#1  
قديم 12-13-2015, 07:35 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي العوامل المؤثرة في تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام خلال العصرين المملوكين الأول والثاني


حمل المرجع كاملاً من المرفقات


العوامل المؤثرة في تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام خلال العصرين المملوكين الأول (648-784ه‍/1250-1381م)
والثاني (784-922ه‍/1381-1517م)


تاريخ تسلم البحث: 25/1/2007م تاريخ قبوله للنشر: 2/8/2007م

فيصل عبد الله بني حمد*
ملخص
يهدف هذا البحث إلى دراسة العوامل المؤثرة في تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام في العصر المملوكي (648- 922ه‍/1250- 1516م)مبيناًآثار الغلاء على السكان، وموقف الدولة والعامة في مواجهة تلك المشكلة.
وخلص البحث إلى أن أسعار المواد الغذائية لم تكن ثابتة، بل تأثرت ببعض الكوارث الطبيعية مثل: القحط والجفاف، والجراد والفئران، وغيرها. كما تأثرت الأسعاربممارسات بعض السلاطين والأمراء المماليك؛ كالاحتكار والطرح والرمي، بالإضافة إلى الغزو المغولي، ومرور قوافل الحج عبر بلاد الشام.
وحاولت الدولة المملوكية الحد من ارتفاع الأسعار، من خلال ضبط وزن العملة، وتشديد قبضتها على الأسواق، وبخاصة فيما يتعلق بمنع الاحتكار، وضبطالمكاييلوالأوزان، ونقل الغلال من مصر إلى بلاد الشام، فضلا عن ذلك لجأت السلطة إلى تحديد أسعاربعض المواد الغذائية، كالخبز واللحوم، لشدة الطلب عليهما.

وكان للغلاء آثار شديدة على مجمل أوضاعالدولة من حيث: اضطراب الأمن، وتعرض الأسواق ودور الحرف والصنائع للسلب والنهب، وتدهور التجارة، وانتشار الأوبئة، وكثرة الموت، واضطرار بعض الناس إلى أكل الميتةوبيع أبنائهمبأبخس ثمن بغية الحصول على الطعام، ومنهم من رحل عن أوطانه إلى مناطق أكثر رخاء.
Abstract

This research aims to study the effective Factors on fluctuation of food staff prices in Bilad Al-Sham during the Mamluki Era (648-922) A.H/1250-1517.A.D). It shows the effects of high prices on population and the




















أستاذ مساعد، قسم التاريخ، كلية التربية للبنات (حفر الباطن)، المملكة العربية السعودية.

government and the public reaction towards this problem.
The research concluded that the food staff prices were not stable, and they were effected by the natural disasters such as famine, drought، locusts, rats and others. In addition, Prices were effected negatively by the Mamluki authrity practices, like monopoly and compulsory Prices and Pilgrim caravans through Bilad Al-Sham.
The Mamluki state tried to stop the rise in prices by controlling the currency weight, and strict supervision on markets, especially in term of prohibiting monopoly controlling the botanies. Moreover, the Mamluki authority determined the prices of some food items، such as bread and meat because of the high demand.
The rise in prices has negative effects on the whole aspects of the state in terms of troubles in security, robbery of markets and craft-houses, trade decline، spread of diseases, and the large number of deaths. These made some people eat the large number of dead children in cheap prices to get food. And made other people leave their countries to better places.












تمهيـد:
تفتقر المكتبة العربية إلى دراسة شاملة توضح أسباب تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام في العصر المملوكي (648- 922ه‍/1250- 1516م)، ولعل ما ظهر في هذا الجانب كان من خلال دراسة تاريخ بعض المدن الشامية في العصر المملوكي، مثل: دمشق في عصر المماليك(1)، ومدينة حلب في العصر المملوكي الأول(2)، ومدينة حلب في العصر المملوكي الثاني(3) والقدس في العصر المملوكي(4)، ومملكة الكرك في العهد المملوكي(5)، ومملكة صفد في عهد المماليك(6)، ونيابة غزة في العهد المملوكي(7) ومملكة طرابلس في العهد المملوكي(8)، ومملكة حماة في العهدين: الأيوبي والمملوكي الأول(9).
كما لفت انتباه الباحث تكرار الغلاء في بلاد الشام، خلال العصر المملوكي
(648- 922ه‍/
1250- 1516م)، وما نجم عنه من آثار سلبية على الحياة الحضارية بشكل عام(10). لذا جاءهذا البحثلعله يوضح الأسباب المؤثرة في عدم استقرار الأسعار في تلك الفترة.
لقد واجهت البحثبعض العقبات منها: أن معظم المصادر التاريخية ركزت أخبارها عما حل في مدينة دمشق وحلب والقدس من غلاء، بينما غفلت عما حدث من غلاء في المدن الشامية الأخرى. ولعل أسباب ذلك توفر مادة غنية عن هذه المدن، فمن المصادر الخاصة بدمشق كتاب مفاكهة الخلان(11)، وأعلام الورى(12)، وغيرها من المصادر الأخرى(13) التي اهتمت بأخبار دمشق باعتبارها نيابة السلطنة. أما حلب، فبرز كتاب زبدة حلب في تاريخ حلب(14)، وكتاب الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب(15)، وعن القدس كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل(16).
حاول هذا البحثالإجابةعن عدد من التساؤلات، أهمها: ما هي أسباب تذبذب أسعار المواد الغذائية؟وما هي آثارها؟ وكيف واجهت الدولة وعامة الناس هذه المشكلة؟
وللإجابةعنهذه التساؤلاتوغيرها؛ تم الاستعانةببعض الجداولوالأشكال البيانية لتوضيح أسباب الغلاء والنتائج التي تمخضت عنه. وأبدأ الموضوع بما يلي:
أولاً: العوامل المؤثرة في تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام:
من الصعب معرفة جميع أسعار السلع الغذائية في الأسواق الشامية، غير أن بعض المصادر التاريخية تذكر أن أسعار بلاد الشام، بشكل عام، كانت تماثل أسعار مصر في بعض السلع مثل: القمح والشعير والباقلاء، لكن سعر الدجاج والإوز والسكر أغلى في بلاد الشام عن نظيره في مصر، في حين كان ثمن اللحم والفواكه في بلاد الشام أرخص من مصر(17)، فالبدري (ت 887 ه‍/ 1482م) ذكر أنه اشترى رطلاً من فواكه دمشق بربع درهم، ومثله الرطل الدمشقي(18) من المشمش والتفاح، كل ذلك يؤكد رخص أسعار الفاكهة بدمشق(19).
أما إذا حاولنا مقارنة أسعار بلاد الشام مع غيرها من الأقطار الأخرى، فسوف يتضح لنا أن أسعار بلاد الشام كانت مرتفعة، فابن بطوطة (ت 779ه‍/ 1377م) ذكر أن أسعار المغرب أرخص من أسعار بلاد الشام ومصر(20). كما أن القلقشندي (ت 821ه‍/ 1418م) أكد ذلك، من خلال مقارنته لأسعار مملكة توران بإيران، وأسعار بلاد الروم مع الشام. ففي الأولى؛ قال: "وأما أسعارها فأسعارها جميعها رخية حتى إذا غلت الأسعار فيها أعلى الغلو، كانت مثل أرخص الأسعار بمصر والشام". وبمثل ذلك تحدث عن بلاد الروم إذ قال: "وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص"(21).
هذا في الأحوال العادية، أما في الظروف غير الطبيعية، فكانت أسعار السلع تشهد تذبذباً في ثمنها، إذ ترتفع أسعارها عن المعتاد. ويعزي المقريزي (ت 845ه‍/1441م) أسباب هذا الارتفاع لعوامل طبيعية وأخرى غير طبيعية. فالعوامل الطبيعية تتمثل بعدم نزول الأمطار "أو آفة تصيب الغلال من سمائم تحرقها، أو رياح تهيفها، أو جراد يأكلها، وما شابه ذلك"(22).
أما العوامل غير الطبيعية، فمنها احتكار الدولة للأقوات، ووجود موظفين يتولون مناصبهم بالرشوة، كالمحتسب الذي تقع عليه مسؤولية مراقبة الأسعار، وغلاء الأطيان(23)، ورواج الفلوس، والعملة الرديئة(24). علاوة على كثرة المكوس والضرائب، وظروف الحرب، وخطر القرصنة، ثم عدم وصول السفن المحملة بالبضائع في وقتها المتوقع لها، أو وصولها في وقت غير متوقع(25). وفيما يلي سنستعرض أهم هذه الأسباب، وعلاقة ذلك بارتفاع الأسعار.
أ‌- الكوارث الطبيعيـة:
أولاً: القحط والجفـاف:
اعتمدت بلاد الشام على نزول الأمطار في زراعة كثير من المحاصيل الزراعية، لذا تأثرت هذه المحاصيل بانحباس الأمطار؛ الأمر الذي نتج عنه ارتفاع واضح في أسعار تلك المحاصيل؛ وخاصة القمح، باعتباره الغذاء الأساسي للإنسان.
لقد أصاب القحط والجفاف بلاد الشام ستاً وعشرين مرة تقريباً، منها عشر مرات في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/1250- 1381م)، وست عشرة مرة في العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/1381- 1516م)، ويتبين ذلك من جدول رقم (1)، والشكل البياني رقم (1).
كما يتبين من جدول رقم (1)، والشكل البياني رقم (1) أن الغلاء الناتج عن شح الأمطار لم يكن دائماً يعم جميع مدن بلاد الشام، فقد يحدث في حلب دون دمشق، أو دمشق دون القدس أو الكرك، فمثلاً يذكر المقريزي في ربيع الآخر 825ه‍/ آذار (مارس) ونيسان (ابريل) 1422م أن أراضي بلاد حوران، والكرك، والقدس، والرملة، وغزة أجدبت "لعدم نزول المطر في أوانه، ونزح كثير من سكان هذه البلاد من أوطانهم، وقلت المياه عندهم، ومع هذا ففي بلاد حلب، وحماه، ودمشق، وبلاد الساحل كلها، رخاء من كثرة الأمطار التي كانت عندهم"(26).
ثانياً: الفئـران:
يعد الفأر من العوامل الرئيسة لارتفاع الأسعار، ومن خلال جدول رقم (2) والشكل البياني رقم (2)، يظهر أن بعض محاصيل بلاد الشام تعرضت للضرر من قبل الفأر أربع مرات تقريباً، منها مرتان في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/ 1250- 1381م)، ومرتان خلال العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/1381- 1516م).
كما يتبين من جدول رقم (2) والشكل البياني رقم (2)، أن ظهور الفئران في بلاد الشام أدى إلى ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية في الأسواق، ففي 659ه‍/1260م خرج الفأر على الغلال في حوران والجولان ونواحيهما، فأكل من الغلال ثلاثمائة ألف غرارة(27) من القمح، عدا الشعير، مما تسبب في ارتفاع أسعار الحنطة حتى أصبح ثمن المكوك(28) فيها أربعمائة درهم، كما استغل تجار الغرب هذه الفرصة، فباعوا ما لديهم من الغلال بأسعار مرتفعة(29). وفي ذي القعدة 770ه‍/ حزيران (يونيو) 1368م أتلف معظم الغلال وهي على البيادر(30).
وعندما ظهر الفأر ببلاد الشام سنة 828ه‍/1424م كان أكثره في غزة والرملة وبيت المقدس، فأدى ذلك لغلاء أسعار الحبوب حتى وصل ثمن الغرارة الشامية إلى أكثر من عشرين ديناراً(31). وفي المرة الرابعة ظهر الفأر بكثرة في اللجون(32) على طريق الشام، وذلك في ذي الحجة 829ه‍/ تشرين أول (أكتوبر) 1425م، فكان يأكل الزرع وهو قائم(33).
ثالثاً: الجـراد:
يُعُّد الجراد من العوامل الرئيسة لارتفاع الأسعار، فقد أصاب الجراد بلاد الشام ثماني عشرة مرة تقريباً، منها عشر مرات في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/ 1250- 1381م)، وثماني مرات خلال العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/
1381- 1516م). ويتضح ذلك من جدول رقم (3)، والشكل البياني رقم (3).

ويتضح من الجدول السابق أن الجراد يعد من العوامل الرئيسة لارتفاع الأسعار، غير أن تأثيره كان أكثر ضرراً من الفأر، إذ لم يقتصر على أكل الحبوب فحسب؛ بل أكل مختلف المزروعات الحقلية والشجرية، ففي شوال 701ه‍/ أيار (مايو) 1302م جاء إلى دمشق قفل من الجراد أكل الزرع والثمار، وجرد الأشجار من أوراقها حتى أصبحت مثل العصي(34). كما وصف الذهبي (ت 748ه‍/ 1347م) ما سببه الجراد بقوله: "وجاء دمشق جراد عظيم فما ترك حشيشة خضراء، وأكل أكثر ورق الأشجار، وأكل الدراقن(35)، وبقي حبه في الأغصان، ورأيت بعض الحب قد أكل نصفه، وكان ذلك عبرة"(36).
وهكذا، نلاحظ أن الجراد قد سبب ارتفاعاً واضحاً في غلاء الأسعار، ففي سنة 748ه‍/ 1347م تعرضت بلاد الشام لأسراب من الجراد إذ انتشرت ما بين بعلبك والبلقاء(37) فأكلت الزرع والشجر، ونتج عن ذلك ارتفاع في الأسعار حتى وصل ثمن غرارة القمح بدمشق إلى مئتين وخمسين درهماً(38).
رابعاً: الصواعق والصقيع والرياح العاصفة:
من العوامل المؤثرة في أسعار بلاد الشام إصابة المزروعات بالصواعق والصقيع والرياح الشديدة. ففي سنة 667ه‍/1268م تعرضت المزروعات في بلاد الشام لصاعقة أحرقت الأشجار والثمار(39). كما وقع في جبال طرابلس وعكا صاعقة في صفر 740ه‍/ آب (أغسطس) 1339م أسفرت عن حريق كثير من الأشجار وأتلاف ثمارها (40).
أما عدد الصواعق التي ضربت بلاد الشام، فبلغ اثنتين تقريبا، وذلك في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/ 1250- 1381م) فقط، ويظهر ذلك من جدول رقم (4)، والشكل البياني رقم (4).
وأصاب الصقيع بلاد الشام أربع مرات تقريبا. منها ثلاث مرات في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/ 1250- 1381م)، ومرة واحدة فقط في العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/1381- 1516م). ويتضح ذلك من جدول رقم (5)، والشكل البياني رقم (5).

ونتج عنه خراب في المزروعات ، فموجة البرد القارص كان لها تأثير سلبي على الثمار إذ تسببت في إتلافها، ففي سنة 680ه‍/1281م أصاب دمشق برد قارص نتج عنه أتلاف الثمار، وهلاك الخضراوات، وفساد الفواكه المخزنة في المستودعات(41).
كما ذكر ابن قاضي شهبة (ت 851ه‍/1448م) صقيعا آخر وقع ببلاد الشام في رجب 799ه‍/ نيسان (أبريل) 1397م، إذ أتلف اللوز، والجوز، والمشمش، والكروم، والهليون، وغيره، ولم يسلّم من ذلك إلا بعض المزروعات في المناطق المرتفعة، لذا حصل لأهل الصحراء مصيبتان، الأولى؛ فساد زرعهم بسبب شح المياه، والثانية هلاك ثمارهم نتيجة لهذا الصقيع(42).
وتكرر نفس المشهد خلال شهر جمادى الأولى 828ه‍/ آذار (مارس) 1425م، فقد تعرضت بلاد الشام لموجة برد شديدة نتج عنها أضرار بالغة بمختلف أنواع الفواكه وخاصة الكروم(43).
أما الرياح الشديدة، فلم تقل خطورتها عن العوامل السابقة إذ تسببت في اقتلاع الأشجار من جذورها وتكسيرها، وبالتالي حدوث غلاء في ثمارها، ففي ربيع الأول 717ه‍/ أيار (مايو) 1317م اجتاحت حلب ونواحيها رياح شديدة أسفرت عن اقتلاع كثير من الأشجار كالزيتون والبلوط وغيرها. كما أهلكت من كان في طريقها من المسافرين، وخربت عدة قرى، فقتلت عدداً كبيراً من أهلها، كما قتلت عدداً كبيراً من الدواب(44).
وفي شعبان 841ه‍/ كانون ثان (يناير) 1438م تعرضت نواحي طرابلس واللاذقية وحماه وحلب وحمص إلى ريح شديدة استمرت عدة أيام فأتلفت من الزرع والشجر مالا يدخل تحت الحصر(45).
وبناء على ما تقدم، فإن بلاد الشام تأثرت بالرياح العاصفة ثلاث مرات. منها مرتان في العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/1250- 1381م)، ومرة واحدة فقط في العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/1381- 1516م)، ويتبين ذلك من جدول رقم (6)، والشكل البياني رقم (6).

خامساً: الطواعين والزلازل والسيول:
ما دمنا قد تحدثنا عن العوامل الطبيعية وأثرها على الأسعار فلا ينبغي أن نغفل الطواعين والزلازل والسيول، لما لها من أثر في ذلك؛ بل إن أبا الفضل الدمشقي
(ت بعد 570ه‍/1175م) عدها من الأسباب المباشرة في ارتفاع الأسعار، ويظهر ذلك من قوله عن ارتفاع سعر السوق: "... ثم زاد سعره بسبب ... إحدى الجوائح السماوية أو الأرضية"(46).

فالطواعين كانت من أكثر الكوارث الطبيعية فتكاً بالإنسان، مما نتج عنه ضعف في النشاط الاقتصادي، فالأرض لم تجد من يزرعها أو يصنع السلع أو ينقلها، وترتب على ذلك تذبذب الأسعار. فمثلاً في سنة 656ه‍/ 1258م كثر الوباء ببلاد الشام فارتفعت الأسعار حتى بلغ رطل التمر الهندي ستين درهماً (47). كما رافق انتشار الوباء في دمشق سنة 771ه‍/1369م ارتفاع الأسعار حتى تجاوزت غرارة القمح مائتي درهم(48)
أما السيول، فلم تقل ضرراً عما سبق؛ فهي لا تكتفي بجرف المزروعات وتدمير الأسواق وغيرها من العمائر التجارية؛ بل كانت تقطع طرق التجارة الأمر الذي يحول دون وصول السلع إلى الأسواق، فقد ذكر ابن أيبك الدواداري (ت 736ه‍/1335م) مثالا على ذلك ففي سنة 700ه‍/1300م "انقطع ال*** بسبب الوحل لكثرة الأمطار، ووقع الغلاء الزايد حتى بلغ حمل التبن الذي أكثره تراب لا ينتفع به أربعين درهما وخمسين درهما، ولا كان يحصل إلا بالدبابيس (أي بالقوة)، أي من قوي أخذه، ولم يقدروا على الوصول إلى دمشق البتة"(49).
كما ذكر ابن طولون (ت 953ه‍/1946م) مثالا آخر على ذلك؛ ففي ربيع الأول 910ه‍/ آب(أغسطس) 1504م ارتفع سعر القمحبدمشق لانقطاع ال*** من بلاد حـوران
حتى وصل رطل الخبز إلى ثلاثة دراهم(50)
ب- العوامل البشريـة:
أولاً: احتكار الدولة للسلع:
حرص معظم سلاطين وأمراء المماليك على جمع الثروة بشتى الوسائل والسبل، فمرة بفرض ضرائب جديدة، وأخرى بزيادة تلك الضرائب، أو برفع قيمة المكوس، كما لجأوا إلى المصادرات ونحو ذلك.
ويظهر أن تدخل بعض السلاطين المماليك بالتجارة واشتغالهم بها كان أحد الأسباب الرئيسة في تراجع الاقتصاد المملوكي بشكل خاص وانهيار الدولة بشكل عام، وقد حذر أبو الفضل الدمشقي منذ أواسط القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي من الآثار السلبية المترتبة على عمل السلطان بالتجارة وذلك بقوله: "إذا شارك السلطان الرعية في متاجرهم هلكوا، وإن شاركوه في حمل السلاح هلك"(51). لذا كان لكل واحد عمله الخاص به وواجبه المناط به، فعمل السلطان بالتجارة تلهيه عن النظر في واجباته الرئيسة مما يلحق ضرراً بالرعية.
ومهما يكن؛ فقد عمل بعض السلاطين وأمراء المماليك بالتجارة؛ وعرفت تجارتهم "بتجارة الخاص"؛ إذ احتكروا كثيراً من السلع التجارية مثل: القمح والسكر والزيت والقطن والبهار والفلفل، وأشرفوا على تسويقها وتحديد سعرها. الأمر الذي نتج ارتفاع باهظ في أسعار تلك السلع(52).
ولحماية الأسواق من السرقة عينت الدولة لها حراساً وخفراء في الليل يسهرون على أمنها ورعايتها، ولضّمان يقظة الحراس والخفراء أثناء الليل كانت تقرع الطبول في القلعة على فترات منتظمة، ويظهر أن تلك الحراسة كانت في أواخر العصر المملوكي، والدليل على ذلك أن سوخم ((Sohem حينما زار دمشق في أواسط العصر المملوكي لم يلاحظ أولئك الحراس والخفراء حيث قال: "ومع أن المدينة مزدحمة بالسكان، ومع أن البضائع تترك في الشوارع دون حراسة، فليس ثمة من يذكر أن أحداً قتل في دمشق، وقلما تسرق فيها السلع المعروضة للبيع"(53).
واستعانت السلطة بمن لهم خبرة في مراقبة الأسواق ومعرفة بأساليب الاحتكار، كالسماسرة وبعض التجار الذين تحولوا إلى تجار مأجورين عند السلطان أو الضمان، بالإضافة إلى استخدام بعض صغار الأعوان مثل: الكيالين والنواتية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل إنهم دعموا تجارتهم بأسلوب الطرح والتحكير أو التحجير. فالطرح؛ يقوم على إجبار التجار شراء السلع التي تملكها أو تصنعها الدولة بسعر يزيد عن سعر السوق، ويخالف رغبة المشتري(54). أما التحكير، فيقوم على إجبار التجار ببيع سلعهم المستوردة في مكان معين يسمى الحكر مثل: حكر النعناع، وحكر السماق، وبيع الفحم في خان الليمون بدمشق(55).
لقد أضر الطرح بعامة الناس الذين ازدادوا فقراً بسبب الارتفاع المتواصل في الأسعار، ففي صفر 802ه‍/ تشرين أول (أكتوبر) 1399م ذكر ابن إياس (ت 930ه‍/1523م) أن ابن الطبلاوي طرح السكر المتحصل من الأغوار على أهل دمشق حتى شمل الفقهاء ونقباء القضاة وأهل الغوطة، فتنكرت القلوب على النائب بسبب ذلك، وكثر الدعاء على من له ضلع في ذلك(56). يتضح من هذه الحادثة أن الهدف من عملية الطرح جمع المال بشتى السبل، وبغض النظر عن العواقب المترتبة على ذلك.
ومن السلع التي شملها الطرح الفلفل والزيت والغلال بأنواعها من قمح وشعير وفول وحبوب أخرى. ففي سنة 839ه‍/ 1435م طرح على التجار في دمشق والقاهرة ألف حمل من الفلفل بقيمة مائة ألف دينار، أي بمعدل مائة دينار ثمن الحمل الواحد، الأمر الذي عرض التجار إلى خسارة كبيرة(57).
أما الزيت؛ فحرصت الدولة على تحصيله من أماكن إنتاجه، وطرحه في المناطق التي بحاجة إليه، فقد كانت نابلس تعد من أكثر المناطق إنتاجاً للزيت، وكان يحصل بسعر لا يزيد عن تسعة دنانير للقنطار(58) الواحد، ثم يعاد طرحه على تجار صناعة الصابون أو صناعه، ويكون ذلك بالسعر الجاري بالأسواق(59).
ويظهر أن طرح الزيت ظل قائماً حتى أواخر القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، فلدينا بعض الإشارات تؤكد ذلك؛ ففي سنة 896ه‍/1490م رمي الزيت على أربابه في القدس والرملة، ثم حضر أحد الأمراء فقبض ثمنه. وفي العام نفسه سعى بعض النواب إلى رمي الزيت على جميع سكان القدس، فبيع قنطار الزيت بخمسة عشر ديناراً، فجمع ما يقرب من عشرين ألف دينار، لذا كانت خسارة الناس أكثر من الثلثين(60).
واحتجاجاً على تلك الأساليب التعسفية رحل بعض سكان القدس إلى مناطق أخرى، كما أغلق التجار حوانيتهم. ومع ذلك لم تتوقف السلطة عن سياستها تلك؛ بل وسعت نشاطها في كل من الخليل والرملة وغزة، ففي ربيع أول 897ه‍/ كانون ثاني 1492م حضر مرسوم الأمير (أقبردي الدوادار) بشأن زيت نابلس ورميه على تجار مصانع الصابون دون العامة، وبالفعل أعدت القوائم بأسماء تجار الصابون وصناعه، فرمي الزيت عليهم. كما طبق هذا القرار على اليهود والنصارى، فرمي على القدس مائة وأربعة وثلاثون قنطاراً، وعلى الخليل مائة وستون قنطاراً، وعلى غزة ألف قنطار، وعلى الرملة مجموعة من القناطير لم تحدد مقدارها، وتم قبض الثمن(61).
وفي سنة 899ه‍/1493م ورد السيفي علان بمرسوم لرمي الزيت على القدس والخليل وغزة والرملة على ما جرت به العادة، فأجبرت القدس والخليل على أخذ تسعمائة قنطار من الزيت، وأجبرت الرملة على أخذ مائتي قنطار، وأضيف ثلاثمائة قنطار أخرى على تجار القدس بالسعر المفروض، وقدره خمسة عشر ديناراً مع زيادة دينار إضافي لعله ضريبة للعاملين(62).
ولم تتوقف رمايات الزيت عند هذا الحد؛ بل ألزم نائب القدس التجار والعامة بكميات الزيت المطروحة عليهم في العام التالي. كما رمى كاشف الرملة الزيت على تجار الزيت وصناع الصابون بأسعار باهظة مما كلفهم خسائر فادحة(63).
ومن جهة أخرى؛ فإن الصناعات القائمة على الزيت تعرضت هي الأخرى للطرحوالرمي، ففي سنة 876ه‍/1471م احتكر بعض الأمراء سوق الصابون في مدينة حلب مما دفع بصناع الصابون إلى بيع منتجهم لهم بأبخس الأثمان. ومن ثم باع ذلك الأمير تلك الكميات المتوفرة عنده بشروط خاصة. ولم يتوقف هذا بالرغم من المرسوم الذي أصدره السلطان قايتباي سنة 882ه‍/1477م إذ استمر البيع القسري ساري المفعول(64).
وهكذا يظهر أن الغاية من الطرح والتحكير جمع المال بأي وسيلة مهما كانت. لقد أسفرت هذه السياسة عن اشتطاطٍ واضحٍ في الأسعار إذ تضاعف سعر السلعة عدة مرات عن سعرها المعتاد، فمثلاً في سنة 843ه‍/ 1439م تمكن أحد أمراء البردية في دمشق من احتكار مؤن اللحوم بشرائه جميع الأغنام المتوفرة في الأسواق، وأصبح يتولى أمر الذبيحة، فنتج عن ذلك ارتفاع في أسعار اللحوم حتى بلغ ثمن الرطل الواحد ثمانية دراهم بعد أن كان بدرهمين ونصف(65).
هذه الحادثة تبين مدى ارتفاع الأسعار إذ ارتفع سعر قنطار اللحم بمعدل ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل الاحتكار، وبالتالي انعكس أثر ذلك سلبياً على المستهلك.
كما أثر في الأسعار تلك الإجراءات والمصاعب التي وضعتها السلطة المملوكية أمام استيراد السلع التجارية من الخارج، وذلك بزيادة نسبة المكوس على البضائع الداخلة لأراضيها، أو بتوقيف الاستيراد نهائياً. وهذا الإجراء كانت تعمد إليه الدولة في حالة كساد سلعها في الأسواق. ومثال ذلك حدث في محرم 830ه‍/ تشرين ثان (نوفمبر) 1426م، إذ أجبر التجار القادمون من مكة إلى الشام إلى التوجه نحو مصر لتحصيل المكس منهم من ناحية؛ وحتى يباع بالشام متجر الديوان" من ناحية أخرى. ويعلق المقريزي على ما أصاب أولئك التجار من معاناة بقوله: "فأصابتهم (أي التجار) بذلك بلايا عديدة" (66).
ومن الإجراءات الأخرى التي أدت إلى رفع الأسعار إتباع الدولة سياسة تصديرية معينة؛ كالتركيز على تصدير سلعة معينة بحيث يقل وجودها في الأسواق، مثال ذلك ما حدث في سنة 852ه‍/1448م إذ صُدِّر من بلاد الشام أكثر من عشرين ألف رأس من الغنم إلى مصر. كما صدرت الدولة في السنة التالية (أي سنة 853ه‍/1449م) ستة وثلاثين ألف رأس من الغنم. ثم جرت العادة بعد ذلك أن تصدر بلاد الشام إلى مصر نفس الكمية الأخيرة، مما نتج عن ذلك ارتفاع في أسعار اللحوم حتى أصبح رطل اللحم في دمشق ستة دراهم(67).
يتضح مما تقدم أن ممارسات السلطة المملوكية أثرت بشكل واضح في تذبذب أسعـار
بعض السلع، كما سيطرت الدولة على الأسواق، فسلعها التجارية أصبحت هي الرائجة في الأسواق، لذا جنت نسبة عالية من الأرباح، كل ذلك كان على حساب المستهلك.
ثانياً: سوء تدبير المحتسب:
من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار في بلاد الشام سوء تدبير المحتسب، فغالباً ما تولى هذه الوظيفة من هو ليس كفئاً لها؛ لا سيما في عهد دولة المماليك الجراكسة (784- 922ه‍/1381- 1516م)، فقد كان المماليك يولونها لمن يدفع لهم مالاً أكثر بغض النظر عن علمه بأمور الدين والصنائع، وهذا ما دفع ابن المبرد (ت 909ه‍/1503) إلى القول أن المحتسب بحاجة " إلى معرفة الأحكام من الصلاة والصوم والزكاة والبيع والشراء والنكاح والطلاق والمباح من الأطعمة والمحرم، والمباح من الأشربة والمحرم، وما يكفر به الإنسان وما به يسلم، والذبائح وشروطها، والشهادات والإقرار، وجميع هذه الأحكام ليأخذ الناس بها، ويحتاج إلى معرفة الصنائع، جيدها من رديها وغشها، وخالصها من مغشوشها"(68).
لقد استطاع بعض المحتسبين الوصول إلى هذه الوظيفة بالرشوة أو بالتقرب للسلطان، ففي جمادى الآخرة 788ه‍/حزيران (يونيو) 1387م عين تقي الدين بن الخباز الحريري على حسبة دمشق بعد أن بذل ثلاثين ألفاً للأمير قردمر المفوض باسم السلطان. ويعلق ابن قاضي شهبة (ت 851ه‍/1448م) على السلطان المملوكي بقوله: "فهو في كل حين يولى من يرشيه كائنا من كان"(69). وفي ربيع الأول 881ه‍/حزيران (يونيو) 1476م دفع تقي الدين أبو بكر بن النحاس ثمانمائة دينار من أجل الوصول إلى منصب الحسبة في دمشق(70).
ولميقتصر الأمر على ذلك؛ بل كان على المحتسب دفع أموال شهرية أو سنوية لمن بيدهم السلطة. ففي رمضان 824ه‍/ آب (أغسطس) 1421م أبطل السلطان المملوكي ما كان يأخذه نائب دمشق من محتسب دمشق في كل عام، وقدره ألف وخمسمائة دينار (71).
ولكي يعوض المحتسب هذا المبلغ كان عليه الحصول على الأموال بأي وسيلة مهما كانت، كالعمل بأكثر من مهنة، ويظهر ذلك من خلال عبد القادر محتسب دمشق سنة 892ه‍/1486م الذي كان يعمل بصناعة الطحانة والخبازة وتجارة القمح، علاوة على أخذه المخصصات الشهرية من كل صناعة(72).
ويتضح سوء تدبير الحسبة من خلال المراسيم الخاصة بها والتي تقرر إبطال المشاهرة، أي ما كان يجبى لصالح المحتسب من التجار وأصحاب الحرف والصنائع كالخبازين والطحانين وأرباب المعايش والصنائعية والدباغين، وعلى الأسواق بشكل عام. فمن هذه المراسيم مرسوم خاص ببيروت سنة 806ه‍/ 1403م، ومرسومان خاصان ببعلبك سنة 824ه‍/1421م، وسنة 840ه‍/1436م، ومرسوم واحد خاص بطرابلس سنة 821ه‍/1418م، وعدة مراسيم خاصة بدمشق في الأعوام التالية: 802ه‍/1399م، و803ه‍/1400م(73)، و824ه‍/1421م(74)، و863ه‍/1458م، و864ه‍/1459م، و868ه‍/ 1463م، و893ه‍/1487م(75)، وفي شعبان 910ه‍/ كانون ثان (يناير) 1504م، وفي ذي الحجة 918ه‍/ شباط (فبراير) 1512م(76).
ورغم تلك الأعمال التي كان يقوم بها المحتسب إلا انه لم يكن باستطاعته سداد تلك المبالغ الكثيرة التي دفعها للوصول إلى منصب الحسبة، ففي محرم 789ه‍/ كانون ثان (يناير) 1387م قدم تقي الدين بن الخباز استقالته عن حسبة دمشق لأنه لم يستطع تسديد الأموال التي دفعها من أجل الوصول لهذا المنصب(77).
هذا وقد تعددت واجبات المحتسب غير أن ما يهمنا ما يتعلق بالأسعار، فالأصل ألا يتدخل المحتسب في تحديد أسعار السلع ولا أن يلزم التجار بسعر معين، لكن عليه التدخل وقت الغلاء سيما إذا وجد من يحتكر السلع لبيعها بأغلى الأثمان، فعلى المحتسب إلزام أولئك التجار ببيع سلعهم بسعر السوق(78).
ويبدو أن المحتسبلم يكن لديه سلطةفاعلة فيما يتعلق بالأسعار لضعف مركزه، فهذا ابن النشو شاد المراكز بدمشق في جمادى الآخرة 799ه‍/ آذار (مارس) 1397م يحتكر الغلال وقت الغلاء ويخزنها حتى يبيعها بأعلى الأسعار دون تدخل من محتسبها، ولعله ارتشي بمبلغ مالي دفع له؛ الأمر الذي اغضب أهل دمشق إذ رجموه حتى الموت(79).
ومما يدل على قبول المحتسب للرشوة؛ ما حدث في 3 جمادى الآخرة 900ه‍/ شباط (فبراير) 1494م، إذ ورد مرسوم من القاهرة بجعل رطل دمشق واقيتها(80) مماثلا لما هو معمول به في مصر، فنودي بدمشق على ذلك، وأكل المحتسب مالاً كثيراً جراء ذلك(81).
مثال آخر حدث في محرم 909ه‍/ حزيران (يونيو) 1503م، فقد صدر الأمر من نائب دمشق بتحديد سعر الخبز، لكن الخبازين لم يستجيبوا لهذا القرار حيث استمر بيعهم كالمعتاد، وسكت عنهم المحتسب بعد أن برطلوه بمبلغ من المال(82).
ثالثاً: النقـود:
تعد النقود المتداولة في الأسواق من العوامل الرئيسة في تذبذب أسعار بلاد الشام وخاصة في العصر المملوكي، فخلال العصر المملوكي الأول (648- 784ه‍/
1250- 1381م) كما يظهر لم تحدث أزمة نقدية أدت إلى رفع الأسعار باستثناء حادثة واحدة ذكرت سنة 658ه‍/1259م إذ ارتفعت الأسعار بجميع السلع من مأكل وملبس ونحو ذلك، فقد وصل سعر رطل الخبز إلى درهم ونصف، ورطل اللحم إلى خمسة دراهم، وأوقية القنبرس إلى درهم، والجبن إلى درهمين، وأوقية الثوم إلى درهم، ورطل العنب إلى درهمين. وكان من أهم أسباب هذا الغلاء هو ما أحدثه الفرنج من ضرب الدراهم المغشوشة المعروفة باليافية حيث احتوت كل مائة منها على خمسة عشر درهماً فضة فقط، والباقي نحاس(83).

وعدا هذه الحادثة لم تذكر المصادر التاريخية المتوافرة أي زيادة في الأسعار كانت سببها النقود، فدور الضرب كان لديها مخزون كاف من المعادن الثمينة وبمقدورها سك كميات كبيرة من الدنانير والدراهم بنوعيات جيدة(84).
وخلال العصر المملوكي الثاني (784- 922ه‍/1381- 1516م) برزت ظاهرة جديدة في الحياة الاقتصادية في بلاد الشام ألا وهي اختفاء العملات الفضية من الأسواق، فمخزون الفضة في دور السك بدأ بالتناقص منذ حوالي سنة 872ه‍/1380م بسبب استخدام الفضة في صناعة المجوهرات والأواني. كما قل وصول الفضة إلى بلاد الشام ومصر لشـدةالطلب عليهافي أوروبا. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أن كثيراً من تجـار
أوروبا جمعوا الدراهم الفضية المتداولة في الأسواق الشامية، ثم نقلوها معهم إلى بلادهم(85).
ولكي تحافظ السلطة على استقرار التعامل بالدرهم الفضي عملت على إنقاص وزنه من الفضة، ففي ربيع الأول 815ه‍/ حزيران (يونيو) 1412م سك الأمير نوروز دراهم بدمشق كان نصفها فضة، والنصف الآخر نحاسا. بنفس الوقت ظل التعامل بالدراهم الأقل فضة قائماً إذ احتوت على 10% فقط فضة والباقي نحاس. فأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب من خمسة وعشرين درهماً إلى خمسة وخمسين درهماً لكل دينار(86).
لذا نقصت القيمة الشرائية للدينار. فمثلاً في السابق؛ كان من يريد شراء بضاعة ثمنها أربعة دنانير دفع مائة درهم، أما الآن؛ فعلى مشتري نفس البضاعة دفع مئتين وعشرين درهماً. الأمر الذي عرض البلاد لتضخم اقتصادي كبير أضر بعامة الناس، في حين عاش السلاطين والأمراء المماليك في رغد من العيش وبذخ فاحش.
رابعاً: مرور قوافل الحج عبر بلاد الشام:
كان لموقع بلاد الشام الجغرافي دور في مرور قوافل الحج عبر طرقه ومسالكه، فإلى جانب حجاج بلاد الشام كان هذا الموقع ممراً لحجاج فارس والروم وشمال العراق ومصر والشمال الإفريقي(87). ويظهر أن مدينة دمشق كانت أكثر المناطق تأثراً بموسم الحج، إذ كان يغادرها في معظم الأعوام نحو عشرين ألف حاج تقريباً. مما أسهم في تنشيط الحركة الصناعية والتجارية في هذه المدينة، ومع ذلك استغل بعض التجار تلك المناسبة برفع أسعار بعض السلع مثل: الزيت والقمح واللحم(88).
كما ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية في الأماكن التي كان ينزل فيها الحجاج. ففي سنة 674ه‍/1275م بلغ ثمن إردب(89) الشعير في أيله العقبة (جنوب الأردن) مئتين وستة دراهم نقرة، أما القمح، فزاد سعره عن المعتاد(90). كما ارتفعت الأسعار بسوق المزيريب سنة 892ه‍/1486م وذلك لكثرة من حج في ذلك العام(91).
خامساً: الغزو المغولي(92):
كان للأوضاع السياسيةفي الدولة المملوكية ومايحيط بها من أخطار خارجية تأثيـر
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc 1428.doc‏ (487.5 كيلوبايت, المشاهدات 8)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
أسعار, المملوكين, الأول, المواد, المؤثرة, الشام, الغذائية, العشرين, العوامل, بلاد, تذبذب, جمال, والثاني


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع العوامل المؤثرة في تذبذب أسعار المواد الغذائية في بلاد الشام خلال العصرين المملوكين الأول والثاني
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تباين في أسعار المواد الغذائية.. تذبذب بين الزيادة والاستقرار عبدالناصر محمود أخبار اقتصادية 0 10-20-2013 08:08 AM
صوَر إنسانية من الحيَاة اليومية والأسرية في بلاد الشام خلال الألف الأول قبل الميلاد Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 06-05-2013 09:53 AM
العوامل المؤثرة في اختيار العملاء للصيرفة الالكترونية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-26-2013 07:55 PM
العوامل المؤثرة على فشل عملية المراجعة، وسبل علاج هذا الفشل Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-19-2012 11:29 AM
المحاصيل الزراعية في بلاد الشام خلال العصر العباسي ومظاهر ازدهارها Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 04-20-2012 09:29 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59