العودة   > >

مقالات وتحليلات مختارة مقالات ..تقارير صحفية .. تحليلات وآراء ، مقابلات صحفية منقولة من مختلف المصادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 07-24-2013, 02:45 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة هامان بين التوراة والقرآن


هامان بين التوراة والقرآن
ـــــــــــــ


الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أما بعد:

فإن مما امتنَّ الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم ما أطلعه عليه من أخبار الرسل - عليهم السلام، فقال تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 64] وقال تعالى: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْـحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].

ومن أعجب ما قصَّ القرآن العظيم ما كان من أمر موسى - عليه السلام - ودعوته لفرعون وقومه، فهي إلى ما فيها من مواعظ وعبر تَذْكُرُ من حقائق التاريخ ما لم يتكشَّف للباحثين إلا في القرن العشرين؛ من ذلك تفريق القرآن الكريم بين لقبي (الملك) في زمن يوسف - عليه السلام - ولقب (فرعون) في زمن موسى - عليه السلام، فإن ملوك مصر في زمن يوسف - عليه السلام - كانوا من الهكسوس لا المصريين، وكانوا يلقّبون بالملوك، بخلاف زمن موسى - عليه السلام.. ومن ذلك تفاصيل نهاية فرعون، وقصة التيه، ودخول بيت المقدس، وغيرها.

ورغم دقة القرآن الكريم في وصف رسالة موسى - عليه السلام - وما كان من أمره مع فرعون، إلا أن بعض المستشرقين من اليهود والنصارى لما وجدوا بعض ما جاء في قصة موسى - عليه السلام - في القرآن الكريم مخالفاً لما عندهم، جعلوا ما عندهم أصلاً وعدّوا ما سواه باطلاً، وما علموا أنهم إنما تعلقوا بقشة في مهب الريح.

ومن أشهر ما اعترض به المستشرقون على قصة موسى - عليه السلام - في القرآن الكريم، دعواهم أن «هامان» لم يكن معاصراً لفرعون، بل لم يكن من قوم فرعون أصلاً؛ وإنما كان وزيراً في البلاط الفارسي في عهد الملك أحَشْوِيرُوش، كما ينص على ذلك سفر أستير التوراتي. وأول من قال بهذه الدعوى – وفقاً لما بين أيدينا من كتابات – الإسباني «بيدرو دي لا كاباليريا» عام 1450م تقريباً[1].. يقول هذا اليهودي المتنصِّر في كتابه «حماس المسيح ضد اليهود والسراسنة [المسلمين] والكفار»:

"هذا المجنون [يعني محمداً صلى الله عليه وسلم] يجعل (هامان) معاصراً لفرعون... وهو كما ترى من الكذب والجهل كما سيصرح بذلك كل من له دراية بالكتب المقدسة. أمَّا هو [صلى الله عليه وسلم] وأتباعه فليخرسوا كالبهائم"[2]. وبغض النظر عن سباب هذا الجهول سيرى القارئ في خاتمة المقال من الأجدر أن يخرس كالبهيمة!

بيد أن هذه الدعوى ليست مما استقل به «كاباليريا»، فإننا نجد المستشرق الإيطالي الشهير «لودوفيكو مراتشي» يجترُّها قائلاً:

"لقد خلط محمد قصصاً مقدسة. فقد اعتبر هامان مستشاراً لفرعون بينما كان في الحقيقة مستشاراً لأحشويروش، ملك فارس، وكذلك ظن أن فرعون أمَر أن يُبنى له صرحٌ، نقلاً عن قصة برج بابل"[3].

وقد سار في ركاب هذين المستشرقين «نولدِكَه» و«مِنغانا» وغيرهما ممن طاروا بها فرحاً وظنوا أنهم وجدوا مفارقة تاريخية في كلام رب البرية الذي خلق فرعون وهامان وهو بهما أعلم.

والرد على هذه الدعوى من وجهين؛ الوجه الأول: أن قصة «هامان»، وزير الملك الفارسي، لا تثبت تاريخياً بشهادة علماء التوراة، فكيف تكون أصلاً؟.. يقول أستاذ الدراسات اليهودية بجامعة هارفرد «جون ليفينسون»:

"إن الإشكالات التاريخية في [سفر] أستير كبيرة جداً إلى حدٍّ يُقنع كلَّ من لم يؤمن بتاريخية الرواية التوراتية بدافع عقدي أن يشك في صحة تلك الرواية"[4].

بل إن «الموسوعة اليهودية» لا تتردد في الحكم على سفر أستير بقولها: "قلة من العلماء المعاصرين ذوي الشأن يعدون رواية أستير قائمة على أساس تاريخي... إن جمهور الشراح المعاصرين توصلوا إلى أن السِّفر قطعة من الخيال المحض"[5].

فكيف يستدل الحالمون على دعواهم ضد كتاب الله عزّ وجل بهذا الخيال المحض؟

الوجه الآخر: أن الآثار الفرعونية تشهد أن كبير كهنة الإله «آمون» أو «آمان» - كما في أحد النصوص البابلية المعاصرة لزمن فرعون[6] – كان القائم بأعمال فرعون، وكان مشرفاً على بناء الصروح لسيده. يقول كبير كهنة «آمون» عن نفسه:

"لقد كانت لي أيادٍ بيضاء في أملاك «آمون» حين كنت رئيس الأعمال لسيدي. فقد صنعت له هيكل رعمسيس [الثاني]... عند البوابة العليا لهيكل آمون. جعلت له فيها مسلاتٍ من الصوان، بلغت السماء حسناً"[7].

وتأمّل قول الله عز وجل: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْـمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إلَى إلَهِ مُوسَى وَإنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38]، وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ 36 أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلَى إلَهِ مُوسَى وَإنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر:36-37].

فهامان لم يكن وزيراً للملك الفارسي (أحشويرش) كما يدَّعي سفر أستير، بل كان كبير الكهنة في بلاط فرعون مصر (رعمسيس الثاني).

وأما سبب تسميته «هامان» فقد بحثه الأستاذ محمود رؤوف أبو سعدة بحثاً وافياً في كتابه القيّم «من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن». وخلاصة ما ذهب إليه أنه اسم مزجي من المصرية القديمة يدل على منصب كبير كهنة آمون: (ها + آمان)؛ علماً أن صيغة (آمان) هي الواردة في النص البابلي للمعاهدة التي أبرمت عام 1280 ق. م بين خاتوسيلاس ملك الحيثيين ورعمسيس الثاني فرعون مصر. ومعنى (ها + آمان): النافذ إلى [الإله] آمون، أو المدلف إلى [الإله] آمون[8]، أي أنه حاجب الإله آمون، وهو وصف لائق بكبير الكهنة.

فتبيَّنَ أن حجة المستشرقين داحضة، وأن البهيمة حقاً هو المستهزئ «كاباليريا» ومن ادَّعى دعواه.. وقد قال تعالى عن مثله: {وَإذَا رَأَوْكَ إن يَتَّخِذُونَكَ إلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا 41 إن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا 42 أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 41-44].

-----------------------------------------------------------

[1] Abdullah David & M S M Saifullah. “Biblical Haman » Qur’ānic Hāmān: A Case of Straightforward Literary Transition?” at (www.Islamic-awareness.org).

[2] A. Reland (Trans. Anon)، «Treating Of Several Things Fasley Charg’d Upon The Maho****ns» in Four Treatises Concerning The Doctrine، Discipline And Worship Of The Maho****ns (J. Darby، 1712)، p. 82.

[3] L. Marraccio، Alcorani ****us Universus (Patavii، Italy: Ex Typographia Seminarii، 1698)، p. 526.

[4] J. D. Levenson، Esther: A Commentary (SCM Press Limited، 1997)، p. 23.

[5] The Jewish Encyclopaedia (London & New York: Funk & Wagnalls Company، 1905)، vol. V، pp. 235-236.

[6] نبيلة محمد عبد الحليم، معالم التاريخ الحضاري والسياسي في مصر الفرعونية، ص 69-87. كما في: محمود رؤوف أبو سعدة، من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن.

[7] K. A. Kitchen، Ramesside In******ions، Translated & Annotated (Oxford، Blackwell Publishers، 2000)، vol. III، pp. 214.

[8] محمود رؤوف أبو سعدة، من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (الميمان للنشر والتوزيع، 1432 هـ)، الجزء الثاني، ص 71 - 72.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{م: البيان}
ـــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الثورات, بين, هامان, والقرآن


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع هامان بين التوراة والقرآن
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مستشار ترامب يسئ للنبي والقرآن؟ (فيديو) عبدو خليفة أخبار عربية وعالمية 0 12-08-2016 11:32 AM
خالد الجديع يثير جدلا في السعودية بتطاوله على الله والقرآن Eng.Jordan أخبار منوعة 0 01-29-2016 05:31 PM
الاستشراق والقرآن الكريم بين الإنصاف والإجحاف عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 05-29-2014 07:44 AM
الرضاعة التامة ... بين العلم والقرآن ام زهرة البيت السعيد 0 11-07-2013 08:47 PM
الرضاعة التامة ... بين العلم والقرآن احمد ادريس الملتقى العام 0 08-12-2012 04:54 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:39 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59