#1  
قديم 01-08-2012, 05:47 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي الرقابة الشرعية والتحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية








الرقابة الشرعية

والتحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية

د. عطية السيد السيد فياض
أستاذ الفقه المقارن المشارك - كلية الشريعة وأصول الدين
جامعة الملك خالد بأبها
(طبعة تمهيدية)




ملخص البحث

تواجه البنوك الإسلامية عديدا من التحديات المعاصرة التى أفرزتها الأحداث الدولية، والتحولات العالمية، ومحاولة التضييق على نمو واتساع البنوك الإسلامية وامتداد مظلتها على العالم كله،وكذا الأخطاء والتجاوزات الشرعية والمصرفية التى وقعت فيها بعض البنوك الإسلامية .
وهذا الوضع يحتم على كافة المعنيين العمل على مواجهته، وفي مقدمتهم أعضاء هيئة الرقابة الشرعية لدى تلك البنوك، فعليهم تعقد الآمال لتطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقوية ساقه ليقف في مواجهة تلك التحديات العاصفة، ولو تجنبوا السلبيات التى رصدها كثير من المراقبين عليهم من شرعيين ومصرفيين وطوروا من وظيفتهم البحثية والرقابية والاجتهادية فبوسعهم تقديم الكثير في هذا الشأن .
ومما ينبغي عليهم القيام به :1- الضبط الشرعي الصحيح لمعاملات البنوك الإسلامية بعدما لاحظ الكثيرون خفة هذا الضبط، واتجاه الهيئات الشرعية لتلمس المشروعية لأعمال البنك في الآراء الضعيفة والشاذة وتتبع رخص المذاهب، والبعد عن الأصول والقواعد المتفق عليه بين أهل العلم . 2- تطوير الأداء وذلك بالعمل على ابتكار أدوات جديدة وصيغ استثمارية منضبطة شرعا لتساعد البنوك الإسلامية على استيعاب السوق الواسعة ومواجهة تحديات العولمة والمنافسة الشرسة .
3- مراعاة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وربط الفروع بالأصول والجزئيات بالكليات وذلك باستلهام أهداف ومقاصد الشريعة الإسلامية في استثمار الأموال واستفادة المجتمع المسلم من أمواله .
4- تقنين أعمال المصارف الإسلامية .
5- التدريب والتثقيف الشرعي المستمر للعاملين في المصارف الإسلامية ليكونوا أداة ضبط ومساعدة لهيئات الرقابة الشرعية في أداء عملهم .

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ....
فالمراقب لتاريخ البنوك الإسلامية، والمتتبع لحركتها يستطيع أن يرصد بسهولة النمو والتطور والنجاح الذي حققته تلك البنوك رغم عمرها القصير، وتجربتها المحدودة، والمنافسة الشرسة من قبل البنوك الربوية والمؤسسات المناظرة، وانعدام المناخ الملائم، والتشويش المستمر عليها، وتأليب الأنظمة والحكومات عليها تارة بتمويل ما يسمى بالإرهاب، وأخرى بتأثيرها السلبي على البنوك التابعة للدولة وغير ذلك.

ومظاهر ما ذكرناه من نجاح للمصارف الإسلامية يتمثل في عدد البنوك الإسلامية وفروعها المنتشرة في معظم الدول الإسلامية وغير الإسلامية، حيث وصل عددها الآن إلى أكثر من مائتي مصرف ومؤسسة يبلغ حجم تعاملاتها أكثر من مائة وعشرين مليار دولار، وكذا عدد البنوك الربوية التى تحولت إلى النظام المصرفي الإسلامي، واضطرار كثير من البنوك الربوية العتيقة إلى فتح منافذ للعمل المصرفي الإسلامي من خلالها، ولولا أثر هذه البنوك وقناعة الكثيرين بجدوى ما تقدمه ما انتشرت هذا الانتشار .
وعلى صعيد الأدوات المالية المستخدمة في تلك البنوك والمؤسسات نجد أنها تقدم الخدمات المالية، والتمويل، والاستثمار فهي مصارف متنوعة الوظائف وبذلك تتفوق على البنوك الربوية بتنوع أنشطتها وخدماتها مع الالتزام بالأحكام الشرعية وفق قرارات هيئات الرقابة الشرعية لديها، ومن خلال تلك الأدوات المالية كان لها أثر كبير في المجتمع سواء في جانب توظيف الأيدي العاملة أو إقامة مشروعات في شتى المجالات المختلفة تعود بالنفع على المجتمع، وعلى المودعين والمستثمرين يعرفها كل من له أدنى صلة بالمصرفية الإسلامية .
وعلى الصعيد المؤسسي شكلت البنوك الإسلامية اتحادا فيما بينها له صفة الإشراف والرقابة عليها، وهيئة للمحاسبة والمراجعة خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية،وأسست عديدا من الشركات والمؤسسات المالية المساندة والمتعاونة مع تلك البنوك، كما شهدت المصرفية الإسلامية الآن ميلاد مؤسسة مالية إسلامية دولية مسئولة عن تطوير وتنظيم السوق المالية الإسلامية الدولية، وكذا إيجاد جهة تكون مسئولة عن المصادقة على شرعية ونظامية الأدوات المالية الإسلامية حتى تكون مقبولة للتداول بين المؤسسات والأفراد في السوق العالمية.
وفي الجانب التنظيري والفكري برهنت البنوك الإسلامية وبصورة عملية على خطأ كثير من المعتقدات السائدة فى العمل المصرفي والاقتصادي مثل " لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا ربا " ومعتقد سلامة النظام الاقتصادي الرأسمالي ( اقتصاد السوق ) بكل ما فيه، وقدمت البرهان العملي على جدوى تطبيق الشريعة الإسلامية وملاءمتها لكافة العصور، وتعتبر إحدى الخطوات العملية الموفقة لترجمة المبادئ والنظريات إلى برامج، وأوجدت الطرق الشرعية لنشاط المسلم الاقتصادي بعيدا عن المؤسسات الربوية . .
كما أثرت البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية -عن طريق هيئات الرقابة الشرعية لديها، والمؤتمرات والندوات الشرعية - الفقه الإسلامي بالبحوث الفقهية والاقتصادية والمالية، مما شجع على الاجتهاد الشرعي بصوره المختلفة، ومواكبة المستجدات في المجال الاقتصادي والمالي .
ولئن أسديت تلك النجاحات التي حققتها البنوك الإسلامية بعد الله تعالى إلى أصحاب رؤوس الأموال من مودعين ومستثمرين،والإداريين المضطلعين بمهمة التوظيف والاستثمار فهناك دور كبير يجب أن يذكر ويسجل لهيئات الرقابة الشرعية العاملة في هذه البنوك حيث قامت بدور التنظير والتأصيل والمراقبة الشرعية لكافة عمليات البنوك ضمانا لمطابقتها للشريعة الإسلامية، ولفت نظر من حاد منها عن الأسس الشرعية، وقدمت كثيرا من الأدوات المالية التى تستخدمها البنوك الإسلامية الآن بنجاح ـ أيا كان القول في تقييمها اقتصاديا- .
ومع الإقرار بما تقدم للمصارف الإسلامية، والدور الذي تضطلع به في مجال الاستثمارات الموافقة للشريعة الإسلامية ودور هيئات الرقابة الشرعية لديها فهناك جملة من التحديات والمشكلات تواجه البنوك الإسلامية ـ فضلا عن غيرها - بعضها وجد مع ميلاد المصرفية الإسلامية، وبعضها استجد مع المتغيرات العالمية والأحداث الدولية الراهنة، وهذه التحديات توجب على القائمين على البنوك الإسلامية والغيورين من العلماء الشرعيين والاقتصاديين وأصحاب روؤس الأموال الذين يهمهم نجاح الفكرة وسلامة التجربة التصدي لها والبحث عن حلول ومخارج،وعلى هيئات الرقابة الشرعية تطوير وظيفتها الرقابية والبحثية والاجتهادية لتتكيف مع هذه المستجدات، وتساعد البنوك الإسلامية على تخطي واجتياز تلك العقبات- كما سنبين في هذه الورقة- .
وفي هذه الورقة نعرض بإيجاز لأهم هذه التحديات وأثرها في تعويق دور البنوك الإسلامية الاستثماري والتنموي ، ثم نعرض لأهمية تطوير دور هيئات الرقابة الشرعية وتفعيل عملها للتغلب على هذه المصاعب وذلك في مبحثين .
رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي .



! ! !



















المبحث الأول

التحديات المعاصرة للمصرفية الإسلامية

التحدي في اللغة معناه : التنازع، والتنافس من أجل غلبة الآخر والتفوق عليه.
قال ابن منظور :" تحديت فلانا إذا باريته في فعل، ونازعته الغلبة . ابن سيده : وتحدى الرجل : تعمده، وتحداه : باراه ونازعه "([1])
والمراد هنا : جملة الأمور التى تواجه البنوك الإسلامية وتعيقها عن أداء وظائفها على الوجه الأكمل.
وباستقراء تلك التحديات نجد منها ما هو داخلي -أي من قبل البنوك الإسلامية نفسها- ومنها ما هو خارجي، منها ماله صبغة شرعية ومنها ماله صبغة إدارية أو قانونية أو استثمارية .
ونتناول تلك التحديات بشيء من الإيضاح :
أولا : الفتاوى الفقهية المبيحة للفوائد المحددة المصرفية .

وهذه من أخطر التحديات التى تواجه البنوك الإسلامية ؛ لأنها قامت – فى الأساس – كبديل عن البنوك الربوية التى تتعامل بالربا المحرم شرعا فى إقراضها واقتراضها، ولبت حاجة جموع المسلمين الراغبين فى استثمار أموالهم استثمارا طيبا وفق ما شرع الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم –، ودَعَّم موقف البنوك الإسلامية فى ذلك اتفاق علماء الأمة سلفها وخلفها على حرمة الإقراض أو الاقتراض بالفائدة، وهو ما ثبت عليه علماء المسلمين المعاصرين فى مؤتمراتهم ومجامعهم وفتاويهم الرسمية منها وغير الرسمية، ومن ذلك ما صدر عن المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية فى مصر عام 1965م :" الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق فى ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة فى مجموعها قاطعة بتحريم النوعين، وكثير الربا فى ذلك وقليله حرام .
والإقراض بالربا محرم، لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا حرام كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه فى تقدير ضرورته ..." ([2])
ولم يؤثر فى هذا الاتفاق بعض الأصوات من هنا وهناك التى أباحت الفوائد على بعض أنواع القروض بناء على اعتبارات وتخريجات فقهية أجهضها علماء الأمة فى حينها .
لكن الأمر اختلف في هذه الآونة الأخيرة وعلت أصوات القائلين بالإباحة ودعم موقفهم بعض الفتاوى الصادرة من العلماء الشرعيين – وخاصة ممن يتبوءون ولاية الإفتاء الشرعي – حيث أفتي بأن الفوائد المحددة التى تمنحها البنوك "الربوية " جائزة شرعا، وأن معاملات البنوك التى كانت تسمى " البنوك الربوية" هي الأقرب للإسلام من معاملات البنوك الإسلامية، وأن الأوفق شرعا في حالة ما إذا قننت أعمال البنوك أن تحدد الفوائد ([3]).
وقيل بأن الإيداع في البنوك الربوية يخرج على أحكام المضاربة أو الوكالة المطلقة،وأن تلك البنوك تستثمر أموال المودعين فى مشروعات نافعة للأمة فكيَّفت المسألة على أنها نوع مضاربة، وأن عدم تحديد الفوائد ليس عليه نص وإنما من باب المصالح المرسلة، والمصلحة تقتضي فى هذا الزمن التحديد ([4]) وأن هذا التحديد إنما يتم بناء على دراسات واعية دقيقة تمنع معه الخسائر أو ظلم أحد الطرفين، وقد حدا هذا ببعض العلماء إلى إفتائه البنوك بفتوى تختلف عن فتواه لعموم الأفراد .
وازداد الأمر خطورة عندما استطاع أنصار هذا التيار أخيرا استصدار قرار من مجمع البحوث الإسلامية المصري يؤكد الفتاوى الفردية السابقة .
ولم يقف الأمر عند حدود إباحة الفوائد على القروض المصرفية وإنما تعدى ذلك إلى معاملات أخرى كالتأمين الذي ظل المسلمون ردحا من الزمن يعتبرونه من المعاملات المحرمة وقد تراجع كثير من أهل الفتوى في القول بحرمته .
وقد نقضت هذه الفتاوى وتلك الأقوال الأساس الذي قامت عليه البنوك الإسلامية،بل والعمل المالي الإسلامي المؤسسي، وهي أنها لا تتعامل بما تتعامل به البنوك الربوية من الإقراض أو الاقتراض بالربا المحرم شرعا ؛ لأنه إذا لم تكن هناك حرمة فى التعامل مع البنوك الربوية، فلماذا تؤسس بنوك أخرى تنسب نفسها إلى الإسلام، وتعتبر أن تميـزها هو فى تطبيقــها لأحكام الكتاب والسنة ومنها حرمة الربا ؟!
ولسنا في مقام مناقشة الفتوى، وإنما نظهر هنا أنه كان لهذه الفتوى – فيما أرى – أثر سلبي كبير على البنوك الإسلامية معنويا وماديا، فمن الناحية المعنوية : أفقد البنوك الإسلامية تميزها حيث استوت بذلك مع البنوك الأخرى إذ لا فرق، وأزال الحرج الشرعي عمن يتعامل مع البنوك التقليدية – في زعمه - فاطمأنت نفسه، وإن لم يطمئن فلسان حاله يقول " ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم "، كما أضعفت موقف المناهضين للبنوك الربوية، وخفت صوتهم، وأغلقت المنافذ الإعلامية أمامهم، بل منهم من جرم وحوكم بسبب موقفه ذلك، كما أعطت قوة جدالية لأنصار الاقتصاد الربوي فاحتجوا وحاجوا بها.
أما أثرها المادي على البنوك الإسلامية فغير خاف، فرغم الإقبال الذي تشهده البنوك الإسلامية، وكثرة المتعاملين معها، وتحول مؤسسات كبيرة إلى النظام الإسلامي، أو فتح فروع إسلامية تتبع مؤسسات ربوية عريقة، لكني أرى أنها ربما أدت إلى تحول نفر ممن كانوا يتعاملون معها إلى البنوك الأخرى، كما منعت آخرين يريدون التحول من البنوك الربوية إليها، ورغم أنه لا يتوافر إحصاء بهذا، لكن رؤية الواقع تدل عليه .
نعم ثار في مواجهة هذه الفتاوى علماء كثر، وعقدوا مؤتمرات، وأصدروا بيانات، وألفوا كتبا لدحض هذه الفتوى وبيان بطلانها،سواء أكانت لهم علاقة بالبنوك الإسلامية أم ليست لهم علاقة،كما أن جماهير غفيرة من عامة المسلمين تشككت وارتابت في هذه الفتاوى، لكن كما هي طبيعة الأعمال لها شرة تعقبها فترة وسكون، فقد هدأت ثورة العلماء أو أسكتوا قصدا، فى الوقت الذي لا يفتأ أنصار هذه الفتوى على ترديدها وتقريظها مما يضعف من شأن البنوك الإسلامية ويوهن من أمرها .
ثانيا : العولمة .

من التحديات الضخمة التى تواجه البنوك الإسلامية تزايد الاتجاه نحو عولمة المال والاقتصاد، وتحرير تدفقات التجارة والأموال، وهذا يعنى تدويل الأسواق القطرية وزيادة المنافسة ليس فقط مع البنوك الربوية المحلية وإنما منافسة شديدة وشرسة مع البنوك العالمية التى ستنتقل بخدماتها ورؤوس أموالها داخل الدول الإسلامية بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وفتح تجارة الخدمات مع حلول عام 2010م، ولاشك أن هذه البنوك العالمية تتمتع بإمكانات مالية وتقنية هائلة .
كما يواجه البنوك الإسلامية تحديا آخر مرتبطا بالعولمة وهو التطور الهائل في تقنيات الاتصال والمعلوماتية وشبكة الانترنت، فهذه الشبكة مكنت البنوك من مختلف أنحاء العالم من نقل خدماتها المصرفية إلى بيوت ومكاتب العملاء في مختلف أنحاء المعمورة دون أن تنقل مبانيها إلى مختلف البلدان وهذا ما سهل من انتقال الأموال بين نقطة وأخرى في العالم في ثوان معدودة، وهذا ما يضيف ويفرض مسئولية كبيرة على عاتق البنوك الإسلامية من ضرورة وجودها بشكل نشط وفعال على هذه الشبكة.
وقد أقيمت عدة مؤتمرات وندوات لدراسة سبل المواجهة والتكيف مع هذا الأوضاع الجديدة وانتهت تلك المؤتمرات إلى إصدار توصيات عديدة في مجال الإدارة والاستثمار، ونأمل أن ترى تلك التوصيات سبيلها للتطبيق .([5])



ثالثا : النمو المتزايد للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية .

في السبعينات من القرن المنصرم كان هناك عدد محدود من البنوك الإسلامية على مستوى العالم لا يزيد عن خمسة بنوك، وكانت أنشطتها تتركز على تقديم خدمات مالية تتفق مع الشريعة الإسلامية، وقد أدى الإقبال طوال السنوات الماضية على مثل هذه الخدمات - رغم التضييق والتشويش المستمر عليها – إلى حدوث نمو سريع في أعداد البنوك الإسلامية يتراوح ما بين 10-15% ليصل عددها الآن إلى أكثر من مائتي مصرف تبلغ أصولها نحو 120 مليار دولار، واستثماراتها حوالي 150 مليار دولار .
وقد أدى هذا النمو والإقبال المتزايد على المصرفية الإسلامية إلى اضطرار كثير من البنوك الربوية المحلية إلى فتح منافذ للعمل المصرفي الإسلامي، كما أعلنت كثير من البنوك العالمية في أمريكا وأوربا إلى فتح فروع لها في اوربا وفي العالم الإسلامي تتعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فقد افتتح مصرف نوريبا بنك
(
BSC) التابع لبنك (UBS) من أكبر البنوك السويسرية فرعا لـه في البحرين في سبتمبر الماضي يتعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن أحد المسئولين في البنك ( كريستوف ميير ) قوله إنه أول وجود محلي للبنك في المنطقة من خلال بنك مكرس تكريسا كاملا إدارة الثروات وفقا لأحكام الشريعة "

وليس بنك نوريبا هو الوحيد الذي أقدم على مثل هذه الخطوة،فقد وقع بنك باريبا الفرنسي مع بيت التمويل الكويتي في 22/5/2001 م مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق لسوق مالية إسلامية بقسمة ملياري دولار، وتنص المذكرة على ان يقدم البنك الأصول ويتولى بيت التمويل هيكلتها حسب الشريعة الإسلامية قبل أن تسوق في دول الخليج، ومن قبل كانت مجموعة ( HSBC) البريطانية الكبرى من المجموعات الأوربية التى بادرت من قبل إلى الاهتمام بنشاط الاستثمارات التى تراعى فيها أحكام الشريعة الإسلامية وأعدت فرعا لها في دبي وغير ذلك كثير .
ويضاف إلى ذلك وجود عدد كبير من البنوك الأجنبية التى أنشأت لديها محافظ وصناديق استثمار موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية، وشاركت مصارف غربية من الدرجة الأولى في تلك النشطة، مثل : مؤسسة " هونج كونج " " شنجهاي " " سيتي جروب " " دويتش بنك " " إيه بي إن إمرو" " جي بيه مورجان تشيس "
هذا بخلاف تطوير مؤشرات أسهم إسلامية من قبل مؤسسات معروفة مثل " داو جونز " " فايننشال تايمز " وغيرهما .
ومن الغريب أن نعتبر هذا تحديا يواجه البنوك الإسلامية، والأولى أن نعتبره إنجازا ودليل نجاح للمصرفية الإسلامية، وهو كذلك في الحقيقة لكن هذا الإقبال المتزايد على المعاملات الإسلامية، سواء أكان ذلك عن عقيدة تدفع المقبلين إلى استثمار أموالهم وفق الشريعة الإسلامية أم سببها عاطفة، أو الحرص على أعلى عائد متوقع فإن ذلك يحتم على البنوك الإسلامية تطوير نفسها وتقديم مزيد من الابتكارات في مجال تقديم الخدمات والفرص الاستثمارية، وتعاظم دورها التنموي في البلاد الإسلامية ؛ لأن هذا النمو والتزايد المستمر في الإقبال على البنوك الإسلامية قد يفتر مع الوقت إن لم يلمس العملاء والمجتمع أثرا ظاهرا لهذه البنوك وقدرة تنافسية عالية مع المصرفية الأخرى.([6])
وثمت تحد آخر يفرضه هذا النمو المتزايد للبنوك الإسلامية وفتح فروع ومنافذ للعمل المصرفي الإسلامي في بنوك ربوية عريقة وهي ما يحدث من خلل شرعي في كثير من هذه المنافذ، فيسجل الفرع على أنه إسلامي وفي حقيقة الأمر قد لا يكون له من الإسلام إلا الاسم .([7])
ويتشكك الكثيرون في هذه الفروع ويعتبرونها مجرد لافتة فقط لجذب أموال المودعين والمدخرين وأنها في الحقيقة تصب في وعاء البنك الربوي الأساسي، فضلا عن أن هذه الفروع لا يشرف عليها هيئات رقابة شرعية على غرار ما هو كائن بالمصارف الإسلامية الخالصة وربما تستعين بمستشار شرعي خارجي، وهذا في الحقيقة غير كاف .
كما يحمل البعض هذه الفروع المسئولية عن كثير من التجاوزات التى تنسب للعمل المصرفي الإسلامي وأدت إلى التشويش عليه من قبل العامة والخاصة وهذا بدوره يؤدي إلى فقد المصداقية في التجربة الإسلامية في المجال المصرفي لدى الشارع المسلم، فالبنوك الربوية لم تفتح منفذا للمعاملات الإسلامية لقناعة منها بحرمة العمل الربوي وإنما لغرض تجاري بحت فتتنافس مع غيرها في اجتذاب أموال المسلمين الملتزمين وتتظاهر في أنها تطبق الأحكام الشرعية ولا يكون تطبيقها إلا من باب الصور والشكليات فتجهض العمل المصرفي الإسلامي من روحه ومقاصده وجديته .
ومن هنا تصبح مثل هذه الفروع تحديا خطيرا للمصرفية الإسلامية كيف تحافظ على نفسها من الدخلاء، وتعمل على تنقية صفها ممن يحسبون عليها ويشوهون مسيرتها، وأمام المصارف الإسلامية خيارات متعددة تستطيع من خلالها ضبط مسيرة العمل المصرفي الإسلامي .([8])
رابعا : الحملة الدولية لمكافحة "الإرهاب" بعد أحداث 11سبتمبر .

يعد قطاع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا في العالم من جراء التداعيات السلبية لأحداث 11 سبتمبر لا سيما بعدما تعرض لحملات تشكيك واتهامات باطلة تدعي تورطه في تمويل الأنشطة الإرهابية وغسيل الأموال الأمر الذي يضع مستقبل العمل المصرفي الإسلامي أمام تحديات بالغة الخطورة.
وتستهدف الحملة الدولية على البنوك الإسلامية – كما تزعم – تجفيف المنابع المالية لشبكات الإرهاب الدولي التى تتخذ من البنوك الإسلامية ملاذات آمنة لها، ولذلك سارعت الإدارة الأمريكية بإعداد قوائم ولوائح اتهام لعدد من البنوك والمؤسسات المالية بذريعة علاقتها بالإرهاب، لكن الحملة الآن تتصاعد لتشمل جميع البنوك الإسلامية بدون تمييز وذلك تزامنا مع اتساع دائرة الاشتباه ووضع منظمات وجمعيات خيرية وأفراد وحركات مقاومة على قائمة الإرهاب .
ويرى المراقبون أن ثمت أهدافا خفية لهذه الحملة غير المعلن منها :
ـ أن ارتفاع تكاليف الحرب الدولية ضد الإرهاب يعد دافعا مهما للقائمين عليها للجوء إلى أساليب تجميد أو مصادرة أموال البنوك الإسلامية أو المودعين بحجة مكافحة الإرهاب مما يمنع أصحابها من الاستفادة منها ومن ثم تئول حرية التصرف فيها لهم التى قد تستغلها في حربها، وتقدم منها تعويضات للمتضررين من الأحداث .
ـ أن اتهام البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية جاءت في وقت احتلت فيه تلك البنوك والمؤسسات مكانة مرموقة في الأسواق المالية المحلية والدولية، وبذلك تهدف تلك الحملة إلى الحد من قدرة تلك البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على التوسع والاستمرار في النمو ؛ لأن من شأن ذلك تقييد أنشطتها خشية أن تطولها تلك الحملات وحرصا على أموالها من التجميد والمصادرة .
وقد أدت تلك الحملات بالفعل إلى آثار غير حميدة على النشاط المصرفي الإسلامي وذلك بعد قيام أمريكا بتجميد أموال بعض البنوك والشركات والتهديد بإيقاف وإغلاق أي بنك أو شركة صرافة تتعامل مع أي شخص أو منظمة ورد اسمها في قائمة الحسابات الإرهابية مما دفع بالكثيرين إلى سحب أموالهم من تلك البنوك واكتنازها أو توظيفها في صورة عقارات أو اقتناء ذهب، وجعلت كثيرا من البنوك التجارية التى اتخذت قرارا بفتح فروع ومنافذ إسلامية أن تتمهل في تنفيذ تلك القرارات خشية من تعرضها للبطش الأمريكي وغيره .
ـ التأثير سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لبلدان العالم الإسلامي ؛ لأنه بتعويق البنوك الإسلامية والحد من قدراتها والاتجاه نحو الاكتناز سيحرم المجتمع من تلك الثروات التى يحرص أصحابها على عدم استثمارها استثمارا ربويا، وهذه الثروات تقدر بحوالي 200مليار دولار .
ويرى البعض أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أفادت منها البنوك الإسلامية حيث ارتفع حجم الودائع في الأشهر الثلاثة التى تلت الهجمات، كما أن حركة سحب أموال المسلمين المستثمرة في أمريكا والغرب والتى تصل إلى تريليون دولار خشية تجميدها قد تجد لها طريقا إلى البنوك الإسلامية، وما تقدم قد يكون حقيقة لكن يبقى سيف الاتهام بالإرهاب مسلطا على البنوك الإسلامية عليها أن تتدارك وتحذر وتبعد عن نفسها تلك الشبهات .([9])
خامسا : الأعراف المصرفية الربوية .

يثور جدل كبير في أوساط المصرفيين والشرعيين حول طبيعة وماهية المصرف الإسلامي هل ينبغي أن يمارس نفس الدور الذي يقوم به المصرف الربوي أي دور الوساطة المالية فقط مع أسلمة هذا الدور بقدر الإمكانوهنا تعتريه نقائص كثيرة وسلبيات عديدة، أم عليه أن يتخلى عن هذا الدور وينشئ عرفا مصرفيا جديدا ويمارس كافة المعاملات المالية من مضاربة ومشاركة ومساقاة ومزارعة فضلا عن البيوع بأنواعها وتقديم الخدمات المصرفية المختلفة حسب ما تسمح به الشريعة الإسلامية وفي هذه الحالة لا يكون مصرفا بالمعنى الاصطلاحي للمصارف .
وهنا يبرز التساؤل هل يستطيع المصرف الإسلامي أن يجمع بين دور الوساطة المالية حسب المنهج الإسلامي وبين تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي ككل، وقيامه بكافة المعاملات الشرعية من تجارة ومضاربة ومشاركة وغيرها ؟
يرى البعض أن واقع المصرفية المعاصرة لا يمكن المصرف الإسلامي من ذلك فالمصرف الإسلامي بين خيارين : أحدهما : إما أن يتمسك بمصرفيته ويضحي بمشروعيته، وإذا ما تاجر بالسلع فإن تجارته هذه تكون صورية . الثاني : وإما أن يتمسك بمشروعيته ويضحي بمصرفيتـــــــه وتكون عـنــدئذ تجارته بالسلع تجارة حقيقية .([10])
وحول هذه الإشكالية انقسم رأي المختصين ففريق يرى أنه على المصرف الإسلامي أن ينشئ أعرافا مصرفية جديدة ولا يتقيد بالأعراف المصرفية حتى ولو لم يطلق عليه مصرف بالمعنى الاصطلاحي، وأن على المصرف استلهام أهداف ومقاصد الاقتصاد الإسلامي في خططه وبرامجه وكافة أعماله وأن يرى المتعاملون معه ثمار هذا التطبيق، وأن ينعم المجتمع المسلم ككل بجني هذه الثمار، حتى ولو كلفه ذلك قلة الأرباح والعوائد فالعائد الاجتماعي أعظم من العائد المالي .
ويرى أنصار هذا الرأي :" ما يرمي له الإسلام هو تعظيم العائد الاجتماعي مع تحقيق أرباح معقولة، فالفرق هنا بين التفكير الغربي وهو تعظيم الأرباح وما يرمي له الإسلام وهو تحقيق أكبر قدر من العائد الاجتماعي مع السعي لتحقيق قدر من الأرباح وهذه غاية شرعية وحتى لا يكون دولة بين الأغنياء ولكي لا يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا لذلك يجب على المصارف الإسلامية أن تفكر في استنباط وسائل تمكنها من توسيع قاعدة تمويلها حتى تنهض بقطاعات أوسع من المجتمع لإخراجهم من دائرة الفقر الذي غطى معظم شعوب الدول الإسلامية إلى دائرة الكفاف، كما يجب استنهاض العلماء والمفكرين والباحثين لبلورة فكر تطبيقي حقيقي ينزع إلى الاهتمام بالأصول الحقيقية لا القشور التى تجاوزناها والانعتاق بصدق من هيمنة الاقتصاد الغربي الذي ترسخ في عقولنا ومؤسساتنا لا سيما المصرفية، فالمصارف الإسلامية هي واجهة نظامنا الاقتصادي الإسلامي " ([11])
وفي مقابل هذا الرأي يرى فريق آخر إن المهمة الأساسية لأي مصرف حتى ولو كان إسلاميا هي قيامه بدور الوساطة المالية وأن قيام المصرف الإسلامي بذلك ضرورة بما تعنيه الكلمة من مدلول فقهي، يقول محمد نجاة الله صديقي " في عالم المنافسة الاقتصادية تصبح الوساطة المالية في الاقتصاد الإسلامي واجب لا بد منه، وبلوغ اقتصاد سريع النمو لا يمكن تخيله دون وسائط مالية، ليس من المبالغة إن قلت إن مصير المجتمع الذي يبطل الوساطة المالية ليس أفضل من مصير مجتمع يبطل استخدام النقود، دعنا نفترض قيام اقتصاد إسلامي معاصر ليس به وسائط مالية فالمواطنون يدخرون والمصارف الإسلامية تأخذ تلك المدخرات لاستثمارها سواء مباشرة أو عن طريق مشاركة رجال الأعمال، سيترتب على ذلك شيئان :
أولا : ستتعرض المصارف الإسلامية لكل مخاطر العمل التجاري ..........
ثانيا : قد يصعب على المبدعين ورجال الأعمال تمويل مشروعاتهم ..........
نعتقد أن الوساطة المالية أضحت ضرورة بكل ما يعني المصطلح الفقهي من دلائل .."([12])
وعلى أي وضع فإن أمام المصرف الإسلامي تحد كبير متمثل في صياغته لدور اقتصادي ومالي يراعى فيه مطابقته للشريعة وتلبيته لاحتياجات المسلم والمجتمع المعاصرة .
سادسا : التميز والتفرد عن البنوك الربوية .

الأصل أن البنوك الإسلامية تختلف اختلافا كليا عن البنوك الربوية لا في الاسم فقط ولكن في المفهوم والمضمون والمنهج والمقصد والمصدر .
فتعتمد البنوك الإسلامية الشريعة الإسلامية مصدرا ومنهجا لها وهي تتسم بصلاحيتها لكل زمان وكل مكان، ولا تضيق ذرعا بالمستجدات ففيها من المرونة ما يستوعب كل هذا وينظمه، وفيها من الثبات ما يحافظ عليها وعلى أصالتها فلا تذوب وتتميع مع كل جديد .
وبذلك تتميز البنوك الإسلامية عن البنوك الربوية بتحقيقها لمنهج الإسلام في الاستثمار، واستيعاب كافة مفردات هذا المنهج من أصول وفروع، أهداف ووسائل، وتنزل بهذا المنهج إلى الواقع العملي وتثبت صلاحيته للتطبيق، وترد به على من يشكك فى صلاحية الشريعة للواقع المعاصر .
وبتتبع مسيرة البنوك الإسلامية نجد أنها قد بدأت بداية صحيحة فى تطبيقها للمنهج الشرعي فى الاستثمار واستوعبت أدواته كلها من مضاربة، ومشاركة، وقرض حسن وغير ذلك، وكان مبدأ التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر هو القاعدة الأساسية للنمط المصرفي الجديد الذي دعت إليه، ولكنها سرعان ما وجدته غير قادر على تلبية كل متطلبات الحياة الاقتصادية من الأموال، ولا يحقق لها المردودية التى كانت تتوقعها فضلا عن المشاكل التى عاقت استعماله بفعالية، فشرعت تبحث عن أدوات أخرى أكثر ربحية، وأقل مخاطرة، وأسهل تطبيقا فلجأت إلى أدوات التمويل بالهامش الربحي كبيع المرابحة، والإجارة التمويلية والتورق وغيرها، وطغت هذه العمليات على غيرها حتى ذكرت بعض الإحصاءات أن صيغة التمويل بالمرابحة وصلت فى بعض البنوك إلى حوالي 90% من مجمل عملياته المصرفية، وكإحصائية عامة عن حجمها فى البنوك تدور ما بين 40% إلى 75% .
وقد أثار هذا التحول كثيرا من الانتقادات على البنوك الإسلامية بعضها متعلق بالشبهات الشرعية المتعلقة بتطبيق هذه العمليات، والبعض الآخر متعلق بعدم جدوى هذه العمليات فى بيان معالم الاقتصاد الإسلامي، وخدمة الاقتصاد القومي فضلا عن أنها قربت بين البنوك الإسلامية والربوية من حيث اعتماد الأخيرة على المعاملات الائتمانية، مما شجع على تأسيس مؤسسات مالية تنسب نفسها إلى الإسلام، وليس لها منه إلا الإعلان مما أساء إلى العمل المصرفي الإسلامي كله .
ومما ذكر في بيان آثار هذا التحول من البنوك الإسلامية ما قاله الأستاذ يوسف كمال: " ولقد اعترضت من أول لحظة على عقد بيع المرابحة الذي نفذ ابتداء في بنك دبي ثم السودان ثم مصر، وحذرت من خطورته في مرحلة مبكرة لدى رؤساء مجالس إدارة البنوك الإسلامية فى مصر، وأمين اتحاد البنوك الإسلامية، ولما يئست من الاستجابة نشرت مقالا بمجلة الدعوة فى أبريل 1980بينت فيه مدى الخطر الذي يحيق بالتجربة وحذرت من أنه سيطغى على كل الاستخدامات، وينحرف بمسار المصرفية الإسلامية ويزيح كل جهد لتأصيل عرف مصرفي إسلامي، وتوطين أدوات مصرفية إسلامية ولكن لم يلتفت من بيده القرار إلى ذلك، ودعم هذا الانحراف – للأسف – من شرعيين، وكان لهذه المعاملة جاذبيتها من المصرفيين ذوي الخبرة الربوية لاتفاقها مع نمط المعاملات الرئيسي فى البنوك الربوية " ويقول :" ولقد أضرت المرابحة بالاقتصاد الوطني ضررا شديدا لاتجاهها غالبا إلى أنشطة اكتنازية، أو لإشباع رغبة كمالية عن طريق الاستيراد أو التجارة فى المواد الضرورية أو المضاربة فى العملة، وهذه الأنشطة فى البلاد النامية تزيد من حدة التضخم، وتؤدي إلى تراكم التخلف، وذلك لأنها تعوق الاستثمار الحقيقي " 0([13])
ويقول د . حاتم القرنشاوي بعد ذكره لبعض الصور التى تقرب تنفيذ البنوك الإسلامية من عمل البنوك الربوية :" وقد أدى ذلك كله إلى أن يتضاءل نشاط البنوك الإسلامية أو ينعدم فى مجال تمويل المضاربات إضافة إلى تمويل المشاركات الدائمة أو المتناقصة، فتحول هيكل الموارد تدريجيا إلى موارد قصيرة الأجل فى المقام الأول، وتعرضت مجموعة من البنوك الإسلامية فى البلاد التى تعاني مشاكل فى موازينها التجارية إلى عدد من المخاطر غير المحسوبة، نشأت نتيجة وضع قيود على عمليات الاستيراد أو بسبب تقلبات الأسعار مما أدى إلى عجز المدينين عن السداد، أو نتيجة تزايد الديون المعدومة التى ترتبت على اندفاع عدد من البنوك الإسلامية إلى القيام بعمليات المرابحة من دون دراسة دقيقة مسبقة .......والأهم من ذلك كله : هو تدني الأثر الكلي لنشاط البنوك الإٍسلامية فى الاقتصاد القومي حيث انصرف ذلك النشاط إلى تمويل التجارة – وهو نشاط مشروع مطلوب – ولكن على حساب الأنشطة الأخرى، ولما لم يكن ذلك مطلوبا فى المجتمعات التى تعاني فى المقام الأول من قصور فى هياكلها الإنتاجية ومن حاجتها إلى إيجاد فرص عمل منتجة لمواطنيها، ولا شك في أن مثل ذلك الأثر السلبي لسيطرة توظيفات المرابحة سيتفاوت حسب طبيعة المجتمع وتكوينه، والأهمية النسبية لقطاعاته الاقتصادية ومدى التوازن بينها وفرص الاستثمار المتاحة فيه"([14]) ويقول النجار :" إن المرابحة أكبر حل إجرامي فى التاريخ الإسلامي فهو سعر فائدة ولكنه مضمون 100% " ([15]) وقريب منه أو أشد ما قاله الشطي فى وصفه للمصارف الإسلامية بأنها مؤسسات لا ربوية وليست إسلامية .([16])
وفي محاضرة للشيخ صالح كامل في بنك التنمية الإسلامي يقول :" ....إننا لم نكتف باختيار اسم البنك فقط ولكن أخذنا مفهومه الأساسي ..وبالتالي لم نستطع أن نوجد لمؤسساتنا المالية مفهوما ونمطا يتجاوز مسألة الوساطة المالية والذي حصل أن الصيغ الاستثمارية المفضلة لدى البنوك الإسلامية أصبحت هجينا بين القرض والاستثمار وهو هجين يحمل معظم سمات القرض الربوي وعيوب النظام الرأسمالي الغربي ويعجز عن إبراز معالم الاستثمار الإسلامي المبني على المخاطرة وعلى الاستثمار الحقيقي ولا يعترف بضمان رأس المال أو عائده، ومما يدل على عمق المسألة واستمراريتها أن الهياكل التنظيمية لبنوكنا والتى استقيناها من البنوك التقليدية لا تعير اهتماما الاستثمار لا في حجمها ولا في تخصصاتها، بحيث تستوعب جميع ضروب النشاط الاقتصادي المنتج ........" ([17])
وتدافع البنوك الإسلامية عن نفسها بشأن تحولها الكبير هذا إلى وجود مخاطر عالية فى توظيفات المضاربات والمشاركات، ومشاكل فى التطبيق، ففيما يتعلق بالمضاربات لا تتوفر على أغلب المعايير الضرورية في أي مشروع طالب للتمويل، وأهمها : المعرفة الكاملة بالمتعاملين من حيث الملاءة، والوضعية في السوق، وأخلاقيات التعامل المالي، فضلا عن مخاطر التنفيذ والتى قد تصل إلى 100%، أما فى التوظيف بالمشاركة، فهناك صعوبات تواجه الإدارة والمتمثلة فى الإشراف على المشروعات التى تمولها بالمشاركة، ومتابعة تنفيذها مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنجاز العمليات محل التمويل، وأخرى تواجه المتعاملين وهي الأكثر خطورة وتتمثل فى عدم توفر أغلب المتعاملين على الكفاءة المهنية المفروضة، وتحايلهم على المصرف من حيث امتناعهم عن الإعلان عن الأوضاع الفعلية للمشروعات، أو الإعلان عنها بشكل غير صحيح، أو التصريح بخسائر وهمية، وذلك بهدف الاحتفاظ بأعلى نسبة ممكنة من الأرباح من جهة وتحميل المصرف الخسارة التى تجبر من نصيبه في رأس المال من جهة أخرى([18])، كما أن كثيرا من المتعاملين لا يرغبون في مشاركة أحد ، وثالثة تواجه المودعين وأصحاب رؤوس الأموال الذين يقدمون أموالهم للمصارف لتمول بها على المدى القصير فعندما ينطبق عليهم نظام المشاركة بشكل قطعي وكامل فإن ذلك يؤدي إلى عدم تطابق الآجال التى اختاروها وآجال تنفيذ المشروعات التى مولتها البنوك بأموالهم مشاركة.
ونحن إن كنا لا نتفق مع كثير من الأوجه التى ذكرها المنتقدون على البنوك ويريدون أن يحملوها مسئولية دولة عن أمة وعن مجتمع، حيث هي في النهاية مجرد شركات تقوم باستثمار أموال الغير في مناخ غير ملائم ووفق أنظمة لا دخل لها فيها .
لكني أرى أن كثيرا مما ذكر من مشكلات ومعوقات لتطبيق المضاربات والمشاركات، وكذا التحول عن ضروب النشاط الاقتصادي المنتج، والانتقال بأموال المسلمين لبلدان غير إسلامية لا يعفي البنوك الإسلامية من المسئولية عن التطبيق الصحيح لمبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي، وخاصة منهجه فى استثمار الأموال، وعليها أن تبتكر أدوات استثمارية حديثة ومتطورة ومتناسبة مع روح العصر ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية حقيقة وصورة .
سابعا : المناخ التشريعي والاقتصادي والرقابي غير الملائم .

إن المناخ الذي تعمل فيه البنوك الإسلامية في كثير من البلاد هو مناخ مناسب للمصارف الربوية فالتشريعات المالية والاقتصادية وأجهزة الرقابة الموجودة فيها صنعت خصيصا لتلك البنوك لا للبنوك الإسلامية، ولا توجد في معظم دول العالم الإسلامي تشريعات خاصة بالمصرفية الإسلامية وأجهزة رقابة خاصة بها تتفهم طبيعة البنوك الإسلامية فضلا عن أن كثيرا من دول العالم الإسلامي تحكمه أنظمة وضعية في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبذلك تفقد البنوك الإسلامية البيئة الملائمة لها .
وعلى صعيد التشريعات المتعلقة بالمال والاقتصاد يتوجب على البنوك الإسلامية التكيف مع التشريعات المناسبة للمصارف الربوية في الوقت الذي لا تتعامل هي بالربا، فيجب عليها مثلا إيداع احتياطي نقدي لها بالبنك المركزي يصل إلى حوالي 25% من الودائع ولا تتقاضى عليها فوائد من البنك المركزي لأن نظامها يمنعها من ذلك، كما أنها لا تستفيد من خدمات البنك المركزي الذي يعد المقرض الأخير للبنوك رغم حاجة البنوك الإسلامية الماسة للتمتع بهذه الميزة التى تتوفر لغيرها من البنوك فإنها لا تستطيع شرعا الاستفادة من تسهيلات البنك المركزي لأنها تقدم على أساس ربوي، ولو أضفنا لذلك وجوب احتفاظ البنك بنسبة سيولة تصل أيضا إلى حوالي 25% من الودائع دون عائد لمواجهة الطلب اليومي لأدركنا حجم الأموال المعطلة في البنك الإسلامي .
وهناك مشكلة أخرى متمثلة في طبيعة الودائع التي تستثمرها لصالح المودعين فهي ذات آجال قصيرة في حين أن تمويل المشروعات في حاجة إلى أموال طويلة الأجل مما ينتج عنه صعوبات بالغة للمواءمة بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل .
ومع هذا القصور التشريعي فهناك غياب للإطار المؤسسي والتنظيمي الخاص بتكامل العمل المصرفي الإسلامي سواء من حيث وجود السوق الثانوية للمصارف الإسلامية أو توفير أسواق رأس المال الإسلامي بأدواتها وتنظيماتها المختلفة .
ثامنا : الالتزام بالضوابط الشرعية في مجال الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية

البنوك الإسلامية ليست مجرد مؤسسات تجارية أو استثمارية تستهدف الربح، وإنما هي - فى المقام الأول – مؤسسات صاحبة رسالة، وإن لم يكن العاملون بها متمثلين لهذه الرسالة التى تضطلع بها هذه البنوك لتحقيقها، ومتفاعلين مع أهدافها، وتتوافر فيهم الرغبة فى العمل بالطرق الإسلامية، وثقتهم فى العمل المصرفي الإسلامي فضلا عن كفاءتهم العلمية والعملية،ويحسن انتقاؤهم لهذا العمل فلن تستطيع تلك البنوك الوصول إلى أغراضها أو تحقيق غاياتها .
وقد لوحظ خلل في شأن الالتزام بالضوابط الشرعية من بعض العاملين في البنوك الإسلامية يشوهون صورتها ويروجون حولها الشائعات فضلا عن قيامهم بكثير من التجاوزات الشرعية في إبرامهم للمعاملات مع العملاء، وكثير من هؤلاء من أصحاب التكوين الاقتصادي والقانوني الحديث، ولا علم لهم بقواعد الاقتصاد الإسلامي التى تعمل بها البنوك الإسلامية، ولا فقه المعاملات المالية فى الإسلام، فربما نظروا فى كثير من معاملات البنوك الإسلامية فلم يظهر لهم فرق بينها وبين المعاملات التى تقوم بها البنوك الربوية، وكثير منهم يذكر لعموم المتعاملين معه أن الكل سواء.([19])
وقد أدى ما سبق إلى آثار سلبية تعوق عمل ونهضة البنوك الإسلامية لا سيما فى مجال تقدير جدوى المشروعات، فقد نجحت البنوك الإسلامية فى اجتذاب المدخرات لكنها لم تنجح فى توظيفها مما قلص من حجم عطائها، فتكوين العامل لا يسمح لـه بتفهم ولا استيعاب المعاملات المشروعة فى الإسلام، فضلا عن أن يطور ويبتكر فى مجال عمله، وقد أدى هذا – أيضا – إلى سلبية أخرى وهي كثرة الأخطاء الشرعية التى يقع فيها العاملون مما شوه صورة البنوك الإسلامية أمام الرأي العام وتصويرها بأنها تتاجر بالإسلام، وتخدع بالإعلان .([20])
وهناك من يعذر البنوك الإسلامية فى هذه المسألة لعدم توافر المؤهلين علميا ومهنيا الذين يجمعون بين الفقه الشرعي والفقه المصرفي والاقتصادي، فالواقع أن أصحاب التكوين الاقتصادي والمصرفي الحديث لا علم لهم بالفقه الإسلامي ولا بقواعد الاقتصاد الإسلامي، وأصحاب التكوين الفقهي الإسلامي لا علاقة لهم بالجانب الاقتصادي والقانوني والفني والتقني الضروري لسير عمليات المصرف، فى الوقت الذي لا توجد فيه معاهد علمية خاصة بالاقتصاد الإسلامي، والصيرفة الإسلامية ضمن الهياكل الجامعية وحتى إن وجدت فحجمها ضئيل إذا قورن بحجم الكليات والمعاهد الأخرى، كما أن وجود كثير من المؤسسات المالية الإسلامية فى بلاد غير المسلمين تضطرهم إلى توظيف غير المسلمين أحيانا التزاما برخصة العمل،أو الحاجة إلى تخصصات فى المجال المصرفي والاستثماري .([21])
وإضافة إلى الآثار الاقتصادية المذكورة فهناك آثار أخرى متمثلة في الدعاية المضادة عن البنوك الإسلامية حيث ترمى بالمتاجرة بالشعار كما قال البعض في مقال له بعنوان " بنوك إسلامية كأن الأخرى كافرة : الخداع بالإعلان " وآخر يقول " طلاء إسلامي لواقع غير إسلامي " وأدى ببعض رجال الأعمال إلى عدم إطلاق أسماء إسلامية على مؤسساته .([22])
وهذه الدعاية المضادة تفقد البنوك الإسلامية كثيرا من الموارد والأنصار والعملاء وتعطي الذريعة للمؤسسات الربوية في إثبات تفوقها على البنوك الإسلامية.
وما تقدم ذكره من تحديات يحتم على البنوك الإسلامية بأجهزتها المختلفة وإداراتها المتنوعة أن تتصدى لها وتعمل التقليل من آثارها .
وفي المبحث التالي نورد دور هيئات الرقابة الشرعية في مواجهة تلك التحديات .
المبحث الثاني

دور هيئات الرقابة الشرعية في مواجهة تحديات العمل المصرفي


تمهيد

تعتبر الرقابة الشرعية من الهيئات الجديدة التى أحدثتها المصارف الإسلامية لتصبح جزءا من هياكل المصارف الإسلامية، وتستمد وجودها من الأنظمة الأساسية لهذه المصارف لتمارس عليها سلطة الرقابة والتوجيه والإشراف فيما يختص بمشروعية ما يقدم عليه المصرف من أعمال، فتنظر فيما يعرض على المصرف من عقود وأعمال للتأكد من موافقتها مع الشريعة الإسلامية، أو وضع عقود أخرى، أو إعادة صياغتها كما تتابع حسن تنفيذ القرارات التى تتخذها، وتقوم بدور استشاري قبل ممارسة المصرف لأي عمل، وبالجملة هي مكلفة بتوجيه وتصحيح مسار المصرف من الناحية الشرعية .
وقد جاء في منشور بنك السودان تعريفا لهيئة الرقابة الشرعية واختصاصاتها :" هيئة الرقابة الشرعية هي جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات، ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية وله إلمام بفقه المعاملات، ويعهد لهيئة الرقابة الشرعية توجيه نشاطات البنك ومراقبتها والإشراف عليها للتأكد من التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتكون فتواها وقراراتها ملزمة للبنك "
ويكاد ما جاء في منشور بنك السودان هو نفسه الموجود في هيئات الرقابة لدى البنوك الإسلامية الأخرى وإن اختلفت التشكيل من حيث العدد والتخصص والعلاقة مع الإدارة والمودعين .
وتختلف المصارف الإسلامية فيما بينها فى تكوين هيئة الرقابة الشرعية لديها،فيلاحظ أن بعض أنظمة المصارف تشترط أن يكون عددهم خمسة على الأكثر، وأن يكونوا من علماء الشرع وفقهاء القانون المقارن المؤمنين بفكرة المصرف الإسلامي وحددت أخرى حدا أدنى هو ثلاثة أعضاء وحدا أقصى سبعة، وفى بعض المصارف اقتصر قانونها على مستشار شرعي واحد .([23])
وإذا كانت كل هيئة تملك سلطة الحكم على أي تصرف للمصرف الذي تنتمي إليه من حيث تناسبه مع الشريعة الإسلامية أو عدم تناسبه معها دون أن يراقبها أحد داخل المصرف فإنها مع ذلك تخضع مبدئيا لنوع من الرقابة تمارسه عليها الهيئة العليا للرقابة الشرعية التى نصت على إنشائها المادة 16 من اتفاقية إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية المبرمة سنة 1977، وقد أدخلت تعديلات على هذه المادة، ففى البداية نصت على أن تشكل الهيئة من رؤساء الهيئة الشرعية لكل بنك مع حق مجلس إدارة الاتحاد إضافة أي شخص يراه ملائما للعمل بها، ثم عدلت المادة المذكورة لينص التعديل على أن يعطى لمجلس إدارة الاتحاد حق اختيار أعضاء هذه الهيئة على أن يكون عددهم سبعة مضافا إليهم ممثلون للهيئات التابعة لكل بنك عضو فى الاتحاد، وفي عام 1982 أعيدت هيكلة الهيئة وأصبحت تابعة لأمانة الاتحاد ومكونة من خمسة عشر عضوا منهم عشرة من رؤساء الهيئات التابعة للمصارف الإسلامية، وخمسة معينين من مجلس إدارة الاتحاد .
وتتحدد اختصاصات الهيئة العليا فى النظر فى الفتاوى والآراء الصادرة عن مختلف هيئات الرقابة الشرعية التابعة لكل مصرف إسلامي عضو فى الاتحاد، وذلك للتأكد من موافقتها للأحكام الشرعية، كما لها الحق فى مراقبة مختلف عمليات هذه المصارف ولفت نظر من حاد منها عن الأسس الشرعية، ولها من أجل ذلك حق الاطلاع على قوانين ولوائح البنوك والمؤسسات المالية الأعضاء وعلى نماذج العقود، كما لها أيضا إصدار الفتاوى فى القضايا التى ترفع إليها والبت فى المشاكل البنكية والمالية التى تطرح عليها وإبداء الرأي فى مستجدات الحياة الاقتصادية التى ترتبط بها مصالح المجتمع الإسلامي .([24])
مهام هيئة الرقابة الشرعية في الأنظمة الأساسية للبنوك الإسلامية .

تتحدد مهام هيئة الرقابة الشرعية في نوعين من المهام :
الأولى : مهام معنوية تتمثل في اطمئنان العملاء مع البنوك الإسلامية إلى مشروعية كافة الأعمال التى تقدمها البنوك الإسلامية، وتحرص البنوك على تعيين المشتهرين من أهل العلم والحائزين على الثقة لدى جمهور الناس لزيادة الاطمئنان لديهم.
الثانية : مهام عملية متمثلة في أمور ثلاثة :
الأول : مهمة الإفتاء الشرعي فيما يعرضه عليها البنك من عقود وأعمال أو وضع عقود أخرى أو إعادة صياغتها، وتعتبر هذه المهمة هي جوهر عمل الهيئة وأصل وجودها، وتقوم الهيئة بنشر فتاويها تلك للجمهور .
الثاني : مهمة استشارية إذ تقوم بدور المستشار الشرعي للبنك قبل ممارسته لأي عمل .
الثالث : مهمة إدارية إذ يجوز لها أن تطالب بعقد مجلس إدارة البنك إذا ارتأت ذلك ضروريا، وغالبا ما يكون الغرض بحث مسائل شرعية مع مجلس الإدارة، كما تطالب بتقديم تقارير دورية لكل من مجلس الإدارة وللجمعية العمومية لتأكيد مطابقة أعمال البنك للشريعة الإسلامية لكل من الجهتين .
الرابع : مهمة رقابية فعليها التدقيق في كل أعمال البنك، وإعطاء التعليمات التصحيحية بالنسبة لما لا يتطابق معها .
وتتفاوت هذه المهمة من بنك لآخر، وتختلف صلاحيات وسلطات الهيئة في هذا المجال، بل هناك من ينكر على الهيئة قيامها بهذا الدور ويرى قصر وظيفتها على مهمة الإفتاء الشرعي فيما يعرض عليها من مسائل دون الفصل فيما لم يعرض عليها، ويدعم هذا الفريق وجهة نظره تلك بما قامت به السلطات البريطانية حيث أغلقت الباب أمام العمل المصرفي الإسلامي وكان من أهم مسوغات رفضها الاعتراض على السلطات الواسعة الممنوحة لهيئة الرقابة الشرعية والتى تمنحه حق التدخل في الجوانب الفنية وتؤثر على القرارات المتخذة في مجال التوظيف والاستثمار، ويرى أنصار هذا الرأي أن ذلك يخلق تداخلا في الاختصاصات والمهام، وقد صرح محافظ البنك المركزي البريطاني قائلا :...فنحن نجد في البنك أشخاصا لا علاقة هم بمهمة المصارف يتدخلون في اتخاذ قرارات ذات طابع مصرفي .." ([25])
تقدير عمل هيئات الرقابة الشرعية :
لوحظ على عمل بعض هيئات الرقابة الشرعية عدة ملاحظات يرجع بعضها إلى الهيئة نفسها ويرجع الآخر منها إلى إدارة البنك، وكان لهذه الملاحظات أثر سلبي على مسيرة البنوك الإسلامية، فضلا عن قدرة البنوك الإسلامية على مواجهة التحديات المعاصرة للعمل المصرفي الإسلامي، كما أن لها آثارها على هيئات الرقابة الشرعية نفسها، ومن ذلك :
1- تتبع رخص المذاهب، وزلات العلماء، والأقوال المرجوحة، والحيل الفقهية، وتقليد من لا يجوز تقليده لمخالفته النص أو الإجماع أو القياس الجلي .
والمراد برخص المذاهب هنا : الأخذ من كل مذهب ما هو الأهون والأيسر فيما يقع من المسائل بلا دليل ولكن باتباع الهوى .
وقد ذكر الشاطبي جملة من المفاسد مترتبة على تتبع رخص المذاهب فقال :" وأذكر جملة مما في اتباع رخص المذاهب سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة :كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاتباع سيلا لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم .....وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التى يكثر تعدادها "
والواقع أن بعض الهيئات تكتفي بمجرد وجود سند لقوله في كتاب فقهي بغض النظر عما إذا كان هذا القول مهدرا أم معتبرا رجع عنه صاحبه أم لم يرجع مخالفا لما اتفقت عليه الأمة وتلقته بالقبول أم لا .
وهذا الصنيع إضافة لما سبق نقله عن الشاطبي في مفاسد تتبع الرخص يفقد الثقة بمشروعية المصارف الإسلامية إذ يؤدي مثل هذا إلى اضطراب الأحكام الشرعية، فنفس الهيئة قد تعرض عليها المسألة فتخرجها على قول إذا كان هذا القول في مصلحة البنك، وقد تخرجها على قول آخر مضاد للأول إذا كان المصلحة فيه للبنك أيضا، في الوقت الذي لا يلتفت فيه لأصحاب المصالح الأخرى .
ولذا استنكره بعض المصرفيين إذ قال " إننا عندما نرفع شعار تطبيق الإسلام في المعاملات المصرفية نكون قد ألقينا على عاتقنا التزاما بأن ننهض بمقتضيات ذلك الشعار وأن لا نهن ولا نضعف، وأن لا نركن للتبريرات والحيل والرخص ...."([26])
ونشير هنا – كما سنبينه فيما بعد - أنه ليس معنى إنكار تتبع رخص العلماء القول بإلزام الهيئات مذهبا بعينه وألا تنتقل منه لغيره، أو إنكار تغير الفتوى بتغير الأحوال، لكن المنكر هنا اتباع الهوى وعدم وجود قواعد ضابطة وأصول للفتوى وعدم مراعاة كافة المصالح سواء أكانت مصلحة البنك أم مصلحة العميل أم مصلحة المجتمع .
2 -النظر في بيان الحكم الشرعي إلى الجزئيات دون الكليات وإلى الفروع دون المقاصد.

من المهم – كما قال بعض المصرفيين – " أن تبدو الفوارق واضحة ملموسة بين ثمرة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي وبين نتائج العمل المصرفي الربوي " ويظهر ذلك في التطبيق الصحيح للاقتصاد الإسلامي واستلهام أهدافه ومقاصده، ولا تقف البنوك الإسلامية عند الحدود الشكلية للمعاملات الإسلامية .
وكثيرا ما لا تفطن بعض هيئات الرقابة الشرعية للمقاصد والأمور الكلية في الاقتصاد الإسلامي، ويصبح كل ما يقوم به البنك الإسلامي عبارة عن عمليات لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة التنمية الاقتصادية للأمة وحل مشكلاتها الاقتصادية والتنموية .
3- اكتفاء بعض المصارف الإسلامية بمراقب شرعي واحد، وأحيانا تنحصر مهمته في إعطاء استشارات شرعية للبنك دون قيامه بشكل فعال في ضبط العمل المصرفي والتأكد من مطابقته للشريعة الإسلامية .
وأحسب أن المراقب الفرد مهما كانت قدراته وعمق تخصصه، فلا أحسب أنه يكفي لضبط العمل المصرفي ومراقبة سير العمليات فى المصرف لتكون مطابقة للشريعة الإسلامية .
فكثير من المسائل المصرفية معقدة ومتشابكة وتحتاج إلى فهم عميق دقيق لمفرداتها حتى يخرج الناظر فيها بالرأي الشرعي الصحيح، ولا شك أن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد، والشيطان مع الفرد أقرب ومن الجماعة أبعد، وإن كان الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك، لكن الجماعة هنا مطلوبة لالتماس الحق والصواب .
4- تبعية هيئات الرقابة الشرعية للمؤسسات التى يعملون بها، فأعضاء الهيئات الشرعية يتقاضون أجورهم من ذات المؤسسة التى يراقبونها، وبعض أعضائها تجاوز وضعيته كمراقب شرعي إلى شريك فى عمليات المصرف، وربما أثر ما تقدم فى عمل الهيئة وصحة الفتاوى الصادرة منها، ومصداقيتها لدى عملاء المصرف، فقد تجهد الهيئة نفسها لإصباغ المشروعية على كل أعمال المصرف مرة بتتبع الرخص، وأخرى بتخريجات خاطئة متكلفة، أو بإقرار حيلة ما، وهكذا، كما أن الأجور التى يتقاضونها تؤدى إلى فتح باب التنافس بين العلماء من أجل تقديم خدماتهم لمن يدفع أكثر.([27])،وقد ترتب على هذا اتهام كثير من العلماء بأنهم علماء بنوك في مقابل علماء سلطة .
وإن كنا لا نطعن في ذمة أحد ولكن يوضع فى الاعتبار أن الجميع بشر يتفاوتون فى درجات الضعف والقوة، ولذا فالواجب يقتضي سد الذريعة والعمل على استقلال الهيئة الشرعية عن أي مؤثرات سواء أكانت مالية أو إدارية، فيجب أن تنفصل عن المصارف بمعنى ألا تكون مصلحة من مصالحها، وذلك أدعى لحيدتها وآمن لأعضائها من القيل والقال، ولمحيط الفقهاء عامة من اللغط الذي يتجدد كل فترة وأخرى ويبالغ فيه أكثر مما ينبغي، وقد اقترح البعض تكوين هيئة للرقابة خاصة ومستقلة كأن تكون هيئة مركزية على غرار البنك المركزي، أو أن تكون تابعة لجهة رسمية أخرى كوزارة الاقتصاد أو المالية أو وزارة العدل أو الأزهر الشريف، أو منظمة شرعية مستقلة يوكل إليها هذه المهمة ....([28])
5- تعدد الهيئات الشرعية وتضاربها في الأقوال والفتاوى في القطر الواحد، فلكل بنك هيئته الشرعية الخاصة به، والمنقطعة العلاقة – في الأغلب – بالهيئات الشرعية للبنوك الأخرى .
وكثيرا ما نجد هيئة شرعية لبنك أفتت مثلا بجواز الإلزام بالوعد في المرابحة، وجواز تحصيل غرامة تأخير على المماطل في دفع الأقساط، وجواز التأمين التبادلي بأنواعه وربما وجدنا هيئات أخرى تمنع ذلك أو بعضه، ويؤدي هذا بدوره إلى التشتت والاضطراب خاصة على مستوى العملاء، فإذا ما تم توحيد الهيئات الشرعية أو تكوين هيئة عليا للرقابة الشرعية في كل دولة لكان أجدى وأضمن من حدوث كثير من السلبيات، ومنعا من التأثير المباشر على الهيأة من قبل مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية للمساهمين .
وقد سعت بعض الدول إلى تكوين هيئة عليا للرقابة الشرعية داخلها كالإمارات والسودان إذ تنص المادة (5) من قانون المؤسسات المالية الإسلامية في دولة الإمارات العربية على أن " يصدر مجلس الوزراء قرارا بتكوين هيأة رقابة شرعية عليا تابعة لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف تتألف من أعضاء مختصين في الفقه الإسلامي والقانون والبنوك لتراقب أعمال المؤسسات الإسلامية وتتأكد من مطابقتها لقواعد الشريعة وتقدم الاستشارات فيما تعرضه عليها هذه المؤسسات من مشاكل ويجب على هذه الأخيرة أن تلتزم بالقرارات التى تصدرها الهيأة "وفي السودان تأسست الهيئة العليا عام 1992م بقرار إداري من وزير المالية وهي هيئة مستقلة وحاكمة على جميع البنوك في السودان .
ولو تم تفعيل الهيئة العليا التابعة لاتحاد البنوك الإسلامية لكان أولى وأثمر .
6- ضعف التقارير الرقابية المقدمة من هيئات الرقابة الشرعية .
تقدم هيئات الرقابة الشرعية تقارير دورية لكل من مجلس الإدارة وللجمعية العمومية، وقد لوحظ على كثير من التقارير أنها مجملة ومتشابهة على مدار السنين وفحواها أن جميع أعمال البنك مطابقة للشريعة الإسلامية، في الوقت الذي يسجل المراقبون للأعمال المصرفية الإسلامية كثيرا من التجاوزات الشرعية في كثير من البنوك الإسلامية في المرابحات وفي التورق والمضاربات وغير ذلك .
فكثيرا ما نجد في التقارير المقدمة إلى الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أن جميع أعمال البنك مطابقة للشريعة الإسلامية بصورة إجمالية دون تفصيل وتدقيق .
وربما يرجع مثل هذا الضعف المرصود إلى عدم تفرغ كثير من أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للمراقبة والتدقيق في أعمال البنك، أو لعدم تمكين البنك إياهم من ممارسة أعمالهم على الوجه المطلوب وربما غير ذلك .
لكن يسجل لهيئات الرقابة الشرعية تقديم الأبحاث الفقهية والاقتصادية والمالية، وتدوين ونشر الفتاوى العديدة في المجالات المذكورة، وإن كنا نأمل أن يكون لهذه الهيئات دور في نشر الثقافة الفقهية لعموم المتعاملين مع البنوك الإسلامية، والعمل على تقنين أعمال المصارف الإسلامية كما سنبينه فيما بعد .


تعميق دورهيئات الرقابة الشرعية لمواجهة التحديات المعاصرة .

أمام التحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية التي رصدنا بعضها فيما تقدم وتلافيا للملاحظات التى أبداها الكثيرون على طبيعة ودور هيئات الرقابة الشرعية ينبغي تطوير وتعميق وظيفة تلك الهيئات وذلك على النحو التالي :
أولا : الضبط الشرعي الصحيح لمعاملات البنوك الإسلامية .

وهذا الواجب وتلك الوظيفة هي أهم ما يجب أن تقوم به هيئات الرقابة الشرعية، وما وجدت إلا للقيام بذلك، وهذا ما نصت عليه لوائح تعيينها، والكثير منها يقوم بهذه المهمة خير قيام، ولكننا ننبه على – كما سبق على تلافي سلبيات القيام بهذه المهمة والتى رصدها كثير من الشرعيين والمصرفيين على السواء، ومنها : تتبع رخص المذاهب، والتحايل لإضفاء المشروعية على جميع أعمال البنك مما أدى إلى شن البعض هجوما عنيفا على البنوك الإسلامية وهيئات رقابتها .
يقول د . رفيق المصري :" ... ومن المؤسف أن بعض الفقهاء على استعداد إباحة الفائدة المصرفية، وعلى استعداد لمسايرة المصارف الإسلامية في الاتجاهات التحايلية، وكأن مجتمعنا الإسلامي يفضل الربا التحايلي على الربا الصريح، ويخشون من التصريح له بحقيقة مواقفهم ......ويقول أيضا : "نشأت عندنا طبقة من العلماء أو الفقهاء تفلسف ثراء الأثرياء وفقر الفقراء وتيسر على الأقوياء وتشدد على الضعفاء، وكأن الأثرياء والأقوياء أحوج إلى أن يدافع عنهم من الفقراء والضعفاء، وإذا رأوا نصا يوافقهم سارعوا إليه وإذا رأوا أو أسمعوا نصوصا لا تعجبهم أعرضوا عنها ولم يفهموها ( ادعوا أنها غير مفهومة ولا يعول عليها ) وتشددوا في قبولها، وإذا أخذوا بها أولوها على مذهبهم ومرادهم ..."([29]) ويقول الشيخ صالح كامل " من الأمور الشديدة الأهمية أن تسعى البنوك الإسلامية لاستكمال إطارها الشرعي وصيانته ... وأن لا تفرط في حرمته ... وأن تستند الفتاوى إلى الأصل وليس الاستثناء وإلى العزائم وليس الرخص"([30])
وإن كنا لا نتفق مع مثل هذه الحدة في النصيحة والنقد حيث تزخر هيئات الرقابة الشرعية بمن لهم دور محمود في ضبط وتأصيل العمل المصرفي الإسلامي والنأي به عن الوقوع في براثن الحيل وزلات العملاء، لكن هذا لا يمنع من بذل النصح اللازم في هذه المسألة ليتبوأ العمل المصرفي الإسلامي مكانته اللائقة به وعلى هيئات الرقابة الشرعية مراعاة ما يلي :
1- لا يجوز تقليد الأقوال الشاذة والمرجوحة والمرجوع عنها في أي مذهب، وإن كان ثمت اجتهاد جديد في المسألة بضوابطه الشرعية فلا بأس به .
قال ابن عابدين في حاشيته :" الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع، وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع "ويقول:"ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا"([31])
ويقول الدسوقي :" والفتوى إنام تكون بالقول المشهور أو الراجح من المذهب، وأما القول الشاذ والمرجوح أي الضعيف فلا يفتى بهما، وهو كذلك فلا يجوز الإفتاء بواحد منهما ولا الحكم به ولا يجوز العمل به في خاصة النفس .." ([32])
ويقول المحلي :" وحيث أقول النص فهو نص الشافعي – رحمه الله – ويكون هناك أي مقابله وجه ضعيف أو قول مخرج من نص له في نظير المسألة لا يعمل به " ويقول القليوبي " ولا يجوز نسبته للإمام الشافعي إلا مقيدا " ([33]) ويقول ابن القيم :" ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله – سبحانه – أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلا " ([34])
2- لا يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب إلا بمراعاة الضوابط الشرعية التى تعصم من مجافاة روح الشريعة ومخالفة المقاصد والقواعد الشرعية وهي كما يلي :
الأول : أن لا يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع، وذلك كمن تزوج بلا ولي، ولا شهود لا عند العقد ولا عند الدخول، فهذه الصورة تخالف إجماع المسلمين، فإذا ترتب على تتبع الرخص مثل تلك الصور الملفقة فهي باطلة إجماعا.
الثاني : أن لا يعتقد حكم الشيء حلالا أو حراما حسب مصلحته ، أو اتباعا لهواه، أو تلاعبا بأحكام الدين .
كالحنفي –مثلا - يدعي بشفعة الجوار فيأخذها بمذهب أبي حنيفة ثم تستحق عليه فيريد أن يقلد الشافعي، أو كالمفتي يفتى الغير بقول، ويفتى أقاربه وأصدقاءه أو نفسه بقول آخر، فهذا ممتنع .
قال الشاطبي :" وقد أدى إغفال هذا الأصل _ منع تتبع الرخص – إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لايفتي به غيره من الأقوال اتباعا لغرضه وشهوته أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق، ولقد وجد هذا فى الأزمنة السالفة فضلا عن زماننا كما وجد فيه تتبع الرخص اتباعا للغرض والشهوة "
ونقل الشاطبي عن ابن المواز :" لا ينبغي للقاضي أن يجتهد فى اختلاف الأقاويل . وقد كره مالك ذلك ولم يجوزه لأحد، وذلك عندي : أن يقضي بقضاء بعض من مضى ثم يقضي فى ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضا من قول من مضى وهو فى أمر واحد، ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم ويقضى فى مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل، فهذا قد عابه من مضى وكرهه مالك ولم يره صوابا ."
وعلق الشاطبي على قول ابن المواز بقوله :"وما قاله صواب فإن القصد من نصب الحكام رفع التشاجر والخصام على وجه لا يلحق فيه أحد الخصمين ضرر مع عدم تطرق التهم للحاكم، وهذا النوع من التخيير فى الأقوال مضاد لهذا كله " ([35])
وقال ابن تيمية :" وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب أو محرم بمجرد هواه " ([36])
وقال القرافي :" لا ينبغي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب للخلق دون الخالق فنعوذ بالله من صفات الغافلين :" ([37])
الثالث : أن لا يجعل اتباع الرخص ديدنا، وإنما يكتفى بموضع الحاجة فقط.
وينقل عن الإمام أحمد قوله : "لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ , وأهل المدينة في السماع , وأهل مكة في المتعة كان فاسقا."([38]) وفي سنن البيهقي قال : وأخبرنا الحاكم قال أخبرنا أبو الوليد يقول : سمعت ابن سريج يقول : سمعت إسماعيل القاضي قال : دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابا نظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم , فقلت : مصنف هذا زنديق , فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت : الأحاديث على ما رويت ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة , ومن أباح المتعة لم يبح المسكر , وما من عالم إلا وله زلة , ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه , فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب ."([39])
وقال أبو إسحاق الشاطبي :"متى خيرنا المقلدين فى مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات فى الاختيار وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة فلا يصح القول بالتخيير على حال "([40])
وقال عليش : أما التقليد في الرخصة من غير تتبع بل عند الحاجة إليها في بعض الأحوال خوف فتنة ونحوها فله ذلك." ([41])
الرابع : ألا يكون ما قلد فيه الغير مما ينقض فيه الحكم لو وقع به .وذلك فى حالة ما إذا كان التقليد لقول يخالف قطعيا كنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع، أو ظنيا واضح الدلالة كخبر الواحد والقياس الجلي .
وحصرها المالكية فى أربعة :" ما خالف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي " وهو معنى قول القرافي " ولا نريد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف, بل ما ضعف مدركه بحيث ينقض فيه الحكم , وهو ما خالف الإجماع أو النص أو القياس الجلي , أو خالف القواعد " ([42])
الخامس : انشراح الصدر للتقليد المذكور، ودليل اعتبار هذا الشرط ما رواه مسلم عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – عن النبي –صلى الله عليه وسلم - قال:{البر حسن الخلق، والإثم ماحاك فى نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس } ([43]) وعند أحمد والدارمي بإسناد حسن عن وابصة بن معبد قال : أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال :" جئت تسأل عن البر والإثم ؟ قلت : نعم . قال : " استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس، وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " ([44]) فهذا تصريح بأن ما حاك في نفسك ففعله إثم.
وقيد ابن أمير الحاج هذا القيد بقوله :" وأما انشراح صدره للتقليد فليس على إطلاقه .. ..لأن هذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره بالإيمان وكان المفتي له يفتي بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي . فأما ما كان مع المفتى به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه , وإن لم ينشرح لـه صدره وهذا كالرخص الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة به , وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أحيانا يأمر أصحابه بما لا ينشرح به صدر بعضهم فيمتنعون من فعله فيغضب من ذلك كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هديهم، والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مقاضاته لقريش على أن يرجع من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم .
وفي الجملة فما ورد النص به فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله كما قال تعالى ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( الأحزاب (36) وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الرضا والإيمان به والتسليم لـه كما قال - تعالى - : ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (النساء (65) وأما ما ليس فيه نص عن الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء , وحاك في صدره لشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه بل هو معروف باتباع الهوى فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره , وإن أفتاه هؤلاء المفتون وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا "([45])
السادس : أن يعتقد فيمن يقلده الفضل من حيث علمه وعمله، ويتجنب الأميين، ومدعي العلم،والرؤوس الجهال التى تفتي بغير علم فتضِل وتُضِل، والأصل أن المسلم يجل كافة العلماء ويوقرهم.
فإذا توافرت القيود المذكورة جاز الانتقال من قول إلى قول، وعليه يحمل قول من قال بإباحة تتبع الرخص استدلالا بعموم النصوص الداعية إلى التيسير والترفق .
3- البعد عن التحايل والعقود الصورية المستهدف منها الوصول إلى التمويل الربوي بغير وسيلة ربوية .
إن الشريعة الإسلامية حرمت الربا بكافة صوره وأشكاله وألوانه، وحرمت كل ذريعة ووسيلة وطريق يؤدي إلى الربا، ومما استقر عند أهل الفقه من قواعد أن ما يوصل إلى الحرام فهو حرام .
وقد شاع وانتشر عن كثير من البنوك الإسلامية أنها تحايلت على الربا ووصلت إليه، وكان المتهم الرئيس في ذلك هم هيئات الرقابة الشرعية .
وقد لعن الله أقواما تحايلوا على الحرام بصور شتى، وأشكال مختلفة، فاستحلوا الربا باسم البيع، والزنا باسم النكاح، والخمر بتسميتها بغير اسمها، والقتل بالسياسة، ولأهل العلم كلام نفيس في ذم الحيل والمحتالين .
وقد أغنتنا الشريعة الإسلامية بأصولها وقواعدها وفروعها، وفيها من السعة والمرونة ما تستوعب معه حاجات العصور المختلفة، فلا حاجة للتحيل على الحرام، أو اتباع الآراء الشاذة أو الضعيفة .

ثانيا : العمل على تطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقديم الابتكارات في مجال الأدوات المالية التى تستوعب رؤوس الأموال الإسلامية .

إن الحاجة إلى تجديد وتطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقديم المزيد من الابتكارات في هذا المجال هو فرض الوقت بالنسبة لهيئات الرقابة الشرعية والجهات المعنية بهذا الأمر، فالوقوف بقوة في مواحهة تحديات العولمة والمنافسة الشرسة التى تشهدها الساحة الاقتصادية محليا وعالميا، والاستفادة من رؤوس الأموال العائدة من الغرب بسبب الخوف من مخاطر التجميد والمصادرة تحتاج إلى ثورة فقهية اجتهادية في مجال استنباط وابتكار أدوات مالية مناسبة، وهيئات الرقابة الشرعية هم أول المعنيين بهذا الأمر .
لقد رصد كثير من المراقبين للمصرفية الإسلامية ضعف الابتكار والتجديد، وأن البنوك الإسلامية تفوقت في جذب المدخرات لكنها لم تتفوق في مجال استثمار تلك الأموال، وضعف دورها في تمويل المشروعات التنموية .
وينتقد بعض الباحثين الدراسات الشرعية المعنية بالصيرفة الإسلامية المنشورة من أنها :
- تشكل دراسات تعليمية أكثر منها بحثية .
- لا تعتني بتطوير الصيغ الفقهية للمعاملات المالية التى تطبقها المصارف الإسلامية أو استحداث صيغ جديدة.
- لا يوجد اهتمام بالدراسات التى تبحث النواحي الفقهية مقرونة بتطور نظام الصيرفة العالمية .
- عدم الاهتمام بالدراسات التى توضح كيفية استغلال التمويل المصرفي الإسلامي في معالجة المشكلات الاقتصادية للأمة كالبطالة والفقر ....
وتنتهي هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها :" المصارف الإسلامية مهيأة الآن لتلعب دورا كبيرا وأساسيا في التطور الاقتصادي واجتذاب فرص الاستثمار ولكن هذا لا يتم إلا باستحداث خدمات جديدة وتطوير استراتيجي لهذه المصارف ..."([46])
والكلام عن التطوير والتجديد في مجال الصيرفة الإسلامية تسنده ثروة فقهية هائلة، وخصائص للمعاملات المالية تجعل التجديد والابتكار في هذا المجال ميسورا .
إن ما يتسم به فقه المعاملات المالية جمعه بين خاصيتي الثبات والمرونة، وهي خاصية تتيح للمصارف الإسلامية العمل بحرية، ومواكبة المتغيرات الجديدة، والمنافسة بقوة في السوق المصرفية، وتقديم أعراف مصرفية جديدة تقوم على الأصالة الشرعية والمعاصرة دون خروج على الثوابت الشرعية والمتمثلة في تحريم الربا والغرر والغش وغيره مما نص على تحريمه .
وقد استنبط الفقهاء من خلال النصوص الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية قاعدة " الأصل في المعاملات الإباحة " وهي قاعدة تمد العمل المصرفي بالقوة اللازمة لمواجهة أي تحديات .
ومن هنا يتوجب على هيئات الرقابة الشرعية" أن تطور نفسها لتصبح أجهزة فنية للدراسات الاقتصادية والشرعية المعززة بالأدلة والبراهين ولا تكتفي بمجرد الفتوى والقول : هذا حلال وهذا حرام ...."
ولكي نصل بالعمل المصرفي الإسلامي إلى مثل هذه الدرجة ينبغي ما يلي :
1- إعادة النظر في تشكيل هيئة الرقابة الشرعية،وتبعيتها المالية والإدارية، لتشمل مع الشرعيين علماء اقتصاد ومالية وصيرفة وقانون لهم اهتمام بالدراسات الاقتصادية الإسلامية، وأن يكون لها الاستقلال الكامل في إبداء آرائها دون ممارسة ضغط من أي جهة.
2- تفرغ هيئات الرقابة الشرعية لعملها، وليكن ذلك بطريق الإعارة من أعمالهم الأصلية أو الانتداب الكامل وغيره .
3- إعادة النظر في اختيار وتعيين أعضاء تلك الهيئات بحيث يختار لها الكفء المؤهل شرعا القادر على القيام بهذه المهمة، وفي الجملة أن يتوافر شروط المفتي أو المجتهد في أقل درجاته وهو الاجتهاد الجزئي .
يقول الإمام أحمد :" لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال : أولها : أن يكون له نية، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور . الثانية : أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة . الثالثة : أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته . الرابعة :الكفاية وإلا مضغه الناس . الخامسة : معرفة الناس ."([47])
ويقول النووي :" شرط المفتي : كونه مكلفا، ثقة، مأمونا، منزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، عفيف النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظا " ([48])
ومن هنا فمن يعين في هيئة الرقابة الشرعية لشهرته الواسعة الإعلامية وحضوره المتميز في وسائل الإعلام، أو لكونه من أهل الحظوة والقرب من الساسة،
أو طالبا لأجر دون أن يكون لـه رصيد علمي معتبر فلن يصلح للقيام بمثل هذه الوظيفة ويفقد العمل المصرفي الإسلامي تميزه وأصالته وقدرته على البقاء في عالم المنافسة الشرسة .

4- التواصل والتنسيق بين المصارف الإسلامية والمؤسسات الشرعية والاقتصادية والمالية في الجامعات، والمجمعات، والمراكز البحثية، ودور الإفتاء، وبهذا يتسنى للمصارف الإسلامية الاستفادة من الدراسات التى تقوم بها تلك الجهات وفق الآليات المعروفة مثل التى تقوم بها المؤسسات المالية الغربية مع المؤسسات البحثية والأكاديمية .
5- الإكثار من عقد المؤتمرات والندوات العلمية التى تعتني بالتطوير والابتكار والتجديد، وتنفيذ توصياتها وقراراتها.

ثالثا : مراعاة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية في مجال الاستثمار والتنمية .

كثيرا ما ينحصر دور هيئة الرقابة الشرعية في إضفاء الشرعية على عمليات البنك متلمسين تخريجا معينا لها دون ربط الجزئيات بالكليات، والفروع بالمقاصد، وأدى بهذا بدوره- كما أسلفنا – إلى خلل عظيم، وعدم مشاركة البنوك الإسلامية في مشاكل الأمة مع أنها تستثمر أموال المسلمين، والأصل أن ينتفع المسلمون بأموالهم .
ويسهل على أي مراقب رصد هذا الخلل من خلال مراجعة إحصاءات أداة المرابحة للآمر بالشراء، والتوسع في عمليات التورق، والكم الهائل من أموال المسلمين المستثمرة في الدول الأجنبية بما يعود بالرفاه على تلك الدول بينما يوجد قطاع عريض من المسلمين في فقر مدقع، وبطالة، وأمية، وغير ذلك من مظاهر التخلف الموجود في الدول الإسلامية .
لا نقول بتحمل البنوك الإسلامية المسئولية الكاملة عن هذا الأمر، حيث لا يوجد مناخ استثماري مناسب يستوعب هذه الأموال، فضلا عن اضطهاد كثير من أصحاب رؤوس الأموال لأسباب سياسية، والضغط عليهم مما أدى إلى هروبهم ، وما يقال عن رأس المال الهارب في جزر الهاواي وبنما وغيرها يقال أيضا عن العقول المسلمة المهاجرة أيضا هنا وهناك التى تركت بلادها وديارها تبتغي أمنا على نفسها وأهلها، كما أنها لا تمتلك إمكانات دولة سياسيا واقتصاديا، فهي تعمل بأموال مساهمين ومودعين يرجون ربحا في آخر العام، ولا بد أن تفي لهم به، كما أنها مراقبة من قبل المؤسسات الرقابية المختلفة في الدولة والتى لا تفرق بينها وبين البنوك الربوية في المساءلة، وتحديد الاحتياطي، ونسب الاستثمار المباشر، وتوزيع نسب التمويل ...
ومع هذا الاعتذار لكن هذا لا يسوغ أن تقف البنوك الإسلامية المسجلة في البلاد الإسلامية مكتوفة الأيدي أمام مشكلات المجتمع المختلفة، ويتعاظم عندها الاستثمار الترفي والكمالي، وتصبح نسخة من العمل المصرفي الربوي مع اختلاف في الشكل واتفاق في الجوهر، وتكثر العقود الصورية.
ولذا يتساءل الكثيرون عن موقع تمويل الإسكان المتوسط، ودعم الصناعات الصغيرة، والحرفيين، والمدارس، والمستشفيات، والمواصلات، وتيسير الزواج، واستصلاح الأراضي، والإعلام الهادف المتميز في خريطة البنوك الإسلامية التمويلية والاستثمارية...
ويطرح هذا الموضوع قضية تحتاج إلى مناقشة مستفيضة من المجامع الفقهية وهي هل يحكم بحرمة الشيء أو بطلانه إذا استوفى المتطلبات الفقهية لإباحته ولكنه خالف مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية، أو أن نعتبر موافقة الفعل للمقاصد الشرعية شرطا لصحته، بعد تحرير المراد بالمقاصد، وما يعد مقصدا وما لايعد ؟
فمثلا : لو تقدم المصرف لهيئة رقابته الشرعية باستثمار جزء من أمواله في أسهم شركات غير إسلامية، وهذه الشركات تعمل في النشاط المباح شرعا، أو يتقدم المصرف بطلب الرأي الشرعي في تمويل استيراد صفقة آيس كريم من الخارج، في الوقت الذي لا يتوافر التمويل الكافي للحاجات الأساسية لأبناء الأم، وفي أمس الحاجة إلى ما يسمى بالعملة الصعبة، ولإيجاد التوازن في سعر صرف العملة المحلية أمام تلك العملة الأجنبية، فهل تفتى الهيئة بعدم الجواز لمخالفة هذا العمل مقاصد الشريعة في أهمية استفادة المسلمين من ثرواتهم، وتقديم الحاجات الأصلية على الكماليات والترفيات، وتقديم الاستثمار المنتج على الاستثمار الاستهلاكي ؟
لقد أبطل جمهور الفقهاء كثيرا من العقود والمعاملات مع استيفائها الشروط والأركان الجزئية لكنها في جملتها مخالفة لمقاصد الشريعة أو لأصل كلي من الأصول الشرعية، فذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة بيع العينة مع أن كل عقد بمفرده استوفى شرائط المشروعية، وذهبوا إلى حرمة نكاح التحليل وإبطال العقد مع استيفاء النكاح فيه شروطه وأركانه، كما ذهب بعض المعاصرين إلى إفساد صوم من تناول موادا مغذية في جسمه بإبرة في وريد أو عضل لمخالفة ذلك مقصد الصيام وهو الجوع والعطش، وأمر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - أهل مكة أن يحرموا بالحج إذا أهل هلال ذي الحجة لتحقيق مقصد الحج، وليستووا مع بقية الحجاج الذين يحرمون من قبل هلال ذي الحجة مع أن أهل مكة لو أهلوا بالحج يوم التروية لأجزأ بل هو المستحب عند البعض، روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا أهل مكة ما بال الناس يأتون شعثا , وأنتم مدهنون ؟ أهلوا إذا رأيتم الهلال " وعنده عن هشام بن عروة " أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين وهو يهل بالحج لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك ) .)[49](
كما أفتى كثير من أهل العلم المعاصرين بوجوب مقاطعة المنتجات الصهيونية والأمريكية، ومنها الاستثمارات بالدول المعادية .
وما بين القديم والحديث يتبين لنا أن مقاصد الإسلام لها دور كبير في بيان الحكم الشرعي لهذه الأمور التى ذكرناها، والأمر يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل ليس هذا موضعه، لكن المهم هو وجوب مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية في مجال استثمار الأموال مع استيفاء المعاملة لشروطها الشرعية المعتبرة وفق الأدلة التفصيلية .
إن المجتمع المسلم ينتظر من البنوك الإسلامية المزيد من الاستثمارات في هذه المجالات وعندها ستقف الأمة وراءها مؤازرة ومدافعة عنها من أن تمتد إليها يد العابثين، وترد البنوك الإسلامية بذلك عن نفسها كل فرية توصف بها من قبل قوى المكر والبغي .
وبما أن البنوك الإسلامية تستمد قوتها من هيئاتها الشرعية وبالتالي فعلى هذه الهيئات حمل البنوك الإسلامية على تصحيح المسار والعمل على تحقيق أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي .
رابعا : تقنين العمل المصرفي الإسلامي .

والمقصود من ذلك : أن تكون أعمال البنوك الإسلامية محكومة بقانون وتشريعات محددة وصادرة من الجهات الرسمية في الدولة، ويتناول هذا القانون كل ما يتعلق بالبنوك الإسلامية من أحكام .
وقد قامت بعض الدول بسن مثل تلك القوانين لكن ما زال الكثير من البنوك الإسلامية ليس له تشريع يخصه ويحتكم في شأنه إلى القوانين المنظمة للعمل المصرفي ككل، ويؤدي هذا الوضع إلى كثير من الإشكالات في الرقابة والإشراف ومعايير المحاسبة والمراجعة والعلاقة مع المؤسسات ذات العلاقة .
ولئن كان التقنين هو من عمل الدولة، لكن يقع على عاتق هيئات الرقابة الشرعية وكافة المعنيين بالمصرفية الإسلامية إعداد هذا التقنين وطرحه للمناقشة من قبل المختصين حتى يكون صالحا عند عرضه على الجهات النظامية في الدولة .
ويحقق مثل هذا التقنين مصلحة كافة الأطراف ذات العلاقة بالبنوك الإسلامية، بل ومصلحة المجتمع ككل .
خامسا : التدريب والتثقيف الشرعي المستمر للعاملين بالمصارف الإسلامية .

يسهم وعي العاملين بالمصارف الإسلامية ومعرفتهم الكاملة لأصول المعاملات المالية في الإسلام، والتأصيل الشرعي الصحيح لصيغ الاستثمار، والخدمات المالية في إزالة كثير من العثرات والخلل الذي يصيب كثيرا من البنوك الإسلامية، ويجهض الحملات المكثفة التى تريد النيل من البنوك الإسلامية وفي الغالب يكون مدخلها هو البعد الشرعي في عمل تلك المؤسسات .
وكثيرا ما يتندر البعض بحكايات ومواقف سمعها أو رآها أن موظفا ما يشغل وظيفة مرموقة في بنك إسلامي يذكر أنه لا فرق في التعامل بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية، وتعود هذه الشائعات أو الحقائق على البنوك الإسلامية بالسلب .
ويؤدي قيام الهيئة الشرعية بذلك مع العاملين لتوفير جهدها في مراقبة وضبط عمليات البنك، حيث يقوم العامل بأداء عمله وفق الضوابط التى يعرفها .
ومع أهمية قيام الهيئة بذلك لكن يقع على عاتق إداريي المصارف الإسلامية واجبات متعلقة بهذا الأمر، منها : حسن الانتقاء في تعيين موظفي المصرف . ومنها : تمكين أعضاء الرقابة من القيام بمثل هذا الواجب .
ونتمنى أن يأتي اليوم الذي تسير فيه البنوك الإسلامية دون حاجة لهيئة رقابة شرعية، ويكفي وجود العاملين المخلصين لعملهم والمستوعبين لرسالة هذه البنوك إضافة إلى رقابة أصحاب الشأن من المودعين والمساهمين الذين يهمهم قبل زيادة الأرباح الانضباط الشرعي للمؤسسة التى تستثمر لهم أموالهم .
هذا والله أسأل أن يجعل هذا العمل صالحا ولوجهه خالصا، وأن يحفظ بلادنا ومؤسساتنا من كل مكروه وسوء، وأن يمكن لها، ولا يمكن منها، إنه نعم المولى ونعم النصير .

























الهوامش

[1]- ابن منظور : لسان العرب ـ 14/168 دار صادر بيروت –ط 1 مختار الصحاح ـ 1/54 – مكتبة لبنان .

[2]- ومن ذلك أيضا : ما انتهى إليه المؤتمر الثاني لمجلس المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي من 10-16ربيع الثاني 1406هـ، وكذا المؤتمر السادس لمجمع الفقه الإسلامي بجدة 1410 هـ فى القرار رقم 62/11/6 بشأن السندات، وفتوى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق مفتى مصر الأسبق وشيخ أزهرها السابق فى 14/3/1979، وغير ذلك من الفتاوى الجماعية .

[3]- د. محمد سيد طنطاوي – معاملات البنوك وأحكامها الشرعية – 133 وما بعدها – مطبعة السعادة – ط 8 -1993، مقالة لفضيلته فى جريدة اخبار اليوم فى 15/2/1997 بعنوان " معاملات البنوك التقليدية هي الأقرب إلى الإسلام "

[4]- د . محمد سيد طنطاوي – معاملات البنوك وأحكامها الشرعية – 133 وما بعدها.

[5]- يراجع في هذا الصدد : وقائع الملتقى الذي نظمته الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والبنك الإسلامي الأردني للاستثمار بعمان في الفترة من 19- 21مايو 2001 " المصارف الإسلامية وتحديات العولمة " ودارت الندوة حول ثلاثة محاور : مفاهيم العولمة – الاقتصاد الإسلامي وحل المشكلات الاقتصادية المعاصرة – العولمة والمصارف الإسلامية " وقد أوصى المشاركون في الندوة بقيام المصارف الإسلامية بعقد تحالفات استراتيجية فيما بينها لتحقيق التعاون في المجالات المختلفة، وأكدوا على أهمية تطوير أدائها وتوسيع دائرة معاملاتها والتنسيق بينها وبين البنوك التقليدية ... موقع إسلام أون لاين في 14/6/2001، وكذا المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والدراسات الإٍسلامية بجامعة الشارقة في الفترة من 9-10مايو 2002وكان موضوعه " دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية " جريدة البيان الإماراتية في 10/5/2002 وغيرهما من المؤتمرات .
ويراجع :أ/ أحمد حسين – المصارف الإسلامية – الاندماج قبل الضياع – مقال بموقع إسلام أون لاين بتاريخ 12/4/2001، د . حسن محمد حسن محجوب – المصرفية الإسلامية بوابة الاقتصاد الإنساني إلى العالم – موقع إسلام آي كيو، د. حسن محجوب – المصرفية الإسلامية سبيلنا لمواجهة تحديات العولمة - الموقع السابق .

[6]- يراجع : د . محمد شريف بشير – "المصارف الإسلامية – الحلم يتحقق " مقال بموقع إسلام أون لاين بتاريخ 18/3/2001، د. حسن محمد حسن محجوب – " نمو المعاملات المصرفية الإسلامية – الحالة السعودية " مقال بموقع إسلام آي كيو " د. محمد القري في محاضرة له بعنوان :" نظام المصارف الإسلامية وتميزها عن المصارف التقليدية " خلال الندوة النقاشية التى نظمها بنك أبو ظبي الإسلامي في يونيو 2000، تقرير وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيف الائتماني نشرته جريدة الشرق الأوسط في 25/1/2002، تقرير موقع الجزيرة نت بتاريخ 28/2/1422 عن توقيع بنك باريبا الفرنسي مذكرة لإنشاء صندوق إسلامي بقيمة ملياري دولار ، تقرير وكالة رويترز نشرته الجزيرة نت بتاريخ 20/5/1423ه بعنوان " الأموال الإسلامية تجتذب بنكا سويسريا للبحرين، أ / حسان التليلي – سباق أوربي لفتح مصارف إسلامية في الخليج – مقالة بجريدة الرياض عدد 12474.

[7]- د . عطية فياض – التحديات الداخلية للمصارف الإسلامية وأثرها في تعويق دورها الاستثماري والتنموي- مؤتمر " الشباب والانفتاح العالمي الذي نظمته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الفترة من 23-26/8/1423ه

[8]- د . عطية فياض – مرجع سابق

[9]- يراجع : دراسة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بلندن نشرتها جريدة الوطن السعودية بتاريخ 2/7/1423، تقرير وكالة الأنباء الفرنسية بعنوان " هجمات سبتمبر أفادت المصارف الإسلامية " نشره موقع الجزيرة نت بتاريخ 17/1423هـ، التحالف ضد البنوك الإسلامية تقرير نشره موقع السلطة الوطنية الفلسطينية – الدائرة السياسية، تقرير نشره موقع إسلام آي كيو بتاريخ 11/1/2002 بعنوان أكاذيب غربية حول المصارف الإسلامية والجمعيات الخيرية .

[10]- د . رفيق المصري – بحوث في المصارف الإسلامية – 15- دار المكتبي – ط 1- 1421-2001م

[11]- د . حسن محمد حسن محجوب – المصارف الإسلامية .. تعظيم الأرباح أم تعظيم العائد الاجتماعي – موقع إسلام آي كيو .

[12]- الأستاذ محمد نجاة الله صديقي – المصارف الإسلامية : المبدأ والتصور والمستقبل- إسلام آي كيو

[13]- أ . يوسف كمال – المصرفية الإسلامية – الأزمة والمخرج –دار النشر للجامعات المصرية – الطبعة الثانية .

[14]د . حاتم القرنشاوي – الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة – بحث مقدم إلى ندوة خطة الاستثمار فى البنوك الإسلامية التى انعقدت في عمان من 20-25 شوال 1407– جامع أعمال المؤتمر طبع مؤسسة آل البيت – ص 327

[15]- د . أحمد النجار – حديث حول البنوك الإسلامية – جريدة الشرق الأوسط في 17/8/1993 ص 11

[16] - إسماعيل الشطي -جريدة الشرق الأوسط في 9/4/2001 م

[17]- الشيخ صالح كامل في محاضرته التى ألقاها في بنك التنمية الإسلامي بمناسبة منحه جائزة البنك نقلا عن الشيخ صالح الحصين في ورقته غير المنشورة بعنوان " الهيئات الشرعية : الواقع وطريق التحول لمستقبل أفضل " ص2

[18] - وجه أحد الموظفين في بعض الشركات سؤالا لمجلة البحوث الفقهية التى تصدر في الرياض فى عددها رقم 52 من أن مدير الشركة يكلف بعض مراقبي الحسابات بعمل ميزانية للشركة تظهر فيها أرباح قليلة وضعف المركز المالي للشركة لتقديمها لمصلحة الزكاة والدخل، ويكلف مراقبا آخر بعمل ميزانية تظهر فيها أرباح كثيرة وقوة المركز المالي للشركة لتقديمها إلى البنوك والمؤسسات المقرضة حتى يبين لهم ملاءة الشركة ويحصل على القروض المطلوبة، فهذا نوع من الخداع والتحايل تقوم به المؤسسات والأفراد على السواء مما يعرض البنوك لمخاطر كبيرة .

[19]- انظر : صالح الحديدي " البنوك الإسلامية والتصحيح المطلوب " مجلة الأهرام الاقتصادي، العدد 1078،ص 80، في 11/9/1989 وانظر : استراتيجية البنوك الإسلامية " بحث قدم فى المؤتمر العام الثاني للبنوك الإسلامية بالخرطوم فى الفترة من 25إلى 27-10-1988، إعداد : إدارة البحوث الاقتصادية ببنك فيصل الإسلامي المصري – مطبوعات بحوث المؤتمر ص4

[20] - د . عائشة الشرقاوي المالقي – البنوك الإسلامية – التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق – 112 – المركز الثقافي العربي – بيروت والدار البيضاء – الطبعة الأولى - 2000

[21]- د . عائشة الشرقاوي المالقي – مرجع سابق –112- د. حسين حسين شحاته : "نحو منهج للدعوة إلى مفاهيم البنوك الإسلامية وتسويق خدماتها " بحث للمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي ( الكويت من 21إلى 23مارس 1983م .

[22]- حسين علي راشد – البنوك الاسلربوية ( طلاء إسلامي لواقع غير إسلامي – جريدة الشرق الأوسط في 4/2/1984ص 13، فهمي هويدي – المال الإسلامي يريد حلا – جريدة الأهرام – في 29/11/1988، د . يسري مصطفى – بنوك إسلامية كأن الأخرى كافرة – جريدة أخبار اليوم في 1/3/1997.

[23]- من أمثلة المصارف التى نصت على تعيين خمسة مختصين، هو بنك فيصل الإسلامي المصري، أما الأنموذج الثاني فهو بنك فيصل الإسلامي السوداني، وبنك التنمية التعاوني الإسلامي السوداني، والبنوك الإسلامية فى دولة الإمارات العربية المتحدة لكنها حصرتها فى ثلاثة دون وجود حدود دنيا وحدود قصوى، أما النمط الثالث فأبرز مثال له البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار . والطريقة الأولى هي الأسلم والأفضل،فالفتوى الجماعية والرأي الجماعي أسلم وأدق من رأي الفرد، فضلا عن وجود المختصين فى الدراسات المقارنة سواء أكانوا قانونيين أم اقتصاديين وماليين يعزز من تصور المسائل لدى المختصين فى علوم الشريعة .

[24]- عائشة الشرقاوي – مرجع سابق - 160

[25]- عائشة الشرقاوي – مرجع سابق - 171

[26]- الشيخ صالح كامل في محاضرته المشار إليها آنفا .

[27]- انظر : فهمي هويدي – التدين المنقوص – ص 156- مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام 1987 .

[28]- د . عبد الصبور مرزوق " مداخلة قدمت فى ندوة المصارف الإسلامية بين الواقع والمستقبل " الحلقة الثالثة – جريدة الأهرام ص 10، فهمي هويدي " فض الاشتباك الفقهي " جريدة الأهرام فى 2/10/1989 .

[29]- د . رفيق المصري – مرجع سابق – ص 354- 355

[30]- الشيخ صالح كامل – مرجع سابق .

[31]- ابن عابدين – حاشية رد المحتار على شرح الدر المختار – 1/74 دار الفكر

[32]- شمس الدين محمد عرفة الدسوقي - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – 1/20 – دار إحياء الكتب العربية .

[33]- جلال الدين المحلي، والقليوبي _ شرح المحلي على المنهاج – 1/13دار إحياء الكتب العربية .

[34]- ابن قيم الجوزية – إعلام الموقعين عن رب العالمين – 4/154

[35]- أبو إسحاق الشاطبي – الموافقات – 4/73-74

[36]- ابن تيمية – الفتاوى الكبرى – 5/95- دار الكتب العلمية

[37]- يراجع : ابن فرحون اليعمري – تبصرة الحكام –4/74- دار الكتب العلمية، الحطاب – مواهب الجليل – 1/32

[38]- الرحيباني – مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى – 6/617 – المكتب الإسلامي .

[39]- سنن البيهقي الكبرى – باب ما تجوزبه شهادة أهل الأهواء – 10/210دار الباز – مكة المكرمة .

[40]- الشاطبي – مرجع سابق – 4/73.

[41]- الشيخ عليش – فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك – 1/60- دار المعرفة .

[42]- ابن فرحون – مرجع سابق – 1/78

[43]- الحديث رواه مسلم – كتاب البر والصلة باب تفسير البر والإثم – رقم 2553، والترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في البر والإثم – رقم 2389- وأحمد في المسند – مسند الشاميين – حديث النواس بن سمعان – رقم 17179

[44]- الحديث رواه أحمد – مسند الشاميين – حديث وابصة بن معبد رقم 17545، وعند الدارمي – كتاب البيوع – باب دع ما يريبك إلى ما يريبك – رقم 2533.

[45]- ابن أمير الحاج – التقرير والتحبير – 3/330- دار الكتب العلمية .

[46]- د . بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم – مدير مركز البحوث والاستشارات – الكلية الحديثة للتجارة والعلوم - سلطنة عمان - مقال بموقع إسلام آي كيو بعنوان " ضرورة التطوير العلمي في الصيرفة الإسلامية "

[47]- ابن القيم – إعلام الموقعين عن رب العالمين – 4/173

[48]- الإمام محيي الدين زكريا بن شرف النووي – المجموع شرح المهذب – 1/41

[49]- الحديث رواه مالك في الموطأ- كتاب الحج – باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم – رقم 760.



المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
للبنوك, المعاصرة, الرقابة, الشرعية, الإسلامية, والتحديات


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الرقابة الشرعية والتحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرقابة الشرعية على المصارف Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 02-04-2013 01:23 PM
استقلالية هيئات الرقابة الشرعية وإلزامية فتاواها وقراراتها في المؤسسات المالية الإسلامية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 10-30-2012 01:46 PM
استراتيجيات التسويق في ظل الأزمات الاقتصادية والتحديات المعاصرة Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 06-20-2012 12:01 PM
الرقابة الشرعية على المصارف والشركات المالية الإسلامية Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 01-08-2012 05:45 PM
الرقابة الشرعية الفعالة في المؤسسات المالية الإسلامية Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 01-08-2012 05:40 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59