العودة   > >

كتب ومراجع إلكترونية عرض وتحميل الكتب الإلكترونية ebooks

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 02-07-2012, 02:26 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي كتاب تهافت الفلاسفة


كتاب تهافت الفلاسفة

للإمام، حجة الإسلام، أبي حامد
محمد بن محمد بن محمد الغزالي، الطوسي.
المتوفى: سنة 505، خمس وخمسمائة.
1 - الدعاء الى الله

نسأل الله تعالى بجلاله، الموفى على كل نهاية، وجوده المجاوز كل غاية؛ أن يفيض علينا أنوار الهداية، ويقبض عنا ظلمات الضلال والغواية، وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً فآثر اتباعه واقتفاءه، ورأى الباطل باطلا فاختار اجتنابه واجتواءه، وان يلقنا السعادة التى وعد بها انبياءه وأولياءه، وأن يبلغنا من الغبطة والسرور والنعمة والحبور، اذا ارتحلنا عن دار الغرور، ما ينخفض دون اعليها مراقى الافهام، ويتضاءل دون اقاصيها مرامى سهام الاوهام، وان يُنيلنا، بعد الورود على نعيم الفردوس والصدور من هول المحشر ، ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن يصلى على نبينا المصطفى محمد خير البشر ، وعلى آله الطيّبين وأصحابه الطاهرين مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى ، ويسلم تسليماً.
2 - اعراض البعض عن الدين...

أما بعد فإني رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الأتراب والنظراء، بمزيد الفطنة والذكاء، قد رفضوا وظائف الإسلام من العبادات، واستحقروا شعائر الدين من وظائف الصلوات، والتوقي عن المحظورات، واستهانوا بتعبدات الشرع وحدوده، ولم يقفوا عند توفيقاته وقيوده، بل خلعوا بالكلية ربقة الدين، بفنون من الظنون. يتبعون فيها رهطاً يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً، وهم بالآخرة هم كافرون، ولا مستند لكفرهم غير تقليد سماعي، ألفي كتقليد اليهود و النصارى. إذ جرى على غير دين الإسلام نشؤهم وأولادهم، وعليه درج آباؤهم وأجدادهم، لا عن بحث نظري، بل تقليد صادر عن التعثر بأذيال الشبه الصارفة عن صوب الصواب، والانخداع بالخيالات المزخرفة كلا مع السراب. كما اتفق لطوائف من النظار في البحث عن العقائد والآراء من أهل البدع والأهواء.
3 – لما بلغهم عن الفلاسفة من حسن السمعة

وإنما مصدر كفرهم سماعهم أسامي هائلة كسقراط وبقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وأمثالهم، وإطناب طوائف من متبعيهم وضلالهم في وصف عقولهم، وحسن أصولهم، ودقة علومهم الهندسية، والمنطقية، والطبيعية، والإلهية، واستبدادهم لفرط الذكاء والفطنة، باستخراج تلك الأمور الخفية. وحكايتهم عنهم أنهم مع رزانة عقلهم، وغزارة فضلهم، منكرون للشرائع والنحل، وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، ومعتقدون أنها نواميس مؤلفة، وحيل مزخرفة.
4 - ضلالهم

فلما قرع ذلك سمعهم، ووافق ما حكى من عقائدهم طبعهم، تجملوا باعتقاد الكفر، تحيزاً إلى غمار الفضلاء بزعمهم، وانخراطاً في سلكهم، وترفعاً عن مساعدة الجماهير والدهماء، واستنكافاً من القناعة بأديان الآباء ظناً بأن إظهار التكايس في النزوع عن تقليد الحق بالشروع في تقليد الباطل جمال وغفلة منهم، عن أن الانتقال إلى تقليد عن تقليد خرف وخبال. فأية رتبة في عالم الله سبحانه وتعالى أخس من رتبة من يتجمل بترك الحق، المعتقد تقليداً بالتسارع إلى قبول الباطل، تصديقاً دون أن يقبله خبراً وتحقيقاً. والبلة من العوام بمعزل عن فضحية هذه المهواة، فليس في سجيتهم حب التكايس بالتشبه بذوى الضلالات، فالبلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء، والعمى أقرب إلى السلامة من بصيرة حولاء.
5 - الكتاب هذا رد على الفلاسفة

فلما رأيت هذا العرق من الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء، ابتدأت لتحرير هذا الكتاب، رداً على الفلاسفة القدماء، مبيناً تهافت عقيدتهم، وتناقض كلمتهم، فيما يتعلق بالإلهيات، وكاشفاً عن غوائل مذهبهم، وعوراته التي هي على التحقيق مضاحك العقلاء، وعبرة عند الأذكياء. أعني: ما اختصوا به عن الجماهير والدهماء، من فنون العقائد والآراء.
6 - أكابر الفلاسفة لا ينكرون وجود الله

هذا مع حكاية مذهبهم على وجهه، ليتبين هؤلاء الملاحدة تقليداً، اتفاق كل مرموق من الأوائل ةالأواخر، على الإيمان بالله واليوم الآخر . وأن الاختلافات راجعة إلى تفاصيل خارجة عن هذين القطبين، الذين لأجلهما بعث الأنبياء المؤيدون بالمعجزات، وأنه لم يذهب إلى إنكارهما إلا شرذمة يسيرة، من ذوى العقول المنكوسة، والآراءة المعكوسة، الذين لا يؤبه لهم ، ولا يعبأ بهم فيما بين النظار، ولا يعدون إلا من زمرة الشياطين الأشرار ، وغمار الأغبياء والأغمار، ليكف عن غلوائه من يظن أن التجمل بالكفر تقليداً يدل على حسن رأيه؛ ويشعر بفطنتو وذكائه ؛ إذ يتحقق أن هؤلاء الذين يشتبه بهم من زعماء الفلاسفة ورؤسائهم برآء عما قذفوا به من جحد الشرائع، وأنهم مؤمنون بالله ، ومصدقون برسله ، وأنهم اختيطوا في تفاصيل بعد هذه الأصول ، قد زلوا فيها، فضلوا وأضلوا عن شواء السبيل.
7 - سبب انخداعهم

ونحن نكشف عن فنون ما انخدعوا به، من التخابيل والأباطيل؛ ونبين أن كل ذللك تهويل، ماوراءه تحصيل، والله تعالى ولى التوفيق، لإظهار ما قصصدناه من التحقيق.
ولنُصَدِّر الآن الكتاب بمقدمات تُعرب عن مساق الكلام في الكتاب.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-07-2012, 02:27 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

مقدمة


ليعلم أن الخوض في حكاية اختلاف الفلاسفة تطويل، فإن خبطهم طويل، ونزاعهم كثير، وآراءهم منتشرة، وطرقهم متباعدة متدابرة ، فلنقتصر على إظهار التناقض في رأي مقدمهم الذي هو الفليسوف المطلق، والمعلم الأول، فإنه رتب علومهم وهذّبها بزعمهم، وحذف الحشو من آرائهم، وانتقى ما هو الأقرب إلى أصول أهوائهم، وهو ((أرسطاطاليس))؛ وقد رد على كل من قبله حتى على أستاذه الملقب عندهم بأفلاطون الإلهى، ثم اعتذر عن مخالفته أستاذه بأن قال: (( أفلاطن صديق والحق صديق ولكن الحق أصدق منه)).
وإنما نقلنا هذه الحكاية ليعلم أنه لا تثبت ولا إتقان لمذهبهم عندهم، وأنهم يحكمون بظن وتخمين، من غير تحقيق ويقين، ويستدلون على صدق علومهم الإلهية، بظهور العلوم الحسابية، والمنطقية ، ويستدرجون به ضعفاء العقول، ولو كانت علومهم الإلهية متقنة البراهين، نقية عن التخمين، كعلومهم الحسابية، لما اختلفوا فيها، كما لم يختلفوا في الحسابية. ثم المترجمون لكلام أرسطو لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل، محوج إلى تفسير وتأويل، حتى أثار ذلك أيضاً نزاعاً بينهم، وأقومهم بالنقل من المتفلسفة الإسلامية: أبو نصر الفارابي، وابن سينا.
فنقتصر على إبطال ما اختاروه، ورأياه الصحيح من مذهب رؤسائهما فى الضلال، فإن ما هجراه واستنكفا من المتابعة فيه لا يتمارى في اختلاله، ولا يقتقر إلى نظر طويل في إبطاله، فليعلم أنا مقتصرون على رد مذاهبهم بحسب نقل هذين الرجلين، كي لا ينتشر الكلام بحسب انتشار المذهب.
مقدمة ثانية

ليعلم أن الخلاف بينهم وبين غيرهم ثلاثة أقسام:
قسم <الأول>: يرجع النزاع فيه إلى لفظ مجرد، كتسميتهم صانع العالم –تعالى عن قولهم - جوهراً، مع تفسيرهم الجوهر: بأنه الموجود لا في موضوع أى القائم بنفسه الذى لا يحتاج إلى مقوم يقومه، ولم يريدوا به الجوهر المتحيز، على ما أراده خصومهم.
ولسنا نخوض في إبطال هذا، لأن معنى القيام بالنفس إذا صار متفقاً عليه، رجع الكلام في التعبير باسم الجوهر عن هذا المعنى، إلى البحث عن اللغة، وإن سوّغت اللغة إطلاقه ، رجع جواز إطلاقه في الشرع، إلى المباحث الفقهية، فإنّ تحريم إطلاق الأسامى وإباحتها يؤخذ مما يدل عليه ظواهر الشرع.
ولعلك تقول:
القسم الثاني: ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين، وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل منازعتهم فيه، كقولهم: إن كسوف القمر، عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، وإن كسوف الشمس، وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقيدتين على دقيقة واحدة.
وهذا الفن أيضاً لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض ومن ظن أن المناظرة في ابطال هذا من الدين فقد جنى على الدين، وضَعَّف أمره، فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابيَّة لا يبقى معها ريبة. فمن تطلَّع عليها، ويتحقَّق أدلّتها، حتى يُخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه، وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممَّن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممّن يطعن فيه بطريقة. وهو كما قيل: عدوّ عاقل خير من صديق جاهل.
فان قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (( ان الشمس والقمر لآيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فاذا رأيتم ذلك فافزعوا الى ذكر الله والصلاة)) ، فكيف يلائم هذا ماقالوه؟ قلنا: وليس فى هذا ما يناقض ما قالوه ، اذ ليس فيه الا نفى وقوع الكسوف لموت احد او لحياته والامر بالصلاة عنده. والشرع الذى يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب والطلوع من أين يبعد منه ان يأمر عند الكسوف بها استحباباً؟ فان قيل: فقد روُى انه قال فى آخر الحديث: (( ولكن الله اذا تجلىّ لشىء خضع له)) فيدلّ على ان الكسوف خضوع بسبب التجلى، قلنا: هذه الزيادة لم يصحّ نقلها فيجب تكذيب ناقلها، وانما المروى ما ذكرناه كيف، ولو كان صحيحاً، لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية. فكم من ظواهر أُوّلت بالأدلة العقليَّة التي لا تنتهي في الوضوح إلى هذا الحد.
وأعظم ما يفرح به المُلحدة، أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا، وأمثاله على خلاف الشرع، فيسهل عليه طريق إبطال الشرع، ان كان شرطع امثال ذلك. وهذا: لأنّ البحث في العالم عن كونه حادثاً أو قديماً، ثم إذا ثبت حدوثه فسواء كان كرة، أو بسيطاً، أو مثمناً، أو مسدّساً، وسواء كانت السماوات، وما تحتها ثلاثة عشرة طبقة، كما قالوه، أو أقلّ، أو أكثر، فنسبة النظر فيه الى البحث الالهىّ كنسبة النظر الى طبقات البصل وعددها وعدد حبّ الرمان. فالمقصود: كونه من فعل الله سبحانه وتعالى فقط، كيف ما كانت.
الثالث: ما يتعلق النزاع فيه بأصل من أصول الدين، كالقول في حدوث العالم، وصفات الصانع، وبيان حشر الأجساد والابدان، وقد أنكروا جميع ذلك. فهذا الفن ونظائره هو الذى ينبغي أن يظهر فساد مذهبهم فيه دون ما عداه.
مقدمة ثالثة

ليُعلم أن المقصود تنبيه من حسُن اعتقاده في الفلاسفة، وظن أن مسالكهم نقية عن التناقض، ببيان وجوه تهافتهم، فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر، لا دخول مدع مثبت. فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعاً بإلزامات مختلفة، فألزمهم تارة مذهب المعتزلة وأخرى مذهب الكرامية؛ وطوراً مذهب الواقفية، ولا أتهض ذاباً عن مذهب مخصوص بل أجعل جميع الفرق إلباً واحداً عليهم، فإن سائر الفرق ربما خالفونا فى التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم فعند الشدائد تذهب الأحقاد.
مقدمة رابعة

من عظائم حيلهم في الاستدراج - إذا أورد عليهم إشكال في معرض الحجاج - قولهم: إن هذه العلوم الإلهية غامضة خفية، وهى أعصى العلوم على الأفهام الذكية؛ ولا يتوصل إلى معرفة الجواب عن هذه الإشكالات، إلا بتقديم الرياضيات، والمنطقيات. فيمن يقلدهم في كفرهم، إن خطر له إشكال على مذهبهم، يحسن الظن بهم، ويقول: لا شك فى أن علومهم مشتملة على حله، وا إنما يعسر علىّ دركه لأني لم أحكم المنطقيات ولم أحصل الرياضيات.
فنقول: أما الرياضيَّات التى هى نظر فى الكم المنفصل – وهو الحساب - فلا تعلق للإلهيات به، وقول القائل: ان فهم الالهيِّات يحتاج اليها خُرْق، كقول القائل: ان الطب والنحو واللغة يحتاج اليها أو الحساب يحتاج الى الطب.
وأما الهندسيات، التى هى نظر فى الكم المتصل يرجع حاصله الى بيان ان السموات وتحتها الى المركز كرىّ الشكل ، وبيان عدد طيقاتها ، وبيان عدد الاكر المتحرّكة فى الافلاك ، وبيان مقدار حركاتها ، فلنسلم لهم جميع ذلك فى شىء من النظر الالهىّ ، وهو كقول القائل: العلم بان هذا البيت حصل بصنع بناء عالم مريد قادر حىّ يفتقر الى أن يعرف ان البيت مسدس أو مثمن وان يعرف عدد جذوعه وعدد لبناته ، وهو هذيان لا يخفى فساده. وكقول القائل: لايعرف كون هذه البصلة حادثة ما لم يعرف عدد طبقاتها ، ولا يعرف كون هذه الرمانة حادثة ما لم يعرف عدد حباتها ، وهو هجُر من الكلام مستغثّ عند كل عاقل.
نعم قولهم: إن المنطقيات لا بدّ من إحكامها، فهو صحيح، ولكن المنطق ليس مخصوصاً بهم، وإنما هو الأصل الذي نسمّيه في فن (الكلام) (كتاب النظر) فغيّروا عباراته إلى المنطق تهويلاً، وقد نسمّيه (كتاب الجدل)، وقد نسمّيه (مدارك العقول)، فإذا سمع المتكايس المستضعف، اسم المنطق، ظن أنه فن غريب، لا يعرفه المتكلِّمون، ولا يطلع عليه إلا الفلاسفة.
ونحن، لندفع هذا الخبال، واستئصال هذه الحيلة فى الضلال، نرى ان نفرد القول فى مدراك العقول فى هذا الكتاب ونهجر فيه ألفاظ المتكلِّمين والاصوليّين، بل نوردها بعبارات المنطقيّين ونصبّها فى فوالبهم ونقتفى آثارهم لفظا لفظا.
ونناظرهم فى هذا الكتاب بلغتهم، أعنى بعباراتهم في المنطق، ونوضح ان ما شرطوه فى صحة مادة القياس وماوضعوه من الاوضاع فى ايساغوجى وقاطيغورياس التى هى من اجزاء المنطق ومقدّماته لم يتمكنوا من الوفاء بشىء منه فى علومهم الالهية.
ولكنا نرى أن نورد (مدراك العقول) فى آخر الكتاب فأنه كالآلة لدرك مقصود الكتاب، ولكن رب ناظر يستغنى عنه من لا يحتاج إليه، ومن لايفهم فى آحاد المسائل فى الرد عليهم، فينبغى أن يبتدئ أولا يحفظ كتاب (معيار العلم) الذى هو الملقب بالمنطق عندهم.
ولنذكر الآن بعد المقدمات:
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-07-2012, 02:28 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

فهرست المسائل
التي أظهرنا تناقض مذهبهم فيها في هذا الكتاب.
وهي عشرون مسألة:
المسألة الأولى: إبطال مذهبهم في أزلية العالم.
المسألة الثانية: إبطال مذهبهم في أبدية العالم.
المسألة الثالثة: بيان تلبسهم في قولهم: أن الله صانع العالم، وأن العالم صنعه.
المسألة الرابعة: في تعجيزهم عن إثبات الصانع.
المسألة الخامسة: في تعجيزهم عن إقامة الدليل على استحالة الهين.
المسألة السادسة: في نفي الصفات.
المسألة السابعة: في قولهم: إن ذات الأول لا ينقسم بالجنس والفصل.
المسألة الثامنة: في قولهم: إن الأول موجود بسيط بلا ماهية.
المسألة التاسعة: في تعجيزهم، عن بيان إثبات أن الأول ليس بجسم.
المسألة العاشرة: في تعجيزهم، عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعاً، وعلة.
المسألة الحادية عشرة: في تعجيزهم عن القول: بأن الأول يعلم غيره.
المسألة الثانية عشرة: في تعجيزهم عن القول: بأن الأول يعلم ذاته.
المسألة الثالثة عشرة: في إبطال قولهم: أن الأول لا يعلم الجزئيات.
المسألة الرابعة عشرة: في إبطال قولهم: أن السماء حيوان متحرك بالإرادة.
المسألة الخامسة عشرة: فيما ذكروه من العرض المحرك للسماء.
المسألة السادسة عشرة: في قولهم: أن نفوس السماوات، تعلم جميع الجزئيات الحادثة في هذا العالم.
المسألة السابعة عشرة: في قولهم: باستحالة خرق العادات.
المسألة الثامنة عشرة: في تعجيزهم عن إقامة البرهان العقلي، على أن النفس الإنساني جوهر روحاني.
المسألة التاسعة عشرة: في قولهم: باستحالة الفناء على النفوس البشرية.
المسألة العشرون: في إبطال إنكارهم البعث، وحشر الأجساد، مع التلذذ والتألم بالجنة والنار، بالآلام واللذات الجسمانية.
فهذا ماأردنا أن نذكر تناقضهم فيه من جملة علومهم الإلهية والطبيعية، وأما الرياضيات فلا معنى لإنكارها ولاللمخالفة فيها، فإنها ترجع إلى الحساب والهندسة.
وأما المنطقيات فهى نظر في آلة الفكر فى المعقولات، ولايتفق فيه خلاف به مبالاة، وسنورد فى كتاب ((معيار العلم)) من جملته ما يحتاج إليه لفهم مضمون هذا الكتاب إن شاء الله.

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-07-2012, 02:30 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

مسألة في إبطال قولهم بقدم العالم
مذهب الفلاسفة
تفصيل المذهب: اختلفتالفلاسفة فيقدم العالم. فالذي استقر عليه رأي جماهيرهم المتقدمين والمتأخرينالقول بقدمه وأنهلم يزل موجوداً مع الله تعالى ومعلولاً له ومسوقاً له غيرمتأخر عنه بالزمانمساوقة المعلول للعلة ومساوقة النور للشمس وأن تقدم الباريعليه كتقدم العلة علىالمعلول وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان. وحكي عنأفلاطن أنه قال: العالم مكونومحدث.
ثم منهم من أول كلامه وأبى أن يكون حدثالعالم معتقداً له. وذهب جالينوس فيآخر عمره في الكتاب الذي سماه " ما يعتقدهجالينوس رأياً " إلى التوقف في هذهالمسألة. وأنه لا يدري العالم قديم أو محدث.وربما دل على أنه لا يمكن أن يعرف وأنذلك ليس لقصور فيه بل لاستعصاء هذهالمسألة في نفسها على العقول ولكن هذا كالشاذفي مذهبهم وإنما مذهب جميعهم أنهقديم وأنه بالجملة لا يتصور أن يصدر حادث من قديمبغير واسطة أصلاً.
اختيار أشدأدلتهم وقعاً في النفس إيراد أدلتهم.
لو ذهبت أصف مانقل عنهم في معرض الأدلةوذكر في الاعتراض عليه لسودت في هذه المسألة أوراقاً ولكنلا خير في التطويل.فلنحذف من أدلتهم ما يجري مجرى التحكم أو التخيل الضعيف الذييهون على كل ناظرحله. ولنقتصر على إيراد ما له وقع في النفس مما لا يجوز أن ينهضمشككاً لفحولالنظار فإن تشكيك الضعفاء بأدنى خبال ممكن.
وهذا الفن من الأدلةثلاثة:
الأول يستحيل حدوث حادث من قديم مطلقاً قولهم يستحيل صدورحادث من قديم مطلقاًلأنا إذا فرضنا القديم ولم يصدر منه العالم مثلاً فإنما لميصدر لأنه لم يكن للوجودمرجح بل كان وجود العالم ممكناً إمكاناً صرفاً فإذاحدث بعد ذلك لم يخل إما أنتجدد مرجح أو لم يتجدد فإن لم يتجدد مرجح بقي العالمعلى الإمكان الصرف كما قبل ذلكوإن تجدد مرجح فمن محدث ذلك المرجح ولم حدث الآنولم يحدث من قبل والسؤال في حدوثالمرجح قائم. وبالجملة فأحوال القديم إذا كانتمتشابهة فإما أن لا يوجد عنه شيء قطوإما أن يوجد على الدوام فأما أن يتميز حالالترك عن حال الشروع فهو محال. لم لميحدث العالم قبل حدوثه... وتحقيقه أنيقال: لم لم يحدث العالم قبل حدوثه لا يمكنأن يحال على عجزه عن الأحداث ولاعلى استحالة الحدوث فإن ذلك يؤدي إلى أن ينقلبالقديم من العجز إلى القدرةوالعالم من الاستحالة إلى الإمكان وكلاهما محالان. ولاأمكن أن يقال: لم يكنقبله غرض ثم تجدد غرض ولا أمكن أن يحال على فقد آلة ثم علىوجودها بل أقرب مايتخيل أن يقال: لم يرد وجوده قبل ذلك. فيلزم أن يقال: حصل وجودهلأنه صارمريداً لوجوده بعد أن لم يكن مريداً فيكون قد حدثت الإرادة.
أو قبل حدوث الإرادة وحدوثه في ذاته محال لأنه ليس محلالحوادث وحدوثه لا في ذاتهلا يجعله مريداً. ولنترك النظر في محل حدوثه. أليسالإشكال قائماً في أصل حدوثه!وأنه من أين حدث ولم حدث الآن ولم يحدث قبله أحدثالآن لا من جهة الله فإن جازحادث من غير محدث فليكن العالم حادثاً لا صانع لهوإلا فأي فرق بين حادث وحادث وإنحدث بإحداث الله فلم حدث الآن ولم يحدث من قبلألعدم آلة أو قدرة أو غرض أو طبيعةفلما أن تبدل ذلك بالوجود وحدث عاد الإشكالبعينه. أو لعدم الإرادة فتفتقر الإرادةإلى إرادة وكذى الإرادة الأولى ويتسلسلإلى غير نهاية. فإذن قد تحقق بالقول المطلقأن صدور الحادث من القديم من غيرتغير أمر من القديم في قدرة أو آلة أو وقت أو غرضأو طبع محال وتقدير تغير حالمحال لأن الكلام في ذلك التغير الحادث كالكلام فيغيره والكل محال ومهما كانالعالم موجوداً واستحال حدثه ثبت قدمه لا محالة. وهذاأقوى أدلتهم فهذا أخبلأدلتهم. وبالجملة كلامهم في سائر مسائل الإلهيات أرك منكلامهم في هذه المسألةإذ يقدرون هاهنا على فنون من التخييل لا يتمكنون منه فيغيرها. فلذلك قدمنا هذهالمسألة وقدمنا أقوى أدلتهم.
لماذا يستحيل حدوث حادث بإرادة قديمة الاعتراض من وجهين:أحدهما أن يقال: بمتنكرون على من يقول: إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضتوجوده في الوقت الذي وجد فيهوأن يستمر العدم إلى الغاية التي استمر إليها وأنيبتدئ الوجود من حيث ابتدأ وأنالوجود قبله لم يكن مراداً فلم يحدث لذلك وأنهفي وقته الذي حدث فيه مراد بالإرادةالقديمة فحدث لذلك فما المانع لهذاالاعتقاد وما المحيل له قولهم: لكل حادث سبب...فإن قيل: هذا محال بين الإحالةلأن الحادث موجب ومسبب. وكما يستحيل حادث بغير سببوموجب يستحيل وجود موجب قدتم بشرائط إيجابه وأركانه وأسبابه حتى لم يبق شيء منتظرالبتة ثم يتأخر الموجببل وجود الموجب عند تحقق الموجب بتمام شروطه ضروري وتأخرهمحال حسب استحالةوجود الحادث الموجب بلا موجب. فقبل وجود العالم كان المريدموجوداً والإرادةموجودة ونسبتها إلى المراد موجودة ولم يتجدد مريد ولم يتجددإرادة ولا تجددللإرادة نسبة لم تكن فإن كل ذلك تغير فكيف تجدد المراد وما المانعمن التجددقبل ذلك وحال التجدد لم يتميز عن الحال السابق في شيء من الأشياء وأمر منالأمور وحال من الأحوال ونسبة من النسب بل الأمور كما كانت بعينها. ثم لم يكنيوجدالمراد وبقيت بعينها كما كانت فوجد المراد ما هذا إلا غاية الإحالة. وذلكفيالأمور الوضعية أيضاً في الطلاق مثلاً وليس استحالة هذا الجنس في الموجبوالموجبالضروري الذاتي بل وفي العرفي والوضعي فإن الرجل لو تلفظ بطلاق زوجتهولم تحصلالبينونة في الحال لم يتصور أن تحصل بعده لأنه جعل اللفظ علة للحكمبالوضعوالاصطلاح فلم يعقل تأخر المعلول إلا أن يعلق الطلاق بمجيء الغد أوبدخول الدارفلا يقع في الحال ولكن يقع عند مجيء الغد وعند دخول الدار فإنهجعله علة بالإضافةإلى شيء منتظر. فلما لم يكن حاضراً في الوقت وهو الغدوالدخول توقف حصول الموجبعلى حضور ما ليس بحاضر فما حصل الموجب إلا وقد تجددأمر وهو الدخول وحضور الغد حتىلو أراد أن يؤخر الموجب عن اللفظ غير منوط بحصولما ليس بحاصل لم يعقل مع أنهالواضع وأنه المختار في تفصيل الوضع. فإذا لميمكننا وضع هذا بشهوتنا ولم نعقله فكيف نعقله في الإيجابات الذاتية العقلية الضرورية المقصودفعله لا يتأخر إلابمانع وأما في العادات فما يحصل بقصدنا لا يتأخر عن القصد معوجود القصد إليه إلابمانع فإن تحقيق القصد والقدرة وارتفعت الموانع لم يعقلتأخر المقصود وإنما يتصورذلك في العزم لأن العزم غير كاف في وجود الفعل بلالعزم على الكتابة لا يوقعالكتابة ما لم يتجدد قصد هو انبعاث في الإنسان متجددحال الفعل فإن كانت الإرادةالقديمة في حكم قصدنا إلى الفعل فلا يتصور تأخرالمقصود إلا بمانع ولا يتصور تقدمالقصد فلا يعقل قصد في اليوم إلى قيام فيالغد إلا بطريق العزم. وإن كانت الإرادةالقديمة في حكم عزمنا فليس ذلك كافياًفي وقوع المعزوم عليه بل لا بد من تجددانبعاث قصدي عند الإيجاد وفيه قول بتغيرالقديم. لماذا يحدث القصد ثم يبقى عينالإشكال في أن ذلك الانبعاث أو القصد أوالإرادة أو ما شئت سمه لم حدث الآن ولميحدث قبل ذلك فإما أن يبقى حادث بلا سببأو يتسلسل إلى غير نهاية. ورجع حاصلالكلام إلى أنه وجد الموجب بتمام شروطه ولميبق أمر منتظر ومع ذلك تأخر الموجب ولميوجد في مدة لا يرتقي الوهم إلى أولهابل آلاف سنين لا تنقص شيئاً منها ثم انقلبالموجب بغتة من غير أمر تجدد وشرطتحقق وهو محال في نفسه. قولنا: من أين تعرفونالأمر... والجواب أن يقال:استحالة إرادة قديمة متعلقة بإحداث شيء أي شيء كانتعرفونه بضرورة العقل أونظره وعلى لغتكم في المنطق تعرفون الالتقاء بين هذينالحدين بحد أوسط أو من غيرحد أوسط. فإن ادعيتم حداً أوسط وهو الطريق النظري فلابد من إظهاره وإن ادعيتممعرفة ذلك ضرورة فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكموالفرقة المعتقدة بحدثالعالم بإرادة قديمة لا يحصرها بلد ولا يحصيها عدد ولا شكفي أنهم لا يكابرونالعقول عناداً مع المعرفة فلا بد من إقامة برهان على شرط المنطقيدل علىاستحالة ذلك إذ ليس في جميع ما ذكرتموه إلا الاستبعاد والتمثيل بعزمناوإرادتناوهو فاسد فلا تضاهي الإرادة القديمة القصود الحادثة وأما الاستبعادالمجرد فلايكفي من غير برهان. ... من ضرورة العقل فإن قيل: نحن بضرورة العقل نعلم أنه لا يتصور موجب بتمامشروطه من غير موجب ومجوزذلك مكابر لضرورة العقل. خصومكم يقولون القول نفسه فيعلم الله قلنا: وما الفصلبينكم وبين خصومكم إذا قالوا لكم: إنا بالضرورة نعلمإحالة قول من يقول: إن ذاتاًواحداً عالم بجميع الكليات من غير أن يوجب ذلككثرة ومن غير أن يكون العلم زيادةعلى الذات ومن غير أن يتعدد العلم مع تعددالمعلوم وهذا مذهبكم في حق الله وهوبالنسبة إلينا وإلى علومنا في غاية الإحالةولكن تقولون: لا يقاس العلم القديمبالحادث. وطائفة منكم استشعروا حالة هذافقالوا: إن الله لا يعلم إلا نفسه فهوالعاقل وهو العقل وهو المعقول والكلواحد. فلو قال قائل: اتحاد العقل والعاقلوالمعقول معلوم الاستحالة بالضرورة إذتقدير صانع للعالم لا يعلم صنعه محالبالضرورة والقديم إذا لم يعلم إلا نفسه -تعالى عن قولكم وعن قول جميع الزائغينعلواً كبيراً - لم يكن يعلم صنعه البتة.بل لا نتجاوز إلزامات هذه المسألة. دوراتالفلك: إن كان لا نهاية لأعدادها لايكون لها أقسام فنقول: بم تنكرون على خصومكمإذ قالوا: قدم العالم محال لأنهيؤدي إلى إثبات دورات للفلك لا نهاية لأعدادها ولاحصر لآحادها مع أن لها سدساًوربعاً ونصفاً فإن فلك الشمس يدور في سنة وفلك زحل فيثلاثين سنة فتكون أدوارزحل ثلث عشر أدوار الشمس وأدوار المشتري نصف سدس أدوارالشمس فإنه يدور في اثنيعشر سنة. ثم كما أنه لا نهاية لأعداد دورات زحل لا نهايةلأعداد دورات الشمس معأنه ثلث عشره بل لا نهاية لأدوار فلك الكواكب الذي يدور فيستة وثلاثين ألف سنةمرة واحدة كما لا نهاية للحركة المشرقية التي للشمس في اليوموالليلة مرة. فلوقال قائل: هذا مما يعلم استحالته ضرورة فبماذا تنفصلون عن قولهبل لو قال قائل:أعداد هذه الدورات شفع أو وتر أو شفع ووتر جميعاً أو لا شفع ولاوتر. ولا تكونشفع أو وتر فإن قلتم: شفع ووتر جميعاً أو لا شفع ولا وتر فيعلم بطلانهضرورةً.وإن قلتم: شفع فالشفع يصير وتراً بواحد فكيف أعوز ما لانهاية له واحد وإنقلتم:وتر فالوتر يصير بواحد شفعاً فكيف أعوز ذلك الواحد الذي به يصير شفعاًفيلزمكمالقول بأنه ليس بشفع ولا وتر. قولهم: المتناهي وحده يوصف بالشفع والوتر فإن قيل: إنما يوصف بالشفع والوتر المتناهي وما لا يتناهى لايوصف به. قولنا تكونهناك جملة آحاد قلنا: فجملة مركبة من آحاد لها سدس وعشركما سبق ثم لا توصف بشفعولا وتر يعلم بطلانه ضرورة من غير نظر فبماذا تنفصلونعن هذا قولهم: ليست هنالكجملة آحاد فإن قيل: محل الغلط في قولكم أنه جملةمركبة من آحاد فإن هذه الدوراتمعدومة. أما الماضي فقد انقرض وأما المستقبل فلميوجد والجملة إشارة إلى موجوداتحاضرة ولا موجود هاهنا!. قولنا لا بأس قلنا:العدد ينقسم إلى الشفع والوتر ويستحيلأن يخرج عنه سواء كان المعدود موجوداًباقياً أو فانياً. فإذا فرضنا عدداً منالأفراس لزمنا أن نعتقد أنه لا يخلو منكونه شفعاً أو وتراً سواء قدرناها موجودةأو معدمة. فإن انعدمت بعد الوجود لمتتغير هذه القضية. أمر نفس الإنسان على أنانقول لهم: لا يستحيل على أصلكمموجودات حاضرة هي آحاد متغايرة بالوصف ولا نهاية لهاوهي نفوس الآدميينالمفارقة للأبدان بالموت فهي موجودات لا توصف بالشفع والوتر فبمتنكرون على منيقول: بطلان هذا يعرف ضرورة وهذا الرأي في النفوس هو الذي اختارهابن سيناولعله مذهب رسطاليس. قولهم: النفس واحدة فإن قيل: فالصحيح رأي أفلاطن وهوأنالنفس قديمة وهي واحدة وإنما تنقسم في الأبدان فإذا فارقتها عادت إلى أصلهاواتحدت. قولنا: هذا مما يخالف ضرورة العقل... قلنا: فهذا أقبح وأشنع وأولى بأنيعتقد مخالفاً لضرورة العقل. فإنا نقول: نفس زيد عين نفس عمرو أو غيره فإن كانعينه فهو باطل بالضرورة فإن كل واحد يشعر بنفسه ويعلم أنه ليس هو نفس غيره. ولوكانهو عينه لتساويا في العلوم التي هي صفات ذاتية للنفوس داخلة مع النفوس فيكل إضافة.وإن قلتم: إنه غيره وإنما انقسم بالتعلق بالأبدان قلنا: وانقسامالواحد الذي ليس له عظم في الحجم وكمية مقدارية محال بضرورة العقلفكيف يصير الواحد اثنينبل ألفاً ثم يعود ويصير واحداً بل هذا يعقل فيما له عظموكمية كماء البحر ينقسمبالجداول والأنهار ثم يعود إلى البحر. فأما ما لا كميةله فكيف ينقسم ولذا هممفحمون والمقصود من هذا كله أن نبين أنهم لم يعجزواخصومهم عن معتقدهم في تعلقالإرادة القديمة بالأحداث إلا بدعوى الضرورة وأنهملا ينفصلون عمن يدعي الضرورةعليهم في هذه الأمور على خلاف معتقدهم وهذا لامخرج عنه. قولهم: إن الله قبل خلقالعالم... فإن قيل: هذا ينقلب عليكم في أنالله قبل خلق العالم كان قادراً علىالخلق بقدر سنة أو سنتين - ولا نهايةلقدرته - فكأنه صبر ولم يخلق ثم خلق ومدةالترك متناه أو غير متناه. فإن قلتم:متناه صار وجود الباري متناهي الأول وإنقلتم: غير متناه فقد انقضى مدة فيهاإمكانات لا نهاية لأعدادها. راجع الدليل الثانيقلنا: المدة والزمان مخلوقعندنا. وسنبين حقيقة الجواب عن هذا في الانفصال عندليلهم الثاني. قولهم: ماالذي ميز وقتاً معيناً عما قبله وعما بعده... فإن قيل:فبم تنكرون على من يتركدعوى الضرورة ويدل عليه من وجه آخر وهو أن الأوقات متساويةفي جواز تعلقالإرادة بها فما الذي ميز وقتاً معيناً عما قبله وعما بعده وليسمحالاً أن يكونالتقدم والتأخر مراداً بل في البياض والسواد والحركة والسكون فإنكمتقولون:يحدث البياض بالإرادة القديمة والمحل قابل للسواد قبوله للبياض فلم تعلقتالإرادة القديمة بالبياض دون السواد وما الذي ميز أحد الممكنين عن الآخر فيتعلقالإرادة به ونحن بالضرورة نعلم أن الشيء لا يتميز عن مثله إلا بمخصص ولوجاز ذلكلجاز أن يحدث العالم وهو ممكن الوجود كما أنه ممكن العدم ويتخصص جانبالوجودالمماثل لجانب العدم في الإمكان بغير مخصص. .. وما الذي خصصالإرادة وإن قلتم: إنالإرادة خصصت فالسؤال عن اختصاص الإرادة وأنها لم اختصت.فإن قلتم:
القديم لا يقال له لم فليكن العالم قديماً ولا يطلب صانعهوسببه لأن القديم لايقال فيه: لم. فإن جاز تخصص القديم بالاتفاق بأحد الممكنينفغاية المستبعد أن يقال:العالم مخصوص بهيئات مخصوصة كان يجوز أن يكون علىهيئات أخرى بدلاً عنها. فيقال:وقع كذلك اتفاقاً كما قلتم: اختصت الإرادة بوقتدون وقت وهيئة دون هيئة اتفاقاً.وإن قلتم: إن هذا السؤال غير لازم لأنه واردعلى كل ما يريده وعائد على كل مايقدره فنقول: لا بل هذا السؤال لازم لأنه عائدفي كل وقت وملازم لمن خالفنا على كلتقدير. قولنا: الإرادة تميز الشيء عنمثله قلنا: إنما وجد العالم حيث وجد وعلىالوصف الذي وجد وفي المكان الذي وجدبالإرادة والإرادة صفة من شأنها تمييز الشيءعن مثله ولولا أن هذا شأنها لوقعالاكتفاء بالقدرة. ولكن لما تساوى نسبة القدرة إلىالضدين ولم يكن بد من مخصصيخصص الشيء عن مثله فقيل: للقديم وراء القدرة صفة منشأنها تخصيص الشيء عن مثلهفقول القائل: لم اختصت الإرادة بأحد المثلين كقولالقائل: لم اقتضى العلمالإحاطة بالمعلوم على ما هو به فيقال: لأن العلم عبارة عنصفة هذا شأنها فكذىالإرادة عبارة عن صفة هذا شأنها بل ذاتها تمييز الشيء عن مثله.
في الأمرين تناقض فإن قيل: إثبات صفة شأنها تمييز الشيء عنمثله غير معقول بل هومتناقض فإن كونه مثلاً معناه أنه لا تميز له وكونه مميزاًمعناه أنه ليس مثلاً ولاينبغي أن يظن أن السوادين في محلين متماثلان من كل وجهلأن هذا في محل وذاك في محلآخر وهذا يوجب التميز. ولا السوادان في وقتين فيمحل واحد متماثلان مطلقاً لأن هذافارق ذلك في الوقت فكيف يساويه من كل وجه.وإذا قلنا: السوادان مثلان عنينا به فيالسوادية مضافاً إليه على الخصوص لا علىالإطلاق وإلا فلو اتحد المحل والزمان ولميبق تغاير لم يعقل سوادان ولا عقلتالإثنينية أصلاً. العطشان إذا كان بين يديهقدحان متساويان لا يمكن أن يأخذأحدهما بدون تمييز يحقق هذا أن لفظ الإرادةمستعارة من إرادتنا ولا يتصور مناأن نميز بالإرادة الشيء عن مثله بل لو كان بينيدي العطشان قدحان من الماءيتساويان من كل وجه بالإضافة إلى غرضه لم يمكن أن يأخذأحدهما بل إنما يأخذ مايراه أحسن أو أخف أو أقرب إلى جانب يمينه إن كان عادتهتحريك اليمين أو سبب منهذه الأسباب إما خفي وإما جلي وإلا فلا يتصور تمييز الشيءعن مثله بحال. إنكارالأمر في حق الله... الأول أن قولكم: إن هذا لا يتصور عرفتموهضرورة أو نظراًولا يمكن دعوى واحد منهما وتمثيلكم بإرادتنا مقايسة فاسدة تضاهيالمقايسة فيالعلم وعلم الله يفارق علمنا في أمور قررناها فلم تبعد المفارقة فيالإرادة بلهو كقول القائل: ذات موجودة لا خارج العالم ولا داخله ولا متصلاً ولامنفصلاًلا يعقل لأنا لا نعقله في حقنا. قيل: هذا عمل توهمك وأما دليل العقل فقدساقالعقلاء إلى التصديق بذلك فبم تنكرون على من يقول: دليل العقل ساق إلى إثباتصفة لله تعالى من شأنها تمييز الشيء عن مثله فإن لم يطابقها اسم الإرادة فلتسمباسم آخر فلا مشاحة في الأسماء. وإنما أطلقناها نحن بإذن الشرع وإلا فالإرادةموضوعة في اللغة لتعيين ما فيه غرض ولا غرض في حق الله وإنما المقصود المعنىدوناللفظ. .. وفي حق الإنسان فإنه إذا كانت بين يديه تمرتين متساويتين يأخذ إحداهما. علىأنه في حقنا لا نسلمأن ذلك غير متصور فإنا نفرض تمرتين متساويتين بين يديالمتشوف إليهما العاجز عنتناولهما جميعاً فإنه يأخذ إحداهما لا محالة بصفةشأنها تخصيص الشيء عن مثله. وكلما ذكرتموه من المخصصات من الحسن أو القرب أوتيسر الأخذ فإنا نقدر على فرضانتفائه ويبقى إمكان الأخذ. فأنتم بين أمرين: إماإن قلتم: إنه لا يتصور التساويبالإضافة إلى أغراضه فقط وهو حماقة وفرضه ممكنوإما إن قلتم: التساوي إذا فرض بقيالرجل المتشوف أبداً متحيراً ينظر إليهمافلا يأخذ إحداهما بمجرد الإرادةوالاختيار المنفك عن الغرض وهو أيضاً محال يعلمبطلانه ضرورةً. فإذن لابد لكل ناظرشاهداً أو غائباً في تحقيق الفعل الاختياريمن إثبات صفة شأنها تخصيص الشيء عنمثله. لماذا اختص العالم ببعضالوجوه... الوجه الثاني في الاعتراض هو أنا نقول:أنتم في مذهبكم ما استغنيتمعن تخصيص الشيء عن مثله فإن العالم وجد من سببه الموجبله على هيئات مخصوصةتماثل نقائضها فلم اختص ببعض الوجوه واستحالة تميز الشيء عنمثله في الفعل أوفي اللزوم بالطبع أو بالضرورة لا تختلف. .. قولهم: بضرورة النظامالكلي فإنقلتم: إن النظام الكلي للعالم لا يمكن إلا على الوجه الذي وجد وإنالعالم لوكان أصغر أو أكبر مما هو الآن عليه لكان لا يتم هذا النظام وكذا القولفي عددالأفلاك وعدد الكواكب. وزعمتم أن الكبير يخالف الصغير والكثير يفارق القليلفيما يراد منه فليست متماثلة بل هي مختلفة إلا أن القوة البشرية تضعف عن درك وجوهالحكمة في مقاديرها وتفاصيلها وإنما تدرك الحكمة في بعضها كالحكمة في ميل فلكالبروج عن معدل النهار والحكمة في الأوج والفلك الخارج المركز والأكثر لا يدركالسر فيها ولكن يعرف اختلافها ولا بعد في أن يتميز الشيء عن خلافه لتعلق نظامالأمربه. وأما الأوقات فمتشابهة قطعاً بالنسبة إلى الإمكان وإلى النظام ولايمكن أنيدعي أنه لو خلق بعد ما خلق أو قبله بلحظة لما تصور النظام فإن تماثلالأحوال يعلمبالضرورة. قولنا: لا. مثلان...
فنقول: نحن وإن كنا نقدر على معارضتكم بمثله في الأحوال إذقال قائلون: خلقه فيالوقت الذي كان الأصلح الخلق فيه لكنا لا نقتصر على هذهالمقابلة بل نفرض علىأصلكم تخصصاً في موضعين لا يمكن أن يقدر فيه اختلاف:أحدهما اختلاف جهة الحركةوالآخر تعين موضع القطب في الحركة عن المنطقة. ...مثل القطب الشمالي والقطبالجنوبي أما القطب فبيانه أن السماء كرة متحركة علىقطبين كأنهما ثابتان وكرةالسماء متشابهة الأجزاء فإنها بسيطة لا سيما الفلكالأعلى الذي هو التاسع فإنه غيرمكوكب أصلاً وهما متحركان على قطبين شمالي وجنوبي. فنقول: ما من نقطتين متقابلتينمن النقط التي لا نهاية لها عندهم إلاويتصور أن يكون هو القطب. فلم تعينت نقطتاالشمال والجنوب للقطبية والثبات ولملم يكن خط المنطقة ماراً بالنقطتين حتى يعودالقطب إلى نقطتين متقابلتين علىالمنطقة فإن كان في مقدار كبر السماء وشكله حكمةفما الذي ميز محل القطب عنغيره حتى تعين لكونه قطباً دون سائر الأجزاء والنقطوجميع النقط متماثلة وجميعأجزاء الكرة متساوية وهذا لا مخرج عنه قولهم لعل ذلك الموضع يفارق غيره بخاصية فإن قيل لعل الموضعالذي عليه نقطة القطبيفارق غيره بخاصية تناسب كونه محلاً للقطب حتى يثبت فكأنهلا يفارق مكانه وحيزهووضعه أو ما يفرض إطلاقه عليه من الأسامي وسائر مواضعالفلك يتبدل بالدور وضعها منالأرض ومن الأفلاك والقطب ثابت الوضع فلعل ذلكالموضع كان أولى بأن يكون ثابتالوضع من غيره. تقولون بتشابه السماء... قلنا:ففي هذا تصريح بتفاوت أجزاء الكرةالأولى في الطبيعة وأنها ليست متشابهةالأجزاء وهو على خلاف أصلكم إذ أحد مااستدللتم به على لزوم كون السماء كرىالشكل أنه بسيط الطبيعة متشابه لا يتفاوتوأبسط الأشكال الكرة فإن التربيعوالتسديس وغيرهما يقتضي خروج زوايا وتفاوتها وذلكلا يكون إلا بأمر زائد علىالطبع البسيط. ... ومن أين تلك الخاصية ولكنه وإن خالفمذهبكم فليس يندفعالإلزام به فإن السؤال في تلك الخاصية قائم إذ سائر الأجزاء هلكان قابلاً تلكالخاصية أم لا فإن قالوا نعم فلم اختصت الخاصية من بين المتشابهاتببعضها وإنقالوا: لم يكن ذلك إلا في ذلك الموضع وسائر الأجزاء لا تقبلها فنقول:سائرالأجزاء من حيث أنها جسم قابل للصور متشابه بالضرورة وتلك الخاصية التييستحقهاذلك الموضع بمجرد كونه جسماً ولا بمجرد كونه سماء فإن هذا المعنى يشاركهفيهسائر أجزاء السماء فلا بد وأن يكون تخصيصه به بتحكم أو بصفة من شأنها تخصيصالشيء عن مثله وإلا فكما يستقيم لهم قولهم: إن الأحوال في قبول وقوع العالمفيهامتساوية يستقيم لخصومهم أن أجزاء السماء في قبول المعنى الذي لأجله صارثبوت الوضعأولى به من تبدل الوضع متساوية وهذا لا مخرج منه. ما سبب تباين حركات السماء الإلزام الثاني تعين جهة حركةالأفلاك بعضها من المشرقإلى المغرب وبعضها بالعكس مع تساوي الجهات ما سببهاوتساوي الجهات كتساوي الأوقاتمن غير فرق قولهم: تلك المناسبات مبدأ الحوادث فيالعالم فإن قيل: لو كان الكليدور من جهة واحدة لما تباينت أوضاعها ولم تحدثمناسبات الكواكب بالتثليث والتسديسوالمقارنة وغيرها ولكان الكل على وضع واحدلا يختلف قط وهذه المناسبات مبدأالحوادث في العالم. قلنا: لسنا نلزم اختلافجهة الحركة بل نقول: الفلك الأعلى يتحركمن المشرق إلى المغرب والذي تحتهبالعكس وكل ما يمكن تحصيله بهذا يمكن تحصيلهبعكسه وهو أن يتحرك الأعلى منالمغرب إلى المشرق وما تحته في مقابلته فيحصل التفاوتوجهات الحركة بعد كونهادورية وبعد كونها متقابلة متساوية فلم تميزت جهة عن جهةتماثلها قولهم: الجهتانمتضادتان فإن قالوا: الجهتان متقابلتان متضادتان فكيفيتساويان قولنا:والأوقات! قلنا: هذا كقول القائل: التقدم والتأخر في وجود العالميتضادان فكيفيدعي تشابههما ولكن زعموا أنه يعلم تشابه الأوقات بالنسبة إلى إمكانالوجودوإلى كل مصلحة يتصور فرضه في الوجود. فكذلك يعلم تساوي الأحياز والأوضاعوالأماكن والجهات بالنسبة إلى قبول الحركة وكل مصلحة تتعلق بها. فإن ساغ لهمدعوىالاختلاف مع هذا التشابه كان لخصومهم دعوى الاختلاف في الأحوال والهيئاتأيضاً.الاعتراض الثاني: صدور حادث من قديم الاعتراض الثاني على أصل دليلهم أنيقال:استبعدتم حدوث حادث من قديم ولا بد لكم من الاعتراف به فإن في العالمحوادث ولهاأسباب. فإن استندت الحوادث إلى الحوادث إلى غير نهاية فهو محال وليسذلك معتقدعاقل. ولو كان ذلك ممكناً لاستغنيتم عن الاعتراف بالصانع وإثبات واجبوجود هو مستندالممكنات. وإذا كانت الحوادث لها طرف ينتهي إليه تسلسلها فيكونذلك الطرف هوالقديم فلا بد إذن على أصلهم من تجويز صدور حادث من قديم.
قولهم: في حصول الاستعداد وحضور الوقت فإن قيل: نحن لانبعد صدور حادث من قديم أيحادث كان بل نبعد صدور حادث هو أول الحوادث منالقديم إذ لا يفارق حال الحدوث ماقبله في ترجح جهة الوجود لا من حيث حضور وقتولا آلة ولا شرط ولا طبيعة ولا غرضولا سبب من الأسباب. فأما إذا لم يكن هوالحادث الأول جاز أن يصدر منه عند حدوث شيءآخر من استعداد المحل القابل وحضورالوقت الموافق أو ما يجري هذا المجرى. قولنا:ومن أين ذلك قلنا: فالسؤال فيحصول الاستعداد وحضور الوقت وكل ما يتجدد قائم فإماأن يتسلسل إلى غير نهاية أوينتهي إلى قديم يكون أول حادث منه. قولهم: وجود الحركةالدورية... فإن قيل:المواد القابلة للصور والأعراض والكيفيات ليس شيء منهاحادثاً والكيفياتالحادثة هي حركة الأفلاك أعني الحركة الدورية وما يتجدد منالأوصاف الإضافيةلها من التثليث والتسديس والتربيع وهي نسبة بعض أجزاء الفلكوالكواكب إلى بعضوبعضها نسبة إلى الأرض كما يحصل من الطلوع والشروق والزوال عنمنتهى الارتفاعوالبعد عن الأرض بكون الكوكب في الأوج والقرب بكونه في الحضيضوالميل عن بعضالأقطار بكونه في الشمال والجنوب وهذه الإضافة لازمة للحركة الدوريةبالضرورةفموجبها الحركة الدورية. وهي سبب الحوادث في العناصر... وأما الحوادثفيمايحويه مقعر فلك القمر وهو العناصر بما يعرض فيها من كون وفساد وامتزاجوافتراقواستحالة من صفة إلى صفة فكل ذلك حوادث مستند بعضها إلى بعض في تفصيل طويلوبالآخرة تنتهي مبادئ أسبابها إلى الحركة السماوية الدورية ونسب الكواكب بعضهاإلىبعض أو نسبتها إلى الأرض. ... وهي قديمة... فيخرج من مجموع ذلك أن الحركةالدوريةالدائمة الأبدية مستند الحوادث كلها ومحرك السماء حركتها الدورية نفوسالسمواتفإنها حية نازلة منزلة نفوسنا بالنسبة إلى أبداننا ونفوسها قديمة فلاجرم الحركةالدورية التي هي موجبها أيضاً قديمة. ولما تشابه أحوال النفس لكونها قديمة تشابه أحوال الحركات أي كانت دائرة أبداً. ولها أجزاءحادثة فإذن لا يتصورأن يصدر الحادث من قديم إلا بواسطة حركة دورية أبدية تشبهالقديم من وجه فإنه دائمأبداً وتشبه الحادث من وجه فإن كل جزء يفرض منه كانحادثاً بعد أن لم يكن فهو منحيث أنه حادث بأجزائه وإضافاته مبدأ الحوادث ومنحيث أنه أبدي متشابه الأحوال صادرعن نفس أزلية. فإن كان في العالم حوادث فلابد من حركة دورية وفي العالم حوادثفالحركة الدورية الأبدية ثابتة. قولنا: هذاكلام باطل! إذ لا بد من سبب آخر قلنا:هذا التطويل لا يغنيكم فإن الحركةالدورية التي هي المستند حادث أم قديم فإن كانقديماً فكيف صار مبدأ لأولالحوادث وإن كان حادثاً افتقر إلى حادث آخر وتسلسل.وقولكم: إنه من وجه يشبهالقديم ومن وجه يشبه الحادث فإنه ثابت متجدد أي هو ثابتالتجدد متجدد الثبوت.فنقول: أهو مبدأ الحوادث من حيث أنه ثابت أو من حيث أنهمتجدد فإن كان من حيثأنه ثابت فكيف صدر من ثابت متشابه الأحوال شيء في بعض الأوقاتدون بعض وإن كانمن حيث أنه متجدد فما سبب تجدده في نفسه فيحتاج إلى سبب آخرويتسلسل فهذا غايةتقرير الإلزام. سيأتي الكلام عن ذلك ولهم في الخروج عن هذاالإلزام نوع احتيالسنورده في بعض المسائل بعد هذه كيلا يطول كلام هذه المسألةبانشعاب شجون الكلاموفنونه. على أنا سنبين أن الحركة الدورية لا يصلح أن تكونمبدأ الحوادث وأنجميع الحوادث مخترعة لله ابتداءً ونبطل ما قالوه من كون السماءحيواناً متحركاًبالاختيار حركة نفسية كحركاتنا.
الثاني قولنا: ليس الله متقدماً بالذات فقط... زعموا أنالقائل بأن العالم متأخرعن الله والله متقدم عليه ليس يخلو إما أن يريد به أنهمتقدم بالذات لا بالزمانكتقدم الواحد على الاثنين فإنه بالطبع مع أنه يجوز أنيكون معه في الوجود الزمانيوكتقدم العلة على المعلول مثل تقدم حركة الشخص علىحركة الظل التابع له وحركة اليدمع حركة الخاتم وحركة اليد في الماء مع حركةالماء فإنها متساوية في الزمان وبعضهاعلة وبعضها معلول إذ يقال: تحرك الظللحركة الشخص وتحرك الماء لحركة اليد في الماءولا يقال تحرك الشخص لحركة الظلوتحرك اليد لحركة الماء وإن كانت متساوية. فإنأريد بتقدم الباري على العالمهذا لزم أن يكونا حادثين أو قديمين واستحال أن يكونأحدهما قديماً والآخرحادثاً. وإن أريد به أن الباري متقدم على العالم والزمان لابالذات بل بالزمانفإذن قبل وجود العالم والزمان زمان كان العالم فيه معدوماً إذكان العدم سابقاًعلى الوجود وكان الله سابقاً بمدة مديدة لها طرف من جهة الآخرولا طرف لها منجهة الأول. فإذن قبل الزمان زمان لا نهاية له وهو متناقض ولأجلهيستحيل القولبحدوث الزمان. وإذا وجب قدم الزمان وهو عبارة عن قدر الحركة وجب قدمالحركةووجب قدم المتحرك الذي يدوم الزمان بدوام حركته. اعتراض: ليس قبل الخليقةزمان: القول بأن " كان الله ولا عالم " لا يدل إلا على أمرين... الاعتراض هو أنيقال: الزمان حادث ومخلوق وليس قبله زمان أصلاً ونعني بقولنا إن الله متقدم علىالعالم والزمان إنه كان ولا عالم ثم كان ومعه عالم. ومفهوم قولنا: كان ولا عالموجود ذات الباري وعدم ذات العالم فقط ومفهوم قولنا: كان ومعه عالم وجود الذاتينفقط. فنعني بالتقدم انفراده بالوجود فقط والعالم كشخص واحد. ولو قلنا: كان اللهولاعيسى مثلاً ثم كان وعيسى معه لم يتضمن اللفظ إلا وجود ذات وعدم ذات ثم وجودذاتينوليس من ضرورة ذلك تقدير شيء ثالث وإن كان الوهم لا يسكن عن تقدير ثالثفلا التفاتإلى أغاليط الأوهام. فإن قيل لقولنا: كان الله ولا عالم مفهوم ثالثسوى وجود الذاتوعدم العالم بدليل أنا لو قدرنا عدم العالم في المستقبل كانوجود ذات وعدم ذاتحاصلاً ولم يصح أن نقول: كان الله ولا عالم بل الصحيح أننقول: يكون الله ولا عالم.ونقول للماضي: كان الله ولا عالم. فبين قولنا " كان " و " يكون " فرق إذ ليس ينوب أحدهما مناب الآخر.فلنبحث عن ما يرجع إليهالفرق: ولا شك في أنهما لا يفترقان في وجود الذات ولافي عدم العالم بل في معنىثالث فإنا إذا قلنا لعدم العالم في المستقبل: كانالله ولا عالم قيل لنا: هذا خطأفإن " كان " إنما يقال على ماض فدل أن تحت لفظ " كان " مفهوماً ثالثاً وهو الماضيوالماضي بذاته هو الزمان والماضي بغيره هوالحركة فإنها تمضي بمضي الزمان.فبالضرورة يلزم أن يكون قبل العالم زمان قدانقضى حتى انتهى إلى وجود العالم.قولنا: ليس هو إلا نسبة إلينا قلنا: المفهومالأصلي من اللفظين وجود ذات وعدم ذات.والأمر الثالث الذي فيه افتراق اللفظيننسبة لازمة بالإضافة إلينا بدليل أنا لوقدرنا عدم العالم في المستقبل ثم قدرنالنا بعد ذلك وجوداً ثانياً لكنا عند ذلكنقول: كان الله ولا عالم. ويصح قولناسواء أردنا به العدم الأول أو العدم الثانيالذي هو بعد الوجود وآية أن هذهنسبة أن المستقبل بعينه يجوز أن يصير ماضياً قبلالمبتدأ نتوهم " قبلاً "... وهذا كله لعجز الوهم عن فهم وجود مبتدأ إلا مع تقدير " قبل " له وذلك "القبل " الذي لا ينفك الوهم عنه يظن أنه شيء محقق موجود هوالزمان. ... كمانتوهم وراء العالم " فوقاً " وهو كعجز الوهم عن أن يقدر تناهيالجسم في جانبالرأس مثلاً إلا على سطح له فوق فيتوهم أن وراء العالم مكاناً إماملاء وإماخلاء. وإذا قيل: ليس فوق سطح العالم فوق ولا بعد أبعد منه كاع الوهم عنالإذعانلقبوله كما إذا قيل: ليس قبل وجود العالم " قبل " هو وجود محقق نفر عنقبولهوكما جاز أن يكذب الوهم في تقديره فوق العالم خلاء هو بعد لا نهاية له بأنيقالله: الخلاء ليس مفهوماً في نفسه وأما البعد فهو تابع للجسم الذي تتباعدأقطارهفإذا كان الجسم متناهياً كان البعد الذي هو تابع له متناهياً وانقطع الملاءوالخلاء غير مفهوم فثبت أنه ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء وإن كان الوهم لايذعن لقبوله.
ولكن ذلك وهم فكذلك يقال: كما أن البعد المكاني تابع للجسمفالبعد الزماني تابعللحركة فإنه امتداد الحركة كما أن ذلك امتداد أقطار الجسموكما أن قيام الدليل علىتناهي أقطار الجسم منع من إثبات بعد مكاني وراءه.فقيام الدليل على تناهي الحركةمن طرفيه يمنع من تقدير بعد زماني وراءه وإن كانالوهم متشبثاً بخياله وتقديره ولايرعوى عنه. ولا فرق بين البعد الزماني الذيتنقسم العبارة عنه عند الإضافة إلى " قبل " و " بعد " وبين البعد المكاني الذيتنقسم العبارة عنه عند الإضافة إلى فوقوتحت. فإن جاز إثبات " فوق " لا " فوق "فوقه جاز إثبات " قبل " ليس قبله " قبل "محقق إلا خيال وهمي كما في الفوق.وهذا لازم فليتأمل فإنهم اتفقوا على أنه ليسوراء العالم لا خلاء ولا ملاء.قولهم ليس هناك موازنة فالعالم ليس له " فوق " إلابالاسم الإضافي المتبدل...فإن قيل: هذه الموازنة معوجة لأن العالم ليس له " فوق "ولا " تحت " بل هو كريوليس للكرة " فوق " و " تحت " بل إن سميت جهة " فوقاً " منحيث أنه يلي رأسكوالآخر " تحتاً " من حيث أنه يلي رجلك فهو اسم تجدد له بالإضافةإليك والجهةالتي هي " تحت " بالإضافة إليك " فوق " بالإضافة إلى غيرك إذا قدرتعلى الجانبالآخر من كر ة الأرض واقفاً يحاذي أخمص قدمه أخمص قدميك بل الجهة التيتقدرهافوقك من أجزاء السماء نهاراً هو بعينه تحت الأرض ليلاً وما هو تحت الأرضيعودإلى فوق الأرض في الدور. وأما الأول لوجود العالم لا يتصور أن ينقلب آخراً.وهوكما لو قدرنا خشبة أحد طرفيها غليظ والآخر دقيق واصطلحنا على أن نسمي الجهةالتي تلي الدقيق فوقاً إلى حيث ينتهي والجانب الآخر تحتاً لم يظهر بهذا اختلافذاتي في أجزاء العالم بل هي أسامي مختلفة قيامها بهيئة هذه الخشبة حتى لو عكسوضعهاانعكس الاسم والعالم لم يتبدل. فالفوق والتحت نسبة محضة إليك لا تختلفأجزاءالعالم وسطوحه فيه. وأما العدم المتقدم على العالم والنهاية الأولىلوجوده ذاتي لايتصور أن يتبدل فيصير آخراً ولا العدم المقدر عند إفناء العالمالذي هو عدم لاحقيتصور أن يصير سابقاً. فطرفا نهاية وجود العالم الذي أحدهماأول والثاني آخر طرفانذاتيان ثابتان لا يتصور التبدل فيه بتبدل الإضافات البتة بخلاف الفوق والتحت. ولكن لوجود العالم " قبل " فإذنأمكننا أن نقول: ليس للعالمفوق ولا تحت ولا يمكنكم أن تقولوا: ليس لوجودالعالم " قبل " ولا " بعد ". وإذاثبت القبل والبعد فلا معنى للزمان سوى مايعبر عنه بالقبل والبعد. قولنا: كما أنالعالم ليس له " خارج " كذلك ليس لهقبل قلنا: لا فرق فإنه لا غرض في تعيين لفظالفوق والتحت بل نعدل إلى لفظالوراء والخارج ونقول: للعالم داخل وخارج فهل خارجالعالم شيء من ملاء أو خلاءفسيقولون: ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء. وإنعنيتم بالخارج سطحه الأعلىفله خارج وإن عينتم غيره فلا خارج له. فكذلك إذا قيللنا: هل لوجود العالم "قبل " قلنا: إن عني به: هل لوجود العالم بداية أي طرف منهابتدأ فله " قبل "على هذا كما للعالم خارج على تأويل أنه الطرف المكشوف والمنقطعالسطحي. وإنعنيتم بقبل شيئاً آخر فلا " قبل " للعالم كما أنه إذا عني بخارجالعالم شيء سوىالسطح قيل: لا خارج للعالم. فإن قلتم: لا يعقل مبتدأ وجود لا " قبل " له فيقال:ولا يعقل متناهى وجود من الجسم لا خارج له. فإن قلت: خارجه سطحالذي هو منقطعهلا غير قلنا: قبله بداية وجوده الذي هو طرفه لا غير. نسبة ذلكللمكان والزمانمن عمل الوهم... بقي أنا نقول: لله وجود ولا عالم معه. وهذا القدرأيضاً لايوجب إثبات شيء آخر والذي يدل على أن هذا عمل الوهم أنه مخصوص بالزمانوالمكان.فإن الخصم وإن اعتقد قدم الجسم يذعن وهمه لتقدير حدوثه. ونحن وإن اعتقدناحدوثهربما أذعن وهمنا لتقدير قدمه. هذا في الجسم. فإذا رجعنا إلى الزمان لم يقدرالخصم على تقدير حدوث زمان لا " قبل " له وخلاف المعتقد يمكن وضعه في الوهمتقديراً وفرضاً. وهذا مما لا يمكن وضعه في الوهم كما في المكان فإن من يعتقدتناهيالجسم ومن لا يعتقد كل واحد يعجز عن تقدير جسم ليس وراءه لا خلاء ولاملاء بل لايذعن وهمه لقبول ذلك.
وهذا هو سبب الغلط ولكن قيل: صريح العقل إذا لم يمنع وجودجسم متناه بحكم الدليللا يلتفت إلى الوهم. فكذلك صريح العقل لا يمنع وجوداًمفتتحاً ليس قبله شيء. وإنقصر الوهم عنه فلا يلتفت إليه لأن الوهم لما لم يألفجسماً متناهياً إلا وبجنبه جسمآخر أو هواء تخيله خلاء لم يتمكن من ذلك فيالغائب. فكذلك لم يألف الوهم حادثاًإلا بعد شيء آخر فكاع عن تقدير حادث ليس له " قبل " هو شيء موجود قد انقضى. فهذا هوسبب الغلط والمقاومة حاصلة بهذهالمعارضة. صيغة ثانية لهم في إلزام قدم الزمانقولهم: كان الله قادراً على أنيخلق العالم قبل أن خلقه بقدر سنين... قالوا: لاشك في أن الله عندكم كانقادراً على أن يخلق العالم قبل أن خلقه بقدر سنة ومائةسنة وألف سنة وإن هذهالتقديرات متفاوتة في المقدار والكمية فلا بد من إثبات شيءقبل وجود العالمممتد مقدر بعضه أمد وأطول من البعض. ... أو أن يخلق قبله عالماًثانياًمثله بحيث ينتهي إلى زماننا هذا بقدر عدد أكثر من الدورات وإن قلتم: لايمكنإطلاق لفظ سنين إلا بعد حدوث الفلك ودوره فلنترك لفظ سنين ولنورد صيغة أخرىفنقول: إذا قدرنا أن العالم من أول وجوده قد دار فلكه إلى الآن بألف دورة مثلاًفهل كان الله قادراً على أن يخلق قبله عالماً ثانياً مثله بحيث ينتهي إلىزمانناهذا بألف ومائة دورة فإن قلتم: لا فكأنه انقلب القديم من العجز إلىالقدرة أوالعالم من الاستحالة إلى الإمكان. وإن قلتم: نعم ولا بد منه فهل كانيقدر على أنيخلق عالماً ثالثاً بحيث ينتهي إلى زماننا بألف ومائتي دورة ولا بدمن نعم. قولنا:فهناك مقدار معلوم... فنقول: هذا العالم الذي سميناه بحسبترتيبنا في التقديرثالثاً وإن كان هو الأسبق فهل أمكن خلقه مع العالم الذيسميناه ثانياً وكان ينتهيإلينا بألف ومائتي دورة والآخر بألف ومائة دورة وهمامتساويان في مسافة الحركةوسرعتها فإن قلتم: نعم فهو محال إذ يستحيل أن يتساوىحركتان في السرعة والبطء ثمتنتهيان إلى وقت واحد والأعداد متفاوتة. وإن قلتم:إن العالم الثالث الذي ينتهي إلينا بألف ومائتي دورة لا يمكن أن يخلقمع العالم الثاني الذيينتهي إلينا بألف ومائة دورة بل لا بد وأن يخلقه قبلهبمقدار يساوي المقدار الذيتقدم العالم الثاني على العالم الأول وسمينا الأولما هو أقرب إلى وهمنا إذارتقينا من وقتنا إليه بالتقدير فيكون قدر إمكان هوضعف إمكان آخر ولا بد من إمكانآخر هو ضعف الكل. ... فهناك زمان فهذا الإمكانالمقدر المكمم الذي بعضه أطول منالبعض بمقدار معلوم لا حقيقة له إلا الزمانفليست هذه الكميات المقدرة صفة ذاتالباري تعالى عن التقدير ولا صفة عدم العالمإذ العدم ليس شيئاً حتى يتقدر بمقاديرمختلفة والكمية صفة فتستدعى ذا كمية وليسذلك إلا الحركة والكمية إلا الزمان الذيهو قدر الحركة. فإذن قبل العالم عندكمشيء ذو كمية متفاوتة وهو الزمان. فقبلالعالم عندكم زمان. اعتراض: وكذلك فوراءالعالم خلاء أو ملاء... الاعتراض أن كلهذا من عمل الوهم وأقرب طريق في دفعهالمقابلة للزمان بالمكان. فإنا نقول: هل كانفي قدرة الله أن يخلق الفلك الأعلىفي سمكه أكبر مما خلقه بذراع فإن قالوا: لا فهوتعجيز. وإن قالوا: نعم فبذراعينوثلاثة أذرع وكذلك يرتقي إلى غير نهاية. ونقول: فيهذا إثبات " بعد " وراءالعالم له مقدار وكمية إذ الأكبر بذراعين ما كان يشغل مايشغله الأكبر بذراعفوراء العالم بحكم هذا كمية فتستدعي ذاكم وهو الجسم أو الخلاء.فوراء العالمخلاء أو ملاء فما الجواب عنه ... فيكون الخلاء مقداراً وكذلك هل كاناللهقادراً على أن يخلق كرة العالم أصغر مما خلقه بذراع ثم بذراعين وهل بينالتقديرين تفاوت فيما ينتفي من الملاء والشغل للأحياز إذ الملاء المنتفي عندنقصانذراعين أكثر مما ينتفي عند نقصان ذراع فيكون الخلاء مقدراً والخلاء ليسبشيء فكيفيكون مقدراً وجوابنا في تخييل الوهم تقدير الإمكانات الزمانية قبلوجود العالمكجوابكم في تخييل الوهم تقدير الإمكانات المكانية وراء وجود العالمولا فرق.قولهم: كون العالم أكبر أو أصغر مما هو عليه ليس بممكن فإن قيل: نحنلا نقول: إنما ليس بممكن فهو مقدور وكون العالم أكبر مما هو عليه ولا أصغر منه ليس بممكن فلا يكون مقدوراً. ولماذا وهذا العذر باطل منثلاثة أوجه: أحدها أنهذا مكابرة العقل فإن العقل في تقدير العالم أكبر أو أصغرمما عليه بذراع ليس هوكتقديره الجمع بين السواد والبياض والوجود والعدموالممتنع هو الجمع بين النفيوالإثبات وإليه ترجع المحالات كلها فهو تحكم باردفاسد. وجود العالم يكون واجباً! الثاني أنه إذا كان العالم على ما هو عليه لايمكن أن يكون أكبر منه ولا أصغر.فوجوده على ما هو عليه واجب لا ممكن والواجبمستغن عن علة. فقولوا بما قالهالدهريون من نفي الصانع ونفي سبب هو مسببالأسباب وليس هذا مذهبكم. ووجوده قبلالوجود غير ممكن! الثالث هو أن هذا الفاسدلا يعجز الخصم عن مقابلته بمثله. فنقول:إنه لم يكن وجود العالم قبل وجودهممكناً بل وافق الوجود الإمكان من غير زيادة ولانقصان. فإن قلتم: فقد انتقلالقديم من القدرة إلى العجز قلنا: لا لأن الوجود لميكن ممكناً فلم يكن مقدوراًوامتناع حصول ما ليس بممكن لا يدل على العجز. وإن قلتم:إنه كيف كان ممتنعاًفصار ممكناً قلنا: ولم يستحيل أن يكون ممتنعاً في حال ممكناًفي حال فإن قلتم:الأحوال متساوية قيل لكم: والمقادير متساوية فكيف يكون مقدارممكناً وأكبر منهأو أصغر بمقدار ظفر ممتنعاً فإن لم يستحل ذلك لم يستحل هذا. فهذاطريقةالمقاومة.
إن الله إذا أراد فعل والتحقيق في الجواب أن ما ذكروه منتقدر الإمكانات لا معنىلها وإنما المسلم أن الله قديم قادر لا يمتنع عليهالفعل أبداً لو أراد وليس فيهذا القدر ما يوجب إثبات زمان ممتد إلا أن يضيفالوهم بتلبيسه إليه شيئاً آخر.الثالث قولهم: إمكان العالم كان موجوداً فالعالمأيضاً كان موجوداً تمسكوا بأنقالوا: وجود العالم ممكن قبل وجوده إذ يستحيل أنيكون ممتنعاً ثم يصير ممكناً وهذاالإمكان لا أول له أي لم يزل ثابتاً ولم يزلالعالم ممكناً وجوده إذ لا حال منالأحوال يمكن أن يوصف العالم فيه بأنه ممتنعالوجود. فإذا كان الإمكان لم يزلفالممكن على وفق الإمكان أيضاً لم يزل فإنمعنى قولنا أنه ممكن وجوده أنه ليسمحالاً وجوده. فإذا كان ممكناً وجوده أبداًلم يكن محالاً وجوده أبداً وإلا فإنكان محالاً وجوده أبداً بطل قولنا إنه ممكنوجوده أبداً وإن بطل قولنا إنه ممكنوجوده أبداً بطل قولنا إن الإمكان لم يزلوإن بطل قولنا إن الإمكان لم يزل صحقولنا إن الإمكان له أول وإذا صح أن لهأولاً كان قبل ذلك غير ممكن فيؤدي إلى إثباتحال لم يكن العالم ممكناً ولا كانالله عليه قادراً. اعتراض: العالم لم يزل ممكنالحدوث الاعتراض أن يقال:العالم لم يزل ممكن الحدوث فلا جرم ما من وقت إلاويتصور أحداثه فيه وإذا قدرموجوداً أبداً لم يكن حادثاً فلم يكن الواقع على وفقالإمكان بل خلافه. وهذاكقولهم في المكان وهو أن تقدير العالم أكبر مما هو أو خلقجسم فوق العالم ممكنوكذى آخر فوق ذلك الآخر وهكذا إلى غير نهاية. فلا نهايةلإمكان الزيادة ومع ذلكفوجود ملاء مطلق لا نهاية له غير ممكن. فكذلك وجود لا ينتهيطرفه غير ممكن بلكما يقال الممكن جسم متناهي السطح ولكن لا تتعين مقاديره فيالكبر والصغر فكذلكالممكن الحدوث ومبادئ الوجود لا تتعين في الرابع
قولهم: كل حادث تسبقه مادة... وهو أنهم قالوا: كلحادث فالمادة التي فيهتسبقه إذ لا يستغني الحادث عن مادة فلا تكون المادةحادثة وإنما الحادث الصوروالأعراض والكيفيات على المواد. ... ممكنة له وبيانهأن كل حادث فهو قبل حدوثه لايخلوا إما أن يكون ممكن الوجود أو ممتنع الوجود أوواجب الوجود ومحال أن يكونممتنعاً لأن الممتنع في ذاته لا يوجد قط ومحال أنيكون واجب الوجود لذاته فإنالواجب لذاته لا يعدم قط فدل أنه ممكن الوجودبذاته. فإذن إمكان الوجود حاصل لهقبل وجوده وإمكان الوجود وصف إضافي لا قوامله بنفسه فلا بد له من محل يضاف إليهولا محل إلا المادة فيضاف إليها كما نقول:هذه المادة قابلة للحرارة والبرودة أوالسواد والبياض أو الحركة والسكون أيممكن لها حدوث هذه الكيفيات وطريان هذهالتغيرات فيكون الإمكان وصفاً للمادة.والمادة لا يكون لها مادة فلا يمكن أن تحدثإذ لو حدثت لكان إمكان وجودهاسابقاً على وجودها وكان الإمكان قائماً بنفسه غيرمضاف إلى شيء مع أنه معنىالإمكان لا يرجع إلى كونه مقدوراً... ولا يمكن أن يقالإن معنى الإمكان يرجعإلى كونه مقدوراً وكون القديم قادراً عليه لأنا لا نعرف كونالشيء مقدوراً إلابكونه ممكناً. فنقول: هو مقدور لأنه ممكن وليس بمقدور لأنه ليسبممكن. فإن كانقولنا: هو ممكن يرجع إلى أنه مقدور فكأنا قلنا: هو مقدور لأنهمقدور وليسبمقدور لأنه ليس بمقدور وهو تعريف الشيء بنفسه. فدل أن كونه ممكناً قضيةأخرىفي العقل ظاهرة بها تعرف القضية الثانية وهو كونه مقدوراً. ... ولا إلى كونهمعلوماً ويستحيل أن يرجع ذلك إلى علم القديم بكونه ممكناً فإن العلم يستدعيمعلوماً. فالإمكان المعلوم غير العلم لا محالة ثم هو وصف إضافي فلا بد من ذاتيضافإليه وليس إلا المادة. فكل حادث فقد سبقه مادة فلم تكن المادة الأولىحادثة بحال.اعتراض: الإمكان هو قضاء العقل وهو يستدعي شيئاًموجوداً... الاعتراض أن يقال:الإمكان الذي ذكروه يرجع إلى قضاء العقل. فكل ماقدر العقل وجوده فلم يمتنع عليه تقديره سميناه ممكناً وإن امتنع سميناه مستحيلاًوإن لم يقدر على تقديرعدمه سميناه واجباً. فهذه قضايا عقلية لا تحتاج إلىموجود حتى تجعل وصفاً له.بدليل ثلاثة أمور: أحدها أن الإمكان لو استدعى شيئاًموجوداً يضاف إليه ويقال إنهإمكانه لاستدعى الامتناع شيئاً موجوداً يقال إنهامتناعه وليس للممتنع وجود فيذاته ولا مادة يطرى عليها المحال حتى يضافالامتناع إلى المادة. إمكان السوادوالثاني أن السواد والبياض يقضي العقل فيهماقبل وجودهما بكونهما ممكنين. فإن كانهذا الإمكان مضافاً إلى الجسم الذي يطريانعليه حتى يقال معناه إن هذا الجسم يمكنأن يسود وأن يبيض فإذن ليس البياض فينفسه ممكناً ولا له نعت الإمكان وإنما الممكنالجسم والإمكان مضاف إليه. فنقول:ما حكم نفس السواد في ذاته أو هو ممكن أو واجبأو ممتنع ولا بد من القول بأنهممكن فدل أن العقل في القضية بالإمكان لا يفتقر إلىوضع ذات موجود يضيف إليهالإمكان. إمكان النفوس والثالث أن نفوس الآدميين عندهمجواهر قائمة بأنفسها ليسبجسم ومادة ولا منطبع في مادة. وهي حادثة على ما اختارهابن سينا والمحققونمنهم ولها إمكان قبل حدوثها وليس لها ذات ولا مادة. فإمكانهاوصف إضافي ولايرجع إلى قدرة القادر وإلى الفاعل فإلى ماذا يرجع قولهم: الإمكانليس بقضاءالعقل فإذا قدر عدم القضاء لم يزل الإمكان فإن قيل: رد الإمكان إلىقضاءالعقل محال إذ لا معنى لقضاء العقل إلا العلم بالإمكان. فالإمكان معلوم وهوغيرالعلم بل العلم يحيط به ويتبعه ويتعلق به على ما هو والعلم لو قدر عدمه لمينعدم المعلوم. والمعلوم إذا قدر انتفاؤه انتفى العلم. فالعلم والمعلوم أمراناثنانأحدهما تابع والآخر متبوع. ولو قدرنا إعراض العقلاء عن تقدير الإمكانوغفلتهم عنهلكنا نقول: لا يرتفع الإمكان بل الممكنات في أنفسها ولكن العقولغفلت عنها أو عدمتالعقول والعقلاء. فيبقى الإمكان لا محالة. للامتناعموضوع... وأما الأمور الثلاثة فلا حجة فيها فإن الامتناع أيضاً وصفإضافي يستدعي موجوداًيضاف إليه. ومعنى الممتنع الجمع بين الضدين فإذا كانالمحل أبيض كان ممتنعاً عليهأن يسود مع وجود البياض فلا بد من موضوع يشار إليهموصوف بصفة. فعند ذلك يقال: ضدهممتنع عليه فيكون الامتناع وصفاً إضافياًقائماً بموضوع مضافاً إليه. وأما الوجوبفلا يخفى أنه مضاف إلى الوجود الواجب.ولإمكان السواد موضوع وأما الثاني وهو كونالسواد في نفسه ممكناً فغلط. فإنه إنأخذ مجرداً دون محل يحله كان ممتنعاً لاممكناً وإنما يصير ممكناً إذا قدر هيئةفي جسم. فالجسم مهيأ لتبدل هيئة والتبدلممكن على الجسم وإلا فليس للسواد نفسمفردة حتى يوصف بإمكان. ولإمكان النفوس موضوعوأما الثالث وهو النفس فهي قديمةعند فريق ولكن ممكن لها التعلق بالأبدان فلا يلزمعلى هذا. ومن سلم حدوثه فقداعتقد فريق منهم أنه منطبع في المادة تابع للمزاج علىما دل عليه كلام جالينوسفي بعض المواضع فتكون في مادة وإمكانها مضاف إلى مادتها.وعلى مذهب من سلم أنهاحادثة وليست منطبعة فمعناه أن المادة ممكن لها أن يدبرهانفس ناطقة فيكونالإمكان السابق على الحدوث مضافاً إلى المادة فإنها وإن لم تنطبعفيها فلهاعلاقة معها إذ هي المدبرة والمستعملة لها فيكون الإمكان راجعاً إليهابهذاالطريق. الجواب الإمكان هو قضاء العقل كما يصرح بأن الكليات موجودة والجوابأنرد الإمكان والوجوب والامتناع إلى قضايا عقلية صحيح وما ذكر بأن معنى قضاءالعقل علم والعلم يستدعي معلوماً. فنقول له: معلوم كما أن اللونية والحيوانيةوسائرقضايا الكلية ثابتة في العقل عندهم وهي علوم لا يقال لا معلوم لها ولكنلا وجودلمعلوماتها في الأعيان حتى صرح الفلاسفة بأن الكليات موجودة في الأذهانلا فيالأعيان. وإنما الموجود في الأعيان جزئيات شخصية وهي محسوسة غير معقولةولكنها سببلأن ينتزع العقل منها قضية مجردة عن المادة عقلية. فإذن اللونيةقضية مفردة فيالعقل سوى السوادية والبياضية ولا يتصور في الوجود لون ليس بسوادولا بياض ولاغيره من الألوان ويثبت في العقل صورة اللونية من غير تفصيل ويقال: هي صورة وجودها في الأذهان لا في الأعيان. فإنلم يمتنع هذا لم يمتنعما ذكرناه. لو قدر عدم العاقل... وأما قولهم: لو قدرعدم العقلاء أو غفلتهم ماكان الإمكان ينعدم فنقول: ولو قدر عدمهم هل كانتالقضايا الكلية وهي الأجناسوالأنواع تنعدم فإذا قالوا: نعم إذ لا معنى لها إلاقضية في العقول فكذلك قولنا فيالإمكان ولا فرق بين البابين. وإن زعموا أنهاتكون باقية في علم الله فكذى القولفي الإمكان. فالإلزام واقع والمقصود إظهارتناقض كلامهم. امتناع وجود شريك لله وأماالعذر عن الامتناع بأنه مضاف إلىالمادة الموصوفة بالشيء إذ يمتنع عليه ضده فليسكل محال كذلك فإن وجود شريك للهمحال وليس ثم مادة يضاف إليها الامتناع. فإن زعمواأن معنى استحالة الشريك أنانفراد الله تعالى بذاته وتوحده واجب والانفراد مضافإليه فنقول: ليس واجب فإنالعالم موجود معه فليس منفرداً. فإن زعموا أن انفراده عنالنظير واجب ونقيضالواجب ممتنع وهو إضافة إليه قلنا: نعني أن انفراد الله عنهاليس كانفراده عنالنظير فإن انفراده عن النظير واجب وانفراده عن المخلوقات الممكنةغير واجبفنتكلف إضافة الإمكان إليه بهذه الحيلة كما تكلفوه في رد الامتناع إلىذاتهبقلب عبارة الامتناع إلى الوجوب ثم بإضافة الانفراد إليه بنعت الوجوب.

السواد هو في العقل وأما العذر عن السواد والبياض بأنه لانفس له ولا ذات منفرداًإن عني بذلك في الوجود فنعم وإن عني بذلك في العقل فلافإن العقل يعقل السوادالكلي ويحكم عليه بالإمكان في ذاته. وهو في الحق يضافإلى الفاعل وإلى المادة ثمالعذر باطل بالنفوس الحادثة فإن لها ذواتاً مفردةوإمكاناً سابقاً على الحدوث وليسثم ما يضاف إليه. وقولهم: إن المادة ممكن لهاأن يدبرها النفس فهذه إضافة بعيدة.فإن اكتفيتم بهذا فلا يبعد أن يقال: معنىإمكان الحادث أن القادر عليها يمكن فيحقه أن يحدثها فيكون إضافة إلى الفاعل معأنه ليس منطبعاً فيه كما أنه إضافة إلىالبدن المنفعل مع أنه لا ينطبع فيه. ولافرق بين النسبة إلى الفاعل والنسبة إلىالمنفعل إذا لم يكن انطباع في الموضعين.قولهم: قابلتم الإشكالات بالإشكالات فإنقيل: فقد عولتم في جميع الاعتراضاتعلى مقابلة الإشكالات بالإشكالات ولم تحلوا ماأوردوه من الإشكال قولنا:المعارضة تبين فساد الكلام قلنا: المعارضة تبين فسادالكلام لا محالة وينحلوجه الإشكال في تقدير المعارضة والمطالبة. ونحن لم نلتزم فيهذا الكتاب إلاتكدير مذهبهم والتغبير في وجوه أدلتهم بما نبين تهافتهم. ولم نتطرقالذب عنمذهب معين فلم نخرج لذلك عن مقصود الكتاب ولا نستقصي القول في الأدلةالدالةعلى الحدث إذ غرضنا إبطال دعواهم معرفة القدم.
إثبات المذهب الحق يكون في كتاب قواعد العقائد وأما إثباتالمذهب الحق فسنصنف فيهكتاباً بعد الفراغ من هذا إن ساعد التوفيق إن شاء اللهونسميه قواعد العقائدونعتني فيه بالإثبات كما اعتنينا في هذا الكتاب بالهدموالله أعلم. هذه المسألة فرعالأولى... ليعلم أن هذه المسألة فرع الأولى فإنالعالم عندهم كما أنه أزلي لابداية لوجوده فهو أبدي لا نهاية لآخره ولا يتصورفساده وفناؤه بل لم يزل كذلك ولايزال أيضاً كذلك. والأدلة الأربعة التي ذكرتلا تزال جارية وأدلتهم الأربعة التيذكرناها في الأزلية جارية في الأبديةوالاعتراض كالاعتراض من غير فرق. فإنهميقولون: إن العالم معلول علته أزليةأبدية فكان المعلول مع العلة. ويقولون: إذا لمتتغير العلة لم يتغير المعلول.وعليه بنوا منع الحدوث وهو بعينه جار في الانقطاع.وهذا مسلكهم الأول. الدليلالأول والمسلك الثاني ومسلكهم الثاني أن العالم إذا عدمفيكون عدمه بعد وجودهفيكون له بعد ففيه إثبات الزمان. الدليل الأول والمسلكالثالث وهو فاسد لأنه لايستحيل بقاء العالم أبداً: ويعرف الواقع من الشرع ومسلكهمالثالث إن إمكانالوجود لا ينقطع. فكذلك الوجود الممكن يجوز أن يكون على وفقالإمكان. إلا أنهذا الدليل لا يقوى فإنا نحيل أن يكون أزلياً ولا نحيل أن يكونأبدياً لو أبقاهالله تعالى أبد إذاً ليس من ضرورة الحادث أن يكون له آخر ومنضرورة الفعل أنيكون حادثاً وأن يكون له أول. ولم يوجب أن يكون للعالم لا محالة آخرإلا أبوالهذيل العلاف فإنه قال: كما يستحيل في الماضي دورات لا نهاية لها فكذلكفيالمستقبل وهو فاسد لأن كل المستقبل قط لا يدخل في الوجود لا متلاحقاً ولامتساوقاً والماضي قد دخل كله في الوجود متلاحقاً وإن لم يكن متساوقاً. وإذاتبينأنا لا نبعد بقاء العالم أبداً من حيث العقل بل نجوز بقاءه وإفناءه فإنمايعرفالواقع من قسمي الممكن بالشرع فلا يتعلق النظر فيه بالمعقول.
الدليل الأول والمسلك الرابع وأما مسلكهم الرابع فهو جارلأنهم يقولون: إذا عدمالعالم بقي إمكان وجوده إذ الممكن لا ينقلب مستحيلاً وهووصف إضافي. فيفتقر كلحادث بزعمهم إلى مادة سابقة وكل منعدم فيفتقر إلى مادةينعدم عنها. فالمواد والأصوللا تنعدم وإنما تنعدم الصور والأعراض الحالة فيها.الجواب ما سبق ويضاف إليهدليلان آخران والجواب عن الكل ما سبق. الأول دليلجالينوس لا يظهر أن الشمس لاتقبل الانعدام ما تمسك به جالينوس إذ قال: لو كانالشمس مثلاً تقبل الانعدام لظهرفيها ذبول في مدة مديدة والأرصاد الدالة علىمقدارها منذ آلاف سنين لا تدل إلا علىهذا المقدار فلما لم تذبل في هذه الآمادالطويلة دل أنها لا تفسد. الاعتراض منالوجه الأول لعلها تفسد بغير طريقالذبول كما في حال البغتة الاعتراض عليه منوجوه: الأول إن شكل هذا الدليل أنيقال: إن كان الشمس تفسد فلا بد وأن يلحقها ذبوللكن التالي محال فالمقدم محالوهو قياس يسمى عندهم الشرطي المتصل وهذه النتيجة غيرلازمة لأن المقدم غير صحيحما لم يضف إليه شرط آخر وهو قوله: إن كان تفسد فلا بدوأن تذبل فهذا التالي لايلزم هذا المقدم إلا بزيادة شرط وهو أن نقول: إن كان تفسدفساداً ذبولياً فلابد وأن تذبل في طول المدة. أو يبين أنه لا فساد بطريق الذبولحتى يلزم التاليللمقدم. ولا نسلم أنه لا يفسد الشيء إلا بالذبول بل الذبول أحدوجوه الفساد.ولا يبعد أن يفسد الشيء بغتة وهو الاعتراض من الوجه الثاني الفسادلا يظهرللحس الثاني أنه لو سلم له هذا وأنه لا فساد إلا بالذبول فمن أين عرف أنهليسيعتريها الذبول وأما التفاته إلى الأرصاد فمحال لأنها لا تعرف مقاديرها إلابالتقريب. والشمس التي يقال إنها كالأرض مائة وسبعين مرة أو ما يقرب منه لو نقصمنها مقدار جبال مثلاً لكان لا يبين للحس فلعلها في الذبول وإلى الآن قد نقصمقدارجبال وأكثر. والحس لا يقدر على أن يدرك ذلك لأن تقديره في علم المناظر لم يعرف إلا بالتقريب وهذا كماأن الياقوت والذهبمركبان من العناصر عندهم وهي قابلة للفساد ثم لو وضع ياقوتهمائة سنة لم يكن نقصانهمحسوساً فلعل نسبة ما ينقص من الشمس في مدة تاريخالأرصاد كنسبة ما ينقص منالياقوت في مائة سنة. وذلك لا يظهر للحس فدل أن دليلهفي غاية الفساد. وباقي الأدلةليست أكثر قوة وقد أعرضنا عن إيراد أدلة كثيرة منهذا الجنس يستركها العقلاءوأوردنا هذا الواحد ليكون عبرة ومثالاً لما تركناهواقتصرنا على الأدلة الأربعةالتي يحتاج إلى تكلف في حل شبهها كما الثانيالدليل الثاني: لا يعقل سبب معدم... لهم في استحالة عدم العالم أن قالوا:العالم لا تنعدم جواهره لأنه لا يعقل سببمعدم له وما لم يكن منعدماً ثم انعدمفلا بد وأن يكون بسبب وذلك السبب لا يخلوا إمامن أن يكون إرادة القديم وهومحال لأنه إذا لم يكن مريداً لعدمه ثم صار مريداً فقدتغير أو يؤدي إلى أن يكونالقديم وإرادته على نعت واحد في جميع الأحوال والمراديتغير من العدم إلىالوجود ثم من الوجود إلى العدم. وما ذكرناه من استحالة وجودحادث بإرادة قديمةيدل على استحالة العدم.
ولا فعله فإن الأقوال بهذا الأمر باطلة ويزيد هاهنا إشكالآخر أقوى من ذلك وهو أنالمراد فعل المريد لا محالة وكل من لم يكن فاعلاً ثمصار فاعلاً فإن لم يتغير هوفي نفسه فلا بد وأن يصير فعله موجوداً بعد أن لميكن موجوداً. فإنه لو بقي كما كانإذ لم يكن له فعل والآن أيضاً لا فعل له فإذنلم يفعل شيئاً. والعدم ليس بشيء فكيفيكون فعلاً وإذا أعدم العالم وتجدد له فعللم يكن فما ذلك الفعل أهو وجود العالموهو محال إذا انقطع الوجود أو فعله عدمالعالم وعدم العالم ليس بشيء حتى يكونفعلاً فإن أقل درجات الفعل أن يكونموجوداً وعدم العالم ليس شيئاً موجوداً حتىيقال: هو الذي فعله الفاعل وأوجدهالموجد. ولإشكال هذا زعموا: افترق المتكلمون فيالتقصي عن هذا أربع فرق وكلفرقة اقتحمت محالاً. قول المعتزلة بخلق الفناء... أماالمعتزلة فإنهم قالوا:فعله الصادر منه موجود وهو الفناء يخلقه لا في محل فينعدمكل العالم دفعة واحدةوينعدم الفناء المخلوق بنفسه حتى لا يحتاج إلى فناء آخرفيتسلسل إلى غير نهاية.وهو فاسد من وجوده أحدها أن الفناء ليس موجوداً معقولاًحتى يقدر خلقه ثم إنكان موجوداً فلم ينعدم بنفسه من غير معدم ثم لم يعدم العالمفإنه إن خلق في ذاتالعالم وحل فيه فهو محال لأن الحال يلاقي المحلول فيجتمعان ولوفي لحظة فإذاجاز اجتماعهما لم يكن ضداً فلم يفنه. وإن خلقه لا في العالم ولا فيمحل فمن أينيضاد وجوده وجود العالم ثم في هذا المذهب شناعة أخرى وهو أن الله لايقدر علىإعدام بعض جواهر العالم دون بعض بل لا يقدر إلا على إحداث فناء يعدمالعالم كلهلأنها إذا لم تكن في محل كان نسبتها إلى الكل على وتيرة.
الفرقةالثانيةالكرامية حيث قالوا: إن فعله الإعدام والإعدام عبارة عن موجود يحدثه فيذاتهتعالى عن قولهم فيصير العالم به معدوماً. وكذلك الوجود عندهم بإيجاد يحدثه فيذاته فيصير الموجود به موجوداً. وهذا أيضاً فاسد إذ فيه كون القديم محل الحوادثثمخروج عن المعقول إذ لا يعقل من الإيجاد إلا وجود منسوب إلى إرادة وقدرة.فإثباتشيء آخر سوى الإرادة والقدرة ووجود المقدور وهو العالم لا يعقل وكذىالإعدام. وقولالأشعرية بعدم خلق البقاء...
الفرقة الثالثة الأشعرية إذ قالوا: أما الأعراض فإنها تفنىبأنفسها ولا يتصوربقاءها لأنه لو تصور بقاءها لما تصور فناؤها لهذا المعنى.وأما الجواهر فليستباقية بأنفسها ولكنها باقية ببقاء زائد على وجودها فإذا لميخلق الله البقاء انعدملعدم المبقى. وهو أيضاً فاسد لما فيه من مناكرة المحسوسفي أن السواد لا يبقىوالبياض كذلك وأنه متجدد الوجود والعقل ينبوا عن هذا كماينبوا عن قول القائل: إنالجسم متجدد الوجود في كل حالة والعقل القاضي بأنالشعر الذي على رأس الإنسان فييوم هو الشعر الذي كان بالأمس لا مثله يقضيأيضاً به في سواد الشعر. ثم فيه إشكالآخر وهو أن الباقي إذا بقي ببقاء فيلزمأن تبقى صفات الله ببقاء. وذلك وقول الفرقةالرابعة بعدم خلق الحركة أو السكونوالفرقة الرابعة طائفة أخرى من الأشعرية إذقالوا: إن الأعراض تفنى بأنفسهاوأما الجواهر فإنها تفنى بأن لا يخلق الله فيهاحركة ولا سكوناً ولا اجتماعاًولا افتراقاً فيستحيل أن يبقى جسم ليس بساكن ولامتحرك فينعدم. وكأن فرقتيالأشعرية مالوا إلى أن الإعدام ليس بفعل إنما هو كف عنالفعل لما لم يعقلوا كونالعدم فعلاً. وإذا بطلت هذه الطرق لم يبق وجه للقول بجوازإعدام العالم. وقولهمباستحالة انعدام النفس الحادثة... هذا لو قيل بأن العالمحادث فإنهم معتسليمهم حدوث النفس الإنسانية يدعون استحالة انعدامها بطريق يقربمما ذكرناه.

وباستحالة انعدام كل قائم بنفسه وبالجملة عندهم كل قائمبنفسه لا في محل لا يتصورانعدامه بعد وجوده سواء كان قديماً أو حادثاً. وإذاقيل لهم: مهما أغلي النار تحتالماء انعدم الماء قالوا لم ينعدم ولكن انقلببخاراً ثم ماء. فالمادة وهي الهيولىباقية في الهواء وهي المادة التي كانتلصورة الماء وإنما خلعت الهيولى صورةالمائية ولبست صورة الهوائية. وإذا أصابالهواء برد كثف وانقلب ماء لا من مادةتجددت بل المواد مشتركة بين العناصروإنما يتبدل عليها صورها. الجواب: الإعدامبإرادة الله الذي أجدالعدم والجواب: أن ما ذكرتموه من الأقسام وإن أمكن أن نذبعن كل واحد ونبين أنإبطاله على أصلكم لا يستقيم لاشتمال أصولكم على ما هو من جنسهولكنا لا نطول بهونقتصر على قسم واحد ونقول: بم تنكرون على من يقول: الإيجادوالإعدام بإرادةالقادر فإذا أراد الله أوجد وإذا أراد أعدم وهذا معنى كونه قادراًعلى الكمالوهو في جملة ذلك لا يتغير في نفسه وإنما يتغير الفعل. وأما قولكم: إنالفاعل لابد وأن يصدر منه فعل فما الصادر منه قلنا: الصادر منه ما تجدد وهو العدمإذ لميكن عدم ثم تجدد العدم فهو الصادر عنه. قولهم: العدم ليس بشيء فإن قلتم:إنهليس بشيء فكيف صدر منه قولنا: هو واقع فهو معقول... قلنا: وهو ليس بشيء فكيفوقع وليس معنى صدوره منه إلا أن ما وقع مضاف إلى قدرته فإذا عقل وقوعه لم لاتعقلإضافته إلى القدرة وما الفرق بينهم وبين من ينكر طريان العدم أصلاً علىالأعراضوالصور ويقول: العدم ليس بشيء فكيف يطرى وكيف يوصف بالطريان والتجددولا نشك في أنالعدم يتصور طريانه على الأعراض فالموصوف بالطريان معقول وقوعهسمى شيئاً أو لميسم فإضافة ذلك الواقع المعقول إلى قدرة القادر أيضاً معقول.

لا يقع العدم بل أضداد الطريان فإن قيل: هذا إنما يلزم علىمذهب من يجوز عدم الشيءبعد وجوده فيقال له: ما الذي طرى وعندنا لا ينعدم الشيءالموجود وإنما معنى انعدامالأعراض طريان أضدادها التي هي موجودات لا طريانالعدم المجرد الذي ليس بشيء فإنما ليس بشيء كيف يوصف بالطريان فإذا ابيض الشعرفالطاري هو البياض فقط وهو موجودولا نقول الطاري هو عدم السواد. قولنا: يقعالعدم وهذا فاسد من وجهين: أحدهما أنطريان البياض هل تضمن عدم السواد أم لافإن قالوا: لا فقد كابروا المعقول. وإنقالوا: نعم فالمتضمن غير المتضمن أمعينه فإن قالوا: هو عينه كان متناقضاً إذالشيء لا يتضمن نفسه. وإن قالوا غيرهفذلك الغير معقول أم لا فإن قالوا: لا قلنا:فبم عرفتم أنه متضمن والحكم عليهبكونه متضمناً اعتراف بكونه معقولاً. وإن قالوا:نعم فذلك المتضمن المعقول وهوعدم السواد قديم أو حادث. فإن قالوا: قديم فهو محال.وإن قالوا: حادث فالموصوفبالحدوث كيف لا يكون معقولاً وإن قالوا: لا قديم ولاحادث فهو محال لأنه قبلطريان البياض لو قيل: السواد معدوم كان كذباً وبعده إذاقيل: إنه معدوم كانصدقاً فهو طار لا محالة. فهذا الطاري معقول فيجوز أن يكونمنسوباً إلى قدرةقادر.
الحركة وما إليها تنعدم دون وقوع أضدادها الوجه الثاني أنمن الأعراض ما ينعدمعندهم لا بضده فإن الحركة لا ضد لها وإنما التقابل بينهماوبين السكون عندهم تقابلالملكة والعدم أي تقابل الوجود والعدم ومعنى السكونعدم الحركة. فإذا عدمت الحركةلم يطر سكون هو ضده بل هو عدم محض وكذلك الصفاتالتي هي من قبيل الاستكمال كانطباعأشباح المحسوسات في الرطوبة الجليدية منالعين بل انطباع صور المعقولات في النفسفإنها ترجع إلى استفتاح وجود من غيرزوال ضده وإذا عدم كان معناها زوال الوجود منغير استعقاب ضده. فزوالها عبارةعن عدم محض قد طرى فعقل قدرة القادر في إمكانها أنتحدث العدم كما تحدثالوجود. فتبين بهذا أنه مهما تصور وقوع حادث بإرادة قديمة لميفترق الحال بينأن يكون الواقع عدماً أو وجوداً. مسألة في بيان تلبيسهم بقولهم إنالله فاعلالعالم وصانعه وأن العالم صنعه وفعله وبيان أن ذلك مجاز عندهم وليسبحقيقتهقولنا: لا يتصور على مساق أصلهم أن يكون العالم من صنع الله وقد اتفقتالفلاسفة سوى الدهرية على أن للعالم صانعاً وأن الله هو صانع العالم وفاعله وأنالعالم فعله وصنعه وهذا تلبيس على أصلهم. بل لا يتصور على مساق أصلهم أن يكونالعالم من صنع الله من ثلاثة أوجه: وجه في الفاعل ووجه في الفعل ووجه في نسبةمشتركة بين الفعل والفاعل.
خبالهم من ثلاثة وجوه أما الذي في الفاعل فهو أنه لا بد وأنيكون مريداً مختاراًعالماً بما يريده حتى يكون فاعلاً لما يريده. والله تعالىعندهم ليس مريداً بل لاصفة له أصلاً وما يصدر عنه فيلزم منه لزوماً ضرورياً.والثاني أن العالم قديموالفعل هو الحادث. والثالث أن الله واحد عندهم من كلوجه والواحد لا يصدر منهعندهم إلا واحد من كل وجه والعالم مركب من مختلفاتفكيف يصدر عنه في الفاعل: تقولونأن العالم من الله باللزوم... ولنحقق وجه كلواحد من هذه الوجوه الثلاثة مع خبالهمفي دفعه. الأول فنقول: الفاعل عبارة عمنيصدر منه الفعل مع الإرادة للفعل على سبيلالاختيار ومع العلم بالمراد. وعندكمأن العالم من الله كالمعلول من العلة يلزملزوماً ضرورياً لا يتصور من اللهدفعه لزوم الظل من الشخص والنور من الشمس وليسهذا من الفعل في شيء. ولا يقالالفاعل فاعلاً إلا على وجه الإرادة والاختيار بل منقال إن السراج يفعل الضوءوالشخص يفعل الظل فقد جازف وتوسع في التجوز توسعاًخارجاً من الحد واستعاراللفظ اكتفاء بوقوع المشاركة بين المستعار له والمستعار عنهفي وصف واحد وهو أنالفاعل سبب على الجملة والسراج سبب الضوء والشمس سبب النور.ولكن الفاعل لم يسمفاعلاً صانعاً بمجرد كونه سبباً بل بكونه سبباً على وجه مخصوصوهو على وجهالإرادة والاختيار حتى لو قال القائل: الجدار ليس بفاعل والحجر ليسبفاعلوالجماد ليس بفاعل وإنما الفعل للحيوان لم ينكر ذلك ولم يكن قوله كاذباً.وللحجر فعل عندهم وهو الهوى والثقل والميل إلى المركز كما أن للنار فعلاً وهوالتسخين وللحائط فعل وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل فإن كل ذلك صادر منه وهذامحال. قولهم: الفعل جنسان... فإن قيل: كل موجود ليس واجب الوجود بذاته بل هوموجود بغيره فإنا نسمي ذلك الشيء مفعولاً ونسمي سببه فاعلاً ولا نبالي كانالسببفاعلاً بالطبع أو بالإرادة كما أنكم لا تبالون أنه كان فاعلاً بآلة أوبغير آلة.بل الفعل جنس وينقسم إلى ما يقع بآلة وإلى ما يقع بغير آلة فكذلك هو جنس وينقسم إلى ما يقع بالطبع وإلى ما يقع بالاختيار.ويقال: " فعل " بالطبعوالاختيار بدليل أنا إذا قلنا " فعل " بالطبع لم يكنقولنا " بالطبع " ضداًلقولنا " فعل " ولا دفعاً ونقضاً له بل كان بياناً لنوعالفعل كما إذا قلنا " فعل "مباشرة بغير آلة لم يكن نقضاً بل كان تنويعاًوبياناً. وإذا قلنا " فعل "بالاختيار لم يكن تكراراً مثل قولنا: حيوان إنسانبل كان بياناً لنوع الفعل كقولنا " فعل " بآلة. ولو كان قولنا " فعل " يتضمنالإرادة وكانت الإرادة ذاتية للفعل منحيث أنه فعل لكان قولنا " فعل " بالطبعمتناقضاً كقولنا فعل وما فعل. قولنا:الجماد لا فعل له... قلنا: هذه التسميةفاسدة ولا يجوز أن يسمى كل سبب بأي وجه كانفاعلاً ولا كل مسبب مفعولاً. ولوكان كذلك لما صح أن يقال الجماد لا فعل له وإنماالفعل للحيوان وهذه من الكلماتالمشهورة الصادقة. إلا بالاستعادة فإن سمى الجمادفاعلاً فبالاستعارة كما قديسمى طالباً مريداً على سبيل المجاز إذ يقال الحجر يهوىلأنه يريد المركزويطلبه والطلب والإرادة حقيقية لا يتصور إلا مع العلم بالمرادالمطلوب ولايتصور إلا من الحيوان.
فالفعل يتضمن الإرادة وأما قولكم: إن قولنا " فعل " عاموينقسم إلى ما هو بالطبعوإلى ما هو بالإرادة غير مسلم وهو كقول القائل: قولنا " أراد " عام وينقسم إلى منيريد مع العلم بالمراد وإلى من يريد ولا يعلم مايريد وهو فاسد إذ الإرادة تتضمنالعلم بالضرورة فكذلك الفعل يتضمن الإرادةبالضرورة. وأما قولكم: إن قولنا " فعل "بالطبع ليس بنقض للأول فليس كذلك فإنهنقض له من حيث الحقيقة ولكن لا يسبق إلىالفهم التناقض ولا يشتد نفور الطبع عنهلأنه يبقى مجازاً فإنه لما أن كان سبباًبوجه ما والفاعل أيضاً سبب سمي فعلاًمجازاً. الفعل بالاختيار حقيقة هو فعل حقيقيوإذا قال " فعل " بالاختيار فهوتكرير على التحقيق كقوله " أراد " وهو عالم بماأراده. إلا أنه لما تصور أنيقال " فعل " وهو مجاز ويقال " فعل " وهو حقيقة لمتنفر النفس عن قوله " فعل "بالاختيار وكان معناه فعل فعلاً حقيقياً لا مجازياًكقول القائل: تكلم بلسانهونظر بعينه فإنه لما جاز أن يستعمل النظر في القلب مجازاًوالكلام في تحريكالرأس واليد حتى يقال قال برأسه أي نعم لم يستقبح أن يقال: قالبلسانه ونظربعينه ويكون معناه نفي احتمال المجاز. فهذا مزلة القدم فليتنبه لمحلانخداعهؤلاء الأغبياء. قولهم: يقال النار تحرق فإن قيل: تسمية الفاعل فاعلاًإنمايعرف من اللغة وإلا فقد ظهر في العقل أن ما يكون سبباً للشيء ينقسم إلى مايكونمريداً وإلى ما لا يكون. ووقع النزاع في أن اسم الفعل على كلى القسمين حقيقةأملا ولا سبيل إلى إنكاره إذ العرب تقول: النار تحرق والسيف يقطع والثلج يبردوالسقمونيا تسهل والخبز يشبع والماء يروي. وقولنا " يضرب " معناه يفعل الضربوقولنا " تحرق " معناه تفعل الاحتراق وقولنا " يقطع " معناه يفعل القطع. فإنقلتم:إن كل ذلك مجاز كنتم متحكمين فيه من غير مستند. قولنا: من ألقى إنساناًفي نارفمات هو القاتل دون النار... والجواب أن كل ذلك بطريق المجاز وإنماالفعل الحقيقيما يكون بالإرادة. والدليل عليه أنا لو فرضنا حادثاً توقف فيحصوله على أمرينأحدهما إرادي والآخر غير إرادي أضاف العقل الفعل إلى الإرادي.وكذى اللغة فإن منألقى إنساناً في نار فمات يقال: هو القاتل دون النار حتى إذا قيل: ما قتله إلا فلان صدق قائله. لأنه مختار فإنكان اسم الفاعل علىالمريد وغير المريد على وجه واحد لا بطريق كون أحدهما أصلاًوكون الآخر مستعاراًمنه فلم يضاف القتل إلى المريد لغة وعرفاً وعقلاً مع أنالنار هي العلة القريبة فيالقتل وكأن الملقى لم يتعاط إلا الجمع بينه وبينالنار. ولكن لما أن كان الجمعبالإرادة وتأثير النار بغير إرادة سمي قاتلاً ولمتسم النار قاتلاً إلا بنوع منالاستعارة. فدل أن الفاعل من صدر الفعل عن إرادتهوإذا لم يكن الله مريداً عندهمولا مختاراً لفعل لم يكن صانعاً ولا فاعلاًقولهم: نعني بكون الله فاعلاً أنالعالم قوامه به فإن قيل: نحن نعني بكون اللهفاعلاً أنه سبب لوجود كل موجود سواهوأن العالم قوامه به ولولا وجود البارئ لماتصور وجود العالم ولو قدر عدم البارئلانعدم العالم كما لو قدر عدم الشمسلانعدم الضوء. فهذا ما نعنيه بكونه فاعلاً فإنكان الخصم يأبى أن يسمي هذاالمعنى فعلاً فلا مشاحة في الأسامي بعد ظهور المعنى.قولنا: لا تقولوا إن الله " صانع " العالم قلنا: غرضنا أن نبين أن هذا المعنى لايسمى فعلاً وصنعاًوإنما المعنى بالفعل والصنع ما يصدر عن الإرادة حقيقية. وقدنفيتم حقيقة معنىالفعل ونطقتم بلفظه تجملاً بالإسلاميين ولا يتم الدين بإطلاقالألفاظ الفارغةعن المعاني. فصرحوا بأن الله لا فعل له حتى يتضح أن معتقدكم مخالفلدينالمسلمين. ولا تلبسوا بأن الله صانع العالم وأن العالم صنعه فإن هذه لفظةأطلقتموها ونفيتم حقيقتها ومقصود هذه المسألة الكشف عن هذا التلبيس فقط.
الثاني إن كان العالم موجوداً فلا يمكن إيجاده في إبطال كونالعالم فعلاً لله علىأصلهم بشرط في الفعل وهو أن الفعل عبارة عن الأحداثوالعالم عندهم قديم وليس بحادثومعنى الفعل إخراج الشيء من العدم إلى الوجودبإحداثه. وذلك لا يتصور في القديم إذالموجود لا يمكن إيجاده. فإذن شرط الفعلأن يكون حادثاً والعالم قديم عندهم فكيفيكون فعلاً لله قولهم: الوجود متعلقبالفاعل... فإن قيل: معنى الحادث موجود بعدعدم فلنبحث أن الفاعل إذا أحدث كانالصادر منه المتعلق به الوجود المجرد أو العدمالمجرد أو كلاهما. وباطل أنيقال: إن المتعلق به العدم السابق إذ لا تأثير للفاعلفي العدم وباطل أن يقال:كلاهما إذ بان أن العدم لا يتعلق به أصلاً وأن العدم فيكونه عدماً لا يحتاجإلى فاعل البتة فبقي أنه متعلق به من حيث أنه موجود وأنالصادر منه مجرد الوجودوأنه لا نسبة إليه إلا الوجود. فإن فرض الوجود دائماً فرضتالنسبة دائمة وإذادامت هذه النسبة كان المنسوب إليه أفعل وأدوم تأثيراً لأنه لميتعلق العدمبالفاعل بحال.
لا سبق العدم وإن كان مشترطاً به فبقي أن يقال: إنه متعلقبه من حيث أنه حادث ولامعنى لكونه حادثاً إلا أنه وجود بعد عدم والعدم لميتعلق به فإن جعل سبق العدم وصفالوجود وقيل: المتعلق به وجود مخصوص لا كل وجودوهو وجود مسبوق بالعدم فيقال: كونهمسبوقاً بالعدم ليس من فعل فاعل وصنع صانعفإن هذا الوجود لا يتصور صدوره من فاعلهإلا والعدم سابق عليه وسبق العدم ليسبفعل الفاعل. فكونه مسبوق العدم ليس بفعلالفاعل فلا تعلق له به. فاشتراطه فيكونه فعلاً اشتراط ما لا تأثير للفاعل فيهبحال. وأما قولكم: إن الموجود لايمكن إيجاده إن عنيتم به أنه لا يستأنف له وجود بعدعدم فصحيح. لا إيجاد إلالموجود وإن عنيتم به أنه في حال كونه موجوداً لا يكونموجداً فقد بينا أنه يكونموجداً في حال كونه موجوداً لا في حال كونه معدوماً.فإنه إنما يكون الشيءموجداً إذا كان الفاعل موجداً ولا يكون الفاعل موجداً في حالالعدم بل في حالوجود الشيء منه. والإيجاد مقارن لكون الفاعل موجداً وكون المفعولموجداً لأتهعبارة عن نسبة الموجد إلى الموجد وكل ذلك مع الوجود لا قبله. فإذن لاإيجاد إلالموجود إن كان المراد بالإيجاد النسبة التي بها يكون الفاعل موجداًوالمفعولموجداً. قالوا: ولهذا قضينا بأن العالم فعل الله أزلاً وأبداً وما من حالإلاوهو فاعل له لأن المرتبط بالفاعل الوجود فإن دام الارتباط دام الوجود وإنانقطعانقطع لا كما تخيلتموه من أن البارئ لو قدر عدمه لبقى العالم إذ ظننتم أنهكالبناء مع البناء فإنه ينعدم ويبقى البناء فإن بقاء البناء ليس بالباني بل هوباليبوسة الممسكة لتركيبه إذ لو لم يكن فيه قوة ماسكة كالماء مثلاً لم يتصوربقاءالشكل الحادث بفعل الفاعل فيه. قولنا: الفعل يتعلق بالفاعل من حيثحدوثه... والجواب: إن الفعل يتعلق بالفاعل من حيث حدوثه لا من حيث عدمهالسابق ولا من حيثكونه موجوداً فقط فإنه لا يتعلق به في ثاني حال الحدوث عندناوهو موجود بل يتعلقبه في حال حدوثه من حيث أنه حدوث وخروج من العدم إلى الوجودفإن نفى منه معنىالحدوث لم يعقل كونه فعلاً ولا تعلقه بالفاعل.
ولا يتعلق به سبق العدم وقولكم: إن كونه حادثاً يرجع إلىكونه مسبوقاً بالعدموكونه مسبوقاً بالعدم ليس من فعل الفاعل وجعل الجاعل فهوكذلك لكنه شرط في كونالوجود فعل الفاعل أعني كونه مسبوقاً بالعدم. فالوجودالذي ليس مسبوقاً بعدم بل هودائم لا يصلح لأن يكون فعل الفاعل وليس كل مايشترط في كون الفعل فعلاً ينبغي أنيكون بفعل الفاعل فإن ذات الفاعل وقدرتهوإرادته وعلمه شرط في كونه وليس ذلك منأثر الفعل ولكن لا يعقل فعل إلا منموجود فكان وجود الفاعل شرطاً وإرادته وقدرتهوعلمه ليكون فاعلاً وإن لم يكن منأثر الفاعل. الفعل مع الفاعل كالماء مع اليد فيتحريك الماء فإن قيل: إناعترفتم بجواز كون الفعل مع الفاعل غير متأخر عنه فيلزمأن يكون الفعل حادثاًإن كان الفاعل حادثاً وقديماً إن كان قديماً. وإن شرطتم أنيتأخر الفعل عنالفاعل بالزمان فهذا محال إذ من حرك اليد في قدح ماء تحرك الماء معحركة اليدلا قبله ولا بعده إذ لو تحرك بعده لكان اليد مع الماء قبل تنحيه في حيزواحدولو تحرك قبله لانفصل الماء عن اليد وهو مع كونه معه معلوله وفعل من جهته.فإنفرضنا اليد قديمة في الماء متحركة كانت حركة الماء أيضاً دائمة وهي مع دوامهامعلولة ومفعولة. ولا يمتنع ذلك بفرض الدوام فكذلك نسبة العالم إلى الله. قولنا:يكون الفعل حادثاً! وليس الكلام عن المعلول قلنا: لا نحيل أن يكون الفعل معالفاعل بعد كون الفعل حادثاً كحركة الماء فإنها حادثة عن عدم فجاز أن يكونفعلاً ثمسواء كان متأخراً عن ذات الفاعل أو مقارناً له. وإنما نحيل الفعلالقديم فإن ماليس حادثاً عن عدم فتسميته فعلاً مجاز مجرد لا حقيقة له. وأماالمعلول مع العلةفيجوز أن يكونا حادثين وأن يكونا قديمين كما يقال: إن العلمالقديم علة لكونالقديم عالماً ولا كلام فيه وإنما الكلام فيما يسمى فعلاًومعلول العلة لا يسمى فعلالعلة إلا مجازاً بل ما يسمى فعلاً فشرطه أن يكونحادثاً عن عدم فإن تجوز متجوزبتسمية القديم الدائم الوجود فعلاً لغيره كانمتجوزاً في الاستعارة.
الحركة دائمة الحدوث وقولكم: لو قدرنا حركة الإصبع معالإصبع قديماً دائماً لميخرج حركة الماء عن كونه فعلاً تلبيس لأن الإصبع لافعل له وإنما الفاعل ذو الإصبعوهو المريد ولو قدر قديماً لكانت حركة الإصبعفعلاً له من حيث أن كل جزء من الحركةفحادث عن عدم فبهذا الاعتبار كان فعلاًوأما حركة الماء فقد لا نقول أنه من فعلهبل هو من فعل الله. وعلى أي وجه كانفكونه فعلاً من حيث أنه حادث إلا أنه دائمالحدوث وهو فعل من حيث أنه حادث.قولهم: لا تسمي هذا فعلاً بل معلولاً فإن قيل:فإذا اعترفتم بأن نسبة الفعل إلىالفاعل من حيث أنه موجود كنسبة المعلول إلى العلةثم سلمتم تصور الدوام في نسبةالعلة فنحن لا نعني بكون العالم فعلاً إلا كونهمعلولاً دائم النسبة إلى اللهتعالى فإن لم تسموا هذا فعلاً فلا مضايقة فيالتسميات بعد ظهور المعاني. قولنا:استعمالكم لفظة " فعل " مجاز قلنا: ولا غرض منهذه المسألة إلا بيان أنكمتتجملون بهذه الأسماء من غير تحقيق وأن الله عندكم ليسفاعلاً تحقيقاً ولاالعالم فعله تحقيقاً وأن إطلاق هذا الاسم مجاز منكم لا تحقيقله وقد ظهر هذا.
الثالث لا يكون العالم فعل الله إذا لا يصور من الواحد إلاشيء واحد في استحالةكون العالم فعلاً لله على أصلهم بشرط مشترك بين الفاعلوالفعل وهو أنهم قالوا: لايصدر من الواحد إلا شيء واحد والمبدأ واحد من كل وجهوالعالم مركب من مختلفات فلايتصور أن يكون فعلاً لله بموجب أصلهم. قولهم:بطريق التوسط... فإن قيل: العالمبجملته ليس صادراً من الله بغير واسطة بلالصادر منه موجود واحد هو أول المخلوقاتوهو عقل مجرد أي هو جوهر قائم بنفسهغير متحيز يعرف نفسه ويعرف مبدأه ويعبر عنه فيلسان الشرع بالملك ثم يصدر منهالثالث ومن الثالث رابع وتكثر الموجودات بالتوسط.عن أسباب الكثرة فإن اختلافالفعل وكثرته إما أن يكون لاختلاف القوى الفاعلة كماأنا نفعل بقوة الشهوة خلافما نفعل بقوة الغضب وإما أن يكون لاختلاف المواد كما أنالشمس تبيض الثوبالمغسول وتسود وجه الإنسان وتذيب بعض الجواهر وتصلب بعضها وإمالاختلاف الآلاتكالنجار الواحد ينشر بالمنشار وينحت بالقدوم ويثقب بالمثقب وإما أنتكون كثرةالفعل بالتوسط بأن يفعل فعلاً واحداً ثم ذلك الفعل يفعل غيره فيكثرالفعل.والتوسط وحده ممكن وهذه الأقسام كلها محال في المبدأ الأول إذ ليس في ذاتهاختلاف واثنينية وكثرة كما سيأتي في أدلة التوحيد ولا ثم اختلاف مواد فإنالكلامفي المعلول الأول والذي هي المادة الأولى مثلاً ولا ثم اختلاف آلة إذ لاموجود معالله في رتبته. فالكلام في حدوث الآلة الأولى فلم يبق إلا أن تكونالكثرة فيالعالم صادرة من الله بطريق التوسط كما سبق. قلنا: فيلزم من هذا أنلا يكون فيالعالم شيء واحد مركب من أفراد بل تكون الموجودات كلها آحاداً وكلواحد معلوللواحد آخر فوقه وعلة لآخر تحته إلى أن ينتهي إلى معلول لا معلول لهكما انتهى فيجهة التصاعد إلى علة لا علة له. وليس كذلك فإن الجسم عندهم مركبمن صورة وهيولى وقدصار باجتماعهما شيئاً واحداً. والإنسان مركب من جسم ونفسليس وجود أحدهما من الآخربل وجودهما جميعاً بعلة أخرى. والفلك عندهم كذلك فإنهجرم ذو نفس لم تحدث النفس بالجرم ولا الجرم بالنفس بل كلاهما صدرامن علة سواهما. حيث يقعالتقاء الواحد والمركب يبطل القول بأن الواحد لا يصدرمنه إلا واحد فكيف وجدت هذهالمركبات أمن علة واحدة فيبطل قولهم: لا يصدر منالواحد إلا واحد أو من علة مركبةفيتوجه السؤال في تركيب العلة إلى أن يلتقيبالضرورة مركب ببسيط. فإن المبدأ بسيطوفي الأواخر تركيب ولا يتصور ذلك إلابالتقاء وحيث يقع التقاء يبطل قولهم إنالواحد لا يصدر منه إلا واحد. قولهم:مذهبنا في انقسام الموجودات... فإن قيل: إذاعرف مذهبنا اندفع الإشكال فإنالموجودات تنقسم إلى ما هي في محال كالأعراض والصوروإلى ما ليست في محال وهذاينقسم إلى ما هي محال لغيرها كالأجسام وإلى ما ليستبمحال كالموجودات التي هيجواهر قائمة بأنفسها وهي تنقسم إلى ما يؤثر في الأجسامونسميها نفوساً وإلى مالا يؤثر في الأجسام بل في النفوس ونسميها عقولاً مجردة.أما الموجودات التي تحلفي المحال كالأعراض فهي حادثة ولها علل حادثة وتنتهي إلىمبدأ هو حادث من وجهدائم من وجه وهي الحركة الدورية وليس الكلام فيها.
القائمة بأنفسها وإنما الكلام في الأصول القائمة بأنفسها لافي محال وهي ثلاثة:أجسام وهي أخسها وعقول مجردة وهي التي لا تتعلق بالأجسام لابالعلاقة الفعلية ولابالانطباع فيها وهي أشرفها ونفوس وهي أوسطها فإنها تتعلقبالأجسام نوعاً من التعلقوهو التأثير والفعل فيها فهي متوسطة في الشرف فإنهاتتأثر من العقول وتؤثر فيالأجسام. ثم الأجسام عشرة تسع سموات والعاشر المادةالتي هي حشو مقعر فلك القمروالسموات التسع حيوانات لها أجرام ونفوس ولها ترتيبفي الوجود كما نذكره. ترتيبالصدور... وهو أن المبدأ الأول فاض من وجوده العقلالأول وهو موجود قائم بنفسهليس بجسم ولا منطبع في جسم يعرف نفسه ويعرف مبدأهوقد سميناه العقل الأول ولا مشاحةفي الأسامي سمي ملكاً أو عقلاً أو ما أريد.ويلزم عن وجوده ثلاثة أمور: عقل ونفسالفلك الأقصى وهي السماء التاسعة وجرمالفلك الأقصى. ثم لزم من العقل الثاني عقلثالث ونفس فلك الكواكب وجرمه ثم لزممن العقل الثالث عقل رابع ونفس فلك زحل وجرمهولزم من العقل الرابع عقل خامسونفس فلك المشتري وجرمه وهكذى حتى انتهى إلى العقلالذي لزم منه عقل ونفس فلكالقمر وجرمه. وأخيراً العقل الفعال والمادة الخ. والعقل الأخير هو الذي يسمىالعقل الفعال ولزم حشو فلك القمر وهي المادة القابلةللكون والفساد من العقلالفعال وطبائع الأفلاك. ثم إن المواد تمتزج بسبب حركاتالكواكب امتزاجات مختلفةيحصل منها المعادن والنبات والحيوان ولا يلزم أن يلزم منكل عقل عقل إلى غيرنهاية لأن هذه العقول مختلفة الأنواع فما ثبت لواحد لا يلزمللآخر.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-07-2012, 02:31 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

في المعلول الأول ثلاثة أشياء فخرج منه أن العقول بعدالمبدأ الأول عشرة والأفلاكتسعة ومجموع هذه المبادئ الشريفة بعد الأول تسعةعشر وحصل منه أن تحت كل عقل منالعقول الأول ثلاثة أشياء: عقل ونفس فلك وجرمهفلا بد وأن يكون في مبدئه تثليث لامحالة ولا يتصور كثرة في المعلول الأول إلامن وجه واحد وهو أنه يعقل مبدأه ويعقلنفسه وهو باعتبار ذاته ممكن الوجود لأنوجوب وجوده بغيره لا بنفسه وهذه معان ثلاثةمختلفة. والأشرف من المعلولاتالثلاثة ينبغي أن ينسب إلى الأشرف من هذه المعانيفيصدر منه العقل من حيث أنهيعقل مبدأه ويصدر نفس الفلك من حيث أنه يعقل نفسهويصدر جرم الفلك من حيث أنهممكن الوجود بذاته. لا يصدر من المبدأ الأول لزوماً إلاواحد فيبقى أن يقال:هذا التثليث من أين حصل في المعلول الأول ومبدؤه واحد فنقول:لم يصدر من المبدأالأول إلا واحد وهو ذات هذا العقل الذي به يعقل نفسه ولزمهضرورة لا من جهةالمبدأ إن عقل المبدأ وهو في ذاته ممكن الوجود وليس له الإمكان منالمبدأ الأولبل هو لذاته. ونحن لا نبعد أن يوجد من الواحد واحد يلزم ذلك المعلوللا من جهةالمبدأ أمور ضرورية إضافية أو غير إضافية فيحصل بسبه كثرة ويصير بذلكمبدألوجود الكثرة. فعلى هذا الوجه يمكن أن يلتقي المركب بالبسيط إذ لا بد منالالتقاء ولا يمكن إلا كذلك فهو الذي يجب الحكم به. فهذا هو القول في تفهيممذهبهم.قولنا: إنها ترهات! والاعتراضات لا تنحصر وإليكم بعضها: قلنا: ماذكرتموه تحكماتوهي على التحقيق ظلمات فوق ظلمات لو حكاه الإنسان عن منام رآهلاستدل به على سوءمزاجه أو أورد جنسه في الفقهيات التي قصارى المطلب فيهاتخمينات لقيل أنها ترهاتلا تفيد غلبات الظنون. ومداخل الاعتراض على مثله لاتنحصر ولكنا نورد وجوهاً معدودة.إن جاز صدور الكثرة عن إمكان الوجود جازصدورها عن وجوب الوجود الأول هو أنا نقول:ادعيتم أن أحد معاني الكثرة فيالمعلول الأول أنه ممكن الوجود فنقول: كونه ممكنالوجود عين وجوده أو غيره فإنكان عينه فلا ينشأ منه كثرة وإن كان غيره فهلا قلتم:في المبدأ الأول كثرة لأنهموجود وهو مع ذلك واجب الوجود فوجوب الوجود غير نفسالوجود فليجز صدور المختلفات منه لهذه الكثرة. وإن قيل: لا معنىلوجوب الوجود إلا الوجودفلا معنى لإمكان الوجود إلا الوجود. فإن قلتم: يمكن أنيعرف كونه موجوداً ولا يعرفكونه ممكناً فهو غيره فكذا واجب الوجود يمكن أنيعرف وجوده ولا يعرف وجوبه إلا بعددليل آخر فليكن غيره. وبالجملة الوجود أمرعام ينقسم إلى واجب وإلى ممكن فإن كانفصل أحد القسمين زائداً على العام فكذىالفصل الثاني ولا فرق. قولهم: إمكان الوجودغير الوجود فإن قيل: إمكان الوجودله من ذاته ووجوده من غيره فكيف يكون ما له منذاته وما له من غيره واحداًقولنا: كذلك وجوب الوجود قلنا: وكيف يكون وجوب الوجودعين الوجود ويمكن أنينفى وجوب الوجود ويثبت الوجود والواحد الحق من كل وجه هوالذي لا يتسع للنفيوالإثبات إذ لا يمكن أن يقال: موجود وليس بموجود أو واجب الوجودوليس بواجبالوجود ويمكن أن يقال: موجود وليس بواجب الوجود كما يمكن أن يقال:موجود وليسبممكن الوجود. وإنما يعرف الوحدة بهذا فلا يستقيم تقدير ذلك في الأول إنصح ماذكروه من أن إمكان الوجود غير الوجود الممكن.
إن جاز صدور الكثرة عن قوة العقل جاز صدورها عن المبدأالأول الاعتراض الثاني هوأن نقول: عقله مبدأه عين وجوده وعين عقله نفسه أمغيره فإن كان عينه فلا كثرة فيذاته إلا في العبارة عن ذاته وإن كان غيره فهذهالكثرة موجودة في الأول فإنه يعقلذاته ويعقل غيره. فإن زعموا أن عقله ذاته عينذاته ولا يعقل ذاته ما لم يعقل أنهمبدأ لغيره فإن العقل يطابق المعقول فيكونراجعاً إلى ذاته. فنقول: والمعلول عقلهذاته عين ذاته فإنه عقل بجوهره فيعقلنفسه والعقل والعاقل والمعقول منه أيضاً واحد.ثم إذا كان عقله ذاته عين ذاتهفليعقل ذاته معلولاً لعلة فإنه كذلك والعقل يطابقالمعقول فيرجع الكل إلى ذاتهفلا كثرة إذن. وإن كانت هذه كثرة فهي موجودة في الأولفليصدر منه المختلفات.ولنترك دعوى وحدانيته من كل وجه إن كانت الوحدانية تزولبهذا النوع من الكثرة.قولهم: الأول لا يعقل إلا ذاته فإن قيل: الأول لا يعقل إلاذاته وعقله ذاته هوعين ذاته فالعقل والعاقل والمعقول واحد ولا يعقل غيره. قولنا:لا والجواب منوجهين: أحدهما أن هذا المذهب لشناعته هجره ابن سينا وسائر المحققينوزعموا أنالأول يعلم نفسه مبدأ لفيضان ما يفيض منه ويعقل الموجودات كلها بأنواعهاعقلاًكلياً لا جزئياً إذ استقبحوا قول القائل: المبدأ الأول لا يصدر منه إلا عقلواحد ثم لا يعقل ما يصدر منه ومعلوله عقل ويفيض منه عقل ونفس فلك وجرم فلكويعقلنفسه ومعلولاته الثلاث وعلته ومبدأه فيكون المعلول أشرف من العلة من حيثأن العلةما فاض منها إلا واحد. وقد فاض من هذا ثلاثة أمور والأول ما عقل إلانفسه وهذا عقلنفسه ونفس المبدأ ونفس المعلولات. ومن قنع أن يكون قوله في اللهراجعاً إلى هذهالرتبة فقد جعله أحقر من كل موجود يعقل نفسه ويعقله فإن مايعقله ويعقل نفسه أشرفمنه إذا كان هو لا يعقل إلا نفسه. أنزلوا الله منزلةالجاهل! هكذا يعامل اللهالمتكبرين فقد انتهى منهم التعمق في التعظيم إلى أنأبطلوا كل ما يفهم من العظمةوقربوا حاله من حال الميت الذي لا خبر له مما يجريفي العالم إلا أنه فارق الميتفي شعوره بنفسه فقط. وهكذى يفعل الله بالزائغين عن سبيله والناكبين لطريق الهدىالمنكرين لقوله: " ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم " " الظانينبالله ظن السوء "المعتقدين أن الأمور الربوبية يستولي على كنهها القوى البشريةالمغرورين بعقولهمزاعمين أن فيها مندوحة عن تقليد الرسل وأتباعهم. فلا ولايعقل المعلول الأول غيرهالجواب الثاني هو أن من ذهب إلى أن الأول لا يعقل إلانفسه إنما حاذر من لزومالكثرة إذ لو قال به للزم أن يقال: عقله غيره غير عقلهنفسه. وهذا لازم في المعلولالأول فينبغي أن لا يعقل إلا نفسه لأنه لو عقلالأول أو غيره لكان ذلك غير ذاتهولافتقر إلى علة غير علة ذاته ولا علة إلا علةذاته وهو المبدأ الأول فينبغي أن لايعلم إلا ذاته وتبطل الكثرة التي نشأت منهذا الوجه. قولهم: يعقل المبدأ فإن قيل:لما وجد وعقل ذاته لزمه أن يعقلالمبدأ. قولنا: لا يلزمه ذلك بعلة وجوده قلنا:لزمه ذلك بعلة أو بغير علة فإنكان بعلة فلا علة إلا المبدأ الأول وهو واحد ولايتصور أن يصدر منه إلا واحدوقد صدر وهو ذات المعلول فالثاني كيف يصدر منه وإن لزمبغير علة فليلزم وجودالأول موجودات بلا علة كثيرة وليلزم منها الكثرة. فإن لميعقل هذا من حيث أنواجب الوجود لا يكون إلا واحداً والزائد على الواحد ممكنوالممكن يفتقر إلى علةفهذا اللازم في حق المعلول. إن كان واجب الوجود بذاته فقدبطل قولهم: واجبالوجود واحد وإن كان ممكناً فلا بد له من علة ولا علة له فلا يعقلوجوده.
ولا بعلة إمكان وجوده وليس هو من ضرورة المعلول الأول لكونهممكن الوجود فإن إمكانالوجود ضروري في كل معلول. أما كون المعلول عالماًبالعلة ليس ضرورياً في وجودذاته كما أن كون العلة عالماً بالمعلول ليس ضرورياًفي وجود ذاته. بل لزوم العلمبالمعلول أظهر من لزوم العلم بالعلة فبان أنالكثرة الحاصلة من علمه بالمبدأ محالفإنه لا مبدأ له وليس هو من ضرورة وجودذات المعلول وهذا أيضاً لا مخرج منه. فيالمعلول الأول أكثر من التثليثالاعتراض الثالث هو أن عقل المعلول الأول ذات نفسهعين ذاته أو غيره. فإن كانعينه فهو محال لأن العلم غير المعلوم وإن كان غيرهفليكن كذلك في المبدأ الأولفيلزم منه كثرة ويلزم فيه تربيع لا تثليث بزعمهم فإنهذاته وعقله مبدأه وإنهممكن الوجود بذاته. ويمكن أن يزاد أنه واجب الوجود بغيرهفيظهر تخميس وبهذايتعرف تعمق هؤلاء في الهوس. الاعتراض الرابع أن نقول: التثليثلا يكفي فيالمعلول الأول فإن جرم السماء الأول لزم عندهم من معنى واحد من ذاتالمبدأ وفيهتركيب من ثلاثة أوجه:
لا بد له من صورة وهيولى أحدها أنه مركب من صورة وهيولىوهكذى كل جسم عندهم. فلابد لكل واحد من مبدأ إذ الصورة تخالف الهيولى. وليستكل واحدة على مذهبهم علةمستقلة للأخرى حتى يكون أحدهما بواسطة الآخر من غيرعلة أخرى زائدة عليه. ومقدار...الثاني أن الجرم الأقصى على حد مخصوص في الكبر.فاختصاصه بذلك القدر من بين سائرالمقادير زائد على وجود ذاته إذ كان ذاتهممكناً أصغر منه وأكبر فلا بد له من مخصصبذلك المقدار زائد على المعنى البسيطالموجب لوجوده لا كوجود العقل فإنه وجود محضلا يختص بمقدار مقابل لسائرالمقادير. فيجوز أن يقال: لا يحتاج إلا إلى علة بسيطة.قولهم: لا غنى عنه فيتحصيل النظام فإن قيل: سببه أنه لو كان أكبر منه لكانمستغنى عنه في تحصيلالنظام الكلي ولو كان أصغر منه لم يصلح للنظام المقصود. فنقول:وتعين جهةالنظام هل هو كاف في وجود ما به النظام أم يفتقر إلى علة موجدة فإن كانكافياًفقد استغنيتم عن وضع العلل فاحكموا بأن كون النظام في هذه الموجودات اقتضىهذهالموجودات بلا علة زائدة وإن كان ذلك لا يكفي بل افتقر إلى علة فذلك أيضاً لايكفي للاختصاص بالمقادير بل يحتاج أيضاً إلى علة التركيب.
خواص القطب الثالث أن الفلك الأقصى انقسم إلى نقطتين هماالقطبان وهما ثابتا الوضعلا يفارقان وضعهما. وأجزاء المنطقة يختلف وضعها فلايخلوا أما إن كان جميع أجزاءالفلك الأقصى متشابهاً فلم لزم تعين نقطتين من بينسائر النقط لكونهما قطبين أوأجزاؤها مختلفة ففي بعضها خواص ليست في البعض فمامبدأ تلك الاختلافات والجرمالأقصى لم يصدر إلا من معنى واحد بسيط والبسيط لايوجب إلا بسيطاً في الشكل وهوالكرى ومتشابهاً في المعنى وهو الخلو عن الخواصالمميزة وهذا أيضاً لا مخرج منه.قولهم: لعل في المبدأ أنواعاً من الكثرة لازمةلا من جهة المبدأ فإن قيل: لعل فيالمبدأ أنواعاً من الكثرة لازمة لا من جهةالمبدأ وإنما ظهر لنا ثلاثة أو أربعةوالباقي لم نطلع عليه وعدم عثورنا علىعينه لا يشككنا في أن مبدأ الكثرة كثرة وأنالواحد لا قولنا: الموجودات كلهاتكون صادرة عن المعلول الأول... قلنا: فإذاجوزتم هذا فقولوا: إن الموجوداتكلها على كثرتها وقد بلغت آلافاً صدرت من المعلولالأول فلا يحتاج أن يقتصر علىجرم الفلك الأقصى ونفسه بل يجوز أن يكون قد صدر منهجميع النفوس الفلكيةوالإنسانية وجميع الأجسام الأرضية والسماوية بأنواع كثرةلازمة فيها لم يطلعواعليها فيقع الاستغناء بالمعلول الأول.
لا بل عن العلة الأولى ثم يلزم منه الاستغناء بالعلة الأولىفإنه إذا جاز تولدكثرة يقال إنها لازمة لا بعلة مع أنها ليست ضرورية في وجودالمعلول الأول جاز أنيقدر ذلك مع العلة الأولى ويكون وجودها لا بعلة ويقال:إنها لزمت ولا يدرى عددهاوكلما تخيل وجودها بلا علة مع الأول تخيل ذلك بلا علةمع الثاني بل لا معنىلقولنا: مع الأول والثاني إذ ليس بينهما مفارقة في زمانولا مكان. فما لا يفارقهمافي مكان وزمان ويجوز أن يكون موجوداً بلا علة لميختص أحدهما بالإضافة إليه.قولهم: يبعد أن يبلغ الألف في المعلول الأول فإنقيل: لقد كثرت الأشياء حتى زادتعلى ألف ويبعد أن تبلغ الكثرة في المعلول إلىهذا الحد فلذلك أكثرنا الوسائط.قولنا: ولماذا قلنا: قول القائل: " يبعد " هذارجم ظن لا يحكم به في المعقولات إلاأن يقول: إنه يستحيل. فنقول: لم يستحيل وماالمرد والفيصل مهما جاوزنا الواحدواعتقدنا أنه يجوز أن يلزم المعلول الأول لامن جهة العلة لازم واثنان وثلث فماالمحيل لأربع وخمس وهكذى إلى الألف وإلا فمنيتحكم بمقدار دون مقدار فليس بعدمجاوزة مرد الواحد وهذا أيضاً قاطع. عن تلكالكواكب صدر المعلول الثاني... ثمنقول: هذا باطل بالمعلول الثاني فإنه صدرمنه فلك الكواكب وفيه ألف ونيف ومئتاكوكب وهي مختلفة العظم والشكل والوضعواللون والتأثير والنحوسة والسعادة فبعضها علىصورة الحمل والثور والأسد وبعضهاعلى صورة الإنسان ويختلف تأثيرها في محل واحد منالعالم السفلي في التبريدوالتسخين والسعادة والنحوس وتختلف مقاديرها في ذاتها.
ففيه أنواع من العلل فلا يمكن أن يقال: الكل نوع واحد معهذا الاختلاف ولو جاز هذاأن يقال: كل أجسام العالم نوع واحد في الجسميةفيكفيها علة واحدة. فإن كان اختلافصفاتها وجواهرها وطبائعها دل على اختلافهافكذى الكواكب مختلفة لا محالة ويفتقر كلواحد إلى علة لصورته وعلة لهيولاه وعلةلاختصاصه بطبيعته المسخنة أو المبردة أوالمسعدة أو المنحسة ولاختصاصه بموضعهثم لاختصاص جملها بأشكال البهائم المختلفة.وهذه الكثرة إن تصور أن تعقل فيالمعلول الثاني تصور في الأول ووقع الاستغناء. إنبيان العلل التي ذكرتموهالمما يضحك منها الاعتراض الخامس هو أنا نقول: سلمنا هذهالأوضاع الباردةوالتحكمات الفاسدة ولكن كيف لا تستحيون من قولكم: إن كون المعلولالأول ممكنالوجود اقتضى وجود جرم الفلك الأقصى منه وعقله نفسه اقتضى وجود نفسالفلك منهوعقله الأول يقتضي وجود عقل منه وما الفصل بين هذا وبين قائل عرف وجودإنسانغائب وأنه ممكن الوجود وأنه يعقل نفسه وصانعه فقال: يلزم من كونه ممكنالوجودوجود فلك فيقال: وأي مناسبة بين كونه ممكن الوجود وبين وجود فلك منه وكذلكيلزممن كونه عاقلاً لنفسه ولصانعه شيئان آخران. وهذا إذا قيل في إنسان ضحك منهفكذىفي موجود آخر إذ إمكان الوجود قضية لا تختلف باختلاف ذات الممكن إنساناً كانأوملكاً أو فلكاً. فلست أدري كيف يقنع المجنون في نفسه بمثل هذه الأوضاع فضلاً منالعقلاء الذين يشقون الشعر بزعمهم في المعقولات. اعتراض: فماذا تقولونأنتم فإنقال قائل: فإذا أبطلتم مذهبهم فماذى تقولون أنتم أتزعمون أنه يصدر منالشيء الواحدمن كل وجه شيئان مختلفان فتكابرون المعقول أو تقولون: المبدأالأول فيه كثرةفتتركون التوحيد أو تقولون لا كثرة في العالم فتنكرون الحس أوتقولون: لزمتبالوسائط فتضطرون إلى الاعتراف بما قالوه قولنا: ليس من غيرالمعقول أن يصدر اثنانمن واحد وهذا ما ورد به الأنبياء قلنا: نحن لم نخض فيهذا الكتاب خوض ممهد وإنماغرضنا أن نشوش دعاويهم وقد حصل.
على أنا نقول: ومن زعم أن المصير إلى صدور اثنين من واحدمكابرة المعقول أو اتصافالمبدأ بصفات قديمة أزلية مناقض للتوحيد فهاتان دعوتانباطلتان لا برهان لهمعليهما فإنه ليس يعرف استحالة صدور الاثنين من واحد كمايعرف استحالة كون الشخصالواحد في مكانين وعلى الجملة لا يعرف بالضرورة ولابالنظر. وما المانع من أنيقال: المبدأ الأول عالم قادر مريد يفعل ما يشاءويحكم ما يريد يخلق المختلفاتوالمتجانسات كما يريد وعلى ما يريد فاستحالة هذالا يعرف بضرورة ولا نظر وقد وردبه الأنبياء المؤيدون بالمعجزات فيجب قبوله.البحث عن الكيفية من الفضول وأما البحثعن كيفية صدور الفعل من الله بالإرادةففضول وطمع في غير مطمع. والذين طمعوا فيطلب المناسبة ومعرفته رجع حاصل نظرهمإلى أن المعلول الأول من حيث أنه ممكن الوجودصدر منه فلك ومن حيث أنه يعقلنفسه صدر منه نفس الفلك وهذه حماقة لا إظهار مناسبة.فلتتقبل مبادئ هذه الأمورمن الأنبياء! فلتتقبل مبادئ هذه الأمور من الأنبياءوليصدقوا فيها إذ العقل لايحيلها وليترك البحث عن الكيفية والكمية والماهية. فليسذلك يتسع له القوىالبشرية ولذلك قال صاحب الشرع: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروافي ذات الله.قولنا: يقولون إن صانع العالم قديم فنقول: الناس فرقتان: فرقة أهلالحق وقدرأوا أن العالم حادث وعلموا ضرورة أن الحادث لا يوجد بنفسه فافتقر إلىصانعفيعقل مذهبهم في القول بالصانع وفرقة أخرى هم الدهرية وقد رأوا العالم قديماًكما هو عليه ولم يثبتوا له صانعاً ومعتقدهم مفهوم وإن كان الدليل يدل علىبطلانه.وأما الفلاسفة فقد رأوا أن العالم قديم ثم أثبتوا له مع ذلك صانعاًوهذا المذهببوضعه متناقض لا يحتاج فيه إلى إبطال. قولهم: هو المبدأ الأول فإنقيل: نحن إذاقلنا: للعالم صانع لم نرد به فاعلاً مختاراً يفعل بعد أن لم يفعلكما نشاهد فيأصناف الفاعلين من الخياط والنساج والبناء بل نعني به علة العالمونسميه المبدأالأول على معنى أنه لا علة لوجوده وهو علة لوجود غيره فإن سميناهصانعاً فبهذاالتأويل.
لأنه من المحال أن تتسلسل العلل إلى غير نهاية. وثبوتموجود لا علة لوجوده يقومعليه البرهان القطعي على قرب فإنا نقول: العالموموجوداته إما أن يكون له علة أولا علة له. فإن كان له علة فتلك العلة لها علةأم لا علة لها وكذى القول في علةالعلة: فإما أن يتسلسل إلى غير نهاية وهو محالوإما أن ينتهي إلى طرف فالأخير علةأولى لا علة لوجودها فنسميه المبدأ الأول.وإن كان العالم موجوداً بنفسه لا علة لهفقد ظهر المبدأ الأول فإنا لم نعن بهإلا موجوداً لا علة له وهو ثابت بالضرورة.الخلاف في الصفات مسألة غير هذه نعملا يجوز أن يكون المبدأ الأول هي السمواتلأنها عدد ودليل التوحيد يمنعه فيعرفبطلانه بنظر في صفة المبدأ ولا يجوز أن يقالإنه سماء واحد أو جسم واحد أو شمسأو غيره لأنه جسم والجسم مركب من الصورةوالهيولى والمبدأ الأول لا يجوز أنيكون مركباً وذلك يعرف بنظر ثان. والمقصود أنموجوداً لا علة لوجوده ثابتبالضرورة والاتفاق. وإنما الخلاف في الصفات وهو الذينعنيه بالمبدأ الأول.قولنا: الأجسام تكون لا علة لها والجواب من وجهين: أحدهماأنه يلزم على مساقمذهبكم أن تكون أجسام العالم قديمة كذلك لا علة لها. وقولكم: إنبطلان ذلك يعلمبنظر ثان فسيبطل ذلك عليكم في مسألة التوحيد وفي نفي الصفات
تلك العلل تكون إلى غير نهاية الثاني وهو الخاص بهذهالمسألة هو أن يقال: ثبتتقديراً أن هذه الموجودات لها علة ولكن لعلتها علةولعلة العلة علة كذلك وهكذى إلىغير نهاية. وتقولون إنها حوادث هكذا وقولكم:إنه يستحيل إثبات علل لا نهاية لها لايستقيم منكم فإنا نقول: عرفتم ذلك ضرورةبغير وسط أو عرفتموه بوسط ولا سبيل إلىدعوى الضرورة. وكل مسلك ذكرتموه فيالنظر بطل عليكم بتجويز حوادث لا أول لها. وإذاجاز أن يدخل في الوجود ما لانهاية له فلم يبعد أن يكون بعضها علة للبعض وينتهي منالطرف الأخير إلى معلوللا معلول له ولا ينتهي من الجانب الآخر إلى علة لا علة لهاكما أن الزمانالسابق له آخر وهو الآن الراهن ولا أول له. حتى الموجودة معاًكالنفوس البشريةفإن زعمتم أن الحوادث الماضية ليست موجودة معاً في الحال ولا فيبعض الأحوالوالمعدوم لا يوصف بالتناهي وعدم التناهي فيلزمكم النفوس البشريةالمفارقةللأبدان فإنها لا تفنى عندكم والموجود المفارق للبدن من النفوس لا نهايةلأعدادها إذ لم تزل نطفة من إنسان وإنسان من نطفة إلى غير نهاية. ثم كل إنسانماتفقد بقي نفسه وهو بالعدد غير نفس من مات قبله ومعه وبعده وإن مكان الكلبالنوعواحداً فعندكم في الوجود في كل حال نفوس لا نهاية لأعدادها. قولهم: لاترتيب لها فإن قيل: النفوس ليس لبعضها ارتباط بالبعض ولا ترتيب لها لا بالطبعولا بالوضعوإنما نحيل نحن موجودات لا نهاية لها إذا كان لها ترتيب بالوضعكالأجسام فإنهامرتبة بعضها فوق البعض أو كان لها ترتيب بالطبع كالعللوالمعلولات وأما النفوسفليست كذلك. قولنا: الترتيب بالزمان يكفي قلنا: وهذاالحكم في الوضع ليس طردهبأولى من عكسه فلم أحلتم أحد القسمين دون الآخر وماالبرهان المفرق وبم تنكرون علىمن يقول: إن هذه النفوس التي لا نهاية لها لاتخلوا عن ترتيب إذ وجود بعضها قبلالبعض فإن الأيام والليالي الماضية لا نهايةلها. وإذا قدرنا وجود نفس واحد في كليوم وليلة كان الحاصل في الوجود الآنخارجاً عن النهاية واقعاً على ترتيب فيالوجود أي بعضها بعد البعض. والعلةغايتها أن يقال: إنها قبل المعلول بالطبع كمايقال إنها فوق المعلول بالذات لا بالمكان. فإذا لم يستحل ذلك في القبلالحقيقي الزمانيفينبغي أن لا يستحيل في القبل الذاتي الطبعي. وما بالهم لميجوزوا أجساماً بعضهافوق البعض بالمكان إلى غير نهاية وجوزوا موجودات بعضهاقبل البعض بالزمان إلى غيرنهاية وهل هذا إلا تحكم بارد لا أصل له قولهم: إنالعلل إن كانت ممكنة افتقرت إلىعلة زائدة. فإن قيل: البرهان القاطع علىاستحالة علل إلى غير نهاية أن يقال: كلواحد من آحاد العلل ممكنة في نفسها أوواجبة. فإن كانت واجبة فلم تفتقر إلى علةوإن كانت ممكنة فالكل موصوف بالإمكانوكل ممكن فيفتقر إلى علة زائدة على ذاتهفيفتقر الكل إلى علة خارجة عنها.قولنا: كل واحد ممكن والكل ليس بممكن. قلنا: لفظالممكن والواجب لفظ مبهم إلاأن يراد بالواجب ما لا علة لوجوده ويراد بالممكن مالوجوده علة. وإن كان المرادهذا فلنرجع إلى هذه اللفظة فنقول: كل واحد ممكن علىمعنى أن له علة زائدة علىذاته والكل ليس بممكن على معنى أنه ليس له علة زائدة علىذاته خارجة منه. وإنأريد بلفظ الممكن غير ما أردناه فهو ليس بمفهوم. بممكناتالوجود وهو محال فإنقيل: فهذا يؤدي إلى أن يتقوم واجب الوجود بممكنات الوجود وهومحال. قولنا: كمايتقوم القديم بالأوائل قلنا: إن أردتم بالواجب والممكن ماذكرناه فهو نفسالمطلوب. فلا نسلم أنه محال وهو كقول القائل: يستحيل أن يتقومالقديم بالحوادثوالزمان عندهم قديم وآحاد الدورات حادثة وهي ذوات أوائل والمجموعلا أول له.فقد تقوم ما لا أول له بذوات أوائل وصدق ذوات الأوائل على الآحاد ولميصدق علىالمجموع. فكذلك يقال على كل واحد: إن له علة ولا يقال: للمجموع علة وليسكل ماصدق على الآحاد يلزم أن يصدق على المجموع إذ يصدق على كل واحد أنه واحد وأنهبعض وأنه جزء ولا يصدق على المجموع. وكل موضوع عيناه من الأرض فإنه قد استضاءبالشمس في النهار وأظلم بالليل. وكل واحد حادث بعد أن لم يكن أي له أول.والمجموععندهم ما له أول.
فلا سبيل لهم إلى الوصول إلى إثبات المبدأ الأول فتبين أنمن يجوز حوادث لا أوللها وهي صور العناصر الأربعة والمتغيرات فلا يتمكن منإنكار علل لا نهاية لها.ويخرج من هذا أنه لا سبيل لهم إلى الوصول إلى إثباتالمبدأ الأول لهذا الإشكالويرجع فرقهم إلى التحكم المحض. قولهم: إنما الكلامفي الموجود في الأعيان فإن قيل:الدورات ليست موجودة في الحال ولا صور العناصروإنما الموجود منها صورة واحدةبالفعل وما لا وجود له لا يوصف بالتناهي وعدمالتناهي إلا إذا قدر في الوهم وجودهاولا يبعد ما يقدر في الوهم وإن كانتالمقدرات أيضاً بعضها عللاً لبعض فالإنسان قديفرض ذلك في وهمه وإنما الكلام فيالموجود في الأعيان لا في الأذهان. نفوس الأمواتلا يكون فيها عدد لا يبقي إلانفوس الأموات. وقد ذهب بعض الفلاسفة إلى أنها كانتواحدة أزلية قبل التعلقبالأبدان وعند مفارقة الأبدان تتحد فلا يكون فيه عدد فضلاًمن أن توصف بأنه لانهاية لها. وقال آخرون: النفس تابع للمزاج وإنما معنى الموتعدمها ولا قوام لهابجوهرها دون الجسم. فإذن لا وجود في النفوس إلا في حق الأحياءوالأحياءالموجودون محصورون ولا تنتفي النهاية عنهم والمعدمون لا يوصفون أصلاً لابوجودالنهاية ولا بعدمها إلا في الوهم إذا فرضوا قولنا: هذا ما أوردناه على ابنسيناوالفارابي الخ. والجواب: إن هذا الإشكال في النفوس أوردناه على ابن سيناوالفارابي والمحققين منهم إذ حكموا بأن النفس جوهر قائم بنفسه وهو اختيارأرسطاليسوالمعتبرين من الأوائل. ونقول لغيرهم: عوض النفس قدروا أي حادث لاينقضي. ومن عدلعن هذا المسلك فنقول له: هل يتصور أن يحدث شيء يبقى أم لا فإنقالوا: لا فهو محالوإن قالوا: نعم قلنا: فإذا قدرنا كل يوم حدوث شيء وبقاءهاجتمع إلى الآن لا محالةموجودات لا نهاية لها. فالدورة وإن كانت منقضية فحصولموجود فيها يبقي ولا ينقضىغير مستحيل. وبهذا التقدير يتقرر الإشكال. ولا غرضفي أن يكون ذلك الباقي نفس آدميأو جني أو شيطان أو ملك أو ما شئت منالموجودات. وهو لازم على كل مذهب لهم إذأثبتوا دورات لانهاية لها.
مسألة في بيان عجزهم عن إقامة الدليل على أن الله واحد وأنهلا يجوز فرض اثنينواجبي الوجود كل واحد منهما لا علة له المسلك الأول قولهم:إنهما لو كانا اثنينلكان نوع وجوب الوجود مقولاً على كل واحد منهما. وما قيلعليه أنه واجب الوجود فلايخلوا إما أن يكون وجوب وجوده لذاته فلا يتصور أنيكون لغيره أو وجوب الوجود لهلعلة فيكون ذات واجب الوجود معلولاً وقد اقتضتعلة له وجوب الوجود. ونحن لا نريدبواجب الوجود إلا ما لا ارتباط لوجوده بعلةبجهة من الجهات. زيد هو معلول لأنه ليسوحده إنساناً وزعموا أن نوع الإنسانمقول على زيد وعلى عمرو. وليس زيد إنساناًلذاته إذ لو كان إنساناً لذاته لماكان عمرو إنساناً بل لعلة جعله إنساناً. وقدجعل عمراً أيضاً إنساناً فتكثرتالإنسانية بتكثر المادة الحاملة لها. وتعلقهابالمادة معلول ليس لذاتالإنسانية. فكذلك ثبوت وجوب الوجود لواجب الوجود إن كانلذاته فلا يكون إلا لهوإن كان لعلة فهو إذن معلول وليس بواجب الوجود وقد ظهر بهذاأن واجب الوجود لابد وأن يكون واحداً. قولنا: هذا التقسيم لا يطبق على الذي لاعلة له... قلنا:قولكم: نوع وجوب الوجود لواجب الوجود لذاته أو لعلة تقسيم خطأ فيوضعه فإنا قدبينا أن لفظ وجوب الوجود فيه إجمال إلا أن يراد به نفي العلةفلتستعمل هذهالعبارة. فنقول: لم يستحيل ثبوت موجودين لا علة لهما وليس أحدهما علةللآخرفقولكم: إن الذي لا علة له لا علة له لذاته أو لسبب تقسيم الخطأ لأن نفيالعلةواستغناء الوجود عن العلة لا يطلب له علة. فأي معنى لقول القائل: إن ما لاعلةله لا علة له لذاته أو لعلة إذ قولنا: لا علة له سلب محض والسلب المحض لا يكونله سبب. ولا يقال فيه: إنه لذاته أو لا لذاته.
وعلى واجب الوجود وإن عنيتم بوجوب الوجود وصفاً ثابتاًلواجب الوجود سوى أنه موجودلا علة لوجوده فهو غير مفهوم في نفسه. والذي ينسبكمن لفظه نفى العلة لوجوده وهوسلب محض لا يقال فيه: إنه لذاته أو لعلة حتى يبنىعلى وضع هذا التقسيم غرض فدل أنهذا برهان من خرف لا أصل له. بل نقول: معنى أنهواجب الوجود أنه لا علة لوجوده ولاعلة لكونه بلا علة وليس كونه بلا علة معللاًأيضاً بذاته بل لا علة لوجوده ولالكونه بلا علة أصلاً. ولا يطبق على الأسود:فهل اللونية لذاتها أم لعلة كيف وهذاالتقسيم لا يتطرق إلى بعض صفات الإثباتفضلاً عما يرجع إلى السلب إذ لو قال قائل:السواد لون لذاته أو لعلة: فإن كانلذاته فينبغي أن لا تكون الحمرة لوناً وأن لايكون هذا النوع أعني اللونية إلالذات السواد وإن كان السواد لوناً لعلة جعلتهلوناً فينبغي أن يعقل سواد ليسبلون أي لم تجعله العلة لوناً. فإن ما يثبت للذاتزائداً على الذات بعلة يمكنتقدير عدمه في الوهم وإن لم يتحقق في الوجود. ولكنيقال: هذا التقسيم خطأ فيالوضع فلا يقال للسواد: إنه لون لذاته قولاً يمنع أنيكون ذلك لغير ذاته. وكذلكلا يقال: إن هذا الموجود واجب لذاته أو لا علة له لذاتهقولاً يمنع أن يكون ذلكلغير ذاته بحال. قولهم: لو فرضنا واجبي الوجود فإن كانامتماثلين من كل وجهيبطل تعددهما... مسلكهم الثاني أن قالوا: لو فرضنا واجبيالوجود لكانا متماثلينمن كل وجه أو مختلفين. فإن كانا متماثلين من كل وجه فلا يعقلالتعدد والاثنينيةإذ السوادان هما اثنان إذا كانا في محلين أو في محل واحد ولكنفي وقتين إذالسواد والحركة في محل واحد في وقت واحد هما اثنان لاختلاف ذاتيهما.أما إذا لميختلف الذاتان كالسوادين ثم اتحد الزمان والمكان لم يعقل التعدد ولو جازأنيقال: في وقت واحد في محل واحد: سوادان لجاز أن يقال في حق كل شخص: إنه شخصانولكن ليس يبين بينهما مغايرة. وإن كانا مختلفين يكونا متركبين... وإذا استحالالتماثل من كل وجه ولا بد من الاختلاف ولم يمكن بالزمان ولا بالمكان فلا يبقىإلاالاختلاف في الذات. ومهما اختلفا في شيء فلا يخلوا إما أن اشتركا في شيء أولميشتركا في شيء. فإن لم يشتركا في شيء فهو محال إذ يلزم أن لا يشتركا فيالوجود ولافي وجوب الوجود ولا في كون كل واحد قائماً بنفسه لا في موضوع. وإذااشتركا في شيء واختلفافي شيء كان ما فيه الاشتراك غير ما فيه الاختلاف فيكونثم تركيب وانقسام بالقول. ..ومن المحال أن يكون واجب الوجود مركباً وواجبالوجود لا تركيب فيه وكما لا ينقسمبالكمية فلا ينقسم أيضاً بالقول الشارح إذلا يتركب ذاته من أمور يدل القول الشارحعلى تعدده كدلالة الحيوان والناطق علىما تقوم به ماهية الإنسان فإنه حيوان وناطق.ومدلول لفظ الحيوان من الإنسان غيرمدلول لفظ الناطق فيكون الإنسان متركباً منأجزاء تنتظم في الحد بألفاظ تدل علىتلك الأجزاء ويكون اسم الإنسان لمجموعه. وهذالا يتصور ودون هذا لا تتصورالتثنية. قولنا: هذا النوع من التركيب ليس من المحالفي المبدأ الأول والجوابأنه مسلم أنه لا تتصور التثنية إلا بالمغايرة في شيء ماوأن المتماثلين من كلوجه لا يتصور تغايرهما. ولكن قولكم: إن هذا النوع من التركيبمحال في المبدأالأول تحكم محض. فما البرهان عليه في وحدانية الله ولنرسم هذهالمسألة علىحيالها فإن من كلامهم المشهور أن المبدأ الأول لا ينقسم بالقول الشارحكما لاينقسم بالكمية وعليه ينبنى إثبات وحدانية الله عندهم. قولهم: الوحدة فياللهتنفي الكثرة بل زعموا أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الوحدة لذات الباري من كلوجه وإثبات الوحدة بنفي الكثرة من كل وجه والكثرة تتطرق إلى الذوات من خمسةأوجه:كثرة الأجزاء... الأول بقبول الانقسام فعلاً أو وهماً. فلذلك لم يكنالجسم الواحدواحداً مطلقاً فإنه واحد بالاتصال القائم القابل للزوال فهو منقسمفي الوهمبالكمية. وهذا محال في المبدأ الأول. ... والهيولى والصورة الثاني أنينقسم الشيءفي العقل إلى معنيين مختلفين. لا بطريق الكمية كانقسام الجسم إلىالهيولى والصورةفإن كل واحد من الهيولى والصورة وإن كان لا يتصور أن يقومبنفسه دون الآخر فهماشيئان مختلفان بالحد والحقيقة يحصل بمجموعهما شيء واحد هوالجسم. وهذا أيضاً منفي عن الله فلا يجوز أن يكون الباري صورة في جسم ولا مادة فيهيولى لجسم ولا مجموعهما.أما مجموعهما فلعلتين إحديهما أنه منقسم بالكمية عندالتجزئة فعلاً أو وهماًوالثانية أنه منقسم بالمعنى إلى الصورة والهيولى ولايكون مادة لأنها تحتاج إلىالصورة وواجب الوجود مستغن من كل وجه فلا يجوز أنيرتبط وجوده بشرط آخر سواه ولايكون صورة لأنها تحتاج إلى مادة. ... وتنفيأيضاً الكثرة بالصفات... الثالثالكثرة بالصفات بتقدير العلم والقدرةوالإرادة. فإن هذه الصفات إن كانت واجبةالوجود كان وجوب الوجود مشتركاً بينالذات ويبن هذه الصفات ولزمت كثرة في واجبالوجود وانتفت الوحدة. ... وبالجنسوالنوع... الرابع كثرة عقلية تحصل بتركيبالجنس والنوع. فإن السواد سواد ولونوالسوادية غير اللونية في حق العقل بل اللونيةجنس والسوادية فصل فهو مركب منجنس وفصل والحيوانية غير الإنسانية في العقل فإنالإنسان حيوان وناطق والحيوانجنس والناطق فصل وهو مركب من الجنس والفصل وهذا نوعكثرة. فزعموا أن هذا أيضاًمنفي عن المبدأ الأول. ... وبالماهية والوجود والخامسكثرة تلزم من جهة تقديرماهية وتقدير وجود لتلك الماهية. فإن للإنسان ماهية قبلالوجود والوجود يردعليها ويضاف إليها. وكذى المثلث مثلاً له ماهية وهو أنه شكليحيط به ثلاثةأضلاع وليس الوجود جزءاً من ذات هذه الماهية مقوماً لها ولذلك يجوزأن يدركالعاقل ماهية الإنسان وماهية المثلث وليس يدري أن لهما وجوداً في الأعيانأملا. ولو كان الوجود مقوماً لماهيته لما تصور ثبوت ماهيته في العقل قبل وجوده.فالوجود مضاف إلى الماهية سواء كان لازماً بحيث لا تكون تلك الماهية إلا موجودةكالسماء أو عارضاً بعد ما لم يكن كماهية الإنسانية من زيد وعمرو وماهية الأعراضالصور الحادثة. فزعموا أن هذه الكثرة أيضاً يجب أن تنفى عن الأول.
الواجب الوجود كالماهية فيقال: ليس له ماهية الوجود مضافإليها بل الوجود الواجبله كالماهية لغيره. فالوجود الواجب ماهية وحقيقة كليةوطبيعة حقيقية كما أنالإنسانية والشجرية والسمائية ماهية إذ لو ثبت ماهية لكانالوجود الواجب لازماًلتلك الماهية غير مقوم لها واللازم تابع ومعلول فيكونالوجود الواجب معلولاً وهومناقض لكونه واجباً. ومع هذا يقولون إن الله مبدأوأول موجود... ومع هذا فإنهميقولون للباري: إنه مبدأ وأول وموجود وجوهر وواحدوقديم وباق وعالم وعقل وعاقلومعقول وفاعل وخالق ومريد وقادر وحي وعاشق ومعشوقلذيذ وملتذ وجواد وخير محض.وزعموا أن كل ذلك عبارة عن معنى واحد لا كثرة فيهوهذا من العجائب. فينبغي أن نحققمذهبهم للتفهيم أولاً ثم نشتغل بالاعتراض فإنالاعتراض على المذاهب قبل تمامالتفهيم رمي في عماية. ... ويردون هذه الأمورإلى السلب والإضافة والعمدة في فهممذهبهم أنهم يقولون: ذات المبدأ واحد وإنماتكثر الأسامي بإضافة شيء إليه أوإضافته إلى شيء أو سلب شيء عنه والسلب لا يوجبكثرة في ذات المسلوب عنه ولا الإضافةتوجب كثرة فلا ينكرون إذاً كثرة السلوبوكثرة الإضافات ولكن الشأن في رد هذه الأولوالمبدأ والموجودوالجوهر... فقالوا: إذا قيل له: أول فهو إضافة إلى الموجوداتبعده. وإذا قيل:مبدأ فهو إشارة إلى أن وجود غيره منه وهو سبب له فهو إضافة إلىمعلولاته. وإذاقيل: موجود فمعناه معلوم. وإذا قيل: جوهر فمعناه الوجود مسلوباًعنه الحلول فيموضوع وهذا سلب. وإذا قيل: ... والقديم والباقي... قديم فمعناه سلبالعدم عنهأولاً. وإذا قيل: باق فمعناه سلب العدم عنه آخراً ويرجع حاصل القديموالباقيإلى وجود ليس مسبوقاً بعدم ولا ملحوقاً بعدم. ... وواجب الوجود وإذا قيل:واجبالوجود فمعناه أنه موجود لا علة له وهو علة لغيره فيكون جمعاً بين السلبوالإضافة إذ نفي علة له سلب وجعله علة لغيره إضافة.
... والعقل... وإذا قيل: عقل فمعناه أنه موجود بريء عن المادة وكلموجود هذا صفتهفهو عقل أي يعقل ذاته ويشعر به ويعقل غيره وذات الله هذا صفتهأي هو بريء عنالمادة فإذن هو عقل وهما ... والعاقل والمعقول... وإذا قيل:عاقل فمعناه أن ذاتهالذي هو عقل فله معقول هو ذاته فإنه يشعر بنفسه ويعقل نفسهفذاته معقول وذاته عاقلوذاته عقل والكل واحد إذ هو معقول من حيث أنه ماهيةمجردة عن المادة غير مستورة عنذاته الذي هو عقل بمعنى أنه ماهية مجردة عنالمادة لا يكون شيء مستوراً عنه. ولماعقل نفسه كان عاقلاً ولما كان نفسهمعقولاً لنفسه كان معقولاً ولما كان عقله بذاتهلا بزائد على ذاته كان عقلاًولا يبعد أن يتحد العاقل والمعقول فإن العاقل إذا عقلكونه عاقلاً عقله بكونهعاقلاً فيكون العاقل والمعقول واحداً بوجه ما وإن كان ذلكيفارق عقل الأول فإنما للأول بالفعل أبداً وما لنا يكون بالقوة تارة وبالفعل أخرى.والخالق والفاعلوالبارئ الذي عنه يفيض كل شيء لزوماً بعلم منه لا غفلة وإذا قيل:خالق وفاعلوبارئ وسائر صفات الفعل فمعناه أن وجوده وجود شريف يفيض عنه وجود الكلفيضاناًلازماً وإن وجود غيره حاصل منه وتابع لوجوده كما يتبع النور الشمسوالإسخانالنار. ولا تشبه نسبة العالم إليه نسبة النور إلى الشمس إلا في كونهمعلولاًفقط وإلا فليس هو كذلك فإن الشمس لا تشعر بفيضان النور عنها ولا الناربفيضانالإسخان فهو طبع محض بل الأول عالم بذاته وأن ذاته مبدأ لوجود غيره ففيضانمايفيض عنه معلوم له فليس به غفلة عما يصدر منه. ولا هو أيضاً كالواحد منا إذاوقف بين مريض وبين الشمس فاندفع حر الشمس عن المريض بسببه لا باختياره ولكنهعالمبه وهو غير كاره أيضاً له فإن المظل الفاعل للظل شخصه وجسمه والعالمالراضي بوقوعالظل نفسه لا جسمه وفي حق الأول ليس كذلك فإن الفاعل منه هوالعالم وهو الراضي أيأنه غير كاره وأنه عالم بأن كماله في أن يفيض منه غيره.
فيكون علمه علة فيضان كل شيء بل لو أمكن أن يفرض كون الجسمالمظل بعينه هو العالمبعينه بوقوع الظل وهو الراضي لم يكن أيضاً مساوياً للأولفإن الأول هو العالم وهوالفاعل وعلمه هو مبدأ فعله فإن علمه بنفسه في كونهمبدأ للكل علة فيضان الكل فإنالنظام الموجود تبع للنظام المعقول بمعنى أنهواقع به فكونه فاعلاً غير زائد علىكونه عالماً بالكل إذ علمه بالكل علة فيضانالكل عنه وكونه عالماً بالكل لا يزيدعلى علمه بذاته فإنه لا يعلم ذاته ما لميعلم أنه مبدأ للكل فيكون المعلوم بالقصد . . والقادر... وإذا قيل: قادر لمنعن به إلا كونه فاعلاً على الوجه الذي قررناه وهوأن وجوده وجود يفيض عنهالمقدورات التي بفيضانها ينتظم الترتيب في الكل على أبلغوجوه الإمكان فيالكمال والحسن. ... والمريد والعالم... وإذا قيل: مريد لم نعن بهإلا أن مايفيض عنه ليس هو غافلاً عنه وليس كارهاً له بل هو عالم بأن كماله فيفيضان الكلعنه. فيجوز بهذا المعنى أ ن يقال: هو راض وجاز أن يقال للراضي: إنهمريد. فلاتكون الإرادة إلا عين القدرة ولا القدرة إلا عين العلم ولا العلم إلا عينالذاتفالكل إذن يرجع إلى عين الذات. ... علم العلة لا علم المعلول... وهذا لأنعلمهبالأشياء ليس مأخوذاً من الأشياء وإلا لكان مستفيداً وصفاً أو كمالاً من غيرهوهو محال في واجب الوجود. ولكن علمنا على قسمين: علم شيء حصل من صورة ذلك الشيءكعلمنا بصورة السماء والأرض وعلم اخترعناه كشيء لم نشاهد صورته ولكن صورناه فيأنفسنا ثم أحدثناه. فيكون وجود الصورة مستفاداً من العلم لا العلم من الوجودوعلمالأول بحسب القسم الثاني فإن تمثل النظام في ذاته سبب لفيضان النظام عنذاته. ...وليس هذا شأننا فإننا نحتاج مع العلم إلى القدرة نعم لو كان مجردحضور صورة نقشأو كتابة خط في نفوسنا كافياً في حدوث تلك الصورة لكان العلمبعينه منا هو القدرةبعينها والإرادة بعينها. ولكنا لقصورنا فليس يكفي تصورنالإيجاد الصورة بل نحتاجمع ذلك إلى إرادة متجددة تنبعث من قوة شوقية ليتحركمنهما معاً القوة المحركة للعضل والأعصاب الآلية. فيتحرك بحركة العضلوالأعصاب اليد أو غيرهويتحرك بحركته القلم أو آلة أخرى خارجة وتتحرك المادةبحركة القلم كالمادة أو غيرهثم تحصل الصورة المتصورة في نفوسنا. فلذلك لم يكننفس وجود هذه الصورة في نفوسناقدرة ولا إرادة بل كانت القدرة فينا عند المبدأالمحرك للعضل وهذه الصورة محركةلذلك المحرك الذي هو مبدأ القدرة وليس كذلك فيواجب الوجود فإنه ليس مركباً منأجسام تنبث القوى في أطرافه فكانت القدرةوالإرادة والعلم والذات منه واحداً. ...والحي... وإذا قيل له: حي لم يرد بهإلا أنه عالم عليماً يفيض عنه الموجود الذييسمى فعلاً له فإن الحي هو الفعالالدراك فيكون المراد به ذاته مع إضافة إلىالأفعال على الوجه الذي ذكرناه لاكحياتنا فإنها لا تتم إلا بقوتين مختلفتين ينبعثعنهما الإدراك والفعل فحياتهعين ذاته أيضاً. ... والجواد الذي لا يكتسب بجودهشيئاً وإذا قيل له: جوادأريد به أن يفيض عنه الكل لا لغرض يرجع إليه. والجود يتمبشيئين: أحدهما أنيكون للمنعم فائدة فيما وهب منه فلعل من يهب شيئاً ممن هو مستغنعنه لا يوصفبالجود. والثاني أن لا يحتاج الجواد إلى الجود فيكون إقدامه على الجودلحاجةنفسه. وكل من يجود ليمدح أو يثنى عليه أو يتخلص من مذمة فهو مستعيض وليسبجوادوإنما الجود الحقيقي لله فإنه ليس يبغي به خلاصاً عن ذم ولا كمالاً مستفاداًبمدح. فيكون الجواد اسماً منبئاً عن وجوده مع إضافة إلى الفعل وسلب للغرض فلايؤديإلى الكثرة في ذاته. ... والخير المحض... وإذا قيل: خير محض فإما أن يرادبهوجوده بريئاً عن النقص وإمكان العدم فإن الشر لا ذات له بل يرجع إلى عدمجوهر أوعدم صلاح حال الجوهر وإلا فالوجود من حيث أنه وجود خير فيرجع هذا الاسمإلى السلبلإمكان النقص والشر. وقد يقال: خير لما هو سبب لنظام الأشياء والأولمبدأ لنظام كلشيء فهو خير ويكون الاسم دالاً على الوجود مع نوع إضافة. ...وواجب الوجود وإذاقيل: واجب الوجود فمعناه هذا الوجود مع سلب علة لوجودهوإحالة علة لعدمه أولاًوآخراً.
... والعاشق والمعشوق واللذيذ والملتذ وإذا قيل: عاشقومعشوق ولذيذ وملتذ فمعناههو أن كل جمال وبهاء وكمال فهو محبوب ومعشوق لذيالكمال ولا معنى للذة إلا إدراكالكمال الملائم. ومن عرف كمال نفسه في إحاطتهبالمعلومات لو أحاط بها وفي جمالصورته وفي كمال قدرته وقوة أعضائه وبالجملةإدراكه لحضور كل كمال هو ممكن له لوأمكن أن يتصور ذلك في إنسان واحد لكانمحباً لكماله وملتذاً به وإنما تنتقص لذتهبتقدير العدم والنقصان فإن السرور لايتم بما يزول أو يخشى زواله والأول له البهاءالأكمل والجمال الأتم إذ كل كمالهو ممكن له فهو حاضر له. وهو مدرك لذلك الكمال معالأمن من إمكان النقصانوالزوال. والكمال الحاصل له فوق كل كمال فإحبابه وعشقهلذلك الكمال فوق كلإحباب والتذاذه به فوق كل التذاذ بل لا نسبة لذاتنا إليها البتةبل هي أجل منأن يعبر عنها باللذة والسرور والطيبة. عدم وجود العبارات الخاصة إلاأن تلكالمعاني ليس لها عبارات عندنا فلا بد من الإبعاد في الاستعارة كما نستعيرلهلفظ المريد والمختار والفاعل منا مع القطع ببعد إرادته عن إرادتنا وبعد قدرتهوعلمه عن قدرتنا وعلمنا ولا بعد في أن يستبشع عبارة اللذة فيستعمل غيره.
الله مغبوط وهو الخير المحض والمقصود أن حالته أشرف منأحوال الملائكة وأحرى بأنيكون مغبوطاً وحالة الملائكة أشرف من أحوالنا ولو لمتكن لذة إلا في شهوة البطنوالفرج لكان حال الحمار والخنزير أشرف من حالالملائكة وليس لها لذة أي للمبادئ منالملائكة المجردة عن المادة إلا السروربالشعور بما خص بها من الكمال والجمال الذيلا يخشى زواله. ولكن الذي للأول فوقالذي للملائكة فإن وجود الملائكة التي هيالعقول المجردة وجود ممكن في ذاتهواجب الوجود بغيره وإمكان العدم نوع شر ونقصفليس شيء بريئاً عن كل شر مطلقاًسوى الأول فهو الخير المحض وله البهاء والجمالالأكمل. ثم هو معشوق عشقه غيرهأو لم يعشقه كما أنه عاقل ومعقول عقله غيره أو لميعقله. وكل هذه المعاني راجعةإلى ذاته وإلى إدراكه لذاته وعقله له وعقله لذاته هوعين ذاته فإنه عقل مجردفيرجع الكل إلى معنى واحد. قولنا: سنبين بذلك ما لا يصحعلى أصلهم وما هوفاسد فهذا طريق تفهيم مذهبهم وهذه الأمور منقسمة إلى ما يجوزاعتقاده فنبينأنه لا يصح على أصلهم وإلى ما لا يصح اعتقاده فنبين فساده. ولنعدإلى المراتبالخمسة في أقسام الكثرة ودعواهم نفيها ولنبين عجزهم عن إقامة الدليلولنرسم كلواحد مسألة على حيالها.
مسألة الفلاسفة أجمعوا على نفي الصفات اتفقت الفلاسفة علىاستحالة إثبات العلموالقدرة والإرادة للمبدأ الأول كما اتفقت المعتزلة عليهوزعموا أن هذه الأساميوردت شرعاً ويجوز إطلاقها لغة ولكن ترجع إلى ذات واحدةكما سبق ولا يجوز إثبات صفاتزائدة على ذاته كما يجوز في حقنا أن يكون علمناوقدرتنا وصفاً لنا زائداً علىذاتنا. ... لأنها توجب الكثرة في الله وزعموا أنذلك يوجب كثرة لأن هذه الصفات لو طرتعلينا لكنا نعلم أنها زائدة على الذات إذتجددت ولو قدر مقارناً لوجودنا من غيرتأخر لما خرج عن كونه زائدا على الذاتبالمقارنة. فكل شيئين إذا طرى أحدهما علىالآخر وعلم أن هذا ليس ذاك وذاك ليسهذا فلو اقترنا أيضاً عقل كونهما شيئين فإذنلا تخرج هذه الصفات بأن تكونمقارنة لذات الأول عن أن تكون أشياء سوى الذات فيوجبذلك كثرة في واجب الوجودوهو محال. فلهذا أجمعوا على نفي الصفات. قولنا: ما المانعأن تكون الصفاتمقارنة للذات فيقال لهم: وبم عرفتم استحالة الكثرة من هذا الوجهوأنتم مخالفونمن كافة المسلمين سوى المعتزلة فما البرهان عليه فإن قول القائل:الكثرة محالفي واجب الوجود مع كون الذات الموصوفة واحدة يرجع إلى أنه يستحيل كثرةالصفاتوفيه النزاع. وليس استحالته معلومة بالضرورة فلا بد من البرهان.
قولهم إما أن يستغني كل واحد من الصفة والموصو عن الآخ أويفتقر كل واحد إلى الآخرأو يستغني واحد عن الآخ ولهم مسلكان: الأول قولهم:البرهان عليه أن كل واحد منالصفة والموصوف إذا لم يكن هذا ذاك ولا ذاك هذافإما أن يستغني كل واحد عن الآخرفي وجوده أو يفتقر كل واحد إلى الآخر أويستغني واحد عن الآخر ويحتاج الآخر. فإنفرض كل واحد مستغنياً فهما واجبا وجودوهو التثنية المطلقة وهو محال. وإما أن يحتاجكل واحد منهما إلى الآخر فلا يكونواحد منهما واجب الوجود إذ معنى واجب الوجود ماقوامه بذاته وهو مستغن من كلوجه عن غيره فما احتاج إلى غيره فذك الغير علته إذ لورفع ذلك الغير لامتنعوجوده فلا يكون وجوده من ذاته بل من غيره. وإن قيل: أحدهمايحتاج دون الآخرفالذي يحتاج معلول والواجب الوجود هو الآخر ومهما كان معلولاًافتقر إلى سببفيؤدي إلى أن ترتبط ذات واجب الوجود بسبب. قولنا المختار من هذهالأقسام هوالقسم الأخير هذا وإنكم لا تنفون القسم الأول والاعتراض على هذا أنيقال:المختار من هذه الأقسام هو القسم الأخير. ولكن إبطالكم القسم الأول وهوالتثنيةالمطلقة قد بينا أنه لا برهان لكم عليها في المسألة التي قبل هذه وأنها لاتتمإلا بالبناء على نفي الكثرة في هذه المسألة وما بعدها. فما هو فرع هذه المسألةكيف تنبنى هذه المسألة عليه ولكن المختار أن يقال: الذات في قوامه غير محتاجإلىالصفات والصفة محتاجة إلى الموصوف كما في حقنا. قولهم: المحتاج إلى غيره لايكونواجب الوجود فيبقى قولهم: إن المحتاج إلى غيره لا يكون واجب الوجود.قولنا: الصفةقديمة لا فاعل لها فيقال: إن أردت بواجب الوجود أنه ليس له علةفاعلية فلم قلتذلك ولم استحال أن يقال: كما أن ذات واجب الوجود قديم لا فاعلله فكذلك صفته قديمةمعه ولا فاعل لها وإن أردت بواجب الوجود أن لا يكون له علةقابلية فهو ليس بواجبالوجود على هذا التأويل ولكنه مع هذا قديم لا فاعل له.فما المحيل لذلك قولهم: هي معلولة فإن قيل: واجب الوجود المطلق هو الذي ليسله علة فاعلية ولاقابلية. فإذا سلم أن له علة قابلية فقد سلم كونه معلولاً.قلنا: تسمية الذاتالقابلة علة قابلية من اصطلاحكم والدليل لم يدل على ثبوتواجب وجود بحكم اصطلاحكموإنما دل على إثبات طرف ينقطع به تسلسل العللوالمعلولات ولم يدل إلا على هذاالقدر وقطع التسلسل ممكن بواحد له صفات قديمةلا فاعل لها كما لا فاعل لذاته ولكنهاتكون متقررة في ذاته. فليطرح لفظ واجبالوجود فإنه ممكن التلبس فيه فإن البرهان لميدل إلا على قطع التسلسل ولم يدلعلى غيره البتة. فدعوى غيره تحكم. قولهم: لا فيالعلل القابلية فإن قيل: كمايجب قطع التسلسل في العلة الفاعلية يجب قطعها فيالقابلية إذ لو افتقر كل موجودإلى محل يقوم فيه وافتقر المحل أيضاً للزم التسلسلكما لو افتقر كل موجود إلىعلة وافتقرت العلة أيضاً إلى علة. قولنا: يكفي أن ينقطعالتسلسل بالذات قلنا:صدقتم فلا جرم قطعنا هذا التسلسل أيضاً وقلنا: إن الصفة فيذاته وليس ذاتهقائماً بغيره كما أن علمنا في ذاتنا وذاتنا محل له وليس ذاتنا فيمحل. فالصفةانقطع تسلسل علتها الفاعلية مع الذات إذ لا فاعل لها كما لا فاعلللذات بل لمتزل الذات بهذه الصفة موجودة بلا علة له ولا لصفته. وأما العلةالقابلية لمينقطع تسلسلها إلا على الذات. ومن أين يلزم أن ينتفي المحل حتى تنتفيالعلةوالبرهان ليس يضطر إلا إلى قطع التسلسل. فكل طريق أمكن قطع التسلسل به فهووفاءبقضية البرهان الداعي إلى واجب الوجود.
واجب الوجود ما ليس له علة فاعلية وإن أريد بواجب الوجودشيء سوى موجود ليس له علةفاعلية حتى ينقطع به التسلسل فلا نسلم أن ذلك واجبأصلاً. ومهما اتسع العقل لقبولموجود قديم لا علة لوجوده اتسع لقبول قديم موصوفلا علة لوجوده في ذاته وفي صفاتهجميعاً. قولهم: تكون الذات علة العلم المسلكالثاني قولهم: إن العلم والقدرة فيناليس داخلاً في ماهية ذاتنا بل هو عارض.وإذا أثبت هذه الصفات للأول لم يكن أيضاًداخلاً في ماهية ذاته بل كان عارضاًبالإضافة إليه وإن كان دائماً له. ورب عارض لايفارق أو يكون لازماً لماهية ولايصير بذلك مقوماً لذاته. وإذا كان عارضاً كانتابعاً للذات وكان الذات سبباًفيه فكان معلولاً فكيف يكون واجب الوجود وهذا هوالأول مع تغيير عبارة. فنقول:إن عنيتم بكونه تابعاً للذات وكون الذات سبباً له أنالذات علة فاعلية له وأنهمفعول للذات فليس كذلك فإن ذلك ليس يلزم في علمنابالإضافة إلى ذاتنا إذ ذواتناليست بعلة فاعلة لعلمنا. وإن عنيتم أن الذات محل وأنالصفة لا تقوم بنفسها فيغير محل فهذا مسلم فلم يمتنع هذا. فبأن يعبر عنه بالتابعأو العارض أو المعلولأو ما أراده المعبر لم يتغير المعنى إذا لم يكن المعنى سوىأنه قائم بالذاتقيام الصفات بالموصوفات ولم يستحيل أن يكون قائماً في ذات وهو معذلك قديم ولافاعل له.
فإن أريد هذا المعنى فليعبر عنه بغير عبارة فكل أدلتهمتهويل بتقبيح العبارةبتسميته ممكناً وجائزاً وتابعاً ولازماً ومعلولاً وإن ذلكمستنكر. فيقال: إن أريدبذلك أن له فاعلاً فليس كذلك. وإن لم يرد به إلا أنه لافاعل له ولكن له محل هوقائم فيه فليعبر عن هذا المعنى بأي عبارة أريد فلااستحالة فيه. قولهم: هذا يؤديإلى أن يكون الأول محتاجاً إلى الصفات وربماهولوا بتقبيح العبارة من وجه آخرفقالوا: هذا يؤدي إلى أن يكون الأول محتاجاًإلى هذه قولنا: بها يتم له الكمال! وهذا كلام وعظي في غاية الركاكة فإن صفاتالكمال لا تباين ذات الكامل حتى يقال:إنه محتاج إلى غيره. فإذا لم يزل ولايزال كاملاً بالعلم والقدرة والحياة فكيف يكونمحتاجاً أو كيف يجوز أن يعبر عنملازمة الكمال بالحاجة وهو كقول القائل: الكامل منلا يحتاج إلى كمال فالمحتاجإلى وجود صفات الكمال لذاته ناقص فيقال: لا معنى لكونهكاملاً إلا وجود الكماللذاته. فكذلك لا معنى لكونه غنياً إلا وجود الصفاتالمنافية للحاجات لذاته.فكيف تنكر صفات الكمال التي بها تتم الإلهية بمثل هذهالتخييلات اللفظية قولهم:فيحتاج إلى مركب فليس هو جسماً فإن قيل: إذا أثبتمذاتاً وصفة وحلولاً للصفةبالذات فهو تركيب وكل تركيب يحتاج إلى مركب ولذلك لم يجزأن يكون الأول جسماًلأنه مركب. قولنا: كله قديم الجسم حادث قلنا: قول القائل: كلتركيب يحتاج إلىمركب كقوله: كل موجود يحتاج إلى موجد فيقال له: الأول موجود قديملا علة له ولاموجد. فكذلك يقال: هو موصوف قديم ولا علة لذاته ولا لصفته ولا لقيامصفته بذاتهبل الكل قديم بلا علة. وأما الجسم فإنما لم يجز أن يكون هو الأول لأنهحادث منحيث أنه لا يخلوا عن الحوادث ومن لم يثبت له حدوث الجسم يلزمه أن يجوز أنتكونالعلة الأولى جسماً كما سنلزمه عليكم من بعد.
فالأدلة باطلة وكل مسالكهم في هذه المسألة تخييلات. لايقدرون رد الجميع إلى نفسالذات ثم إنهم لا يقدرون على رد جميع ما يثبتونه إلىنفس الذات. فإنهم أثبتوا كونهعالماً ويلزمهم أن يكون ذلك زائداً على مجردالوجود فيقال لهم: أتسلمون أن الأوليعلم غير ذاته ومنهم من يسلم ذلك ومنهم منقال: لا يعلم إلا ذاته. علمه بالكليات...فأما الأول فهو الذي اختاره ابنسينا. فإنه زعم أنه يعلم الأشياء كلها بنوع كلي لايدخل تحت الزمان ولا يعلمالجزئيات التي يوجب تجدد الإحاطة بها تغيراً في ذاتالعالم. فنقول: علم الأولبوجود كل الأنواع والأجناس التي لا نهاية لها عين علمهبنفسه أو غيره. فإنقلتم: إنه غيره فقد أثبتم كثرة ونقضتم القاعدة. وإن قلتم: إنهعينه لم تتميزواعن من يدعي أن علم الإنسان ... غير علمه بذاته وقيل: حد الشيءالواحد أنيستحيل في الوهم الجمع فيه بين النفي والإثبات. فالعلم بالشيء الواحدلما كانشيئاً واحداً استحال أن يتوهم في حالة واحدة موجوداً ومعدوماً ولما لميستحل فيالوهم أن يقدر علم الإنسان بنفسه دون علمه بغيره قيل: إن علمه بغيره غيرعلمهبنفسه إذ لو كان هو هو لكان نفيه نفياً له وإثباته إثباتاً له إذ يستحيل أنيكون زيد موجوداً وزيد معدوماً أعني هو بعينه في حالة واحدة ولا يستحيل مثل ذلكفيالعلم بالغير مع العلم بنفسه. وكذى في علم الأول بذاته مع علمه بغيره إذيمكن أنيتوهم وجود أحدهما دون الآخر فهما إذن شيئان. ولا يمكن أن يتوهم وجودذاته دونوجود ذاته. فلو كان الكل كذلك لكان هذا التوهم محالاً. فكل من اعترفمن الفلاسفةبأن الأول يعرف غير ذاته فقد أثبت كثرة لا محالة.

قولهم كونه يعلم ذاته مبدأ للكل يؤدي إلى أن يعلم الأشياءبالقصد الثاني فإن قيل:هو لا يعلم الغير بالقصد الأول بل يعلم ذاته مبدأ للكلفيلزمه العلم بالكل بالقصدالثاني إذ لا يمكن أن يعلم ذاته إلا مبدأ فإنه حقيقةذاته ولا يمكن أن يعلم ذاتهمبدأ لغيره إلا ويدخل الغير في علمه بطريق التضمنواللزوم ولا يبعد أن يكون لذاتهلوازم. وذلك لا يوجب كثرة في ماهية الذات وإنمايمتنع أن يكون في نفس الذات كثرة.قولنا: علمه بوجود ذاته غير علمه بكونه مبدأللكل والجواب من وجوه: الأول أنقولكم: إنه يعلم ذاته مبدأ تحكم بل ينبغي أنيعلم وجود ذاته فقط. فأما العلم بكونهمبدأ يزيد على العلم بالوجود لأنالمبدئية إضافة للذات ويجوز أن يعلم الذات ولايعلم إضافته ولو لم تكن المبدئيةإضافة لتكثر ذاته وكان له وجود ومبدئية وهماشيئان. وكما يجوز أن يعرف الإنسانذاته ولا يعلم كونه معلولاً إلى أن يعلم لأن كونهمعلولاً إضافة له إلى علتهفكذلك كونه علة إضافة له إلى معلوله. فالإلزام قائم فيمجرد قولهم: إنه يعلمكونه مبدأ إذ فيه علم بالذات وبالمبدئية وهو الإضافةوالإضافة غير الذات فالعلمبالإضافة غير العلم بالذات بالدليل الذي ذكرناه وهو أنهيمكن أن يتوهم العلمبالذات دون العلم بالمبدئية ولا يمكن أن يتوهم العلم بالذاتدون العلم بالذاتلأن الذات واحدة.
هناك معلومان فهناك علمان الوجه الثاني هو أن قولهم: إنالكل معلوم له بالقصدالثاني كلام غير معقول فإنه مهما كان علمه محيطاً بغيرهكما يحيط بذاته كان لهمعلومان متغايران وكان له علم بهما وتعدد المعلوموتغايره يوجب تعدد العلم إذ يقبلأحد المعلومين الفصل عن الآخر في الوهم فلايكون العلم بأحدهما عين العلم بالآخرإذ لو كان لتعذر تقدير وجود أحدهما دونالآخر وليس ثم آخر مهما كان الكل واحداً.فهذا لا يختلف بأن يعبر عنه بالقصدالثاني. الكليات لا تتناهى! ثم ليت شعري كيفيقدم على نفي الكثرة من يقول: إنهلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا فيالأرض إلا أنه يعرف الكل بنوع كليوالكليات المعلومة له لا تتناهى فيكون العلمالمتعلق بها مع كثرتها وتغايرهاواحداً من كل وجه. فابن سينا لا يحترز من لزوم " الكثرة " وقد خالف ابن سينافي هذا غيره من الفلاسفة الذين ذهبوا إلى أنه لايعلم إلا نفسه احترازاً منلزوم الكثرة. فكيف شاركهم في نفي الكثرة ثم باينهم فيإثبات العلم بالغير ولمااستحيا أن يقال: إن الله لا يعلم شيئاً أصلاً في الدنياوالآخرة وإنما يعلمنفسه فقط وأما غيره فيعرفه ويعرف أيضاً نفسه وغيره فيكون غيرهأشرف منه فيالعلم. فترك هذا حياء من هذا المذهب واستنكافاً منه ثم لم يستحي منالإصرار علىنفي الكثرة من كل وجه وزعم أن علمه بنفسه وبغيره بل وبجميع الأشياء هوذاته منغير مزيد وهو عين التناقض الذي استحيا منه سائر الفلاسفة لظهور التناقضفيه فيأول النظر. فإذن ليس ينفك فريق منهم عن خزي في مذهب وهكذى يفعل الله بمن ضلعنسبيله وظن أن الأمور الإلهية يستولي على كنهها بنظره وتخييله. قولهم: العلميكون بمعرفة واحدة: علم الأب والابن... فإن قيل: إذا ثبت أنه يعرف نفسه مبدأعلىسبيل الإضافة فالعلم بالمضاف واحد إذ من عرف الابن عرفه بمعرفة واحدة وفيهالعلمبالأب وبالأبوة والبنوة ضمناً فيكثر المعلوم ويتحد العلم. فكذلك هو يعلمذاته مبدألغيره فيتحد العلم وإن تعدد المعلوم. ثم إذا عقل هذا في معلول واحدوإضافته إليهولم يوجب ذلك كثرة فالزيادة فيما لا يوجب جنسه كثرة لا توجب كثرة. العلم يكون بعلم الشيء وبعلم العلم بالشيء وكذلك منيعلم الشيء ويعلم علمهبالشيء فإنه يعلمه بذلك العلم. فكل علم هو علم بنفسهتقولون: إن معلومات الله لانهاية لها وعلمه واحد ويدل عليه أيضاً أنكم ترونأن معلومات الله لا نهاية لهاوعلمه واحد ولا تصفونه بعلوم لا نهاية لأعدادها.فإن كان تعدد المعلوم يوجب تعددذات العلم فليكن في ذات الله علوم لا نهايةلأعدادها وهذا محال. قولنا: يقتضي ذلككثرة أكثر مما إذا أضيف وجود إلىماهية قلنا: مهما كان العلم واحداً من كل وجه لميتصور تعلقه بمعلومين بليقتضي ذلك كثرة ما على ما هو وضع الفلاسفة واصطلاحهم فيتقدير الكثرة حتىبالغوا فقالوا: لو كان للأول ماهية موصوفة بالوجود لكان لذلككثرة. فلم يعقلواشيئاً واحداً له حقيقية ثم يوصف بالوجود بل زعموا أن الوجود مضافإلى الحقيقةوهو غريه فيقتضي كثرة. فعلى هذا الوجه لا يمكن تقدير علم يتعلقبمعلومات كثيرةإلا ويلزم فيه نوع كثرة أجلى وأبلغ من اللازم في تقدير وجود مضافإلى ماهية.القول الأول باطل... وأما العلم بالابن وكذى سائر المضافات ففيه كثرةإذ لا بدمن العلم بذات الابن وذات الأب وهما علمان. وعلم ثالث وهو الإضافة. نعمهذاالثالث مضمن بالعلمين السابقين إذ هما من شرطه وضرورته وإلا فما لم يعلمالمضافأولاً لا تعلم الإضافة. فهي علوم متعددة بعضها مشروطة في البعض. فكذلك إذاعلمالأول ذاته مضافاً إلى سائر الأجناس والأنواع بكونه مبدأ لها افتقر إلى أنيعلمذاته وآحاد الأجناس وأن يعلم إضافة نفسه بالمبدئية إليها وإلا لم يعقل كونالإضافة معلومة له. ... والثاني أيضاً... وأما قولهم: إن من علم شيئاً علمكونهعالماً بذلك العلم بعينه فيكون المعلوم متعدداً والعلم واحداً فليس كذلكبل يعلمكونه عالماً بعلم آخر وينتهي إلى علم يغفل عنه ولا يعلمه. ولا نقول:يتسلسل إلىغير نهاية بل ينقطع على علم متعلق بمعلومه وهو غافل عن وجود العلملا عن وجود المعلوم كالذي يعلم السواد وهو في حال علمه مستغرقالنفس بمعلومه الذي هوسواد وغافل عن علمه بالسواد وليس ملتفتاً إليه فإن التفتإليه افتقر إلى علم آخرإلى أن ينقطع التفاته. ... وأما الثالث فعليكمالبرهان وأما قولهم: إن هذا ينقلبعليكم في معلومات الله فإنها غير متناهيةوالعلم عندكم واحد فنقول: نحن لم نخض فيهذا الكتاب خوض الممهدين بل خوضالهادمين المعترضين ولذلك سمينا الكتاب: تهافتالفلاسفة لا تمهيد الحق. فليسيلزمنا هذا الجواب. قولهم: في الأمر إشكال على جميعالفرق فإن قيل: إنا لانلزمكم مذهب فرقة معينة من الفرق. فأما ما ينقلب على كافةالخلق وتستوي الأقدامفي إشكاله فلا يجوز لكم إيراده وهذا الإشكال منقلب عليكم ولامحيص لأحد منالفرق عنه. قولنا: المقصود تشكيككم في دعاويكم قلنا: لا بل المقصودتعجيزكم عندعواكم معرفة حقائق الأمور بالبراهين القطعية وتشكيككم في دعاويكم.أنتمتعترضون على المؤمنين بالرسول... وإذا ظهر عجزكم ففي الناس من يذهب إلى أنحقائق الأمور الإلهية لا تنال بنظر العقل بل ليس في قوة البشر الإطلاع عليه.ولذلكقال صاحب الشرع: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله. فماإنكاركم على هذهالفرقة المعتقدة صدق الرسول بدليل المعجزة المقتصرة من قضيةالعقل على إثبات ذاتالمرسل المحترزة عن النظر في الصفات بنظر العقل المتبعةصاحب الشرع فيما أتى به منصفات الله المقتفية أثره في إطلاق العالم والمريدوالقادر والحي المنتهية عن إطلاقما لم يؤذن فيه المعترفة بالعجز عن درك العقل. ... ونحن نعترض عليكم! وإنماإنكاركم عليهم بنسبتهم إلى الجهل بمسالك البراهينووجه ترتيب المقدمات على أشكالالمقاييس ودعواكم أنا قد عرفنا ذلك بمسالكعقلية. وقد بان عجزكم وتهافت مسالككموافتضاحكم في دعوى معرفتكم وهو المقصود منهذا البيان. فأين من يدعي أن براهين الإلهيات قاطعة كبراهين الهندسيات قولهم: الأول لم يعلم إلانفسه فإن قيل: هذاالإشكال إنما لزم على ابن سينا حيث زعم أن الأول يعلم غيره.فأما المحققون منالفلاسفة قد اتفقوا على أنه لا يعلم إلا نفسه فيندفع هذاالإشكال. قولنا: كل واحدمن العقلاء يعلم أشياء كثيرة! فنقول: ناهيكم خزياًبهذا المذهب ولولا أنه في غايةالركاكة لما استنكف المتأخرون عن نصرته. ونحنننبه على وجه الخزي فيه فإن فيهتفضيل معلولاته عليه إذ الملك والإنسان وكلواحد من العقلاء يعرف نفسه ومبدأه ويعرفغيره والأول لا يعرف إلا نفسه فهو ناقصبالإضافة إلى آحاد الناس فضلاً عن الملائكةبل البهيمة مع شعورها بنفسها تعرفأموراً أخر سواها. ولا شك في أن العلم شرف وانعدمه نقصان. فأين قولهم: إنهعاشق ومعشوق لأن له البهاء الأكمل والجمال الأتم وأيجمال لوجود بسيط لا ماهيةله ولا حقيقة ولا خبر له مما يجري في العالم ولا ممايلزم ذاته ويصدر منه وأينقصان في عالم الله يزيد على هذا بلغ الفلاسفة هذا المبلغ!وليتعجب العاقل منطائفة يتعمقون في المعقولات بزعمهم ثم ينتهي آخر نظرهم إلى أنرب الأرباب ومسببالأسباب لا علم له أصلاً بما يجري في العالم. وأي فرق بينه وبينالميت إلا فيعلمه بنفسه وأي كمال في علمه بنفسه مع جهله بغيره وهذا مذهب تغنيصورته فيالافتضاح عن الإطناب والإيضاح.
الذات غير العلم بالذات كما في الإنسان ثم يقال لهؤلاء: لمتتخلصوا عن الكثرة معاقتحام هذه المخازي أيضاً فإنا نقول: علمه بذاته عين ذاتهأو غير ذاته. فإن قلتم:إنه غيره فقد جاءت الكثرة وإن قلتم: إنه عينه فما الفصلبينكم وبين قائل: إن علمالإنسان بذاته عين ذاته وهو حماقة إذ يعقل وجود ذاتهفي حالة هو فيها غافل عن ذاتهثم تزول غفلته ويتنبه لذاته فيكون شعوره بذاتهغير ذاته لا محالة. قولهم: الإنسانقد يطرى عليه العلم فيكون غيره فإن قلتم:إن الإنسان قد يخلوا عن العلم بذاتهفيطرى عليه فيكون غيره لا محالة. قولنا:يقدر طريان الذات فنقول: الغيرية لا تعرفبالطريان والمقارنة فإن عين الشيء لايجوز أن يطرى على الشيء وغير الشيء إذا قارنالشيء لم يصر هو هو ولم يخرج عنكونه غيراً. فبأن كان الأول لم يزل عالماً بذاتهلا يدل على أن علمه بذاته عينذاته ويتسع الوهم لتقدير الذات ثم طريان الشعور. ولوكان هو الذات بعينه لماتصور هذا التوهم. قولهم: ذاته عقل وعلم... فإن قيل: ذاتهعقل وعلم فليس له ذاتثم علم قائم به. قولنا: يردون الله إلى حقائق الأغراض!... قلنا: الحماقةظاهرة في هذا الكلام فإن العلم صفة وعرض يستدعي موصوفاً وقولالقائل: هو فيذاته عقل وعلم كقوله: هو قدرة وإرادة وهو قائم بنفسه. ولو قيل: بهفهو كقولالقائل في سواد وبياض: إنه قائم بنفسه وفي كمية وتربيع وتثليث: إنه قائمبنفسه.وكذى في كل الأعراض. وبالطريق الذي يستحيل أن تقوم صفات الأجسام بنفسها دونجسمهو غير الصفات بعين ذلك الطريق يعلم أن صفات الأحياء من العلم والحياة والقدرةوالإرادة أيضاً لا تقوم بنفسها وإنما تقوم بذات. فالحياة تقوم بالذات فيكونحياتهبها وكذلك سائر الصفات. فإذن لم يقنعوا بسلب الأول سائر الصفات ولا بسلبهالحقيقةوالماهية حتى سلبوه أيضاً القيام بنفسه وردوه إلى حقائق الأعراضوالصفات التي لاقوام لها بنفسها. ... ولا يقيمون الدليل على كونه عالماً...وسنبين ذلك على أناسنبين بعد هذا عجزهم عن إقامة الدليل على كونه عالماًبنفسه وبغيره في مسألة مفردة. مسألة في إبطال قولهم أن الأول لا يجوز أن يشاركغيره في جنس ويفارقه بفصلوأنه لا يتطرق إليه انقسام في حق العقل بالجنس رأيهموقد اتفقوا على هذا وبنواعليه أنه إذا لم يشارك غيره بمعنى جنسي لم ينفصل عنهبمعنى فصلي فلم يكن له حد إذالحد ينتظم من الجنس والفصل وما لا تركيب فيه فلاحد له. وهذا نوع من التركيب.وزعموا أن قول القائل: أنه يساوي المعلول الأول فيكونه موجوداً وجوهراً وعلةلغيره ويباينه بشيء آخر لا محالة فليس هذا مشاركة فيالجنس بل هو مشاركة في لازمعام. في الجنس وفرق بين الجنس واللازم في الحقيقةوإن لم يفترقا في العموم على ماعرف في المنطق فإن الجنس الذاتي هو العامالمقول في جواب ما هو ويدخل في ماهيةالشيء المحدود ويكون مقوماً لذاته. فكونالإنسان حياً داخل في ماهية الإنسان أعنيالحيوانية فكان جنساً. وكونه مولوداًومخلوقاً لازم له لا يفارقه قط ولكنه ليسداخلاً في الماهية. وإن كان لازماًعاماً ويعرف ذلك في المنطق معرفة لا يتمارىفيها. قولهم: إن الوجود لا يدخل فيماهية الأشياء... وزعموا أن الوجود لا يدخل قط فيماهية الأشياء بل هو مضاف إلىالماهية: إما لازماً لا يفارق كالسماء أو وارداً بعدأن لم يكن كالأشياءالحادثة فالمشاركة في الوجود ليس مشاركة في الجنس. ... ولايدخل فيها " كونهعلة "... وأما مشاركته في كونه علة لغيره كسائر العلل فهو مشاركةفي إضافةلازمة لا تدخل أيضاً في الماهية فإن المبدئية والوجود لا يقوم واحد منهماالذاتبل يلزمان الذات بعد تقوم الذات بأجزاء ماهيته. فليس المشاركة فيه إلامشاركةفي لازم عام يتبع الذات لزومه لا في جنس. ولذلك لا تحد الأشياء إلابالمقوماتفإن حدث باللوازم كان ذلك رسماً للتمييز لا لتصوير حقيقة الشيء. فلا يقالفي حدالمثلث إنه الذي تساوي زواياه القائمتين وإن كان ذلك لازماً عاماً لكل مثلث بل يقال إنه شكل يحيط به ثلاثة أضلاع. ...ولا يدخل فيها كونهجوهراً... وكذلك المشاركة في كونه جوهراً فإن معنى كونهجوهراً أنه موجود لا فيموضوع والموجود ليس بجنس. فبأن يضاف إليه أمر سلبي وهوأنه لا في موضوع فلا يصيرجنساً مقوماً بل لو أضيف إليه إيجابه وقيل موجود فيموضوع لم يصر جنساً في العرضوهذا لأن من عرف الجوهر بحده الذي هو كالرسم لهوهو أنه موجود لا في موضوع فليسيعرف كونه موجوداً فضلاً أن يعرف أنه في موضوعأو لا في موضوع بل معنى قولنا فيرسم الجوهر أنه الموجود لا في موضوع أي أنهحقيقة ما إذا وجد وجد لا في موضوع.ولسنا نعني به أنه موجود بالفعل حالةالتحديد فليس المشاركة فيه مشاركة في جنس. ...بل الوجود الواجب هو للأول لالغيره بل المشاركة في مقومات الماهية هي المشاركةفي الجنس المحوج إلىالمباينة بعده بالفصل وليس للأول ماهية سوى الوجود الواجب.فالوجود الواجبطبيعة حقيقية وماهية في نفسه هو له لا لغيره. وإذا لم يكن وجوبالوجود إلا لهلم يشارك غيره فلم ينفصل عنه بفصل نوعي فلم يكن له حد. قولنا:المطالبة فهذاتفهيم مذهبهم. والكلام عليه من وجهين: مطالبة وإبطال. أما المطالبةفهو أنيقال: هذا حكاية المذهب فبم عرفتم استحالة ذلك في حق الأول حتى بنيتم عليهنفيالتثنية إذ قلتم: إن الثاني ينبغي أن يشاركه في شيء ويباينه في شيء والذي فيهما يشارك به وما يباين به فهو أبطلنا إمكان التركيب في الأول فنقول: هذا النوع من التركيبمن أين عرفتم استحالتهولا دليل عليه إلا قولكم المحكي عنكم في نفي الصفات وهوأن المركب من الجنس والفصلمجتمع من أجزاء فإن كان يصح لواحد من الأجزاء أوالجملة وجود دون الآخر فهو واجبالوجود دون ما عداه وإن كان لا يصح للأجزاءوجود دون المجتمع ولا للمجتمع وجود دونالأجزاء فالكل معلول محتاج. وقد تكلمناعليه في الصفات وبينا أن ذلك ليس بمحال فيقطع تسلسل العلل والبرهان لم يدل علىقطع التسلسل. البرهان لا يدل إلا على قطعالتسلسل فقط فأما العظائم التياخترعوها في لزوم اتصاف واجب الوجود به فلم يدلعليه دليل. فإن كان واجب الوجودما وصفوه به وهو أنه لا يكون فيه كثرة فلا يحتاج فيقوامه إلى غيره فلا دليلإذن على إثبات واجب الوجود وإنما الدليل دل على قطعالتسلسل فقط وهذا قد فرغنامنه في الصفات. ليس بين الجنس والفصل مباينة تامة وهوفي هذا النوع أظهر فإنانقسام الشيء إلى الجنس والفصل ليس كانقسام الموصوف إلى ذاتوصفة فإن الصفة غيرالذات والذات غير الصفة والنوع ليس غير الجنس من كل وجه فمهماذكرنا النوع فقدذكرنا الجنس وزيادة. وإذا ذكرنا الإنسان فلم نذكر إلا الحيوان معزيادة نطق.فقول القائل: إن الإنسانية هل تستغني عن الحيوانية كقوله: إن الإنسانيةهلتستغني عن نفسها إذا انضم إليها شيء آخر فهذا أبعد عن الكثرة من الصفة والموصوف.إن لم تكن المباينة في الفصل... ومن أي وجه يستحيل أن تنقطع سلسلة المعلولاتعلىعلتين إحديهما علة السموات والأخرى علة العناصر أو أحدهما علة العقولوالآخر علةالأجسام كلها ويكون بينهما مباينة ومفارقة في المعنى كما بين الحمرةوالحرارة فيمحل واحد فإنهما يتباينان بالمعنى من غير أن نفرض في الحمرةتركيباً جنسياًوفصلياً بحيث يقبل الانفصال بل إن كان فيه كثرة فهو نوع كثرة لايقدح في وحدة الذات.فمن أي وجه يستحيل هذا في العلل وبهذا يتبين عجزهم عن نفيإلهين صانعين.
إما أن يكون هذا شرطاً في وجوب الوجود وإما أن لا يكون ولايصح في الحالين فإنقيل: إنما يستحيل هذا من حيث أن ما به من المباينة بينالذاتين إن كان شرطاً فيوجوب الوجود فينبغي أن يوجد لكل واجب وجود فلايتباينان وإن لم يكن هذا شرطاً ولاالآخر شرطاً فكل ما لا يشترط في وجوب الوجودفوجوده مستغنى عنه ويتم وجوب الوجودبغيره. قلنا: هذا عين ما ذكرتموه في الصفاتوقد تكلمنا عليه. ومنشأ التلبيس فيجميع ذلك في لفظ واجب الوجود فليطرح فإنا لانسلم أن الدليل يدل على واجب الوجود إنلم يكن المراد به موجود لا فاعل له قديموإن كان المراد هذا فليترك لفظ واجبالوجود وليبين أن موجوداً لا علة له ولافاعل يستحيل فيه التعدد والتباين ولا يقومعليه دليل. بعض التباين هو شرط في "كون " اللون لوناً فيبقى قولهم: إن ذلك هل هوشرط في أن لا يكون له علة فهوهوس فإن ما لا علة له قد بينا أنه لا يعلل كونه لاعلة له حتى يطلب شرطه أو هوكقول القائل: إن السوادية هل هي شرط في كون اللونلوناً فإن كان شرطاً فلم كانالحمرة لوناً فيقال: أما في حقيقته فلا يشترط واحدمنهما أعني ثبوت حقيقةاللونية في العقل وأما في وجوده فالشرط أحدهما لا بعينه أيلا يمكن جنس فيالوجود إلا وله فصل. فكذلك من يثبت علتين ويقطع التسلسل بهمافيقول: يتباينانبفصل وأحد الفصول شرط الوجود لا محالة ولكن لا على التعين. قولهم:وجوب الوجودكوجود اللونية لا كماهيته فإن قيل: هذا يجوز في اللون فإن له وجوداًمضافاًإلى الماهية زائداً على الماهية ولا يجوز في واجب الوجود إذ ليس له إلاوجوبالوجود وليس ثم ماهية يضاف الوجود إليها. وكما أن فصل السواد وفصل الحمرة لايشترط للونية في كونها لونية إنما يشترط في وجودها الحاصل بعلة فكذلك ينبغي أنلايشترط في الوجود الواجب فإن الوجود الواجب للأول كاللونية للون لا كالوجودالمضافإلى اللونية. قولنا: كلا وسيأتي الكلام عن الأمر قلنا: لا نسلم بل لهحقيقةموصوفة بالوجود على ما سنبينه في المسألة التي بعده. وقولهم: إنه وجودبلا ماهيةخارج عن المعقول. ورجع حاصل الكلام إلى انهم بنوا نفي التثنية علىنفي التركيب الجنسي والفصلي ثم بنوا ذاك على نفي الماهية وراءالوجود فمهما أبطلناالأخير الوجود فمهما أبطلنا الأخير الذي هو أساس الأساسبطل عليهم الكل وهو بنيانضعيف الثبوت قريب من بيوت العنكبوت. العقلية مشتركةبين الأول والمعلول الأولالمسلك الثاني الإلزام وهو أنا نقول: إن لم يكنالوجود والجوهرية والمبدئية جنساًلأنه ليس مقولاً في جواب ما هو فالأول عندكمعقل مجرد كما أن سائر العقول التي هيالمبادئ للوجود المسمى بالملائكة عندهمالتي هي معلومات الأول عقول مجردة عنالمواد فهذه الحقيقة تشمل الأول ومعلولهالأول فإن المعلول الأول أيضاً بسيط لاتركيب في ذاته إلا من حيث لوازمه وهمامشتركان في أن كل واحد عقل مجرد عن المادةوهذه حقيقة جنسية. فليس العقليةالمجردة للذات من اللوازم بل هي الماهية وهذهالماهية مشتركة بين الأول وسائرالعقول. فإن لم يباينها بشيء آخر فقد عقلتماثنينية من غير مباينة وإن باينهافما به المباينة غير ما به المشاركة والعقلية.وهذه المشاركة هي في ذات كليهماوالمشاركة فيها مشاركة في الحقيقية فإن الأول عقلنفسه وعقل غيره عند من يرىذلك من حيث أنه في ذاته عقل مجرد عن المادة وكذىالمعلول الأول وهو العقل الأولالذي أبدعه الله من غير واسطة مشارك في هذا المعنىوالدليل عليه أن العقول التيهي معلولات أنواع مختلفة وإنما اشتراكها في العقليةوافتراقها بفصول سوى ذلكوكذلك الأول شارك جميعها في العقلية فهم فيه بين نقضالقاعدة أو المصير إلى أنالعقلية ليست مقومة للذات وكلاهما محالان عندهم.
مسألة في إبطال قولهم إن وجود الأول بسيط أي هو وجود محضولا ماهية ولا حقيقة يضافالوجود إليها بل الوجود الواجب له كالماهية المطالبةبالدليل والكلام عليه منوجهين: الأول المطالبة بالدليل فيقال: بم عرفتم ذلكأبضرورة أو نظر وليس بضروريفلا بد من ذكر طريق النظر. قولهم: يكون الوجودالواجب معلولاً وهو محال فإن قيل:لأنه لو كان له ماهية لكان الوجود مضافاًإليها وتابعاً لها ولازماً لها والتابعمعلول فيكون الوجود الواجب معلولاً وهومتناقض. قولنا: هو محال إذا لم يكن له علةفاعلية فنقول: هذا رجوع إلى منبعالتلبيس في إطلاق لفظ الوجود الواجب فإنا نقول:له حقيقة وماهية وتلك الحقيقةموجودة أي ليست معدومة منفية ووجودها مضاف إليها وإنأحبوا أن يسموه تابعاًولازماً فلا مشاحة في الأسامي بعد أن يعرف أنه لا فاعلللوجود بل لم يزل هذاالوجود قديماً من غير علة فاعلية. فإن عنوا بالتابع والمعلولأن له علة فاعليةفليس كذلك وإن عنوا غيره فهو مسلم ولا استحالة فيه إذ الدليل لميدل إلا علىقطع تسلسل العلل وقطعه قولهم: تكون الماهية سبباً فاعلاً فإن قيل:فتكونالماهية سبباً للوجود الذي هو تابع له فيكون الوجود معلولاً ومفعولاً.قولنا:أي أنه لا يستغنى عنه قلنا: الماهية في الأشياء الحادثة لا تكون سبباًللوجودفكيف في القديم إن عنوا بالسبب الفاعل له وإن عنوا به وجهاً آخر وهو أنه لايستغنى عنه فليكن كذلك فلا استحالة فيه إنما الإستحالة في تسلسل العلل فإذاانقطعفقد اندفعت الإستحالة وما عدى ذلك لم تعرف استحالته فلا بد من برهان علىاستحالته.وكل براهينهم تحكمات مبناها على أخذ لفظ واجب الوجود بمعنى له لوازموتسلم أنالدليل قد دل على واجب الوجود بالنعت الذي وصفوه وليس كذلك كما سبق.من الضلال أنيقال: إن كل ماهية موجودة فمتكثرة
وعلى الجملة دليلهم في هذا يرجع إلى دليل نفي الصفات ونفيالإنقسام الجنسي والفصليإلا أنه أغمض وأضعف لأن هذه الكثرة لا ترجع إلا إلىمجرد اللفظ وإلا فالعقل يتسعلتقدير ماهية واحدة موجودة وهو يقولون: كل ماهيةموجودة فمتكثرة إذ فيه ماهيةووجود. وهذا غاية الضلال فإن الموجود الواحد معقولبكل حال ولا موجود إلا وله حقيقةووجود الحقيقة لا ينفي الوحدة. وجود بلا ماهيةولا حقيقة غير معقول المسلك الثانيهو أن نقول: وجود بلا ماهية ولا حقيقة غيرمعقول وكما لا نعقل عدماً مرسلاً إلابالإضافة إلى موجود يقدر عدمه فلا نعقلوجود مرسلاً إلا بالإضافة إلى حقيقة معينةلا سيما إذا تبين ذاتاً واحدة فكيفيتعين واحداً متميزاً عن غيره بالمعنى ولاحقيقة له فإن نفي الماهية نفيللحقيقة وإذا نفى حقيقة الموجود لم يعقل الوجودفكأنهم قالوا: وجود ولا موجودوهو متناقض. لا يعقل في المعلول نفي الماهية منالوجود ويدل عليه أنه لو كانهذا معقولاً لجاز أن يكون في المعلولات وجود لا حقيقةله يشارك الأول في كونهلا حقيقة ولا ماهية له ويباينه في أن له علة والأول لا علةله فلم لا يتصور هذافي المعلولات وهل له سبب إلا أنه غير معقول في نفسه وما لايعقل في نفسه فبأنينفي علته لا يصير معقولاً وما يعقل فبأن يقدر له علة لا يخرجعن كونه معقولاً.والتناهي إلى هذا الحد غاية ظلماتهم فقد ظنوا أنهم ينزهون فيمايقولون فانتهىكلامهم إلى النفي المجرد فإن نفي الماهية نفي قولهم: ماهيته هي أنهواجب فإنقيل: حقيقته أنه واجب وهو الماهية. قولنا: الوجود غير المعلول لا يستغنيعنالماهية قلنا: ولا معنى للواجب إلا نفي العلة وهو سلب لا يتقوم به حقيقة ذاتونفي العلة عن الحقيقة لازم الحقيقة فلتكن الحقيقة معقولة حتى توصف بأنه لا علةلها ولا يتصور عدمها إذ لا معنى للوجوب إلا هذا. على أن الوجوب إن زاد علىالوجودفقد جاءت الكثرة وإن لم يزد فكيف يكون هو الماهية والوجود ليس بماهيةفكذى ما لايزيد عليه.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-07-2012, 02:32 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن الأول ليسبجسم قولنا: وما الأمر إذاكان الأول جسماً قديماً فنقول: هذا إنما يستقيملمن يرى أن الجسم حادث من حيث أنهلا يخلوا عن الحوادث وكل حادث فيفتقر إلىمحدث. فأما أنتم إذا عقلتم جسماً قديماًلا أول لوجوده مع أنه لا يخلوا عنقولهم: الأول لا يقبل القسمة والجسم لا يكون إلامركباً فإن قيل: لأن الجسم لايكون إلا مركباً منقسماً إلى جزئين بالكمية وإلىالهيولى والصورة بالقسمةالمعنوية وإلى أوصاف يختص بها لا محالة حتى يباين سائرالأجسام وإلا فالأجساممتساوية في أنها أجسام وواجب الوجود واحد لا يقبل القسمةبهذه الوجوه. قولنا:أبطلنا هذا فيما سبق قلنا: وقد أبطلنا هذا عليكم وبينا أنهلا دليل لكم عليهسوى أن المجتمع إذا افتقر بعض أجزائه إلى البعض كان معلولاً. وقدتكلمنا عليهوبينا أنه إذا لم يبعد تقدير موجود لا موجد له لم يبعد تقدير مركب لامركب لهوتقدير موجودات لا موجد لها إذ نفي العدد والتثنية بنيتموه على نفيالتركيبونفي التركيب على نفي الماهية سوى الوجود وما هو الأساس الأخير فقداستأصلناهوبينا تحكمكم فيه.
قولهم الجسم بلا نفس لا يكون فاعلاً وإن كان له نفس فنفسهعلة له فإن قيل: الجسمإن لم يكن له نفس لا يكون فاعلاً وإن كان له نفس فنفسهعلة له فلا يكون قولنا: كلاقلنا: نفسنا ليس علة لوجود جسمنا ولا نفس الفلكبمجردها علة لوجود جسمه عندكم بلهما يوجدان بعلة سواهما فإذا جاز وجودهماقديماً جاز أن لا يكون لهما علة. قولهم:كيف اتفق اجتماعهما فإن قيل: كيف اتفقاجتماع النفس والجسم قولنا: وما المانع إذاكانا قديمين قلنا: هو كقول القائل:كيف اتفق وجود الأول فيقال: هذا سؤال عن حادثفأما ما لم يزل موجوداً فلا يقالكيف اتفق. فكذلك الجسم ونفسه إذا لم يزل كل واحدموجوداً لم يبعد أن يكونصانعاً قولهم: لأن الجسم لا يخلق غيره والنفس لا تخلقإلا بواسطة الجسم فإنقيل: لأن الجسم من حيث أنه جسم لا يخلق غيره والنفس المتعلقةبالجسم لا تفعلإلا بواسطة الجسم ولا يكون الجسم واسطة للنفس في خلق الأجسام ولافي إبداعالنفوس وأشياء لا تناسب الأجسام. قولنا: هذا أمر لا يدل عليه برهان قلنا:ولملا يجوز أن يكون في النفوس نفس تختص بخاصية تتهيأ بها لأن توجد الأجسام وغيرالأجسام منها فاستحالة ذلك لا يعرف ضرورة ولا برهان يدل عليه إلا أنه لم نشاهدمنهذه الأجسام المشاهدة وعدم المشاهدة لا يدل على الاستحالة فقد أضافوا إلىالموجودالأول بما لا يضاف إلى موجود أصلاً ولم نشاهد من غيره وعدم المشاهدة منغيره لايدل على استحالته منه فكذى في نفس الجسم والجسم. قولهم: الجسم يقدربمقدار فإنقيل: الجسم الأقصى أو الشمس أو ما قدر من الأجسام فهو متقدر بمقداريجوز أن يزيد عليه وينقص منه فيفتقر اختصاصه بذلك المقدار الجائز إلىمخصص فلا يكون أولاً.قولنا: وهذا المقدار يكون على حسب نظام الكل قلنا: بمتنكرون على من يقول: إن ذلكالجسم يكون على مقدار يجب أن يكون عليه لنظام الكلولو كان أصغر منه أو أكبر لميجز كما أنكم قلتم: إن المعلول الأول يفيض الجرمالأقصى منه متقدراً بمقدار وسائرالمقادير بالنسبة إلى ذات المعلول الأولمتساوية ولكن تعين بعض المقادير لكونالنظام متعلقاً به فوجب المقدار الذي وقعولم يجز خلافه فكذى إذا قدر غير معلول.قولنا إذا أثبتم مبدأ للتخصيص اضطررتمإلى تجويز التخصيص بغير علة بل لو أثبتوافي المعلول الأول الذي هو علة الجرمالأقصى عندهم مبدأ للتخصيص مثل إرادة مثلاً لمينقطع السؤال إذ يقال: ولم أرادهذا المقدار دون غيره كما ألزموه على المسلمين فيإضافتهم الأشياء إلى الإرادةالقديمة وقد قلبنا عليهم ذلك في تعين جهة حركة السماءوفي تعين نقطتي القطبين.

فليطلق ذلك على غير المعلول أيضاً فإذا بان أنهم مضطرون إلىتجويز تميز الشيء عنمثله في الوقوع بعلة فتجويزه بغير علة كتجويزه بعلة إذ لافرق بين أن يتوجه السؤالفي نفس الشيء فيقال: لم اختص بهذا القدر وبين أن يتوجهفي العلة فيقال: ولم خصصهبهذا القدر عن مثله فإن أمكن دفع السؤال عن العلة بأنهذا المقدار ليس مثل غيره إذالنظام مرتبط به دون غيره أمكن دفع السؤال عن نفسالشيء ولم يفتقر إلى علة وهذا لامخرج عنه فإن هذا المقدار المعين الواقع إنكان مثل الذي لم يقع فالسؤال متوجه أنهكيف ميز الشيء عن مثله خصوصاً على أصلهموهم ينكرون الإرادة المميزة وإن لم يكنمثلاً له فلا يثبت الجواز بل يقال: وقعكذلك قديماً كما وقعت العلة القديمة بزعمهم.راجع ما سبق وليستمد الناظر في هذاالكلام مما أوردناه لهم من توجيه السؤال فيالإرادة القديمة وقلبنا ذلك عليهمفي نقطة القطب وجهة حركة الفلك. الخاتمة وتبينبهذا أن من لا يصدق بحدوثالأجسام فلا يقدر على إقامة دليل على أن الأول ليس بجسمأصلاً.

مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعاًوعلة فنقول: من ذهب إلى أنكل جسم فهو حادث لأنه لا يخلوا عن الحوادث عقلمذهبهم في قولهم: إنه يفتقر إلىصانع وعلة. وأما أنتم فما الذي يمنعكم من مذهبالدهرية وهو أن العالم قديم كذلك ولاعلة له ولا صانع وإنما العلة للحوادث وليسيحدث في العالم جسم ولا ينعدم جسم وإنماتحدث الصور والأعراض فإن الأجسام هيالسموات وهي قديمة والعناصر الأربعة التي هيحشو فلك القمر وأجسامها وموادهاقديمة وإنما تتبدل عليها الصور بالامتزاجاتوالاستحالات وتحدث النفوس الإنسانيةوالنباتية وهذه الحوادث تنتهي عللها إلىالحركة الدورية والحركة الدورية قديمةومصدرها نفس قديمة للفلك فإذن لا علة للعالمولا صانع لأجسامه بل هو كما هوعليه لم يزل قديماً كذلك بلا علة أعني الأجسام. فمامعنى قولهم إن هذه الأجساموجودها بعلة وهي قديمة قولهم: لا يكون واجب الوجود وهومحال فإن قيل: كل ما لاعلة له فهو واجب الوجود وقد ذكرنا من صفات واجب الوجود ماتبين به أن الجسم لايكون واجب الوجود. قولنا: بل ينقطع تسلسل العلل قلنا: وقدبينا فساد ماادعيتموه من صفات واجب الوجود وأن البرهان لا يدل إلا على قطع السلسلةوقدانقطع عند الدهري في أول الأمر إذ يقول: لا علة للأجسام وأما الصور والأعراضفبعضها علة للبعض إلى أن تنتهي إلى الحركة الدورية وهي بعضها سبب للبعض كما هومذهب الفلاسفة وينقطع تسلسلها بها. ومن تأمل ما ذكرناه علم عجز كل من يعتقد قدمالأجسام عن دعوى علة لها ولزمه الدهر والإلحاد كما صرح به فريق فهم الذين وفوابمقتضى نظر هؤلاء. قولهم: الأجسام غير واجبة الوجود فهي ممكنة فإن قيل: الدليلعليه أن هذه الأجسام إما أن كانت واجبة الوجود وهو محال وإما أن كانت ممكنة وكلممكن يفتقر إلى علة. قولنا: ولم لا تكون بغير علة قلنا: لا يفهم لفظ واجبالوجودوممكن الوجود فكل تلبيساتهم مغباة في هاتين اللفظتين.
فلنعدل إلى المفهوم وهو نفي العلة وإثباته فكأنهم يقولون:هذه الأجسام لها علة أملا علة لها فيقول الدهري: لا علة لها فما المستنكر وإذاعني بالإمكان هذا فنقول:إنه واجب وليس قولهم: إن الأجزاء تكون سابقة في الذاتعلى الجملة فإن قيل: لاينكر أن الجسم له أجزاء وأن الجملة إنما تتقومبالأجزاء وأن الأجزاء تكون سابقة فيالذات على الجملة. قولنا: لا يمكنكم الردعلى إبطال الكثرة قلنا: ليكن كذلكفالجملة تقومت بالأجزاء واجتماعها ولا علةللأجزاء ولا لاجتماعها بل هي قديمة كذلكبلا علة فاعلية. فلا يمكنهم رد هذا إلابما ذكروه من لزوم نفي الكثرة عن الموجودالأول وقد أبطلناه عليهم ولا سبيل لهمسواه. الخاتمة فبان أن من لا يعتقد حدوثالأجسام فلا أصل لاعتقاده في الصانعأصلاً. مسألة في تعجيز من يرى منهم أن الأوليعلم غيره ويعلم الأنواع والأجناسبنوع كلي قولنا: دليل المسلمين دليل صحيح...فنقول: أما المسلمون لما انحصرعندهم الوجود في حادث وفي قديم ولم يكن عندهم قديمإلا الله وصفاته وكان. ماعداه حادثاً من جهته بإرادته حصل عندهم مقدمة ضرورية فيعلمه فإن المرادبالضرورة لا بد وأن يكون معلوماً للمريد فبنوا عليه أن الكل معلومله لأن الكلمراد له وحادث بإرادته فلا كائن إلا وهو حادث بإرادته ولم يبق إلاذاته ومهماثبت أنه مريد عالم بما أراده فهو حي بالضرورة وكل حي يعرف غيره فهو بأنيعرفذاته أولى فصار الكل عندهم معلوماً لله وعرفوه بهذا الطريق بعد أن بان لهمأنهمريد لإحداث العالم.
وأما أنتم فما هو دليلكم فأما أنتم فإذا زعمتم أن العالمقديم لم يحدث بإرادته فمنأين عرفتم أنه يعرف غير ذاته فلا بد من الدليل عليه.قولهم: الموجود لا في مادةيعقل جميع المعقولات وحاصل ما ذكره ابن سينا فيتحقيق ذلك في إدراج كلامه يرجعإلى فنين: الفن الأول: أن الأول موجود لا فيمادة وكل موجود لا في مادة فهو عقل محضوكل ما هو عقل محض فجميع المعقولاتمكشوفة له فإنه المانع عن درك الأشياء كلهاالتعلق بالمادة والاشتغال بها ونفسالآدمي مشغول بتدبير المادة أي البدن وإذاانقطع شغله بالموت ولم يكن قد تدنسبالشهوات البدنية والصفات الرذيلة المتعدية إليهمن الأمور الطبيعية انكشف لهحقائق المعقولات كلها. ولذلك قضى بأن الملائكة كلهميعرفون جميع المعقولات ولايشذ عنهم شيء لأنهم أيضاً عقول مجردة لا في مادة.قولنا: النتيجة تحتاج إلىبرهان فنقول: قولكم: الأول موجود لا في مادة إن كانالمعنى به أنه ليس بجسمولا هو منطبع في جسم بل هو قائم بنفسه من غير تحيز واختصاصبجهة فهو مسلم.فيبقى قولكم: وما هذا صفته فهو عقل مجرد فماذا تعني بالعقل إن عنيتما يعقلسائر الأشياء فهذا نفس المطلوب وموضع النزاع فكيف أخذته في مقدمات قياسالمطلوبوإن عنيت به غيره وهو أنه يعقل نفسه فربما يسلم لك إخوانك من الفلاسفة ذلكولكنيرجع حاصله إلى أن ما يعقل نفسه يعقل غيره فيقال: ولم ادعيت هذا وليس ذلكبضروري وقد انفرد به ابن سينا عن سائر الفلاسفة فكيف تدعيه ضرورياً وإن كاننظرياًفما البرهان عليه قولهم: المادة مانع من درك الأشياء قولنا: المانعوالمادة لايتفقان فنقول: نسلم أنه مانع ولا نسلم أنه المانع فقط. وينتظمقياسهم على شكلالقياس الشرطي وهو أن يقال: إن كان هذا في المادة فهو لا يعقلالأشياء ولكنه ليسفي المادة فإذن يعقل الأشياء. فهذا استثناء نقيض المقدمواستثناء نقيض المقدم غيرمنتج بالاتفاق وهو كقول القائل: إن كان هذا إنساناًفهو حيوان لكنه ليس بإنسانفإذن ليس بحيوان. فهذا لا يلزم إذ ربما لا يكونإنساناً ويكون فرساً فيكون حيواناً. نعم استثناء نقيض المقدم ينتجنقيض التالي على ما ذكرفي المنطق بشرط وهو ثبوت انعكاس التالي على المقدم وذلكبالحصر وهو كقولهم: إنكانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس ليست طالعةفالنهار غير موجود لأن وجودالنهار لا سبب له سوى طلوع الشمس فكان أحدهمامنعكساً على الآخر. وبيان هذهالأوضاع والألفاظ يفهم في كتاب مدارك العقول الذيصنفناه مضموماً إلى هذا الكتاب.قولهم: يتفقان فإن قيل: فنحن ندعي التعاكس وهوأن المانع محصور في المادة فلامانع سواه. قولنا: فما الدليل عليه قولهم: الكلمن فعل الأول الفن الثاني قوله:إنا وإن لم نقل: إن الأول مريد الأحداث ولا إنالكل حادث حدوثاً زمانياً فإنا نقول:إنه فعله وقد وجد منه إلا أنه لم يزل بصفةالفاعلين فلم يزل فاعلاً فلا نفارقغيرنا إلا في هذا القدر وأما في أصل الفعلفلا وإذا وجب الفاعل عالماً بالاتفاقفعله فالكل عندنا من فعله. قولنا: ففعلهلازم والجواب من وجهين: أحدهما أن الفعلقسمان: إرادي كفعل الحيوان والإنسانوطبيعي كفعل الشمس في الإضاءة والنار فيالتسخين والماء في التبريد. وإنما يلزمالعلم بالفعل في الفعل الإرادي كما فيالصناعات البشرية وأما الفعل الطبيعيفلا. وعندكم إن الله فعل العالم بطريق اللزومعن ذاته بالطبع والاضطرار لابطريق الإرادة والاختيار بل لزم الكل ذاته كما يلزمالنور الشمس وكما لا قدرةللشمس على كف النور ولا للنار على كف التسخين فلا قدرةللأول على الكف عنأفعاله تعالى عن قولهم علواً كبيراً وهذا النمط وإن تجوزبتسميته فعلاً فلايقتضي علماً للفاعل أصلاً. فإن قيل: بين الأمرين فرق وهو إن صدرالكل عن ذاتهبسبب علمه بالكل فتمثل النظام الكلي هو سبب فيضان الكل ولا مبدأ لهسوى العلمبالكل والعلم بالكل عين ذاته فلو لم يكن له علم بالكل لما وجد منه الكلبخلافالنور من الشمس.
قولنا: إذا نفيت الإرادة فما المانع أن يحال هذا المذهب قلنا: وفي هذا خالفك إخوانك فإنهم قالوا: ذاته ذات يلزممنه وجود الكل على ترتيبهبالطبع والاضطرار لا من حيث أنه عالم بها فما المحيللهذا المذهب مهما وافقتهم علىنفي الإرادة ولما لم يشترط علم الشمس بالنورللزوم النور بل يتبعه النور ضرورةفليقدر ذلك في الأول ولا مانع منه. يقتصر علمالأول على علم المعلول الأول وهومحال الوجه الثاني هو أنه إن سلم أن صدورالشيء من الفاعل يقتضي العلم أيضاًبالصادر فعندهم فعل الله واحد وهو المعلولالأول الذي هو عقل بسيط فينبغي أن لايكون عالماً إلا به والمعلول الأول يكونعالماً أيضاً بما صدر منه فقط فإن الكل لميوجد من الله دفعة بل بالوساطةوالتولد واللزوم فالذي يصدر مما يصدر منه لم ينبغيأن يكون معلوماً له ولم يصدرمنه إلا شيء واحد بل هذا لا يلزم في الفعل الإراديفكيف في الطبيعي فإن حركةالحجر من فوق جبل قد يكون بتحريك إرادي يوجب العلم بأصلالحركة ولا يوجب العلمبما يتولد منه بوساطته من مصادمته وكسره غيره. فهذا أيضاًلا جواب له عنه.قولهم: إن كان الأول لا يعرف إلا نفسه أمست المعلولات فوقه شرفاً فإن قيل: لوقضينا بأنه لا يعرف إلا نفسه لكان ذلك في غاية الشناعة فإن غيره يعرفنفسهويعرفه ويعرف غيره فيكون في الشرف فوقه كيف يكون المعلول أشرف من العلةقولنا:هذا أمر لازم!... قلنا: فهذه الشناعة لازمة من مقاد الفلسفة في نفي الإرادةونفي حدث العالم فيجب ارتكابها كما ارتكب سائر الفلاسفة أو لا بد من تركالفلسفةوالاعتراف بأن العالم حادث بالإرادة.
أو لا بد من إبطاله ثم يقال: بم تنكر على من قال منالفلاسفة إن ذلك ليس بزيادةشرف فإن العلم إنما احتاج إليه غيره ليستفيد بهكمالاً فإنه في ذاته قاصر والإنسانشرف بالمعقولات إما ليطلع على مصلحته فيالعواقب في الدنيا والآخرة وإما لتكملذاته المظلمة الناقصة وكذى سائرالمخلوقات. وأما ذات الله فمستغنية عن التكميل بللو قدر له علم يكمل به لكانذاته من حيث ذاته ناقصاً. فكما أن علمه بالخواص منالنقصان كذلك علمه بالكلياتوهذا كما قلت في السمع والبصر وفي العلم بالجزئياتالداخلة تحت الزمان فإنكوافقت سائر الفلاسفة بأن الله منزه عنه وأن المتغيراتالداخلة في الزمانالمنقسمة إلى ما كان ويكون لا يعرفه الأول لأن ذلك يوجب تغيراًفي ذاته وتأثراًولم يكن في سلب ذلك عنه نقصان بل هو كمال وإنما النقصان في الحواسوالحاجةإليها ولولا نقصان الآدمي لما احتاج إلى حواس لتحرسه عما يتعرض للتغير به.وكذلك العلم بالحوادث الجزئية زعمتم أنه نقصان. فإذا كنا نعرف الحوادث كلهاوندركالمحسوسات كلها والأول لا يعرف شيئاً من الجزئيات ولا يدرك شيئاً منالمحسوسات ولايكون ذلك نقصاناً فالعلم بالكليات العقلية أيضاً يجوز أن يثبتلغيره ولا يثبت لهولا يكون فيه نقصان أيضاً وهذا لا مخرج عنه.
مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أنه يعرف ذاته أيضاًفنقول: المسلمون لماعرفوا حدوث العالم بإرادته استدلوا بالإرادة على العلم ثمبالإرادة والعلم جميعاًعلى الحياة ثم بالحياة على أن كل حي يشعر بنفسه وهو حيفيعرف ذاته فكان هذا منهجاًمعقولاً في غاية المتانة. وأما أنتم فلا فأما أنتمفإذا نفيتم الإرادة والإحداثوزعمتم أن ما يصدر منه يصدر بلزوم على سبيلالضرورة والطبع فأي بعد أن تكون ذاتهذاتاً من شأنها أن يوجد منه المعلول الأولفقط ثم يلزم المعلول الأول المعلولالثاني إلى تمام ترتيب الموجودات ولكنه معذلك لا يشعر بذاته كالنار يلزم منهاالسخونة والشمس يلزم منها النور ولا يعرفواحد منهما ذاته كما لا يعرف غيره بل مايعرف ذاته يعرف ما يصدر منه فيعرفغيره. وقد بينا من مذهبهم أنه لا يعرف غيرهوألزمنا من خالفهم في ذلك موافقتهمبحكم وضعهم وإذا لم يعرف غيره لم يبعد أن لايعرف نفسه. قولهم: يكون الأولميتاً! فإن قيل: كل من لا يعرف نفسه فهو ميت فكيفيكون الأول ميتاً قولنا: إننفيت الصفات من الأول فما حاجته إلى معرفة نفسه قلنا:فقد لزمكم ذلك على مساقمذهبكم إذ لا فصل بينكم وبين من قال: كل من لا يفعل بإرادةوقدرة واختيار ولايسمع ولا يبصر فهو ميت ومن لا يعرف غيره فهو ميت. فإن جاز أنيكون الأول خالياًعن هذه الصفات كلها فأي حاجة به إلى أن يعرف ذاته فإن عادوا إلىأن كل بريء عنالمادة عقل بذاته فيعقل نفسه فقد بينا أن ذلك تحكم لا برهان عليه.قولهم: الحيأشرف من الميت فإن قيل: البرهان عليه أن الموجود ينقسم إلى حي وإلىميت والحيأقدم وأشرف من الميت والأول أقدم واشرف فليكن حياً وكل حي يشعر بذاته إذيستحيلأن يكون في معلولاته الحي هو لا يكون حياً. قولنا: لم يستحيل كون المعلولأشرفمن العلة قلنا: هذه تحكمات فإنا نقول: لم يستحيل أن يلزم مما لا يعرف نفسهمايعرف نفسه بالوسائط الكثيرة أو بغير واسطة فإن كان المحيل لذلك كون المعلول أشرفمن العلة فلم يستحيل أن يكون المعلول أشرف من العلة وليس هذا بديهياً فيكون شرفه لا فيمعرفة الذات بل في كونهمبدأ لذوات المعرفة ثم بم تنكرون أن شرفه في أن وجودالكل تابع لذاته لا في علمهالدليل عليه أن غيره ربما عرف أشياء سوى ذاته ويرىويسمع وهو لا يرى ولا يسمع. ولوقال قائل: الموجود ينقسم إلى البصير والأعمىوالعالم والجاهل فليكن البصير أقدموليكن الأول بصيراً وعالماً بالأشياء. لكنكمتنكرون ذلك وتقولون: ليس الشرف فيالبصر والعلم بالأشياء بل في الاستغناء عنالبصر والعلم وكون الذات بحيث يوجد منهالكل فيه العلماء وذوو الأبصار. فكذلكلا شرف في معرفة الذات بل في كونه مبدألذوات المعرفة وهذا شرف مخصوص به.الخاتمة ليس هناك دليل على تلك الأمور إن لم تؤخذإلا من نظر العقل فبالضرورةيضطرون إلى نفي علمه أيضاً بذاته إذ لا يدل على شيء منذلك سوى الإرادة ولا يدلعلى الإرادة سوى حدث العالم. وبفساد ذلك يفسد هذا كله علىمن يأخذ هذه الأمورمن نظر العقل. فجميع ما ذكروه من صفات الأول أو نفوه لا حجةلهم عليها إلاتخمينات وظنون تستنكف الفقهاء منها في الظنيات. ولا غرو لو حار العقلفي الصفاتالإلهية ولا عجب إنما العجب من عجبهم بأنفسهم وبأدلتهم ومن اعتقادهمأنهم عرفواهذه الأمور معرفة يقينية مع ما فيها من الخبط الخبال. الجزئيات المنقسمةبانقسام الزمان إلى الكائن وما كان وما يكون اتفاقهم على هذه المسألة وقداتفقواعلى ذلك فإن من ذهب منهم إلى أنه لا يعلم إلا نفسه فلا يخفى هذا عنمذهبه ومن ذهبإلى أنه يعلم غيره وهو الذي اختاره ابن سينا فقد زعم أنه يعلمالأشياء علماً كلياًلا يدخل تحت الزمان ولا يختلف بالماضي والمستقبل والآن ومعذلك زعم أنه لا يعزب عنعلمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض إلا أنه يعلمالجزئيات بنوع كلي. ولا بدأولاً من فهم مذهبهم ثم الاشتغال بالاعتراض.

قولهم إن كسوف الشمس في المستقبل والحاضر والماضي نعلمهبعلوم ثلاثة ونبين هذابمثال وهو أن الشمس مثلاً ينكسف بعد أن لم يكن منكسفاًثم يتجلى فيحصل له ثلثةأحوال أعني الكسوف حالة هو فيها معدوم منتظر الوجود أيسيكون وحال هو فيها موجودأي هو كائن وحالة ثالثة هو فيها معدوم ولكنه كان منقبل. ولنا بإزاء الأحوال الثلثةثلثة علوم مختلفة فإنا نعلم أولاً أن الكسوفمعدوم وسيكون وثانياً أنه كائنوثالثاً أنه كان وليس كائناً الآن وهذه العلومالثلثة متعددة ومختلفة وتعاقبها علىالمحل يوجب تغير الذات العالمة فإنه لو علمبعد الانجلاء أن الكسوف موجود الآن كانجهلاً لا علماً ولو علم عند وجوده أنهمعدوم كان جهلاً فبعض هذه لا يقوم مقام بعض.إن الله لا يعلم لأنه لايتغير... فزعموا أن الله لا يختلف حاله في هذه الأحوالالثلثة فإنه يؤدي إلىالتغير وما لم يختلف حاله لم يتصور أن يعلم هذه الأمورالثلثة فإن العلم يتبعالمعلوم فإذا تغير المعلوم تغير العلم وإذا تغير العلم فقدتغير العالم لامحالة والتغير على الله محال. ... إلا بعلم لا يختلف ومع هذا زعمأنه يعلمالكسوف وجميع صفاته وعوارضه ولكن علماً هو يتصف به في الأزل ولا يختلفمثل أنيعلم مثلاً أن الشمس موجود وأن القمر موجود فإنهما حصلا منه بواسطة الملائكةالتي سموها باصطلاحهم عقولاً مجردة ويعلم أنها تتحرك حركات دورية ويعلم أن بينفلكيهما تقاطع على نقطتين هما الرأس والذنب وأنهما يجتمعان في بعض الأحوال فيالعقدتين فينكسف الشمس أي يحول جرم القمر بينهما وبين أعين الناظرين فيستترالشمسعن الأعين وأنه إذا جاوز العقدة مثلاً بمقدار كذى وهو سنة مثلاً فإنهينكسف مرةأخرى وأن ذلك الإنكساف يكون في جميعه أو ثلثه أو نصفه وأنه يمكث ساعةأو ساعتينوهكذى إلى جميع أحوال الكسوف وعوارضه فلا يعزب عن علمه شيء ولكن علمهبهذا قبلالكسوف وحالة الكسوف وبعد الانجلاء على وتيرة واحدة لا يختلف ولا يوجبتغيراً فيذاته.
فجميع الحوادث مكشوفة له انكشافاً واحداً لا يؤثر فيهالزمان وكذى علمه بجميعالحوادث فإنها إنما تحدث بأسباب وتلك الأسباب لها أسبابأخر إلى أن تنتهي إلىالحركة الدورية السماوية وسبب الحركة نفس السموات وسببتحريك النفس الشوق إلىالتشبه بالله والملائكة المقربين. فالكل معلوم له أي هومنكشف له انكشافاً واحداًمتناسباً لا يؤثر فيه الزمان ومع هذا فحالة الكسوف لايقال: إنه يعلم أن الكسوفموجود الآن ولا يعلم بعده أنه انجلى الآن وكل ما يجبفي تعريفه الإضافة إلى الزمانفلا يتصور أن يعلمه لأنه يوجب التغير هذا فيماينقسم بالزمان. فهو يعلم الخواص ولايعلم عوارضها... وكذى مذهبهم فيما ينقسمبالمادة والمكان كأشخاص الناس والحيواناتفإنهم يقولون: لا يعلم عوارض زيدوعمرو وخالد وإنما يعلم الإنسان المطلق بعلم كليويعلم عوارضه وخواصه وأنهينبغي أن يكون بدنه مركباً من أعضاء بعضها للبطش وبعضهاللمشي وبعضها للإدراكوبعضها زوج وبعضها فرد وأن قواه ينبغي أن تكون مبثوثة فيأجزائه وهلم جرا إلىكل صفة في داخل الآدمي وباطنه وكل ما هو من لواحقه وصفاتهولوازمه حتى لا يعزبعن علمه شيء ويعلمه كلياً. ... وأما العوارض فلا يميزها إلاالحس فأما شخص زيدفإنما يتميز عن شخص عمرو للحس لا للعقل فإن عماد التمييز إليهالإشارة إلى جهةمعينة والعقل يعقل الجهة المطلقة الكلية والمكان الكلي فأما قولناهذا وهذا فهوإشارة إلى نسبة حاصلة لذلك المحسوس إلى الحاس بكونه منه على قرب أوبعد أو جهةمعينة وذلك يستحيل في حقه. قولنا: وبذلك يستأصلون الأديان وهذه قاعدةاعتقدوهاواستأصلوا بها الشرائع بالكلية إذ مضمونها أن زيد مثلاً لو أطاع الله أوعصاهلم يكن الله عالماً بما يتجدد من أحواله لأنه لا يعرف زيداً بعينه فإنه شخصوأفعاله حادثة بعد أن لم تكن وإذا لم يعرف الشخص لم يعرف أحواله وأفعاله بل لايعلم كفر زيد ولا إسلامه وإنما يعلم كفر الإنسان وإسلامه مطلقاً كلياً لامخصوصاًبالأشخاص بل يلزم أن يقال: تحدى محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة وهولم يعرف فيتلك الحالة أنه تحدى بها وكذلك الحال مع كل نبي معين وإنه إنما يعلم أن من الناس من يتحدىبالنبوة وأن صفة أولئك كذىوكذى فأما النبي المعين بشخصه فلا يعرفه فإن ذلكيعرف بالحس والأحوال الصادرة منهلا يعرفها لأنها أحوال تنقسم بانقسام الزمانمن شخص معين ويوجب إدراكها علىاختلافها تغيراً. فهذا ما أردنا أن نذكره من نقلمذهبهم أولاً ثم تفهيمه ثانياً ثممن القبايح اللازمة عليه ثالثاً. فلنذكر الآنخبالهم ووجه بطلانه. قولهم: من علمعلماً مختلفاً متعاقباً تغير وخبالهم أنهذه أحوال ثلثة مختلفة والمختلفات إذاتعاقبت على محل واحد أوجبت فيه تغيراً لامحالة. فإن كان حالة الكسوف عالماً بأنهسيكون كما كان قبله فهو جاهل لا عالموإن كان عالماً بأنه كائن وقبل ذلك كانعالماً بأنه ليس بكائن وأنه سيكون فقداختلف علمه واختلف حاله فلزم التغير إذ لامعنى للتغير إلا اختلاف العالم فإنمن لم يعلم شيئاً ثم علمه فقد تغير ولم يكن لهعلم بأنه كائن ثم حصل حالةالوجود فقد تغير. في الإضافة وحققوا هذا بأن الأحوالثلثة حالة هي إضافة محضةككونك يميناً وشمالاً فإن هذا لا يرجع إلى وصف ذاتي بل هوإضافة محضة فإن تحولالشيء الذي كان على يمينك إلى شمالك تغيرت إضافتك ولم تتغيرذاتك بحال وهذاتبدل إضافة على الذات وليس بتبدل الذات. ومن هذا القبيل إذا كنتقادراً علىتحريك أجسام حاضرة بين يديك فانعدمت الأجسام أو انعدم بعضها لم تتغيرقوتكالغريزية ولا قدرتك لأن القدرة قدرة على تحريك الجسم المطلق أولاً ثم علىالمعين ثانياً من حيث أنه جسم فلم تكن إضافة القدرة إلى الجسم المعين وصفاًذاتياًبل إضافة محضة فعدمها يوجب زوال إضافة لا تغيراً في حال القادر. والثالثتغير فيالذات وهو أن لا يكون عالماً فيعلم أو لا يكون قادراً فيقدر فهذا تغير.
تغير المعلوم يوجب تغير علم العالم وهي الإضافة وتغيرالمعلوم يوجب تغير العلم فإنحقيقة ذات العلم تدخل فيه الإضافة إلى المعلومالخاص إذ حقيقة العلم المعين تعلقهبذلك المعلوم المعين على ما هو عليه فتعلقهبه على وجه آخر علم آخر بالضرورةفتعاقبه يوجب اختلاف حال العالم. ولا يمكن أنيقال: إن للذات علم واحد فيصير علماًبالكون بعد كونه علماً بأنه سيكون ثم هويصير علماً بأنه كان بعد أن كان علماًبأنه كائن فالعلم واحد متشابه الأحوالوقد تبدلت عليه الإضافة لأن الإضافة في العلمحقيقة ذات العلم فتبدلها يوجبتبدل ذات العلم فيلزم منه التغير وهو محال على الله.مع تغير ما ينزل منزلةالإضافة المحضة والاعتراض من وجهين: أحدهما أن يقال: بمتنكرون على من يقول:إن الله تعالى له علم واحد بوجود الكسوف مثلاً في وقت معينوذلك العلم قبلوجوده علم بأنه سيكون وهو بعينه عند الوجود علم بالكون وهو بعينهبعد الانجلاءعلم بالانقضاء وإن هذه الاختلافات ترجع إلى إضافات لا توجب تبدلاً فيذات العلمفلا توجب تغيراً في ذات العالم وأن ذلك ينزل منزلة الإضافة المحضة فإنالشخصالواحد يكون على يمينك ثم يرجع إلى قدامك ثم إلى شمالك فتتعاقب عليكالإضافاتوالمتغير ذلك الشخص المنتقل دونك وهكذى ينبغي أن بفهم الحال في علم اللهفإنانسلم أنه يعلم الأشياء بعلم واحد في الأزل والأبد والحال لا يتغير وغرضهم نفيالتغير وهو متفق عليه.

في إمكان الله أن يخلق لنا مثل هذا العلم وقولهم: من ضرورةإثبات العلم بالكونالآن والانقضاء بعده تغير فليس بمسلم فمن أين عرفوا ذلك بللو خلق الله لنا علماًبقدوم زيد غداً عند طلوع الشمس وأدام هذا العلم ولم يخلقلنا علماً آخر ولا غفلةعن هذا العلم لكنا عند طلوع الشمس عالمين بمجرد العلمالسابق بقدومه الآن وبعدهبأنه قدم من قبل وكان ذلك العلم الواحد الباقي كافياًفي الإحاطة بهذه الأحوالالثلثة. اعتراضهم فيبقى قولهم: إن الإضافة إلى المعلومالمعين داخلة في حقيقتهومهما اختلفت الإضافة اختلف الشيء الذي الإضافة ذاتيةله ومهما حصل الاختلافوالتعاقب فقد حصل التغير. تقولون بأن الله لا يعلم "الإنسان المطلق " الخ فنقول:إن صح هذا فاسلكوا مسلك إخوانكم من الفلاسفة حيثقالوا: إنه لا يعلم إلا نفسه وإنعلمه بذاته عين ذاته لأنه لو علم الإنسانالمطلق والحيوان المطلق والجماد المطلقوهذه مختلفات لا محالة فالإضافات إليهاتختلف لا محالة فلا يصلح العلم الواحد لأنيكون علماً بالمختلفات لأن المضافمختلف والإضافة مختلفة والإضافة إلى المعلومذاتية للعلم فيوجب ذلك تعدداًواختلافاً لا تعدداً فقط مع التماثل إذ المتماثلاتما يسد بعضها مسد البعضوالعلم بالحيوان لا يسد مسد العلم بالجماد ولا العلمبالبياض يسد مسد العلمبالسواد فهما مختلفان. ... فكم بالأحرى بهذا الأمر ثم هذهالأنواع والأجناسوالعوارض الكلية لا نهاية لها وهي مختلفة. فالعلوم المختلفة كيفتنطوي تحت علمواحد ثم ذلك العلم هو ذات العالم من غير مزيد عليه وليت شعري كيفيستجير العاقلمن نفسه أن يحيل الاتحاد في العلم بالشيء الواحد المنقسم أحواله إلىالماضيوالمستقبل والآن وهو لا يحيل الاتحاد في العلم المتعلق بجميع الأجناسوالأنواعالمختلفة والاختلاف والتباعد بين الأجناس والأنواع المتباعدة أشد منالاختلافالواقع بين أحوال الشيء الواحد المنقسم بانقسام الزمان وإذا لم يوجب ذلكتعدداًواختلافاً كيف يوجب هذا تعدداً واختلافاً ومهما ثبت بالبرهان أن اختلافالأزماندون اختلاف الأجناس والأنواع وأن ذلك لم يوجب التعدد والاختلاف فهذا أيضاًلايوجب الاختلاف وإذا لم يوجب الاختلاف جاز الإحاطة بالكل بعلم واحد دائم في الأزل والأبد ولا يوجبذلك تغيراً في ذات العالم.هلا تعقلون قديماً متغيراً الإعتراض الثاني هو أنيقال: وما المانع على أصلكم منأن يعلم هذه الأمور الجزئية وإن كان يتغير وهلااعتقدتم أن هذا النوع من التغير لايستحيل عليه كما ذهب جهم من المعتزلة إلى أنعلومه بالحوادث حادثة وكما اعتقدالكرامية من عند آخرهم أنه محل الحوادث ولمينكر جماهير أهل الحق عليهم إلا من حيثأن المتغير لا يخلوا عن التغير وما لايخلوا عن التغير والحوادث فهو حادث وليسبقديم. وأما أنتم فمذهبكم أن العالمقديم وأنه لا يخلوا عن التغير. قولهم يكونالعلم حادثاً إما من جهته أو من جهةغيره والحال أنه محال في الحالين فإن قيل:إنما أحلنا ذلك لأن العلم الحادث فيذاته لا يخلوا إما أن يحدث من جهته أو من جهةغيره وباطل أن يحدث منه فإنا بيناأن القديم لا يصدر منه حادث ولا يصير فاعلاً بعدأن لم يكن فاعلاً فإنه يوجبتغيراً وقد قررناه في مسألة حدث العالم وإن حصل ذلك فيذاته من جهة غيره فكيفيكون غيره مؤثراً فيه ومغيراً له حتى تتغير أحواله على سبيلالتسخر والاضطرارمن جهة غيره قولنا: عليكم ألا ترفضوا الحال الأول... قلنا: كلواحد من القسمينغير محال على أصلكم. أما قولكم: إنه يستحيل أن يصدر من القديمحادث قفد أبطلناهفي تلك المسألة. كيف وعندكم يستحيل أن يصدر من القديم حادث هو أولالحوادث فشرطاستحالته كونه أولاً وإلا فهذه الحوادث ليست لها أسباب حادثة إلى غيرنهاية بلتنتهي بواسطة الحركة الدورية إلى شيء قديم هو نفس الفلك وحياته. فالنفسالفلكيةقديمة والحركة الدورية تحدث منها وكل جزء من أجزاء الحركة يحدث وينقضي ومابعدهمتجدد لا محالة. فإذن الحوادث صادرة من القديم عندكم ولكن إذ تشابه أحوالالقديم تشابه فيضان الحوادث منه على الدوام كما يتشابه أحوال الحركة لما أنكانتتصدر من قديم متشابه الأحوال. فاستبان أن كل فريق منهم معترف بأنه يجوزصدور حادثمن قديم إذا كانت تصدر على التناسب والدوام فلتكن العلوم الحادثة منهذا القبيل.
... ولا الحال الثاني: وذلك لا للزوم التغير... وأماالقسم الثاني وهو صدور هذاالعلم فيه من غيره فنقول: ولم يستحيل ذلك عندكم وليسفيه إلا ثلثة أمور: أحدهاالتغير وقد بينا لزومه على أصلكم. ... ولا لحدوثالتغير من جهة غيره... والثانيكون الغير سبباً لتغير الغير وهو غير محالعندكم فليكن حدوث الشيء سبباً لحدوثالعلم به كما أنكم تقولون: تمثل الشخصالمتلون بإزاء الحدقة الباصرة سبب لانطباعمثال الشخص في الطبقة الجليدية منالحدقة عند توسط الهواء المشف بين الحدقةوالمبصر. فإذا جاز أن يكون جماد سبباًلانطباع الصورة في الحدقة وهو معنى الإبصارفلم يستحيل أن يكون حدوث الحوادثسبباً لحصول علم الأول بها فإن القوة الباصرة كماأنها مستعدة للإدراك ويكونحصول الشخص المتلون مع ارتفاع الحواجز سبباً لحصولالإدراك فليكن ذات المبدأالأول عندكم مستعداً لقبول العلم ويخرج من القوة إلىالفعل بوجود ذلك الحادث.فإن كان فيه تغير القديم فالقديم المتغير عندكم غيرمستحيل وإن زعمتم أن ذلكيستحيل في واجب الوجود فليس لكم على إثبات واجب الوجوددليل إلا قطع سلسلةالعلل والمعلولات كما سبق. وقد بينا أن قطع التسلسل ممكن بقديممتغير. ... ولا " لتسخر " القديم والأمر الثالث الذي يتضمنه هذا هو كون القديممتغيراً بغيرهوإن ذلك يشبه التسخر واستيلاء الغير عليه فيقال: ولم يستحيل عندكمهذا وهو أنيكون هو سبباً لحدوث الحوادث بوسائط ثم يكون حدوث الحوادث سبباً لحصولالعلم لهبها فكأنه هو السبب في تحصيل العلم لنفسه ولكن بالوسائط.
تقولون إن ما يصدر من الله يصور على سبيل اللزوم والطبعوقولكم إن ذلك يشبه التسخرفليكن كذلك فإنه لائق بأصلكم إذ زعمتم أن ما يصدر منالله يصدر على سبيل اللزوموالطبع ولا قدرة له على أن لا يفعل. وهذا أيضاً يشبهنوعاً من قولهم: كماله في أنيكون مصدر الكل فإن قيل: إن ذلك ليس باضطرار لأنكماله في أن يكون مصدراً لجميعالأشياء. قولنا:... وفي أن يعلم الكل فهذا ليسبتسخر فإن كماله في أن يعلم جميعالأشياء ولو حصل لنا علم مقارن لكل حادث لكانذلك كمالاً لنا لا نقصاناً وتسخراً.فليكن كذلك في حقه. مسألة في تعجيزهم عنإقامة الدليل على أن السماء حيوان مطيعلله تعالى بحركته الدورية قولهم وقدقالوا إن السماء حيوان وإن له نفساً نسبته إلىبدن السماء كنسبة نفوسنا إلىأبداننا وكما أن أبداننا تتحرك بالإرادة نحو أغراضهابتحريك النفس فكذى السمواتوإن غرض السموات بحركتها الذاتية عبادة رب العالمين علىوجه سنذكره.
لا ينكر إمكانه ومذهبهم في هذه المسألة مما لا ينكر إمكانهولا يدعى استحالته فإنالله قادر على أن يخلق الحياة في كل جسم فلا كبر الجسميمنع من كونه حياً ولا كونهمستديراً فإن الشكل المخصوص ليس شرطاً للحياة إذالحيوانات مع اختلاف أشكالهامشتركة في قبول الحياة. ولكن لا يعرف بدليل العقلولكنا ندعى عجزهم عن معرفة ذلكبدليل العقل وإن هذا إن كان صحيحاً فلا يطلععليه إلا الأنبياء بإلهام من الله أووحي وقياس العقل ليس يدل عليه. نعم لايبعد أن يتعرف مثل ذلك بدليل إن وجد الدليلوساعد ولكنا نقول ما أوردوه دليلاًلا يصلح إلا لإفادة ظن فأما أن يفيد قطعاً فلا.الضلال في قولهم بأن السماءمتحرك وخبالهم فيه أن قالوا: السماء متحرك وهذه مقدمةحسية. وكل جسم متحرك فلهمحرك وهذه مقدمة عقلية إذ لو كان الجسم يتحرك لكونه جسماًلكان كل جسم متحركاً.كل متحرك إما أن يكون قسرياً أو طبيعياً أو إرادياً وكل محركفإما أن يكونمنبعثاً عن ذات المتحرك كالطبيعة في حركة الحجر إلى أسفل والإرادة فيحركةالحيوان مع القدرة وإما أن يكون المحرك خارجاً ولكن يحرك على طريق القسر كدفعالحجر إلى فوق. وكل ما يتحرك بمعنى في ذاته فإما أن لا يشعر ذلك الشيء بالحركةونحن نسميه طبيعة كحركة الحجر إلى أسفل وإما أن يشعر به ونحن نسميه إرادياًونفسانياً فصارت الحركة بهذه التقسيمات الحاصرة الدائرة بين النفي والإثبات إماقسرية طبيعية وإما طبيعية وإما إرادية وإذا بطل قسمان تعين الثالث.
ولا يمكن أن يكون قسرياً ولا يمكن أن يكون قسرياً لأنالمحرك القاسر إما جسم آخريتحرك بالإرادة أو بالقسر وينتهي لا محالة إلى إرادةومهما أثبت في أجسام السمواتمتحرك بالإرادة فقد حصل الغرض فأي فائدة في وضعحركات قسرية وبالآخرة لا بد منالرجوع إلى الإرادة وإما أن يقال: إنه يتحركبالقسر والله هو المحرك بغير واسطةوهو محال لأنه لو تحرك به من حيث أنه جسموأنه خالقه للزم أن يتحرك كل جسم فلا بدوأن تختص الحركة بصفة به يتميز عن غيرهمن الأجسام وتلك الصفة هي المحرك القريبإما بالإرادة أو الطبع. ولا يمكن أنيقال إن الله يحركه بالإرادة لأن إرادته تناسبالأجسام نسبة واحدة فلم استعدهذا الجسم على الخصوص لأن يراد تحريكه دون غيره ولايمكن أن يكون ذلك جزافاًفإن ذلك محال كما سبق في مسألة حدث العالم وإذا ثبت أنهذا الجسم ينبغي أن يكونفيه صفة هو مبدأ الحركة بطل القسم الأول وهو تقدير الحركةالقسرية. ولا أن يكونطبيعياً لأنه يعود إلى المكان المهروب عنه. فهو إذا إرادياً فيبقى أن يقال:هي طبيعية وهو غير ممكن لأن الطبيعة بمجردها قط لا تكون سبباًللحركة لأن معنىالحركة هرب من مكان وطلب لمكان آخر فالمكان الذي فيه الجسم إن كانملائماً لهفلا يتحرك عنه ولهذا لا يتحرك زق مملوء من الهواء على وجه الماء وإذاغمس فيالماء تحرك إلى وجه الماء فإنه وجد المكان الملائم فسكن والطبيعة قائمةولكن إننقل إلى مكان لا يلائمه هرب منه إلى الملائم كما هرب من وسط الماء إلى حيزالهواء. والحركة الدورية لا يتصور أن تكون طبيعية لأن كل وضع وأين يفرض الهربمنهفهو عائد إليه والمهروب عنه بالطبع لا يكون مطلوباً بالطبع ولذلك لا ينصرفزقالهواء إلى باطن الماء ولا الحجر ينصرف بعد الاستقرار على الأرض فيعود إلىالهوى.فلم يبق إلا القسم الثالث وهي الحركة الإرادية.

الاعتراض هناك ثلاث احتمالات أخرى الاعتراض هو أنا نقول:نحن نقرر ثلث احتمالاتسوى مذهبكم لا برهان على بطلانها. الأول أن يقدر حركةالسماء قهراً لجسم آخر مريدلحركتها يديرها على الدوام وذلك الجسم المحرك لايكون كرة ولا يكون محيطاً فلايكون سماء فيبطل قولهم إن حركة السماء إرادية وإنالسماء حيوان. وهذا الذي ذكرناهممكن وليس في دفعه إلا مجرد استبعاد. أو تكونبإرادة الله الثاني هو أن يقالالحركة قسرية ومبدؤها إرادة الله فإنا نقول:حركة الحجر إلى أسفل أيضاً قسري يحدثبخلق الله الحركة فيه وكذى القول في سائرحركات الأجسام التي ليست حيوانية.والاعتراض على الإرادة قد أبطلناه فيبقىاستبعادهم أن الإرادة لم اختصت به وسائرالأجسام تشاركها في الجسمية فقد بيناأن الإرادة القديمة من شأنها تخصيص الشيء عنمثله وأنهم مضطرون إلى إثبات صفةهذا شأنها في تعيين جهة الحركة الدورية وفي تعيينموضع القطب والنقطة فلا نعيدهوالقول الوجيز إن ما استبعدوه في اختصاص الجسم بتعلقالإرادة به من غير تميزبصفة ينقلب عليهم في تميزه بتلك الصفة فإنا نقول: ولم تميزجسم السماء بتلكالصفة التي بها فارق غيره من الأجسام وسائر الأجسام أيضاً أجسامفلم حصل فيه مالم يحصل في غيره فإن علل ذلك بصفة أخرى توجه السؤال في الصفةالأخرى وهكذىيتسلسل إلى غير نهاية فيضطرون بالآخرة إلى التحكم في الإرادة وأن فيالمبادئ مايميز الشيء عن مثله ويخصصه بصفة عن أمثاله.
أو تكون بالطبع وبدون أن تشعر لا لطلب المكان ولا للهربمنه الثالث هو أن يسلم أنالسماء اختص بصفة تلك الصفة مبدأ الحركة كما اعتقدوهفي هوى الحجر إلى أسفل إلاأنه لا يشعر به كالحجر. وقولهم: إن المطلوب بالطبعلا يكون مهروباً عنه بالطبعفتلبيس لأنه ليس ثم أماكن متفاصلة بالعدد عندهم بلالجسم واحد والحركة الدوريةواحدة فلا للجسم جزء بالفعل ولا للحركة جزء بالفعلوإنما يتجزى بالوهم فليست تلكالحركة لطلب المكان ولا للهرب من المكان. فيمكنأن يخلق جسم وفي ذاته معنى يقتضيحركة دورية وتكون الحركة نفسها مقتضى ذلكالمعنى لا أن مقتضى المعنى طلب المكان ثمتكون حركة للوصول إليه. الحركة نفسالمقتضى لا لطلب مكان وقولكم: إن كل حركة فهولطلب مكان أو هرب منه إذا كانضرورياً فكأنكم جعلتم طلب المكان مقتضى الطبع وجعلتمالحركة غير مقصودة فينفسها بل وسيلة إليه ونحن نقول: لا يبعد أن تكون الحركة نفسالمقتضى لا لطلبمكان فما الذي يحيل ذلك الخلاصة فاستبان أن ما ذكروه إن ظن أنهأغلب من احتمالآخر فلا يتيقن قطعاً انتفاء غيره. فالحكم على السماء بأنه حيوانتحكم محض لامستند له.
مسألة في إبطال ما ذكروه من الغرض المحرك للسماء قولهم إنالسماء متقرب إلى اللهوقد قالوا: إن السماء مطيع لله بحركته ومتقرب إليه لأنكل حركة بالإرادة فهو لغرضإذ لا يتصور أن يصدر الفعل والحركة من حيوان إلا إذاكان الفعل أولى به من التركوإلا فلو استوى الفعل والترك لما تصور الفعل. فيالكمال ثم التقرب إلى الله ليسمعناه طلب الرضا والحذر من السخط فإن الله يتقدسعن السخط والرضا وإن أطلق هذهالألفاظ فعلى سبيل المجاز يكني بها عن إرادةالعقاب وإرادة الثواب ولا يجوز أنيكون التقرب بطلب القرب منه في المكان فإنهمحال فلا يبقى إلا طلب القرب في الصفاتفإن الوجود الأكمل وجوده وكل وجودفبالإضافة إلى وجوده ناقص وللنقصان درجات وتفاوتفالملك أقرب إليه صفة لامكاناً وهو المراد بالملائكة المقربين أي الجواهر العقليةالتي لا تتغير ولاتفنى ولا تستحيل وتعلم الأشياء على ما هي عليه والإنسان كلماازداد قرباً منالملك في الصفات ازداد قرباً من الله ومنتهى طبقة الآدميين التشبهبالملائكة.

الملائكة المقربون كمالهم لا يزداد وإذا ثبت أن هذا معنىالتقرب إلى الله وأنهيرجع إلى طلب القرب منه في الصفات وذلك للآدمي بأن يعلمحقائق الأشياء وبأن يبقىبقاءً مؤبداً على أكمل أحواله الممكن له فإن البقاءعلى الكمال الأقصى هو الله.والملائكة المقربون كل ما يمكن لهم من الكمال فهوحاضر معهم في الوجود إذ ليس فيهمشيء بالقوة حتى يخرج إلى الفعل فإذن كمالهم فيالغاية القصوى بالإضافة إلى ما سوىالله. والملائكة السماوية يزداد كمالهمبتحريك السماء ويتشبهون بالله والملائكةالسماوية هي عبارة عن النفوس المحركةللسموات وفيها ما بالقوة وكمالاتها منقسمةإلى ما هو بالفعل كالشكل الكريوالهيئة وذلك حاضر وإلى ما هو بالقوة وهو الهيئة فيالوضع والأين. وما من وضعمعين إلا وهو ممكن له ولكن ليست له سائر الأوضاع بالفعلفإن الجمع بين جميعهاغير ممكن فلما لم يمكنها استيفاء آحاد الأوضاع على الدوامقصد استيفاءها بالنوعفلا يزال يطلب وضعاً بعد وضع وأيناً بعد أين ولا ينقطع قط هذاالإمكان فلاتنقطع هذه الحركات وإنما قصده التشبه بالمبدأ الأول في نيل الكمالالأقصى علىحسب الإمكان في حقه وهو معنى طاعة الملائكة السماوية لله.

فإنهم يستوفون كل وضع ممكن فيفيض منه الخير وقد حصل لهاالتشبه من وجهين: أحدهمااستيفاء كل وضع ممكن له بالنوع وهو المقصود بالقصدالأول. والثاني ما يترتب علىحركته من اختلاف النسب في التثليث والتربيعوالمقارنة والمقابلة واختلاف الطوالعبالنسبة إلى الأرض فيفيض منه الخير على ماتحت فلك القمر ويحصل منه هذه الحوادثكلها فهذا وجه استكمال النفس السماوية.وكل نفس عاقلة فمتشوقة إلى الاستكمالبذاتها. والاعتراض على هذا هو أن فيمقدمات هذا الكلام ما يمكن النزاع فيه ولكنا لانطول به ونعود إلى الغرض الذيعنيتموه آخراً ونبطله من وجهين. أحدهما أن طلبالاستكمال بالكون في كل أين يمكنأن يكون له حماقة لا طاعة وما هذا إلا كإنسان لميكن له شغل وقد كفي المؤونة فيشهواته وحاجاته فقام وهو يدور في بلد أو بيت ويزعمأنه يتقرب إلى الله فإنهيستكمل بأن يحصل لنفسه الكون في كل مكان أمكن وزعم أنالكون في الأماكن ممكن ليولست أقدر على الجمع بينها بالعدد فأستوفيه بالنوع فإنفيه استكمالاً وتقرباًفيسفه عقله فيه ويحمل على الحماقة ويقال: الانتقال من حيزإلى حيز ومن مكان إلىمكان ليس كمالاً يعتد به أو يتشوف إليه ولا فرق بين ما ذكروهوبين هذا.
لماذا لا تختلف الحركة والثاني هو أنا نقول: ما ذكرتموه منالغرض حاصل بالحركةالمغربية فلم كانت الحركة الأولى مشرقية وهلا كانت حركاتالكل إلى جهة واحدة فإنكان في اختلافها غرض فهلا اختلفت بالعكس فكانت التي هيمشرقية مغربية والتي هيمغربية مشرقية فإن كل ما ذكروه من حصول الحوادث باختلافالحركات من التثليثاتوالتسديسات وغيرها يحصل بعكسه. وكذى ما ذكروه من استيفاءالأوضاع والأيون كيف ومنالممكن لها الحركة إلى الجهة الأخرى فما بالها لاتتحرك مرة من جانب ومرة من جانباستيفاء لما يمكن لها إن كان في استيفاء كلممكن كمال هذه الأمور يطلع عليها علىسبيل الإلهام لا على سبيل الاستدلال فدلأن هذه خيالات لا حاصل لها وأن أسرارملكوت السموات لا يطلع عليه بأمثال هذهالخيالات وإنما يطلع الله عليه أنبياءهوأولياءه على سبيل الإلهام لا على سبيلالاستدلال ولذلك عجز الفلاسفة من عند آخرهمعن بيان السبب في جهة الحركةواختيارها. الاستكمال بالحركة - وبهذه الحركة إفاضةالخير وقال بعضهم: لما كاناستكمالها يحصل بالحركة من أي جهة كانت وكان انتظامالحوادث الأرضية يستدعياختلاف حركات وتعين جهات كان الداعي لها إلى أصل الحركةالتقرب إلى اللهوالداعي إلى جهة الحركة إفاضة الخير على العالم السفلي. قولنا: قديكون بالسكونوهذا باطل من وجهين. أحدهما أن ذلك إن أمكن أن يتخيل فليقض بأن مقتضىطبعهالسكون احترازاً عن الحركة والتغير وهو التشبه بالله على التحقيق فإنه مقدسعنالتغير والحركة تغير ولكنه اختار الحركة لإفاضة الخير فإنه كان ينتفع به غيرهوليس يثقل عليه الحركة وليس تتعبه فما المانع من هذا الخيال أو باختلاف الحركات والثاني أن الحوادث تنبنى على اختلافالنسب المتولدة من اختلافجهات الحركات فلتكن الحركة الأولى مغربية وما عداهامشرقية وقد حصل به الاختلافويحصل به تفاوت النسب. فلم تعينت جهة واحدة وهذهالاختلافات لا تستدعي إلا أصلالاختلاف فأما جهة بعينها فليس بأولى من نقيضهافي هذا الغرض. مسألة في إبطالقولهم إن نفوس السموات مطلعة على جميع الجزئياتالحادثة في هذا العالم وإن المرادباللوح المحفوظ نفوس السموات وإن انتقاشجزئيات العالم فيها يضاهي انتقاشالمحفوظات في القوة الحافظة المودعة في دماغالإنسان لا أنه جسم صلب عريض مكتوبعليه وإذا لم يكن للمكتوب نهاية لم يكنللمكتوب عليه نهاية ولا يتصور جسم لا نهايةله ولا يمكن خطوط لا نهاية لها علىجسم ولا يمكن تعريف أشياء لا نهاية لها بخطوطمعدودة. مذهبهم وقد زعموا أنالملائكة السماوية هي نفوس السموات وأن الملائكةالكرويين المقربين هي العقولالمجردة التي هي جواهر قائمة بأنفسها لا تتحيز ولاتتصرف في الأجسام وأن هذهالصور الجزئية تفيض على النفوس السماوية منها وهي أشرفمن الملائكة السماويةلأنها مفيدة وهي مستفيدة والمفيد أشرف من المستفيد ولذلك عبرعن الأشرف بالقلمفقال تعالى: علم بالقلم لأنه كالنقاش المفيد مثل المعلم وشبهالمستفيد باللوح.هذا مذهبهم.
هو محال فنطالبهم بالدليل عليه والنزاع في هذه المسألةيخالف النزاع فيما قبلهافإن ما ذكروه من قبل ليس محالاً إذ منتهاه كون السماءحيواناً متحركاً لغرض وهوممكن. أما هذه فترجع إلى إثبات علم لمخلوق بالجزئياتالتي لا نهاية لها وهذا ربمايعتقد استحالته فنطالبهم بالدليل عليه فإنه تحكمفي نفسه. استدلالهم: إرادة الحركةبإرادة دورية جزئية استدلوا فيه بأن قالوا:ثبت أن الحركة الدورية إرادية والإرادةتتبع المراد والمراد الكلي لا يتوجهإليه إلا إرادة كلية والإرادة الكلية لا يصدرمنها شيء فإن كل موجود بالفعلمعين جزئي والإرادة الكلية نسبتها إلى آحاد الجزئياتعلى وتيرة واحدة فلا يصدرعنها شيء جزئي بل لا بد من إرادة جزئية للحركة المعينة.فهي تدرك الجزئياتبإدراك جزئي فللفلك بكل حركة جزئية معينة من نقطة إلى نقطةمعينة إرادة جزئيةلتلك الحركة فله لا محالة تصور لتلك الحركات الجزئية بقوةجسمانية إذ الجزئياتلا تدرك إلا بالقوى الجسمانية فإن كل إرادة فمن ضرورتها تصورلذلك المراد أيعلم به سواء كان جزئياً أو كلياً.
وبالتالي تدرك لوازمها ومهما كان للفلك تصور لجزئياتالحركات وإحاطة بها أحاط لامحالة بما يلزم منها من اختلاف النسب مع الأرض منكون بعض أجزائه طالعة وبعضهاغاربة وبعضها في وسط سماء قوم وتحت قدم قوم وكذلكيعلم ما يلزم من اختلاف النسبالتي تتجدد بالحركة من التثليث والتسديسوالمقابلة والمقارنة إلى غير ذلك منالحوادث السماوية إما بغير واسطة وإمابواسطة واحدة وإما بوسائط كثيرة. وعلىالجملة فكل حادث فله سبب حادث إلى أنينقطع التسلسل بالارتقاء إلى الحركة السماويةالأبدية التي بعضها سبب للبعض.فإذن الأسباب والمسببات في سلسلتها تنتهي إلىالحركات الجزئية السماويةفالمتصور للحركات متصور للوازمها ولوازم لوازمها إلى آخرالسلسلة. وبالتاليتدرك كل ما سيحدث فبهذا يطلع على ما يحدث فإن كل ما سيحدثفحدوثه واجب عن علتهمهما تحققت العلة. ونحن إنما لا نعلم ما يقع في المستقبل لأنالا نعلم جميعأسبابها ولو علمنا جميع الأسباب لعلمنا المسببات فإنا مهما علمنا أنالنارسيلتقي بالقطن مثلاً في وقت معين فنعلم احتراق القطن ومهما علمنا أن شخصاًسيأكل فنعلم أنه سيشبع وإذا علمنا أن شخصاً سيتخطى الموضع الفلاني الذي فيه كنزمغطى بشيء خفيف إذا مشى عليه الماشي تعثر رجله بالكنز وعرفه فنعلم أنه سيستغنيبوجود الكنز. ولكن هذه الأسباب لا نعلمها وربما نعلم بعضها فيقع لنا حدس بوقوعالمسبب فإن عرفنا أغلبها وأكثرها حصل لنا ظن ظاهر بالوقوع. فلو حصل لنا العلمبجميع الأسباب لحصل بجميع المسببات إلا أن السماويات كثيرة ثم لها اختلاطبالحوادثالأرضية وليس في القوة البشرية الاطلاع عليه ونفوس السموات مطلعةعليها لاطلاعهاعلى السبب الأول ولوازمها ولوازم لوازمها إلى آخر السلسلة.قولهم: يرى النائم مايكون في المستقبل وذلك باتصاله باللوح المحفوظ أي بنفسالفلك ولهذا زعموا: يرىالنائم في نومه ما يكون في المستقبل وذلك باتصالهباللوح المحفوظ ومطالعته ومهمااطلع على الشيء ربما بقي ذلك بعينه في حفظهوربما تسارعت القوة المتخيلة إلىمحاكاتها فإن من غريزتها محاكاتها الأشياءبأمثلة تناسبها بعض المناسبة أوالانتقال منها إلى أضدادها فينمحى المدرك الحقيقي عن الحفظ ويبقى مثال الخيالفي الحفظ فيحتاج إلىتعبير ما يمثل الخيال الرجل بشجر والزوجة بخف والخادم ببعضأواني الدار وحافظ مالالبر والصدقات بزيت البذر فإن البذر سبب للسراج الذي هوسبب الضياء وعلم التعبيريتشعب عن هذا الأصل. وهذا الاتصال مشغولون عنه فييقظتنا بما تورده الحواس وزعمواأن الاتصال بتلك النفوس مبذول إذ ليس ثم حجابولكنا في يقظتنا مشغولون بما توردهالحواس والشهوات علينا فاشتغالنا بهذهالأمور الحسية صرفنا عنه وإذا سقط عنا فيالنوم بعض اشتغال الحواس ظهر بهاستعداد ما للاتصال. والنبي يرى في اليقظة وزعمواأن النبي مطلع على الغيب بهذاالطريق أيضاً. إلا أن القوة النفسية النبوية قد تقوىقوة لا تستغرقها الحواسالظاهرة فلا جرم يرى هو في اليقظة ما يراه غيره في المنام.ثم القوة الخياليةتمثل له ما رآه وربما يبقى الشيء بعينه في ذكره وربما يبقىمثاله فيفتقر مثلهذا الوحي إلى التأويل كما يفتقر مثل ذلك المنام إلى التعبير.ولولا أن جميعالكائنات ثابتة في اللوح المحفوظ لما عرف الأنبياء الغيب في يقظةولا منام لكنجف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ومعناه هذا الذي ذكرناه. فهذاما أردناأن نورده لتفهيم مذهبهم. جوابنا: لا دليل لكم في هذا عن النبي والجواب أننقول: بم تنكرون على من يقول إن النبي يعرف الغيب بتعريف الله على سبيلالابتداءوكذى من يرى في المنام فإنما يعرفه بتعريف أو بتعريف ملك من الملائكةفلا يحتاجإلى شيء مما ذكرتموه فلا دليل في هذا ولا دليل لكم في ورود الشرعباللوح والقلم فإنأهل الشرع لم يفهموا من اللوح والقلم هذا المعنى قطعاً فلامتمسك في الشرعيات يبقيالتمسك بمسالك العقول. وما ذكرتموه وإن اعترف بإمكانهمهما لم يشترط نفي النهايةعن هذه المعلومات فلا يعرف وجوده ولا يتحقق كونهوإنما السبيل فيه أن يتعرف منالشرع لا من العقل.

ننازع في ثلاث من المقدمات وأما ما ذكرتموه من الدليلالعقلي أولاً فمبني علىمقدمات كثيرة لسنا نطول بإبطالها ولكننا ننازع في ثلثمقدمات منها: تكلمنا عن حركةالفلك الإرادية المقدمة الأولى قولكم إن حركةالسماء إرادية. وقد فرغنا من هذهالمسألة وإبطال دعواكم فيها. لا نسلم افتقارالإدراك إلى إرادة جزئية الثانية أنهإن سلم ذلك مسامحة به فقولكم إنه يفتقرإلى تصور جزئي للحركات الجزئية فغير مسلمبل ليس ثم جزء عندكم في الجسم فإنهشيء واحد وإنما يتجزا بالوهم ولا في الحركةفإنها واحدة بالاتصال فيكفي تشوقهاإلى استيفاء الأيون الممكنة لها كما ذكروهويكفيها التصور نسلم هذا في شأنالمتوجه إلى مكان ولنمثل للإرادة الكلية والجزئيةمثالاً لتفهيم غرضهم. فإذاكان للإنسان غرض كلي في أن يحج بيت الله مثلاً فهذهالإرادة الكلية لا يصدرمنها الحركة لا الحركة تقع جزئية في جهة مخصوصة بمقدارمخصوص بل لا يزال يتجددللإنسان في توجهه إلى البيت تصور بعد تصور للمكان الذييتخطاه والجهة التييسلكها ويتبع كل تصور جزئي إرادة جزئية للحركة عن المحلالموصول إليه بالحركة.فهذا ما أرادوه بالإرادة الجزئية التابعة للتصور الجزئي وهومسلم لأن الجهاتمتعددة في التوجه إلى مكة والمسافة غير متعينة فيفتقر تعين مكانعن مكان وجهةعن جهة إلى إرادة أخرى جزئية.
لا في شأن الفلك وأما الحركة السماوية فلها وجه واحد فإنالكرة إنما تتحرك علىنفسها وفي حيزها لا تجاوزها والحركة مرادة وليس ثم إلاوجه واحد وجسم واحد وصوبواحد فهو كهوى الحجر إلى أسفل فإنه يطلب الأرض في أقربطريق وأقرب الطرق الخطالمستقيم فتعين الخط المستقيم فلو يفتقر فيه إلى تجددسبب حادث سوى الطبيعة الكليةالطالبة للمركز مع تجدد القرب والبعد والوصول إلىحد والصدور عنه فكذلك يكفي فيتلك الحركة الإرادة الكلية للحركة ولا يفتقر إلىمزيد. فهذه مقدمة تحكموا بوضعها.نبطل معرفة لوازم الحركة المقدمة الثالثة وهيالتحكم البعيد جداً قولهم إنه إذاتصور الحركات الجزئية تصور أيضاً توابعهاولوازمها وهذا هوس محض كقول القائل إنالإنسان إذا تحرك وعرف حركته ينبغي أنيعرف ما يلزم من حركته من موازاة ومجاوزةوهو نسبته إلى الأجسام التي فوقهوتحته ومن جوانبه وأنه إذا مشى في شمس ينبغي أنيعلم المواضع التي عليها ظلهوالمواضع التي لا يقع وما يحصل من ظله من البرودةبقطع الشعاع في تلك المواضعوما يحصل من الإنضغاط لأجزاء الأرض تحت قدمه وما يحصلمن التفرق فيها وما يحصلفي أخلاطه في الباطن من الاستحالة بسبب الحركة إلى الحرارةوما يستحيل منأجزائه إلى العرق وهلم جرا إلى جميع الحوادث في بدنه وفي غيره منبدنه مماالحركة علة فيه أو شرط أو مهيء ومعد وهو هوس لا يتخيله عاقل ولا يغتر بهإلاجاهل وإلى هذا يرجع هذا التحكم. الجزئيات المعلولة لنفس الفلك قد لا تكونالموجودة في الحال فقط. على أنا نقول: هذه الجزئيات المفصلة المعلومة لنفسالفلكهي الموجودة في الحال أو ينضاف إليها ما يتوقع كونها في الاستقبال. فإنقصرتموه علىالموجود في الحال بطل إطلاعه على الغيب وإطلاع الأنبياء في اليقظةوسائر الخلق فيالنوم على ما سيكون في الاستقبال بواسطة ثم بطل مقتضى الدليلفإنه تحكم بأن من عرفالشيء عرف لوازمه وتوابعه حتى لو عرفنا جميع أسبابالأشياء لعرفنا جميع الحوادثالمستقبلة وأسباب جميع الحوادث حاضرة في الحالفإنها هي الحركة السماوية ولكنتقتضي المسبب إما بواسطة أو بوسائط كثيرة. ولافي الاستقبال إلى غير نهاية.

وإذا تعدى إلى المستقبل لم يكن له آخر فكيف يعرف تفصيلالجزئيات في الاستقبال إلىغير نهاية وكيف يجتمع في نفس مخلوق في حالة واحدة منغير تعاقب علوم جزئية مفصلةلا نهاية لأعدادها ولا غاية لآحادها ومن لا يشهد لهعقله باستحالة ذلك فلييأس منعقله. نفس الفلك أشبه بنفس الإنسان فإن قلبوا هذاعلينا في علم الله فليس تعلق علمالله بالاتفاق بمعلوماته على نحو تعلق العلومالتي هي للمخلوقات بل مهما دار نفسالفلك دورة نفس الإنسان كان من قبيل نفسالإنسان فإنه شاركه في كونه مدركاًللجزئيات بواسطة فإن لم يلتحق به قطعاً كانالغالب على الظن أنه من قبيله فإن لميكن غالباً على الظن فهو ممكن والإمكانيبطل دعواهم القطع بما قطعوا به. قولهم: إننفس الإنسان تدرك جميع الأشياء لولاانشغالها فإن قيل: حق النفس الإنسانية فيجوهرها أن تدرك أيضاً جميع الأشياءولكن اشتغالها بنتائج الشهوة والغضب والحرصوالحقد والحسد والجوع والألموبالجملة عوارض البدن وما يورده الحواس عليه حتى إذاأقبلت النفس الإنسانية علىشيء واحد شغلها عن غيره. وأما النفوس الفلكية فبرية عنهذه الصفات لا يعتريهاشاغل ولا يستغرقها هم وألم وإحساس فعرفت جميع الأشياء.قولنا: لعل نفس الفلكتنشغل قلنا: وبم عرفتم أنه لا شاغل لها وهلا كانت عبادتهاواشتياقها إلى الأولمستغرقاً لها وشاغلاً لها عن تصور الجزئيات المفصلة أو ماالذي يحيل تقدير مانعآخر سوى الغضب والشهوة وهذه الموانع المحسوسة ومن أين عرفانحصار المانع فيالقدر الذي شاهدناه من أنفسنا وفي العقلاء شواغل من علو الهمةوطلب الرئاسة مايستحيل تصوره عند الأطفال ولا يعتقدونها شاغلاً ومانعاً فمن أينيعرف استحالةما يقوم مقامها في النفوس الفلكية هذا ما أردنا أن نذكره في العلومالملقبةعندهم بالإلهية.
أما الملقب بالطبيعيات وهي علوم كثيرة وصفها نذكر أقسامهاليعرف أن الشرع ليسيقتضي المنازعة فيها ولا إنكارها إلا في مواضع ذكرناها. وهيمنقسمة إلى أصول وفروع.وأصولها ثمانية أقسام: أصولها ثمانية الأول يذكر فيه مايلحق الجسم من حيث أنه جسممن الانقسام والحركة والتغير وما يلحق الحركة ويتبعهمن الزمان والمكان والخلاءويشتمل عليه كتاب سمع الكيان. الثاني يعرف أحوالأقسام أركان العالم التي هيالسموات وما في مقعر فلك القمر من العناصر الأربعةوطبائعها وعلة استحقاق كل واحدمنها موضعاً متعيناً ويشتمل عليه كتاب السماءوالعالم. الثالث يعرف فيه أحوالالكون والفساد والتولد والتوالد والنشوء والبلىوالاستحالات وكيفية استبقاء الأنواععلى فساد الأشخاص بالحركتين السماويتينالشرقية والغربية ويشتمل عليه كتاب الكونوالفساد. الرابع في الأحوال التي تعرضللعناصر الأربعة من الإمتزاجات التي منهاتحدث الآثار العلوية من الغيوموالأمطار والرعد والبرق والهالة وقوس قزح والصواعقوالرياح والزلازل. الخامس فيالجواهر المعدنية. السادس في أحكام النبات. السابع فيالحيوانات وفيه كتابطبائع الحيوانات. الثامن في النفس الحيوانية والقوى الدراكةوأن نفس الإنسان لايموت بموت البدن وأنه جوهر روحاني يستحيل عليه الفناء.
وفروعها سبعة أما فروعها فسبعة: الأول الطب ومقصوده معرفةمبادئ بدن الإنسانوأحواله من الصحة والمرض وأسبابها ودلائلها ليدفع المرضويحفظ الصحة. الثاني فيأحكام النجوم وهو تخمين في الاستدلال من أشكال الكواكبوامتزاجاتها على ما يكون منأحوال العالم والملك والمواليد والسنين. الثالث علمالفراسة وهو استدلال من الخلقعلى الأخلاق. الرابع التعبير وهو استدلال منالمتخيلات الحلمية على ما شاهدتهالنفس من عالم الغيب فخيلته القوة المتخيلةبمثال غيره. الخامس علم الطلسمات وهوتأليف للقوى السماوية بقوى بعض الأجرامالأرضية ليأتلف من ذلك قوة تفعل فعلاًغريباً في العالم الأرضي. السادس علمالنيرنجات وهو مزج قوى الجواهر الأرضية ليحدثمنه أمور غريبة. السابع علمالكيمياء ومقصوده تبديل خواص الجواهر المعدنية ليتوصلإلى تحصيل الذهب والفضةبنوع من الحيل. لا نخالفهم شرعاً في شيء منها وليس يلزممخالفتهم شرعاً في شيءمن هذه العلوم وإنما نخالفهم من جملة هذه العلوم في أربعةمسائل:
نخالفهم في أربعة مسائل الأولى حكمهم بأن هذا الاقترانالمشاهد في الوجود بينالأسباب والمسببات اقتران تلازم بالضرورة فليس فيالمقدور ولا في الإمكان إيجادالسبب دون المسبب ولا وجود المسبب دون السبب.الثانية قولهم إن النفوس الإنسانيةجواهر قائمة بأنفسها ليست منطبعة في الجسموإن معنى الموت انقطاع علاقتها عن البدنبانقطاع التدبير وإلا فهو قائم بنفسهفي كل حال. وزعموا أن ذلك عرف بالبرهانالعقلي. الثالثة قولهم إن هذه النفوسيستحيل عليها العدم بل هي إذا وجدت فهي أبديةسرمدية لا يتصور فناؤها. والرابعةقولهم: يستحيل رد هذه النفوس إلى الأجساد.المسألة الأولى: لإثبات المعجزات فقطوإنما يلزم النزاع في الأولى من حيث أنهينبنى عليها إثبات المعجزات الخارقةللعادة من قلب العصا ثعباناً وإحياء الموتى وشقالقمر. ومن جعل مجاري العاداتلازمة لزوماً ضرورياً أحال جميع ذلك. وأولوا ما فيالقرآن من إحياء الموتىوقالوا: أراد به إزالة موت الجهل بحياة العلم. وأولوا تلقفالعصا سحر *****ةعلى إبطال الحجة الإلهية الظاهرة على يد موسى شبهات المنكرينوأما شق القمرفربما أنكروا وجوده وزعموا أنه لو يتواتر. قولهم: لا تكون المعجزاتإلا فيالقوة المتخيلة ولم يثبت الفلاسفة من المعجزات الخارقة للعادات إلا فيثلثةأمور: أحدها في القوة المتخيلة فإنهم زعموا أنها إذا استولت وقويت ولميستغرقهاالحواس والاشتغال اطلعت على اللوح المحفوظ وانطبع فيها صور الجزئياتالكائنة فيالمستقبل وذلك في اليقظة للأنبياء ولسائر الناس في النوم وفي القوة العقلية لأن البعض ينتبهون في أسرع الأوقاتوأقربها الثانية خاصية فيالقوة العقلية النظرية وهو راجع إلى قوة الحدس وهوسرعة الانتقال من معلوم إلىمعلوم. فرب ذكي إذا ذكر له المدلول تنبه للدليلوإذا ذكر له الدليل تنبه للمدلولمن نفسه وبالجملة إذا خطر له الحد الأوسط تنبهللنتيجة وإذا حضر في ذهنه حداالنتيجة خطر بباله الحد الأوسط الجامع بين طرفيالنتيجة. والناس في هذا منقسمونفمنهم من يتنبه بنفسه ومنهم من يتنبه بأدنىتنبيه ومنهم من لا يدرك مع التنبيه إلابتعب كثير. وإذا جاز أن ينتهي طرفالنقصان إلى من لا حدس له أصلاً حتى لا يتهيألفهم المعقولات مع التنبيه جاز أنينتهي طرف القوة والزيادة إلى أن ينتبه لكلالمعقولات أو لأكثرها وفي أسرعالأوقات وأقربها. ولا سيما النبي ويختلف ذلكبالكمية في جميع المطالب أو بعضهاوفي الكيفية حتى يتفاوت في السرعة والقرب. فربنفس مقدسة صافية يستمر حدسها فيجميع المعقولات وفي أسرع الأوقات. فهو النبي الذيله معجزة من القوة النظريةفلا يحتاج في المعقولات إلى تعلم بل كأنه يتعلم من نفسهوهو الذي وصف بأنه يكادزيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور. الثالث القوةالنفسية العملية وقدتنتهي إلى حد تتأثر بها الطبيعيات وتتسخر. ومثاله أن النفسمنا إذا توهم شيئاًخدمته الأعضاء والقوى التي فيها فحركت إلى الجهة المتخيلةالمطلوبة حتى إذاتوهم شيئاً طيب المذاق تحلبت أشداقه وانتهضت القوة الملعبة فياضةباللعاب منمعادنها وإذا تصور الوقاع انتهضت القوة فنشرت الآلة بل إذا مشى على جذعممدودعلى فضاء طرفاه على حائطين اشتد توهمه للسقوط فانفعل الجسم بتوهمه وسقط ولوكانذلك على الأرض لمشى عليه ولم يسقط وذلك لأن الأجسام والقوى الجسمانية خلقتخادمة مسخرة للنفوس ويختلف ذلك باختلاف صفاء النفوس وقوتها.

وقد يكون الانفعال حتى في غير البدن فلا يبعد أن تبلغ قوةالنفس إلى حد تخدمهالقوة الطبيعية في غير بدنه لأن نفسه ليست منطبعة في بدنهإلا أن له نوع ونزوع وشوقإلى تدبيره خلق ذلك في جبلته فإذا جاز أن تطيعه أجسامبدنه لم يمتنع أن يطيعه غيرهفيتطلع نفسه إلى هبوب ريح أو نزول مطر أو هجومصاعقة أو تزلزل أرض لتخسف بقوم وذلكموقوف حصوله على حدوث برودة أو سخونة أوحركة في الهواء فيحدث في نفسه تلك السخونةوالبرودة ويتولد منه هذه الأمور منغير حضور سبب طبيعي ظاهر ويكون ذلك معجزة للنبيولكنه إنما يحصل ذلك في هواءمستعد للقبول ولا ينتهي إلى أن ينقلب الخشب حيواناًوينفلق القمر الذي لا يقبلالإنخراق. قولنا: هذا لا ننكره ولكنا نثبت معجزات غيرهايستثنونها فهذا مذهبهمفي المعجزات ونحن لا ننكر شيئاً مما ذكروه وأن ذلك ممايكون للأنبياء وإنماننكر اقتصارهم عليه ومنعهم قلب العصا ثعباناً وإحياء الموتىوغيره فلزم الخوضفي هذه المسألة لإثبات المعجزات ولأمر آخر وهو نصرة ما أطبق عليهالمسلمون منأن الله قادر على كل شيء. فلنخض في المقصود.
مسألة الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً وما يعتقدمسبباً ليس ضرورياً الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً وما يعتقد مسبباًليس ضرورياً عندنا بل كلشيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا ولا إثبات أحدهما متضمنلإثبات الآخر ولا نفيهمتضمن لنفي الآخر فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخرولا من ضرورة عدم أحدهماعدم الآخر مثل الري والشرب والشبع والأكل والاحتراقولقاء النار والنور وطلوع الشمسوالموت وجز الرقبة والشفاء وشرب الدواء وإسهالالبطن واستعمال المسهل وهلم جرا إلىكل المشاهدات من المقترنات في الطب والنجوموالصناعات والحرف وإن اقترانها لما سبقمن تقدير الله سبحانه يخلقها علىالتساوق لا لكونه ضرورياً في نفسه غير قابل للفرقبل في المقدور خلق الشبع دونالأكل وخلق الموت دون جز الرقبة وإدامة الحيوة مع جزالرقبة وهلم جرا إلى جميعالمقترنات وأنكر الفلاسفة إمكانه وادعوا استحالته. مثلاًالنار والقطن والنظرفي هذه الأمور الخارجة عن الحصر يطول فلنعين مثالاً واحداًوهو الاحتراق فيالقطن مثلاً مع ملاقاة النار فإنا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دونالاحتراقونجوز حدوث انقلاب القطن رماداً محترقاً دون ملاقاة النار وهم ينكرونجوازه.قول الخصم: فاعل الاحتراق هو النار فقط وهو فاعل بالطبع وللكلام فيالمسألةثلثة مقامات: المقام الأول أن يدعي الخصم أن فاعل الاحتراق هو النار فقطوهوفاعل بالطبع لا بالاختيار قولنا: فاعل الاحتراق ليس هو النار بل الله وهذا مماننكره بل نقول: فاعل الاحتراق بخلق السواد في القطن والتفرق في أجزائه وجعلهحراقاً أو رماداً هو الله إما بواسطة الملائكة أو بغير واسطة فأما النار وهيجمادفلا فعل لها.
وهذا يكون بالحصول عنده لا بالحصول به فما الدليل على أنهاالفاعل وليس له دليلإلا مشاهدة حصول الاحتراق عند ملاقاة النار والمشاهدة تدلعلى الحصول عنده ولا تدلعلى الحصول به وأنه لا علة سواه إذ لا خلاف في أنانسلاك الروح والقوى المدركةوالمحركة في نطفة الحيوانات ليس يتولد عن الطبائعالمحصورة في الحرارة والبرودةوالرطوبة واليبوسة ولا أن الأب فاعل ابنه بإيداعالنطفة في الرحم ولا هو فاعلحيوته وبصره وسمعه وسائر المعاني التي هي فيهومعلوم أنها موجودة عنده ولم نقل أنهاموجودة به بل وجودها من جهة الأول إمابغير واسطة وإما بواسطة الملائكة الموكلينبهذه الأمور الحادثة وهذا مما يقطعبه الفلاسفة القائلون بالصانع والكلام معهم فقدتبين أن الوجود عند الشيء لايدل على أنه موجود به. فالأكمه إذا بصر فجأة ورأىالألوان لا يعلم أن نور الشمسهو السبب في انطباعها في بصره بل نبين هذا بمثال وهوأن الأكمه لو كان في عينهغشاوة ولم يسمع من الناس الفرق بين الليل والنهار لوانكشفت الغشاوة عن عينهنهاراً وفتح أجفانه فرأى الألوان ظن أن الإدراك الحاصل فيعينه لصور الألوانفاعله فتح البصر وأنه مهما كان بصره سليماً ومفتوحاً والحجابمرتفعاً والشخصالمقابل متلوناً فيلزم لا محالة أن يبصر ولا يعقل أن لا يبصر حتىإذا غربتالشمس وأظلم الهواء علم أن نور الشمس هو السبب في انطباع الألوان في بصره.فمنأين يأمن الخصم أن يكون في المبادئ للوجود علل وأسباب يفيض منها الحوادث عندحصول ملاقاة بينها إلا أنها ثابتة ليست تنعدم ولا هي أجسام متحركة فتغيب ولوانعدمت أو غابت لأدركنا التفرقة وفهمنا أن ثم سبباً وراء ما شاهدناه وهذا لامخرجمنه على قياس أصلهم. وواهب الصور...! ولهذا اتفق محققوهم على أن هذهالأعراضوالحوادث التي تحصل عند وقوع الملاقاة بين الأجسام وعلى الجملة عنداختلاف نسبهاإنما تفيض من عند واهب الصور وهو ملك أو ملائكة حتى قالوا: انطباعصورة الألوان فيالعين يحصل من جهة واهب الصور وإنما طلوع الشمس والحدقةالسليمة والجسم المتلونمعدات ومهيئات لقبول المحل هذه الصورة وطردوا هذا في كلحادث وبهذا يبطل دعوى منيدعي أن النار هي الفاعلة للاحتراق والخبز هو الفاعلللشبع والدواء هو الفاعلللصحة إلى غير ذلك من الأسباب.

قولهم الحوادث تفيض من المبادئ باللزوم والطبع ولكنالاستعداد لقبول الصور يحصلبهذه الأسباب المقام الثاني مع من يسلم أن هذهالحوادث تفيض من مبادئ الحوادثولكن الاستعداد لقبول الصور يحصل بهذه الأسبابالمشاهدة الحاضرة إلا أن تيك المبادئأيضاً تصدر الأشياء عنها باللزوم والطبعلا على سبيل التروي والاختيار صدور النورمن الشمس وإنما افترقت المحال فيالقبول لاختلاف استعدادها فإن الجسم الصقيل يقبلشعاع الشمس ويرده حتى يستضيءبه موضع آخر والمدر لا يقبل والهواء لا يمنع نفوذنوره والحجر يمنع وبعضالأشياء يلين بالشمس وبعضها يتصلب وبعضها يبيض كثوب القصاروبعضها يسود كوجههوالمبدأ واحد والآثار مختلفة لاختلاف الاستعدادات في المحل فكذىمبادئ الوجودفياضة بما هو صادر منها لا منع عندها ولا بخل وإنما التقصير منالقوابل. فلايمكن لإبراهيم ألا يكون قد احترق وإذا كان كذلك فمهما فرضنا الناربصفتهاوفرضنا قطنتين متماثلتين لاقتا النار على وتيرة واحدة فكيف يتصور أن تحترقإحديهما دون الأخرى وليس ثم اختيار وعن هذا المعنى أنكروا وقوع إبراهيم فيالنارمع عدم الاحتراق وبقاء النار ناراً وزعموا أن ذلك لا يمكن إلا بسلبالحرارة منالنار وذلك يخرجه عن كونه ناراً أو بقلب ذات إبراهيم وبدنه حجراً أوشيئاً لا يؤثرفيه النار ولا هذا ممكن ولا ذاك ممكن. جوابنا: إن الله يفعلبالإرادة والجواب لهمسلكان: الأول أن نقول: لا نسلم أن المبادي ليست تفعلبالاختيار وأن الله لا يفعلبالإرادة وقد فرغنا عن إبطال دعواهم في ذلك فيمسألة حدث العالم. وإذا ثبت أنالفاعل يخلق الاحتراق بإرادته عند ملاقاة القطنةالنار أمكن في العقل أن لا يخلقمع وجود الملاقاة. قولهم: أفلا أرى بين يديسباعاً ضارية فإن قيل: فهذا يجر إلىارتكاب محالات شنيعة فإنه إذا أنكرت لزومالمسببات عن أسبابها وأضيف إلى إرادةمخترعها ولم يكن للإرادة أيضاً منهج مخصوصمتعين بل أمكن تفننه وتنوعه فليجوز كلواحد منا أن يكون بين يديه سباع ضاريةونيران مشتعلة وجبال راسية وأعداء مستعدة بالأسلحة وهو لا يراها لأن الله تعالى ليس يخلقالرؤية له. إذا وضعت كتاباًفي بيتي أفلا أعلم أنه انقلب غلاماً ومن وضع كتاباًفي بيته فليجوز أن يكون قدانقلب عند رجوعه إلى بيته غلاماً أمرد عاقلاًمتصرفاً أو انقلب حيواناً أو تركغلاماً في بيته فليجوز انقلابه كلباً أو تركالرماد فليجوز انقلابه مسكاً وانقلابالحجر ذهباً والذهب حجراً. وإذا سئل عنشيء من هذا فينبغي أن يقول: لا أدري ما فيالبيت الآن وإنما القدر الذي أعلمهأني تركت في البيت كتاباً ولعله الآن فرس وقدلطخ بيت الكتب ببوله وروثه وإنيتركت في البيت جرة من الماء ولعلها انقلبت شجرةتفاح فإن الله قادر على كل شيءوليس من ضرورة الفرس أن يخلق من النطفة ولا منضرورة الشجرة أن تخلق من البذربل ليس من ضرورته أن يخلق شيء فلعله خلق أشياء لميكن لها وجود من قبل بل إذانظر إلى إنسان لم يره إلا الآن وقيل له: هل هذا مولود:فليتردد وليقل يحتمل أنيكون بعض الفواكه في السوق قد انقلب إنساناً وهو ذلكالإنسان فإن الله قادر علىكل شيء ممكن وهذا ممكن فلا بد من التردد فيه وهذا فنيتسع المجال في تصويرهوهذا القدر قولنا: إن الله يخلق لنا علماً بأن هذه الممكناتلم يعلمها والجوابأن نقول: إن ثبت أن الممكن كونه لا يجوز أن يخلق للإنسان علمبعدم كونه لزم هذهالمحالات. ونحن لا نشك في هذه الصور التي أوردتموها فإن اللهخلق لنا علماً بأنهذه الممكنات لم يفعلها ولم ندع أن هذه الأمور واجبة بل هي ممكنةيجوز أن تقعويجوز أن لا تقع واستمرار العادة بها مرة بعد أخرى يرسخ في أذهانناجريانها علىوفق العادة الماضية ترسخاً لا تنفك عنه.

العلم بحدوث الممكن يجوز للنبي لا للعامي بل يجوز أن يعلمنبي من الأنبياء بالطرقالتي ذكرتموها أن فلاناً لا يقدم من سفره غداً وقدومهممكن ولكن يعلم عدم وقوع ذلكالممكن بل كما ينظر إلى العامي فيعلم أنه ليس يعلمالغيب في أمر من الأمور ولايدرك المعقولات من غير تعلم ومع ذلك فلا ينكر أنتتقوى نفسه وحدسه بحيث يدرك مايدركه الأنبياء على ما اعترفوا بإمكانه ولكنيعلمون أن ذلك لم يقع فإن خرق اللهالعادة بإيقاعها في زمان خرق العادات فيهاانسلت هذه العلوم عن القلوب ولم يخلقها.فلا مانع إذن من أن يكون الشيء ممكناًفي مقدورات الله ويكون قد جرى في سابق علمهأنه لا يفعله مع إمكانه في بعضالأوقات ويخلق لنا العلم بأنه ليس يفعله في ذلكالوقت فليس في هذا الكلام إلاتشنيع محض. إن الله يغير صفة النار أو صفة إبراهيمالمسلك الثاني وفيه الخلاصمن هذه التشنيعات وهو أن نسلم أن النار خلقت خلقة إذالاقاها قطنتان متماثلتانأحرقتهما ولم تفرق بينهما إذا تماثلتا من كل وجه ولكنا معهذا نجوز أن يلقى نبيفي النار فلا يحترق إما بتغيير صفة النار أو بتغيير صفةالنبي فيحدث من الله أومن الملائكة صفة في النار يقصر سخونتها على جسمها بحيث لاتتعداه فيبقى معهاسخونتها وتكون على صورة النار وحقيقتها ولكن لا تتعدى سخونتهاوأثرها أو يحدثفي بدن الشخص صفة ولا يخرجه عن كونه لحماً وعظماً فيدفع أثر النار.
من يطلي نفسه بالطلق لا يتأثر بالنار فإنا نرى من يطلينفسه بالطلق ثم يقعد فيتنور موقدة ولا يتأثر به. والذي لم يشاهد ذلك ينكره.فإنكار الخصم اشتمال القدرةعلى إثبات صفة من الصفات في النار أو في البدن يمنعالاحتراق كإنكار من لم يشاهدالطلق وأثره. وفي مقدورات الله غرائب وعجائب ونحنلم إن الله يغير الأشياء في وقتأقرب مما عهد فيه وكذلك إحياء الميت وقلب العصاثعباناً يمكن بهذا الطريق وهو أنالمادة قابلة لكل شيء فالتراب وسائر العناصريستحيل نباتاً ثم النبات يستحيل عندأكل الحيوان دماً ثم الدم يستحيل منياً ثمالمني ينصب في الرحم فيتخلق حيواناًوهذا بحكم العادة واقع في زمان متطاول فلميحيل الخصم أن يكون في مقدور الله أنيدير المادة في هذه الأطوار في وقت أقربمما عهد فيه وإذا جاز في وقت أقرب فلا ضبطللأقل فتستعجل هذه القوى في عملهاويحصل به ما هو معجزة النبي. اعتراض: أيصدر هنامن نفس النبي أم من مبدأآخر فإن قيل: وهذا يصدر من نفس النبي أو من مبدأ آخر منالمبادئ عند اقتراحالنبي. قولنا: من الله لإثبات النبوة قلنا: وما سلمتموه منجواز نزول الأمطاروالصواعق وتزلزل الأرض بقوة نفس النبي يحصل منه أو من مبدأ آخر.فقولنا في هذاكقولكم في ذاك والأولى بنا وبكم إضافة ذلك إلى الله إما بغير واسطةأو بواسطةالملائكة. ولكن وقت استحقاق حصولها انصراف همة النبي إليه وتعين نظامالخير فيظهوره لاستمرار نظام الشرع فيكون ذلك مرجحاً جهة الوجود ويكون الشيء فينفسهممكناً والمبدأ به سمحاً جواداً ولكن لا يفيض منه إلا إذا ترجحت الحاجة إلىوجوده وصار الخير متعيناً فيه ولا يصير الخير متعيناً فيه إلا إذا احتاج نبي فيإثبات نبوته إليه لإفاضة الخير.
هذا لائق بمساق كلامهم ولازم لهم فهذا كله لائق بمساقكلامهم ولازم لهم مهما فتحواباب الاختصاص للنبي بخاصية تخالف عادة الناس فإنمقادير ذلك الاختصاص لا ينضبط فيالعقل إمكانه فلم يجب معه التكذيب لما تواترنقله وورد الشرع بتصديقه. تقبل الصورمختلفة بسبب اختلاف الاستعداد وعلى الجملةلما كان لا يقبل صورة الحيوان إلاالنطفة وإنما تفيض القوى الحيوانية عليها منالملائكة التي هي مبادي الموجوداتعندهم ولم يتخلق قط من نطفة الإنسان إلاإنسان ومن نطفة الفرس إلا فرس من حيث أنحصوله من الفرس أوجب ترجيحاً لمناسبةصورة الفرس على سائر الصور فلم يقبل إلاالصورة المترجحة بهذا الطريق ولذلك لمينبت قط من الشعير حنطة ولا من بذر الكمثرىتفاح. ثم رأينا أجناساً منالحيوانات تتولد من التراب ولا تتوالد قط كالديدانومنها ما يتولد ويتوالدجميعاً كالفار والحية والعقرب وكان تولدها من التراب ويختلفاستعدادها لقبولالصور بأمور غابت عنا ولم يكن في القوة البشرية الإطلاع عليها إذليس تفيضالصور عندهم من الملائكة بالتشهي ولا جزافاً بل لا يفيض على كل محل إلاما تعينقبوله له بكونه مستعداً في نفسه والاستعدادات مختلفة ومبادئها عندهمامتزاجاتالكواكب واختلاف نسب الأجرام العلوية في حركاتها.
مبادىء الاستعدادات فيها غرائب وعجائب فقد انفتح من هذا أنمبادىء الاستعداداتفيها غرائب وعجائب حتى توصل أرباب الطلسمات من علم خواصالجواهر المعدنية وعلمالنجوم إلى مزج القوى السماوية بالخواص المعدنية فاتخذواأشكالاً من هذه الأرضيةوطلبوا لها طالعاً مخصوصاً من الطوالع وأحدثوا بهاأموراً غريبة في العالم فربمادفعوا الحية والعقرب عن بلد والبق عن بلد إلى غيرذلك من أمور تعرف من علمالطلسمات. لماذا لا يحصل هذا في أقرب زمان فتكون معجزةفإذا خرجت عن الضبط مبادىءالاستعدادات ولم نقف على كنهها ولم يكن لنا سبيل إلىحصرها فمن أين نعلم استحالةحصول الاستعداد في بعض الأجسام للاستحالة فيالأطوار في أقرب زمان حتى يستعد لقبولصورة ما كان يستعد لها من قبل وينتهض ذلكمعجزة ما إنكار هذا إلا لضيق الحوصلةوالأنس بالموجودات العالية والذهول عنأسرار الله سبحانه في الخلقة والفطرة ومناستقرأ عجائب العلوم لم يستبعد منقدرة الله ما يحكى من معجزات الأنبياء بحال منالأحوال. اعتراض: إذا حددتمالمحال هكذا فإن قيل: فنحن نساعدكم على أن كل ممكنمقدور لله وأنتم تساعدونعلى أن كل محال فليس بمقدور ومن الأشياء ما يعرفاستحالتها ومنها ما يعرفإمكانها ومنها ما يقف العقل فلا يقضي فيه باستحالة ولاإمكان. فالآن ما حدالمحال عندكم فإن رجع إلى الجمع بين النفي والإثبات في شيءواحد فقولوا إن كلشيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا فلا يستدعي وجود أحدهما وجود الآخر فالله قادر على خلق المحال وقولوا إن الله يقدر على خلقإرادة من غير علم بالمرادوخلق علم من غير حيوة ويقدر على أن يحرك يد ميتويقعده ويكتب بيد مجلدات ويتعاطىصناعات وهو مفتوح العين محدق بصره نحوه ولكنهلا يرى ولا حيوة فيه ولا قدرة لهعليه وإنما هذه الأفعال المنظومة يخلقها اللهتعالى مع تحريك يده والحركة من جهةالله وبتجويز هذا يبطل الفرق بين الحركةالاختيارية وبين الرعدة فلا يدل الفعلالمحكم على العلم ولا على قدرة الفاعل.وعلى قلب الأجناس وينبغي أن يقدر على قلبالأجناس فيقلب الجوهر عرضاً ويقلبالعلم قدرة والسواد بياضاً والصوت رائحة كمااقتدر على قلب الجماد حيواناًوالحجر ذهباً ويلزم عليه أيضاً من المحالات ما لاحصر له. جوابنا: لا والجوابأن المحال غير مقدور عليه والمحال إثبات الشيء مع نفيهأو إثبات الأخص مع نفيالأعم أو إثبات الاثنين مع نفي الواحد وما لا يرجع إلى هذافليس بمحال وما ليسبمحال فهو مقدور.
المحال أن يجمع بين السواد والبياض وأن يكون الشخص فيمكانين... الخ أما الجمع بينالسواد والبياض فمحال لأنا لا نفهم من إثبات صورةالسواد في المحل نفي هيئة البياضووجود السواد فإذا صار نفي البياض مفهوماً منإثبات السواد كان إثبات البياض معنفيه محالاً. وإنما لا يجوز كون الشخص فيمكانين لأنا نفهم من كونه في البيت عدمكونه في غير البيت فلا يمكن تقديره فيغير البيت مع كونه في البيت المفهم لنفيه عنغير البيت. وكذلك نفهم من الإرادةطلب معلوم فإن فرض طلب ولا علم لم تكن إرادةفكان فيه نفي ما فهمناه. والجماديستحيل أن يخلق فيه العلم لأنا نفهم من الجماد مالا يدرك فإن خلق فيه إدراكفتسميته جماداً بالمعنى الذي فهمناه محال وإن لم يدركفتسميته الحادث علماً ولايدرك به محله شيئاً محال فهذا وجه استحالته. إن الله لايقدر على قلب الأجناسلعدم وجود مادة مشتركة وأما قلب الأجناس فقد قال بعضالمتكلمين أنه مقدور للهفنقول: مصير الشيء شيئاً آخر غير معقول لأن السواد إذاانقلب قدرة مثلاًفالسواد باق أم لا فإن كان معدوماً فلم ينقلب بل عدم ذاك ووجدغيره وإن كانموجوداً مع القدرة فلم ينقلب ولكن انضاف إليه غيره وإن بقي السوادوالقدرةمعدومة فلم ينقلب بل بقي على ما هو عليه. وإذا قلنا: انقلب الدم منياًأردنا بهأن تلك المادة بعينها خلعت صورة ولبست صورة أخرى فرجع الحاصل إلى أن صورةعدمتوصورة حدثت وثم مادة قائمة تعاقب عليها الصورتان. وإذا قلنا: انقلب الماءهواءبالتسخين أردنا به أن المادة القابلة لصورة المائية خلعت هذه الصورة وقبلتصورةأخرى فالمادة مشتركة والصفة متغيرة. وكذلك إذا قلنا: انقلب العصا ثعباناًوالتراب حيواناً وليس بين العرض والجوهر مادة مشتركة ولا بين السواد والقدرةولابين سائر الأجناس مادة مشتركة فكان هذا محالاً من هذا الوجه.

إن الميت إذا حرك الله يده يكتب وأما تحريك الله يد ميتونصبه على صورة حي يقعدويكتب حتى يحدث من حركة يده الكتابة المنظومة فليسبمستحيل في نفسه مهما أحلناالحوادث إلى إرادة مختار وإنما هو مستنكر لاطرادالعادة بخلافه. لكن الدليل في علمالفاعل. وقولكم: تبطل به دلالة أحكام الفعلعلى علم الفاعل فليس كذلك فإن الفاعلالآن هو الله وهو المحكم وهو فاعل به.وأما قولكم إنه لا يبقى فرق بين الرعشةوالحركة المختارة فنقول: إنما أدركناذلك من أنفسنا لأنا شاهدنا من أنفسنا تفرقةبين الحالتين فعبرنا عن ذلك الفارقبالقدرة فعرفنا أن الواقع من القسمين الممكنينأحدهما في حالة والآخر في حالةوهو إيجاد الحركة مع القدرة عليها في حالة وإيجادالحركة دون القدرة في حالةأخرى. وأما إذا نظرنا إلى غيرنا ورأينا حركات كثيرةمنظومة حصل لنا علم بقدرتهافهذه علوم يخلقها الله تعالى بمجاري العادات يعرف بهاوجود أحد قسمي الإمكانولا يتبين به استحالة القسم الثاني كما سبق.
مسألة في تعجيزهم عن إقامة البرهان العقلي على أن النفسالإنساني جوهر روحاني قائمبنفسه لا يتحيز وليس بجسم ولا منطبع في الجسم ولاهو متصل بالبدن ولا هو منفصلعنه كما أن الله ليس خارج العالم ولا داخل العالموكذى الملائكة عندهم والخوض فيهذا يستدعي شرح مذهبهم في القوى الحيوانيةوالإنسانية. والقوى الحيوائية تنقسمعندهم إلى قسمين: محركة ومدركة. والمدركةقسمان: ظاهرة وباطنة. والظاهرة هي الحواسالخمسة وهي معان منطبعة في الأجسامأعني هذه القوى. وأما الباطنة فثلثة: والباطنةتنقسم إلى خيالية إحديها القوةالخيالية في مقدمة الدماغ وراء القوة الباصرة وفيهتبقى صور الأشياء المرئيةبعد تغميض العين بل ينطبع فيها ما تورده الحواس الخمسفيجتمع فيه ويسمى الحسالمشترك لذلك. ولولاه لكان من رأى العسل الأبيض ولم يدركحلاوته إلا بالذوقفإذا رآه ثانياً لا يدرك حلاوته ما لم يذق كالمرة الأولى ولكنفيه معنى يحكمبأن هذا الأبيض هو الحلو فلا بد وأن يكون عنده حاكم قد اجتمع عندهالأمر أعنياللون والحلاوة حتى قضى عند وجود أحدهما بوجود الآخر.
ووهمية والثانية القوة الوهمية وهي التي تدرك المعاني وكانالقوة الأولى تدركالصور. والمراد بالصور ما لا بد لوجوده من مادة أي جسموالمراد بالمعاني ما لايستدعي وجوده جسماً ولكن قد يعرض له أن يكون جسمكالعداوة والموافقة فإن الشاة تدركمن الذب لونه وشكله وهيئته وذلك لا يكون إلافي جسم وتدرك أيضاً كونه مخالفاً لها.وتدرك السخلة شكل الأم ولونه ثم تدركموافقته وملايمته ولذلك تهرب من الذئب وتعدوخلف الأم. والمخالفة والموافقة ليسمن ضرورتها أن تكون في الأجسام لا كاللونوالشكل ولكن قد يعرض لها أن تكون فيالأجسام أيضاً فكانت هذه القوة مباينة للقوةالثانية وهذا محله التجويف الأخيرمن الدماغ. ومتخيلة - مفكرة أما الثالثة فهيالقوة التي تسمى في الحيواناتمتخيلة وفي الإنسان مفكرة وشأنها أن تركب الصورالمحسوسة بعضها مع بعض وتركبالمعاني على الصور وهي في التجويف الأوسط بين حافظالصور وحافظ المعاني. ولذلكيقدر الإنسان على أن يتخيل فرساً يطير وشخصاً رأسه رأسإنسان وبدنه بدن فرس إلىغير ذلك من التركيبات وإن لم يشاهد مثل ذلك والأولى أنتلحق هذه القوة بالقوىالمحركة كما سيأتي لا بالقوى المدركة وإنما عرفت مواضع هذهالقوى وإليها تضم القوة الحافظة والقوة الذاكرة ثم زعموا أنالقوة التي تنطبع فيها صورالمحسوسات بالحواس الخمس تحفظ تلك الصور حتى تبقىبعد القبول والشيء يحفظ الشيء لابالقوة التي بها يقبل فإن الماء يقبل ولا يحفظوالشمع يقبل برطوبته ويحفظ بيبوستهبخلاف الماء فكانت الحافظة بهذا الاعتبارغير القابلة فتسمى هذه قوة حافظة. وكذىالمعاني تنطبع في الوهمية وتحفظها قوةتسمى ذاكرة فتصير الإدراكات الباطنة بهذاالاعتبار إذا ضم إليها المتخيلة خمسةكما كانت الظاهرة خمسة. والقوى المتحركةتنقسم إلى باعثة شهوانية وغضبية وأماالقوى المحركة فتنقسم إلى محركة على معنى أنهاباعثة على الحركة وإلى محركة علىمعنى أنها مباشرة للحركة فاعلة. والمحركة علىأنها باعثة هي القوة النزوعيةالشوقية وهي التي إذا ارتسم في القوة الخيالية التيذكرناها صورة مطلوب أومهروب عنه بعثت القوة المحركة الفاعلة على التحريك. ولهاشعبتان شعبة تسمى قوةشهوانية وهي قوة تبعث على تحريك يقرب به من الأشياء المتخيلةضرورية أو نافعةطلباً للذة وشعبة تسمى قوة غضبية وهي قوة تبعث على تحريك يدفع بهالشيء المتخيل وفاعلة وأما القوة المحركة على أنها فاعلة هي قوة تنبعث فيالأعصاب والعضلات منشأنها أن تشنج العضلات فتجذب الأوتار والرباطات المتصلةبالأعضاء إلى جهة الموضعالذي فيه القوة أو ترخيها وتمددها طولاً فتصير الأوتاروالرباطات إلى خلاف الجهة.فهذه قوى النفس الحيوانية على طريق الإجمال وتركالتفصيل. للنفس العاقلة قوتان:عملية ونظرية فأما النفس العاقلة الإنسانيةالمسماة الناطقة عندهم والمرادبالناطقة العاقلة لأن النطق أخص ثمرات العقل فيالظاهر فنسبت إليه فلها قوتان: قوةعالمة وقوة عاملة وقد يسمى كل واحدة عقلاًولكن باشتراك الاسم. فالعاملة قوة هيمبدأ محرك لبدن الإنسان إلى الصناعاتالمرتبة الإنسانية المستنبط ترتيبها بالرويةالخاصة بالإنسان. وأما العالمة فهيالتي تسمى النظرية وهي قوة من شأنها أن تدركحقائق المعقولات المجردة عن المادةوالمكان والجهات وهي القضايا الكلية التييسميها المتكلمون أحوالاً مرة ووجودهاأخرى وتسميها الفلاسفة الكليات المجردة.الأولى تنقاد للبدن والثانية مأخوذة منالملائكة فإذن للنفس قوتان بالقياس إلىجنبتين: القوة النظرية بالقياس إلى جنبةالملائكة إذ بها تأخذ من الملائكة العلومالحقيقية وينبغي أن تكون هذه القوةدائمة القبول من جهة فوق. والقوة العملية لهابالنسبة إلى أسفل وهي جهة البدنوتدبيره وإصلاح الأخلاق وهذه القوة ينبغي أن تتسلطعلى سائر القوى البدنية وأنتكون سائر القوى متأدبة بتأديبها مقهورة دونها حتى لاتنفعل ولا تتأثر هي عنهابل تنفعل تلك القوى عنها لئلا يحدث في النفس من الصفاتالبدنية هيآت انقياديةتسمى رذائل بل تكون هي الغالبة ليحصل للنفس بسببها هيآتتسمى فضائل.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-07-2012, 02:33 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

هذه كلها لا تنكر فهذا إيجاز ما فصلوه من القوى الحيوانيةوالإنسانية وطولوابذكرها مع الإعراض عن ذكر القوى النباتية إذ لا حاجة إلىذكرها في غرضنا. وليس شيءمما ذكروه مما يجب إنكاره في الشرع فإنها أمور مشاهدةأجرى الله العادة بها.اعتراضنا عليهم لأنهم يقصدون الدلالة وإنما نريد أننعترض الآن على دعواهم معرفةكون النفس جوهراً قائماً بنفسه ببراهين العقل.ولسنا نعترض اعتراض من يبعد ذلك منقدرة الله أو يرى أن الشرع جاء بنقيضه بلربما نبين في تفصيل الحشر والنشر أنالشرع مصدق له ولكنا ننكر دعواهم دلالةمجرد العقل عليه والاستغناء عن الشرع فيه.فلنطالبهم بالأدلة ولهم فيه براهينكثيرة بزعمهم. الأول دليلهم الأول: أن محلالعلم لا ينقسم فهو ليس جسماً قولهمإن العلوم العقلية تحل محل النفس الإنساني وهيمحصورة وفيها آحاد لا تنقسم فلابد وأن يكون محله أيضاً لا ينقسم وكل جسم فمنقسمفدل أن محله شيء لا ينقسم.ويمكن إيراد هذا على شرط المنطق بأشكاله ولكن أقربه أنيقال إن كان محل العلمجسماً منقسماً فالعلم الحال أيضاً منقسم لكن العلم الحالغير منقسم فالمحل ليسجسماً. وهذا هو قياس شرطي استثنى فيه نقيض التالي فينتج نقيضالمقدم بالاتفاقفلا نظر في صحة شكل القياس ولا أيضاً في المقدمتين فإن الأولقولنا إن كل حالفي منقسم ينقسم لا محالة بفرض القسمة في محله وهو أولي لا يمكنالتشكك فيهوالثاني قولنا إن العلم الواحد يحل في الآدمي وهو لا ينقسم لأنه لوانقسم إلىغير نهاية كان محالاً وإن كان له نهاية فيشتمل على آحاد لا محالة لاتنقسم.وعلى اعتراضنا: لماذا لا يكون محل العلم جوهراً فرداً والاعتراض علىمقامين:المقام الأول أن يقال: بم تنكرون على من يقول. محل العلم جوهر فرد متحيزلاينقسم وقد عرف هذا من مذهب المتكلمين. ولا يبقى بعده إلا استبعاد وهو أنه كيفتحل العلوم كلها في جوهر فرد وتكون جميع الجواهر المطيفة بها معطلة مجاورة.والاستبعاد لا خير فيه إذ يتوجه على مذهبهم أيضاً أنه كيف تكون النفس شيئاً واحداً لايتحيز ولا يشار إليه ولايكون داخل البدن ولا خارجه ولا متصلاً بالجسم ولامنفصلاً عنه. لكن هذه المسألةيطول حلها إلا أنا لا نؤثر هذا المقام فإن القولفي مسألة الجزء الذي لا يتجزى طويلولهم فيه أدلة هندسية يطول الكلام عليها ومنجملتها قولهم: جوهر فرد بين جوهرين هليلاقي أحد الطرفين منه عين ما يلاقيهالآخر أو غيره فإن كان عينه فهو محال إذ يلزممنه تلاقي الطرفين فإن ملاقيالملاقي ملاق وإن كان ما يلاقيه غيره ففيه إثباتالتعدد والانقسام وهذه شبهةيطول حلها وبنا غنية عن الخوض فيها فلنعدل إلى مقامآخر. المقام الثاني أننقول: ما ذكرتموه من أن كل حال في جسم فينبغي أن ينقسم باطلعليكم بما تدركهالقوة من الشاة من عداوة الذئب فإنها في حكم شيء وحد لا يتصورتقسيمه إذ ليسللعداوة بعض حتى يقدر إدراك بعضه وزوال بعضه وقد حصل إدراكها في قوةجسمانيةعندكم فإن نفس البهائم منطبعة في الأجسام لا تبقى بعد الموت. وقد اتفقواعليهفإن أمكنهم أن يتكلفوا تقدير الانقسام في المدركات بالحواس الخمس وبالحسالمشترك وبالقوة الحافظة للصور فلا يمكنهم تقدير الانقسام في هذه المعاني التيليسمن شرطها أن تكون في مادة. قد يقال: ليس الكلام عن العداوة المجردة فإنقيل:الشاة لا تدرك العداوة المطلقة المجردة عن المادة بل تدرك عداوة الذئبالمعينالمشخص مقروناً بشخصه وهيكله. والقوة العاقلة تدرك الحقائق مجردة عنالمواد والأشخاص.
الإدراك لا ينقسم قلنا: الشاة قد أدركت لون الذئب وشكله ثمعداوته فإن كان اللونينطبع في القوة الباصرة وكذى الشكل وينقسم بانقسام محلالبصر فالعداوة بماذىتدركها فإن أدرك بجسم فلينقسم وليت شعري ما حال ذلكالإدراك إذا قسم وكيف يكون بعضهأهو إدراك لبعض العداوة فكيف يكون لها بعض أوكل قسم إدراك لكل العداوة فتكونالعداوة معلومة مراراً بثبوت إدراكها في كل قسممن أقسام المحل. فإذن هذه شبهةمشكلة لهم في برهانهم فلا بد من الحل. قد يقال:لا شك في المقدمتين فإن قيل: هذهمناقضة في المعقولات والمعقولات لا تنقضفإنكم مهما لم تقدروا على الشك فيالمقدمتين وهو أن العلم الواحد لا ينقسم وأنما لا ينقسم لا يقوم بجسم منقسم لميمكنكم الشك في النتيجة. جوابنا: بينا أنأقوالهم تتناقض والجواب أن هذا الكتابما صنفناه إلا لبيان التهافت والتناقضفي كلام الفلاسفة وقد حصل إذ انتقض به أحدالأمرين: إما ما ذكروه في النفسالناطقة أو ما ذكروه في القوة الوهمية.

ليس العلم كاللون ثم نقول: هذه المناقضة تبين أنهم غفلواعن موضع تلبيس في القياسولعل موضع الالتباس قولهم إن العلم منطبع في الجسمانطباع اللون في المتلون وينقسماللون بانقسام المتلون فينقسم العلم بانقساممحله. والخلل في لفظ الانطباع إذ يمكنأن لا تكون نسبة العلم إلى محله كنسبةاللون إلى المتلون حتى يقال إنه منبسط عليهومنطبع فيه ومنتشر في جوانبه فينقسمبانقسامه. فلعل نسبة العلم إلى محله على وجهآخر وذلك الوجه لا يجوز فيهالانقسام عند انقسام المحل بل نسبته إليه كنسبة إدراكالعداوة إلى الجسم. ووجوهنسبة الأوصاف إلى محلها ليست محصورة في فن واحد ولا هيمعلومة التفاصيل لناعلماً نثق به فالحكم عليه دون الإحاطة بتفصيل النسبة حكم غيرموثوق به. لا دليللهم وعلى الجملة لا ينكر أن ما ذكروه مما يقوي الظن ويغلبهوإنما ينكر كونهمعلوماً يقيناً علماً لا يجوز الغلط فيه ولا يتطرق إليه الشك وهذاالقدر مشككفيه. دليل ثان دليلهم الثاني: للعلم نسبة إلى العالم قالوا: إن كانالعلمبالمعلوم الواحد العقلي وهو المعلوم المجرد عن المواد منطبعاً في المادةانطباعالأعراض في الجوهر الجسمانية لزم انقسامه بالضرورة بانقسام الجسم كما سبقوإنلم يكن منطبعاً فيه ولا منبسطاً عليه واستكره لفظ الانطباع فنعدل إلى عبارةأخرى ونقول: هل للعلم نسبة إلى العالم أم لا ومحال قطع النسبة فإنه إن قطعتالنسبةعنه فكونه عالماً به لم صار أولى من كون غيره عالماً وهذه النسبة تكونمن ثلاثةأقسام إما إلى الكل أو إلى البعض أو لا تكون وثلاثتها باطلة وإن كانله نسبة فلايخلوا من ثلثة أقسام: إما أن تكون النسبة لكل جزء من أجزاء المحلأو تكون لبعضأجزاء المحل دون البعض أو لا يكون لواحد من الأجزاء نسبة إليه.وباطل أن يقال: لانسبة لواحد من الأجزاء فإنه إذا لم يكن للآحاد نسبة لم يكنللمجموع نسبة فإنالمجتمع من المباينات مباين. وباطل أن يقال: النسبة للبعض فإنالذي لا نسبة له ليسهو من معناه في شيء وليس كلامنا عنه. وباطل أن يقال: لكل جزء مفروض نسبةإلى الذات لأنه إن كانتالنسبة إلى ذات العلم بأسره فمعلوم كل واحد من الأجزاءليس هو جزءاً من المعلومكما هو فيكون معقولاً مرات لا نهاية لها بالفعل وإنكان كل جزء له نسبة أخرى غيرالنسبة التي للجزء الآخر إلى ذات العلم فذات العلمإذن منقسمة في المعنى وقد بيناأن العلم بالمعلوم الواحد من كل وجه لا ينقسم فيالمعنى وإن كان نسبة كل واحد إلىشيء من ذات العلم غير ما إليه نسبة في الحسأقسام ومن هذا يتبين أن المحسوساتالمنطبعة في الحواس الخمس لا تكون إلا أمثلةلصور جزئية منقسمة فإن الإدراك معناهحصول مثال المدرك في نفس المدرك ويكون لكلجزء من مثال المحسوس نسبة إلى جزء منالآلة الجسمانية.

اعتراضنا: وهذا شأنعداوة الذئب والاعتراض على هذا ما سبق فإنتبديل لفظ الانطباع بلفظ النسبة لايدرأ الشبهة فيما ينطبع في القوة الوهمية للشاةمن عداوة الذئب كما ذكروه فإنهإدراك لا محالة وله نسبة إليه ويلزم في تلك النسبةما ذكرتموه فإن العداوة ليسأمراً مقدراً له كمية مقدارية حتى ينطبع مثالها في جسممقدر وتنتسب أجزاؤها إلىأجزائه وكون شكل الذئب مقدراً لا يكفي فإن الشاة أدركتشيئاً سوى شكله وهوالمخالفة والمضادة والعداوة والزيادة على الشكل من العداوة ليسلها مقدار وقدأدركته بجسم مقدر. فهذه الصور مشككة في هذا البرهان كما في الأول.
قد يقال: هلاتعترضون على الجوهر الفرد فإن قال قائل: هلا دفعتم هذه البراهين بأنالعلم يحلمن الجسم في جوهر متحيز لا يتجزى وهو جوابنا: هذا البحث طويل لا فائدةفيه قلنا: لأن الكلام في الجوهر الفرد يتعلق بأمور هندسية يطول القول في حلها.ثمليس فيه ما يدفع الإشكال فإنه يلزم أن تكون القدرة والإرادة أيضاً في ذلكالجزءفإن للإنسان فعلاً ولا يتصور ذلك إلا بقدرة وإرادة ولا يتصور الإرادة إلابعلموقدرة الكتابة في اليد والأصابع والعلم بها ليس في اليد إذ لا يزول بقطعاليد ولاإرادتها في اليد فإنه قد يريدها بعد شلل اليد وتتعذر لا لعدم الإرادةبل لعدمالقدرة.

دليل ثالث دليلهم الثالث: الإنسان دون الجزء هوالعالم قولهم: العلم لو كان فيجزء من الجسم لكان العالم ذلك الجزء دون سائرأجزاء الإنسان والإنسان يقال له عالموالعالمية صفة له على الجملة من غير نسبةإلى محل مخصوص جوابنا: وهو المبصر! وهذاهوس فإنه يسمى مبصراً وسامعاً وذائقاًوكذى البهيمة توصف به وذلك لا يدل على أنإدراك المحسوسات ليس بالجسم بل هو نوعمن التجوز كما يقال فلان في بغداذ وإن كانهو في دليل رابع دليلهم الرابع: قديكون العلم والجهل في المحل الواحد إن كانالعلم يحل جزءاً من القلب أو الدماغمثلاً فالجهل ضده فينبغي أن يجوز قيامه بجزءآخر من القلب أو الدماغ ويكونالإنسان في حالة واحدة عالماً وجاهلاً بشيء واحد فلمااستحال ذلك تبين أن محلالجهل هو محل العلم وأن ذلك المحل واحد يستحيل اجتماعالضدين فيه فإنه لو كانمنقسماً لما استحال قيام الجهل ببعضه والعلم ببعضه لأنالشيء في محل لا يضادهضده في محل آخر كما تجتمع البلقة في الفرس الواحد والسوادوالبياض في العينالواحدة ولكن في محلين.

الحواس لا ضد لإدراكاتها ولا يلزم هذا في الحواس فإنه لاضد لإدراكاتها ولكنه قديدرك وقد لا يدرك فليس بينهما إلا تقابل الوجود والعدم.فلا جرم نقول: يدرك ببعضأجزائه كالعين والأذن ولا يدرك بسائر بدنه وليس فيهتناقض. في المحل الواحد بغيرالمجاز ولا يغني عن هذا قولكم إن العالمية مضادةللجاهلية والحكم عام لجميع البدنإذ يستحيل أن يكون الحكم في غير محل العلةفالعالم هو المحل الذي قام العلم به فإنأطلق الاسم على الجملة فبالمجاز كمايقال: هو في بغداذ وإن كان هو في بعضها وكمايقال: مبصر وإن كنا بالضرورة نعلمأن حكم الإبصار لا يثبت للرجل واليد بل يختصبالعين وتضاد الأحكام كتضاد العللفإن الأحكام تقتصر على محل العلل. في المحلالمهيأ لكل من العلم والجهل ولايخلص من هذا قول القائل إن المحل المهيأ لقبولالعلم والجهل من الإنسان واحدفيتضادان عليه فإن عندكم أن كل جسم فيه حيوة فهوقابل للعلم والجهل ولم تشترطواسوى الحيوة شريطة أخرى وسائر أجزاء البدن عندكم فيقبول العلم على وتيرة واحدة.اعتراضنا: ولا تكون الشهوة والنفرة في المحل الواحد الاعتراض أن هذا ينقلبعليكم في الشهوة والشوق والإرادة فإن هذه الأمور تثبتللبهائم والإنسان وهيمعان تنطبع في الجسم ثم يستحيل أن ينفر عما يشتاق إليهفيجتمع فيه النفرةوالميل إلى شيء واحد بوجود الشوق في محل والنفرة في محل آخر وذلكلا يدل علىأنها لا تحل الأجسام وذلك لأن هذه القوى وإن كانت كثيرة ومتوزعة علىآلاتمختلفة فلها رابطة واحدة وهي النفس وذلك للبهيمة والإنسان جميعاً وإذا اتحدتالرابطة استحالت الإضافات المتناقضة بالنسبة إليه وهذا لا يدل على كون النفسغيرمنطبع في الجسم كما في البهائم.
دليل خامس دليلهم الخامس: لولا ذلك لما عقل العقلنفسه قولهم: إن كان العقل يدركالمعقول بآلة جسمانية فهو لا يعقل نفسه والتاليمحال فإنه يعقل نفسه فالمقدم محال.جوابنا: ما الدليل عليه قلنا: مسلم أناستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم ولكنإذا ثبت اللزوم بين التالي والمقدمبل نقول: ما يسلم لزوم التالي وما الدليل عليهقد يقال: الإبصار لا يبصر فإنقيل: الدليل عليه أن الإبصار لما كان بجسم فالإبصارلا يتعلق بالأبصار فالرؤيةلا ترى والسمع لا يسمع وكذى سائر الحواس. فإن كان العقلأيضاً لا يدرك إلا بجسمفلم يدرك نفسه والعقل كما يعقل غيره يعقل نفسه فإن الواحدمنا كما يعقل غيرهيعقل نفسه ويعقل أنه عقل غيره جوابنا: هذا يجوز بخرق العادات قلنا: ماذكرتموه فاسد من وجهين: أحدهما أن الإبصار عندنا يجوز أن يتعلق بنفسهفيكونإبصاراً لغيره ولنفسه كما يكون العلم الواحد علماً بغيره وعلماً بنفسه. ولكنالعادة جارية بخلاف ذلك وخرق العادات عندنا جائز.
فيكون حاسة منفردة والثاني وهو أقوى أنا سلمنا هذا فيالحواس ولكن لم إذا امتنعذلك في بعض الحواس يمتنع في بعض وأي بعد في أن يفترقحكم الحواس في وجه الإدراك معاشتراكها في أنها جسمانية كما اختلف البصر واللمسفي أن اللمس لا يفيد الإدراك إلاباتصال الملموس بالآلة اللامسة وكذى الذوقويخالفه البصر فإنه يشترط فيه الانفصالحتى لو أطبق أجفانه لم ير لون الجفنلأنه لم يبعد عنه وهذا الاختلاف لا يوجبالاختلاف في الحاجة إلى الجسم فلا يبعدأن يكون في الحواس الجسمانية ما يسمى عقلاًويخالف سائرها في أنها تدرك نفسها.دليل سادس دليلهم السادس: لولا ذلك لما أدركالعقل القلب قالوا: لو كان العقليدرك بآلة جسمانية كالأبصار لما أدرك آلته كسائرالحواس ولكنه يدرك الدماغوالقلب وما يدعى آلته فدل أنه ليس آلة له ولا محلاً وإلالما أدركه. اعتراضنا:كما سبق والاعتراض على هذا كالاعتراض على الذي قبله. فإنانقول: لا يبعد أنيدرك الإبصار محله ولكنه حوالة على العادة. أو نقول: لم يستحيلأن تفترق الحواسفي هذا المعنى وإن اشتركت في الانطباع في الأجسام كما سبق ولم قلتمأن ما هوقائم في جسم يستحيل أن يدرك الجسم الذي هو محله ولم يلزم أن يحكم من جزئيمعينعلى كلي مرسل لا يحكم ببعض الحواس على جميعها ومما عرف بالاتفاق بطلانهوذكر في المنطق أن يحكمبسبب جزئي أو جزئيات كثيرة على كلي حتى مثلوه بما إذاقال الإنسان إن كل حيوانفإنه يحرك عند المضغ فكه الأسفل لأنا استقرأناالحيوانات كلها فرأيناها كذلك فيكونذلك لغفلته عن التمساح فإنه يحرك فكهالأعلى وهؤلاء لم يستقرئوا إلا الحواس الخمسفوجدوها على وجه معلوم فحكموا علىالكل به. فلعل العقل حاسة أخرى تجري من سائرالحواس مجرى التمساح من سائرالحيوانات فتكون إذن الحواس مع كونها جسمانية منقسمةإلى ما يدرك محلها وإلى مالا يدرك كما انقسمت إلى ما يدرك مدركه من غير مماسةكالبصر وإلى ما لا يدرك إلاباتصال كالذوق واللمس. فما ذكروه أيضاً إن أورث ظناًفلا يورث يقيناً موثوقاًبه. قد يقال: على العقل أن يدرك القلب دائماً إما ألايدركه أبداً فإن قيل:لسنا نعول على مجرد الاستقراء للحواس بل نعول على البرهانونقول: لو كان القلبأو الدماغ هو نفس الإنسان لكان لا يعزب عنه إدراكهما حتى لايخلوا عن أنيعقلهما جميعاً كما أنه لا يخلوا عن إدراك نفسه فإن أحداً لا يعزبذاته عن ذاتهبل يكون مثبتاً لنفسه في نفسه أبداً والإنسان ما لم يسمع حديث القلبوالدماغ أولم يشاهد بالتشريح من إنسان آخر لا يدركهما ولا يعتقد وجودهما. فإن كانالعقلحالاً في جسم فينبغي أن يعقل ذلك الجسم أبداً أو لا يدركه أبداً وليس واحدمنالأمرين بصحيح بل يعقل حالة ولا يعقل حالة.
فهناك نسبة واحدة وهذا التحقيق وهو أن الإدراك الحال فيمحل إنما يدرك المحل لنسبةله إلى المحل ولا يتصور أن يكون له نسبة إليه سوىالحلول فيه فليدركه أبداً وإنكان هذه النسبة لا تكفي فينبغي أن لا يدرك أبداًإذ لا يمكن أن يكون له نسبة أخرىإليه كما أنه لما أن كان يعقل نفسه عقل نفسهأبداً ولم يغفل عنه بحال. جوابنا:الإنسان يشعر بجسده قلنا: الإنسان ما داميشعر بنفسه ولا يغفل عنه فإنه يشعربجسده وجسمه. نعم لا يتعين له اسم القلبوصورته وشكله ولكنه يثبت نفسه جسماً حتىيثبت نفسه في ثيابه وفي بيته والنفسالذي ذكروه لا يناسب البيت والثوب. دائماً وإنعلى وجه غير معين فإثباته لأصلالجسم ملازم له وغفلته عن شكله واسمه كغفلته عن محلالشم وإنهما زائدتان فيمقدم الدماغ شبيهتين بحلمتي الثدي فإن كل إنسان يعلم أنهيدرك الرائحة بجسمهولكن محل الإدراك لا يتشكل له ولا يتعين وإن كان يدرك أنه إلىالرأس أقرب منهإلى العقب ومن جملة الرأس إلى داخل الأنف أقرب منه إلى داخل الأذن.فكذلك يشعرالإنسان بنفسه ويعلم أن هويته التي بها قوامه إلى قلبه وصدره أقرب منهإلى رجلهفإنه يقدر نفسه باقياً مع عدم الرجل ولا يقدر على تقدير نفسه باقياً مععدمالقلب فما ذكروه من أنه يغفل عن الجسم تارة وتارة لا
دليل سابع دليلهم السابع: أن القوى الآلية يعرض لها منالمواظبة على العمل كلال قالوا القوى الدراكة بالآلات الجسمانية يعرض لها منالمواظبة على العمل بإدامةالإدراك كلال لأن إدامة الحركة تفسد مزاج الأجسامفتكلها وكذلك الأمور القويةالجلية الإدراك توهنها وربما تفسدها حتى لا تدركعقيبها الأخفى الأضعف كالصوتالعظيم للسمع والنور العظيم للبصر فإنه ربما يفسدأو يمنع عقيبه من إدراك الصوتالخفي والمرئيات الدقيقة بل من ذاق الحلاوةالشديدة لا يحس بعده بحلاوة دونه.والأمر في القوة العقلية بالعكس والأمر القوةالعقلية بالعكس فإن إدامتها للنظرإلى المعقولات لا يتعبها ودرك الضرورياتالجلية يقويها على درك النظريات الخفية ولايضعفها وإن عرض لها في بعض الأوقاتكلال فذلك لاستعمالها القوة الخياليةواستعانتها بها فتضعف آلة القوة الخياليةفلا تخدم العقل. قولنا: الحواس تختلفبعضها عن بعض وهذا من الطراز السابق فإنانقول: لا يبعد أن تختلف الحواس الجسمانيةفي هذه الأمور فليس ما يثبت منهاللبعض يجب أن يثبت للآخر بل لا يبعد أن تتفاوتالأجسام فيكون منها ما يضعفهانوع من الحركة ومنها ما يقويها نوع من الحركة ولايوهنها وإن كان يؤثر فيهافيكون ثم سبب يجدد قوتها بحيث لا تحس بالأثر فيها. فكلهذا ممكن إذا الحكمالثابت لبعض الأشياء ليس يلزم أن يثبت لكله.
دليل ثامن دليلهم الثامن: العقل لا تعتريهالشيخوخة قالوا: أجزاء البدن كلها تضعفقواها بعد منتهى النشو والوقوف عندالأربعين سنة فما بعدها فيضعف البصر والسمعوسائر القوى والقوة العقلية في أكثرالأمر إنما تقوى بعد ذلك. يعوقه المرض ولايلزم على هذا تعذر النظر فيالمعقولات عند حلول المرض في البدن وعند الخرف بسببالشيخوخة فإنه مهما بان أنهيتقوى مع ضعف البدن في بعض الأحوال فقد بان قوامهبنفسه فتعطله عند تعطل البدنلا يوجب كونه قائماً بالبدن فإن استثناء عين التالي لاينتج فإنا نقول: إن كانتالقوة العقلية قائمة بالبدن فيضعفها ضعف البدن بكل حالوالتالي محال فالمقدممحال. ولهذا الأمر مدلول ثم السبب فيه أن النفس لها فعلبذاتها إذا لم يعق عائقولم يشغلها شاغل فإن للنفس فعلين: فعل بالقياس إلى البدنوهو السياسة لهوتدبيره وفعل بالقياس إلى مبادئه وإلى ذاته وهو إدراك المعقولاتوهما متمانعانمتعاندان فمهما اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر وتعذر عليه الجمع بينالأمرين.وشواغله من جهة البدن الإحساس والتخيل والشهوات والغضب والخوف والغموالوجعفإذا أخذت تفكر في معقول تعطل عليك كل هذه الأشياء الأخر. بل مجرد الحس قديمنعمن إدراك العقل ونظره من غير أن يصيب آلة العقل شيء أو يصيب ذاتها آفة والسببفي كل ذلك اشتغال النفس بفعل عن فعل ولذلك يتعطل نظر العقل عند الوجع والمرضوالخوف فإنه أيضاً مرض في الدماغ. وكيف يستبعد التمانع في اختلاف جهتي فعلالنفسوتعدد الجهة الواحدة قد يوجب التمانع فإن الفرق يذهل عن الوجع والشهوة عنالغضبوالنظر في معقول عن معقول آخر.

إذا عاد المريض صحيحاً عاد العلم من غير استئناف تعلم وآيةأن المرض الحال فيالبدن ليس يتعرض لمحل العلوم أنه إذا عاد صحيحاً لم يفتقرإلى تعلم اعتراضنا: هناكأسباب كثيرة لزيادة بعض الحواس والاعتراض أن نقول:نقصان القوى وزيادتها لهاأسباب كثيرة لا تنحصر فقد يقوى بعض القوى في ابتداءالعمر وبعضها في الوسط وبعضهافي الآخر وأمر العقل أيضاً كذلك. فلا يبقى إلا أنيدعى الغالب. مثل الشم ولا بعد فيأن يختلف الشم والبصر في أن الشم يقوى بعدالأربعين والبصر يضعف وإن تساويا فيكونهما حالين في الجسم كما تتفاوت هذهالقوى في الحيوانات فيقوى الشم من بعضهاوالسمع من بعضها والبصر من بعضهالاختلاف في أمزجتها لا يمكن الوقوف على ضبطه فلايبعد أن يكون مزاج الآلاتأيضاً يختلف في حق الأشخاص وفي حق الأحوال. والعقل ويكونأحد الأسباب في سبقالضعف إلى البصر دون العقل أن البصر أقدم فإنه مبصر في أولفطرته ولا يتم عقلهإلا بعد خمسة عشر سنة أو زيادة على ما يشاهد اختلاف الناس فيهحتى قيل إن الشيبإلى شعر الرأس أسبق منه إلى شعر اللحية لأن شعر الرأس أقدم. فهذهالأسباب إنخاض الخائض فيها ولم يرد هذه الأمور إلى مجاري العادات فلا يمكن أنينبنى عليهاعلم موثوق به لأن جهات الاحتمال فيما تزيد بها القوى أو تضعف لا تنحصرفلا يورثشيء من ذلك يقيناً.
دليل تاسع دليلهم التاسع: مهما تبدل الجسم فالإنسان يبقىبعينه ومعه علوم قالوا:كيف يكون الإنسان عبارة عن الجسم مع عوارضه وهذهالأجسام لا تزال تنحل والغذاء يسدمسد ما ينحل حتى إذا رأينا صبياً انفصل منالجنين فيمرض مراراً ويذبل ثم يسمنوينموا فيمكننا أن نقول: لم يبق فيه بعدالأربعين شيء من الأجزاء التي كانت موجودةعند الانفصال بل كان أول وجوده منأجزاء المني فقط ولم يبق فيه شيء من أجزاء المنيبل انحل كل ذلك وتبدل بغيره.فيكون هذا الجسم غير ذلك الجسم. ونقول: هذا الإنسانهو ذلك الإنسان بعينه وحتىأنه يبقى معه علوم من أول صباه ويكون قد تبدل جميعأجسامه. فدل أن للنفس وجوداًسوى البدن وأن البدن آلته. وكلك الشجرة الاعتراض أن هذاينتقض بالبهيمة والشجرةإذا قيست حالة كبرهما بحالة الصغر فإنه يقال إن هذا ذاكبعينه كما يقال فيالإنسان وليس يدل ذلك على أن له وجوداً غير الجسم. وتبقى الصورالمتخيلة وماذكر في العلم يبطل بحفظ الصور المتخيلة فإنه يبقى في الصبي إلى الكبروإن تبدلسائر أجزاء الدماغ فإن زعموا أنه لم يتبدل سائر أجزاء الدماغ فكذى سائرأجزاءالقلب وهما من البدن فكيف يتصور أن يتبدل الجميع والإنسان يبقى منه شيء بل نقول: الإنسان وإن عاش مائة سنةمثلاً فلا بد وأن يكونقد بقي فيه أجزاء من النطفة فأما أن تنمحى عنه فلا فهوذلك الإنسان باعتبار ما بقيكم أنه يقال: هذا ذاك الشجر وهذا ذاك الفرس ويكونبقاء المني مع كثرة التحللوالتبدل. مثل الماء الذي تصب عليه وتأخذ منه مثالهما إذا صب في موضع رطل من الماءثم صب عليه رطل آخر حتى اختلط به ثم أخذ منهرطل ثم صب عليه رطل آخر ثم أخذ منهرطل ثم لا يزال يفعل كذلك ألف مرة فنحن فيالمرة الأخيرة نحكم بأن شيئاً من الماءالأول باق وأنه ما من رطل يؤخذ منه إلاوفيه شيء من ذلك الماء لأنه كان موجوداً فيالكرة الثانية والثالثة قريبة منالثانية والرابعة من الثالثة وهكذى إلى الآخر.وهذا على أصلهم ألزم حيث جوزواانقسام الأجسام إلى غير نهاية فانصباب الغذاء فيالبدن وانحلال أجزاء البدنيضاهي صب الماء في هذا الإناء واغترافه عنه. دليل عاشردليلهم العاشر: في العقلكليات عامة قالوا: القوة العقلية تدرك الكليات العامةالعقلية التي يسميهاالمتكلمون أحوالاً فتدرك الإنسان المطلق عند مشاهدة الحس لشخصإنسان معين وهوغير الشخص المشاهد فإن المشاهد في مكان مخصوص ولون مخصوص ومقدارمخصوص ووضعمخصوص والإنسان المعقول المطلق مجرد عن هذه الأمور بل يدخل فيه كل ماينطلقعليه اسم الإنسان وإن لم يكن على لون المشاهد وقدره ووضعه ومكانه بل الذييمكنوجوده في المستقبل يدخل فيه بل لو عدم الإنسان يبقى حقيقة الإنسان في العقلمجرداً عن هذه الخواص وهكذى كل شيء شاهده الحس مشخصاً فيحصل منه للعقل حقيقةذلكالشخص كلياً مجرداً عن المواد والأوضاع حتى تنقسم أوصافه إلى ما هو ذاتيكالجسميةللشجر والحيوان والحيوانية للإنسان وإلى ما هو عرضي له كالبياض والطولللإنسانوالشجر ويحكم بكونه ذاتياً وعرضياً على جنس الإنسان والشجر وكل ما يدركلا علىالشخص المشاهد فدل أن الكلي المجرد عن القرائن المحسوسة معقولة عندهوثابتة في عقله.
تجردها عن القرائن المحسوسة تتعلق بالنفس المجردة وذلكالكلي المعقول لا إشارةإليه ولا وضع له ولا مقدار فإما أن يكون تجرده عن الوضعوالمادة بالإضافة إلىالمأخوذ منه وهو محال فإن المأخوذ منه ذو وضع وأين ومقداروإما أن يكون بالإضافةإلى الآخذ وهو النفس العاقلة فينبغي أن لا يكون للنفسوضع ولا إليه إشارة ولا لهمقدار وإلا لو ثبت ذلك لثبت للذي حل فيه. اعتراضنا:ما يحل في الحس يحل في العقلولكن مفصلاً والاعتراض أن المعنى الكلي الذيوضعتموه حالاً في العقل غير مسلم بللا يحل في العقل إلا ما يحل في الحس ولكنيحل في الحس مجموعاً ولا يقدر الحس علىتفصيله والعقل يقدر على تفصيله. فيالعقل النسبة إلى جميع المفردات نسبة واحدة ثمإذا فصل كان المفصل المفرد عنالقرائن في العقل في كونه جزئياً كالمقرون بقرائنهإلا أن الثابت في العقليناسب المعقول وأمثاله مناسبة واحدة فيقال إنه كلي على هذاالمعنى وهو أن فيالعقل صورة المعقول المفرد الذي أدركه الحس أولاً ونسبة تلكالصورة إلى سائرآحاد ذلك الجنس نسبة واحدة فإنه لو رأى إنساناً آخر لم يحدث لههيئة أخرى كماإذا رأى فرساً بعد إنسان فإنه يحدث فيه صورتان مختلفتان.
ومثل هذا في الحس ومثل هذا قد يعرض في مجرد الحس فإن منرأى الماء حصل في خيالهصورة فلو رأى الدم بعده حصلت صورة أخرى فلو رأى ماء آخرلم تحدث صورة أخرى بلالصورة التي انطبعت في خياله من الماء مثال لكل واحد منآحاد المياه فقد يظن أنهكلي بهذا المعنى. فكذلك إذا رأى اليد مثلاً حصل فيالخيال وفي العقل وضع أجزائهبعضها مع بعض وهو انبساط الكف وانقسام الأصابععليه وانتهاء الأصابع على الأظفارويحصل مع ذلك صغره وكبره ولونه. فإن رأى يداًأخرى تماثله في كل شيء لم يتجدد لهصورة أخرى بل لا تؤثر المشاهدة الثانية فيإحداث شيء جديد في الخيال كما إذا رأىالماء بعد الماء في إناء واحد على قدرواحد وقد يرى يداً أخرى تخالفه في اللونوالقدر فيحدث له لون آخر وقدر آخر ولايحدث له صورة جديدة لليد فإن اليد الصغيرالأسود يشارك اليد الكبير الأبيض فيوضع الأجزاء ويخالفه في اللون والقدر فمايساوي فيه الأول لا تتجدد صورته إذتلك الصورة هي هذه الصورة بعينها وما يخالفهيتجدد صورته. وهذا لا يؤذن بثبوتكلي في العقل لا وضع له أصلاً فهذا معنى الكلي فيالعقل والحس جميعاً فإن العقلإذا أدرك صورة الجسم من الحيوان فلا يستفيد من الشجرصورة جديدة في الجسمية كمافي الخيال بإدراك صورة الماءين في وقتين وكذى في كلمتشابهين وهذا لا يؤذنبثبوت كلي لا وضع له أصلاً. على أن العقل قد يحكم بثبوت شيءلا إشارة إليه ولاوضع كحكمه بوجود صانع العالم ولكن من أين أن ذلك لا يتصور قيامهبجسم وفي هذاالقسم يكون المنتزع عن المادة هو المعقول في نفسه دون العقل والعاقل.فأماالمأخوذ من المواد فوجهه ما ذكرناه.
مسألة في إبطال قولهم إن النفوس الإنسانية يستحيل عليهاالعدم بعد وجودها وأنهاسرمدية لا يتصور فناؤها دليلهم الأول: لا يكون بموتالبدن أحدهما قولهم إن عدمهالا يخلوا إما أن يكون بموت البدن أو بضد يطرىعليها أو بقدرة القادر. وباطل أنتنعدم بموت البدن فإن البدن ليس محلاً لها بلهو آلة تستعملها النفس بواسطة القوىالتي في البدن وفساد الآلة لا يوجب فسادمستعمل الآلة إلا أن يكون حالاً فيهامنطبعاً كالنفوس البهيمية والقوىالجسمانية ولأن النفس فعلاً بغير مشاركة الآلةوفعلاً بمشاركتها فالفعل الذيلها بمشاركة الآلة التخيل والإحساس والشهوة والغضبفلا جرم يفسد بفساد البدنويفوت بفواته وفعلها بذاتها دون مشاركة البدن إدراكالمعقولات المجردة عنالمواد ولا حاجة في كونه مدركاً للمعقولات إلى البدن بلالاشتغال بالبدن يعوقهاعن المعقولات ومهما كان لها فعل دون البدن ووجود دون البدنلم تفتقر في قوامهاإلى البدن. ولا بالضد وباطل أن يقال إنها تنعدم بالضد إذالجواهر لا ضد لهاولذلك لا ينعدم في العالم إلا الأعراض والصور المتعاقبة علىالأشياء إذ تنعدمصورة المائية بضدها وهو صورة الهوائية والمادة التي هي المحل لاتنعدم قط وكلجوهر ليس في محل فلا يتصور عدمه بالضد إذ لا ضد لما ليس في ولا بالقدرة وباطل أن يقال: تفنى بالقدرة إذ العدم ليسشيئاً حتى يتصور وقوعهبالقدرة وهذا عين ما ذكروه في مسألة أبدية العالم وقدقررناه وتكلمنا عليه.اعتراضنا الأول: راجع ما سبق والاعتراض عليه من وجوه:الأول أنه بناء على أنالنفس لا يموت بموت البدن لأنه ليس حالاً في جسم وهوبناء على المسألة الأولى فقدلا نسلم ذلك: اعتراضنا الثاني: حدوث النفس لا يكونإلا بحدوث البدن الثاني هو أنهلا يحل البدن عندهم فله علاقة بالبدن حتى لميحدث إلا بحدوث البدن. هذا ما اختارهابن سينا والمحققون وأنكروا على أفلاطن أنالنفس قديمة ويعرض لها الاشتغالبالأبدان بمسلك برهاني محقق. كما تحقق الأمروهو أن النفوس قبل الأبدان إن كانتواحدة فكيف انقسمت وما لا عظم له ولا مقدارلا يعقل انقسامه. وإن زعم أنه لم ينقسمفهو محال إذ يعلم ضرورة أن نفس زيد غيرنفس عمرو ولو كانت واحدة لكانت معلومات زيدمعلومة لعمرو فإن العلم من صفات ذاتالنفس وصفات الذات تدخل مع الذات في كل إضافةوإن كانت النفوس متكثرة فماذىتكثرت ولم تتكثر بالمواد ولا بالأماكن ولا بالأزمنةولا بالصفات إذ ليس فيها مايوجب اختلاف الصفة بخلاف النفوس بعد موت البدن فإنهاتتكثر باختلاف الصفات عندمن يرى بقاءها لأنها استفادت من الأبدان هيئات مختلفة لاتتماثل نفسان منها فإنهيئاتها تحصل من الأخلاق والأخلاق قط لا تتماثل نفسان منهافإن هيئاتها تحصل منالأخلاق والأخلاق قط لا تتماثل كما أن الخلق الظاهر قط لايتماثل ولو تماثلتلاشتبه علينا زيد بعمرو.
والنفس تتعلق بالبدن المخصوص ببعض الوسائط ومهما ثبت بحكمهذا البرهان حدوثه عندحدوث النطفة في الرحم واستعداد مزاجها لقبول النفسالمدبرة ثم قبلت النفس لا لأنهانفس فقط إذ قد تستعد في رحم واحد نطفتانلتوأمين في حالة واحدة للقبول فيتعلق بهمانفسان يحدثان من المبدأ الأول بواسطةأو بغير واسطة ولا يكون نفس هذا مدبراً لجسمذاك ولا نفس ذاك مدبراً لجسم هذافليس الإختصاص إلا لعلاقة خاصة بين النفس المخصوصوبين ذلك البدن المخصوص وإلافلا يكون بدن أحد التوأمين بقبول هذه النفس أولى منالآخر وإلا فقد حدثت نفسانمعاً واستعدت نطفتان لقبول التدبير معاً. فإذا بطلالبدن انعدمت النفس فماالمخصص فإن كان ذلك المخصص هو الانطباع فيه فيبطل ببطلانالبدن وإن كان ثم وجهآخر به العلاقة بين هذه النفس على الخصوص وبين هذا البدن علىالخصوص حتى كانتتلك العلاقة شرطاً في حدوثه فأي بعد في أن تكون شرطاً في بقاءهفإذا انقطعتالعلاقة انعدمت النفس ثم لا يعود وجودها إلا بإعادة الله سبحانهوتعالى علىسبيل البعث والنشور كما ورد به الشرع في المعاد. قد يقال: ليست هذهالعلاقة إلابطريق الشوق فإن قيل: أما العلاقة بين النفس والبدن فليس إلا بطريقنزاع طبيعيوشوق جبلي خلق فيها إلى هذا البدن خاصة يشغلها ذلك الشوق بها عن غيرهمنالأبدان ولا يخليها في لحظة فتبقى مقيدة بذلك الشوق الجبلي بالبدن المعينمصروفاً عن غيره. وذلك لا يوجب فساده بفساد البدن الذي هو مشتاق بالجبلة إلىتدبيره.نعم قد يبقى ذلك الشوق بعد مفارقة البدن إن استحكم في الحيوة اشتغالهابالبدنوإعراضها عن كسر الشهوات وطلب المعقولات فيتأذى بذلك الشوق مع فواتالآلة التيالشوق إلى مقتضاها.
وبمناسبة تخفى علينا وأما تعين نفس زيد لشخص زيد في أولالحدوث فلسبب ومناسبة بينالبدن والنفس لا محالة حتى يكون هذا البدن مثلاً أصلحلهذه النفس من الآخر لمزيدمناسبة بينهما فترجح اختصاصه وليس في القوة البشريةإدراك خصوص تلك المناسبات وعدماطلاعنا على تفصيله لا يشككنا في أصل الحاجة إلىمخصص ولا يضرنا أيضاً في قولنا إنالنفس لا تفنى بفناء البدن. جوابنا: قد تكونعلى وجه يحوج النفس في بقائها قلنا:مهما غابت المناسبة عنا وهي المقتضيةللاختصاص فلا يبعد أن تكون تلك المناسبةالمجهولة على وجه يحوج النفس في بقائهاإلى بقاء البدن حتى إذا فسد فسدت فإنالمجهول لا يمكن الحكم عليه بأنه يقتضيالتلازم أم لا فلعل تلك النسبة ضرورية فيوجود النفس فإن انعدمت انعدمت فلا ثقةبالدليل الذي ذكروه. اعتراضنا الثالث: تنعدمبقدرة الله الاعتراض الثالث هو أنهلا يبعد أن يقال: تنعدم بقدرة الله تعالى كماقررناه في مسألة سرمدية العالم.اعتراضنا الرابع: لعل هناك طرق غيرها الاعتراضالرابع هو أن يقال: ذكرتم أنهذه الطرق الثلث في العدم تنحسم فهو مسلم. فما الدليلعلى أن عدم الشيء لايتصور إلا بطريق من هذه الطرق الثلث فإن التقسيم إذا لم يكندائراً بين النفيوالإثبات فلا يبعد أن يزيد على الثلث والأربع فلعل للعدم طريقاًرابعاً وخامساًسوى ما ذكرتموه فحصر الطرق في هذه الثلث غير معلوم بالبرهان.دليلهم الثاني: كلجوهر يستحيل عليه العدم دليل ثان وعليه تعويلهم أن قالوا: كلجوهر ليس في محلفيستحيل عليه العدم بل البسائط لا تنعدم قط. وهذا الدليل يثبت فيهأولاً أن موتالبدن لا يوجب انعدامه لما سبق.
ما ينعدم ففيه قوة الفساد وحامله يبقى فبعد ذلك يقال:يستحيل أن ينعدم بسبب آخربسبب آخر لأن كل ما ينعدم بسبب ما أي سبب كان ففيهقوة الفساد أي إمكان العدم سابقعلى الانعدام كما أن ما يطرى وجوده من الحوادثفيكون إمكان الوجود سابقاً علىالوجود ويسمى إمكان الوجود قوة الوجود وإمكانالعدم قوة الفساد. وكما أن إمكانالوجود وصف إضافي لا يقوم إلا بشيء حتى يكونإمكاناً بالإضافة إليه فكذلك إمكانالعدم ولذلك قيل إن كل حادث فيفتقر إلى مادةسابقة يكون فيها إمكان وجود الحادثوقوته كما سبق في مسألة قدم العالم فالمادةالتي فيها قوة الوجود قابلة للوجودالطاري والقابل غير المقبول فيكون القابلموجوداً مع المقبول عند طريانه وهو غيره.فكذلك قابل العدم ينبغي أن يكونموجوداً عند طريان العدم حتى يعدم منه شيء كما وجدفيه شيء ويكون ما عدم غير مابقي ويكون ما بقي هو الذي فيه قوة العدم وقبولهوإمكانه كما أن ما بقي عندطريان الوجود يكون غير ما طرى وقد كان ما فيه قوة قبولالطاري. وهو كالمادةفيلزم أن يكون الشيء الذي طرى عليه العدم مركباً من شيء انعدمومن قابل للعدمبقي مع طريان العدم وقد كان هو حامل قوة العدم قبل طريان العدمويكون حاملالقوة كالمادة والمنعدم منها كالصورة.

لكن النفس غير مركبة ولكن النفس بسيطة وهي صورة مجردة عنالمادة لا تركيب فيها فإنفرض فيها تركيب من صورة ومادة فنحن ننقل البيان إلىالمادة التي هي السنخ والأصلالأول إذ لا بد وأن ينتهي إلى أصل فنحيل العدم علىذلك الأصل وهو المسمى نفساً كمانحيل العدم على مادة الأجسام فإنها أزلية أبديةإنما تحدث عليها الصور وتنعدم منهاالصور وفيها قوة طريان الصور عليها وقوةانعدام الصور منها فإنها قابلة للضدين علىالسواء وقد ظهر من هذا الوجود أن كلموجود أحدى الذات يستحيل عليه العدم. إن قوةالوجود للشيء يكون لغير ذلك الشيءويمكن تفهيم هذا بصيغة أخرى وهو أن قوة الوجودللشيء يكون قبل وجود الشيء فيكونلغير ذلك الشيء ولا يكون نفس قوة الوجود. بيانهأن الصحيح البصر يقال أنه بصيربالقوة أي فيه قوة الإبصار ومعناه أن الصفة التي لابد منها في العين ليصحالإبصار موجودة فإن تأخر الإبصار فلتأخر شرط آخر فيكون قوةالإبصار للسوادمثلاً موجوداً للعين قبل إبصار السواد بالفعل فإن حصل إبصار السوادبالفعل لميكن قوة إبصار ذلك السواد موجوداً عند وجود ذلك الإبصار إذ لا يمكن أنيقال:مهما حصل الإبصار فهو مع كونه موجوداً بالفعل موجود بالقوة بل قوة الوجود لو انعدم الشيء البسيط لاجتمع في الشيء الواحد قوة الوجودمع حصول الوجود وإذاثبتت هذه المقدمة فنقول: لو انعدم الشيء البسيط لكانإمكان العدم قبل العدم حاصلاًلذلك الشيء وهو المراد بالقوة فيكون إمكان الوجودأيضاً حاصلاً فإن ما أمكن عدمهفليس واجب الوجود فهو ممكن الوجود ولا نعني بقوةالوجود إلا إمكان الوجود فيؤديإلى أن يجتمع في الشيء الواحد قوة وجود نفسه معحصول وجوده بالفعل ويكون وجودهبالفعل هو عين قوة الوجود وقد بينا أن قوةالإبصار تكون في العين التي هي غيرالإبصار ولا تكون في نفس الإبصار إذ يؤديإلى أن يكون الشيء بالقوة والفعل وهمامتناقضان بل مهما كان الشيء بالقوة لميكن بالفعل ومهما كان بالفعل لم يكن بالقوةوفي إثبات قوة العدم للبسيط قبلالعدم إثبات لقوة الوجود في حالة الوجود وهو محال.راجع ما سبق في مسألة أزليةالعالم وهذا بعينه هو الذي قررناه لهم في مصيرهم إلىاستحالة حدوث المادةوالعناصر واستحالة عدمها في مسألة أزلية العالم وأبديته ومنشأالتلبيس وضعهمالإمكان وصفاً مستدعياً محلاً يقوم به. وقد تكمنا عليه بما فيه مقنعفلا نعيدفإن المسألة هي المسألة فلا فرق بين أن يكون المتكلم فيه جوهر مادة أوجوهرنفس.
مسألة في إبطال إنكارهم لبعث الأجساد ورد الأرواح إلىالأبدان ووجود النارالجسمانية ووجود الجنة والحور العين وسائر ما وعد بهالناس وقولهم إن كل ذلكأمثلة ضربت لعوام الخلق لتفهيم ثواب وعقاب روحانيينهما أعلى رتبة من الجسمانيةوهو مخالف لاعتقاد المسلمين كافة. فلنقدم تفهيممعتقدهم في الأمور الأخروية ثملنعترض على ما يخالف الإسلام من جملته. قولهم:اللذة السرمدية لا تكون إلا بالعلموالعمل وقد قالوا إن النفس تبقى بعد الموتبقاء سرمدياً إما في لذة لا يحيط الوصفبها لعظمها وإما في ألم لا يحيط الوصفبه لعظمه ثم قد يكون ذلك الألم مخلداً وقدينمحى على طول الزمان. ثم تتفاوتطبقات الناس في درجات الألم واللذة تفاوتاً غيرمحصور كما يتفاوتون في المراتبالدنيوية ولذاتها تفاوتاً غير محصور واللذةالسرمدية للنفوس الكاملة الزكيةوالألم السرمدي للنفوس الناقصة الملطخة والألمالمنقضي للنفوس الكاملة الملطخةفلا تنال السعادة المطلقة إلا بالكمال والتزكيةوالطهارة والكمال بالعلموالزكاء بالعمل.

تلتذ بهما القوة العقلية ووجه الحاجة إلى العلم أن القوةالعقلية غذاؤها ولذتها فيدرك المعقولات كما أن القوة الشهوانية لذتها في نيلالمشتهى والقوة البصرية لذتهافي النظر إلى الصور الجميلة وكذلك سائر القوى.وإنما يمنعها من الاطلاع علىالمعقولات البدن وشواغله وحواسه وشهواته. والنفسالجاهلة في الحيوة الدنيا حقها أنتتألم بفوات لذة النفس ولكن الاشتغال بالبدنينسيه نفسه ويلهيه عن ألمه كالخائف لايحس بالألم وكالخدر لا يحس بالنار فإذابقيت ناقصة حتى انحط عنه شغل البدن كان فيصورة الخدر إذا عرض على النار فلايحس بالألم فإذا زال الخدر شعر بالبلا العظيمدفعة واحدة هجوماً. والبدن يشغلعنها والنفوس المدركة للمعقولات قد تلتذ بهاالتذاذاً خفياً قاصراً عما يقتضيهطباعه وذلك أيضاً لشواغل البدن وأنس النفسبشهواتها. ومثاله مثال المريض الذيفي فيه مرارة يستبشع الشيء الطيب الحلو ويستهجنالغذاء الذي هو أتم أسباب اللذةفي حقه فلا يتلذذ به لما عرض من المرض.

فإذا انحط عنها أعباء البدن أدركت اللذة دفعة فالنفوسالكاملة بالعلوم إذا انحطعنها أعباء البدن وشواغله بالموت كان مثاله مثال منعرض للطعم الألذ والذوق الأطيبوكان به عارض مرض يمنعه من الإدراك فزال العارضفأدرك اللذة العظيمة دفعة. أو مثالمن اشتد عشقه في حق شخص فضاجعه ذلك الشخصوهو نائم أو مغمى عليه أو سكران فلا يحسبه فتنبه فجأة فيشعر بلذة الوصال بعدطول الانتظار دفعة واحدة. اللذات ********ةتفهم بالجسمانية وهذه اللذات حقيرةبالإضافة إلى اللذات ********ة العقلية إلا أنهلا يمكن تفهيمه إلا بأمثلة مماشاهدها الناس في هذه الحيوة وهذا كما أنا لو أردناأن نفهم الصبي أو العنين لذةالجماع لم نقدر عليه إلا بأن نمثله في حق الصبيباللعب الذي هو ألذ الأشياءعنده وفي حق العنين بلذة الأكل الطيب مع شدة الجوعليصدق بأصل وجود اللذة ثميعلم أن ما فهمه بالمثال ليس يحقق عنده لذة الجماع وأنذلك لا يدرك إلا بالذوق.وهذه أحط من الأولى: لعدم وجودها في الملائكة والدليل علىأن اللذات العقليةأشرف من اللذات الجسمانية أمران: أحدهما أن حال الملائكة أشرفمن حال السباعوالخنازير من البهائم وليس لها اللذات الحسية من الجماع والأكل وإنمالها لذةالشعور بكمالها وجمالها الذي خص بها في نفسها في اطلاعها على حقائقالأشياءوقربها من ربي العالمين في الصفات لا في المكان وفي رتبة الوجود فإنالموجوداتحصلت من الله على ترتيب وبوسائط فالذي يقرب من الوسائط رتبته لا محالةأعلى.

ولكن الإنسان يفضلها على غيرها والثاني أن الإنسان أيضاًقد يؤثر اللذات العقليةعلى الحسية فإن من يتمكن من غلبة عدو والشماتة به يهجرفي تحصيله ملاذ الأنكحةوالأطعمة بل قد يهجر الأكل طول النهار في لذة غلبةالشطرنج والنرد مع خسة الأمرفيه ولا يحس بألم الجوع. وكذلك المتشوف إلى الحشمةوالرئاسة يتردد بين انخرام حشمتهبقضاء الوطر من عشيقته مثلاً بحيث يعرفه غيرهوينتشر عنه فيصون الحشمة ويترك قضاءالوطر ويستحقر ذلك محافظة على ماء الوجهفيكون ذلك لا محالة ألذ عنده بل ربما يهجمالشجاع على جم غفير من الشجعانمستحقراً خطر الموت شغفاً بما يتوهمه بعد الموت منلذة الثناء والإطراء عليه.فالأفضلية: هي للذات العقلية الأخروية فإذن اللذاتالعقلية الأخروية أفضل مناللذات الحسية الدنيوية ولولا ذلك لما قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: أعددتلعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علىقلب بشر. وقال تعالى: " لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " فهذا وجه الحاجة إلىالعلم. بعضالعلوم نافعة والنافع من جملته العلوم العقلية المحضة وهي العلم باللهوصفاتهوملائكته وكتبه وكيفية وجود الأشياء منه وما وراء ذلك إن كان وسيلة إليهفهونافع لأجله وإن لم يكن وسيلة إليه كالنحو واللغة والشعر وأنواع العلوم المفترقةفهي صناعات وحرف كسائر الصناعات.

النفس المواظبة على الشهوات تنال الأذى وأما الحاجة إلىالعمل والعبادة فلزكاءالنفس فإن النفس في هذا البدن مصدود عن درك حقائقالأشياء لا لكونه منطبعاً فيالبدن بل لاشتغاله ونزوعه إلى شهواته وشوقه إلىمقتضياته وهذا النزوع والشوق هيئةللنفس تترسخ فيها وتتمكن منها بطول المواظبةعلى اتباع الشهوات والمثابرة علىالأنس بالمحسوسات المستلذة فإذا تمكنت منالنفس فمات البدن كانت هذه الصفات متمكنهمن النفس ومؤذية من وجهين. فتكونعاجزة عن الاتصال بالملائكة أحدهما أنها تمنعهاعن لذتها الخاصة بها وهوالاتصال بالملائكة والإطلاع على الأمور الجميلة الإلهيةولا يكون معه البدنالشاغل فيلهيه عن التألم كما قبل الموت. وعن اللذة الجسمانيةوالثاني أنه يبقىمعه الحرص والميل إلى الدنيا وأسبابها ولذاتها وقد استلب منهالآلة فإن البدنهو الآلة للوصول إلى تلك اللذات فيكون حاله حال من عشق امرأة وألفرئاسةواستأنس بأولاد واستروح إلى مال وابتهج بحشمة فقتل معشوقه وعزل عن رئاستهوسبيأولاده ونساؤه وأخذ أمواله أعداؤه وأسقط بالكلية حشمته فيقاسي من الألم ما لايخفى وهو في هذه الحيوة غير منقطع الأمل عن عود أمثال هذه الأمور فإن الدنياغادورائح فكيف إذا انقطع الأمل فالأولى أن يعرض عن الدنيا ولا ينجي عن التضمخ بهذهالهيئات إلا كف النفس عن الهوىوالإعراض عن الدنيا والإقبال بكنه الجد علىالعلم والتقوى حتى تنقطع علائقه عنالأمور الدنيوية وهو في الدنيا وتستحكمعلاقته مع الأمور الأخروية فإذا مات كانكالمتخلص عن سجن فالواصل إلى جميعمطالبه فهو جنته. لكن الضرورات البدنية جاذبةإليها ولا يمكن سلب جميع هذهالصفات عن النفس ومحوها بالكلية فإن الضرورات البدنيةجاذبة إليها إلا أنه يمكنتضعيف تلك العلاقة ولذلك قال تعالى: " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماًمقضيا ". إلا أنه إذا ضعفت العلاقة لمتشتد نكاية فراقها وعظم الالتذاذ بمااطلع عليه عند الموت من الأمور الإلهية فأماطأثر مفارقة الدنيا والنزوع إليهاعلى قرب كمن يستنهض من وطنه إلى منصب عظيم وملكمرتفع فقد ترق نفسه حالة الفراقعلى أهله ووطنه فيتأذى أذى ما ولكن ينمحى بمايستأنفه من لذة الابتهاج بالملكوالرئاسة. ولذلك ورد الشرع بالتوسط في الأخلاقوإذا لم يكن سلب هذه الصفات وردالشرع في الأخلاق بالتوسط بين كل طرفين متقابلينلأن الماء الفاتر لا حار ولابارد فكأنه بعيد عن الصفتين فلا ينبغي أن يبالغ فيإمساك المال فيستحكم فيه حرصالمال ولا في الإنفاق فيكون مبذراً ولا أن يكونممتنعاً عن كل الأمور فيكونجباناً ولا منهمكاً في كل أمر فيكون متهوراً بل يطلبالجود فإنه الوسط بينالبخل والتبذير والشجاعة فإنها الوسط بين الجبن والتهوروكذلك في جميع الأخلاقوعلم الأخلاق طويل والشريعة بالغت في تفصيلها ولا سبيل فيتهذيب الأخلاق إلابمراعاة قانون الشرع في العمل حتى لا يتبع الإنسان هواه فيكونقد اتخذ إلهههواه بل يقلد الشرع فيقدم ويحجم بإشارته لا باختياره فتتهذب به أخلاقه.

فمنهم من يكونون تعساء ومنهم سعداء على وجه كامل أو غيركامل ومن عدم هذه الفضيلةفي الخلق والعلم جميعاً فهو الهالك ولذلك قال تعالى: " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ". ومن جمع الفضيلتين العلمية والعمليةفهوالعارف العابد وهو السعيد المطلق ومن له الفضيلة العلمية دون العملية فهوالعالمالفاسق ويتعذب مدة ولكن لا يدوم لأن نفسه قد كمل بالعلم ولكن العوارضالبدنيةلطخته تلطيخاً عارضاً على خلاف جوهر النفس وليس تتجدد الأسباب المجددةفينمحى علىطول الزمان ومن له الفضيلة العملية دون العلمية فيسلم وينجو عنالألم ولا يحظىبالسعادة الكاملة. وزعموا أن من مات فقد قامت قيامته. في الشرعصور وأما ما ورد فيالشرع من الصور فالقصد ضرب الأمثال لقصور الأفهام عن دركهذه اللذات فمثل لهم مايفهمون ثم ذكر لهم أن تلك اللذات فوق ما وصف لهم. فهذامذهبهم. جوابنا: أكثرالأمور صحيحة ولكن لا تعرف إلا بالشرع ونحن نقول: أكثرهذه الأمور ليس على مخالفةالشرع فإنا لا ننكر أن في الآخرة أنواع من اللذاتأعظم من المحسوسات ولا ننكر بقاءالنفس عند مفارقة البدن ولكنا عرفنا ذلكبالشرع إذ ورد بالمعاد ولا يفهم المعادإلا ببقاء النفس وإنما أنكرنا عليهم منقبل دعواهم معرفة ذلك بمجرد العقل.
فالشرع يعلمنا حشر الأجساد ولكن المخالف للشرع منها إنكارحشر الأجساد وإنكاراللذات الجسمانية في الجنة والآلام الجسمانية في الناروإنكار وجود جنة ونار كماوصف في القرآن. فما المانع من تحقيق الجمع بينالسعادتين ********ة والجسمانيةوكذى الشقاوة وقوله: لا تعلم نفس ما أخفي لهمأي لا يعلم جميع ذلك. وقوله: أعددتلعبادي الصالحين ما لا عين رأت فكذلك وجودتلك الأمور الشريفة لا يدل على نفيغيرها بل الجمع بين الأمرين أكمل والموعودأكمل الأمور وهو ممكن فيجب التصديق بهعلى وفق الشرع. قد يقال: هذه أمثال فإنقيل: ما ورد فيه أمثال ضربت على حد أفهامالخلق كما أن الوارد من آيات التشبيهوإخباره أمثال على حد فهم الخلق والصفاتالإلهية مقدسة عما يخيله عامة الناس.قولنا: لا محل للتأويل والجواب أن التسويةبينهما تحكم بل هما يفترقان منوجهين: أحدهما أن الألفاظ الواردة في التشبيه تحتملالتأويل على عادة العرب فيالاستعارة وما ورد في وصف الجنة والنار وتفصيل تلكالأحوال بلغ مبلغاً لا يحتملالتأويل فلا يبقى إلا خمل الكلام على التلبيس بتخييلنقيض الحق ولا للاستحالة والثاني أن أدلة العقول دلت على استحالةالمكان والجهة والصورة ويدالجارحة وعين الجارحة وإمكان الانتقال والاستقرارعلى الله سبحانه فوجب التأويلبأدلة العقول وما وعد من الأمور الآخرة ليسمحالاً في قدرة الله تعالى فيجب الجريعلى ظاهر الكلام بل على فحواه الذي هوصريح فيه. قولهم: هناك أمور محالة فإن قيل:وقد دل الدليل العقلي على استحالةبعث الأجساد كما دل على استحالة تلك الصفات علىالله تعالى. فنطالبهم بإظهاره.ولهم فيه مسالك مسلكهم الأول: إما أن يعاد البدنوالحياة المسلك الأول قولهم:تقدير العود إلى الأبدان لا يعدوا ثلثة أقسام. إماأن يقال: الإنسان عبارة عنالبدن والحيوة التي هي عرض قائم به كما ذهب إليه بعضالمتكلمين وأن النفس التيهي قائم بنفسه ومدبر للجسم فلا وجود له ومعنى الموتانقطاع الحيوة أي امتناعالخالق عن خلقها فتنعدم والبدن أيضاً ينعدم ومعنى المعادإعادة الله للبدن الذيانعدم ورده إلى الوجود وإعادة الحيوة التي انعدمت أو يقال:مادة البدن تبقىتراباً ومعنى المعاد أن يجمع ويركب على شكل آدمي ويخلق فيه الحيوةابتداء فهذاقسم.
إما أن ترد النفس إلى البدن وإما أن يقال: النفس موجودويبقى بعد الموت ولكن يردالبدن الأول بجمع تلك الأجزاء بعينها وهذا قسم. إماأن ترد النفس إلى بدن أياً كانوإما أن يقال: يرد النفس إلى بدن سواء كان منتلك الأجزاء أو من غيرها ويكونالعائد ذلك الإنسان من حيث أن النفس تلك النفسفأما المادة فلا التفات إليها إذالإنسان ليس إنساناً بها بل بالنفس. وهذهالأقسام الثلثة باطلة. وهذه الثلاثةباطلة أما الأول فظاهر البطلان لأنه مهماانعدمت الحيوة والبدن فاستئناف خلقهاإيجاد لمثل ما كان لا لعين ما كان بلالعود المفهوم هو الذي يفرض فيه بقاء شيء وتجدشيء كما يقال: فلان عاد إلىالإنعام أي أن المنعم باق وترك الإنعام ثم عاد إليه أيعاد إلى ما هو الأولبالجنس ولكنه غيره بالعدد فيكون عوداً بالحقيقة إلى مثله لاإليه. ويقال: فلانعاد إلى البلد أي بقي موجوداً خارجاً وقد كان له كون في البلدفعاد إلى مثل ذلكفإن لم يكن شيء باق وشيئان متعددان متماثلان يتخللهما زمان لميتم اسم العودإلا أن يسلك مذهب المعتزلة فيقال: المعدوم شيء ثابت والوجود حال يعرضله مرةوينقطع تارة ويعود أخرى فيتحقق معنى العود باعتبار بقاء الذات ولكنه رفعللعدمالمطلق الذي هو النفي المحض وهو إثبات للذات مستمرة الثبات إلى أن يعود إليهالوجود وهو محال.
فلا يعود الإنسان بعينه وإن احتال ناصر هذا القسم بأن قال:تراب البدن لا يفنىفيكون باقياً فتعود إليه الحيوة. فنقول عند ذلك يستقيم أنيقال: عاد التراب حياًبعد أن انقطعت الحيوة عنه مرة ولا يكون ذلك عوداًللإنسان ولا رجوع ذلك الإنسانبعينه لأن الإنسان إنسان لا بمادته والتراب الذيفيه إذ يتبدل عليه سائر الأجزاءأو أكثرها بالغذاء وهو ذاك الأول بعينه فهوباعتبار روحه أو نفسه فإذا عدمت الحيوةأو الروح فما عدم لا يعقل عوده وإنمايستأنف مثله ومهما خلق الله حيوة إنسانية فيتراب يحصل من بدن شجر أو فرس أونبات كان ذلك ابتداء خلق الإنسان فالمعدوم قط لايعقل عوده والعائد هو الموجودأي عاد إلى حالة كانت له من قبل أي إلى مثل تلكالحالة فالعائد هو التراب إلىصفة الحيوة. وليس الإنسان قائماً ببدنه وليس الإنسانببدنه إذ قد يصير بدنالفرس غذاء الإنسان فيتخلق منه نطفة يحصل منها إنسان فلايقال: الفرس انقلبإنساناً بل الفرس فرس بصورته لا بمادته وقد انعدمت الصورة ومابقي إلا المادة.
وأما الثاني فلا يمكن أن يرد البدن الفاسد وأما القسمالثاني وهو تقدير بقاء النفسورده إلى ذلك البدن بعينه فهو لو تصور لكان معاداًأي عوداً إلى تدبير البدن بعدمفارقته ولكن محال إذ بدن الميت ينحل تراباً أوتأكله الديدان والطيور ويستحيلدماً وبخاراً وهواء ويمتزج بهواء العالم وبخارهومائه امتزاجاً يبعد انتزاعه يستقبحجمع أجزاء الميت وحدها ولكن إن فرض ذلكاتكالاً على قدرة الله فلا يخلوا إما أنيجمع الأجزاء التي مات عليها فقطفينبغي أن يكون معاد الأقطع ومجذوع الأنف والأذنوناقص الأعضاء كما كان وهذامستقبح لا سيما في أهل الجنة وهم الذين خلقوا ناقصينفي ابتداء الفترة فإعادتهمإلى ما كانوا عليه من الهزال عند الموت في غاية النكال.هذا إن اقتصر على جمعالأجزاء الموجودة عند الموت. ولا يمكن جمع جميع الأجزاء التيكانت في طول عمرهوإن جمع جميع أجزائه التي كانت موجودة في جميع عمره فيه فهو محالمن وجهين:أحدهما أن الإنسان إذا تغذى بلحم إنسان وقد جرت العادة به في بعض البلادويكثروقوعه في أوقات القحط فيتعذر حشرهما جميعاً لأن مادة واحدة كانت بدناًللمأكولوصارت بالغذاء بدناً للآكل ولا يمكن رد نفسين إلى بدن واحد. والثاني أنهيجب أنيعاد جزء واحد كبداً وقلباً ويداً ورجلاً فإنه ثبت بالصناعة الطبية أنالأجزاءالعضوية يغتذي بعضها بفضلة غذاء البعض فيتغذى الكبد بأجزاء القلب وكذلكسائرالأعضاء. فنفرض أجزاء معينة قد كانت مادة لجملة من الأعضاء فإلى أي عضو تعادبللا يحتاج في تقرير الاستحالة الأولى إلى أكل الناس الناس فإنك إذا تأملت ظاهرالتربة المعمورة علمت بعد طول الزمان أن ترابها جثث الموتى قد تتربت وزرع فيهاوغرس وصار حباً وفاكهة وتناولها الدواب فصارت لحماً وتناولناها فعادت بدناً لنافمامن مادة يشار إليها إلا وقد كانت بدناً لأناس كثيرة فاستحالت وصارت تراباًثمنباتاً ثم لحماً ثم حيواناً. بل يلزم منه محال ثالث وهو أن النفوس المفارقةللأبدان غير متناهية والأبدان أجسام متناهية فلا تفي المواد التي كانت موادالإنسانبأنفس الناس كلهم بل تضيق عنهم.
وأما الثالث فهو محال فالأنفس هي متناهية وأما القسمالثالث وهو رد النفس إلى بدنإنساني من أي مادة كانت وأي تراب اتفق فهذا محالمن وجهين: أحدهما أن الموادالقابلة للكون والفساد محصورة في مقعر فلك القمر لايمكن عليها مزيد وهي متناهيةوالأنفس المفارقة للأبدان غير متناهية فلا تفيبها. فليس هناك طرق مقبولة والثانيأن التراب لا يقبل تدبير النفس ما بقيتراباً بل لا بد وأن تمتزج العناصر امتزاجاًيضاهي امتزاج النطفة بل الخشبوالحديد لا يقبل هذا التدبير ولا يمكن إعادة الإنسانوبدنه من خشب أو حديد بللا يكون إنساناً إلا إذا انقسم أعضاء بدنه إلى اللحموالعظم والأخلاط ومهمااستعد البدن والمزاج لقبول نفس استحق من المبادئ الواهبةللنفوس حدوث نفسفيتوارد على البدن الواحد نفسان. ولا يسلم بالتناسخ وبهذا بطلمذهب التناسخوهذا المذهب هو عين التناسخ فإنه رجع إلى اشتغال النفس بعد خلاصها منالبدنبتدبير بدن آخر غير البدن الأول. فالمسلك الذي يدل على بطلان التناسخ يدلعلىبطلان هذا المسلك.
اعتراضنا أن نختار القسم الثالث وهو لا يخالف الشرعوالاعتراض هو أن يقال: بمتنكرون على من يختار القسم الأخير ويرى أن النفسباقية بعد الموت وهو جوهر قائمبنفسه وأن ذلك لا يخالف الشرع بل دل عليه الشرعفي قوله: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم "وبقوله عليهالسلام: أرواح الصالحين في حواصل طير خضر معلقة تحت العرش وبما وردمن الأخباربشعور الأرواح بالصدقات والخيرات وسؤال منكر ونكير وعذاب القبروغيره وكل ذلك يدلعلى البقاء. وفيه عود محقق نعم قد دل مع ذلك على البعثوالنشور بعده هو بعث البدن.وذلك ممكن بردها إلى بدن أي بدن كان سواء كان منمادة البدن الأول أو من غيره أومن مادة استؤنف خلقها فإنه هو بنفسه لا ببدنهإذ يتبدل عليه أجزاء البدن من الصغرإلى الكبر بالهزال والسمن وتبدل الغذاءويختلف مزاجه مع ذلك وهو ذلك الإنسان بعينهفهذا مقدور لله ويكون ذلك عوداًلذلك النفس فإنه كان قد تعذر عليه أن يحظى بالآلامواللذات الجسمانية بفقدالآلة وقد أعيدت إليه آلة مثل الأولى فكان ذلك عوداً محققاً.

النفوس ليست غير متناهية وما ذكرتموه من استحالة هذا بكونالنفوس غير متناهية وكونالمواد متناهية محال لا أصل له فإنه بناء على قدمالعالم وتعاقب الأدوار علىالدوام ومن لا يعتقد قدم العالم فالنفوس المفارقةللأبدان عنده متناهية وليست أكثرمن المواد الموجودة وإن سلم أنها أكثر فاللهتعالى قادر على الخلق واستئنافالاختراع وإنكاره إنكار لقدرة الله على الأحداث.وقد سبق إبطاله في مسألة حدثالعالم. أما التناسخ فلا مشاحة في الأسماء وأماإحالتكم الثانية بأن هذا تناسخ فلامشاحة في الأسماء فما ورد الشرع به يجبتصديقه فليكن تناسخاً وإنما نحن ننكرالتناسخ في هذا العالم. فأما البعث فلاننكره سمي تناسخاً أو لم يسم. والله قادرعلى تدبير الأمر وقولكم إن كل مزاجاستعد لقبول نفس استحق حدوث نفس من المبادئرجوع إلى أن حدوث النفس بالطبع لابالإرادة وقد أبطل ذلك في مسألة حدث العالم. كيفولا يبعد على مساق مذهبكمأيضاً أن يقال: إنما يستحق حدوث نفس إذا لم يكن ثم نفسموجودة فتستأنف نفسفيبقى أن يقال: فلم لم تتعلق بالأمزجة المستعدة في الأرحام قبلالبعث والنشوربل في عالمنا هذا فيقال: لعل الأنفس المفارقة تستدعي نوعاً آخر منالاستعدادولا يتم سببها إلا في ذلك الوقت. ولا بعد في أن يفارق الاستعداد المشروطللنفسالكاملة المفارقة الاستعداد المشروط للنفس الحادثة ابتداء التي لم تستفدكمالاًبتدبير البدن مدة والله تعالى أعرف بتلك الشروط وبأسبابها وأوقات حضورهاوقدورد الشرع به وهو ممكن فيجب التصديق به.

مسلكهم الثاني كما أن قلب الحديد ثوباً المسلك الثاني أنقالوا: ليس في المقدور أنيقلب الحديد ثوباً منسوجاً بحيث يتعمم به إلا بأنتحلل أجزاء الحديد إلى العناصربأسباب تستولي على الحديد فتحلله إلى بسائطالعناصر ثم تجمع العناصر وتدار فيأطوار في الخلقة إلى أن تكتسب صورة القطن ثميكتسب القطن صورة الغزل ثم الغزل يكتسبالانتظام المعلوم الذي هو النسج علىهيئة معلومة. ولو قيل إن قلب الحديد عمامةقطنية ممكن من غير الاستحالة في هذهالأطوار على سبيل الترتيب كان محالاً. نعميجوز أن يخطر للإنسان أن هذهالاستحالات يجوز أن تحصل كلها في زمان متقارب لا يحسالإنسان بطولها فيظن أنهوقع فجأة دفعة واحدة. هذا ما يقتضيه أيضاً تجدد بدنالإنسان لترد النفس إليهوإذا عقل هذا فالإنسان المبعوث المحشور لو كان بدنه منحجر أو ياقوت أو در أوتراب محض لم يكن إنساناً بل لا يتصور أن يكون إنساناً إلا أنيكون متشكلاًبالشكل المخصوص مركباً من العظام والعروق واللحوم والغضاريف والأخلاطوالأجزاءالمفردة تتقدم على المركبة فلا يكون البدن ما لم تكن الأعضاء ولا تكونالأعضاءالمركبة ما لم تكن العظام واللحوم والعروق ولا تكون هذه المفردات ما لمتكنالأخلاط ولا تكون الأربعة ما لم تكن موادها من الغذاء ولا يكون الغذاء ما يكنحيوان أو نبات وهو اللحم والحبوب ولا يكون حيوان ونبات ما لم تكن العناصرالأربعةجميعاً ممتزجة بشرائط مخصوصة طويلة أكثر مما فصلنا جملتها. فإذن لايمكن أن يتجددبدن إنسان لترد النفس إليه إلا بهذه الأمور.

وهذا محال من جميع الوجوه ولها أسباب كثيرة: أفينقلبالتراب إنساناً بأن يقال لهكن أو بأن تمهد أسباب انقلابه في هذه الأدواروأسبابه هي إلقاء النطفة المستخرجة منلباب بدن الإنسان في رحم حتى يسمد من دمالطمث ومن الغذاء مدة حتى يتخلق مضغة ثمعلقة ثم جنيناً ثم طفلاً ثم شاباً ثمكهلاً. فقول القائل: يقال له كن فيكون غيرمعقول إذ التراب لا يخاطب وانقلابهإنساناً دون التردد في هذه الأطوار محال.وتردده في هذه الأطوار دون جريان هذهالأسباب محال فيكون البعث محالاً. اعتراضنا:هذا لا بد منه ولو في زمانطويل والاعتراض أنا نسلم أن الترقي في هذه الأطوار لابد منه حتى يصير بدنالإنسان كما لا بد منه حتى يصير الحديد عمامة فإنه لو بقيحديداً لما كان ثوباًبل لا بد وأن يصير قطناً مغزولاً ثم منسوجاً. ولكن ذلك فيلحظة أو في مدة ممكنولم يبن لنا أن البعث يكون في أوحى ما يقدر إذ وهذا يحصلبقدرة الله إما من غيرواسطة وإنما النظر في أن الترقي في هذه الأطوار يحصل بمجردالقدرة من غير واسطةأو بسبب من الأسباب وكلاهما ممكنان عندنا كما ذكرناه فيالمسألة الأولى منالطبيعيات عند الكلام على إجراء العادات وإن المقترنات فيالوجود اقترانها ليسعلى طريق التلازم بل العادات يجوز خرقها فيحصل بقدرة اللهتعالى هذه الأمور دونوجود أسبابها.

أو بواسطات غريبة وأما الثاني فهو أن نقول: ذلك يكونبأسباب ولكن ليس من شرط أنيكون السبب هو المعهود بل في خزانة المقدورات عجائبوغرائب لم يطلع عليها ينكرهامن يظن أن لا وجود إلا لما شاهده كما ينكر طائفة***** والنارنجات والطلسماتوالمعجزات والكرامات وهي ثابتة بالاتفاق بأسبابغريبة لا يطلع عليها. من استنكرقوة المغناطيس ثم شاهدها تعجب منها فهكذايتعجبون بل لو لم ير إنسان المغناطيسوجذبه للحديد وحكي له ذلك لاستنكره وقال:لا يتصور جذب للحديد إلا بخيط يشد عليهويجذب فإنه المشاهد في الجذب حتى إذاشاهده تعجب منه وعلم أن علمه قاصر عن الإحاطةبعجائب القدرة. وكذلك الملحدةالمنكرة للبعث والنشور إذا بعثوا ورأوا عجائب صنعالله فيه ندموا ندامة لاتنفعهم ويتحسرون على جحودهم تحسراً لا يغنيهم ويقال لهم: " هذا الذي كنتم بهتكذبون " كالذي يكذب بالخواص والأشياء الغريبة. إن الإنسان لوخلق عاقلاً لأنكرخلق الإنسان من النطفة بل لو خلق إنسان عاقلاً ابتداء وقيل له إنهذه النطفةالقذرة المتشابهة الأجزاء تنقسم أجزاؤها المتشابهة في رحم آدمية إلىأعضاءمختلفة لحمية وعصبية وعظمية وعرقية وغضروفية وشحمية فيكون منه العين على سبعطبقات مختلفة في المزاج واللسان والأسنان على تفاوتهما في الرخاوة والصلابة معتجاورهما وهلم جرا إلى البدائع التي في الفطرة لكان إنكاره أشد من إنكارالملحدةحيث قالوا: أئذا كنا عظاماً نخرة الآية.

فيجب عدم إنكار ما لم يشاهد فليس يتفكر المنكر للبعث أنهمن أين عرف انحصار أسبابالوجود فيما شاهد ولم يبعد أن يكون في إحياء الأبدانمنهاج غير ما شاهده. وقد وردفي بعض الأخبار أنه يعم الأرض في وقت البعث مطرقطراتها تشبه النطف وتختلط بالترابفأي بعد في أن يكون في الأسباب الإلهية أمريشبه ذلك ونحن لا نطلع عليه ويقتضي ذلكانبعاث الأجساد واستعدادها لقبول النفوسالمحشورة وهل لهذا الإنكار مستند إلاالاستبعاد المجرد قد يقال: إن الفعلالإلهي لا يتغير وهو دوري فإن قيل: الفعلالإلهي له مجرى واحد مضروب لا يتغيرولذلك قال تعالى: " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " وقال: " ولن تجد لسنةالله تبديلا " وهذهالأسباب التي أوهمتهم إمكانها إن كانت فينبغي أن تطرد أيضاًوتتكرر إلى غير غايةوأن يبقى هذا النظام الموجود في العالم من التولد والتوالدإلى غير غاية. وبعدالاعتراف بالتكرر والدور فلا يبعد أن يختلف منهاج الأمور فيكل ألف ألف سنة مثلاًولكن يكون ذلك التبدل أيضاً دائماً أبدياً على سنن واحدفإن سنة الله لا تبديل فيها.
ويصدر عن الإرادة وهي غير متعينة وهذا لمكان أن الفعلالإلهي يصدر عن المشيئةالإلهية والمشيئة الإلهية ليست متعينة الجهة حتى يختلفنظامها باختلاف جهاتهافيكون الصادر منها كيف ما كان منتظماً انتظاماً يجمعوستكون الآخرة والقيامة فإنجوزتم استمرار التوالد والتناسل بالطريق المشاهدالآن أو عود هذا المنهاج ولو بعدزمان طويل على سبيل التكرر والدور فقد رفعتمالقيامة والآخرة وما دل عليه ظواهرالشرع إذ يلزم عليه أن يكون قد تقدم علىوجودنا هذا البعث كرات وسيعود كرات وهكذىعلى الترتيب. ولا يمكن انقسام الحالاتإلى ثلاثة وإن قلتم إن السنة الإلهيةبالكلية تتبدل إلى جنس آخر ولا تعود قطهذه السنة وتنقسم مدة الإمكان إلى ثلاثةأقسام: قسم قبل خلق العالم إذ كان اللهولا عالم وقسم بعد خلقه على هذا الوجه وقسمبه الاختتام وهو المنهاج البعثي بطلالاتساق والانتظام وحصل التبديل لسنة الله وهومحال فإن هذا إنما يمكن بمشيئةمختلفة باختلاف الأحوال أما المشيئة الأزلية فلهامجرى واحد مضروب لا تتبدل عنهلأن الفعل مضاه للمشيئة والمشيئة على سنن واحد لاتختلف بالإضافة إلى الأزمانوهذا لا يناقض القول بأن الله " قادر على كل شيء " وزعموا أن هذا لا يناقضقولنا إن الله قادر على كل شيء فإنا نقول إن الله قادر علىالبعث والنشور وجميعالأمور الممكنة على معنى أنه لو شاء لفعل وليس من شرط صدققولنا هذا أن يشاءولا أن يفعل. وهذا كما أنا نقول إن فلاناً قادر على أن يجز رقبةنفسه ويبعج بطننفسه ويصدق ذلك على معنى أنه لو شاء لفعل ولكنا نعلم أنه لا يشاءولا يفعل. ولايناقضه أنه " لا يشاء ولا يفعل " وقولنا: لا يشاء ولا يفعل لايناقض قولنا إنهقادر بمعنى أنه لو شاء لفعل فإن الحمليات لا تناقض الشرطيات كماذكر في المنطقإذ قولنا: لو شاء لفعل شرطي موجب وقولنا: ما شاء وما فعل حملتانسالبتانوالسالبة الحملية لا تناقض الموجبة الشرطية. فإذن الدليل الذي دلنا على أنمشيئة أزلية وليست متفننة يدلنا على أن مجرى الأمر الإلهي لا يكون إلا علىانتظاموإن اختلفت في آحاد الأوقات فيكون اختلافها أيضاً على انتظام واتساقبالتكرروالعود وأما غير هذا فلا يمكن. جوابنا: يمكن انقسام الحالات إلىثلاثة والجواب أن هذا استمدادمن مسألة قدم العالم وأن المشيئة قديمة فليكنالعالم قديماً وقد أبطلنا ذلك وبيناأنه لا يبعد في العقل وضع ثلثة أقسام وهوأن يكون الله موجوداً ولا عالم ثم يخلقالعالم على النظم المشاهد ثم يستأنفنظماً ثانياً وهو الموعود في الجنة ثم يعدمالكل حتى لا يبقى إلا الله وهو ممكنلولا أن الشرع قد ورد بأن الثواب والعقابوالجنة والنار لا آخر لهما. المسألةتنبنى على المسألتين الأولى والسابعة عشرةوهذه المسألة كيف ما رددت تنبنى علىمسئلتين إحديهما حدث العالم وجواز حصول حادث منقديم الثانية خرق العادات بخلقالمسببات دون الأسباب أو إحداث أسباب على منهج آخرغير معتاد وقد فرغنا عنالمسئلتين جميعاً. خاتمة الكتاب هل هم كافرون فإن قالقائل: قد فصلتم مذاهبهؤلاء أفتقطعون القول بكفرهم ووجوب القتل لمن يعتقد اعتقادهم
تكفيرهم لا بد منه في المسائل الأولى والثالثة عشرةوالسابعة عشرة قلنا: تكفيرهملا بد منه في ثلث مسائل إحديها مسألة قدم العالموقولهم إن الجواهر كلها قديمةوالثانية قولهم إن الله لا يحيط علماً بالجزئياتالحادثة من الأشخاص والثالثة فيإنكارهم بعث الأجساد وحشرها فهذه المسائل الثلثلا تلائم الإسلام بوجه ومعتقدهامعتقد كذب الأنبياء. وإنهم ذكروا ما ذكروه علىسبيل المصلحة تمثيلاً لجماهير الخلقوتفهيماً وهذا هو الكفر الصراح الذي لميعتقده أحد من فرق المسلمين. وفي غيرها منالمسائل فمذهبهم قريب من مذاهب الفرقالإسلامية فأما ما عدا هذه المسائل الثلث منتصرفهم في الصفات الإلهية واعتقادالتوحيد فيها فمذهبهم قريب من مذاهب المعتزلةومذهبهم في تلازم الأسبابالطبيعية هو الذي صرح المعتزلة به في التولد وكذلك جميعما نقلناه عنهم قد نطقبه فريق من فرق الإسلام إلا هذه الأصول الثلث. فمن يرىتكفير أهل البدع من فرقالإسلام يكفرهم أيضاً به ومن يتوقف عن التكفير يقتصر علىتكفيرهم بهذه المسائل.
المسائل التي لا يحسن الخوض فيها وأما نحن فلسنا نؤثر الآنالخوض في تكفير أهلالبدع وما يصح منه وما لا يصح كيلا يخرج الكلام عن مقصودهذا الكتاب والله تعالىالموفق للصواب.

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الفلاسفة, تهافت, كتاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع كتاب تهافت الفلاسفة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تهافت العلمانية في الصحافة العربية عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 05-11-2014 07:14 AM
من اقوال الفلاسفة والحكماء ام زهرة الملتقى العام 2 06-11-2013 12:13 AM
أقوال الفلاسفة في الزواج Eng.Jordan الملتقى العام 0 11-19-2012 01:12 PM
أقوال الفلاسفة عن كذب النساء Eng.Jordan الملتقى العام 0 09-17-2012 01:02 PM
من اقوال الفلاسفة عن الرجل ... احمد ادريس الملتقى العام 2 01-15-2012 09:06 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59