#1  
قديم 11-11-2012, 01:45 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي التطور التاريخي لسياسة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا 1652-1990




د. عبد الوهاب دفع الله أحمد
قسم التاريخ - كلية الآداب - جامعة الخرطوم

تهدف هذه الورقة إلى التعرف على مفهوم التفرقة العنصرية، ومعرفة واستعراض أهم التشريعات والقوانين التي صدرت خلال تلك الفترة باعتبار أن البيض الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا يمثلون مجموعة عرقية قد انفردت وهيمنت على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هناك، وتتبع الورقة كيفية مقاومة المجموعات الأخرى - بالتركيز على السود- لتلك السياسة والعوامل التي أدت إلى نهايتها بعد نضال استمر لعدة عقود.
ولما كانت سياسة التفرقة العنصرية تقوم على دعاوى التمييز العرقي، فلابد أن نقف عند مفهوم العرقية (Ethnicity) وهو مصطلح مأخوذ من الكلمة اليونانية (Ethnos) والتي تعني الشعب (People) ويستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الخصائص والمميزات التي تتميز بها كل مجموعة من الناس وتحدد هويتهم وشخصيتهم، وبموجب هذا التمايز في الشخصية وفي السمات؛ فإن كل مجموعة متشابهة يسود بينها شعور واحد بخاصة عندما تتعرض لخطر يتهدد وجودها ومصيرها. ولذلك فإن أحداث الماضي بالنسبة لأي مجموعة عرقية تمثل خبرات وتجارب تتصل بحاضر المجموعة وتسهم في تشكيل وعيها الاجتماعي وممارستها السلوكية في مختلف جوانب الحياة، ومن هنا فإن المجموعة العرقية تأخذ مشروعيتها في الوجود من خلال الأصل الواحد والتاريخ المشترك، وتشعر المجموعة العرقية بأنها كانت موجودة في الماضي ومن ثم فهي تحاول جاهدة المحافظة على وجودها في الحاضر والمستقبل (1).
يتكون مجتمع جنوب أفريقيا وبسبب الظروف التاريخية والجغرافية من مجموعات متغايرة في أصولها وثقافاتها وألوانها وأديانها تنحدر إلى الأفريقية والأوروبية والهندية إضافة إلى عنصر الملونين الذي جاء نتيجة اختلاط هذه المجموعات العرقية فيما بينها؛ فكان من الطبيعي أن يحدث صراع فيما بينها حول مختلف المصالح. وكل مجموعة عرقية كانت تحاول أن ترتبط بالمجتمع الذي انحدرت منه، وبالتالي فإن مجتمع جنوب أفريقيا قد مثل بيئة صالحة لنمو الفكرة العنصرية ولممارستها في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي (2).
تقوم التفرقة العنصرية على أسس عقائدية وفكرية ودينية رسخت جذورها عبر مراحل تاريخية مختلفة؛ ففي المجال الديني مثلاً نجد أن اليهودية تعتبر بني إسرائيل هم شعب الله المختار، وأن غيرهم من الشعوب ما هم إلا عبيداً لهم (3). وتتضح هذه العقيدة بجلاء في كتب اليهود المقدسة كالتوراة والتلمود. وقد أثرت العقيدة اليهودية في شعوب أخرى كثيرة، ويهمنا هنا أن البوير في حروبهم ضد القبائل الأفريقية المحلية كانوا يتمثلون هذه العقيدة ويؤمنون بها واتخذوها مرتكزاً عقائدياً لسياستهم العنصرية. ومن جانب آخر فإن الكنيسة المسيحية بمذاهبها وطوائفها المختلفة كانت تشعر بهذه النزعة الاستعلائية، وعلى ذلك بينت الكنيسة رسالة الجنس الأبيض المسيحي، ونخص هنا بالذكر الكنيسة الإصلاحية الهولندية والتي مثلت واحدة من حركات الإصلاح الديني التي شهدتها أوروبا وخرجت بها من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية. وبرغم أن الصفة الإصلاحية التي تميز الكنيسة الهولندية توحي بأنها أكثر تقدماً وانفتاحاً إلا أنها على العكس من ذلك فقد اتسمت بنوع من الشدة والتطرف تجاه الوطنيين الأفارقة، ورفضت دخولهم إلى المسيحية حتى تحافظ على النقاء العنصري، ولكي تبقي في نفس الوقت على الأفارقة عبيداً للبوير بمقتضى هذه العقيدة (4).
وينبغي أن نشير أيضاً إلى بعض الفلسفات التي قامت على التفرقة العنصرية كالفلسفة الجويبينية (5) (Gobinism) التي أثرت فيما بعد في حركات عنصرية عديدة كالنازية والفاشية وغيرها. وقد ولدت هذه الفلسفات العنصرية مشاعر عدائية لدى السود والملونين الذين بدأوا يعبرون عن أنفسهم بصورة عنصرية أيضاً يقصدون بها إثبات الذات والهوية وتمثلت هذه في حركة الزنوجة التي عبر عنها بعض المفكرين والشعراء والساسة وغيرهم مثل ليوبولد سنغور وإيمي سيزار (6). هذا بجانب ظهور حركة الوعي الأسود في جنوب أفريقيا التي ظهرت في عام 1968 لتؤكد الذاتية الأفريقية (7).
إن التفرقة العنصرية لم تكن تعتمد على لون البشرة فقط برغم أهمية ذلك، اعتمدت على التمايز الديني الذي اعتمد على الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية رسخت جذور التعصب الديني في نفوس الأوروبيين. ولبست التفرقة العنصرية الثوب الديني لتجد تبريراً مقبولاً عند أصحابها (8). وبموجب عقيدتهم الدينية فإن البوير اعتبروا أنفسهم أبناء الله كبني إسرائيل تماماً، بل أنهم شبهوا خروجهم من مستعمرة الكاب في عام 1836 بخروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى عليه السلام، وأصبحت بريطانيا في نظرهم كفرعون. كما أن العنصرية في جنوب أفريقيا ارتبطت بنظريات التفوق الأوروبي التي سادت في الحضارة الأوروبية الحديثة، وأنتجت مجموعة من الأفكار كالدارونية والآرية والنازية والأنجلوساكسونية والصهيونية (9).
أما في المجال الاقتصادي فإن التفرقة العنصرية قامت على أساس أن البيض هم الذين يمتلكون مقاليد الاقتصاد ومقومات الإنتاج، بينما يعمل السود وغيرهم مقابل أجورٍ زهيدة لا تكفي أبسط متطلبات الحياة اليومية، بل كان بعضهم يعمل بالسخرة دون أن يعطوا شيئاً. وما حدث في مجال الزراعة حدث بنفس القدر في المناجم والتعدين. ومقابل كل هذه الفوائد عمل المستوطنون على تكريس سياسة التفرقة العنصرية، وأقاموا فيما بعد نظمهم السياسية على ذلك النهج (10).

التطور التاريخي للممارسة العملية للتفرقة العنصرية:
كانت البداية الفعلية لهذه القضية في سنة 1652 عندما قامت شركة الهند الشرقية الهولندية بإنشاء محطة تجارية في منطقة الكاب بغرض تزويد سفنها المتجهة إلى الشرق بالماء والغذاء، فقام قائدهم فان ريبيك Van Rebeck بإنشاء قلعة حصينة واستقطع بعض الأراضي لزراعتها، ولكن سرعان ما واجهت الشركة عدة مشاكل، على رأسها أن السكان المحليين رفضوا التعاون مع المستوطنين، كما أن الأراضي المستقطعة لا تكفي حاجتهم لتزويد السفن؛ ولذلك قامت الشركة بتسريح تسعة من موظفيها وسمحت لهم باستزراع أراضي جديدة والرعي فيها. كما قامت أيضاً بتهجير عدد من العائلات الهولندية التي تعمل بالزراعة هناك لتقوم بتوفير الحبوب واللحوم. ولجأت الشركة كذلك إلى استجلاب عمال زنوج من غرب أفريقيا للعمل في تلك المزارع. ثم جاءت مجموعة أخرى من العبيد الذين عارضوا الاستعمار الهولندي في جزيرة مالقا وجاوة وغيرها من الجزر التي كانت خاضعة لهم (11).
أصدر البريطانيون عند مجيئهم إلى تلك المنطقة في عام 1806 بعض القوانين تجاه السود كقانون التشرد في سنة 1809 وقانون احتجاز أطفال الهوتنتوت الفقراء في سنة 1811 بغرض القضاء على ظاهرة التشرد وحالات السلب والنهب المتكررة. وحرصت السلطات أيضاً على الاستفادة من أبناء السود المشردين وتدريبهم على العمل في مزارع البيض وفي المنازل (12).
وقد شهدت فترة العشرينيات من القرن التاسع عشر مجيء أعداد كبيرة من البريطانيين الذين كانوا أكثر تحرراً من البوير ويحملون أفكار الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا، وقد أسهم هؤلاء في تحسين أوضاع الرقيق والعمال الأفريقيين (13) ثم أصدرت السلطات البريطانية اللائحة الخمسينية والتي بموجبها أعطيت العديد من الحقوق للسكان السود خصوصاً بعدما قيام المبشرين البريطانيين بحملة شعواء ضد البوير الذين كانوا يسيئون معاملة العمال والخدم. كما قامت السلطات بإلغاء تصاريح المرور بالنسبة للسود، وقد مثل هذا القانون ضربة لنظام الرق في جنوب أفريقيا. ثم جاء بعده إلغاء قانون الرق عام 1833م ونتيجة لهذه السياسات جاءت الهجرة الكبرى (14).
نجح البوير في تأسيس مستعمرتين في الترانسفال والاورنج الحرة ومارسوا فيهما سياسة التفرقة العنصرية بصورة متكاملة. وعندما تحول اقتصاد جنوب أفريقيا من اقتصاد زراعي إلى تعديني صناعي بعد اكتشاف الذهب سنة 1886 ازدادت حاجة المستوطنين إلى العمال مما جعل السلطات تشجع سياسة العامل المهاجر وذلك بإقامة معازل(homelands) خاصة بالعمال الأفارقة حتى تضمن بذلك تنظيم وضبط تدفقهم، وتمثل فكرة المعازل هذه البداية الفعلية لتنفيذ سياسة التفرقة العنصرية التي كان ينادي ويطالب بها المستوطنون البوير (15).
ومما تقدم يتضح لنا أن هنالك فرقاً جوهرياً بين نظرة البريطانيين والبوير تجاه أسس التفرقة العنصرية، ولكن هذا الاختلاف لم يمنعهم من الاتحاد بدولهم الأربع برغم خلافاتهم السياسية وتناقضاتهم الاجتماعية والاقتصادية. وقد كان الاتحاد يعني المساواة بين البيض وحدهم مع التجاهل التام لمسألة حقوق الآخرين من أفارقة وملونين. ولعل من أول المشاكل التي واجهت حكومة الاتحاد وأخطرها مشكلة نقص العمال وكانت من المسائل المهمة التي تحتاج إلى حل عاجل. والجدير بالذكر أن السود قد اثبتوا قدرة ومهارة عالية في عملية حفر واستخراج الذهب تفوق مهارة البيض أنفسهم، ولكن إذا وضعنا في الاعتبار أن المجال الصناعي والتعديني كان يعرضهم لظروف قاسية ومخاطر جمة عديدة فقد فضل بعضهم العمل في الزراعة (16).
ومقابل ذلك لجأت الحكومة إلى انتهاج سياسة صارمة تجاه السود والملونين برزت سماتها في التفرقة العنصرية أساساً وفي القوانين التي سنت لتعطي البيض حق السيطرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسيا (17) فبعد عام واحد من ميلاد اتحاد جنوب إفريقيا سن البرلمان أولى تشريعاته التي تتعلق بتوفير العمال ودفعهم دفعاً للعمل في المناجم؛ فكان قانون المناجم والأشغال لسنة 1911 والذي بموجبه منع السود من القيام بأي عمل يتطلب مهارات، بل وإجبارهم على العمل وفق سياسات الدولة الموضوعة، وحماية العمال البيض من المنافسة (18). وتأكيداً لذلك قامت الحكومة أيضاً بحرمان السود من حق الحصول على أي شهادات تثبت وتؤكد خبرتهم العملية، حتى تمنعهم بذلك من ممارسة أي عمل يتطلب ذلك النوع من الشهادات (19).
قامت الحكومة بمزيد من الضغط على السود، فأصدر البرلمان قانون الأراضي لسنة 1913 والذي بموجبه مُنع السود حق شراء الأراضي في المناطق المخصصة للبيض هذا في الوقت الذي جعل فيه هذا القانون حوالي 87% من أراضي جنوب أفريقيا تابعة للبيض، كما منع السود من حق وراثة الأرض أو الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال وبسبب تلك السياسات لم يكن أمام السود خيارٌ إلا العمل في المزارع والمصانع والمناجم، وهذا ما كان يسعى إليه البيض وتطبيقهم لكل السياسات السابقة التي اتخذوها (20).
ومما يجدر ذكره أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى تدني أسعار الذهب في الأسواق العالمية الأمر الذي أجبر حكومة الاتحاد اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة هذا الأمر؛ فهي إما أن تقوم بخفض إنتاجها أو أن تستبدل العمال البيض بعمال أفارقة يقومون بذات العمل بسعر أرخص؛ فاختارت الخيار الثاني، ممــا حدا بالعمال البيض إلى معارضة هذه السياسة، إلا أن الحكومة واجهتهم بالقمع، لكن هذا الأمر كانت له انعكاساته السالبة على السود فيما بعد (21).
طالبت اتحادات عمال البيض بسن المزيد من القوانين التي تحفظ لهم مكانتهم المتميزة بخاصة عندما أثبت العمال الأفارقة مهارتهم الفائقة في عملية استخراج الذهب والتعدين مما يعني منافستهم للعمال الأفركان من ذوي التعليم المحدود بل وأصبح هؤلاء مهددون بالانخراط في الأعمال الدنيا كغيرهم من العمال. فاستجابت الحكومة لهذه المطالب، حينما أصدر البرلمان مجموعة من القوانين المتلاحقة وعلى رأسها قانون التسوية الصناعية رقم 11 لسنة 1924 الذي حظر إنتساب العمال السود إلى اتحادات البيض، ومنعهم من حق المطالبة بالحقوق. ثم جاءت من بعد ذلك قوانين الحواجز اللونية لسنة 1926 بهدف حماية العمال البيض من زحف العمالة السوداء (22) وقانون تمثيل السكان الأصليين لسنة 1936 الذي أسقط أسماء السود الناخبين وجعل لهم سجلات خاصة بهم (23).
من جانب آخر عملت الحكومة على الحد من حركة الهنود والملونين والآسيويين فأصدرت قانون ملكية الأرض وتمثيل الهنود، حددت لهم بموجب ذلك مناطق معينة للعيش والتجارة فيها(24). كما أصدر قانون آخر يخص الملونين عرف بقانون تمثيل الناخبين وُضِعَ الملونون بموجبه في سجل منفصل في منطقة الكاب (25). أدت كل تلك الممارسات السابقة لظهور رد فعل معارض من قبل العمال السود؛ ففي عام 1946 حدث إضراب شامل للعمال الأفارقة، وبرغم أنه أخمد بصورة سريعة إلا أنه أثبت قدرة السود على إمكانية التحرك ضد قوانين التفرقة العنصرية.
شهد العالم في هذا الوقت تحولات عديدة في الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ومن ذلك صدور ميثاق الأطلنطي الذي وُعدت فيه الحركات الوطنية في مختلف المستعمرات بمنحها حق تقرير المصير، كما قامت أيضاً في ذلك الوقت عصبة الأمم وكانت جنوب أفريقيا من الدول التي أسهمت في إنشاءها (26). على الرغم من ذلك فإن جنوب إفريقيا شهدت إحداث تغييرات جذرية على التفرقة العنصرية، فأثناء الحرب وقف الأفركان إلى جانب دول المحور إذ أنهم وجدوا في الفكرة النازية ما يشبه عقيدتهم العنصرية، وعلى هذا الأساس نشأت في عام 1947 نظرية عنصرية جديدة تهدف لإيجاد أمة تتميز في عنصرها وفي جذورها العرقية (27) وقد كان الأفركان يسلمون بعدة تفسيرات تاريخية وافتراضات مفادها أن الهولنديين هم أول من وصل إلى جنوب أفريقيا قبل العناصر المسيحية البيضاء الأخرى من الإنجليز وغيرهم. ويعتقدون بأن عنصرهم هو العنصر الوحيد من بين البيض الذي ليس له بلد أوروبي يرعاه، كما كانت علاقتهم مع السود علاقة حميمة لم يحاولوا فيها على الإطلاق فرض الحضارة الأوروبية عليهم، بل وأن مرد الاضطرابات العنصرية التي حدثت في جنوب إفريقيا ترجع إلى النزعات الإنسانية الليبرالية الخاطئة كالنشاط التبشيري والتعليم الغربي والقوى المناهضة للمسيحية (28).
اتخذ الحزب الوطني الذي يمثل الأفريكان من كل تلك النظريات برنامجاً سياسياً خاض به الانتخابات في عام 1948 وحقق فوزاً كاسحاً بل وظل يحقق أغلبية في كل الانتخابات اللاحقة التي خاضها، مما يدل على قبول البوير لهذه السياسة وتأييدهم المطلق لها ونتيجة لذلك أعلنت الحكومة بأن لها الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمكنها من المحافظة على نقاء عنصر الأفريكان كجماعة منفصلة فأصدرت سلسلة طويلة من القوانين لتأكيد الفصل العنصري وتعزيزه (29). وأول القوانين التي تم سنها وأجيزت من قبل البرلمان كانت في مجال الفصل الاجتماعي وعلى رأسها قانون حظر الزواج المختلط رقم 55 لسنة 1949 حتى تضمن بموجب ذلك القانون نقاء العنصر الأبيض وتحد في نفس الوقت من زواج الأوروبيين مع العناصر الأخرى من سود وملونين، وقد اعتبرت أي نوع من أنواع ذلك الزواج باطلاً وجريمة يعاقب عليها القانون حتى وإن تم ذلك الزواج خارج جنوب أفريقيا (30) وتلى هذا قانون آخر يؤكد الفصل الاجتماعي ويمنع أي نوع من أنواع العلاقات الجنسية بين البيض وغيرهم وعرف ذلك بقانون الفساد الأخلاقي (الفجور) واعتبرت ذلك من الجرائم التي يعاقب عليها بالغرامة والجلد (31).
ومن القوانين الأخرى التي تؤكد أيضاً على الفصل الاجتماعي قانون تسجيل السكان رقم 30 لسنة 1950 والذي أعطى الحكومة حق تصنيف جميع السكان في جنوب أفريقيا وفق انتمائهم العرقي، ويتم ذلك بواسطة لجنة خاصة يرأسها وزير الداخلية وقد عرّف هذا القانون المواطن بأنه كل من ينحدر من قبيلة محلية أو عنصر أفريقي بالمنطقة، بينما يعرّف الأبيض بأنه كل من ينتمي إلى الجنس الأبيض الأوروبي)(32) وهنالك عنصر الملونين وهي تلك المجموعة التي نتجت من اختلاط العناصر البيضاء بالسكان المحليين فجاء هذا القانون وفرق بينهم. وقد تم تقسيم هذه المجموعة بحسب لونها ففي الأسرة الواحدة كان هنالك الأبيض والأسود (33)
وبعد أن منحت الحكومة نفسها حق تصنيف السكان وفق اللون والإنتماء العرقي، حرصت في الوقت نفسه على تقسيم المجموعات العرقية من السود والملونين إلى مجموعات أصغر، ولذلك جاء قانون مناطق المجموعات العرقية رقم 41 لسنة 1950 الذي يمثل روح سياسة التفرقة العنصرية. وقد عملت الحكومة بموجبه على تفكيك المجموعات العرقية، وخصصت مناطق بعينها لكل عنصر عرقي أو جماعة. فلا يحق لأي شخص ينتمي لمجموعة ما أن يمتلك أراضي في المنطقة المخصصة لمجموعة أخرى، فتم ترحيل ونقل تجمعات سكانية بكاملها لمجرد رغبة البيض في امتلاك أراضي بعينها تابعة للسود أو المطالبة بتخصيصها لهم. والجدير بالذكر أن هذا النقل والترحيل شمل أيضاً العناصر الهندية، وكانت الحكومة تخضع لضغط أنصارها من البيض المقيمين في المناطق الفقيرة وتعمل على تنفيذ رغباتهم (34)
أصدر البرلمان بعد ذلك قانون تمثيل الناخبين والغرض منه إدراج أسماء الناخبين الملونين في منطقة الكاب في سجل منفصل لإضعاف حقوقهم وقدرتهم الانتخابية التي كانوا يتمتعون بها من قبل بصورة مؤسسية في عام 1948م (35) لقانون الآخر فيختص بالسود وهو قانون سلطات البانتو الذي تم بموجبه إلغاء جميع المجالس المحلية والمجالس العامة التي تُمثل فيها الزعامات التقليدية لقبائل البانتو وعلى الرغم من حرص الحكومة على تطوير تلك المناطق تطويراً جزئياَ، إلا أنها كانت حريصة في نفس الوقت بأن تظل مناطق البانتو مصادر للعمالة الرخيصة (36)
ومن الجانب الآخر عملت العناصر غير الأوروبية على مقاومة تلك القوانين العنصرية وقامت بتنظيم عدة حملات تمثلت في العصيان المدني وتحدي القوانين فعرضت نفسها للاعتقال وذلك بالدخول في المناطق والأماكن العامة المخصصة للبيض فقط (37). وإزاء هذا الخطر عملت الحكومة على سن وإصدار قوانين أخرى خاصة وأن تضامن السود والملونين والهنود قد أزعجها غاية الإزعاج؛ فالهدف الرئيسي من السياسة العنصرية هو تقسيم التجمعات العرقية وفصل بعضها عن بعض. فجاء قانون مكافحة الشيوعية رقم 44 لسنة 1951 وكان تعريف الشيوعية بموجب هذا القانون واسع جداً والهدف منه معاقبة كل من يحاول الخروج على قوانين التفرقة العنصرية أو القيام بأي محاولة تهدف إلى إحداث تغيير سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي داخل اتحاد جنوب أفريقيا (38).
ومن القوانين التي تم إصدارها أيضاً قانون تصاريح المرور التي حتمت على كل السود الحصول على إذن خاص من مكاتب العمل المحلية إن هم أرادوا العمل في المناطق الحضرية، أو حتى إذا أراد أحدهم الخروج من قريته أثناء ساعات حظر التجول؛ وكل من يخالف ذلك يعرض نفسه للمعاقبة بموجب هذا القانون (39).
استمرت الحكومة في سياستها العنصرية وفي سن المزيد من القوانين التي تكفل لها حق السيطرة وحفظ الأمن ومن ذلك قانون الأمن العام لسنة 1953م وقد خول هذا القانون للسلطات العنصرية حق اعتقال المواطنين بلا محاكمة، وإعلان الأحكام العرفية والهدف من ذلك ضرب أي شكل من أشكال المقاومة منذ بدايتها وذلك قبل أن يستفحل أمرها (40) وتلى ذلك القوانين الجنائية المعدلة التي تنص على إنزال العقوبات البدنية ضد المشاركين في حملات التحدي المناهضة لسياسة التفرقة العنصرية (41).
ومما يجدر ذكره أن أي شكل من أشكال المقاومة اعتبرته الحكومة من الجرائم الكبرى خاصة وأن البرلمان سن قانون حظر فيه على غير البيض ارتياد الأماكن العامة المخصصة للبيض كالسواحل والبصات والقطارات والمقاعد في الحدائق العامة؛ فإذا ما ارتاد السود مثلاً هذه الأماكن تعبيراً عن رفضهم أو احتجاجهم فإن ذلك حتماً سيعرضهم للعقوبة بالغرامة والسجن (42).
امتدت سياسة التفرقة العنصرية بعد ذلك لتشمل التعليم فجاء قانون تعليم البانتو لسنة 1953 ليقضي على أدنى توهم لدى السود بتحسين وضعهم الاجتماعي. مقابل كل تلك القوانين لم تقف الحركة الوطنية بمختلف فئاتها مكتوفة الأيدي، بل وشهدت خلال تلك الفترة تقارباً منقطع النظير وذلك بالدعوة إلى عقد المؤتمرات المناهضة للعنصرية من ذلك مؤتمر مناهضة سياسة التفرقة العنصرية الذي عقد في يونيو سنة 1954 في مدينة جوهانسبيرج، وتلى ذلك مجموعة من الاجتماعات التي تمخض عنها ميثاق الحرية الذي يقوم بصورة واسعة على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومن أهم مبادئه:
"إن جنوب أفريقيا تعتبر ملكاً لجميع من يعيشون فيها من سود وبيض ... وما من حكومـة تستطيع أن تدعي لنفسها سلطة ما لم تُبنى على إرادة جميع الشعب ...إن شعبنا قد نُهبت حقوقه الطبيعية في الأرض وفي الحرية والسلام بواسطة حكومة قامت على عدم المساواة" (43).
هذا بجانب العديد من المطالب التي تنادي بالمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدعوة إلى السلام والأمن والحرية (44).
استمرت الحركة الوطنية في توجيه انتقاداتها لسياسة التفرقة العنصرية ومطالبتها المستمرة بالحقوق المتعلقة بهم. وقد حققت المقاومة نجاحاً كبيراً لا سيما وسط العمال الذين استجابوا للدعوات الموجهة لهم من قبل قيادات حزب المؤتمر الوطني بتنفيذ الإضرابات ومقاطعة البصات البلدية وقد حدث ذلك بعد أن قامت الحكومة بزيادة تعريفة المواصلات؛ فطالب العمال بزيادة الأجور وإلغاء قوانين تصاريح المرور وقانون المجموعات العرقية (45).
الجدير بالذكر أن هذه الفترة بدأت تشهد تغيراً ملحوظاً في الخارطة السياسية لأفريقيا إذ نالت العديد من الدول الأفريقية لاستقلالها، وفي الداخل بدأت بعض العناصر توجه انتقاداتها الحادة للمؤتمر الوطني الأفريقي والتقليل من دوره ووصفه بالفشل، وطالبت تلك العناصر بالعمل الثوري ضد حكومة التفرقة العنصرية خاصة وأن المقاومة السلمية لم تحقق شيئاً. وكانت النتيجة المباشرة لذلك حدوث انشقاق داخل المؤتمر الوطني الأفريقي وتمخض ذلك عن ميلاد المؤتمر القومي الأفريقي (46).
بدأ هذا التنظيم مشواره بالدعوة إلى الثورة ومقاومة كل أنواع التفرقة العنصرية ويرى أن الحكم ينبغي أن يكون في أيدي السود لأنهم أصحاب الأرض الحقيقيون ويمثلون الأغلبية (47).
تصاعد المد الثوري في أواخر الخمسينيات وانتشر وسط السود والمجموعات العرقية الأخرى؛ فقامت الحكومة في محاولة منها لتخفيف ذلك بإصدار قانون تعزيز سلطات البانتو رقم 46 لسنة 1959 إذ أصبح فيه من الصعوبة بمكان السيطرة على المناطق الريفية للسود، وفي نفس الوقت ازدادت حاجة البيض للأيدي العاملة الرخيصة بعد النهضة الصناعية التي شهدتها جنوب أفريقيا. أكد ذلك القانون أن مجموعات البانتو لا تمثل عنصراً واحداً متجانساً وإنما تضم وحدات قومية مختلفة بحسب اللغة والثقافة (48). فتم تقسيم مناطق البانتو إلى ثمان وحدات أساسية عرفت بالمعازل وقد عرفت هذه السياسة رسمياً وتاريخياً بالبانتوستان، وتقوم على عدة مبادئ أهمها أن للأسود الحق في امتلاك الأراضي في الموطن الذي ينتمي إليه فقط وبالتالي فهو يعد أجنبياً في مناطق البيض وفي مناطق البانتوستان الأخرى (49).
كانت لسياسة التفرقة العنصرية تأثيرات سلبية عديدة على السود فمنها أن أغلبهم أصبحوا يشعرون بالدونية وبمركب النقص لا لشيء إلا لسواد بشرتهم؛ فالقوانين العنصرية كانت تذكرهم دائماً بأنهم في أدنى درجة من السلم الاجتماعي. كذلك فإن القوانين العنصرية جعلت العمال يعيشون بعيداً عن أسرهم وأهليهم، الأمر الذي أدى إلى تفشي المظاهر السلبية من إدمان الخمور والمخدرات وممارسة أعمال الفجور والسلب والنهب والقتل إلى غير ذلك من الأمراض الاجتماعية الأخرى (50).
من جانبها استمرت الحركات الوطنية في مجابهة القوانين العنصرية بمزيد من الاضرابات وحركات العصيان المدني، ومن أشهر تلك المواجهات حادثة شاربفيل التي قتل فيها حوالي تسعة وستين شخصاً وجرح حوالي مائة ثمانية وستين. وقد أظهرت هذه الحادثة المعاناة الحقيقية التي يعيشها السكان غير البيض في جنوب إفريقيا (51).
رفعت المشكلة للأمم المتحدة منذ ميلادها في عام 1946 من قبل الهنود فقامت بدورها بتوجيه نداءتها لحكومة الاتحاد لتعدل عن تلك السياسة، إلا أنها لم تستجب لأي نداء أو انتقاد وجه إليها سواء كان من المنظمات الداخلية أو من قبل المنظمات الدولية التي كان على رأسها الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية التي أنشئت عام 1963 (52). وكانت الحكومة ترى أن تلك السياسة من صميم شئونها الداخلية وهي ضروريات وجود النظام نفسه، كما أنها كانت تمثل قاعدة مهمة للمجتمع الغربي من حيث المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، الأمر الذي جعلها تستند على تأييد هذه القوى ووقوفها حجر عثرة أمام أي محاولة لفرض عقوبات دولية ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا. وإذا ما تم ذلك بالفعل فمن الصعوبة بمكان تطبيق وتنفيذ هذه العقوبات (53). ويجب أن نذكر هنا أن الدول الغربية كانت تخشى تغلغل الاتحاد السوفيتي في منطقة الجنوب الأفريقي والذي عمد بالفعل على خلق حزام اشتراكي يطوق النظام العنصري خاصة وأن هناك عدداً من الدول التي نالت استقلالها وقامت فيها أنظمة ذات ميول اشتراكية؛ فبين المعسكرين الشرقي والغربي ظلت الأمم المتحدة عاجزة عن التوصل إلى إيجاد حل لمشكلة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا (54).
وبسبب الضغوط الداخلية والخارجية ونشاط الحركات المناهضة لسياسة التفرقة العنصرية، عملت حكومة جنوب أفريقيا على تفصيل القوانين التي تكفل لها حفظ النظام؛ فقامت بفرض حالة الطوارئ كما أصدرت قراراً حظرت فيه نشاط الحركات الوطنية بما في ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي، وزادت من ميزانيتها العسكرية لتقوية جهازها الأمني، وتوالت الإمدادات العسكرية والتقنية من جانب الدول الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. حدث كل ذلك في الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن يدعو إلى إيقاف بيع الأسلحة والمعدات العسكرية إلى جنوب أفريقيا (55).
ومحاولة منها في تغيير بعض ملامح سياستها العنصرية قامت الحكومة بالدفع ببرنامج التنمية المنفصلة (البانتوستان) وأدخلته حيز التنفيذ، فأصدر البرلمان قانون الترانسكي لسنة 1963م قررت فيه الحكومة منح إقليم الترانسكي الحكم الذاتي وقد حاولت الحكومة بذلك أن تثبت للرأي العام بأن سياسة التفرقة العنصرية توفر الحرية الخاصة لكل مجموعة عرقية، إلا أن هذا الأمر رفض رفضاً تاماً على المستويين الداخلي والخارجي (56) وأصبحت المقاومة تتم بصورة سرية خاصة بعد أن توالت الإعتقالات والمحاكمات ضد أعضاء وقادة الحركات الوطنية، ومن أهمها محكمة ريفونيا (1963-1964) وكان على رأسهم نلسون مانديلا، وولتر سيسلو بجانب قادة آخرين حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، وقد حدث ذلك حينما اتجهت تلك المجموعات ولجأت للمقاومة المسلحة (57).
أصدر برلمان جنوب أفريقيا عدة تشريعات في مايو 1963 لمجابهة المقاومة المسلحة وعلى رأسها قانون الأمن العام الذي خول للسلطات اعتقال أي شخص لمدة تسعين يوماً دون الحاجة إلى إصدار أمر رسمي أو المثول أمام المحاكم، وحرم هذا القانون نشر أي كلام أو تصريح لشخص يكون تحت الحظر السياسي (58) وجاء قانون التخريب وحيازة السلاح غير المرخص، حتى تتمكن الحكومة من منع وسد الطريق أمام أي مقاومة مسلحة أو محاولات تخريبية تقوم بها الحركات الوطنية المحظورة. وبموجب تلك القوانين تحولت جنوب أفريقيا إلى دولة بوليسية وأصبحت وسائلها القمعية أكثر وحشية (59).
وفي الوقت الذي بدأت فيه جنوب أفريقيا تشهد تطوراً اقتصادياً ملحوظاً أدى إلى حدوث تغييرات في مفهوم التنمية المنفصلة، استمرت حركات المقاومة بتنفيذ الإضرابات التي غطت أجزاء كبيرة من البلاد، وأحدثت شللاً تاماً في حركة المناجم والمصانع بصورة أجبرت الحكومة لأن تستجيب لبعض مطالب العمال السود، وذلك بزيادة الأجور، وإتاحة الفرص لبعض السود للعمل في الوظائف المتقدمة، ورفع القيود عن التدريب واكتساب المهارات. وسمحت أيضاً للعمال السود بتكوين اتحادات خاصة بهم، وكفلت لأول مرة حق الإضراب في أضيق حدوده (60).
وفي بداية السبعينات برزت الذاتية الأفريقية فبجانب الكفاح المسلح والإضرابات التي قادتها الحركات العمالية واتحادات العمال، نجد أن دور الشباب والطلاب والنساء بدأ يظهر بجلاء ويدعم من المقاومة فظهرت في ذلك الوقت حركة الوعي السوداء، التي عملت على إعادة الثقة في نفوس السود، حيث شملت المظاهرات والإضرابات معظم المدارس بصورة لم يسبق لها مثيل، وقد وحدت الجهود هذه المرة تحت لواء الجبهة الديمقراطية المتحدة لتشمل كل العناصر المناهضة للتفرقة العنصرية من بيض وملونين وهنود وأفريقيين. وقد كان للجبهة الديمقراطية نفوذ واسع في جنوب أفريقيا إذ ضمت تحت مظلتها ما يزيد عن ستمائة منظمة مناهضة لسياسة التفرقة العنصرية (61).
والجدير بالذكر أن المظاهرات والاحتجاجات وحالات العنف السياسي المستمرة والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء كافة القوانين العنصرية التي تكبل الحريات قد استمرت. مقابل كل ذلك قامت الحكومة بإجراء تحولات أيديولوجية في سياسة التفرقة العنصرية؛ فقامت بإلغاء قوانين الزواج المختلط في عام 1985 وطرحت في عام 1986 برنامجاً أوضحت فيه إيمانها وحرصها على المساواة والحرية لكل السكان، ومنحهم الحقوق المتساوية أمام القضاء، وإشراك جميع العناصر في مناقشة الإصلاحات المقترحة(62).
بالرغم من تلك الإصلاحات واصلت الحركات الوطنية ضغطها بقيام المظاهرات والإضرابات وبلغت حالة العنف السياسي مستوى لم تشهده جنوب أفريقيا من قبل وقد شاركت فيه كل قطاعات المجتمع. وعلى الرغم من محاولة الحكومة فرض سيطرتها على الأوضاع وإعلانها لحالة الطوارئ؛ فقد تواصل النضال وتزامن كل ذلك مع ازدياد الضغوط الدولية والمطالبة المستمرة بإلغاء سياسة التفرقة العنصرية، كما نجد أن العديد من الشركات الأجنبية سحبت أعمالها من داخل جنوب أفريقيا (63) وفي ذات الوقت استمرت الضغوط الداخلية وطالبت النقابات بزيادة الأجور بنسبة ثلاثين في المائة ومنح العمال بدل خطر وتعويضات وفاة، وإجازة سنوية مدتها شهر على الأقل (64).
حاولت الحكومة العنصرية فك ذلك الحصار بإصدارها لقرار يقضي بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، خاصة عندما انتخبت حكومة جديدة في عام 1989 بقيادة دوكليرك الذي أعلن عن التزامه بالعمل على حل مشاكل جنوب أفريقيا من خلال الحوار فكانت النتيجة إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين على رأسهم نلسون منديلا، ورفع الحظر عن الحركات السياسية المحظورة والسماح للسود بممارسة النشاط السياسي دون أي قيود.
قام برلمان جنوب أفريقيا في عام 1990 بالإعلان عن إلغاء قوانين التفرقة العنصرية، وتم إقرار الدستور الانتقالي الذي تمثلت أهم ملامحه في اتخاذ الحكم الذاتي الإقليمي الموسع أساساًَ لإدارة البلاد، وإنشاء مجلس نيابي وآخر للشيوخ. وبالفعل وفي السابع والعشرين من أبريل عام 1994 أعلن عن قيام الانتخابات العامة التي أحرز فيها المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبية ساحقة أهلته لتشكيل الحكومة بقيادة نلسون منديلا.
هكذا انتهت سياسة التفرقة العنصرية التي استمرت لمدة تزيد عن الثلاثة قرون والتي أثبت فيها الأفريقيون قدرتهم على الصمود والتحدي لتلك السياسات، إلى أن نجحوا في نهاية المطاف في إجبار البيض على التخلي عنها وقيام انتخابات ديمقراطية حرة لتعلن عن نلسون مانديلا كأول رئيس من غير البيض يتولى ذلك المنصب.





(1)Gail M. Gerhart, Black Power in South Africa, the Evolution of an Ideology, (University of California Press, London 1978) p. 14.
(2) جديون وير، تاريخ جنوب إفريقيا، ترجمة عبدالله الشيخ، (دار المريخ للنشر، الرياض 1986)، ص 16.
(3) Edgar H. Brookes: “False Gods” in: Hildegarde Spottiswoode, South Africa, The Road Ahead, Compiled, (Haward Tmmins, Cape Town, 1960), p. 37.
(4) H. F. Sampson, The Principle of Apartheid, (Voortrekker Press, Johannesburg, 1966), p. 65; Susan Rennie Rinter,”The Dutch Reformed Church and Apartheid”, Journal of Contemporary History, Vol. 2, No. 4, Church and Politics (Oct., 1967), pp.17-37.
(5) الجويبينية فلسفة تقوم على النزعة العنصرية وتشبه إلى حد كبير أفكار اليهود التي تتمثل في زعمهم بأنهم شعب الله المختار، ولعل الافكار النازية التي تقوم على فكرة نقاء العنصر الآري إستمدت جذورها من هذه الفلسفة التي ترجع إلى العالم الفرنسي (الكونت جوزيف آرثر دي جوبينو).
(6) George Jabbour, Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East, (Publication Books No. 30, Beirut 1970) p. 20.
(7) Steve Biko, I write What I Like, (Heinemann, Oxford, 1978), p. 99; James leatt, Theo Knefel et al, contending ideologies in South Africa,(David Philip, Cape Town 1986) p.105; Kogila Moodley’” The Continued Impact of Black Consciousness in South Africa” The Journal of Modern African Studies, Vol. 29, No.2 (Jun., 1991) pp. 237-251.
(8) Sampson, The Principle of Apartheid, p. 21
(9) Gorge Jabbour, Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East, (Publications Books No.30, Beirut, 1970), p.20.
(10) Alex Hepple, South Africa, p. 14.
(11) Abdulkader Tayoub, Islamic resurgence in South Africa, (UCT Press, Cape Town 1995) p. 39.
(12) Robert Gayet, A History of South Africa, p. 39.
(13) N J Rhodie and H J Venter, Apartheid a socio-historical exposition of the origin and development of the Apartheid, (HAUM, Cape Town 1959) p. 57.
(14) Robert Gayet, A History of South Africa, p 81.
(15) Colin Collins and Marget Legum, South Africa in Crisis of the West, (Pall Mall Press, London 1963) p 11. Paul Rich,”The Origins of Apartheid Ideology:The Case of Ernest Stubbs and Transvaal Native Administration,c.1902-1932” African Affairs, Vol. 79, No. 315 (Apr.,1980), pp.171-194.
(16) جديون وير، تاريخ جنوب أفريقيا، ص 180.
(17) Robert Ross, A Concise History of South Africa, p 14.
(18) L E Neame, The History of Apartheid, the Story of the Colour War in South Africa, (Pall Mall Press, London 1961) p 9; A. J. Christopher, “Segregation Levels in South African Cities, 1911-1985” The International Journal of African Historical Studies, Vol. 25, No. 3 (1992) 561-582.
(19) Rose Marry Mulhlland, South Africa 1948-1994, (Cambrige University Press, 1997) p 8.
(20) N J Rhoodie, Apartheid, p 208.
(21) Ineiz Smith Reid, "African Nationalism, A contemporary Analisis" Southern African in Perspective, (The Free Press, New York 1972) Pp 19-30.
(22) E S Sachs, The Anatomy of Apartheid, (Publishers ltd. London 1965) p. 114.
(23) Ibid, p. 114.
(24) Rosemary, South Africa 1948-1994, p. 10.
(25) جديون وير، تاريخ جنوب أفريقيا، ص 182.
(26) Tomas G Karis, "Black Politics: The Road to Revolution" in Mark A. Uhlig, Apartheid in Crises, (Penguim Book, New York 1986) p 113.
(27) Hermann Giliamee and Lawrence S. From Apartheid to Nation Building, (Oxford University press, Cape Town 1989) p 40.
(28) ibid, p 63.
(29) عبد العزيز كامل، "قضية التفرقة العنصرية وآثارها الدولية" السياسة الدولية، (العدد السابع، يناير 1967) ص 109.
(30) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa 1948-1949, (Ravan Press, Johannesburg, 1949) p 29.
(31) E. S Sachs, The Anatomy of apartheid, (Publisher Ltd., London 1965) p. 393.
(32) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1949-1950, (Ravan Press, Johannesburg, 1950) p 24.
(33) ibid. p 24.
(34) Ibid. p 6.
(35) ibid, p 6.
(36) ibid, p 11.
(37) Sached Skotaville, Freedom from Below: the Struggle for Trade Unions in South Africa, (Skotaville publishers, Johannesburg 1989) p 15.
(38) SAIRR, A Survey of Race relations, 1950-1951, p 9.
(39) ibid, p 10.
(40) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1952-1953, (Ravan Press, Johannesburg, 1953) p 33.
(41) Ibid, p 37.
(42) Ibid, p 38.
(43) بول برنتيل، أطفال سويتو، ترجمة أحمد يعقوب (مركز البحوث والدراسات الافريقية، سبها ب.ت) ص 209.
(44) نلسون مانديلا، رحلتي الطويلة من أجل الحرية، ص 167.

(45) Steven Friedman, “The Black trade Union Movements" in Mark A. Uhlig, Apartheid in Crises, (Penguin Book, New York 1986) p 167.
(46) Robert Gayet, a History of South Africa, p 307.
(47) ibid, p 308.
(48) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1958-1959, (Ravan Press, Johannesburg, 1959) p 47.
(49) ibid, p.49.

(50) N J Rhoodie, Apartheid and Racial Partnership in Southern Africa, (Academica, Pretoria 1969) p 26.
(51) ERIC, Sharpeville, (Academica, Cape Town 1985) p 4.
(52) وزارة الخارجية (السودان) أفريقيا، ملف مقاطعة جنوب إفريقيا،5/108/26 تقرير عن تطورات الوضع في جنوب إفريقيا، ص 205.
(53) وزارة الخارجية (السودان) أفريقيا، ملف جنوب إفريقيا،5/103/250 تقرير عن مقاطعة جنوب إفريقيا، ص 205.
(54) جيمس آدمز، التحالف الشاذ بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، ترجمة طارق الزبيدي (دار الشئون الثقافية، بيروت 1986) ص 162.
(55) Robert Gayet, AHistory of South Africa, p 320.
(56) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1963, (Ravan Press, Johannesburg, 1964) p 80.
(57) نلسون مانديلا، رحلتي الطويلة من أجل الحرية، ص 297.
(58) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1963, p 85.
(59) Omer Cooper, "History of South Africa" Africa South of the Sahara 1991, (Europea Publications limited, London 1991) p 917.
(60) ibid, p 918.
(61) MCH76 - UNITED Democratic Front (UDF) 1983 – 1991; Don Foster, Detention and Torture in South Africa, (David Philip, cape Town 1987) p 23; see also David Howarth,” Complexities of Identity/ Difference: Black Consciousness”, Journal of Political Ideologies, Vol. 2, Issue 1, (Feb. 1997) pp 41-69.
(62) عبد الله الأشعل، جنوب أفريقيا والنظام الدولي الجديد" مجلة مركز الدراسات الإستراتيجية، (الإهرام للنشر، القاهرة 1992) ص 80.
(63) وزارة الخارجية (السودان) أفريقي، ملف جنوب إفريقيا،5/100/247 تقرير من الإدارة الأفريقية عن التطورات في جنوب إفريقيا، ص 205.
(64) نلسون مانديلا، رحلتي الطويلة من أجل الحرية، ص 490.

المصادر والمراجع:
العربية:
(1) بول برنتيل، أطفال سويتو، ترجمة أحمد يعقوب (مركز البحوث والدراسات الإفريقية، سبها ب.ت).
(2) جديون وير، تاريخ جنوب إفريقيا، ترجمة عبدالله الشيخ، (دار المريخ للنشر، الرياض 1986).
(3) جيمس آدمز، التحالف الشاذ بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، ترجمة طارق الزبيدي (دار الشئون الثقافية، بيروت 1986).
(4) عبد الله الأشعل، جنوب أفريقيا والنظام الدولي الجديد" مجلة مركز الدراسات الإستراتيجية، (الأهرام للنشر، القاهرة 1992)
(5) عبد العزيز كامل، "قضية التفرقة العنصرية وآثارها الدولية" السياسة الدولية، (العدد السابع، يناير 1967).
(6) وزارة الخارجية (السودان) أفريقيا، ملف مقاطعة جنوب إفريقيا،5/108/26 تقرير عن تطورات الوضع في جنوب إفريقيا.
(7) وزارة الخارجية (السودان) أفريقيا، ملف جنوب إفريقيا،5/103/250 تقرير عن مقاطعة جنوب إفريقيا، ص 205.
(8) وزارة الخارجية (السودان) أفريقي، ملف جنوب إفريقيا،5/100/247 تقرير من الإدارة الأفريقية عن التطورات في جنوب إفريقيا

الإنجليزية:

(1) Abdulkader Tayoub, Islamic resurgence in South Africa, (UCT Press, Cape Town 1995)
(2) A. J. Christopher, “Segregation Levels in South African Cities, 1911-1985” The International Journal of African Historical Studies, Vol. 25, No. 3 (1992) 561-582.
(3) Colin Collins and Marget Legum, South Africa in Crisis of the West, (Pall Mall Press, London 1963).
(4) David Howarth,” Complexities of Identity/ Difference: Black Consciousness”,Journal of Political Ideologies, Vol. 2, Issue 1, (Feb. 1997) pp 41-69.
(5) Edgar H. Brookes: “False Gods” in: Hildegarde Spottiswoode, South Africa, The Road Ahead, Compiled (Haward Tmmins, Cape Town, 1960).
(6) ERIC, Sharpeville, (Academica, Cape Town 1985).
(7) E. S Sachs, The Anatomy of apartheid, (Publisher Ltd., London 1965).
(8) Gail M. Gerhart, Black Power in South Africa, the Evolution of an Ideology, (University of California Press, London 1978).
(9) Gorge Jabbour, Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East, (Publications Books No.30, Beirut, 1970)
(10) James leatt, Theo Knefel et al, contending ideologies in South Africa,(David Philip, Cape Town 1986) p.105;
(11) Hermann Giliamee and Lawrence S. From Apartheid to Nation Building, (Oxford University press, Cape Town 1989)
(12)H. F. Sampson, The Principle of Apartheid, (Voortrekker Press, Johannesburg, 1966).
(13) Ineiz Smith Reid, "African Nationalism, A contemporary Analisis" Southern African in Perspective, (The Free Press, New York 1972).
(14) Kogila Moodley’” The Continued Impact of Black Consciousness in South Africa” The Journal of Modern African Studies, Vol. 29, No.2 (Jun., 1991) pp. 237-251.

(15) L E Neame, The History of Apartheid, the Story of the Colour War in South Africa, (Pall Mall Press, London 1961).
Mark A. Uhlig, Apartheid in Crises, (Penguim Book, New York 1986).
(16) N J Rhodie and H J Venter, Apartheid a socio-historical exposition of the origin and development of the Apartheid, (HAUM, Cape Town 1959).
(17) Omer Cooper, "History of South Africa" Africa South of the Sahara 1991, (Europea Publications limited, London 1991).
(18) Paul Rich,”The Origins of Apartheid Ideology:The Case of Ernest Stubbs and Transvaal Native Administration,c.1902-1932” African Affairs, Vol. 79, No. 315 (Apr.,1980), pp.171-194.
(19) Rose Marry Mulhlland, South Africa 1948-1994, (Cambrige University Press, 1997).
(20) Sached Skotaville, Freedom from Below: the Struggle for Trade Unions in South Africa, (Skotaville publishers, Johannesburg 1989).
(21) SAIRR, A Survey of Race relations in South Africa1963-1990, (Ravan Press, Johannesburg).
(22) Susan Rennie Rinter,”The Dutch Reformed Church and Apartheid”, Journal of Contemporary History, Vol. 2, No. 4, Church and Politics (Oct., 1967), pp.17-37.
(23) Steve Biko, I write What I Like, (Heinemann, Oxford, 1978).
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لسياسة, أفريقيا, التاريخي, التفرقة, التطور, العنصرية, جنوب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع التطور التاريخي لسياسة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا 1652-1990
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماهية الدراسات المستقبلية.. التطور التاريخي للتفكير نحو المستقبل Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 11-25-2016 03:15 PM
قراءة في التطور التاريخي لنظرية صدام الحضارات Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 01-15-2016 08:50 AM
إشكالية التحولات السياسية في اليمن .. الفرص والتحديات 1990 / 2012 Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 07-02-2015 11:33 AM
علماء جنوب أفريقيا يطورون أول ليزر رقمي في العالم عبدالناصر محمود علوم وتكنولوجيا 0 09-25-2013 07:17 AM
كايب تاون .. رحلة في عالم جنوب أفريقيا الملون . يقيني بالله يقيني الصور والتصاميم 9 04-21-2012 08:52 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:21 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59