#1  
قديم 11-09-2013, 12:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
3 تغيير البنية الجيو- سياسية للشرق الأوسط



تطور فكرة تقسيم المشرق العربي في مراكز الفكر الغربية (2001-2013)




1383987211_TQ.JPG


بقلم: د. بشير زين العابدين / كاتب وباحث سوري

تناولت العديد من المصنفات الحديثة ظاهرة تأثير الأزمات الداخلية في بلدان العالم العربي على الأمن الدولي؛ حيث مثلت هشاشة البنى التحتية للجمهوريات العربية الحديثة منذ تأسيسها نموذجاً لحالة انعدام الاستقرار الذي يمكن أن يؤثر على منظومات الأمن الإقليمي.
وتأتي هشاشة البنى التحتية لهذه الجمهوريات كنتيجة حتمية لانعدام التوازن بين مفهومي "الدولة" (state) و"الأمة" (nation)، خاصة وأن معظم الجمهوريات العربية قد نشأت على أساس صفقات بين قوى استعمارية في مطلع القرن العشرين دون مراعاة لمفهوم "الدولة القومية" (nation state)، مما أدى إلى خضوع هذه الدول للأنظمة العسكرية الشمولية بعد خروج المستعمر، واندلاع النزاعات الحدودية، وتدهور العلاقة بين الدولة وبين مختلف فئات المجتمع إثر ارتكاز السلطة على قواعد ضيقة من الفئات المستفيدة.
ونظراً لضعف مؤسسات الإدارة وأجهزة الحكم في هذه الدول؛ فإن المهددات التي تواجهها غالباً ما تأتي من عوامل داخلية، وذلك نتيجة عجزها عن تشكيل علاقة متوازنة بين السلطة والمجتمع، ثم تأتي عوامل: الضعف الاقتصادي، وسوء توزيع الثروة، والتوتر بين مختلف المجموعات الإثنية والمذهبية داخل المجتمع كعوامل تنخر في جسد هذه الدول، وتمنعها من تشكيل نظام أمني متوازن.


وبناء على هذه المعطيات فقد ذهب بعض المنظرين الغربيين إلى أن الخلافات الحدودية وتدهور العلاقة بين المذاهب والإثنيات داخل الدولة يمكن أن تهدد منظومات الأمن الدولية برمتها، مما يستدعي التدخل الخارجي لمعالجة بؤر التوتر المحلية لبعض الدول الشرقية بهدف درء هذه المخاطر، خاصة وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد دفعت بالمجتمع الدولي للاعتراف بتنامي خطر الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، وإمكانية تعرض طرق الإمداد ومصادر الطاقة للتهديد من قبل جماعات راديكالية تتخذ من بعض الدول الهشة قواعد ارتكاز لها.
وساعد بروز القوى الفاعلة خارج إطار الدول (non state actors) على ترسيخ الارتباط بين الأمن الإقليمي والأمن الدولي؛ حيث مثلت حادثة تفجير برجي التجارة العالميين نقطة تحول في تبني واشنطن إستراتيجية أمنية جديدة لمواجهة الفكر المتطرف الذي انتشر في بعض دول الشرق الأوسط وذلك من خلال العمل على توظيف القوى المجتمعية داخل هذه الدول لفرض تغييرات في بنية مؤسسات الإدارة والحكم.
ويمكن تلمس تلك التوجهات من خلال رصد الدراسات التي نشرها باحثون مقربون من دوائر اتخاذ القرار السياسي في الغرب، وعلى الرغم من عدم تبني الحكومات الغربية أياً من هذه الدراسات؛ إلا أن المشاريع التي تقدمت بها معاهد الفكر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط قد عرضت على كبار المسؤولين في الحكومات الغربية المتعاقبة منذ عام 2001 وحظيت باهتمامهم.
كما إنها نوقشت على مستوى مؤسسات التخطيط الإستراتيجي وصنع القرار، ويمكن تفصيل تطور فكرة التقسيم المنطقة العربية فيما يأتي:
أولاً: تطور فكرة التقسيم والتسويق لمشاريع الحكم الفيدرالي عبر دعم القوى المجتمعية (2001-2006)

ارتكزت الأطروحات المتعلقة بضرورة إعادة رسم خريطة المشرق العربي على نقد مخرجات معاهدة: "سايكس بيكو" (1916)، والتي نصت على منح فرنسا كلاً من: الموصل وسوريا ولبنان، ومنح بريطانيا جنوب بلاد الشام وصولاً إلى بغداد والبصرة، وجاءت بعد ذلك معاهدة "سيفر" (1920) لإقرار الحدود التي تم ترسيمها من قبل، ومن ثم معاهدة "سان ريمون" في العام نفسه والتي نصت على وضع سوريا والعراق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني تباعاً.
وإثر انعتاق الجمهوريات العربية من الانتداب الأوروبي؛ انتشرت ظاهرة الانقلابات العسكرية والحكم الشمولي، فيما اندلعت الصراعات الحدودية بين هذه الدول نظراً لعدم رضاها بالتركة التي توافقت عليها الدول الغربية لاقتسام مناطق النفوذ فيما بينها، وواجهت هذه الدول مشاكل كبيرة في ترسيخ مفهوم المواطنة ضمن إطار الدولة وذلك في مقابل انتشار الأطروحات الأممية والإثنية، وأخذت العديد من القوى المجتمعية تعزز وجودها السياسي والإعلامي خارج إطار الدولة إثر انحسار المد القومي، وتنامي تيارات التطرف الديني، وخاصة في العراق وسوريا ودول الخليج العربي.
وكان أول من طرح فكرة تغيير البنية الجيو-سياسية للشرق الأوسط في مطلع الألفية الثالثة؛ الضابط المتقاعد رالف بيترز الذي نشر دراسة ذكر فيها أن الحرب على الإرهاب ستبقى ناقصة ما لم تتم معالجة: "قضايا الإرهاب الأصولي والتخريب والكراهية الصادرة من الدول المحافظة التي لعبت دوراً في تقويض الأنظمة العلمانية ونشر التطرف في العالم الإسلامي وإعادة حقوق الإنسان إلى الوراء".
وفي هذه الأثناء بدأت الصحافة ومراكز البحث الغربية المقربة تتقدم بأطروحات لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية كحل لمواجهة التشدد الديني وإمكانية استخدام القوة العسكرية لتحقيق ذلك؛ ففي ورقة مقدمة إلى وزارة الدفاع الأمريكية في شهر يونيو 2002 دعا الخبير الإستراتيجي بمؤسسة "راند" لوران موريس الإدارة الأمريكية إلى تبني حلول عسكرية متشددة إذا فشلت جهود الإصلاح في المنطقة العربية.
وفي الفترة ذاتها؛ شارك القيادي في أوساط المحافظين الجدد وليام كريستول في مؤتمر بإيطاليا (يونيو 2002)، وتحدث في مداخلته عن وجود أجندة أمريكية ستبدأ بالحرب على العراق وتنتهي: "بإسقاط الأنظمة الملكية في الخليج العربي"، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن المستمعين من النخبة الأوروبية قد صعقوا من صراحة كريستول وأسلوبه المباشر في الطرح.
وتزامنت تلك الأطروحات المتطرفة مع نشر تقرير تقدم به مؤسس معهد "هدسون" للدراسات الإستراتيجية ماكس سنجر لوزارة الدفاع الأمريكية (أغسطس 2002) يتلخص في الدعوة إلى إسقاط الأنظمة الملكية ودعم المعارضة في الخارج لإنشاء جمهورية مستقلة في شرقي شبه الجزيرة العربية، وذكر المتحدث باسم البنتاغون اللفتنانت مايكل هوم أن سنجر قد اجتمع بأندرو مارشال، وهو أحد المقربين من وزير الدفاع الأمريكي الأسبق؛ ودار الحديث بينهما حول إمكانية إنشاء كيان جديد على أسس طائفية في الخليج العربي.
وفي الفترة التي ظهرت فيها التقارير الداعية إلى إعادة رسم الخارطة العربية عام 2002؛ كانت الإدارة الأمريكية منهمكة في إعداد خططها لغزو العراق؛ الذي تأسس فيه منذ عام 2003 نظام سياسي يقوم على محاصصة إثنية-طائفية شبه رسمية، وأصبح الانقسام العرقي والطائفي في المحافظات العراقية أمراً لا يمكن تجاهله على أرض الواقع.
ومنذ ذلك الحين، بدأت تتضح ملامح الإستراتيجية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط والتي ارتكزت على دعامتي: "دعم الديمقراطية" و"تمكين الأقليات"، ابتداء من العراق وانتهاء بدول الخليج العربية؛ ففي شهر مارس 2003 نشر الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ليسلي غليب مقالاً بعنوان: "العراق، حل الدول الثلاث"، دعا فيه إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أساس عرقي وطائفي، وقد تبنت لجنة بيكر هذا المقترح الذي أيده أبرز أعضاء المجلس، ودعا غليب في مقاله إلى إنشاء دولة جديدة على أسس مذهبية في الخليج العربي بعد إنجاز مشروع تقسيم العراق.
وفي شهر أبريل 2006؛ نشر معهد "غلوبال ريسيرتش" الكندي مقالاً لغاري هلبرت تحدث فيه عن وجود مخططات أمريكية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس إثنية وطائفية، وأكدت الدراسة أن نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني ونائب وزير الدفاع الأسبق بول ولفويتز كانا من أبرز المؤيدين لفكرة التقسيم، كما نشر المعهد تقريراً آخر في شهر نوفمبر من العام نفسه؛ تحدث الكاتب فيه عن إمكانية أن تشهد المرحلة المقبلة بذل جهود استخباراتية لتشجيع الأقليات في المنطقة للمطالبة بكيانات سياسية مستقلة.
وتزامن صدور هذا المقال المثير للجدل مع قيام مركز "ستراتفور" للدراسات الجيوسياسية بنشر تقرير يشير إلى اعتزام الإدارة الأمريكية تقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ بحيث يكون القسم الأول وسط العراق وعاصمته بغداد، والقسم الثاني في إقليم "كردستان العراق" الذي يمكن أن يتحول إلى دولة تتمتع بحكم ذاتي، أما القسم الثالث فيقع جنوب العراق وعاصمته البصرة ويقوم على أسس مذهبية بحتة، وورد الحديث عن إمكانية أن يضم القسم الثالث أجزاء من الخليج العربي، وأكد التقرير أن هذه المقترحات قد طرحت للنقاش في لندن مع بعض الساسة العراقيين في شهر يوليو 2005.
وفي شهر يوليو 2006 نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية دراسة للنائب الأسبق لرئيس هيئة الأركان الأمريكي رالف بيترز دعا فيه إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن هذه الخطة لم تعتمد من قبل الإدارة الأمريكية إلا أنها عرضت للنقاش في كلية حلف شمال الأطلسي، وتم تداولها في دوائر رسمية عدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد أحد الباحثين بمعهد الدراسات الدولية وجود خرائط أخرى لا تقل أهمية عن خارطة بيترز إلا أنها لم تتسرب إلى الصحافة، وقد أدى نشر هذه الخارطة ومناقشتها في أروقة الناتو إلى احتجاج رئيس هيئة الأركان التركي لدى نظيره الأمريكي من التجاوز الخطير المتمثل في الدعوة إلى إنشاء دولة كردية على حساب تركيا.
ثانياً: الدعوة إلى دعم مطالب المعارضة الراديكالية بالانفصال السياسي والحكم الذاتي (2007-2010)

بحلول عام 2007 بدأت تظهر ملامح تفاعل القوى المجتمعية الأكثر تشدداً في المشرق العربي مع دعوات التقسيم الغربية.
وبدا ذلك جلياً في تعالي أصوات الجماعات المتطرفة للمطالبة بالانفصال السياسي؛ حيث نشرت مجلة "ميدل إيست بوليسي" في عددها الصادر بتاريخ 22 يونيو 2007 تقريراً يؤكد أن الأنظمة العربية باتت تشعر بالقلق من تنامي نشاط التنظيمات المتطرفة المرتبطة بإيران، مما دفع بعدد من القادة والزعماء العرب لتحذير الدول الغربية من مخاطر دعم هذه الجماعات التي تهدد حالة السلم الاجتماعي وتتسبب بشرخ خطير في العلاقات الإقليمية.
وفي مطلع عام 2008 صعّدت طهران موقفها ضد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكررت ادعاءاتها بتبعية البحرين لها، وذلك بالتزامن مع مطالبة زعماء الحركات الراديكالية في المنطقة بتقسيم الدول العربية على أسس مذهبية.
ونقلت وكالة رويترز عن أحد زعماء هذه الجماعات المتطرفة قوله: "عندما يستقر الوضع في العراق وتسود ديمقراطية حقيقية، سيسود كيان شيعي آخر في المنطقة إضافة إلى إيران"، وأكد المحلل الألماني "ماكسميلان تيرهال" أن أنظار هذه الجماعات في شرقي شبه الجزيرة العربية ترنو إلى تحقيق الحكم الذاتي.
في هذه الأثناء واجهت مؤسسات دعم الديمقراطية تهماً رسمية بدعم الجماعات الراديكالية من خلال: إقامة ندوات حوارية وعقد اجتماعات تنسيقية مع زعماء هذه الجماعات، وتنظيم برامج تدريبية لهم في دول عربية وغربية، كبرنامج "قادة الديمقراطية" الذي رعته وزارة الخارجية الأمريكية عام 2008 وشارك فيه عدد من قادة الجماعات المتطرفة التي لا تؤمن بالديمقراطية من حيث المبدأ.
وتعتبر مؤسسة: "الوقف القومي للديمقراطية" (NED) أحد أبرز المؤسسات التي اتهمت بدعم جماعات المعارضة المتطرفة وتمويلها فيما يخالف قانون الدول التي تنشط فيها هذه الجماعات، وقد واجهت هذه المؤسسة –التي تعمل في أكثر من 100 دولة حول العالم- تهماً بخرق قوانين البلاد التي تعمل فيها، وخاصة فيما يتعلق بتمويل هذه الجماعات.
وعلى هامش برامج "دعم الديمقراطية" و"تمكين الأقليات"؛ شهدت الفترة الممتدة ما بين عامي 2008 و2010 لقاءات مكثفة بين مسؤولين غربيين وزعماء جماعات راديكالية تناولت سبل دعم هذه الجماعات في ممارسة دور أكثر فاعلية في شؤون المنطقة، ومناقشة إمكانية تأسيس كيان جديد في شرقي الجزيرة العربية على أسس مذهبية.
وقد أكد هذه الحقيقة أحد المعارضين في الخارج بقوله: "حين أثير موضوع تقسيم المملكة؛ ركز المواطنون الشيعة على موضوع الإصلاح السياسي والبقاء ضمن البوتقة الوطنية رغم الإغراءات الكثيرة التي حاولت بعض الجهات الأمريكية الدخول من خلالها لتفتيت الوضع المحلي".
وشهد عام 2009 بصفة خاصة محاولات حثيثة من قبل هذه المجموعات لتأزيم الموقف السياسي في دول الخليج العربية والمطالبة بتشكيل كيانات مستقلة، ونظمت هذه الجماعات حملات احتجاجية اتسمت بالعنف وتتوجت بدعوة أحد رجال الدين المتشددين إلى الانفصال السياسي، وحض أتباعه على حمل السلاح ضد الدولة قائلاً: "كرامتنا أغلى من وحدة هذه البلاد... لن تنالوا عدلاً إلا بالجهاد".
وقد دأب العديد من المحللين الغربيين على دراسة مظاهر الدعم الأمريكي لهذه الجماعات المتطرفة وإبداء التفهم لمطالبها بالانفصال السياسي أو الحكم الذاتي.
ومن أبرز هذه الدراسات كتابات الباحث الأمريكي من أصل إيراني ولي نصر، الذي أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تبنت مبدأ "تمكين الأقليات" في العالم العربي منذ عام 2003، وقد فرض ذلك عليها وضع سياسة جديدة للتعامل مع الأقليات في المنطقة الممتدة ما بين لبنان وباكستان.
ورأى نصر أن مصالح الولايات المتحدة قد ارتبطت منذ ذلك الحين بجماعات إثنية وطائفية متحمسة لمشاريع دعم الديمقراطية الأمريكية، مؤكداً أن مفتاح التغيير في الشرق الأوسط ينبع من العراق التي تم تغيير موازين القوى فيها بصورة "أكثر واقعية"، حيث يضمحل دور الحركات العلمانية فيها وتندرس معالم الإيديولوجيا والفكر.
في حين تفرز العمليات الانتخابية ممثلين عن الأعراق والطوائف بدلاً من منسوبي الأحزاب والحركات السياسية، مشيراً إلى أن هذه القوى المجتمعية هي التي ستهيمن على الساحة السياسية في الشرق الأوسط وستستحوذ على الموارد والثروات في مرحلة ما بعد الإطاحة بالدكتاتوريات.
وفي دراسة حول ارتباط المصالح الأمريكية بالأقليات؛ توقع الباحث الأمريكي "جيمس لي" زيادة تأثير الأقليات على الشؤون السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج العربي، خاصة وأن إيران هي الدولة الأكبر في المنطقة وتمارس نفوذاً على عدد من الجماعات المرتبطة بها فكرياً وعقائدياً، ورأى "لي" أنه بات من المتعين على الدول الغربية أن تبدي اهتماماً أكبر بالعوامل الجيوسياسية في الخليج العربي بدلاً من الاقتصار على سياسة الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران.
وفي عام 2011 نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية دراسة للباحث أ. بينات؛ انتقد فيها نزوع الأنظمة الملكية إلى المحافظة على الوضع القائم مما ينذر بعواقب وخيمة على الأوضاع الأمنية في المنطقة، وأشار الباحث إلى إمكانية أن تتعاون الإدارة الأمريكية مع إيران لدعم جماعات المعارضة بهدف تعزيز الديمقراطية في هذه الدول.
وقد مثلت مرحلة الربيع العربي فرصة سانحة لأن يتقدم مجموعة من الباحثين الغربيين بأطروحات أكثر جرأة فيما يتعلق بإعادة رسم خريطة المنطقة العربية على أسس إثنية ومذهبية؛ ففي الوقت الذي ركزت فيه الحركات الشعبية في الجمهوريات العربية على تعزيز الحريات العامة وإصلاح أنظمة الإدارة والحكم؛ انخرطت بعض مراكز الفكر الغربية في دعم توجهات جماعات اللوبي الإيراني والإسرائيلي لمناقشة المشاريع التفتيتية وترجيح كفة مطالب الجماعات المتشددة بالحكم الذاتي والانفصال السياسي.
ويمكن القول بأن المرحلة 2011-2013 قد مثلت تحولاً كبيراً في الفكر الغربي نحو ترجيح مشاريع إعادة تشكيل المنطقة على أسس فيدرالية، وذلك في ظل اضمحلال دور الدولة وانحسار الإيديولوجيا، وعجز المجتمعات العربية عن إفراز نخب سياسية ناضجة لتحل محل الأحزاب الشمولية البائدة.
ثالثاً: مرحلة الثورات الشعبية وظهور مفهوم "التجزئة داخل الحدود" (2011-2013)

في أتون حالة الفوضى التي انتابت الجمهوريات العربية ابتداء من عام 2011؛ تنامت ظاهرة الولع الغربي بخريطة المنطقة العربية؛ إذ بدأت تظهر رسومات جديدة وخرائط مستحدثة لإعادة تقسيم المنطقة وفق مصالح القوى الدولية المتنافسة، ومثل المشهد الإنساني المروع للأزمة السورية فرصة لتناول الثورات العربية من منظور جديد.
ففي محاضرة بمدرسة: "جيرالد فورد للسياسة العامة" طرح عراب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر فكرة تقسيم سوريا على أسس إثنية وطائفية؛ قائلاً: "هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، أو انتصار السنّة، أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض وهذه هي النتيجة التي أفضّل رؤيتها تتحقق".
والحقيقة هي أن رؤية كيسنجر لحل الأزمة السورية عبر تقسيم الكيان الجمهوري على أسس إثنية ومذهبية لا تنبع من محض هواجس ذاتية لدى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق؛ بل تأتي ضمن مراجعات تجريها مراكز الفكر الغربية وبعض الجهات الرسمية التي بدأت تدعو في مرحلة الثورات العربية إلى إعادة فرز القوى السياسية وفق معادلة تفتيتية تقوم على المحاصصة داخل إطار الدولة.
فقد رأى الباحث في جامعة هارفرد "روجر أوين" أن التسوية الغربية للمنطقة العربية عقب الحرب العالمية الأولى قد أنتجت دولاً مصطنعة لا يزال تحقيق الاستقرار متعذراً دون حكم عسكري استبدادي، مما يدفع بالمجتمع الدولي اليوم للبحث عن ترتيبات جديدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار بصورة أكثر واقعية، وذلك من خلال إعادة تقسيم المنطقة وفق حدود جديدة تحظى باعتراف عالمي كما وقع في السودان، أو من خلال تطبيق مفهوم: "التجزئة ضمن الحدود" كما هو الحال في العراق، ورأى أوين أن السيناريو الأخير هو الأفضل بالنسبة للحالة السورية إذ إن البديل قد يتمثل في نشوء دولة فاشلة يمكن أن تؤثر سلباً على جيرانها.
وفي دراسة موازية أشار الكاتب بصحيفة "نيويورك بوست" أرنولد ألرت إلى ظهور عوامل التحلل على خريطة المنطقة العربية بعد مرور نحو قرن ساد فيه الحكم الاستعماري ثم العسكري الشمولي، ورأى ألرت أن الصورة الأنسب لضمان استقرار الكيان الجمهوري في سوريا تكمن في تأسيس نظام "ترويكا" تتوزع السلطة فيه بين السنة والأكراد والعلويين، مشدداً على ضرورة وضع المصالح الأمريكية على قمة الحسابات في ترتيبات المرحلة القادمة للبلاد.
وعلى نهج سابقيه نشر الباحث بجامعة "جورج تاون"، غبريال شينمان، بحثاً أشار فيه إلى أن الشرق الأوسط يدفع ثمن أخطاء الدول الغربية عندما رسمت خارطة المنطقة في مطلع القرن العشرين، مؤكداً أن مفتاح حل الأزمات السياسية في مرحلة الربيع العربي يكمن في إعادة رسم خريطة المنطقة فيما يتناسب مع طموحات الأقليات الإثنية والمذهبية، مستشهداً بمبادئ ولسون الأربعة عشر التي أقرت حق الشعوب في تقرير مصيرها خلال مفاوضات السلام التي أعقبت الحرب العالمية الأولى.
جدير بالذكر أن المؤسسات الإعلامية ومراكز البحث الإسرائيلية قد بادرت من جهتها إلى تبني مفهوم إعادة رسم خريطة المشرق العربي وفق مفهوم "التجزئة ضمن الحدود" باعتبارها حلقة في سلسلة الترتيبات النهائية لعملية السلام.
فقد نشر رئيس تحرير صحيفة "هآرتز" العبرية "ألوف بن" مقالاً أكد فيه على ضرورة أن تسفر تطورات المنطقة عن صياغة خريطة سياسية جديدة تحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وذلك عبر تأسيس كيانات سياسية جديدة، وهو الأمر الذي سيكسر عزلة إسرائيل ويتيح لها مجال المناورة ويعزز فرص تواصلها مع شعوب المنطقة.
واختتم "بن" مقالته بالقول: "لا نستطيع تجاهل أن إسرائيل هي لاعب أساسي في السعي نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وترسيم حدودها، وفي سياق متصل لن تكون إسرائيل بمنأى عن تأثيرات تفكك الدول المجاورة لها، سيما الأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية، حيث يمكن لإسرائيل أن تتبنى سياسة ذكية تمكنها من تحديد الفرص الكامنة لانبثاق دول جديدة، وتساعدها على استغلال هذه الفرص، وتجعلها قادرة على احتواء عملية التحول الحتمي بهدف تعزيز قوتها ونفوذها في المنطقة".
ومنذ ظهور مؤلفه "كيف تدير العالم" عام 2011؛ يعتبر الباحث في مؤسسة "أمريكا الجديدة" باراج خانا أحد أبرز المنادين بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث توقع أن يصل عدد الدول المستقلة في العالم خلال الفترة القادمة إلى 300 دولة بدلاً من 200 دولة اليوم.
وبناء على ذلك، فقد دعا "خانا" في مقال نشر بصحيفة "نيويورك تايمز" إلى التعامل مع الأزمات السياسية بالمنطقة من خلال حلول جذرية تتلخص في تأسيس دول طائفية وإثنية (علوية وكردية) في المشرق العربي، وأخرى قومية في آسيا الوسطى تحت مسمى: "أذربيجان الكبرى".
وفي مقال آخر نشرته مجلة "فورين بوليسي" بعنوان: "الانفصال قد يكون مفيداً"، رأى "خانا" أن ولادة دولة جنوب السودان تمثل بداية الترتيبات لولادة دول جديدة في الشرق الأوسط على أسس إثنية ومذهبية.
واقترح الباحث حزمة من الآليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لضمان استمرار هذه الدول واستقرارها، منبهاً إلى ضرورة المزج بين المرونة والقسوة في تحقيق طموحات شعوب المنطقة، إذ إن البديل الوحيد لحالة "الصراع الدائم" داخل هذه الدول يكمن في منح الشعوب حق تقرير المصير مهما كانت التكلفة، ودعا الغربية إلى تقديم الدعم للهيئات الإقليمية والجماعات الانفصالية لتأهيلها حتى تكون قادرة على إنجاز عملية إعادة التقسيم.
ويمكن القول إن الأزمة السورية الراهنة قد مثلت نموذجاً لدى العديد من مراكز الفكر الغربية لتطبيق مفهوم "التجزئة ضمن الحدود" وفق النسق العراقي، حيث نشرت في الأشهر الثلاثة الماضية مجموعة من الدراسات التي تقترح حل الأزمة السورية على أساس إعادة الفرز الجيو-سياسي ضمن إطار الحدود القائمة.
ولعل أبرزها الخريطة التي نشرها "معهد دراسات الحرب" والتي توقعت تقسيم الكيان الجمهوري إلى ثلاثة أقسام: رقعة شمالية شرقية يسيطر عليها الأكراد، وأخرى وسط وشمال غربي البلاد تسيطر عليها المعارضة في حلب، وذلك مقابل الاعتراف الدولي بسيطرة النظام على دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس.
رابعاَ: مشاريع التقسيم وتحديات الهوية السياسية في المشرق العربي

استعرضت هذه الدراسة تطور وجهات نظر بعض مراكز البحث الغربية في المستقبل السياسي للمنطقة العربية خلال الفترة: 2001-2013، من خلال الإستراتيجيات الثلاث التالية:
1- طرحت مؤسسات أمريكية مقربة من دوائر اتخاذ القرار في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين فكرة إعادة رسم الخريطة العربية، عبر استنساخ التجربة العراقية وإعادة تطبيقها في الخليج العربي، وقد استقطبت هذه المخططات اهتمام عدد من المسؤولين الأمريكيين في الفترة: 2003-2007، إلا أنه لا تتوفر دلائل واقعية تثبت اقتناع الموقف الرسمي بأي من هذه المشاريع، ولا شك أن تدهور الأوضاع الأمنية عقب الانسحاب الأمريكي من العراق قد دفع بمراكز البحث لتبني خيارات أخرى لإعادة الفرز السياسي في المنطقة.
2- في مقابل مشاريع التقسيم التي طرحتها مراكز الفكر؛ تبنت الحكومات الغربية مفاهيم تعزيز الإصلاح السياسي في البلاد العربية كخيار إستراتيجي، وترتكز هذه السياسة على إعادة صياغة الأنظمة السياسية من خلال إضعاف مؤسسات الحكم المركزي ودعم المجموعات الإثنية والمذهبية التي تطالب بدور أكبر في إدارة شؤونها ضمن إطار الدولة.
وفي الفترة الممتدة ما بين 2007 و2010، ظهرت ملامح التعاون بين الإدارة الأمريكية وبعض المنظمات التي تمتلك أجندات مذهبية، مما أدى إلى تنامي مشاعر القلق لدى بعض الحكومات العربية، خاصة وأن هذه الجماعات قد تغلغلت في مؤسسات صنع القرار الغربي وتمكنت من توصيل منظومة من الأفكار المتعلقة برفع وتيرة تمثيلها السياسي في المنطقة.
3- في مرحلة الثورات الشعبية التي اجتاحت المنطقة في الفترة 2011-2013، بدأت تظهر مفاهيم جديدة في تطبيقات التقسيم والتي يمكن تسميتها: "التجزئة داخل الحدود" والتي تنطلق من القناعة بعدم جدوى مشاريع التقسيم في ظل المعادلة الإقليمية المعقدة.
لكن المعضلة الأكبر تكمن في عجز النخب العربية المثقفة عن التقدم بأطروحات ناضجة للتعامل مع المشاكل المجتمعية وتحديات الإصلاح السياسي، وذلك في ظل تنامي الفكر المتطرف واضمحلال دور الدولة ومؤسسات الحكم المركزي.
وفي ظل غياب الدراسات العربية الجادة لمعالجة مشاكل الهوية السياسية في المنطقة العربية ومستقبل الكيانات الجمهورية؛ تنتج مراكز البحث الغربية دراسات تنطلق من منظور قاصر عن استيعاب المجتمعات العربية وبنيتها التعددية؛ حيث يعمد الباحثون الغربيون إلى عقد مقارنات خاطئة بين تشكل الدول العربية وتشكل الدول القومية في البلقان إثر انهيار الإمبراطوريتين: العثمانية والنمساوية-الهنغارية، ويظهر الخلط لدى الباحثين الغربيين بين مفهوم "الدولة القومية" من جهة، والدولة "الإثنية" و"المذهبية" من جهة أخرى.
وسواء كان ذلك الخلط متعمداً أو ناتجاً عن ضحالة في الرؤية لدى الباحثين الغربيين المحدثين؛ فإنه يجدر التنبيه إلى أن تشكل الدول الحديثة شرقي أوروبا قد تزامن مع وقوع حربين عالميتين كلفتا أوروبا ملايين الأرواح، وجاءت حروب التطهير الديني والعرقي في يوغوسلافيا خلال الفترة: 1991-1999 لتذكر المجتمع الدولي بأن دول أوروبا الشرقية لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
أما في المنطقة العربية، فإنه لا يمكن تصور قيام دول مستقلة على أساس مذهبي أو إثني؛ إذ إن المجتمعات العربية تتسم بالتعددية، في حين يغلب على المدن العربية ظاهرة الاختلاط بين مختلف المجموعات مما يجعل مفاهيم الفرز السياسي على أسس إثنية ومذهبية أمراً متعذراً، وقد حاولت فرنسا إنشاء منظومة من الدول الطائفية في سوريا خلال الفترة: 1920-1936، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل.
وفي مقابل هذه الأطروحات التفتيتية التي تتبناها معاهد الغرب؛ يمكن القول بأن الوقت قد حان لتقصي النماذج الناجحة في مجال التكامل الإقليمي، وتحفيز النخب العربية لملء الفراغ والخروج بأطروحات علمية جادة لمعالجة الهوية السياسية للكيانات العربية في هذه المرحلة الحرجة من التحول البنيوي.

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-11-2013, 09:17 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

خارطة الوطن العربي إلى أين؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(عاهد الخطيب)
[ 13 / 1 / 1433 هـ]
[8 / 12 / 2011 م]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كم هو منظر مؤلم وغير مألوف، هذا المنظر الذي تقعُ عليه عينُ مَن يشاهدُ الخريطةَ الجديدة المنكمشة لعالمنا العربي، بعد محوِ ما يزيد عن ربعِ مساحة أكبرِ دولةٍ عربية وإفريقية منها؛ هي السودان؛ حيث أصبح انفصالُ الجنوبِ أمرًا واقعًا، نتيجةً للاستفتاء الذي تم مطلع هذا العام برعايةٍ ومباركة دولية!

يمثل هذا الجزءُ الضائع من الجسدِ العربي هذه المرة المساحةَ الأكبر ضمن سلسلةِ الاقتطاعات لأجزاءٍ عزيزة وغالية على قلبِ كلِّ عربي من هذا الوطنِ الكبير، بدأت بإقليم الأحواز (عربستان) عام 1925م، ثم لواء الإسكندرون عام 1939م، ثم فلسطين عام 1948م، ثم أقاليم صومالية 1954م، ثم ما بقي من فلسطين وهضبةِ الجولان وصحراء سيناء عام 1967م.

• سيناء عادت لمصر عام 1982- ثم جزر إماراتية عام 1971م وعام 1992م، إضافة إلى مشاكل انفصاليةٍ أخرى لا زالت قائمة وتتهدِّدُ عددًا من الدولِ العربية؛ أبرزها مطالبة الصَّحراءِ الغربية بالاستقلالِ عن المغرب.

بطبيعةِ الحال فإنَّ هذا الانفصالَ لجنوبِ السُّودان لم يأت كنتيجةٍ لأحداث مستجدة، إنما هو ثمرةٌ لبذرةٍ قديمة كان قد زرعها الاستعمارُ الإنجليزي للسُّودان في بداياتِ القرن الماضي، كما هي سياساتُه المعهودة في غرزِ بذور الفتنة والانشقاق في كلِّ الأماكنِ التي حلَّ بها، فقد عمل منذ البدايةِ على إحداث تفرقةٍ بين جنوب السُّودان وباقي أجزاءِ الوطن، بتأكيدِه على الانتماءِ الإفريقي لأبناء الجنوبِ، والحفاظِ على وثنيتهم وسواها من المعتقداتِ غير دين الإسلام، وحرص على عزلِهم عن الإسلامِ القادم من الشَّمال باتباعِ أسلوب المناطقِ المغلقة، وتشجيعه في الوقتِ ذاته للإرساليات والبَعَثات التَّبشيرية على نشرِ النَّصرانية، كما عمل أيضًا على تعزيزِ الاعتماد على اللغةِ الإنجليزية وإقصاء اللغةِ العربية، لطمسِ كلِّ معالِم للإسلام والعروبة لأيِّ كيانٍ مستقبلي كان يخطِّطُ لقيامِه في هذا الجزء من السُّودان، وهذا ما آلتْ إليه الأوضاعُ مؤخَّرًا؛ حيث حرصت حكومةُ هذا الكيانِ منذ اللحظاتِ الأولى على اعتمادِ اللغة الإنجليزية كلغةٍ رسمية للبلاد.

إنَّ أشدَّ ما يبعثُ على القلقِ في انفصال هذا الجزء الهائل من مساحةِ السُّودان، أنه يتمُّ لصالحِ كيانٍ منكشف تمامًا على قوى خارجية إقليمية وعالمية، لا تكنُّ الودَّ للعربِ والمسلمين، تتلاعب به وتوجهه كيفما شاءت وَفْقًا لمصالِحها، مستغلةً افتقاره إلى كثيرٍ من المقوماتِ التي تحتاجُها أيُّ دولة ناشئة، وهذا يعني أنَّ سياساته المستقبلية تتجه نحو التصادُمِ مع جيرانِه العرب، إن أرادت له هذه القوةُ المسيطرة أن يلعبَ هذا الدور، وهو ما يتوجَّسُ منه الخبراءُ المختصون بحكمِ ما يرونه قائمًا على أرضِ الواقع، وما نخشى منه نحن كأمةٍ عربية من خلال تجارِب سابقة.

لعلَّ أسوأ ما في الأمرِ أنَّ أجزاء هامة من روافدِ نهر النيل؛ الذي هو في غايةِ الأهمية للسُّودان وشريان الحياة لمصر، تمرُّ عبر هذا الكيان الجديدِ، ومن ثَمَّ فإنَّ لديه القدرة مستقبلاً على اختلاقِ مشاكل حقيقية لهاتين الدولتين الجارَتَيْن، بالتحكمِ بهذا المصدر المائي إنْ أراد له مَن يوجهونه ذلك.

في ظروفٍ كهذه يصبحُ لزامًا على كلٍّ من السُّودانِ ومصر ألا تدخرا جهدًا في الحفاظِ على حقوقِهما الثابتة في مياه النيل، باستحداثِ اتفاقياتٍ جديدة مع هذا الكيانِ الجديد، والتأكيد على ما هو قائم من اتفاقياتٍ مع دولٍ أخرى ذات صلة بمنابعِ النَّهر؛ لضمانِ هذه الحق، وأن تبقيا على جاهزيتهما العسكرية في أعلى درجاتِها؛ للدِّفاع عن هذا الحقِّ بالقوةِ إن فُرض عليهما ذلك، وأن تحرصا على تجنبِ مثل هذه المواجهةِ، بالإبقاءِ على عَلاقاتٍ ودية معه، وعدم ترك الباب مفتوحًا على مصراعيه للآخرين من أعداء الأمَّةِ، والطَّامعين في ثرواتِها، والطَّامحين لمزيدٍ من الضَّغطِ والسيطرة عليها، عبر كلِّ سبيل متاح كما هو الحال مع هذا الوضعِ المستجد؛ حيث عملوا منذ وقتٍ طويل على ضمان انحيازه لصفهم من خلالِ جسور المساعدات الإنسانية والجهود الإغاثية، إضافة للمساعداتِ الفنية والعسكرية.
---------------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-13-2013, 05:43 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

إستراتيجية اتفاقية "سايكس - بيكو" الجديدة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
(مولاي المصطفى البرجاوي)
------------------
بتأريخ : 6 / 1 / 1433 هــ
ـــــــــــــ 1 / 12 / 2011 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنَّ اختيار هذا الحدَث التاريخي الذي عُنِي بتقزيم وتمزيق "كعكة" العالم الإسْلامي لِمُعظَمِ أجزائه - يُوحِي من خِلال القَرائن والشَّواهد والوَثائق بأنَّ هناك علاقةً وطيدةً بما نحن فيه - إذا لم يتمَّ تدارُك الموقف - من خِلال حِرص الدُّوَلِ الصِّهيَوْ - غربية إلى تفتيت ما يمكن تفتيته؛ لبَسْطِ سيطرتهم "أكثر" على العالم الإسلامي، وحتى لا تقوم له قائمة في ردع الكيان الصِّهْيَوْني! فالسِّياق التاريخي للحدث الأوَّل أفرز دولةَ الصَّهاينة بِناءً على الوعد المشؤوم "وعد بلفور" سنة 1917م، بينما ما يجري حاليًّا يُسهِمُ في بَقاء هذا الكيان سالِمًا غانِمًا، لا يقدر أيُّ أحدٍ من الدول العربيَّة على مواجهته، بل حتى البوح ببنت شفة مما يجري في أرْضنا ******ة فلسطين؛ نتيجة انشِغالها بقَضايا أخرى، إمَّا ترفيهيَّة، أو لتوسيع النُّفوذ، أو مشاكل داخليَّة ممزقة!

ماذا يُقصَد بـ"سايكس - بيكو" في بُعدها التاريخي؟
إطلالة سريعة على الحدث:
لقد سبَقتْ أحداثٌ مهمَّة قبل توقيع مُعاهَدة أو اتفاقيَّة سايكس - بيكو، ولعلَّ من أهمها:
• بعد أنْ فشلت المخطَّطات العسكريَّة البريطانيَّة في العراق إبَّان الحرب العالميَّة الأولى، ونتيجة عجزها عن السَّيْطَرة على المضايق التركيَّة، ومع زيادة ضَغط القوَّات التركيَّة على منطقة قناة السويس، هذا الأمرُ جعَل تعاون العرب مع القوَّات البريطانيَّة أمرًا حيويًّا للغاية؛ لذا عملت بريطانيا على استِمالة الشريف حسين (حاكم الحجاز) إليها، وبدَأتْ بين السير "مكماهون" وحسين مُكاتَبات ومُراسَلات استمرَّت (18) شهرًا، عُرِفَتْ باسم مراسلات "الحسين - مكماهون"، كانت بريطانيا تهدف من وَرائها إلى دفْع العرب إلى الثورة على الأتراك، أمَّا الحسين، فكان يأمل قيام دولة عربيَّة على المشرق العربي، وهي المنطقة التي تضمُّ الجزيرة العربيَّة والعراق وبلاد الشام، ويتولَّى هو حكمها.

• كما حرَص العرب على الحُصول على اعترافٍ بحقِّهم في تأسيس دولةٍ عربيَّة، من هنا كانت تُجرَى سِرًّا مفاوضاتٌ بين دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا) حول اقتسام الدولة العثمانيَّة (تركة الرجل المريض).

• فقد توصَّلت الدولتان الحليفتان: فرنسا وبريطانيا إلى هذه المعاهدة في 16 مايو 1916م؛ نتيجة محادثات سريَّة دارَتْ بين ممثِّل بريطانيا "السير مارك سايكس" وممثِّل فرنسا "المسيو جورج بيكو"، اللذين عرَضَا نتائج مُحادثاتهما السريَّة على روسيا القيصريَّة، فوافقت عليها في مُقابِل اتِّفاق تعترفُ فيه بريطانيا وفرنسا بحقِّها في ضمِّ مناطق مُعيَّنة من آسيا الصُّغرى بعد الحرب، وبموجب معاهدة سايكس - بيكو قسَّمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي إلى خمس مناطق هي: السواحل السورية واللبنانية، وهذه أُعطِيت لفرنسا، والعراق والخليج أُعطِي لبريطانيا، وبالنسبة لفلسطين فقد اتُّفِقَ على إنشاء إدارةٍ دوليَّة فيها، لكن ثبت أنَّ التدويل (اتخاذها صبغة دوليَّة)، كان مجرَّد خطوة أولى، تبعَتْها خطوة "وعد بلفور" 1917م ثم الانتداب البريطاني فيما بعدُ، أمَّا المنطقتان الرابعة والخامسة، فقد اتَّفقت بريطانيا وفرنسا على الاعتراف بدولة أو حلف دول عربيَّة مستقلَّة برئاسة رئيس عربي فيها، على أنْ يكون لفرنسا في إحدى المنطقتين (المنطقة الداخلية السورية) حق الأولويَّة في المشاريع والقُروض المحليَّة والانفراد بتقديم المستشارين والموظَّفين، وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا في المنطقة الداخليَّة العراقيَّة.


اتفاقية "سايكس - بيكو" الجديدة، هل يعيدُ التاريخ نفسه؟!
قد يكونُ من السابق لأوانه الحكمُ على الوضع الحالي حكمًا آنيًّا ومطلقًا، لكنْ تَوالِي مجموعة من المعلومات الاستخباراتيَّة الغربية (وثائق ويكليكس التي كشَفتْ عن بعض الخبايا، كما كشف الروس عن اتفاقية سايكس - بيكو المشبوهة) والأحداث المتوالية، خاصَّة التدخُّل الغربي في الشُّؤون الداخليَّة للمسلمين[1] - يُنبِئ بأنَّ القادم - إنْ لم تتَكاتَفْ جهود المسلمين للملمة الوضع المتأزِّم - سيعجل بتفتيتها أكثر، تحت شعار: "تقسيم المقسَّم، وتجزئة المجزَّأ".

في بداية القرن العشرين أطلق الصحفي المشهور توماس فريدمان قولته المشهورة،: "إنَّ الدول العربيَّة هي مجموعةٌ من القبائل بأعلامٍ مختلفة"، وإن دلَّ هذا على شيءٍ فإنما يدلُّ على الترويج لثقافة التفتيت والتجزيء التي يسعى الغرب والصَّهايِنة إلى تكريسها وتنفيذها...

صحيح أنَّ أغلب الصِّراعات الحاليَّة الحدوديَّة بين دول العالم العربي والإسلامي وريثة الاستِخراب (الاستعمار) ومخلَّفات الحرب الباردة؛ مثل المغرب، من خلال حِرص - سواء الأطراف الغربيَّة أو الدول العربيَّة الإسلاميَّة المجاورة، خاصة الجزائر - على انفِصال جنوب المغرب عن شماله، وإمارات مع إيران، والكويت مع العراق...

لكن مع الإجراء الانفصالي الخطير الذي تَمَّ في العصر الحالي؛ السودان التي انفصل جنوبها عن شمالها - بدأت تحومُ أفكارٌ في رأسكلِّ متتبِّع وكلِّ ذي غيرة على دِينه وأمَّته أنَّ شيئًا ما يُحاك في الخَفاء...

كما أنَّ الطريقة الجهنَّميَّة التي يُجرِّبها التحالُف الدولي الإمبريالي الغربي الجديد في ليبيا حاليًّا أشدُّ "ذكاء" وفتكًا من طريقة الإدارة الأمريكيَّة في عهد الرئيس جورج بوش الابن حين احتلَّت العراق، وأشد وأعقد من سايكس - بيكو القديمة.

في الوضع الراهن، وبفضل "زلزال" الثورات التي انفرط عقدها، أصبح الطريق مختصرًا جدًّا على الكيان الصِّهيَوْ - غربي؛ إذْ يكفي إشعال فتيل شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" على أي بلد عربي آخَر - كما هو الشأن بالنسبة لليبيا - لتبدأ في إرسال مُعدَّاتها العسكريَّة خِدمةً لمشروع التفتيت، وتكريسًا للهيمنة الغربية على العالم.

صحيحٌ أنَّ الشعب العربي المسلم عانَى ردحًا طويلاً من الظُّلم والطُّغيان والفساد، ويسعى من خِلال ثوراته المباركة، إلى محو كلِّ أشكال الظُّلم الداخلي الذي يُمارِسُه الحكَّام وزبانيتهم، والظُّلم الخارجي الذي يُمارِسُه الكيان الصِّهيَوْني بكلِّ أجهزته... لكن كل هذا لا ينبغي أنْ يدفَعنا دفعًا إلى تفتيت بلداننا أكثر ممَّا هي مفتَّتة، بل التفكير في حلِّ مشاكلنا بطرق سلميَّة دُون إعطاء الفُرصة للدول الصِّهيَوْ - غربية للتدخُّل في شُؤوننا الداخليَّة من خِلال الاتِّفاقيات السريَّة بين الكيان الصِّهيَوْني وبعض الحكَّام العرَب الذين لا يهمُّهم سوى الحِفاظ على عُروشهم على حِساب وحدة العالم الإسلامي...

فالغرب - على حدِّ تعبير الباحث محمد الهداج - يريدُ نفط ليبيا، وفي سبيل ذلك يريدُ "بلقنتها" أو "صوملتها" أو "عرقنتها"، والبعض منَّا يُطبِّل لقراصنة النفط كالبُلهاء، وحين يضَعُ هؤلاء القراصنة أيديهم على نفط ليبيا، سنرى أشلاء الليبيين مرميَّة في الطرقات وفي الأسواق، كما ستصلنا صور جنود أمريكيين أو فرنسيين أو... تعرض أجساد عُراة لليبيين كما شاهدنا ذلك في العراق وأفغانستان والصومال...

كما لا ينبغي أنْ يغيب عن أذهاننا الإستراتيجيَّة الإيرانيَّة في أفق تحقيق مشروع "الدولة الشيعيَّة الكبرى" (وفي المقابل تفتيت "أهل السُّنَّة" شيعًا وفرقًا متناحرة) من خِلال الاتِّفاقيات المكثَّفة التي عقدَتْها مع عدوِّها - كما تدَّعِي - حول العراق؛ لإنهاء الاحتقان الطائفي، بله الهجمات المتكرِّرة آنَذاك على المحتلِّ...! من خِلال الدَّعم غير المسبوق لدول التحالُف الإمبريالي، من أجل ضرب العراق وأفغانستان، وما هذا الإجراء المتعاون مع "الاستكبار العالمي" - على حدِّ تعبيرها - إلا سعي منها لتحقيق مشروع أكبر دول شيعيَّة في العالم، وحاليًّا بدأ صوتها يعلو على البحرين للوقوف إلى جانب الرَّوافض من خِلال تصريحاتها الرسميَّة الناريَّة التي تَفُوح بها! ونفس الشيء صرَّحت به من خِلال دَعْمِها للنِّظام المستبدِّ في سوريا الذي أتى على الأخضر واليابس فيها، بل لم تترُكِ الآلة العسكريَّة و"الشبيحة" طفلاً رضيعًا ولا شيخًا كهلاً إلا سامَتْه أنواع العذاب؛ من تذبيحٍ، وتنكيلٍ، وتقتيلٍ...

رغم أنَّنا نطمح إلى بناء مجتمع إسلامي يَسودُه العدل، هذا طموحنا الأكبر، ولكن في الآن نفسه وجَب على التنسيقات واللجان الثوريَّة عدمُ الانسياق وراء ادِّعاءات الغرب، بل التعامُل بحكمةٍ، وبأقل الخسائر...

وفي الأخير، إنَّ نداءنا من هذا المنبر الجادِّ هو قراءةٌ للأحداث قراءةً واعية، وأخذٌ للحيطة والحذر ممَّا يُحاك ضدَّ المسلمين، ثم ضرورة إعادة توحيد العالم الإسلامي وتوجيه العناية إلى رتْق الفتْق قبل اتِّساعه، وتدارُك العلَّة قبل استِحكامها، فلا يظنُّ بنا التحليق في الخيال، فقد تعلَّمنا من سيرة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كيف نتفاءل ونُواجِه الأزمات بروحٍ مشرقة، آمِلين في تحقيق نصر الله - عزَّ وجلَّ - بعد الأخْذ بأسبابه.

نحن أمَّةٌ ما زال الخير فينا ينبض بدماء الحياة، ويتمتَّع بمقومات الوجود، غير أنَّ وجودنا هذا اعتَراه ما يعتَرِي وجود الأمم من ضعفٍ وانحرافٍ فور تحييد الدين الإسلامي العالمي عن جميع دواليب الحياة العامَّة! الإسلام نظامٌ عالمي؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 52].
----------------------------------------------
[1] ها هنا في هذه الفقرة لا أُؤيِّد استمرار الطُّغاة على كرسي عرش المسلمين، ولكنَّنا نوافق على حلِّ المشاكل بين الدول الإسلاميَّة فيما بينهم دون إعطاء فرصةٍ للتدخُّل الأجنبي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
للشرق, الأوسط, البنية, الدين, تغيير, سياسية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع تغيير البنية الجيو- سياسية للشرق الأوسط
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العاهل الأردني لـ «الشرق الأوسط»: السنة والشيعة حقيقة ستستمر إلى يوم الدين Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 06-26-2013 01:07 PM
سايكس بيكو جديدة للشرق الأوسط عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 06-25-2013 09:45 AM
سيناريوهات جديدة للشرق الأوسط Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 05-27-2013 10:47 AM
البنية العمرانية لمدينة قلعة بني حماد Eng.Jordan المكتبة الهندسية 0 01-29-2012 06:57 PM
وفد حماس برئاسة مشعل يصل القاهرة للقاء مبعوث سويسرا للشرق الأوسط مهند أخبار عربية وعالمية 0 01-17-2012 11:32 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59