني اللغوية للدين موجودة في (الدين) في المعنى الاصطلاحي لأن الدين يقهر أتباعه ويسوسهم وفق تعاليمه وشرائعه، كما يتضمن خضوع العابد للمعبود وذلته له، والعابد يفعل ذلك بدوافع نفسية، ويلتزم به بدون إكراه أو إجبار.

الدين في الاصطلاح: اختلف في تعريف الدين اصطلاحاً اختلافاً واسعاً حيث عرفه كل إنسان حسب مشربه، وما يرى أنه من أهم مميزات الدين، فمنهم من عرفه بأنه "الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي" وهذا تعريف أكثر المسلمين.

ويلاحظ على هذا التعريف قَصر الدين على الدين السماوي فقط، مع أن الصحيح أن كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له يصح أن يسمى دينا، سواء كان صحيحا، أو باطلا، بدليل قوله عز وجل: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران/ 85، وقوله عزّ وجلّ: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } الكافرون/6، فسمَّى الله ما عليه مشركو العرب من الوثنية ديناً.

أما غير المسلمين فبعضهم يخصصه بالناحية الأخلاقية كقول الفيلسوف "كانت" " بأن الدين هو المشتمل على الاعتراف بواجباتنا كأوامر إلهية"، وبعضهم حاول عرف الدين بفصله عن لزوم وجود الإله، كما زعم"دوركهايم" الذي عرف الدين بأنه: "نسق موحَّد من المعتقدات والممارسات التي تتصل بشيء مقدَّس، يتسم بسمات تجعله مهماً في حد ذاته ومكتفياً بذاته، فالدين نسق يدور حول مطلق ما، بغض النظر عن طبيعة هذا المطلق"....إلى غير ذلك من التعريفات التي نظرت إلى الدين من زاوية، وتركت أوجها وزوايا عدة. (2)

وأرجح التعريفات أن يقال: الدين هو اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلًّا وحبًّا، رغبة ورهبة. (3)

وبينما اعتبر البعض أن الدين والملة بمعنى واحد، جعل الجرجاني الدين والملة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فإن الشريعة من حيث إنها تطاع تسمى دينا ومن حيث أنها تجمع تسمى ملة ومن حيث أنها يرجع إليها تسمى مذهبا وقيل الفرق بين الدين والملة والمذهب أن الدين منسوب إلى الله تعالى والملة منسوبة إلى الرسول والمذهب منسوب إلى المجتهد.(4)

وبما أن الله تعالى قد ختم الأديان بالإسلام، فإنه بذلك يعتبر هو الدين الحق عند الإطلاق لجميع البشر، قال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } آل عمران/19، وقال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران / 85

تعريف ومفهوم الفلسفة
----------------

كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني "فيلوسوفيا "بمعنى محبة الحكمة أو طلب المعرفة أو البحث عن الحقيقة، وعلى الرغم من هذا المعنى الأصلي، فإنه يبقى من الصعب جدا تحديد مدلول الفلسفة بدقة، لكنها بشكل عام تشير إلى نشاط إنساني قديم جدا يتعلق بممارسة نظرية أو عملية عرفت بشكل أو آخر في مختلف المجتمعات والثقافات البشرية منذ أقدم العصور.

ولعل من أهم مظاهر الفلسفة ميلها للتساؤل والتدقيق في كل شيء، والبحث عن ماهيته ومظاهره وقانينه، ومن هنا فإن مادة الفلسفة الأساسية متشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وربما في جميع جوانب الحياة، حتى إن البعض وصف الفلسفة بأنه: "التفكير في التفكير"، أو أنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود والكون.

ولعل أول ما يعنينا من الفوارق الكثيرة بين الدين والفلسفة: أن الدين يشمل الاعتقاد بوجود إله – سواء كان حقا وهو الله سبحانه وتعالى، أم باطلا وهي المعبودات الأخرى الوثنية منها أو البشرية – بينما لا تشتمل الفلسفة على هذا المعنى على الإطلاق، فهي مجرد عملية تفكير بشرية في ماهية الأمور والأشياء لا أكثر ولا أقل.

هل البوذية دين أم فلسفة ؟
----------------

يمكننا بعد تعريف كل من الدين والفلسفة أن نجيب على هذا التساؤل بالقول: هناك عدة آراء في هذا الإطار هي:

الرأي الأول: البوذية فلسفة وليست دين
----------------------

ويستند هذا الرأي على أنه: ما دام المقصود بالدين الإيمان بقوة علوية محيطة بنا، ومتصرفة في أقدارنا، وقبول طائفة من المعتقدات على أنها حقائق كشفت لنا، فإن بوذا بمقتضى هذا لم يكن صاحب دين، فقد رأيناه لا يتكلم عن الإله، بل ربما سخر ممن تكلموا عنه.

والحقيقة أن بوذا لم يكن نبيا كذلك ولم يتلق وحيا أو شيئا من هذا القبيل، وبالتالي فهو ليس بصاحب دين، وإنما هو باحث وفيلسوف إذا صح التعبير، فكر الرجل فيما حوله من الأشياء والأحياء، ورأى ما ينزل بهم من متاعب، وقد وصل به تفكيره إلى نتائج بعضها من أقوال من سبقوه.

ويمكن الاستشهاد ببعض أقوال الباحثين الهنود لدعم هذا الرأي، ومن بينهم "أبو المكارم آزاد" الذي كان وزيرا للمعارف بالهند حيث يقول: "يبدو لي أن وضع بوذا في صفوف الفلاسفة أسهل من وضعه في صفوف الأنبياء، وذلك لأنه لم يتعرض في مباحثه لوجود الله تعالى، بل حاول حل مسألة الحياة، وانتهى منها دون أن يتعرض لمسألة وجود الإله،....إنه قد قطع كل علاقة له مع الحياة الدينية في الهند التي كانت تدين بآلهة لا تعد ولا تحصى، إنه بدأ بحثه وفرغ منه دون أن أن يلجأ إلى الاعتقاد بالله تعالى، وإن الأساس الذي بنى عليه بحثه أساس فلسفي فقال:

"إن هدف الجهد الإنساني يجب أن يكون الوصول إلى حل مسألة الحياة، وذلك مستطاع دون الاستعانة بوجود ما فوق العقل – على حد وصفه – " (5)

والحقيقة أن الكثير من الباحثين يعتبر أن البوذية في عهد بوذا لم تكن دينا على الإطلاق، نظرا للنصوص الكثيرة التي تؤكد عدم اهتمام بوذا بقضية الألوهية، وهي القضية الجوهرية في الحقيقة في أي دين حقا كان أو باطلا، وأن البوذية لم تسمى دينا أو تتحول إلى دين إلا بعد وفاة "بوذا"، وقيام أتباعه بتقديس بوذا ورفعه إلى درجة الألوهية – عياذا بالله -.

الرأي الثاني: البوذية تعتبر دينا
----------------------

وهو رأي يعتمد على ما قام به أتباع بوذا من بعده، حيث أسرع أتباعه بعد وفاته إلى تحويل تعاليمه إلى مذهب ديني، ولما وجدوا أن ترك المكان الذي تحتله قضية "الألوهية" في الأديان فارغا، عمدوا إلى بوذا نفسه، فحملوه ووضعوه فرق عرش الإله الفارغ في تعاليم "البوذية".

نعم...لقد رفع البوذيون "بوذا" بعد وفاته إلى درجة الآلهة، وفسروا عدم تناوله لقضية الألوهية أو التحدث فيها، لكونه هو الإله حسب زعمهم، وعلى هذا الأساس من التبجيل والتعظيم الذي وصل إلى حد التأليه، قبل أتباع "بوذا" كلماته على أنها حقائق لا يتطرق إليها الشك، وهم بهذا حولوا الفلسفة التي جاء بها "بوذا " إلى مستوى الدين.

لقد نسج أتباع "بوذا" حول شخصيته الأساطير بعد موته، حيث زعموا أنه قد تشرف بالنزول إلى الأرض، وأنه تجسد فيه "فشنو" لهداية البشرية وإنقاذها من آلامها وأحزانها، وأنه موجود دائما في هذا الكون، إما على هذه الأرض أو في السماء، ثم أسبغوا عليه صفات الإله الموجود الأزلي الدائم الأبدي، لتصبح البوذية دينا بعد أن كانت مجرد تعاليم وفلسفة حياة.

ويرى بعض المفكرين الغربيين في البوذية دينا، لأنها ترسم الطريق للتخلص من الذنوب، ولأن بها جانبا روحيا كما يزعمون، ولأن معتنقيها يمتازون بحماسة قوية لا تتوفر إلا مع الأديان.(6)

الرأي الثالث: البوذية ليست دينا ولا فلسفة
-------------------------

وينطلق هذا الرأي من اعتبار أن "بوذا" ركز جميع جهوده كلها لحل مشكلات الناس وآلامهم الحياتية، وهو بذلك يسير على خط الإصلاح الاجتماعي من وجهة النظر العصرية، وبالتالي فهو مصلح اجتماعي سخر حباته كلها لتخفيف آلام الناس وحل مشكلاتهم ومعاناتهم.

بينما يرى البعض الآخر أن البوذية ليست دينا ولا فلسفة، بل هي في الحقيقة رياضة وعمل، فقد اعتمد "بوذا" منذ أول وعظه على العمل لتحقيق مبادئه، ولعل مبادئه المختزلة في ثمان نقاط تشير إلى ذلك.(7)

ويمكن الاستشهاد على هذا الرأي بقول العلامة الهندي "رادها كرشنن": "إن بوذا لم يكن نبيا لأنه لم يقرر عقائد، ولم يكن فيلسوفا لأنه لم يؤسس مذاهب فلسفية، وإنما أسس دعوته بناء على تجربته الروحية التي لا يمكن بيانها بالألفاظ، فدعوته حكاية عن هذه التجربة، وعن الطريق المؤدي إليها، وبوذا يقول: "إن الحق لا يعرف بالنظريات، بل يعرف بالسير المتواصل في طريقه".

ويقول أيضا: "إن عملي ملكي، وعملي ميراثي، وعملي هو الرحم الذي يحملني، وعملي هو الجنس الذي أنتمي إليه، وعملي هو الملجئ الذي ألتجئ إليه".

ومن هنا فإن أساس النظام الذي وضعه بوذا العمل لا العقيدة، فقد كان يحاول خلق عادة لا إقرار عقيدة، وعلى هذا الأساس فليس في تعاليمه إلا القليل الذي يصح أن يوصف بالعقيدة، كما أنه لم يأمر بعبادات، بل كان كل إلحاحه على التدريب الأخلاقي".(8)

بعد هذا التطواف بآراء المفكرين والباحثين حول:هل البوذية دينا أم فلسفة أم رياضة وعمل وإصلاحا اجتماعيا ؟؟ يمكن القول: إن البوذية ليست بالتأكيد دينا، وإنما هي في الحقيقة فلسفة حياة إن صح التعبير، تعتمد بشكل كبير على بعض التدريبات التي تسمى "أخلاقية"، ومن هنا اعتبرها البعض "رياضة روحية أخلاقية".

ولعل هذا ما جعل موسوعة الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة تعرف البوذية بانها: فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد...تتجه إلى العناية بالإنسان، كما أنّ فيها دعوة إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير...وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة، ذات طابع وثني، حيث غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألَّهوه.(9)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

(1) لسان العرب لابن منظور 13/164 مادة دين

(2) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية عبد الوهاب المسيري 8/233

(3) الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة د.ناصر العقل و د.ناصر القفاري ص10

(4) التعريفات للجرجاني 1/141

(5) أديان الهند الكبرى د.أحمد شلبي ص166

(6) أديان الهند الكبرى ص166

(7) الهند القديمة د.محمد اسماعيل الندوي ص147

(8) أبحاث لمجموعة من المفكرين الهنود عن "بوذا" نشرت في عدة أعداد من "ثقافة الهند"

(9) الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 2/27
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 03-10-2015, 08:26 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة الحلولُ الصوفيُّ: اتحادٌ، ووحدةُ وجودٍ

الحلولُ الصوفيُّ: اتحادٌ، ووحدةُ وجودٍ
ـــــــــــــــــــ

(رمضان الغنام)
ــــــــــ


19 / 5 / 1436 هــ
10 / 3 / 2015 م
ـــــــــــ



الحلول هو الزعم بأن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده، أو بعبارة أخرى أن اللاهوت يحل في الناسوت(1).

و(الحلولية فرقة من المتصوفة المبطلة، زعموا أن الحق اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية، وأزال عنها معاني البشرية، فمنهم من قال بالأنوار، ومنهم من قال بالنظر إلى الشواهد المستحسنات نظرًا بجهل، ومنهم من قال: حال في المستحسنات، وغير المستحسنات، ومنهم من قال: حال في المستحسنات فقط، ومنهم من قال: على الدوام، ومنهم من قال: وقتا دون وقت، والأجسام التي اصطفاها الله تعالى أجسام أوليائه وأصفيائه، اصطفاها بطاعته وخدمته، وزيَّنها بهدايته، وبيَّن فضلها على خلقه... ومن معتنقي هذه أتباع "أبي حلمان الدمشقي" المعروفون باسم الحلمانية، والفرقة الفارسية أتباع "أبي فارس الدينوري)(2).

أما الاتحاد فيقصد به امتزاج شيئين أو أكثر في متصل الأجزاء، ومنه اتحاد النفس بالبدن(3)، أو تصيير ذاتين واحدة(4)، والاتحاد الصوفي، أعلى مقامات النفس، ويصبح الواصل معه وكأنه والبارئ شيء واحد، فيخترق الحجب، ويرى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وبه قال الجنيد، وتفرعت عنه شطحات صوفية غالية(5).

ولا يكاد الناظر يرى فرقًا كبيرًا بين كل من الحلول والاتحاد، ومن الباحثين من يقلل من أهمية التفريق بينهما(6)، إذ أن كل منهما يحوي فسادًا وانحرافًا عقديًا يطعن في صميم العقيدة الإسلامية، ثم أنهما يتفقان في فكرة التمازج بين العبد وربه.

ومن الباحثين من لا يفرق بين الحلول والاتحاد، فحلول الله بخلقه عندهم يعني اتحاد الله بخلقه، ومنهم من يفرق بين كل من الحلول والاتحاد، ثم هم بعد ذلك مختلفون في تحديد معنى كل منهما، فيرى الدكتور محمد يوسف موسى– رحمه الله- "أن أصحاب عقيدة الاتحاد يتفقون مع من قال بالحلول في الاعتراف بوجود خالق ومخلوق مختلفين، إلا أن بينهما فرقًا، وهو أن الحلوليين يرون تنازل الله تعالى (تعالى الله عن ذلك)، فيحل في بعض المصطفين من عباده، على حين يرى الاتحاديون أن هؤلاء المصطفون يرتفعون بنفوسهم، ويسمون بأرواحهم إلى حضرة الذات العلية، حتى تفنى فيه أو تتحد به ممتزجة"(7).

ويرى آخر أن الحلول هو نزول الذات الإلهية في الذات البشرية، ودخولها فيه، فيكون المخلوق ظرفًا للخالق بزعمهم، أما الاتحاد فهو اختلاط وامتزاج الخالق بالمخلوق، فيكونا بعد الاتحاد ذاتًا واحدةً(8).

أما وحدة الوجود- وهي عقيدة كبرى من عقائد الصوفية- فتعني– بأوجز عبارة-: أن الله تعالى والعالم شيء واحد!(9)، فـ"هو مذهب يقول: إن الله والعالم حقيقة واحدة، وقد تغلب في هذه الوحدة فكرة الإلوهية، ويرد كل شيء إلى الله، فهو الموجود الحق ولا موجود سواه، وكل ما عداه أعراض ومظاهر لوجوده أو مجرد تجليات وفيوضات مستمدة منه"(10).

وذلك لا يعني أن الصوفية وغيرهم من معتقدي الوحدة ينكرون الأشياء المحسوسة، ويجحدون الكائنات المشهودة، كالبحار والجبال، والأشجار، ونحو ذلك، و"إنما مقصودهم إنكار كونها خلقًا، لاعتقادهم أن الكائنات– كلها– هي الله تعالى"(11)، تعالى الله عما يقولون.

ومذهب الوحدة هذا "مذهب قديم أخذت به البراهماتية والرواقية والأفلاطونية المحدثة والصوفية، ومع اختلاف كل فلسفة في إلباس الثوب الذي يرى لهذه الفكرة إلا أنه يجمع بينها قاسم مشترك– كما يقول أبو الفيض المنوفي– وهو أنها وحدة لا يتميز فيها ما هو إلهي مما هو طبيعي، أو أن الله والأشياء شيء واحد، أو أنه يحل فيها، أو يتوحد معها"(12).

فيجمع بين هذه الثلاثية (الحلول، والاتحاد، ووحدة الوجود) علاقة يشترك فيها الخالق والمخلوق، تشكل عقيدة كفرية مفادها أن الخالق والمخلوق شيء واحد.

وقد اعترض أحد الباحثين على نسبة الحلول للصوفية ونفى عنهم هذا المعتقد، قال: "لقد نسب القول بالحلول والاتحاد إلى بعض الصوفية، والواقع أني لا أعرف طريقة من طرق التصوف، ولا داعية من دعاته يؤمن حقيقة– بالحلول، أو الاتحاد– لأن هاتين العقيدتين تخالفان أصلا مهما عند الصوفية وهو (الوحدة)، فإن الحلول يستلزم حالًا ومحلًا، والاتحاد يستلزم شيئين يحصل اتحادهما، وهذه اثنينية، وهي منتفية عندهم، فإذا كان الوجود واحدا فلا حلول ولا اتحاد"(13).

ثم وضح سبب الاعتراض بقوله: "وليس هذا لصحة في طريق الصوفية، ولا لاستقامة في عقيدتهم، وإنما لأن الصوفية يعتقدون ما هو أسوأ من الحلول والاتحاد، وهو وحدة الوجود"(14)، وقد دعَّم الباحث كلامه بنقولات عن أئمة المتصوفة ينكرون فيها القول بالحلول والاتحاد بل ويكفرون من يقول به.

وقد أصاب فيما ذهب إليه، فإن عقيدة الوحدة هي العقيدة المسيطرة على المعتقد الصوفي، ومنها تتفرع الكثير من المعتقدات الباطلة، وهذه العقيدة تتعارض مع فكرة الحلول والاتحاد، بل وتهدمها، لأن الحلول يقتضي موجودين أو أكثر بحيث يحل أحدهما في الآخر أو يتحد به، أما وحدة الوجود فإنها ترى أن الله تعالى والعالم شيء واحد، فلا موجود إلا الله.

فالصوفية قد يطلقون الاتحاد أو الحلول وهم يقصدون بذلك الوحدة، فالحلول عندهم "هو نزول الوجود الإلهي الحق في الموجودات الموهومة، فليس هناك حلول حقيقي، بل الحال هو المحل، أما الحلول المقتضي للاثنينية فهو...أبعد ما يكون عن عقيدة المتصوفة"(15).

فهذا المعتقد يؤسس لمبدأ كفري وإلحادي، وهو أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق– عياذا بالله– فالمخلوق يرى نفسه خالقًا، ويرى الخالق مخلوقًا، وهي فكرة الحلول والإتحاد، فلما كان الأصل عندهم واحد، قالوا بالحلول والإتحاد كنتيجة لإتحاد الأصل في زعمهم.

يقول ابن عربي في فصوص الحكم:

فأنت عبد وأنت رب ** لمن له فيه أنت عــبد

وأنت رب وأنت عبد ** لمن له في الخطاب عهد(16)

وجاء في كتاب أخبار الحلاج، عن إبراهيم الحلواني- وهو أقرب خدام الحلاج- أنه سمع الحلاج يومًا يدعو بعد أن أدى الصلاة بالدعاء التالي: "يا إله الآلهة، ويا رب الأرباب، ويا من لا تأخذه سنة ولا نوم، رد إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك، يا هو أنا، وأنا هو، لا فرق بين آنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم، ثم رفع رأسه، ونظر إلي وضحك في وجهي ضحكات، ثم قال: يا أبا إسحاق، أما ترى أن ربي ضرب قدمه في حدثي، حتى استهلكت حدثي في قدمه، فلم يبق لي صفة إلا صفة القدم، ونطقي في تلك الصفة والخلق كلهم أحداث ينطقون عن حدث، ثم إذا نطقت عن القدم ينكرون علي، ويشهدون بكفري، ويسعون إلى قتلي، وهم بذلك معذورون، وبكل ما يفعلون بي مأجورون"(17).

وذكر أن "ابن عربي دخل على مريد له في الخلوة، وقد جاءه الغائط فقال: ما أبصر غيره أبول عليه [يقصد الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا]، فقال له شيخه: فالذي يخرج من بطنك من أين هو؟ قال: فرجت عنى. ومر شيخان منهم التلمسانى.. والشيرازي على كلب أجرب ميت، فقال الشيرازي للتلمساني: هذا أيضا من ذاته؟ فقال التلمسانى: هل ثم شيء خارج عنها؟"(18).

وقد كان القول بالحلول- عند الحلولية من الشيعة- هو الخطوة الأولى لمسألة أشد وأخطر، وهى القول بوحدة الوجود، يقول الدكتور ناصر القفاري: "وهذه المقالة التي عرضت لبعض شواهدها عندهم- يقصد الشيعة- والتي تزعم حلول جزء إلهي بالأئمة، قد تطورت عند بعض شيوخهم واتسع نطاقها إلى القول (بوحدة الوجود) وعدوا ذلك أعلى مقامات التوحيد، فهو الغاية في التوحيد عند شيخهم النراقي(19)، كما أن شيخهم الكاشاني – صاحب الوافي أحد أصولهم الأربعة المتأخرة– كان يقول بعقيدة وحدة الوجود، وله رسالة في ذلك، جرى فيها مجرى ابن عربي، وعبر عنه ببعض العارفين"(20).

وهذا التدرج لم يكن موجودًا عند أصحاب الحضرات من المتصوفة لأنهم – كما مر– لا يقولون بالحلول بمعناه الاصطلاحي المعروف، وإن قالوه فهم يقصدون به عقيدة الوحدة، التي مفادها: أن الله هو الموجود الحق ولا موجود سواه، وما عداه ما هي إلا مظاهر وأعراض لوجوده أو مجرد تجليات وفيوضات مستمدة منه، فما الشمس والقمر والليل والنهار والبحار والأشجار وغيرها من الموجودات، إلا الله، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا.

يقول ابن عربي الصوفي(21) في فتوحاته: "فلما أراد– الله- وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء، هي بمنزلة طرح البناء الجص (22) ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا هو أول موجود في العالم... ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء... فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد-صلى الله عليه وسلم-، المسماة بالعقل، فكان سيد العالم بأسره، وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي، ومن الهباء، ومن الحقيقة الكلية"(23).

نلخص من هذا السرد والتحليل إلى أن هناك تداخلًا بين عقائد المتصوفة فيما يخص عقائد الحلول، والاتحاد، ووحدة الوجود، أقلها غلوًا- وهو ضلال وفحش- القول بالحلول، وأوسطها غلوًا وفحشًا وضلالًا القول بالاتحاد، وغاية الضلال بل هو إلحاد وكفر ما بعده كفر؛ القول بوحدة الوجود، فالثلاثة أوجه لأصل واحد يؤصل لفكرة التمازج بين الخالق والمخلوق، فالحلولية قائلون بعقائد الاتحاد والوحدة، والاتحاد حلول في الأصل، ثم مآل قولهم وحدة الوجود التي هي وحدة الخالق والمخلوق- تعالى ربنا عما يقول المبطلون-، فالثلاثة أصولهم واحدة مع تفاوت في التعاطي مع هذا الأصل الكفري.

ـــــــــــ

الهوامش:

(1) المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية: (ص:76).

(2) معجم مصطلحات الصوفية لعبد المنعم الحفني: (ص:82)؛ ومعجم الصوفية لممدوح الزوبي: (ص:141)؛ وموسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي لرفيق العجم: (ص:305).

(3) المعجم الفلسفي: (ص:2).

(4) معجم مصطلحات الصوفية- د: عبد المنعم الحفني: (ص:9).

(5) المعجم الفلسفي: (ص:2).

(6) انظر مثلا: كلام الدكتور صابر طعيمة عن عقيدة الاتحاد عند الصوفية، في كتابه الصوفية معتقدا ومسلكا: (ص:254).

(7) الصوفية معتقدا ومسلكا للدكتور صابر طعيمة: (ص:254).

(8) ينظر: عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية- أحمد عبد العزيز القصير: (ص:45).

(9) عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية– أحمد عبد العزيز القصير:(ص:28).

(10) المعجم الفلسفي: (ص:212).

(11) عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية- أحمد عبد العزيز القصير: (ص:30).

(12) الصوفية معتقدا ومسلكا– د. صابر طعيمه: (ص:210).

(13) المرجع السابق: (ص:46).

(14) المرجع السابق: (ص:49).

(15) عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية- أحمد عبد العزيز القصير: (ص: 53).

(16) مصرع التصوف (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي)- برهان الدين البقاعي- (ص: 74).

(17) أخبار الحلاج– لعلي بن أنجب الساعي: (ص:69)– تحقيق: موفق فوزي الجبر– دار الطليعة الجديدة– سوريا– ط2-1997م؛ مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيئ على الأمة الإسلامية– إدريس محمود: (1/326).

(18) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (2/342).

(19) هو مهدي بن أبي ذر الكاشاني النراقي، المتوفي سنة: (1209هـ). انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة للطهراني: (5/58).

(20) أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية عرض ونقد لناصر القفاري: (ص:520).

(21) هو شيخ الصوفية محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي نزيل دمشق، قال عنه الذهبي في السير: كان ذكيا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد وأتهم وأنجد وعمل الخلوات، وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة، ومن أردإ تواليفه كتاب الفصوص، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله، وقد عظمه جماعة، وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد– شيخنا- أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء، كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا- سير أعلام للذهبي: (23/48-49).

(22) الجص: بفتح الجيم وكسرها، ما يبنى به، وهو معرب. ينظر: مختار الصحاح للرازي، مادة: (جصص): (ص:44).

(23) الفتوحات المكية في معرفة الأسرار الملكية- محيي الدين بن عربي:(1/169).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 03-12-2015, 08:42 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة خوارق العادة بين أهل السنة والماتريدية

خوارق العادة بين أهل السنة والماتريدية*
ــــــــــــــــــــ

21 / 5 / 1436 هــ
12 / 3 / 2015 م
ـــــــــــ



تكمن أهمية موضوع خوارق العادة بكونها مسألة عقدية، ولا بد فيها من بيان الفرق بين ما يقع على يد الأنبياء أو الأولياء أو *****ة والكهان، حيث يؤمن أهل السنة والجماعة بخرق الله تعالى لما اعتاده الناس من السنن الكونية، فإن وقعت على يد نبي سميت عند أهل السنة برهانا وبينة كما ورد في القرآن والسنة، ويسميها البعض "معجزة" وإن لم يرد هذا اللفظ في القرآن أو السنة.

وأما إذا وقعت خوارق العادة على يد ولي من أولياء الله فتسمى عند أهل السنة والجماعة آية أو برهانا أيضا، لأنها تحصل لهم بسبب اتباعهم الأنبياء، وتحصل لحكمة أو مصلحة تعود إلى الولي أو إلى غيره، ويسميها البعض "كرامة" ولا مشاحة في المصطلحات ما لم يترتب عليه محاذير.

وأما ما يقع على يد ساحر أو كاهن من خوارق العادة فيطلق عليه أهل السنة خوارق شيطانية.

وفي هذا التقرير سأحاول تسليط الضوء على أبرز النقاط التي خالف فيها جمهور الماتريدية مذهب أهل السنة والجماعة في موضوع خوارق العادة، كحصرهم طرق إثبات النبوة في المعجزة، إضافة لبعض الملاحظات على تعريفهم للمعجزة، ناهيك عن جعلهم خوارق العادة من جنس واحد، فكل ماجاز أن يكون لنبي جاز أن يكون لولي، لا فارق بينهما إلا التحدي، بينما يفرق أهل السنة بين براهين الأنبياء والأولياء سواء في الجنس أو المقدار.

طرق إثبات النبوة عند الماتريدية
-------------------

ذهب أبو منصور الماتريدي إمام المذهب إلى أن النبوة تثبت بطريقين هما:

الأول: النظر في صفات الأنبياء الخَلقية والخُلقية قبل الرسالة وبعدها، الثاني: تأييد الله تعالى لهم بالمعجزات والآيات والبراهين الدالة على صدقهم، وهو ما يتوافق مع مذهب أهل السنة والجماعة.

يقول أبو منصور الماتريدي: "ثم الأصل عندنا في إعلام الرسل وجهان: أحدهما: ظهور أحوالهم على جهة يدفع العقول عنهم الريبة، وتأبى فيهم توهم الظنة، بما صحبوهم في الصغر والكبر، فوجدوهم طاهرين أصفياء أتقياء، بين أظهر قوم ما احتمل التسوية بينهم على ذلك، ولا تربيتهم تبلغ ذلك، على ظهور أحوالهم لهم، وكونهم بينهم في القرار والانتشار، فيعلم بإحاطة أن ذلك حفظ من يعلم أنه يقيمهم مقاماً شريفاً، ويجعلهم أمناء على الغيوب والأسرار، وهذا مما يميل إلى قبوله الطبيعة ويستحسن جميع أمورهم العقل، فيكون الراد عليه يرد بعد المعرفة رد تعنت له، إما لإلف وعادة على خلاف ذلك، أو لشرف ونباهة في العاجل، أو لمطامع ومنال، وإلا فما من قلب إلا ويميل إلى من دون هذا رتبته ومحله، ولا قوة إلا بالله.

والثاني: مجيء الآيات الخارجة عن طبائع أهل البصر في ذلك النوع، الممتنعة عن أن يطمع في مثلها، أو يبلغ بكنهها التعلم، مع ما لو احتمل أن يبلغ أحد ذلك بالتعلم والإجتهاد، فإن الرسل بما نشأوا لا في ذلك، وربوا لا به، يظهر أنهم استفادوه بالله، أكرمهم بذلك، لما يجعلهم أمناء على وحيه. (1)

أما جمهور الماتريدية فاكتفوا بالطريق الثاني، وعدوه هو الدليل الوحيد على صدق النبي، بحجة أن المعجزة وحدها هي التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي، وهو مذهب مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة.

قال أبو اليسر البزدوي: لا يتصور ثبوت الرسالة بلا دليل، فيكون الثبوت بالدلائل، وليست تلك الدلائل إلا المعجزات، فثبتت رسالة كل رسول بمعجزات ظهرت على يديه، فكانت معجزات موسى عليه السلام العصا، واليد البيضاء وغيرهما من المعجزات، ومعجزات عيسى عليه السلام إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك، ومعجزات محمد عليه السلام القرآن، فإن العرب بأجمعهم مع فصاحتهم عجزوا عن الإتيان بمثله. (2)

وقال أبو المعين النسفي: إذا جاء واحد وادعى الرسالة في زمان جواز ورود الرسل... لا يجب قبول قوله بدون إقامة الدليل... لما أن تعين هذا المدعي للرسالة ليس في حيز الواجبات، لانعدام دلالة العقل على تعينه، فبقي في حيز الممكنات، وربما يكون كاذباً في دعواه، فكان القول بوجوب قبول قوله، قولاً بوجوب قبول قول من يكون قبول قوله كفراً، وهذا خُلْف من القول، وإذا لم يجب قبول قوله بدون الدليل، يطالب بالدليل وهو المعجزة. (3)

ومما سبق يتبين أن جمهور الماتريدية جعلوا المعجزة هي الطريق الوحيد لمعرفة الرسل، وإثبات النبوة، مخالفين بذلك إمامهم "أبو منصور الماتريدي" وأهل السنة والجماعة، وحجتهم في ذلك أمور منها:

1- أن أقوام الرسل طلبوا من رسلهم دلائل صدقهم، فدعى الأنبياء ربهم أن يعطيهم من الأدلة ما صدقهم به أقوامهم، فكانت المعجزات، فصارت هي دليل صدقهم من الله، والله لا يؤيد الكاذب.

2- أن المعجزة كما يقولون هي التي يميز بها بين الكاذب مدعي الرسالة، وبين الصادق.

قال التفتازاني:" لولا التأييد بالمعجزة، لما وجب قبول قوله، ولما بان الصادق في دعوى الرسالة عن الكاذب". (4)

3- أن المعجزة هي الموجبة لعلم اليقين، وتجعل العقل يزداد تأملاً.

4- أن النبوة موهبة ورحمة من الله، والدليل على صدق هذه الموهبة هي المعجزة.

وقد ناقش أهل السنة والجماعة هذا الرأي وردوه بما يلي:

1- معلوم أن مدعي الرسالة، إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم، بأنقص الخلق وأرذلهم.

2- صدق النبي يعرف بما يقترن به من القرائن، ولا يختص بالمعجزة، ولهذا استدلت خديجة رضي الله عنها، على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بمكارم أخلاقه، ومحاسن شيمه.

وكذلك قصة هرقل، وسؤاله عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله، وقد كاد أن يعلن إيمانه لولا صدود قومه له.

3- صدق النبي لا يتوقف على المعجزة، فكم من نبي لم يظهر على يديه معجزة، مثل لوط ونوح عليهما السلام وغيرهما، وإنما حصلت المعجزة بإهلاك قومهما من غير أن يمهلوا حتى يروا ليصدقوا، بل كان هلاكهم بها.

المعجزة عند الماتريدية

التعريف: المعجزة عند الماتريدية هي: أمر خارق للعادة، يظهر على يد النبي في دار التكليف، مقرونا بالتحدي، مع عدم المعارضة بالمثل.

قال التفتازاني: (وأيدهم) أي الأنبياء، (بالمعجزات الناقضات للعادات) جمع معجزة، وهي أمر يظهر بخلاف العادة، على يدي مدعي النبوة، عند تحدي المنكرين، على وجه يعجز المنكرين عن الإتيان بمثله، وذلك لأنه لولا التأييد بالمعجزة، لما وجب قبول قوله، ولما بان الصادق في دعوى الرسالة عن الكاذب، وعند ظهور المعجزة يحصل الجزم بصدقه بطريق جرى العادة. (5)

واشترط الماتريدية للمعجزة من خلال التعريف سبعة شروط هي: أن يكون الأمر الخارق فعل الله تعالى وأن يكون خارقاً للعادة، إضافة لتعذر معارضته و مقرونا بالتحدي وموافقا للدعوى، وأن لا يكون من ادعاه وأظهره مكذباً له، وأن لا تكون المعجزة متقدمة على الدعوى بل مقارنة لها، أو متأخرة عنها، بزمن يسير يعتاد مثلها. (6)

ومما سبق من تعريف وشروط للمعجزة، يتبين أنها عند جمهور الماتريدية ليست عندهم نفس الإعجاز، بل صفة المعجزة أمر خارج عنها، فهو إضافي، وليس أمرا في ذاتها، فالمعجزة ليست إلا أن الله صرف الناس عنها، وتحداهم بها النبي ولم يعارضوها، وهذا هو الإعجاز عندهم، بدليل أنهم قالوا: كل ماجاز أن يكون لنبي جاز أن يكون لولي.

مناقشة أهل السنة لرأي الماتريدية
--------------------

أبدى أهل السنة والجماعة بعض الملاحظات على تعريف الماتريدية للمعجزة، واعتبروه مضطربا وغير منضبط لعدة أوجه منها:

1- أن ماذكر من أوصاف علق بها الحكم، كخرق العادة، ولفظ المعجزة، لم يرد في القرآن ولا السنة، بل الوارد هو تسميتها بالآيات والبراهين والبينات، وهي مختصة بالأنبياء ولا تحتاج لمزيد أوصاف.

2- منشأ الخطأ عند الماتريدية، اعتقادهم أن دلائل الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق *****ة والكهان، كلها من جنس واحد، ولهذا أنكرت المعتزلة كرامات الأولياء، وخوارق *****ة والكهان، حتى لا تلتبس بدلائل الأنبياء، بينما بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن جنس الأنبياء متميزون عن غيرهم بالآيات، والدلائل الدالة على صدقهم، التي يعلم العقلاء أنها لم توجد لغيرهم، فيعلمون أنها ليست لغيرهم لا عادةً ولا خرق عادة.

3- أن ما يظهر من خوارق العادة على يد الأنبياء، ليس من شرطه التحدي، أو عدم الإتيان بمثله، بل آيات الأنبياء دليل نبوتهم، وقد تخلوا من شرط التحدي، وعدم المعارضة، فتكثير الطعام والشراب مرات، ونبع الماء بين يدي أصابع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، كل هذا من دلائل النبوة، ولم يكن يظهرها النبي للاستدلال بها، ولا يتحدى بمثلها، بل لحاجة المسلمين إليها.

4- اشتراط أن تكون المعجزة مقارنة لدعوى النبوة، أو متأخرة عنها بزمن يسير، يخالف ما كان عليه الأنبياء، فإبراهيم عليه السلام ألقي في النار، وكان ذلك بعد نبوته، ودعوته لقومه بزمن طويل.

5- يلزم من قولهم بالمقارنة، أن ما ظهر على يد النبي محمد صلى الله عله وسلم في كل وقت من الأوقات، ليس دليلاً على نبوته؛ لأنه لم يكن كلما ظهر شيء من ذلك احتج به، وتحدى الناس بالإتيان بمثله، بل لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم التحدي إلا في القرآن خاصة بعد أن قال المشركون أنه "افتراه"، ولم ينقل التحدي عن غيره من الأنبياء، كموسى وعيسى وصالح عليهم السلام.

6- تقييد المعجزة بحياة النبي وزمن التكليف ليس بصحيح، فقد تكون المعجزة قبل ولادة النبي، وقد تكون بعد وفاته كأشراط الساعة التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم. (7)

كرمات الأولياء عند الماتريدية

أثبت الماتريدية كرامات الأولياء وأنها حق خلافاً للمعتزلة، مستدلين على ثبوتها بالكتاب والسنة، وقد عرفوا الكرامة بأنها: ظهور أمر خارق للعادة من قبله، غير مقارن لدعوى النبوة كما قال أبو المعين النسفي، والولي عندهم هو: العارف بالله تعالى، وصفاته بحسب ما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات.

فمن لم يكن بهذه الصفات، وظهر على يده خوارق للعادة، فوافق مراده وغرضه، فإنه يكون استدراجا، وإن ظهر الخارق من قبل عوام المسلمين، تخليصاً لهم عن المحن والمكاره، فهذا يكون معونة. (8)

وقد حاول الماتريدية التفريق بين المعجزة والكرامة، خاصة أنها تندرج تحت مسمى خوارق العادة، ومن أهم الفروقات التي ذكروها:

1- أن المعجزة مقترنة بدعوى النبوة والتحدي، وأما الكرامة فخالية من الدعوى، ولو ادعى النبوة لسقط من رتبة الولاية، وصار فاسقا أو كافرا من ساعته، وهذا هو الفرق الرئيس بين المعجزة والكرامة عند الماتريدية، ولذا قال ملا علي قاري: كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي، جاز أن يكون كرامة لولي لا فارق بينهما إلا التحدي. (9)

2- أن المعجزة لابد فيها من علم النبي بكونه نبيا، وأما الولي فلايلزم علمه بكونه وليا.

3- أن المعجزة يقصد النبي إظهارها، والتحدي بها، والحكم قطعا بموجبها، وأما الولي فيجتهد في كتمانها، ويخشى أن تكون استدراجاً، ويخاف من الاغترار بها إذا اشتهرت.

4- أن الكرامة تكون مقارنة للعمل الصالح، والاعتقاد الصحيح، وتبعث على الجد والاجتهاد في العبادة، والاحتراز عن السيئات. (10)

وقد أبدى أهل السنة والجماعة خطأ الماتريدية في بعض الأمور التي حاولوا أن يفرقوا بها بين المعجزة و الكرامة، ومن ذلك:

1- أنهم جعلوا ما كان من معجزات للأنبياء كرامات للأولياء، ولا فرق بينهما إلا دعوى النبوة والتحدي بالمثل، ومما لاشك فيه أن معجزات الأنبياء التي دلت على نبوتهم، هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم. (11)

فانشقاق القمر، والإتيان بالقرآن، وانقلاب العصا حية، وخروج الدابة من الصخرة، لم يكن مثله للأولياء، فالآيات الكبرى مختصة بالأنبياء والرسل، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين؛ مثل تكثير الطعام، فقد وجد لغير واحد من الصالحين، لكن لم يوجد كما وجد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أطعم الجيش من شيء يسير.

فالأنبياء مختصون إما بجنس الآيات، فلا يكون لمثلهم كالإتيان بالقرآن، وانشقاق القمر، وإما بقدرها وكيفيتها، كنار الخليل عليه السلام، فإن أبا مسلم الخولاني وغيره صارت لهم النار بردا وسلاما، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم عليه السلام في عظمها كما وصفوها.

2- قولهم أن المعجزة يظهرها النبي والكرامة يخفيها الولي، ليس على إطلاقه، فالكرامة تكون لنصرة الدين وإقامة السنة، ولذلك كان الولي يتحدى بكرامته في بعض الأحيان ولا يكتمها، مثل قصة خالد بن الوليد في شربه للسم أمام الأعداء ولم يضره.

3- تفريقهم بالاقتران بالتحدي ليس على إطلاقه أيضا، فإن بعض المعجزات كما سبق لم تكن مقرونة به، وبعض الكرامات التي وقعت للصحابة ومن بعدهم، كانت للتحدي كشرب خالد بن الوليد للسم كما مضى. (12)

إن الالتزام بالألفاظ المحدثة التي لم ترد في القرآن والسنة، كلفظ الخارق للعادة، ولفظ المعجزة والكرامة، وإهمال الألفاظ الشرعية التي جاء بها الوحي، هو الذي يوقع البعض في إشكالات وتناقضات، لمحاولة التوفيق بينها، مما يؤكد أن الالتزام بألفاظ الكتاب والسنة هو المنهج الأمثل لسلامة العقيدة، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة.

ـــــــ

الفهارس

(1) كتاب التوحيد، تحقيق د. فتح الله خليف ص188-189 و 202-210

(2) أصول الدين ص 97،98، نقلاً من كتاب الماتريدية دراسة وتقويما . أحمد بن عوض الحربي ص 380

(3) التمهيد لقواعد التوحيد، تحقيق ودراسة: حبيب الله حسن أحمد ص222

(4) شرح العقائد النسفية ص 136

(5) شرح العقائد النسفية ص136

(6) انظر حاشية شرح العقائد النسفية ص145

(7) النبوات، شيخ الإسلام ابن تيمية 160-178

(8) شرح العقائد النسفية 144

(9) منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر ص237

(10) شرح العقائد النسفية ص144

(11) النبوات ص169

(12) النبوات ص 196، 244
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 04-11-2015, 08:21 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة أصول الفرق وأقسامها

أصول الفرق وأقسامها
ــــــــــــ

(بكر البعداني)
ــــــــ


22 / 6 / 1436 هــ
11 / 4 / 2015 م
ـــــــــــ





أصول الفرق وأقسامها
--------------

الحمد لله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فإن التفرق والفُرقة أمر مذموم شرعًا، غير محمود العاقبة عقلاً، وليس حتى بالمستساغ عرفًا؛ ولذلك فإن الافتراق والفرق وأصولها من الأمور التي عني بها علماؤنا؛ تحذيرًا لهذه الأمة، بل لقد صنفت فيها المصنفات الكثيرة والمستقلة، التي باتت تعرف في مكتبات الإسلام بـ: كتب الفرق، أو الملل والنحل، ونحو ذلك؛ ولذلك فإن هذه الأبواب ألحقها الكثير من العلماء بكتب العقائد.

وأصل الكلام فيها مبني على جملة من النصوص الشرعية، نذكر هنا حديثًا واحدًا منها - وهو كالأصل لها، ألا وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((افترقت اليهود على إحدى - أو اثنتين - وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى - أو اثنتين - وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة))[1].

ومن هنا شرع العلماء في عدِّ هذه الفرق كلما نشأت أو انقسمت، من مُقلٍّ في هذا الباب ومستكثر، وبعيدًا عن الخوض في هل هذا الصنيع مُسلَّم أم لا؟ وهل يُوافقون عليه أم لا؟ وهل ثمت مؤاخذات عليه وتعقبات؟ بعيدًا عن هذا؛ لأننا لا نريد الحديث عليه هنا، أقول: لقد كنت وقفت على كلام لأبي الفرج ابن الجوزي - رحمه الله وغفر الله لنا وله - في الكلام على هذه الفرق وسردها قديمًا، في كتابه تلبيس إبليس[2]، ونقله عنه القرطبي في تفسيره[3]؛ فأحببت أن أنقله هنا في هذه المقالة للفائدة والمعرفة، ليس إلا.

قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: "فإن قيل: هل هذه الفرق معروفة؟
فالجواب: أنا نعرف الافتراق، وأصول الفرق، وأن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق، وإن لم نُحِطْ بأسماء تلك الفرق ومذاهبها، وقد ظهر لنا من أصول الفرق: الحرورية، والقدرية، والجهمية، والمرجئة، والرافضة، والجبرية.

وقال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة: هذه الفرق الست، وقد انقسمت كل فرقة منها على اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة.

انقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة:
فأولهم: الأزرقية، قالوا: لا نعلم أحدًا مؤمنًا، وكفَّروا أهل القبلة، إلا من دان بقولهم.

والإباضية قالوا: مَن أخذ بقولنا فهو مؤمن، ومن أعرض عنه فهو منافق.

والثعلبية قالوا: إن الله - عز وجل - لم يقضِ، ولم يقدر.

والخازمية قالوا: لا ندري ما الإيمان؟ والخلق كلهم معذورون.

والخلفية: زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى، كفر.

والكوزية قالوا: ليس لأحد أن يَمسَّ أحدًا؛ لأنه لا يعرف الطاهر من النجس، ولا أن يُؤاكله؛ حتى يتوب ويغتسل.

والكنزية قالوا: لا يسعُ أحدًا أن يعطي ماله أحدًا؛ لأنه ربما لم يكن مستحقًّا، بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق.

والشمراخية قالوا: لا بأس بمسِّ النساء الأجانب؛ لأنهن رياحين.

والأخنسية قالوا: لا يلحق الميت بعد موته خير ولا شر.

والحكمية قالوا: من حاكَم إلى مخلوق فهو كافر.

والمعتزلة [4] قالوا: اشتبه علينا أمر علي ومعاوية - رضي الله عنهما؛ فنحن نتبرأ من الفريقين.

والميمونية قالوا: لا إمام إلا برضا أهل محبتنا.

وانقسمت القدرية اثنتي عشرة فرقة:
الأحمرية: وهي التي زعمت أن في شرط العدل من الله: أن يُملِّك عباده أمورهم، ويحول بينهم وبين معاصيهم.

والثنوية: وهي التي زعمت أن الخير من الله، والشر من الشيطان.

والمعتزلة[5]: وهم الذين قالوا: بخَلْقِ القرآن، وجحدوا الرُّؤية.

والكيسانية وهم الذين قالوا: لا ندري هذه الأفعال من الله أو من العباد؟ ولا نعلم أيثاب الناس بعد أو يعاقبون؟

والشيطانية قالوا: إن الله - تعالى - لم يخلق الشيطان.

والشريكية قالوا: إن السيئات كلها مقدرة إلا الكفر.

والوهمية قالوا: ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات، ولا للحسنة والسيئة ذات.

والزبرية قالوا: كل كتاب نزل من عند الله فالعمل به حق، ناسخًا كان أو منسوخًا.

والمسعدية زعموا أن مَن عصى ثم تاب لم تقبل توبته.

والناكثية: زعموا أن مَن نكث بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إثم عليه.

والقاسطية: تبعوا إبراهيم بن النظام في قوله: من زعم أن الله شيء فهو كافر.

وانقسمت الجهمية اثنتي عشرة فرقة:
المعطلة: زعموا أن كل ما يقع عليه وهم الإنسان فهو مخلوق، وأن مَن ادَّعى أن الله يرى فهو كافر.

والمريسية قالوا: أكثر صفات الله -تعالى- مخلوقة.

والملتزقة: جعلوا الباري - سبحانه - في كل مكان.

والواردية قالوا: لا يدخل النار من عرف ربَّه، ومن دخلها لم يخرج منها أبدًا.

والزنادقة قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربًّا؛ لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس، وما لا يدرك لا يثبت.

والحرقية: زعموا أن الكافر تحرقه النار مرة واحدة، ثم يبقى محترقًا أبدًا لا يجد حرَّ النار.

والمخلوقية: زعموا أن القرآن مخلوق.

والفانية: زعموا أن الجنة والنار يفنيان، ومنهم من قال: لم يخلقا.

والعبدية: جحدوا الرسل، وقالوا: إنما هم حكماء.

والواقفية قالوا: لا نقول: إن القرآن مخلوق، ولا غير مخلوق.

والقبرية: ينكرون عذاب القبر، والشفاعة.

واللفظية قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق.

وانقسمت المرجئة اثنتي عشرة فرقة[6]:
التاركية قالوا: ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به؛ فمن آمن به، فليفعل ما شاء.

والسائبية: قالوا: إن الله تعالى سيب خلقه؛ ليفعلوا ما شاؤوا.

والراجئة قالوا: لا يسمى الطائع طائعًا، ولا العاصي عاصيًا؛ لأنا لا ندري ما له عند الله تعالى. والسالبية قالوا: الطاعة ليست من الإيمان.

والبهيشية قالوا: الإيمان علم، ومن لا يعلم الحق من الباطل، والحلال من الحرام - فهو كافر.

والعملية قالوا: الإيمان عمل.

والمنقوصية قالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

والمستثنية قالوا: الاستثناء من الإيمان.

والمشبهة قالوا: بصَرٌ كبصَرٍ، ويدٌ كيَدٍ.

والحشوية قالوا: حكم الأحاديث كلها واحد، فعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض.

والظاهرية[7]: الذين نفوا القياس.

والبدعية: أول من ابتدع هذه الأحداث في هذه الأمة.

وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة:
العلوية قالوا: إن الرسالة كانت إلى علي رضي الله عنه، وإن جبريل عليه السلام أخطأ.

والأمرية قالوا: إن عليًّا شريك محمد في أمره.

والشيعة قالوا: إن عليًّا - رضي الله عنه - وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووليه من بعده، وإن الأمة كفرت بمبايعة غيره.

والإسحاقية قالوا: إن النبوة متصلة إلى يوم القيامة، وكل من يعلم علم أهل البيت، فهو نبي. والناووسية قالوا: علي رضي الله عنه أفضل الأمة؛ فمن فضل غيره عليه، فقد كفر.

والإمامية قالوا: لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين، وإن الإمام يعلمه جبريل عليه السلام، فإذا مات بدل غيره مكانه.

والزيدية قالوا: ولد الحسين رضي الله عنه كلهم أئمة في الصلوات؛ فمتى وجد منهم أحد، لم تجز الصلاة خلف غيرهم، برهم وفاجرهم.

والعباسية: زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره.

والتناسخية: قالوا: الأرواح تتناسخ، فمن كان محسنًا خرجت روحه فدخلت في خلق يسعد بعيشه.

والرجعية: زعموا أن عليًّا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا، وينتقمون من أعدائهم.

واللاعنة: يلعنون عثمان، وطلحة، والزبير، ومعاوية، وأبا موسى، وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم.

والمتربصة: تشبهوا بزي النسَّاك، ونصبوا في كل عصر رجلاً ينسبون إليه الأمر، يزعمون أنه مهدي هذه الأمة، فإذا مات نصبوا آخر.

ثم انقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة، فمنهم:
المضطرية قالوا: لا فعل للآدمي، بل الله يفعل الكل.

والأفعالية قالوا: لنا أفعال، ولكن لا استطاعة لنا فيها، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل.

والمفروغية قالوا: كل الأشياء قد خلقت، والآن لا يخلق شيء.

والنجارية: زعمت أن الله تعالى يعذب الناس على فعله، لا على فعلهم.

والمنانية قالوا: عليك بما يخطر بقلبك، فافعل ما توسمت منه الخير.

والكسبية قالوا: لا يكتسب العبد ثوابًا ولا عقابًا.

والسابقية قالوا: من شاء فليعمل، ومن شاء لا يعمل؛ فإن السعيد لا تضره ذنوبه، والشقي لا ينفعه بره.

والحبية قالوا: من شرب كأس محبة الله تعالى، سقطت عنه عبادة الأركان.

والخوفية قالوا: مَن أحبَّ الله تعالى لم يسعه أن يخافه؛ لأن ****** لا يخاف حبيبه.

والفكرية قالوا: من ازداد علمًا، أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة.

والخشبية قالوا: الدنيا بين العباد سواء، لا تفاضل بينهم فيما ورَّثهم أبوهم آدم.

والمنية قالوا: منا الفعل، ولنا الاستطاعة"؛ انتهى كلامه - رحمه الله.
---------------------------------------------
[1] أخرجه أبو داود رقم: (4598) واللفظ له، والترمذي (3/367)، وابن ماجه (2/479)، وابن حبان في صحيحه رقم: (1834)، والآجري في الشريعة (ص:25)، والحاكم (1/128)، وأحمد (2/332)، وانظر: السلسلة الصحيحة (1/365) رقم: (203) فإن له شواهد تقويه.
[2] انظر مقالاً لي بعنوان: من محاسن كلام ابن الجوزي ودرره في تلبيس إبليس، وقد نشر على شبكة الألوكة.
[3] تفسير القرطبي (4/160-164).
[4] سوف يكررها، فيما يأتي في أقسام فرق القدرية.
[5] كررها فيما سبق في فرق الحرورية.
[6] وكذا الأشعري في مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (ص:213-234) أوصلها إلى اثنتي عشرة فرقة.
[7] لا أدري كيف أدخلهم في هذه الفرق بهذا؟!

________________________________________
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 04-14-2015, 08:18 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة السلبية والقعود في الفكر الصوفي

السلبية والقعود في الفكر الصوفي*
ــــــــــــــــ

25 / 6 / 1436 هــ
14 / 4 / 2015 م
ــــــــــــ



لم يعرف الإسلام يوما ولم يطلب من المسلم أن يكون منزويا قاعدا سلبيا لا يحرك ساكنا إزاء الأحداث التي تواجهه في الحياة، ولم يكن أبدا مفهوم العمل للآخرة مضادا ولا مصادما للعمل الجاد والمثمر في أعمال الدنيا.

فالمسلم يرى الأمل ويزرعه دائما في أنفس من حوله ويقاوم دوما الفشل والإحباط في نفسه فضلا عن تصديره لغيره، ففي الحديث الشريف عنه "من قال هلك الناس فهو أهلكهم". [1]( فهو أهلكهم أي أشدهم هلاكاً).

والمسلم يتحلى دوما بحالة في نفسه تجعله مهمومًا بأمر نفسه وما يصلحها وبأمر دينه وقضاياه، ويرى دوما أنه مسئول عن هذا الهم أمام رب العالمين ويستشعر مسئوليته تجاه الآخرين ولا يألو جهدًا في أن يعمل لبلوغ هدفه وغايته، وذلك في كل أمر من أمور الدنيا من مولده وحتى وفاته تحقيقا لأمره صلى الله عليه وسلم "إذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا" [2]

وينمي الإسلام شخصية المسلم فتجعلها تحمل معاني التجاوب والتفاعل والعطاء وتجعله دوما شخصا إيجابيا حيا متحركا متفاعلا مع كل وسط يحيا فيه، وفي المقابل يرفض الإسلام منه أن يكون متقوقعا منزويا، بليدا منغلقا خاملا كسولا، فالشخصية السلبية تدور حول نفسها فقط، اهتماماتها شخصية أنانية لا تبتعد عن الشهوات لا تمد يدها للآخرين ولا تسعى للترقي ولا لمعالي الأمور.

وهذا ما حرصت الصوفية كل الحرص على إيجاده، إيجاد مسلم خارج عن دائرة الوجود، ليس له علاقة بالحياة إلا ما يخصه فقط لا يسعى لعمل ولا تغيير ايجابي نافع.

وربما يفهم هذا منهم إذا كانت فلسفة ذاتية تخرج من مجموعة من المنسحبين من الحياة، وربما يتبعهم أناس يحبون أن يتبعوهم في هذه الآراء العجيبة الهادمة، فما أكثر الدعوات والنعرات في العالم وما أعجبها، ولكن أن يربط هذا الفهم بالإسلام وان يدعي هؤلاء إن هذا هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الخطأ بعينه والذي يجب وان يبين للناس كذب وتدليس هؤلاء على الإسلام وعلى مفاهيمه الصحيحة.

ولعل اخطر ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع هو بدايته حيث ينطلقون في هذا الكذب والافتراء على الإسلام من تقعيد وتأصيل فكرتهم الباطلة بتفسيرات ليس لها صحة لآيات من كتاب الله ولأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن كلماتهم وافتراءاتهم:

- فمن تفسيراتهم الغريبة والشاذة ما نقله السهروردي ما روي عن داود بن صالح أنه قال: قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت الآية: {اصبروا وصبروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. قلت: لا، قال: يا ابن أخي لم يكن في زمن رسول الله غزو يربط فيه الخيل ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة فالرباط لجهاد النفس والمقيم في الرباط مرابط مجاهد نفسه". [3]

- تفسيرهم لقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[4] أن معناه مجاهدة النفس والهوى وذلك هو حق الجهاد، وهو الجهاد الأكبر على ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حين رجع من بعض غزواته: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" [5].

ويقول شيخ الإسلام "ابن تيمية" تعليقا على استشهادهم بهذا الحديث: أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فلا أصل له ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، بل الواضح جداً من القرآن والمتواتر من السنة أن جهاد الكفار من أعظم القربات إلى الله تعالى، وأن الصحابة والتابعين في العصور الزاهرة التي شهد لها الرسول الكريم بالخيرية كانوا يتهافتون على القتال في سبيل الله ليحصلوا على إحدى الحسنيين إما الموت فالجنة، وإما النصر فالعزة والرفعة" [6].

صرف الناس عن الجهاد في سبيل الله، فينقل السهروردي في كتابه فيقول عجبا "قيل إن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو فكتب إليه يا أخي كل الثغور مجتمعة لي في بيت واحد والباب علي مردود فكتب إليه أخوه لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمته لاختلت أمور المسلمين وغلب الكفار فلا بد من الغزو والجهاد فكتب إليه يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم وعلى سجادتهم الله أكبر لانهدم سور القسطنطينية" [7]

وهذا بعيد تماما عما جاء به الإسلام وعن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج وعمل وجاهد في سبيل الله بلسانه ويده ولم يكتف كما يدعي هؤلاء بهذه الأذكار ويدعي أنها هي التي ستأتي وحدها وبهذا القعود بالنصر ولا حاجة للأمة في الجهاد.
وهكذا كان فعل زعماء الصوفية في كل وقت، فكانوا لا يلتفون للعمل والجهاد وانشغلوا فقط بما هم عليه وتركوا الأمة تصارع وحدها أزماتها ومشكلاتها وعظائم أمورها.

فأبو حامد الغزالي كتب في "إحياء علوم الدين" كل شئ عن التصوف وقرر أن طريقتهم من أنجح الطرق وأصلحها للوصول إلى ولاية الله ومرضاته وتكلم بإسهاب شديد عن طقوس المتصوفة المبتدعة ومع ذلك فإنه لم يتطرق ولو بسطر واحد للكلام على المصيبة التي أصيبت بها الأمة الإسلامية ألا وهو سقوط بيت المقدس في يد الصليبية فيقول الشيخ عبد الرحمن ال**** رحمة الله عليه: (سقط بيت المقدس في يد الصليبيين عام (542 هـ) والغزالي الزعيم الصوفي الكبير على قيد الحياة فلم يحرك منه هذا الحادث الجلل شعوراً واحد ولم يجر قلمه بشيء ما عنه في كتبه لقد عاش الغزالي بعد ذلك (13) عاماً إذ مات سنة (505هـ) فما ذرف دمعه واحدة ولا استنهض همة مسلم ليذود عن الكعبة الأولى"[8]

وهذا ما قاله الدكتور زكي مبارك حيث قال بعد أن تحدث قليلاً عن الحروب الصليبية: "أتدري لماذا ذكرت لك هذه الكلمة عن الحروب الصليبية لتعرف أنه ما كان "بطرس الناسك" يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب، وتحبير الرسائل، يحث أهل أوروبا فيها على احتلال أقطار المسلمين، كان الغزالي حجة الإسلام غارقاً في خلوته منكباً على أوردة المبتدعة لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى" [9].

أما الدكتور عمر فروخ فقد التمس العذر في سكوته عما جرى في القدس قائلاً: "كان الصوفية يعتقدون بأن الحروب الصليبية كانت عقاباً للمسلمين على ما سلف لهم من الذنوب والمعاصي، ولعل الغزالي قد شارك سائر الصوفية في هذا الاعتقاد" [10]

ولم يختلف حال ابن عربي وابن الفارض وهما الزعيمان الكبيران للصوفية عن حال الغزالي" فقد عاشا في عهد الحروب الصليبية فلم يسمع أحد عن واحد منهما أنه شارك في قتال أو دعا إلى قتال أو سجلا في شعرهما أو نثرهما آهة حسرة على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كانا يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء فليدع المسلمون الصليبيين فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور هذا حال أكبر زعماء التصوف وموقفهم من أعداء الله فهل كافحوا غاصباً أو طاغياً" [11]

"ولهذا لم يكن غريبا أبدا أن يجتمع زعماء الصوفية حين أقدم الفرنج على احتلال المنصورة لا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد ولكن لقراءة رسالة القشيري والمناقشة في كرامات الأولياء" [12]، وهذا ما فعلوه أيضا إبان غزو نابليون بونابرت لمصر عندما هرع الشيوخ إلى كتاب البخاري يلتمسون منه العون والمدد أمام مدافع الفرنسيين اقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم عليهم جميعا.

ولقد علم المستعمر في كل وقت أن هذه البقايا من هذا الفكر الغريب على الإسلام هم أمله الوحيد في إبقاء المسلم مخدرا بعيدا عن واقعه وقضايا أمته، فدعموه بكل ما يمكنهم دعمه، فهذا القائم بالأعمال الأمريكي في السودان يرتدي زي أولاد الشيخ الكباشي ويقوم بعدة زيارات لعدد من الطرق الصوفية رافقه خلال أكثرها مسئولون سودانيون بارزون، وكذلك كان فرانسيس ريتشاردوني السفير الأسبق للولايات المتحدة بالقاهرة يواظب على حضور مولد الصوفي السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا في وسط الدلتا بشمال مصر لمدة تسع سنوات متتالية، وغيرهم في كل بلد لعلمهم اليقيني أن بقاء هؤلاء هدم للشخصية للمسلمة وتحريف لها ودافعا لها على استمرار الخنوع والخضوع والسلبية والانعزال.

ـــــــــــــــــ

[1] (رواه مسلم عن أبي هريرة).

[2] صححه الألباني

[3] عوارف المعارف "2/55 الملحق بالإحياء ( ص82).لشهاب الدين عمر السهروردي

[4] [الحج: 78]

[5] أورَدَه أبو حامدٍ الغزالي في "الإحياء" 3/7، وقال الحافظ العراقي: أورَدَه البيهقي في "الزهد" من حديث جابرٍ وقال: هذا إسنادٌ فيه ضعف.وهو موضوع كما قرَّر شيخُ الإسلام

[6] انظر: "مجموع الفتاوى" 11/198.

[7] -( عوارف المعارف ص82) .

[8] كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن ال****

[9] الأخلاق عند الغزالي، ص 25.

[10] أبو حامد الغزالي والتصوف، للشيخ عبد الرحمن دمشقية، ص 352.

[11] هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن ال**** ص 170".

[12] طبقات الشعراني (1/11)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الميدان, الميسرة, المعاصرة, الموسوعة, والمذاهب, والأحزاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تتعثر الثورات في بلاد الطوائف والمذاهب والقبائل؟ Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 02-29-2016 09:38 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل _2_ صابرة شذرات إسلامية 1 06-26-2015 08:18 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل ! صابرة شذرات إسلامية 0 06-21-2015 10:38 AM
إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب بسبب خلافات مع نيتانياهو يقيني بالله يقيني أخبار الكيان الصهيوني 0 05-11-2012 05:40 AM
الاراء والمذاهب الفكرية عن الطبيعة البشرية وموقف الاسلام منها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-23-2012 12:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:46 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59