#1  
قديم 11-11-2012, 01:41 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي آراء حول قيام الدولة العثمانية


حمل المرجع كاملاً من المرفقات







د. أنعم محمد عثمان الكباشي
أستاذ مساعد. قسم التاريخ. كلية الآداب. جامعة الخرطوم

مستخلص: تحاول هذه الدراسة أن تبحث في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لعبت دورا كبيرا في قيام الدولة العثمانية. وتركز بصورة كبيرة على العامل السياسي المتمثل في تفكك دولة السلاجقة نتيجة للهجمات المتتالية من طرف المغول، حيث قادت هذه الهجمات إلى ظهور كيانات سياسية جديدة متمثلة في الإمارات التركمانية. وتعتبر الإمارة العثمانية هي أهم هذه الإمارات على الإطلاق. وإثر ذلك تتناول الدراسة الإمارة العثمانية بشيء من التفصيل، وذلك من خلال التطرق إلى شخصية "عثمان" مؤسس الدولة، ودلالات مصطلح "عثماني"، والموقع الجغرافي ودوره الكبير في ظهور العثمانيين، وأخيرا تتعرض الدراسة إلى "أورخان" باعتباره يمثل الشخصية الثانية للعثمانيين في مرحلة الإمارة.

مقدمة:
يرتبط قيام الدول بصورة عامة بوجود بعض العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من العوامل. غير أن قيام هذه الدول لا تحدده العوامل المذكورة بصورة مباشرة وإنما التغيرات التي طرأت على هذه العوامل. وذلك لأن ثبات هذه العوامل لا يقود بالضرورة إلى إحداث تغيير سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك. بمعنى آخر فإن حدوث مجموعة من التغيرات في أحد هذه العوامل أو فيها كلها يقود بطبيعة الحال إلى تحول كبير في النمط الموجود. وقد يشمل هذا التحول بعض من جوانب الحياة أو كلها، وذلك حسب نسبة التحول.
رغم الروايات الشعبية التي تتناول قيام الدولة العثمانية إلا أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها منطقة الأناضول في القرن الثالث عشر الميلادي لعبت دورا كبيرا في ظهور الأسرة العثمانية على مسرح الأحداث. ولعل من أهم هذه التحولات الضعف الذي اعترى الدولة السلجوقية نتيجة لهجمات المغول التي قادت في نهاية الأمر إلى زوال هذه الدولة وظهور كيانات سياسية جديدة في الجزء الغربي من الأناضول على حدود الإمبراطورية البيزنطية.
إن ظهور هذه الكيانات السياسية الجديدة المتمثلة في الإمارات التركمانية قادت بدورها إلى إحداث تغيير جوهري في نمط الاقتصاد الذي كان سائدا لدى السلاجقة، حيث أصبحت هذه الإمارات وبصفة خاصة الإمارة العثمانية تعتمد في اقتصادها على ما تقوم به من حركات غزو وجهاد ضد الدولة البيزنطية. وبالتالي لم تكن في تلك الفترة تملك اقتصادا يقوم على أساس حياة الاستقرار. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه الإمارات كانت في جوهرها إمارات ذات طابع بدوي لا يعرف الاستقرار. وسوف لن يتغير هذا الوضع كثيرا إلا في فترات لاحقة، حيث سوف يتجه العثمانيون على سبيل المثال إلى التوفيق ما بين الاقتصاد الذي يعتمد على الغنائم والاقتصاد الذي يقوم على أساس الزراعة والتجارة والضرائب وغيرها.


الدولة السلجوقية:
شهد القرن الثالث عشر الميلادي وبصفة خاصة النصف الثاني منه البداية الحقيقية لتفكك الدولة السلجوقية. وتمثل الهجمات المغولية على السلاجقة العامل الأساسي لهذا التفكك. وكان المغول قد تمكنوا من تحقيق انتصارات مؤثرة على السلاجقة لعل من أشهرها انتصارهم في عام 12431. ولقد أدى التفوق المغولي إلى بسط سيطرتهم على وسط الأناضول وشرقه. وبالتالي أصبح المغول هم الحكام الفعليين لتلك المنطقة. وفي الوقت قاد هذا الأمر إلى ضعف السلطة المركزية للدولة السلجوقية من جهة وتنامي القوة العسكرية والسياسية للمغول من جهة أخرى. وسوف نلاحظ أن هذا الوضع سوف يقود إلى ظهور واقع سياسي جديد تتشكل فيه أهم ملامح الفترة التي تعقب الانهيار التام لدولة السلاجقة.
غير أنه يجب أن نذكر أن هجمات المغول أدت بصورة أو بأخرى دورا مهما في التطورات السياسية المتمثلة في ظهور كيانات سياسية جديدة في منطقة غرب الأناضول في حدود النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن هجمات المغول هذه التي لعبت دورا رئيسيا في انهيار دولة السلاجقة تعتبر أحد أهم الأسباب التي مهدت الطريق لقيام الدولة العثمانية. وذلك لأن العثمانيين استفادوا بشكل كبير من حالة الضعف السياسي والعسكري الذي كانت تعيش فيه الدولة السلجوقية. لذا عملوا على الاستفادة من هذا الوضع من أجل تأسيس إمارتهم الناشئة. ومن جانب آخر استغلت الإمارة العثمانية ضعف السلطة المركزية للإمبراطورية البيزنطية حيث عملت على التوسع داخل أراضي هذه الإمبراطورية بشكل تدريجي واستراتيجي.
لقد أسس هذا الواقع السياسي الجديد في منطقة الأناضول الأرضية الثابتة التي انتقل منها العثمانيون من مرحلة الإمارة إلى مرحلة الدولة ومن ثم مرحلة الإمبراطورية العالمية التي حكمت أجزاء كبيرة من قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا.

الإمارات التركمانية:
في الوقت الذي بدأت فيه الدولة السلجوقية في التفكك والانهيار بدأت تظهر بعض الكيانات السياسية في مناطق الحدود. وتتمثل هذه الكيانات في الإمارات التركمانية المختلفة. والجدير بالذكر أنه كانت توجد هناك هجرات كبيرة لجماعات تركمانية من المناطق الداخلية لآسيا الوسطى في القرن الحادي عشر، أي في الفترة التي كانت فيها الدولة السلجوقية في طور التأسيس. وعندما كانت القوة السياسية لدولة السلاجقة في تنامي واضح عملت هذه الدولة على دفع الجماعات التركمانية –التي كانت ذات طابع شبه بدوي- إلى الاستقرار في المناطق الحدودية وذلك حتى لا يؤدي استقرارها في المناطق الداخلية للدولة إلى الإخلال بالأمن والنظام2.
إن هذا الوضع يعكس لنا الإستراتيجية التي تبنتها الدولة السلجوقية في التعامل مع هذه الجماعات التركمانية المهاجرة، وهي الإستراتيجية المتمثلة في إبعاد هؤلاء المهاجرين إلى أطراف الدولة باعتبار أن هذه العناصر تعتبر عناصر غير متحضرة وبالتالي فإن وجودها وسط السلاجقة سوف يكون له نتائج وخيمة على كيان الدولة واستقرارها. ورغم أن هذه السياسة تعتبر في ظاهرها سياسة حكيمة من طرف الدولة السلجوقية إلا أنها قادت فيما بعد إلى أن تتحرك هذه الجماعات التركمانية بكل حرية في منطقة الحدود، وذلك على أساس أن الدولة بصورة عامة لا تركز جهدها على المناطق البعيدة عن سلطتها المركزية.
ولقد تمثلت نتيجة ذلك في تمكن هذه العناصر المهاجرة من تأسيس كيانات سياسية خاصة بها مستقلة أو شبه مستقلة عن سلطة الدولة السلجوقية. ومع مرور الزمن أصبح هؤلاء التركمان يقومون بشن الهجمات المتتالية على أراضي الدولة البيزنطية من أجل دعم اقتصادهم بواسطة ما يحصلون عليه من غنائم. وهكذا نلاحظ أن الدولة السلجوقية ساعدت بطريقة غير مباشرة في تغيير الملامح السياسية لمنطقة غرب الأناضول لتتحول هذه المنطقة عبر الأيام إلى منطقة تعج بالإمارات التركمانية والتي تكونت كما ذكرنا نتيجة لسياسة الدولة السلجوقية القائمة على دفع جماعات التركمان المهاجرة من أواسط آسيا إلى مناطق التخوم الهامشية. وكانت النتيجة غير المتوقع للسلاجقة هي أن تتمكن هذه الجماعات شبه البدوية من تشكيل إمارات أصبحت بمرور الزمن تتمتع بقوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها. وقد كانت الإمارة العثمانية واحدة من هذه الإمارات التركمانية التي كانت بلا شك نتيجة طبيعية لهذا الوضع السياسي المضطرب في منطقة غرب الأناضول.
إن الضرورة تقتضي تناول بعض من هذه الإمارات باعتبارها تمثل نموذجا للتطور السياسي الذي حدث في الفترة المشار إليها. ولعل من أهم هذه الإمارات التركمانية إمارة "قرمان". وهي من الإمارات التركمانية التي لا يمكن لأي باحث أن يتجاهلها عندما يتطرق إلى منطقة غرب الأناضول في القرن الثالث عشر الميلادي. إن إمارة "قرمان" تنسب إلى عشيرة "أفشار" وهي من عشائر "الأوغوز". وقد أصبحت هذه الإمارة تتوسع بكامل الحرية بعد ضعف سلطة الدولة السلجوقية نتيجة للضربات القوية التي تلقتها من المغول3. بل نجد أن هذه الإمارة ادعت أنها الوريث الشرعي للسلاجقة. وبناء على هذا الاعتقاد قامت الإمارة بالاستيلاء على حاضرة الدولة السلجوقية مدينة "قونيه"4.
ومن المعروف أن إمارة "قرمان" تعتبر أكثر الإمارات التركمانية التي استمرت فترة زمنية طويلة5. بل لعلها آخر الإمارات التي دخلت في طاعة الدولة العثمانية. وذلك لأن قوة هذه الإمارة مكنتها من مقاومة العثمانيين فترة طويلة للغاية تمتد من طور الإمارة أي الربع الأخير من القرن الثالث عشر إلى الفترة التي وصل فيها العثمانيون إلى مرحلة الإمبراطورية وذلك في عهد السلطان محمد الفاتح (1451-1481)، ففي هذه الفترة وبالتحديد في عام 1468 تمكنت الدولة العثمانية من القضاء على إمارة "قرمان". بيد أن مقاومة هذه الإمارة لم تنته بهزيمتها على يد العثمانيين بل استمرت حتى عام 1474، وهو العام الذي أرسل فيه العثمانيون حملة إلى جبال طوروس حيث تم القضاء على الجيوب القرمانية6. وهكذا تمثل إمارة "قرمان" نموذجا حيا لطبيعة الإمارات التركمانية التي تشكلت في منطقة غرب الأناضول.
أما إمارة "جرميان" فقد تأسست في عام 1300، وكان مركزها في مدينة "كوتاهيه". وقد دخلت تحت السيطرة العثمانية في عام 14277، أي في فترة حكم السلطان "مراد الثاني". ومما لاشك فيه فإن إمارة "جرميان" تعتبر الإمارة الوحيدة من بين الإمارات التركمانية التي نافست إمارة "قرمان" في الربع الأخير من القرن الثالث عشر. ويعكس لنا هذا الأمر مدى القوة التي كانت تتمتع بها إمارة "جرميان" بالنظر إلى الإمارات الأخرى. غير أن تقسيم أراضي هذه الإمارة بين أفراد العائلة أدى إلى إضعافها بشكل كبير للغاية8. ومن الإمارات التركمانية الأخرى نجد كذلك إمارة "حميد" التي كان يوجد مركزها في مدينة "أنطاليا". ونجد أيضا إمارة "منتشا" التي تشكلت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. وقد كان نشاط هذه الإمارة نشاطا بحريا، أي بمعنى تعتمد في غاراتها على الأعداء على البحر وليس البر. ومن ضمن هذه الإمارات التي كانت تعيش على هذا الأسلوب إمارة "صاروخان" التي تميزت بغزواتها وغاراتها البحرية. وقد تمكنت هذه الإمارة من الاستيلاء على مناطق مثل "مانيسا" و"آق حصار" و"دميرجي" وغيرها من المناطق9.
ومن جهة أخرى تعتبر كل من إمارة "قاره سي" التي تأسست في أواخر القرن الثالث عشر في "بالي كسير وفي رواية أخرى في بداية القرن الرابع عشر، وكذلك إمارة "آيدين" التي تأسست في منطقة "ليديا القديمة"10 من أهم الإمارات التركمانية على الاطلاق. وفي الوقت نفسه فإن إمارة "جاندر" التي كانت توجد في منطقة "سينوب" و"قسطموني" تعتبر من الإمارات المهمة أيضا. بيد أن هذه الأهمية لا تكتسبها من كونها إمارة تركمانية فحسب، بل تكتسب هذه الأهمية باعتبارها واحدة من أكثر الإمارات التركمانية التي كانت قريبة جدا من الناحية الجغرافية من قيام الدولة العثمانية، وذلك لأن الإمارة العثمانية عندما ظهرت على مسرح الأحداث لأول مرة كانت تقع في منطقة محصورة تتوسط أراضي إمارة "جرميان" وأراضي إمارة "جاندر"11. ولهذا السبب فإن خصوصية إمارة "جاندر" تأتي من كونها كانت مجاورة للإمارة العثمانية أكثر من أي شيء آخر.

الإمارة العثمانية:
كما ذكرنا ذلك سابقا فإن أراضي الإمارة العثمانية كانت تقع بين إمارة "جرميان" وإمارة "جاندر". وقد كانت هذه الإمارة في البداية عبارة عن إمارة صغيرة لا تملك القوة التي كانت تملكها بعض الإمارات التركمانية الأخرى المعاصرة مثل إمارتي "قرمان" و"جرميان". غير أن هذا الوضع سوف يختلف كثيرا في المستقبل القريب بحيث تصبح الإمارة العثمانية هي الإمارة التي تتبنى المشروع السياسي الجديد في منطقة التخوم غرب الأناضول. وسوف لن يقتصر هذا المشروع السياسي على منطقة الأناضول فقط بل سوف يمتد ليشمل أنحاء بعيدة للغاية من هذه المنطقة. وبموجب تنامي هذه القوة الناشئة سوف تتغير ملامح أجزاء واسعة من العالم. وسوف تكون لهذه التغييرات آثارا ملموسة على تاريخ العالم المعاصر خاصة في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
أما فيما يتعلق بقيام الدولة العثمانية فيمكن القول أن هناك روايات عديدة تتناول هذا الموضوع. بيد أن الرواية الأشهر تتلخص في أن هناك أحد الأشخاص يسمى "آرطغرل" اتجه في فترة زمنية غير محددة رفقة والده الذي كان يسمى "سليمان شاه" إلى منطقة آسيا الصغرى. وقد أقام "آرطغرل" هذا مع والده واثنين من إخوانه عدة سنوات في تلك المنطقة، ثم عادوا من بعد ذلك إلى بلادهم. غير أن الوالد "سليمان شاه" غرق وهو يحاول عبور نهر الفرات. وإثر ذلك توجه الأخوان إلى نحو "تركستان" بينما بقي "آرطغرل" في الأناضول مع أربعمائة خيمة. وقد قام "آرطغرل" بإرسال أحد أبنائه إلى السلطان السلجوقي "علاء الدين" من أجل أن يخصص له قطعة أرض له ولعشيرته. وبالفعل قام السلطان "علاء الدين" بمنح "آرطغرل" منطقة "سووط" وفي الوقت نفسه خصص له منطقتين أخريين كمراعي صيفية لماشيته12.
إذا أردنا أن نقوم بتحليل هذه الرواية نلاحظ أنها لا تذكر السبب الذي جعل "آرطغرل" وأخويه ووالدهم يهجرون وطنهم إلى آسيا الصغرى، فهي رواية لا توضح لنا هل كانت هذه الهجرة بحثا عن المراعي الخصبة؟ أم أنها كانت نتيجة لصراع داخلي أدى إلى هزيمة عشيرة "آرطغرل"؟ أم أن سبب الهجرة هو وقوع غزو خارجي؟ غير أن الراجح أن هذه الهجرة كانت بحثا عن المراعي الخصبة المتوفرة في منطقة آسيا الصغرى. ومما يزيد من قوة هذا الرأي هو أن الجماعات التركمانية بصورة عامة –بما في ذلك العشيرة التي تنتمي إليها الإمارة العثمانية- كانت جماعات شبه بدوية. ويعني هذا الأمر أنها جماعات غير مستقرة في مكان محدد، وأن العامل الرئيسي الذي يتحكم في استقرارها المؤقت هو المرعى الخصب. وعليه يبدو أن هجرة "آرطغرل" كانت نتيجة لقلة المراعي الخصبة في منطقة آسيا الوسطى.
ومن جهة أخرى لم تحدد الرواية السبب الذي أدى إلى قرار أسرة "آرطغرل" المتعلق بالعودة إلى الوطن الأم. بيد أنه إذا سلمنا بصحة الرأي الأول فإن المنطق يقول أن الأوضاع المناخية قد تحسنت في آسيا الوسطى، وتحولت من حالة الجفاف إلى الاخضرار مرة أخرى كما كانت في السابق. غير أن السؤال المهم في هذه النقطة هو لماذا قرر "آرطغرل" البقاء في الأناضول مع بعض أفراد العشيرة وعدم العودة مع أخويه إلى "تركستان"؟ من الصعوبة أن نجد إجابة محددة لهذا السؤال. إلا أن هناك بعض الاحتمالات التي يمكن أن نبينها على النحو التالي: ربما تأقلم "آرطغرل" على طبيعة منطقة الأناضول خلال الفترة التي قضاها فيها عقب هجرته من موطنه الأصلي. وبناء على ذلك لم يكن لديه الدافع القوي الذي يحفزه للعودة مرة أخرى لبلاده التي جاء منها. ومن المؤشرات التي تدعم صحة هذا الاحتمال هو أن "آرطغرل" طلب من السلطان السلجوقي "علاء الدين" منحه قطعة أرض لعشيرته. ومن المعروف أنه تقدم بهذا الطلب بعد عودة أخويه إلى "تركستان". فإذا لم يكن "آرطغرل" قد تأقلم على هذه المنطقة لما طلب من السلطان السلجوقي إعطائه هذه الأرض.
نجد كذلك من الأسباب التي يمكن أن نذكرها في هذا الموضوع هو أن "آرطغرل" لم يكن يملك أي ضمانات سياسية أو اقتصادية أو غيرها تجعله يعود إلى وطنه الأم. وذلك لأن حدوث الجفاف يعني بصورة مباشرة تناقص المراعي بشكل كبير. وربما يقود هذا الأمر بدوره إلى وقوع نزاعات بين العشائر المختلفة حول المراعي القليلة الباقية. لذا كان "آرطغرل" حريصا للغاية على المحافظة على كيان عشيرته من أي خطر اقتصادي ناتج عن قلة المراعي، أو من أي خطر سياسي يحدث نتيجة للنزاع حول المراعي أو نتيجة لتدخل من الخارج. وعليه فقد كانت رؤية "آرطغرل" تتمثل في إبعاد هذه المخاطر عن عشيرته. ولهذا السبب ربما وجد في منطقة آسيا الصغرى الملاذ الآمن له ولأفراد العشيرة.
ومن الاحتمالات أيضا ذلك الاحتمال الذي يتعلق بفكر "آرطغرل" والذي يتمثل في الانتقال بعشيرته من نمط التنقل والبداوة إلى نمط الاستقرار والتحضر. وقد كانت منطقة آسيا الصغرى تمثل له المناخ الملائم الذي يمكنه من تحقيق هذا الهدف. وتمثل قطعة الأرض التي طلبها "آرطغرل" من السلطان "علاء الدين" النواة الأولى في حياة الاستقرار والتحضر التي ينشدها.وسوف تتشكل ملامح هذا الاستقرار بشكل واضح في عهد مؤسس الدولة العثمانية "عثمان بن آرطغرل". وبعد تناول هذه الاحتمالات الثلاثة يتضح لنا أنها يمكن أن تكون مكملة لبعضها البعض وإن كنا نعتقد أن الاحتمال الثالث هو الراجح باعتبار أن هذا الاستقرار الذي عاشته عشيرة "آرطغرل" في تلك الفترة المبكرة أدى في نهاية الأمر إلى قيام واحدة من أعظم الدول في تاريخ العالمي من حيث مداها الزمني الممتد من الربع الأخير من القرن الثالث عشر إلى الربع الأول من القرن العشرين. وكذلك من حيث تمكنها من حكم مناطق وشعوب متباينة في مختلف أنحاء العالم.
عثمان وتأسيس الإمارة:
تنسب الدولة العثمانية إلى عشيرة "قايى"13 من الأوغوز14. أما مؤسسها فهو "عثمان بك" الذي أخذت الدولة اسمها منه. غير أنه من الصعوبة أن نحدد تاريخا بعينه حول الفترة التي ظهر فيها "عثمان بك". ويعود السبب الأساسي في ذلك إلى عدم توفر المصادر المعاصرة لهذه الفترة. لقد أدى هذا الافتقار إلى المصادر المعاصرة إلى عدم الإلمام بالظروف والملابسات التي أدت في نهاية الأمر إلى ظهور مؤسس الدولة العثمانية على مسرح الأحداث15. ومن الملاحظ أن المصادر الأساسية لهذه الفترة تتمثل في الروايات الشفهية. بيد أن هذه الروايات –وكما هو معلوم- تحتاج إلى تنقية دقيقة للغاية من أجل الوصول إلى ما هو صحيح منها. وفي حالة أن تتم هذه التنقية بشكل علمي سليم يمكن حينئذ تلمس أولى خطوات تشكل الإمارة العثمانية.
ومن الضروري أن نوضح هنا أن عملية هذه التنقية لا يمكن أن تتم على نحو منطقي وعلمي إلا إذا توفرت مصادر أخرى معاصرة يمكن الاعتماد عليها والثقة في المعلومات التي تضمنتها. وفي حالة ألا يتوفر هذا النوع من المصادر فسوف تكون هناك شبه استحالة في إجراء عملية التنقية المطلوبة. وطالما أن المصادر البديلة غير متاحة حتى الوقت الحالي فسوف يتم استعمال هذه الروايات الشفهية. غير أن المهم جدا لكل باحث في هذا الموضوع أن يقوم باستعمال هذه الروايات بشيء من الحذر، وذلك حتى لا يقع في أخطاء فادحة.
وبناء على ذلك يشير مضمون إحدى هذه الروايات إلى أن السلاجقة أصدروا في عام 1284م أمرا إلى "عثمان بك" بإدارة أراضي والده "آرطغرل". وتشير الأحداث اللاحقة إلى أن "عثمان" قام بتنفيذ هذا الأمر. بل تمكن في عام 1289م من زيادة رقعة هذه الأراضي لتشمل مناطق أخرى مهمة مثل "اسكي شهر" و"اينونو". وفي فترة لاحقة تمكن "عثمان" من ضم مجموعة من الأراضي لعل من أهمها "انوكل بليجيك" و"يار حصار" و"يني شهر" وغيرها من المناطق16.
ويمكن أن نستشف بعض المؤشرات من الأمر الصادر من طرف الدولة السلجوقية إلى "عثمان" في عام 1284. ولعل من أهم هذه المؤشرات على الإطلاق هو أن العثمانيين كانوا في تلك الفترة المبكرة من تاريخهم يخضعون إلى سلطة الدولة السلجوقية. ويعكس لنا هذا الأمر أن السلاجقة ورغم ضعف السلطة المركزية لدولتهم إلا أنهم كانوا يديرون بعض الإمارات التركمانية المنتشرة في منطقة غرب الأناضول. وقد كانت الإمارة العثمانية واحدة من هذه الإمارات التي لم تنفصل بشكل تام عن سلطة السلاجقة. غير أن هذا الوضع لا ينف أن هذه الإمارة كانت تتحرك بصورة شبه مستقلة. وقد تطور هذا الأمر ليصل إلى مرحلة الاستقلال التام عن السلاجقة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الدولة السلجوقية كانت قد وصلت إلى أقصى درجات انهيارها. ووفقا لذلك يمكن أن نتتبع مسار علاقة العثمانيين بالسلاجقة على النحو التالي:
مرحلة التابعية الفعلية ____________ عهد آرطغرل حتى بدايات عهد عثمان
مرحلة التابعية الاسمية ___________ جزء من عهد عثمان
مرحلة الاستقلال ____________ الجزء الأخير من عهد عثمان إلى عهد أورخان
ونجد من المؤشرات المهمة كذلك أن عام 1284م ربما كان يعني التاريخ الذي توفي فيه "آرطغرل" والد "عثمان". ولهذا السبب رأى السلاجقة أن أنسب من يخلف "آرطغرل" في إدارة أراضيه هو ابنه "عثمان". لذا صدر الأمر له بتولي مسؤولية الإشراف على المنطقة التي كان يسيطر عليها والده. وعلى هذا الأساس يمكن أن يمثل عام 1284م التاريخ الذي بدأ فيه "عثمان" الحكم. ووفقا لذلك يكون "عثمان" قد حكم حوالي أربعين سنة، وذلك باعتبار أنه توفي في عام 1324م. ومن جهة أخرى يمكن القول أن عشيرة "قايى" لم يكن لها أي يدور في اختيار زعيمها حتى عام 1284. بيد أن هذا الأمر يعتبر أمرا طبيعيا طالما أن الإمارة العثمانية كانت تابعة للسلاجقة حتى تلك الفترة.
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc آراء حول قيام الدولة العثمانية.doc‏ (334.5 كيلوبايت, المشاهدات 4)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
آراء, الدولة, العثمانية, يوم, قيام


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع آراء حول قيام الدولة العثمانية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدولة العثمانية دولة الإسلام والإنسانية. عبدو خليفة شذرات إسلامية 0 03-19-2017 09:22 PM
الجواهر المضيّة في أيام الدولة العثمانية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 12-13-2015 07:31 PM
دور الكنيسة في هدم الدولة العثمانية عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 1 02-25-2014 07:13 PM
الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية..من بداية الدولة النبوية حتى نهاية الدولة العثمانية Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 05-04-2012 01:09 PM
الدولة العثمانية المفتري عليها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 3 03-02-2012 07:01 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59