#1  
قديم 12-11-2012, 09:20 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي ظلال بعيدة للناس


الكاتب : جارالله الحميد - حائل

إنك ماتزالين تنظرين للناس من فوق! من الأعلى, كأن كل خلق الله هم كائنات متوحشة تحولت إلى أقزام مشوهة وقامات قميئة وفارغون. ضحكت بلا سبب ملح. وبالنظر بالاعتبار إلى ما أنطوي عليه من قدرات سحرية ورمزية وإلى شدة يقظتي وانتباهي فإنّ عليك عدم معاملة الناس جميعاً نفس المعاملة فلا تدرين من منهم سيرد عليك الرد الملائم والذي يتناسب مع العدوانية التي لا أعرف من عبأ بها دماغك!. كنت وصحبك ضيوفاً عابرين ككل ضيوفي.. تحاملت على جسدي المتهالك وأحضرت الدلّة وإبريق الشاي وطبقي التمر. وكلفت صديقاً بأن يوزعها عليكم. لأسـباب تتعلق بيدي اليمنى التي تعرضت لكسر فادح وبعد عمليات جراحية عدة تشوهت. وإن كنت أعمل بها حين أكون وحيداً. ولا أملك سوى تحيتك كما يليق بمقامك! ولست عاتباً والله فأنا منذ أربعين أو خمسة وأربعين عاماً كنت ميّالاً للوحدة وأقرأ تفكير الناس حولي وربما أزدريهم وربما تمنيت يوماً أن يموتوا جميعاً وأدفنهم وأبقى في العالم وحيداً. في أقصى درجات العزلة!. إن الصمت والاكتفاء بالاستماع لأصوات العابرين وسياراتهم المسرعة يزيد حال التوتر لدي. لذا أتشاغل عبثاً بتقليب كتاب أو تقليب محطات التلفزيون. ثم فجأة أقفز وأرتدي شماغي وحذائي وأتأكد من أن مفاتيحي معي وأخرج بعد أن أصفق بالباب الحديدي صفقة يسمعها كل أهل الحارة وحيناً يخرج أحدهم ويقف عند باب بيته وينظر إليّ وكأنه يقول ألا ترحم هذا الحديد إن لم تك تأبه بمشاعر الناس (ومشاعره تشمل جهازه السمعي الرقيق المعتاد على الهمس!) وأركب سيارتي فأغلق الباب على طرف ثوبي وشماغي وأعود لمعالجة الباب مزدحماً بالخجل من رجل بعيد ينظر إليّ وأحسّ أنه يقلب شفتيه اشمئزازاً.
إنني وحتى الآن متماسك إلى حدٍّ ما. فلم يحدث كثيراً أن أضعت الطريق أو قصدت محلاً لم يكن ضمن أجندتي. أفقد محفظتي ونظارتي وهاتفي الجوال عند بقالة ما. وأكتشف فقدانها حال دخولي غرفتي الواسعة الخالية وأكاد أتذكر نفس الدكان حيث فقدت أغراضي ولكنما يمنعني من العودة إليه أنه سيهزأ بي وبنظرة محدقة باستغراب سيكتشف أن مظهري لا يدلّ على أنني أخرج كثيراً وسيمازح أصدقاءه الليليين حولي مبتدئاً بأنه يعرف خِبْلاً يجيئه في الدكان ويمعن في تركيب الصورة الملائمة لرجل سينمائي بارع في عدم اهتمامه بمظهره ويفقد كلّ مرة شيئاً يخصه ولا يسأل –مجرد سؤال– عنها بالمرة القادمة.
وحين أمعن في السهر أمام البرامج التلفزيونية التافهة وأشرب إبريقاً ضخماً جداً من الشاي أنظر إلى الفراش المتربع بركن الغرفة جاهزاً لي. ثم أتخذ أصعب قرار يومي في عمري كله يتعلق بسؤال أتُرى أنام بسرعة أم أظل نهباً للقلق والوساوس وتأليف السيناريوهات؟! وأرفع رأسي للسماء مكرراً طلبي من الله أن يعينني على هذه الحياة.
لكنني أفاجأ أنني أستيقظ قبل أذان الظهر!
فهل يعني هذا أنني لم أنم؟!. هذا هو السؤال!
***
لم تكن ليلتي على ما يرام!. فقد شعرت في الظهيرة أن ثمة من يتلصص على أهم ما بداخلي! وهو فتى يظهر عليه إهمال المنظر، وهي عادة يسير عليها الفتيان العاطلون والمتسربون من المدارس، ويتعلمون معها حيلاً من قبيل التلصص على كمبيوترات أناس (محدّدين)! ويتعاونون مع الكسالى واللاهين من رجال دوريات المرور والأمن لقاء علبة سجائر أو عشر ريالات والأهم هو أنهم في حال تورطوا في خناقة أو حادث مروري يضمنون الواسطة. التفتت إليه بلمحة فخيّل إليّ أنني لمحت معه آلة تسجيل يخفيها بكفه وقرّرت أنها ليست كاميرا بل إنها جهاز متطور يحتوي آلة تسجيل وتصوير مستندات وأجهزة لتقليد الأصوات ووو!. وحين امتطيت الهيونداي التي تشبه غرفة من الصفيح! نسيته تماماً. قال لي الرجل الذي في داخلي ويكبرني بثلاثين عاماً إنك لو كنت غيفارا ما اهتم لك أحد! دعك من تكليف ولد صايع بتصويرك وثائقياً! ومررت بمحمد اليماني بائع الجوالات الذي كنت أرغب منه أن يشتري مني جوالي الصغير فيحاضر عليّ عن أهمية الجيل الثالث من نوكيا! وعندما يجدني قد شردت بعيداً يبدأ يعزّيني فتساورني رغبة -من رثاء لنفسي فكدت أبكي– وقلت له:
- يا بو حميد أنا الذي – كل الطيور إلى أوكارها رجعت فمتى يعود الطائر اليمني؟ - فصرخ بحب حقيقي:
- ينصر دينك يا عربي!
ومشيت منه قاصداً مكتبة النصر وميزة المكتبات بالنسبة لي أن لا أحد سيرغمني على الشراء!. وتسكعت فيها غير ملتفت للكتب بل كنت أحس باحتقار لنفسي. لم يزدد سوى شعور بالضياع داهمني كما يداهم نيويوركي اضطر أن يستلف سندوتش همبرجر! من دكان السندوتشات المجاور.
عدت للبيت!
وكنت أدندن (أطوّف ما أطوّف ثم آوي..) وختمتها أمام البيت قائلاً استعذ بالله يارجل واغفر للذين لا يعلمون!، وفتحت الباب ودخلت مسرعاً للغرفة ووضعت جسدي وضعية النائم وأنا أردد –النوم أصعب عليك من تقبيل كوعك أيها الرقم الزائد!! – وضحكت بقرف، بقرف لا متناه ومديد!
وطرق الباب ففتحت وإذا بولد يسألني :
- هل تعيرنا جوالك؟
- متأسف أنا لا أملك جوالاً!
وبعد أن ابتعد قليلاً التفت قائلاً وهو يخرج لسانه
- وهل تملك شيئاً غير الجوال؟
فازددت رثاء لنفسي. وقلت أشد من أزري (لا تهتم لهؤلاء التافهين. إياك!!)
وكنت أدندن إياك إيييااااكا!
***
ما دخلت قلبي سيدة إلا ومكثت فيه طويلاً ولا تخرج منه إلا بصعوبة وتكون الصعوبة متمظهرة عبر أعراض سيكوماتية –نفسجسمية– أولها أرق طويل ثم نوم كنوم أهل الكهف، نوم مفزع أفقد بسببه شهيتي وتتعطل غالب وظائفي الحيوية وأكون على شفا حلم بالموت أو السجن أو الجنون والأخير هو أكثرها رعباً ويفقدني توازني وأتمنى لو كنت في مدينة تصحو ليلاً لأمسك تلابيب شخص وأحكي له عن ذعري ثم أشعر بأن ما أشكو منه هو الجنون بعينه فمادام يطلق فيّ هذه المحفزّات السلبية فماذا أنتظر؟. وأقرر أن أحسم أمري! أقول للفراغ سأذهب للمستشفى غداً وأجبرهم على تنويمي! وأتذكر على الفور أنهم يطلبون منك في هذه الحال وليّ أمرك!. فمن هو وليّ أمري اللحظة؟ هل هو الشيطان الذي يعبث بمليارات الشرايين التي تكوّن مخي ومخيخي ومراكز الشعور عندي أم.. فلأذهب إلى –حسن فالح الفالح – فهو لا يخلو من مضادات للقلق وأنا رجل قلق بامتياز!
وكأنني سمعت من ردد (بامتياز!!) وتلفت باحثاً وأنا أعرف أنني لن أرى أحداً وعدت مكسور العين والخاطر. إن أسوأ ما أعاني منه هو أن خاطري مكسور حتى أنني أكاد أرى شقوق كسوره تتشظى. ومشكلتي الأهم أنني لا أبكي! كثير من معارفي نصحوني بالبكاء.
- إنه يغسل الروح والقلب من الأذى!
- أدري!
- إذن لمَ لا تبكي؟
- لا يطيعني قلب مجنون وعنيد!
وسريعاً أسمع يا الله لا نكون أشغلناك عن إذنك! فأرد بإتقان الردّ التقليدي والذي يحافظ عليه المجتمع بكل (شرائحه) محافظته على ألا يُجنّ!
***
يروي صديقنا وكبيرنا –مطلق الخليوي– أنه كان مرّة في القاهرة, وهو لا يتعبك بتذكّر التاريخ لأنه غالباً ما يكون هناك مادام ليس لديه دوام وهو ذو إجازات عديدة وطويلة, أنه بينما كان يسير ليلاً على كورنيش النيل متكئاً على ذاكرة تشبه ذاكرات نجيب محفوظ ويصفر أغنية الموسم لمحمد عبده ونسي أن يقول اسم الأغنية صادف رجلاً حجازياً كان يسأل ملهوفاً عن قسم الشرطة الأقرب بسبب اللهيب الذي يشعره يحترق منه. يقول ولما طمأنته سألته متعمداً أن أنزع الحرج:
- معاك العيلة ولا جاي لوحدك؟!
يقول فنظر إليّ ملياً واكفهر شارباه العريضان وقال:
- ياخوي يقولوا السؤال يقلّ المعرفة! يلله سلامو عليكم!
وانصرف.
وضحك مطلق حتى كاد يختفي لضآلته التي تبين للعيان! وقمنا باسترجاعه من بحر الضحك فعاد سالماً وقال:
- تشوفوا كيف؟ الدنيا بلاوي! ههههه
قلنا (إن عاد لضحكه وتبخر فقولوا علينا السلام!) وعلق زياد
- إنه خسارة كبرى!
وكلما حلّت بي خسارة أخرى تذكرت زياداً فهانت لدرجة إنني أغادر مكاناً خسرت فيه للتوّ خسارة مدويّة وأنا أبتسم!. مرة قال صديق إنني لا يمكن أن أتعرض لمرض نفسي! وأكمل:
- أنت عندك مناعة بس في ذاكرتك!
وقهقه الزملاء فاغتبط القائل أيما اغتباط.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
للناس, بعيدة, ظلال


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ظلال بعيدة للناس
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قل هي مواقيت للناس والحج عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 09-02-2016 07:27 AM
قول للناس إن سألوك عني مات جاسم داود أخبار ومختارات أدبية 0 11-20-2013 03:54 PM
خير الناس أنفعهم للناس جاسم داود شذرات إسلامية 0 01-17-2013 11:00 PM
خير الناس ..أنفعهم للناس صباح الورد الملتقى العام 2 10-14-2012 02:05 PM
هو كالشمس للدنيا وكالعافية للناس جاسم داود شذرات إسلامية 0 07-13-2012 11:23 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59