#1  
قديم 01-05-2015, 08:43 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,044
ورقة ألمانيا تودع الغرب وعينها على الشرق


ألمانيا تودع الغرب وعينها على الشرق*
ـــــــــــــــــــــ

14 / 3 / 1436 هــ
5 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ

710504012015011621.jpg

( بقلم/ هانز كوندناني )
مجلة شؤون خارجية
-------------

لقد كان قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في شهر مارس من العام الحالي صدمة استراتيجية لألمانيا. وفجأة ومن غير سابق انذار أدى الاعتداء الروسي الى تهديد نظام الأمن الأوروبي والذي أخذت ألمانيا على عاتقها حفظه منذ نهاية الحرب الباردة. لقد انهت برلين عقدين من الزمان وهي تحاول أن تقوي وتعزز الروابط السياسية والاقتصادية مع موسكو, ولكن ما تقوم به الأخيرة في أوكرانيا أدى الى أن الكرملن لم يعد يشعر برغبته بإقامة علاقات شراكة مع أوروبا. وبالرغم من اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي وتجلي أهمية روسيا في حياة تجار التصدير الألمان, إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وافقت في نهاية المطاف على فرض عقوبات على روسيا وساعدت في اقناع دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي لتحذو حذوها.
ومع ذلك فإن الأزمة الأوكرانية قد أدت إلى إعادة طرح قضايا قديمة تتعلق بعلاقة ألمانيا مع بقية دول الغرب حيث ظهر ذلك في أبريل عندما سأل أحد مذيعي شبكة ارد الألمانية العامة المسؤولين الألمان عن الدور الواجب على بلادهم أن تلعبه حيال هذه الأزمة, حيث أظهرت استطلاعات رأي لمجلة "المرآة " الأسبوعية أن 45 في المائة فقط يرغبون أن تقف ألمانيا الى جانب شركائها وحلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو, كما وأظهرت أيضا أن 49 في المائة يرغبون أن تلعب ألمانيا دور الوسيط بين روسيا والغرب. لقد أدت هذه النتائج التي ظهرت في افتتاحية المجلة في عددها المنشور الأسبوع الماضي الى تحذير ألمانيا من أن تقوم تدير ظهرها للغرب.
إن ردة فعل ألمانيا تجاه الأزمة الأوكرانية قد تفسر على أنها ضد حالة الضعف على المدى الطويل لما يسمى "بالعلاقات مع الغرب" والتي تعبر عن تكامل البلاد في فترة ما بعد الحرب في داخل الغرب. لقد حرر كل من سقوط جدار برلين وتوسيع الاتحاد الأوروبي ألمانيا من اعتمادها على الولايات المتحدة لحمايتها من قوة الاتحاد السوفييتي آنذاك. وفي نفس الوقت أصبح الاقتصاد الألماني التبعي من ناحية التصدير للخارج يعتمد وبشكل متزايد على الطلب من الأسواق الناشئة مثل الأسواق الصينية. وبالرغم من أن ألمانيا بقيت ملتزمة بالتكامل الأوروبي إلا أن هذه العوامل جعلت من الممكن لها أن تتخيل كيف يسكون شكل سياسة ألمانيا الغربية الخارجية. يأتي ذلك التحول مع وجود مخاطر كبيرة. وبتحديد قوة ألمانيا المتزايدة داخل الاتحاد الأوروبي, فإن علاقتها مع بقية دول العالم والى حد كبير سوف تتحدد تماما مثل التي تتعلق بأوروبا.
المفارقة والتناقض الألماني
لقد خلقت ألمانيا التحدي الأكثر راديكالية نحو الغرب من الداخل. دائما ما كانت لألمانيا علاقة تتصف بالمعقدة مع الغرب. فالعديد من الأفكار السياسية والفلسفية من ناحية معينة والتي أصبحت مركزية بالنسبة للغرب كانت نابعة من ألمانيا مع وجود مفكرين تنويريين أمثال الفيلسوف إيمانويل كانت. ومن ناحية أخرى نرى أن التاريخ الفكري الألماني قد تضمن سلالات شريرة وسوداوية هددت قواعد السلوك الغربية, مثل تيار القومية والذي ظهر في بدايات القرن التاسع عشر. وابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر, سعى القوميون الألمان وبشكل متزايد الى تعريف الهوية الألمانية مقابل الليبرالية, وهي مبادئ عقلانية نتجت عن الثورة الفرنسية وحركة التنوير الفلسفية. هذه النسخة من القومية الألمانية بلغت ذروتها في عصر النازية, والتي أطلق عليها المؤرخ الألماني هنري أوغست وينكلر اسم "ذروة رفض الألمان للعالم الغربي", وعليه فقد أصبحت ألمانيا قصة متناقضة: لأنها كانت جزءا من الغرب ومع ذلك فإن تصنع في داخلها التحدي الراديكالي الأكبر له.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أخذت ألمانيا الغربية جزءاً من التكامل الأوروبي. وفي عام 1955 حين كانت الخرب الباردة تزداد سخونة, انضمت ألمانيا الى حلف الناتو. وفي السنوات الأربعين التالية, فإن العلاقات مع الغرب والتي تقود ألماني نحو التعاون والسعي لإنشاء مبادرات أمنية مشتركة مع حلفائها الغربيين, قد أصبحت ضرورة وجودية تجاهلت أهداف السياسة الخارجية الأخرى. استمرت ألمانيا في التعريف عن نفسها على أنها قوة غربية خلال التسعينات من القرن الماضي. وفي عهد المستشار هيلموت كول وافقت ألمانيا الموحدة على تبني اليورو واقراره. ومع نهاية العقد ظهرت وكأنها تروض نفسها على استخدام القوة العسكرية من أجل استيفاء التزاماتها باعتبارها عضو في حلف الناتو. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية, تعهد المستشار جيرهارد شرودر بما أطلق عليه " التضامن غير المشروط" مع الولايات المتحدة وقامت بإرسال القوات الألمانية لتشارك في حملة الناتو في أفغانستان.
ولكن موقف ألمانيا على مدار العقد الماضي تجاه باقي دول الغرب قد تغير. وفي المناظرة التي كانت تتعلق بغزو العراق عام 2003م, تحدث شرودر عن ما يسمى" الطريقة الألمانية" في مقابل "الطريقة الأمريكية". ومنذ ذلك الحين سعرت ألمانيا جذوة معارضتها لاستخدام القوة العسكرية. فبعد تجربتها في أفغانستان ظهرت ألمانيا بمظهر الدولة التي تعتقد أن الدرس الصحيح الذي تعلمته من تجربتها مع النازية في الماضي لم يكن يتمثل في عبارة" لا لعودة مخيم أوشفيتز النازي في الحرب العالمية الثانية", ولكن المبدأ تستحضره لكي تبرر مشاركتها في التدخل العسكري لحلف الناتو في كوسوفو عام 1999, ولكن "لا للحرب مرة أخرى". إن الساسة الألمان ومن خلال الطيف الحالي يعرفون بلادهم على أنها " قوة مجندة من أجل السلام".
إن التزام ألمانيا بمبدأ السلام قد جعل كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توجه تهمة الركوب المجاني لألمانيا داخل منظومة التحالف الغربي. لقد حذر وزير الدفاع الأمريكي روبيرت جيتس في حديثه في العاصمة البلجيكية بروكسل عام 2011 من أن الناتو قد أصبح "تحالف ثنائي بين أولئك الذين لديهم ارادة وقادرين على أن يدفعوا الثمن ويتحملوا الأعباء التي يفرضها عليهم التزامهم نحو الحلف وبين الذين يتمتعون ويستفيدون من مزايا عضوية الحلف, فإما أن يكونوا ضامنين للأمن أو يمثلون القيادة العامة والمقر الرئيسي للحلف ولكنهم لا يرغبون بمشاركة المخاطر والتضحيات".
لقد تم انتقاء جيتس من أجل توجيه انتقاد خاص لأولئك الذين يتمتعون بعضوية حلف الناتو والذين قدموا أقل من المقدار المتفق عليه في مجال الدفاع والمقدر باثنين في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. فألمانيا أنفقت 1.3 في المائة فقط. وفي السنوات القليلة الماضية, وجهت فرنسا بالمثل انتقاداً لألمانيا على فشلها في تقديم دعم كاف للتدخل العسكري في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
إن أحد الأسباب التي دعت ألمانيا الى تجاهل التزاماتها في حلف الناتو هو أن العلاقات مع الغرب لم تعد تظهر على أنها ضرورة استراتيجية. فبعد الحرب العالمية الباردة توسع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ليشمل بعض الدول الأوروبية الوسطى والشرقية, وهذا يعني أن ألمانيا كانت "محاطة بالأصدقاء" على حد تعبير وزير الدفاع الألماني السابق فولكر روهي, وذلك بدلاً من احاطتها بالمعتدين العسكريين المحتملين, وعليه فلم تعد تعتمد على الولايات المتحدة لحمايتها من الاتحاد السوفييتي.
وفي الوقت نفسه أصبح الاقتصاد الألماني معتمداً على التصدير بشكل خاص الى دول ليست غربية. وفي العقد الأول من هذا القرن أصبحت ألمانيا تعتمد على التصدير على نحو متزايد بسبب بقاء الطلب المحلي في حالة منخفضة وأن المصانع الألمانية استعادت قدرتها التنافسية. لقد قفزت مساهمة الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا من 33 في المائة في عام 2000 الى 48 في المائة في عام 2010 وذلك وفقاً للبنك الدولي. ابتداءً من عهد شرودر, بدأت ألمانيا تعتمد في سياستها الخارجية بشكل كبير على فائدتها الاقتصادية وبالتحديد على احتياجات المصدرين.
لقد ساهم تزايد الشعور المعادي للأمريكان بين صفوف الألمان العاديين في تحول السياسة الخارجية أيضاً. وفي حال كانت حرب العراق قد أعطت الألمان الثقة لينشقوا عن الولايات المتحدة بسبب قضايا تتعلق بالحرب والسلام, فإن الانهيار المالي العالمي في عام 2008 قد أعطاهم الثقة لكي يختلفوا على قضايا اقتصادية. وبالنسبة للعديد من الألمان فإن الأزمة سلطت الضوء على فشل الأنجلو سكسونية الرأسمالية ودافعت عن اقتصاد السوق الاجتماعي الألماني. لقد كانت مفاجئات عام 2013 تتمثل في أن وكالة الأمن القومي الأمريكي قد وضعت نظام مراقبة على الألمان وتنصتت على مكالمات ميركل على هاتفها النقال, والمفاجأة الأخرى تتمثل في تعزيز المشاعر المناهضة للولايات المتحدة. يقول العديد من الألمان في هذه الأيام أنهم لم يعودوا يتشاركون القيم مع الولايات المتحدة والبعض منهم يقول أنهم لم يسبق لهم أن فعلوا ذلك من قبل.
ولنكون متأكدين من ذلك فإن الثقافة السياسية الألمانية ذات التوجه الليبرالي والتي جاءت نتيجة لاندماجها مع الغرب تعتبر موجودة هنا لكي تبقى. ولكنها بقيت ينظر إليها على أنه هل ستستمر ألمانيا في انحيازها ووقوفها مع شركائها الغربيين وان تقف الى جانب المبادئ الغربية أم لا وذلك بسبب أنها أصبحت أكثر اعتمادية في زيادة نمو اقتصادها على دول ليست غربية. إن التفسير الأكثر دراماتيكية للشكل الذي ستبدو عليه السياسة الخارجية الألمانية قد جاء في عام 2011 وذلك عندما امتنعت ألمانيا عن التصويت في مجلس الأمن للأمم المتحدة حيال التدخل العسكري في ليبيا, حيث وقفت بذلك الى جانب كل من الصين وروسيا في مقابل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. يصر بعض المسئولون الألمان على أن هذا القرار لم يتنبأ بتوجه أكبر. ولكن استفتاء الرأي الذي حدث في وقت قصير بعد أن خلص التصويت الذي أعدته مجلة السياسة الخارجية الى أن الألمان ينقسمون الى ثلاثة أقسام فيما يتعلق بما إذا كان ينبغي عليهم في المقام الأول مواصلة التعاون مع الشركاء الغربيين أو مع دول أخرى مثل الصين والهند وروسيا أو مع كلاهما.
علاقات التقارب الجديدة
إن سياسة ألمانيا تجاه روسيا اعتمدت منذ مدة طويلة على مبدأ الالتزام السياسي والترابط الاقتصادي. عندما أصبح ويلي براندت مستشار ألمانيا الغربية في عام 1969 كان يسعى الى تحقيق التوازن بين العلاقات مع الغرب وبين اقامة علاقة مفتوحة مع الاتحاد السوفييتي وناضل من أجل تحقيق نهج جديد أصبح يعرف " بالسياسة الشرقية". لقد آمن براندت بأن زيادة الروابط السياسية والاقتصادية بين القوتين ربما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة توحيد ألمانيا, وهي الاستراتيجية التي أسماها مستشاره ايغون بار " الوجه اتهاماً لألمانيا بأنها تجربتها مع النازية في الماضي أيضا أن 49 في التغير من خلال التقارب واقامة العلاقات الودية."
لقد انقسم الألمان فيما بينهم فيما يتعلق بالتعاون مع الشركاء الغربيين أم مع دول مثل روسيا والصين.
لقد اتسعت الروابط الاقتصادية بين ألمانيا وروسيا منذ انتهاء الحرب الباردة. وباستحضار ذاكرة براندت المتعلقة بعلاقات التقارب, فقد بدأ شرودر سياسة " التغيير من خلال التجارة". لقد دافع صانعي السياسة الألمان وخاصة الديمقراطيين الاجتماعيين عن مبدأ " الشراكة من أجل الحداثة والتجديد", والتي وفقاً لها تقوم ألمانيا بتزويد روسيا بالتكنولوجيا من أجل تجديد وتحديث اقتصادها وأيضا سياستها على نحو أمثل.
هذه الروابط تساعد في توضيح ممانعة ونفور ألمانيا المبدئي من فرض عقوبات على روسيا بعد أن قامت الأخيرة بمهاجمة أوكرانيا في عام 2014. تواجه ميركل ضغوطاً من قبل اللوبي لكي تقرر اتباع الطريق الأمريكي أم لا. اللوبي يسيطر على قطاع الصناعة الألماني وتقوده لجنة العلاقات الاقتصادية الأوروبية الشرقية والتي تحاول أن تبرهن على أن العقوبات سوف تقوض الاقتصاد الألماني بشكل سيئ. وفي مشهد يعكس الدعم المقدم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين, قام المدير التنفيذي لشركة سيمنز جو قيصر بزيارة الرئيس الروسي في محل اقامته خارج موسكو وذلك بعد ضم شبه جزيرة القرم. لقد أكد قيصر لبوتين أن شركته, والتي تدير أعمال تجارية في روسيا لمدة تقارب المائة وستين سنة, لن يسمح لما يصفه "بالاضطراب قصير الأجل" أن يؤثر على علاقته بالدولة. لقد كتب المدير العام لاتحاد الصناعات الألمانية في افتتاحية صحيفة الفاينانشيال تايمز في شهر مايو يقول بأن الأعمال التجارية الألمانية سوف تدعم العقوبات ولكنها ستقوم بذلك على مضض.
إن اعتماد ألمانيا الكبير على الطاقة الروسية جعل من برلين تشعر بالخجل من أن تفرض العقوبات على روسيا. لقد قررت ألمانيا أن تتخلص من القوة النووية بشكل أسرع مما هو مخطط له وذلك في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية في اليابان والتي حدثت عام 2011م. هذا القرار جعل البلاد تعتمد وبشكل متزايد على الغاز الروسي. وبحلول عام 2013 قامت الشركات الروسية بتزويد ألمانيا بما نسبته 38 في المائة من النفط و36 في المائة من الغاز. وبالرغم من أن باستطاعة ألمانيا أن تنوع بعيدا عن الغاز الروسي وذلك عن طريق ايجاد مصادر طاقة بديلة, إلا أنه من المحتمل أن تأخذ هذه العملية عقود من الزمن. وبناءً على ذلك فإن ألمانيا لا ترغب على المدى القصير أن تثير غضب روسيا أو تزعجها.
لقد واجهت ميركل ردة فعل سلبية ليس فقط من المجال الصناعي ولكن من الرأي العام الألماني ككل بسبب تأييدها للعقوبات. هذا بالإضافة الى توجيه البعض من الولايات المتحدة ومن دول أوروبية أخرى أصابع الاتهام الى الحكومة الألمانية لتساهلها مع روسيا, حيث شعر العديد داخل ألمانيا بأن حكومتهم تتصرف بعنف وعدوانية. عندما دعا الصحفي الألماني بيرند أولريش الى القيام بفعل قوي ضد بوتين على سبيل المثال, فإنه وجد نفسه قد غرق بالرسائل الإلكترونية التي تحمل كراهية له والتي تتهمه بإثارة الحرب. وحتى وزير الخارجية الألماني فرانك والتر ستينمر والذي لوحظ تعاطفه مع روسيا لفترة طويلة, قد واجه نفس الاتهام. لقد زاد المعلومات السرية التي كشفتها وكالة الأمن القومي من درجة التعاطف مع روسيا.
كما كتب أولريش في أبريل من عام 2014 قائلاً: "عندما يقول الرئيس الروسي بأنه يشعر بظلم الغرب له, فإن هناك العديد ممن يعتقد بأننا قد ظلمناه أيضا". إن لدى هذا النوع من التعريف لروسيا جذور تاريخية عميقة. ففي عام 1918 نشر الكاتب الألماني توماس مان كتاباً بعنوان "انعكاسات رجل غير سياسي", حيث ناقش فيه اختلاف الثقافة الألمانية وأفضليتها في ذلك الوقت مقارنة بثقافات الشعوب الغربية الأخرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة. ويناقش قائلا أن الثقافة الألمانية تقع في مكان ما بين الثقافة الروسية وبين بقية الثقافات الأخرى في أوروبا. لقد شهدت تلك الفكرة احياء دراماتيكي في الشهور الأخيرة. لقد انتقد المؤرخ الألماني وينكلر في ما كتبه في مجلة "المرآة" في شهر أبريل من العام الحالي من يطلق عليهم اسم "المفوضون " وهم الألمان الذين يعبرون عن دعمهم لروسيا, بسبب اعادة تبسيط " أسطورة التواصل الروحي ه بين روسيا وألمانيا".
ولصناعة رد فعل بارع حيال قضية قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم, فإن على ميركل أن تمشي بخطى شديدة البراعة والإتقان. لقد حاولت ترك الباب مفتوح لاحتمالية وجود حل سياسي بقدر الإمكان, فهي تقضي ساعات تتحدث على الهاتف مع بوتين وترسل ستينمر للمساعدة في التوسط بين موسكو وكييف.
لقد شعر المسؤولون الألمان بالراحة لتبني موقف أكثر صرامة فقط بعد حادثة اسقاط الطائرة 17 التابعة للخطوط الجوية الماليزية في السابع عشر من يوليو من عام 2014 والتي يُزعم أن الانفصاليين الموالين لروسيا قد نفذوا حادثة الاسقاط. وحتى ذلك الحين بقي التأييد الشعبي لفرض العقوبات فاتراً. توصل استفتاء أجرته شبكة محطات ارد في أغسطس الى أن 70 في المائة من الألمان يدعمون الجولة الثانية من العقوبات الأوروبية ضد روسيا والتي تتضمن حظر اصدار الفيزا وتجميد أصول قائمة من رجال الأعمال الروس المشهورين. ولكن 49 في المائة فقط قالوا أنهم سوف يستمرون في دعم العقوبات حتى لو أثر ذلك سلباً على الاقتصاد الألماني بما أن الجولة الثالثة من العقوبات على الأرجح سيتم تنفيذها.
من الممكن أن ينزلق الدعم الشعبي للعقوبات أكثر في حال اتجهت ألمانيا نحو فترة ركود اقتصادي قد تحدث وفقاً لما يقوله العديد من المحللين. بالرغم من أن الأعمال والمشاريع التجارية والصناعية الألمانية قد قبلت قرار العقوبات على مضض إلا أنهم مازالوا يمارسون الضغوطات على ميركل لتحررهم من القلق. وحتى لأن جهود ألمانيا الاقتصادية تأتي تحت التهديد إلا أن ألمانيا قد وضحت رأيها الذي يقول بأن الخيارات العسكرية ليست مطروحة على الطاولة. وقبل انعقاد قمة حلف الناتو في ويلز في شهر سبتمبر, عارضت ميركل خطط للحلفاء تقوم على اثبات حضور دائم في أوروبا الشرقية, هذا الذي سينتهك قانون تأسيس حلف الناتو وروسيا المقر عام 1997 وفقاً لما تقوله ميركل. ولكن ربما وببساطة لن يكون لدى ألمانيا قدرة على التحمل لمنع انتشار الأيديولوجية الشيوعية الروسية.
الدوران نحو محور الصين
لقد اقتربت ألمانيا أيضا من الصين حتى أنها أصبحت أكثر نذيراً وبشيراّ للسياسة الخارجية الألمانية ما بعد الغرب. وكحالها مع روسيا استفادت ألمانيا من الروابط الاقتصادية المتقاربة والمتزايدة مع الصين. ففي العقد الماضي نمت الصادرات الألمانية هناك أضعافاً مضاعفة. وبحلول عام 2013 حققوا 84 مليار دولار وعلى الأغلب ضعف قيمة الصادرات الألمانية الى روسيا. لقد أصبحت الصين ثاني أكبر سوق للصادرات الألمانية خارج الاتحاد الأوروبي في الواقع, وربما تتجاوز سوق الولايات المتحدة الأمريكية بما أنها الأكبر. إن الصين بالفعل تعد السوق الأكبر لسيارات الفولكس فاجن وهي سيارات تصنعها شركة فولكس فاجن أكبر شركة ألمانية مصنعة للسيارات , بالإضافة الى سيارات مرسيدس بنز فئة اس.
إن العلاقة بين ألمانيا والصين قد نمت بشكل أقوى فقط بعد الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008م. وذلك عندما وجدت الدولتان أنفسهما في نفس الجانب عند الحديث عن الجدل القائم حول الاقتصاد العالمي. فكلاهما قد مارس ضغط تدني الاسعار والانكماش الاقتصادي على شركائهم في التجارة, هذا بالإضافة الى انتقاد سياسة التسهيل الكمي التي تنتهجها الولايات المتحدة ومقاومة النداءات الآتية من الولايات المتحدة من أجل القيام بفعل ما لتصحيح اختلال التوازن في الاقتصاد الكلي للاقتصاد العالمي. لقد أصبحت ألمانيا والصين أقرب الى بعضهما سياسياً في وقت واحد. ففي عام 2011 بدأت الدولتان بعقد مؤتمر مناقشة وتشاور حكومي سنوي وهو عبارة عن اجتماع حكومي مشترك. حدث هذا الأمر لأول مرة عندما عقدت الصين مثل ذلك النقاش التفاوضي واسع النطاق مع دولة أخرى.
وبالنسبة لألمانيا تعتبر العلاقة اقتصادية في المقام الأول أما بالنسبة للصين التي تريد من أوروبا القوية أن تماثل الولايات المتحدة الأمريكية فهي علاقة استراتيجية. ربما ترى الصين ألمانيا على أنها المفتاح للحصول على نوع أوروبا التي تريد وذلك الى حد ما لأن ألمانيا تظهر قوية بشكل متزايد داخل أوروبا ولكن ربما أيضاً بسبب أن الخيارات الألمانية المفضلة تبدو أقرب الى خياراتها مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة. إن الروابط المحكمة بين برلين وبكين تأتي بسبب أن الولايات المتحدة تتبنى نهج قاسي نحو الصين كجزء مما تسميه الدوران نحو آسيا وأنها من الممكن أن تخلق مشكلة أساسية للغرب. وفي حال وجدت الولايات المتحدة نفسها في صراع مع الصين حيال قضايا اقتصادية أو أمنية في حال وجود شبة جزيرة قرم آسيوية على سبيل المثال, فإن هناك احتمال حقيقي بأن تبقى ألمانيا حيادية. بعض الدبلوماسيين الألمان في الصين بدأوا ينأون بالفعل أنفسهم عن الغرب. ففي عام 2012 على سبيل المثال قال السفير الألماني لدى الصين مايكل شايفر في مقابلة معه: "لا أعتقد أن هناك شيء من هذا القبيل كما لدى الغرب بعد الآن". وبفرض اعتمادهم المتزايد على الصين لأنه يعتبر سوق مصدر, فإن الأعمال التجارية والصناعية الألمانية ربما تكون أكثر معارضة لفرض عقوبات على الصين بدلاً من روسيا. ربما من المحتمل أن تكون الحكومة الألمانية أكثر معارضة لتتخذ خطوات أكثر قساوة مقارنة بتلك التي اتخذتها خلال الأزمة الأكرانية. والتي سوف تخلق صدع أكبر داخل أوروبا نفسها وبين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
أوروبا ألمانية التوجه
إن المخاوف من موقف ألمانيا الحيادي ليس بالأمر الجديد. ففي السبعينات من القرن الماضي كان قد حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك هنري كسنجر من أن تصبح علاقات التقارب لألمانيا الغربية لعبة في يد الاتحاد السوفييتي ويهدد الوحدة بين ضفتي الأطلسي. كما ويحاول أن يبرهن أن الروابط الاقتصادية المتقاربة مع الاتحاد السوفييتي سوف تزيد اعتماد أوروبا على جارتها الشرقية وبالتالي سيضعف الحالة الصحية للغرب وبشكل تدريجي. إن الخطر الذي تنبأ كسنجر بحدوثه لم يكن يتمثل في الوصول الى الحد الذي تترك فيه لألمانيا الغربية حلف الناتو, ولكن كما ذكر في مذكراته بأنها من المحتمل أن" تتجنب الخلافات خارج أوروبا حتى عندما تتأثر المصالح الأمنية الأساسية". ولحسن الحظ بالنسبة لواشنطن فإن الحرب الباردة أبقت تلك الرغبات تحت السيطرة لأن ألمانيا الغربية اعتمدت على الولايات المتحدة لتوفر لها الحماية ضد الاتحاد السوفييتي.
والآن وبالرغم من ذلك فإن ألمانيا تجد نفسها في موقع أكثر مركزية وقوة في أوروبا. فخلال الحرب الباردة كانت ألمانيا الغربية دولة ضعيفة على هامش الشيء الذي أصبح اتحاد أوروبي, ولكن ألمانيا الموحدة أصبحت الآن أحد القوى الأكثر قوة إن لم تكن الأقوى في الاتحاد الأوروبي. وبإعطائها تلك المكانة فإن ألمانيا الغربية باستطاعتها أن تأخذ الكثير مما تبقى من أوروبا معها وبخاصة الدول الأوروبية التي تقع في الوسط والشرق ذات الاقتصاديات التي تتشابك وبعمق مع الاقتصاد الألماني. وفي حال غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي وهذا الذي تفكر به الآن, فإنه من المرجح أن يتبع الاتحاد الخيارات المفضلة لدى الألمان, خاصة أنها تتلاءم مع روسيا والصين. وعندما يحدث ذلك فإن أوروبا سوف تجد نفسها على خلاف مع الولايات المتحدة وبالتالي فإن الغرب سوف يعاني من الانقسام الذي ربما لن تتعافى منه أبداً.
-------------------------
*{مركز البيان للبحوث والدراسات}
-----------------------

sitetheme_logo.gif

Leaving the West Behind
Germany Looks East

(By Hans Kundnani)
-----------------

Kundnani_LeavingTheWestBehind.jpg

Russia’s annexation of Crimea in March 2014 was a strategic shock for Germany. Suddenly, Russian aggression threatened the European security order that Germany had taken for granted since the end of the Cold War. Berlin had spent two decades trying to strengthen political and economic ties with Moscow, but Russia’s actions in Ukraine suggested that the Kremlin was no longer interested in a partnership with Europe. Despite Germany’s dependence on Russian gas and Russia’s importance to German exporters, German Chancellor Angela Merkel ultimately agreed to impose sanctions on Russia and helped persuade other EU member states to do likewise.

Nevertheless, the Ukraine crisis has reopened old questions about Germany’s relationship to the rest of the West. In April, when the German public-service broadcaster ARD asked Germans what role their country should play in the crisis, just 45 percent wanted Germany to side with its partners and allies in the EU and NATO; 49 percent wanted Germany to mediate between Russia and the West. These results led the weekly newsmagazine Der Spiegel, in an editorial published last May, to warn Germany against turning away from the West.


Germany’s response to the Ukraine crisis can be understood against the backdrop of a long-term weakening of the so-called Westbindung, the country’s postwar integration into the West. The fall of the Berlin Wall and the enlargement of the EU freed the country from its reliance on the United States for protection against a powerful Soviet Union. At the same time, Germany’s export-dependent economy has become increasingly reliant on demand from emerging markets such as China. Although Germany remains committed to European integration, these factors have made it possible to imagine a post-Western German foreign policy. Such a shift comes with high stakes. Given Germany’s increased power within the EU, the country’s relationship to the rest of the world will, to a large extent, determine that of Europe.


------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ألمانيا, الشرق, العرب, تودع, وعينها


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ألمانيا تودع الغرب وعينها على الشرق
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإمام الأكبر‏:‏سياسات الغرب تبني جدارا من الكراهية في الشرق يقيني بالله يقيني أخبار عربية وعالمية 1 01-10-2016 04:47 PM
الإسلام بين الشرق و الغرب.. عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 10-26-2014 08:11 AM
غزة تودع 74 شهيدا في اليوم الثالث عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 1 07-12-2014 10:56 AM
عقلاء الغرب يردون على سفهاء من الشرق عبدو خليفة شذرات إسلامية 1 01-10-2014 10:18 PM
من الشرق و الغرب - بحوث في الادب احمد ادريس دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 1 05-10-2013 09:03 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59