#8  
قديم 01-17-2015, 09:15 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة معالم من تلك الحادثة

معالم من تلك الحادثة
ــــــــــ

(د. عبد العزيز بن محمد آل عبداللطيف)
ــــــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــــ




أخبرني صاحبي وهو من الراصدين مواقع الصوفية على شبكة « الإنترنت » أنه تصفح قرابة ستين موقعاً للصوفية أثناء نازلة تطاول « الدانمارك » على سيّد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلم يرَ للقوم حديثاً، ولم يسمع لهم همساً في تلك الحادثة التي غدت مَشْغَلة السمع والبصر في جميع الأصقاع ؛ ثم تدارك صاحبي قائلاً : اللهمّ إلا أن واحداً من تلك الستين قد نقل مقالة من أحدالمواقع السنية ! وختم هذا الصاحب كلامه قائلاً : هؤلاء الصوفية يعرفون الرسول عند الطمع، ويتخلون عنه عند الفزع .
ولئن كشفت هذه الحقيقة زيف محبة القوم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتهافت دعاويهم العريضة، فهي تبيّن حالة « السُّكْر » الذي أغرقهم، و « الفناء » الذي استحوذ عليهم، فكأن الأمر لا يعنيهم، وكما لو كانوا خارج العالم ! ولو كان « السُّكْر » و « الاصطلام » أمراً ملازماً لهم لهان الخَطْب ؛ فالمجنون معفو عنه، إلا أن هذا السكر سرعان ما يزول عند صوفية الأرزاق، إذا كان في الصحو تحقيق لحظوظهم الشخصية ومطامعهم الدنيوية .
هذه الواقعة الموجعة مع تداعياتها المختلفة، والتي حرَّكت القلوب، فأظهرت محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمدت إلى الذبّ عنه، وعبّرت عن ذلك من خلال مقاطعات اقتصادية، ومظاهرات واحتجاجات، وتأليف كتب ورسائل في دعوة الكفار إلى الإسلام، والتعريف بسيّد الأنام - صلى الله عليه وسلم - ..
هذه الواقعة تقرر أن الخير فيما اختاره الله - تعالى -، وأنه - سبحانه وتعالى - لا يخلق شراً محضاً، { فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ( النساء : 19 ) .
« فمن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة إنباء المرسلين :
ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين .. وذلك أن الحق إذا جُحد وعُورض بالشبهات أقام الله - تعالى - له ما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات والبينات » [1] .
هذه النازلة يمكن تسخيرها وتوظيفها في سبيل ترسيخ جملة من الأصول الشرعية، كوجوب محبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ووجوب تعزيره وتوقيره، وأهمية الاتباع لسنته، والتحذير من الإحداث والابتداع في دين الله تعالى .
ورحم الله الشيخ محمد رشيد رضا إذ يقول : « من تتبع التاريخ يعلم أن أشدَّ المؤمنين حبّاً واتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - أقلهم غلواً فيه، ولا سيما أصحابه - رضي الله عنهم - ومن يليهم في خير القرون، وأن أضعفهم إيماناً وأقلهم اتباعاً له هم أشدهم غلواً في القول وابتداعاً في العمل وترى ذلك في شِعْر الفريقين » [2] .
ومن الأصول التي ينبغي تقريرها في هذا الشأن : تلازم الظاهر والباطن ؛ فالمحبة القلبية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن تظهر على الجوارح، من خلال الاتِّباع له والذبّ عنه وتعظيمه وإجلاله، وما المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدانمارك إلا سبب من الأسباب العملية المشروعة في تحقيق تعزيره - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره، وردع أولئك السفهاء المتطاولين على خير البرية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . كما أن هذه الواقعة لتكشف عن عداوة الكافرين لأهل الإسلام، وتواطئهم على ذلك، وهذا يؤكد أهمية أوثق عرى الإيمان : الحبّ في الله والبغض في الله، ووجوب البراءة منهم، وأن عداوتهم لأجل كفرهم لا تنافي العدل والقسط معهم، بل ينبغي دعوتهم إلى الإسلام بالطريقة الصحيحة الملائمة، والحذر من تمييع الإسلام أثناء تلك الدعوة والتعريف .
هذه الأمة كالغيث لا يُدرى أأوله خير أم آخره ؟ فقد أظهر أهل الإسلام احتساباً ونصرةً لمقام سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المشاعر الصادقة والمواقف النبيلة توجب أهمية إحياء شَعِيرة الاحتساب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك على أوسع نطاق، وفي أكثر من مجال ؛ فهناك الاحتساب بالخطبة والمحاضرة، والاحتساب بالمقاطعة، والاحتساب بالمظاهرة والاحتجاج، والاحتساب بالرسالة والكتاب، وكما أن العلماء والدعاة احتسبوا في هذه النازلة ؛ فقد احتسب الساسة والتجار، والمثقفون والمفكرون، والعامة والصغار ؛ فهذه الواقعة حققت تجييشاً لأهل الإسلام، وحشداً لأنواع متعددة من المناشط والجهود في سبيل الذبّ عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يوجب على أهل الشأن إعداد برامج وخطط احتسابية تجاه هذه الواقعة ونظائرها .
غارت أمة الإسلام لرسول الأنام - صلى الله عليه وسلم -، وظهرتْ هذه الغَيْرة في صور صادقة ومشاهد مؤثِّرة، والمتعيَّن تحريك هذه الغيرة وتقويتها من جهة، وضبطها وفق ما توجبه الشريعة وتقتضيه المصلحة من جهة أخرى .
فابن تيمية احتسب على نصراني شتم نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وذلك سنة 693هـ، وألّف كتابه النفيس « الصارم المسلول في الردّ على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - »، ولما تحدّث عن أنواع السبّ في هذا الشأن، قال - رحمه الله - : « التكلم في تمثيل سبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وذكر صفته، ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين أو آثرين .. » [3] .
فغيرة ابن تيمية تجعله يتعاظم مجرد تصوير مسألة السبّ وحكايتها، لولا أن الحكم الشرعي يقتضي ذلك، وهذه الغيرة الصادقة اقترن بها المسلك الشرعي الملائم ؛ فقد كلّم شيخ الإسلام الأميرَ آنذاك، وسعى في الاحتساب على ذاك النصراني المخذول، وألّف كتابه « الصارم المسلول » بعد هذه الواقعة .
وها هو السبكي - رحمه الله - يقول في مطلع كتابه « السيف المسلول على من سبَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - » عن سبب تصنيفه : « كان الداعي إليه أن فُتيا رُفعت إليّ في نصراني سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يُسْلم، فكتبتُ عليها : يُقتل النصراني المذكور كما قَتَل النبي - صلى الله عليه وسلم - كعبَ بن الأشرف، ويُطهّر الجناب الرفيع من ولوغ الكلب .
لا يَسلمُ الشرفُ الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
إلى أن قال : وليس لي قدرة أن أنتقم بيدي من هذا الساب الملعون، والله يعلم أن قلبي كارهٌ منكر، ولكن لا يكفي الإنكار بالقلب ها هنا، فأجاهد بما أقدر عليه من اللسان والقلم، وأسأل الله عدم المؤاخذة بما تقصر يدي عنه، وأن ينجِّيني كما أنجى الذين ينهون عن السوء، إنه عفوّ غفور » [4] .
فالسبكي بلغتْ غيرته ما بلغت، وصاحبَ ذلك موقفٌ عملي من خلال تحرير هذه الفتيا وكتاب « السيف المسلول » .
وهذا ابن عابدين - رحمه الله - يقول عن شقيٍّ استطال على سيد المرسلين :
« وإن كان لا يشفي صدري منه إلا إحراقه وقتله بالحسام .. » [5] .
والمقصود أن نجمع بين إحياء هذه الغَيْرة الإيمانية وتحريكها، وبين ضبطها وفق الأصول الشرعية والمصالح المرعية .
لعل هذه الحادثة تكون سبباً إلى فقه التعامل مع أهل القبلة، والتعاون مع أهل الإسلام في الأصول المتفق عليها، دون الإخلال بثوابت أهل السنة ومعالمهم ؛ فالذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محل اتفاق بين أهل الإسلام، ومدافعة التغريب والهيمنة الأمريكية كذلك .. وما أكثر القضايا التي هي محل إجماع بين أهل الإسلام . فمن المهم أن نبعث هذ التعاون والتنسيق بين أهل الإسلام، مع المحافظة على شعائر أهل السنة وأصولهم، لما في ذلك من المقاصد الشرعية، ونفوذ أهل الإسلام وتقويتهم .
فلقد تعاون أهل الإسلام من قبل في القرن الرابع الهجري في مواجهة المدّ العُبَيْدي الباطني، فكتب المعتزلة و الزيدية و الأشاعرة وكذا أهل السنة في فضح الباطنيين وهتك أستارهم .
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزّ فيه أهل الإيمان، ويُذلّ فيه أهل الكفر
والطغيان . معالم من تلك الحادثة

________________________
(1) الجواب الصحيح، لابن تيمية : 1/ 13، 14 .
(2) تعليق محمد رشيد رضا على كتاب ***** الإنسان للسهسواني، ص 244 .
(3) السيف المسلول : ص 113 114 .
(4) الصارم المسلول : 3/1005 .
(5) رسائل ابن عابدين : 1/293 .
---------------------------------
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01-17-2015, 09:20 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة هوامش على أزمة التحدي

هوامش على أزمة التحدي
ـــــــــــــ

(خالد أبو الفتوح)
ـــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ



أثار إقدام صحيفة ( يلاندز بوسطن ) الدنماركية على نشر رسوم ساخرة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما تلا ذلك من أحداث .. ردود أفعال عديدة على كافة المستويات والأوساط في أرجاء كثيرة من العالم، وبعيدًا عن سباق الفعل ورد الفعل الذي صاحب هذه الأزمة والذي وجه انفعال بعض الأفراد أو المجموعات ولبعضهم العذر في ذلك ؛ لعظم الحدث وشدة وقعه .. أحببت تسجيل بعض الملحوظات واستخلاص بعض الفوائد والدروس، ليتسنى لنا فهم بعض أبعاد هذه الأزمة، ولنستطيع إدارة الأزمات ( القادمة ) بأداء أفضل وفاعلية أكبر :
أولاً : يُظهر هذا الحدث أن الحقد والكراهية للإسلام ونبيه ما زالا كامنين تحت القشرة العلمانية التي يتجمل بها الغرب، فهذا الحدث يأتي في سياق سلسلة من الاعتداءات والأذى المستمر الذي يوجَّه للمسلمين ودينهم والذي لا تخطئه عين أي خبير، ونظرة سريعة على أهم بعض ( الفلتات ) الصريحة التي وقعت خلال العامين الماضيين فقط يوضح ذلك بجلاء :
- ففي يناير 2004 : وصف عضو الحزب الوطني البريطاني نيك جريفن الإسلام بأنه « عقيدة فاسدة »، ويخلو من أي مساحة للتسوية الضرورية في مجتمع حر، ولا يتفق مع الديمقراطية .
- وفي نوفمبر 2004 : عرض فيلم تلفزيوني بعنوان ( الخضوع ) للمخرج الهولندي ثيو فان جوخ يزعم فيه أن الإسلام يضطهد المرأة .
- وعلى إثر ذلك منح الحزب الليبرالي في الدانمرك ( جائزة الحرية ) للبرلمانية الهولندية الصومالية الأصل المرتدة هرسي علي التي كتبت سيناريو الفيلم .
- وفي مايو 2005 : كشفت تقارير عن تدنيس الجنود الأمريكان للمصحف الشريف بالتبول عليه أو وضعه في المرحاض في معسكر غوانتانامو .
- وفي الشهر نفسه وصف مايكل غراهام المذيع بمحطة إذاعية في واشنطن ( الإسلام ) بأنه ( منظمة إرهابية )، وأنه في حالة حرب مع الولايات المتحدة، وأنه يجدر بهذه الأخيرة ضرب مكة المكرمة بالسلاح النووي .
- وفي يوليو 2005 : سخر الممثل الكوميدي الأميركي جاكي ميسون في برنامج للمذيع جيم بوهانون من الإسلام ووصفه بأنه منظمة تشجع على القتل والكراهية والإرهاب .
- ضع ذلك بجوار : احتضان الغرب لرموز الردة والطعن في الدين من بني جلدتنا أمثال : سلمان رشدي، و تسليمة نسرين، و نصر أبو زيد، و هيرسي علي ؛ وضَعْه أيضاً بجوار القرصنة الدولية والإرهاب الاحترافي الذي يمارسه الغرب منذ قرون ضدنا، والذي كان آخره ما يحدث في العراق و أفغانستان و السودان و غوانتانامو، واستحضر مع ذلك فلتات ألسنة قادتهم السياسيين والفكريين التي ما فتئت تصف صراعهم معنا أنه صراع حضاري، يظهر تارة في حملة على حجاب، ويستتر أخرى خلف دعوى ( حقوق إنسان )، وبأن مواجهتهم لنا حملة صليبية، ولكنها تُشَن بموجب ( البند السابع ) .. لتعلم أن صحيفة « يلاندز بوستن » جاءت لتفجر القِدر الذي ما انقطع غليانه منذ الحروب الصليبية، ولتتوج منظومة الكراهية الغربية للإسلام، ولكن أيضاً لتُُلبسها ثوب « حرية التعبير »، ولتعلم كذلك أن ( تعبيرهم ) إنما دل على أنه { قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } ( آل عمران : 118 ) .
ثانياً : لا يوجد لديّ أي مساحة لتصديق مزاعم الصحيفة بأن نشرها لهذه الرسوم لـ ( اختبار حرية التعبير في بلادهم )، وإذا حاولنا معرفة مرامي هذا الحدث، أو الفائدة التي ستجنيها بعض الأطراف من ورائه، فإن هناك عدة احتمالات أو فرضيات يمكن ذكرها، منها :
1 - صرف الأنظار عن قضايا أخرى مهمة أو أحداث تجري تتصل بالعالم الإسلامي، أو التغطية على جرائم أخرى ( تاريخية ) تحاك أو تنفذ ضد المسلمين ( تكتيك مصارع الثيران ) .
2 - محاولة جس نبض الشارع الإسلامي، وقياس ردة فعله كمّاً ونوعاً ومدى استعدادهم لتقديم تنازلات جديدة وقبول قيم غربية بديلة .
3 - محاولة تحطيم معنويات المسلمين وقهرها، بتدنيس المقدسات التي يعتزون بها وتشويه الرمز الذي يجلُّونه والاستهزاء بمحبوبهم علناً، مما يؤثر على قدرتهم على المقاومة والصمود .
4 - محاولة دق أو تعميق ( إسفين ) بين الشعوب الأوروبية والإسلام تحول دون تعرف الشعوب الأوروبية على الإسلام الحقيقي، وتمنع التواصل الإيجابي بين هذه الشعوب والأمة الإسلامية .
5 - الضغط على الجاليات الإسلامية في أوروبا ؛ فحسب بعض المحللين الغربيين فإن ذلك يأتي في سياق هجمة مضادة رداً على تعرض القيم العلمانية الغربية لهجمات ( المسلمين المتشددين ) في أوساط المهاجرين في الغرب، كما أن هذا الحدث يُعد اختباراً لقياس مدى اندماج المهاجرين والأجيال الناشئة من أبنائهم في المجتمع الغربي، وبمعنى آخر : معرفة حجم التنازلات التي يجب أن تقدمها الدولة المضيفة لمسايرة المهاجرين، والإشارة إلى المهاجرين أنفسهم بنمط التنازلات التي تريدها منهم دولتهم المضيفة لكي يندمجوا في المجتمع الذي ينتقلون للعيش فيه، أي : إنهم يريدون وضع المهاجرين على محك التخلي عن دينهم مقابل قبول عيشهم في البلاد الغربية !
6 - جس نبض الشارعين العربي والإسلامي ومراكز القوى الإسلامية في أوروبا, تمهيداً للبدء في إنهاء الوجود الدعوي الإسلامي هناك، وحظر أي قنوات دعوية إسلامية يمكن من خلالها : تغيير الوجه ( الحضاري ) المسيحي لأوروبا، أو كسب أرضية ( أصولية ) داخل المهاجرين المسلمين والحيلولة دون ذوبانهم في المجتمع الغربي، أو النجاح في تجنيد ( إرهابيين ) يهددون الأمن والمصالح الغربية في عقر دارها .. وقد ظهر هذا التوجه بالفعل في صورة : إغلاق بعض المساجد, ومحاربة الحجاب , ووضع أقنية فضائية عربية وإسلامية تحت المراقبة, وإغلاق المؤتمر العربي الإسلامي الأوروبي والتضييق على أنشطة المراكز الإسلامية ومراقبتها , والعديد من حملات الاعتقال والمداهمة لكثير من المراكز الإسلامية .
وقد ذكر فادي ماضي رئيس المؤتمر العربي الإسلامي الأوروبي أن هناك خطة صهيونية مبرمجة، يقف وراءها مركز سايمون فيزنتال والمؤتمر اليهودي العالمي، وتطال الوجود العربي والإسلامي لضرب الإسلام وإنهاء الوجود العربي والإسلامي في أوروبا .
7 - ظهر بوضوح محاولة استغلال أمريكا و بريطانيا للحدث من أجل موازنة صورتهما العدائية مع صورة الدول الأوروبية الأقل تحالفاً، على طريقة ( إنه سيئ ولكن أخاه أسوأ منه )، وذلك باتخاذ موقف أقل صفاقة .. فرغم أن الحقد الذي يضمرونه على الإسلام والمسلمين لا يقل بحال عن ( أوروبا شرق الأطلنطي )، إلا أن أمريكا وبريطانيا كانتا حريصتين على عدم تورطهما في هذه الأزمة :
فمن جانبها امتنعت وسائل الإعلام الأميركية عن إعادة نشر الرسوم التي تتناول النبي محمد بسبب الطبيعة « المهنية » لهذه الرسومات .
وقد كان ملفتاً أن موقع ( CNN ) الإخباري على الإنترنت ذيَّل معظم أخباره عن هذه الأزمة بهذه العبارة : « يُذكر أن CNN تمتنع عن نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد احتراماً لمشاعر المسلمين » في متاجرة غير ذكية بالموقف من القضية .
وقال مديرو تحرير عدة مؤسسات إعلامية أمريكية : إنهم يغطون الخلاف المتصاعد بشأن الرسوم ولكنهم لن ينشروها مجدداً ولن تبث على التلفزيون احتراماً لقرائها ومشاهديها !
وفي يوم الأربعاء 8/2/2006 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالاً للكاتبين فيليب هينشر و جاري يونج اعترفا فيه بأن الصحيفة الدانمركية أخطأت بنشرها تلك الرسوم، وبأن هناك إهانة لحقت بالمسلمين ما كان يقبلها أتباع أي مدرسة علمانية لو وجهت هذه الإساءات لرموز مدرستهم، كما قالا إن غضب المسلمين له ما يبرره، ومضى الكاتبان إلى القول إن الصحيفة الدانمركية كانت ستفكر ألف مرة قبل أن تكتب شيئاً يمس الديانة اليهودية، حتى لا يتهمها أحد بالعداء للسامية ؛ لأنها تهمة خطيرة في أوروبا وأمريكا، وقد يدفع المتهم بها عشرة أعوام من عمره في السجن .. أما الدين الإسلامي على حد قولهما فلم يحدث أن سُجِن أحد بسببه في أوروبا .
وقالت صحيفة الفياننشال تايمز البريطانية إن حق النشر ليس مطلقاً .
وإذا استثنينا تصريحات نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، فإن مجمل الموقف الأمريكي والبريطاني الظاهر الإعلامي والرسمي هو محاولة اتخاذ موقف متوازن بين إدانة أعمال العنف والمقاطعة التي ظهرت في العالم الإسلامي، والتأكيد على أهمية حرية التعبير، مع تفهم غضب المسلمين، والإلماح إلى أن حرية التعبير يجب أن يكون لها حدود بحيث لا تمس المقدسات .. وهذا ما يرمي إلى ترميم صورة البلدين السياسية في العالم الإسلامي، بعد فشل جهود الحملات الإعلامية والإعلانية التي حاولت أداء هذه المهمة .
ثالثاً : وضح أن الغرب يقف خندقاً واحداً ( حتى ولو في الظاهر ) عندما يتعلق الأمر بمواجهة المسلمين، سواء أكان هذا من منطلق الخلفيات التاريخية والحضارية التي تجمعهم، أو بموجب الاتحاد والتحالفات والاتفاقات المعقودة بينهم، أو بموجب المصالح المشتركة بينهم .
يظهر ذلك في تعاضد بعض الصحف مع الجريدة الدانمركية وتأييدها بنشر الرسوم المسيئة، ومحاولة إحباط قوة حملة المقاطعة والاحتجاج التي ظهرت في العالم الإسلامي، باستخدام تكتيك ( توسعة الخرق على الراقع ) أو سياسة ( تفريق الدم بين القبائل )، ولا أستبعد ما ذكرته بعض التقارير من وجود أيادٍ مخابراتية وراء هذا النشاط والتكاتف، فقد « اعتبر مراقبون لتطورات الأحداث في جريمة الاعتداء على حرمة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في بعض الصحف الأوروبية أن اتساع دائرة النشر يرتبط بجهود استخباراتية مكثفة في بعض عواصم الاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط عن الدانمرك، بعد أن اعترفت مفوضية الاتحاد بعجزها عن وقف موجة المقاطعة أو التورط في الأزمة بشكل مباشر وعلني، في حين اعتبرت أوساط ثقافية أن هذه الأزمة قد تمثل تحولاً خطيراً في البنية الثقافية للمجتمع الغربي ؛ لأنها تفتح على نطاق واسع أبواب الجدل حول المحرمات في الإعلام الغربي، لأن بعض الأصوات الغربية بدأت تطرح الآن تساؤلات حول النفاق الأوروبي فيما يتعلق بقضية حرية التعبير ..
مصادر دبلوماسية استطلعت صحيفة ( المصريون ) رأيها أشارت إلى أن الخطة التي تحتاج إلى إمكانيات أكبر بكثير مما تملكه الدانمرك انطلقت منذ الثلاثاء الماضي 3/1/2006م عبر صحف تصدر في عدة دول أوروبية، تبنت الخطاب نفسه، وسارت على منهج موحد، وهو ما يدل على التنسيق بين الصحف الموزعة على عدة دول، ويشير إلى أصابع أجهزة الاستخبارات التي تقود هذا التنسيق بهدف تخفيف المقاطعة التي بدأت المصانع الدانمركية تعاني بسببها، وذلك بتوريط عدة دول أوروبية في قضية الإساءة، مما يجعل العالم الإسلامي يقف عاجزاً عن مقاطعة كل هذه الدول دفعة واحدة، وفي الوقت نفسه يصبح لا معنى لاستمرار مقاطعة الدانمرك وحدها .
هذا في المدى القريب، أما في المدى البعيد فإن افتعال ما يشبه « إجماعاً أوروبياً » على الإساءة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدر ما يكسر شوكة الوجود الإسلامي في أوروبا بقدر ما يشكل حاجز صد يحول دون مزيد من التمدد العقائدي الإسلامي بين المواطنين في أوروبا والذي بدأ يثير قلق الكثير من دوائر الأمن القومي دون قدرة على وقفه » جريدة ( المصريون ) 2/2/2006 .
ويظهر ذلك أيضاً في محاولة رأب الصدع الاقتصادي الذي أصاب الدانمرك جراء مقاطعة معظم الشعوب الإسلامية لمنتجاتها، ويؤيد ذلك : ما ذُكر من أن مطاعم كنتاكي وماكدونالدز وهارديز وبرجر كنج وبيتزا هت قرروا شراء المنتجات الدانمركية لتعويض الخسائر الدانمركية، وما ذكر من أن بعض الأفكار كانت تتداولها الإدارة الأمريكية ؛ لإنقاذ المنتجات الدانمركية وإفشال المقاطعة، من أهمها :
إلزام صناديق المساعدات الأممية باعتماد المنتجات الدانمركية، وتعويض الدانمرك عن خسائرها الناتجة عن المقاطعة إن لم تفِ الصناديق الأممية بالغرض، عبر إلزام متعهدي تمويل الجيوش الأمريكية وحلفائها في الخارج باعتماد البضائع الدانمركية أولاً .
رابعاً : كما أن الأزمة فضحت دعاوى الطابور الخامس الذي يعيش بيننا، والذي كان يروج زوراً أن الغرب تخلى عن تعصبه وكراهيته لنا، وأنه ارتقى في أسلوب حل خلافاته فأصبح ( الحوار ) هو الأسلوب المعتمد عنده، والذي كان يتغنى بقيم الغرب ويدعو لها زاعماً أنها لا تتعارض مع جوهر الإسلام، فها هو الغرب يضيف إلى ( اعتماده ) القوة سبيلاً لحل خلافاته معنا وفرض رؤيته الحضارية علينا .. يضيف عدم احترامه لديننا وهدره لمقدساتنا .
وأظهرت هذه الأزمة أيضاً خطورة الطابور السادس أو السابع ( سمه ما شئت ) الذي يعيش بيننا، وأعني به الكفار و المشركين الذين جاؤوا باسم العمل والارتزاق وحملوا معهم حقدهم ووثنيتهم وكفرهم وقذارتهم الأخلاقية ليبثوها في مجتمعاتنا متى ما استطاعوا، فقد كان ملفتاً للنظر ما قامت به مدرِّسة أمريكية بإحدى الجامعات في دولة الإمارات وأيدها المشرف عليها من بني جلدتها من عرض الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في قاعة الدرس، مبررة عملها هذا بأنه يندرج في إطار حرية الرأي والتعبير .. ولا أدري ما الذي يحمل مدرِّسة لغة إنجليزية على إقحام نفسها في قضية لا تتعلق بعملها وليست طرفاً فيها وتعلم أنها تمس مشاعر من تخاطبهم، إلا أن يكون دافعها هو الحقد والتعصب الأعمى الذي لم تستطع كبته أو التجمل بإخفائه، وإلا أنها تحس بالأمن من عقوبة تنالها إذا فعلت هذه الجريمة ( الحضارية ) باساءة الأدب مع رسول من تخاطبهم .
وفي الإمارات أيضاً ومع بدء حملة مقاطعة البضائع الدانمركية، قامت العمالة الآسيوية ومعظمها هندوس التي تدير كثيراً من محلات السوبر ماركت بتكثيف عرض المنتجات الدانمركية والتقليل من المنتجات المحلية وغير الدانمركية البديلة، مما يجبر المشترين على شراء المنتج الدانمركي ؛ لأنه المنتج الأكثر وفرة ؛ وذلك بقصد تصريف المنتج الدانمركي بسبب هبوط سعره عند ال****، وهذه التصرفات أعدها منطقية ومتوقعة إذا استحضرنا تلقائية ( الولاء والبراء ) لدى كل إنسان .
خامساً : ملحوظات حول ردود أفعالنا وكيفية تفاعلنا مع الأزمة وإدارتها :
كثرت جرائم الغرب تجاه العالم الإسلامي، أو قل : كبر وعي المسلمين وإحساسهم بهذه الجرائم، مما يرشح الأمور لوقوع مزيد من ( الفلتات )، ومزيد من التصعيد، ومزيد من ( المواجهات ) .. ومن خلال متابعة الأحداث وتحليلها نستطيع استخلاص هذه الملحوظات :
الملحوظة الأولى : ضرورة استغلال واستثمار هذه ( الفلتات ) في واقع العمل الإسلامي من غير تكلف، مثل : تعميق محبة الله ورسوله، تعميق مفهوم الولاء والبراء، إظهار مأزق العلمانيين و التغريبيين، إيضاح عداء الغرب للإسلام نفسه، إظهار وفضح بعض الأنظمة المعادية للإسلام، إظهار حقيقة الدعوة إلى الحوار بين الأديان والحضارات، التدرب على توحيد الصفوف ومحاولة القيام بعمل مشترك منظم ومؤثر ..
وداخل أوروبا، مثل : وضع الشعوب الغربية أمام حقيقة مبادئهم التي يتغنون بها وتذكيرهم بمواقفهم التي لا تتفق مع هذه المبادئ ( حرية التعبير حقوق الإنسان التسامح مع الديانات والحضارات الأخرى )، تعريفهم بحقيقة الإسلام، الإجابة على التساؤلات الكبرى التي تشغلهم من منطلق إسلامي ..
ولا يكون ذلك إلا من خلال وضع تصور مسبق لاحتمالات الأحداث، وطرق أو خطط معالجتها أو مواجهتها، والوسائل والأساليب الأنجع للتعامل معها، والإمكانات المطلوبة ...
الملحوظة الثانية : باستقراء تسلسل الأحداث الأخيرة يتضح أن هناك استفزازاً متعمداً لإثارة المسلمين، ولكن رد فعل المسلمين جاء متأخراً عن الحدث الأصلي رغم أنه جاء قويّاً ومؤثراً وهذا التأخر يضع علامات استفهام حول ما إذا كانت هناك أهداف من وراء الإثارة في مثل هذا الوقت بالذات، كما أنه يضع علامات استفهام على آلية وكيفية إحساس المسلمين بمآسيهم، وكيفية وتوقيت التصرف المناسب من غير انجرار لما يضر بأمتنا أو الوقوع فيما يحيكه لنا أعداؤنا ؛ فهل من المناسب أن يشكل في كل بلد ما يشبه المرقب لمتابعة أحوال الإسلام والمسلمين وإنذار قومهم عند الإحساس بالخطر ؟ وإذا كان ذلك مهمّاً فيمكن الاتفاق على جهة ( أهلية ) محددة موثوق بها يناط بها تلقي هذه التقارير ونشرها، أو على الأقل إنشاء موقع على الشبكة العالمية، يستطيع فيه المراقبون مع الأخذ في الاعتبار احتياطات الأمان الإلكتروني وضع هذه التقارير ليطلع عليها المسلمون، وتلقي التحليلات والاقتراحات لهذه التقارير .
الملحوظة الثالثة : استخدم الغرب في مواجهة حملة المقاطعة التي انتشرت في العالم الإسلامي أكثر من تكتيك لإفشال المقاطعة أو إضعافها على الأقل، وأهم هذه التكتيكات : تشتيت هدف الخصم ( توسعة الخرق على الراقع ) أو ( تفريق الدم بين القبائل )، تفتيت القوة المضادة، امتصاص الغضب، تبادل الأدوار، استغلال عامل الوقت، تكتيك مصارع الثيران، ازدواجية الخطاب الإعلامي، الإشباع النفسي للخصم ... وبجانب جهوده وإمكاناته استغل الغرب الثغرات المنتشرة فينا لإنجاح هذه التكتيكات، ونستطيع ضرب الأمثلة على ذلك :
- تكتيك ( توسعة الخرق على الراقع ) أو ( تفريق الدم بين القبائل ) : فإنه عندما أثارت الرسوم الكاريكاتيرية للنبي - صلى الله عليه وسلم - استهجاناً واسعاً في العالم الإسلامي، فإن صحفاً أوروبية تنتمي لأكثر من دولة أعادت نشر الرسوم نفسها بدعوى حرية التعبير وإطلاع القراء على حقيقة الحدث الذي أثار المسلمين( لاحظ أنه لم تنشرها أي صحيفة أخرى في الدانمرك نفسها ) .
وبذريعة ( حاكي الكفر ليس بكافر ) أعادت بعض الصحف في البلدان العربية والإسلامية نشر بعض الرسوم أو كلها، كما أظهرت بعض المواقع الإسلامية الرسوم أو أشارت إلى صلات تُبرزها .
فواضح أن الهدف من ذلك كان استنساخ سبب المقاطعة نفسه في أكثر من مكان، وإشهار ذلك، وعندها إما أن يندفع المسلمون إلى إعلان مقاطعة جميع هذه الدول أيضاً ؛ لاتحاد السبب، وهذا مما يصعب عليهم القيام به والاستمرار فيه فتخور عزيمتهم عن المقاطعة جميعها .. وإما أن تسقط مصداقية السبب نفسه عندما لا يطَّرد السلوك المبني عليه في جميع الأحوال .
وإذا كان موقف الصحف الغربية مفهوماً خاصة في ضوء التقارير التي أشرت إليها سابقاً من وجود أصابع مخابراتية في الموضوع فإن موقف الصحف التي تصدر في البلاد العربية والإسلامية كان أشد وقعاً وأكثر إيلاماً، ليس فقط لأنها طعنة من الخلف غير منتظرة ممن يعلنون انتماءهم لهذا الدين، وليس فقط لأنه عضَّد وساهم في نجاح هذا التكتيك، ولكن لأنه استخدم أيضاً من قِبَل وسائل إعلام غربية لإظهار أن الضجة بشأن الرسوم مبالغ فيها ؛ لأن الصحف العربية نفسها أعادت نشرها .
وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن بعض المصلحين يمكن أن يسهم في ذلك بحسن نية ! ويتمثل ذلك في محاولة استغلال الحدث في إصلاح المسلمين وحل جميع مشكلاتهم دفعة واحدة، أو خلط المشكلات وتشابكها مع بعضها ( الإعلام الفاسد والفن الهابط، وترك سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهديه، و ..مئة وسيلة لنصرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ... )، وبالطبع فإن من يرى أو يسمع ذلك يفهم أنه لا بد من تغيير حياته كلها، وقد يكون هذا حقاً ومطلوباً، ولكنه غير مؤهل له الآن، فلا يقوم من الوسائل المئة بوسيلة واحدة أو يكاد وتكون النتيجة أنه ينصرف عن النصرة لأنه بهذا الشكل غير مستعد لها .
بل إن بعض المتعاطين مع الأزمة اقترح حلاً لها بأن تتبنَّى الحكومات العربية و الأمم المتحدة موقفاً يهدئ من مشاعر المسلمين، وهو : إلزام العدو الصهيوني بالانسحاب الفوري من القدس وتطبيق الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة التي تقضي بفرض عقوبات سياسية عليها في حال رفضها القرار !
ومثل هؤلاء كمن يريد إسقاط مئة عصفور على شجرة بطلقة واحدة فتكون النتيجة أن تطير العصافير كلها ولا يستطيع أن يسقط عصفوراً واحداً .
فضعف التركيز وافتقاد نَظْم الأهداف المرحلية مع الأهداف الاستراتيجية و ( الاستجابة للتداعي )، يساعد على تحقيق المخطط الغربي بتشتيت التركيز، وهذا يختلف عن البحث عن الجذور والربط بين الظواهر لاستخلاص النتائج والحلول لمشكلة ما .
- كما ظهرت بعض محاولات لاستخدام تكتيك ( مصارع الثيران )، وهذا التكتيك يهدف إلى ترويض الخصم بأقل قدر من الجهد والمخاطرة، وهو يقوم على محاولة إشغال الطرف الآخر بمثيرات أخرى جانبية، وتوجيهه وجهة أو وجهات معينة بحيث يفقد تركيزه وينصرف عن هدفه، ويظهر هذا التكتيك هنا بمحاولة إشغال الرأي العام بقضايا مثيرة أو حساسة أخرى، لتشتيت تركيزها المنصب في قضية موحدة، وصرف انتباهها إلى قضايا أخرى هامشية ومؤقتة .. وعلى سبيل المثال : فقد نشرت صحيفة ( ذي جارديان ) البريطانية أوائل شهر فبراير ( أي :
في ذروة الغضب الشعبي الإسلامي ) صورة سمكة من نوع أوسكار تحمل على حراشفها لفظ الجلالة ( الله ) واسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( محمد )، وبالطبع فإن الصحيفة البريطانية لا تؤمن بالله ولا بالرسول، ولكنها تلقي الطعم ليتلقفه السذج والبسطاء أو المغرضون ! ويتخذوا من الخبر دليلاً على صحة إيمانهم، ثم يعملوا على نشره ( تعاوناً على الخير )، فينشغل الرأي العام به، مما يفقدهم تركيزهم في القضية التي كانوا يهتمون بها، فتضعف طاقتهم ...
وهذا الأسلوب نفسه استخدم مراراً قبل ذلك، وإذا كان القارئ ذا ذاكرة قوية فإنه يمكن أن يستدعي قصة البنت العُمانية التي ( سُخطت ) بعد تحديها أمها في المعصية .. فقد راجت تلك القصة بعد ضجة تدنيس المصحف في غوانتنامو وظهور فضائح التعذيب في ( أبو غريب ) .
- أما تكتيك تفتيت القوة المضادة فيظهر في محاولة اللعب على المذهبيات والطائفيات والعرقيات، كما يمكن أن يندرج تحته محاولة الساسة الغربيين والإعلام الغربي استغلال حوادث الحرق والتخريب والعنف التي صدرت من بعض المحتجين، إذ إنه بجانب استغلاله لهذه الأحداث دليل إضافي يقدمه لجمهوره على وحشية المسلمين وتخلفهم وتعطشهم للعنف ومهاجمة ( المسالمين )، فقد حاول بتضخيمها حرف القضية عن أصلها، لتتحول إلى قضية ( عنف وتخريب وإرهاب ) يرفضها كثير من المشاركين في الاحتجاجات، أو يخشون من عواقبها، مما يدفعهم إلى غلق أبوابهم عليهم، والاكتفاء بـ ( اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين ) .
كما أن نشر الرسوم في أكثر من صحيفة يهدف أيضاً إلى تفتيت قوة المقاطعة الاقتصادية الشعبية للدانمرك ؛ لأنه بعد النشر في بلاد مختلفة وعدم استطاعة مقاطعة كل هذه البلاد، فسيكتفي كل فريق بمقاطعة بلد ما، وعندها يخف الضغط الواقع على البلد الأصلي .
- أما تكتيك ازدواجية الخطاب الإعلامي، فإنه يهدف إلى ترويض الخصم بأقل قدر من التنازلات، ومما يساعد في تحقيق آثاره عاملان : العامل الأول : عدم معرفة الخصم المستهدف إلا بالخطاب الموجه له فقط، العامل الثاني : جهل هذا الخصم يدلالة مفردات الخطاب الموجه له بدقة ؛ فقد وضح في هذه الأزمة التلاعب الإعلامي وعدم انتباه معظم المهتمين ( وسط الفوضى والغوغائية ) لفروق الألفاظ ( كالفرق بين الأسف والاعتذار، وبين الاعتذار عن الفعل وعن آثار الفعل ونتائجه، وبين سحب السفير واستدعاء السفير ... )، ولدلالة عبارات، مثل : ( لم نستورد من الدانمرك، يملك أسهمها شركاء وطنيون، يصنع في بلادنا ... )، ولضيق المقام نوضح فرقاً واحداً، هو الفرق بين الأسف والاعتذار :
فالأسف يكون عن أي فعل أو قول يُحزِن الإنسان أو يغضبه أو يتحسر عليه، سواء صدر منه أو من غيره، وسواء أكان بقصد أو غير قصد، أما الاعتذار فهو طلب رفع اللوم والذنب، فالاعتذار يتضمن الاعتراف بالخطأ والذنب، ويحمل في طياته المسؤولية عن الفعل أو القول، وهذا قد يترتب عليه عقوبة أو عوض .
أما الإشباع النفسي للخصم، فيتم عن طريق الإدلاء بمعلومات معينة صحيحة أو مغلوطة تساعد على إحساس المقاطعين بنشوة نصر كاذب ؛ مما يخمد حماسهم ويوقف استمرارهم ؛ لأنهم بلغوا هدفهم و ( أثخنوا ) في عدوهم .
وكمثال على هذه الأخبار : ما أعلنه سفير الدانمارك بالقاهرة ( يان سورنسن ) أن حجم الخسائر المترتبة على مقاطعة الدول العربية للمنتجات الدانمركية بلغت 35 مليار يورو، إضافة إلى زيادة نسبة البطالة داخل الدولة، مشيراً إلى أن المصنع الدانمركي الذي أغلق أبوابه بالسعودية مع مقاطعة المنتجات بصفة عامة أدى إلى فقدان 15 ألف وظيفة داخل الدانمارك، وقد تصل إلى 50 ألفاً إذا استمرت المقاطعة لفترات أطول من ذلك .
وخبر غيره يقول : إذا استمرت المقاطعة حتى شهر أغسطس فستصل خسائرهم إلى 39 مليار يورو .
وخبر آخر يقول : شركة آرلا الدانمركية تخسر 1.8 مليون دولار يومياً بسبب المقاطعة .
ومسؤول في شركة ألبان دانمركية يقول : « ما بنيناه خلال 40 عاماً خسرناه خلال أيام » .
وقد ساهم في نشر هذه الأخبار رسائل قصيرة من مصدر مجهول أرسلت إلى الهواتف المحمولة ... و ( انشر ) !!
الملحوظة الرابعة : وهي عن الخطاب الدعوي في الأزمة، فالملاحظ أن معظم الخطاب الإسلامي كان موجهاً للداخل فقط، مع اتسامه بالعاطفية وعدم التنظيم مما يقلل من جدواه وثمرته . كما ظهرت الهزيمة النفسية في خطاب بعض ( المدافعين ) عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أقلها : التستر خلف رفض إهانة ( الرموز الدينية ) لنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
كما حاول بعض المحسوبين على الدعوة إظهار ( التعقل ) والتحلي بالمناداة بالحكمة ( يريدون التهدئة وعدم التهور )، وإذا كانت الحكمة مطلوبة في كل شيء فيجب أن يستحضر أن الحكمة الحقيقية هي وضع الشيء في نصابه، ونصاب هذا الأمر معروف لدى من له أدنى إلمام بعلم شرعي، ومن نصابه أيضاً : أن للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعفو عَمَّن شتمه وسَبَّهُ في حياته، ولكن ليس لأمته أن تعفو عن هذا الجاني عليه - صلى الله عليه وسلم - .
وهناك خطأ استراتيجي يقع فيه بعض الدعاة في مثل هذه المواقف، وهو إذاعة المقارنة بين الأزمة الراهنة والمصائب الأكبر التي يحيا فيها المسلمون، وإذا كان هذا الكلام يحتمل أن يكون صحيحاً من ناحية التنظير والواقع، إلا أنه قد يكون أحياناً غير موفق من ناحية التحرك الدعوي أو السياسي .
ففي مثل حالتنا فإن نشر مقولة إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يهان في أوقات كثيرة بترك هديه والإعراض عن شرعه .. في الوقت الذي يتلظى الناس جمراً مما أصاب نبيهم ويبدون استعدادهم للبذل في سبيل نصرته ... لا يكون موفقاً فيما أحسب .
أعتقد أنه من الضروري على حملة الدعوة تبني قضايا الأمة الحيوية حتى ولو كانت هذه القضايا لاحقة في ترتيب الأولويات أو التتابع المنطقي للعمل الدعوي، ولكن بشرط رد هذه القضايا إلى أصولها وربطها بأصل الإسلام والتوحيد وليس فقط معالجتها معالجة ( علمانية ) باردة ولو باسم الإسلام، وهذا منهج الأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) ؛ فقد تقترن الدعوة إلى التوحيد بدعوة إصلاح اقتصادي وعدل اجتماعي : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( الأعراف : 85 )، وقد تقترن بدعوة تطهر أخلاقي : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوَهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسَأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ } ( الشعراء : 160-165 ) .
فأمام السيل الجارف لاهتمامات الأمة نجد من يساير هذا السيل فيستهلك طاقته ويذوب فيه، ونجد من يحاول الوقوف أمامه لإيقافه ومنعه فيغرقه ويهلكه، ولكن يجب أن يوجد أيضاً من يحاول أن يغير مسار هذا السيل إلى الاتجاه الصحيح ويستفيد في الوقت نفسه من قوته الجارفة لكي تكون قوة إيجابية ... وهذا هو التحدي .
أما عن دعوة الخارج : فإنه بغضِّ النظر عن تعصب الشعوب الغربية ضد الإسلام والمسلمين، وبغض النظر عن حقد قادتهم وموجهيهم وعدائهم للإسلام والمسلمين، فإن الواقع والوقائع تثبت دوماً أن عموم الشعوب الغربية ولا أتحدث عن قياداتهم التي تسوقهم تعيش حالة من الجهل المركب عن الإسلام والمسلمين، وهذا ما أثبتته هذه الأزمة ؛ فقد ذكر المسؤول عن الرسوم الكاريكاتيرية أن معلوماته عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قليلة، وبتتبع انطباعات الشعب الدانمركي تبين أنهم فوجئوا بعد الأحداث بأن المسلمين يصل تعدادهم لأكثر من مليار نفس .
وبالطبع فإن ذلك نتيجة أن معلوماتهم ( القليلة ) استقوها من مستشرقين معظمهم مغرضون أو من رجال دين نصارى متعصبين ومنتفعين، مقالات وكتب ودراسات وقصص وروايات ونصوص مدرسية ومناهج تعليمية وكتابات ساقطة ..
كلها تعمل على تشويه صورة العرب والمسلمين في عيون الرأي العام الغربي، وكلها تعمل على تعمية بصيرة الغرب وتجهيله عن الاطلاع بوضوح على الإسلام وحضارة العرب والمسلمين، وكلها تصر جاهدة على استمرار تفريخ صورة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وأيضاً نتيجة تقصير المسلمين في إيصال الدعوة الإسلامية بشكل يتناسب مع حجم المسؤولية .
وفي الأزمة الراهنة يزيد الوضع سوءاً ما أشيع عن أن رئيس تحرير كل من صحيفة يولاند بوستن الدانمركية ومغازينات النرويجية اللتين نشرتا الصور المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - هما من أعضاء المؤتمر اليهودي العالمي وممولي ومصدري معلومات قسم الدراسات والأبحاث في مركز سايمون فيزنتال اليهودي، الذي يهدد مصالح العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم بحجة دفاعه عن السامية ؛ فالأصابع الصهيونية التي لا تريد خيراً لمسلمين ولا لنصارى غير مستبعدة من هذه القضية، والصحيفة الدانمركية لا تخفي توجهها الصهيوني، بل تضع نجمة داوود شعاراً لها على اسمها في الإصدارات المطبوعة وعلى اختصار رابطها الموصل لموقعها على الشبكة العالمية، ويعضد ذلك أن المسؤول عن نشر الرسوم المسيئة فيها عندما صرح باستعداده لنشر مسابقة أعلنت عنها صحيفة إيرانية حول رسوم تتناول محرقة الهولوكست .. لم يتوان مسؤولو الصحيفة عن إعطائه ( إجازة إجبارية ) غير محددة المدة .
إننا في زحمة التدافع وسخونة الصراع يجب ألا ننسى أننا أصحاب دعوة إلى دين الله الحق، وأن مهمتنا مع بسط سلطان الله في الأرض استنقاذ البشر من أن تجتالهم الشياطين وتختم لهم بالموت على الشرك بالله والكفر بدينه، وأن القوى الصهيونية والصليبية يهمها الحيلولة بين الشعوب ودين الله الحق ... وكل ذلك يوجب علينا بجانب الانتصار لنبينا بذل أقصى جهد للدعوة إلى دين الله، بل إن ذلك من أكبر صور الانتصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الملحوظة الخامسة : لا يستطيع أي عاقل إنكار أن التحرك الشعبي انطوى على إيجابيات عديدة : فقد اتحد الجميع على الوقوف ضد إهانة نبيهم، وهذا لم يحدث مثله منذ وقت طويل، حتى نستطيع القول : إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاد المسلمين من جديد، وعلَّم العالم وخاصة الغرب معرفة مدى المكانة التي ما زال يحظى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلوب المسلمين رغم الجهود الدؤوبة لإبعادهم عن دينهم، وكذلك اهتم العالم بشخصيته - صلى الله عليه وسلم - وأصبحت قضية الساعة، وقد ينتج عن ذلك أن يصل بعض الباحثين عن الحقيقة إليها ويدرك ظلم الإعلام الغربي المتصهين، وقد كان رد الفعل الشعبي في عموم الدول العربية والإسلامية شديداً لدرجة أحرجت معظم حكومات تلك الدول وأخرجتها عن صمتها على الرسوم، ودفعتها للتنديد باستهداف شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإسلام، لامتصاص الغضب الشعبي، أو لحين التشاور مع القيادات الغربية لإيجاد الحلول والخروج من المأزق الذي أوقعهم به السلوك الغربي الفج .
ورغم كل ذلك نستطيع القول : إن تعامل عوام المسلمين مع الأزمة اتسم بالتوهج العاطفي في الشعور، واختلاط الوعي الإيجابي بالوعي الزائف عند كثير منهم، والارتجالية أو الفوضوية في السلوك، بالإضافة إلى الحياة بإسلام الفضلة في الإرادة والتضحية عند بعضهم .
وهنا يجب أن ندرك أن أعداءنا يعوِّلون على استغلال السلبيات الكامنة فينا لإفشال جهودنا نحن وحرماننا من ثمراتها .
ومركوز في أذهان أعدائنا أننا شعوب عاطفية هوجاء تشتعل بسرعة وتنطفئ بسرعة ولا يحركها المبدأ والفكرة، وأنها قصيرة النَّفَس لا تستطيع الاستمرار أو الصمود مدة طويلة، فوضوية لا تعرف كيف تحقق هدفها، وهذا فيه قدر من الصحة، وتعالوا نراجع : افتتاح نفق الأقصى وتهديده بالهدم، ودعم المجاهدين في فلسطين، والموقف من العراق، وقبلها الشيشان وأفغانستان و كوسوفا، وموقفنا من كارثة تسونامي، وزلزال كشمير، إهانة الجنود الأمريكان للمصحف في غوانتنامو والعراق .. وكلها أزمات تحمسنا للمشاركة فيها بصورة من الصور، ثم خمدت الهمم رغم استمرار هذه الأزمات وحاجة المسلمين فيها للدعم والمؤازرة .
فمعظم هذه الأزمات تعاطفت معها الجماهير وقامت بمظاهرات صاخبة وأعلنت المقاطعة للمعتدين، ولأن دافع هذا السلوك كان هو العاطفة فإنه بعد انطفاء توهجها خاصة مع وجود إعلام يحترف التضليل والتزييف خمدت مظاهر الاحتجاج انتهت المقاطعة بدون تحقيق هدفها إن كان لها هدف ولكن لو تحركت الجماهير من أجل فكرة ومبدأ لظلت على سلوكها حتى يتحقق لها ما تريد، بل يمكن القول : إن أحد أسباب إقدام الغرب على إهانتنا وظلمنا هو معرفته بهذه الصفات فينا .
سادساً : تساؤلات شرعية في خضم الأزمة :
سأتجاوز هنا عرض عقوبة المستهزئ بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذه العقوبة يعرفها من له أدنى إلمام بالعلم الشرعي كما سبق أن ذكرت كما سأتجاوز أيضاً الاعتراض على أصل مشروعية المقاطعة ؛ إذ أراه اعتراضاً بارداً ؛ فالحصار أشد من المقاطعة، وقد كان شائعاً ومعروفاً شرعيته، كما أن المقاطعة تدخل تحت باب وسائل إنكار المنكر، ولمزيد من الإيضاح يمكن الرجوع إلى تفسير قوله - تعالى - : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } ( المائدة : 78 ) وأمثالها من الآيات ... ولكني سأستعرض هنا بعض التساؤلات الشائكة بالفعل والتي تحتاج إلى وقفات وبحث متعمق ومتأنٍ من هيئة شرعية أو أكثر من عالم متخصص يحيطون بعلم الشريعة وعلم الواقع، وإذا كنت أعتقد أني لست أحد هؤلاء فإني سأعرض ما يدور في أذهان بعض الناس من أفكار وأدلة و ( وجهات نظر ) أو تساؤلات شرعية لها وجاهتها، ولكن قبل هذا العرض أحب أن أذكّر بأن حقيقة إسلامنا تقتضي أن نستسلم جميعاً لأوامر الله - عز وجل - أياً كانت، وألا نقدم بين يدي الله ورسوله، بمعنى ألا ننساق خلف عواطفنا أو ( أهوائنا ) وألا نضع نتيجة نرغب فيها ونبحث لها عن مقدمات تؤدي إليها، وهذا ما أظن أننا جميعاً متفقون عليه، أما التساؤلات فهي كما يأتي :
التساؤل الأول : إذا علمنا عقوبة المستهزئ بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهل هناك فرق بين حالة الاستضعاف وحالة التمكين في كيفية الرد على المستهزئ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيذائه ؟ لقد ذكر القرآن سخرية المكذبين ببعض الرسل كما في قوله - تعالى - عن قوم نوح – عليه الصلاة والسلام - : {وَيَصْنَعُ الفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } ( هود : 38 )، وذكر استهزاء المشركين برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما في قوله - تعالى - : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ } ( الحجر : 94-95 )، ومع ذلك لم يَسْعَ رسول الله إلى عقوبة المستهزئين من كفار قريش ؛ فهل كان ذلك لأن هذه العقوبة لم تكن مشروعة بعد، أم لعدم التمكن من إيقاعها بسبب حالة الاستضعاف التي كان يعيشها المسلمون ؟ إن دعوى نسخ الآية بآية السيف التي كثيراً ما يذكرها بعض المتحمسين نقلاً عن بعض العلماء لا تصمد أمام التدقيق العلمي، حيث لا تنطبق شروط النسخ على الآيتين ( آية السيف وآية الإعراض )، ولذا يرى بعض العلماء أن حال المسلم في النصرة يختلف من مكان إلى مكان ومن زمن إلى آخر . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
« وصارت تلك الآيات ( آيات الصفح والعفو والصبر على الأذى ) في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصَّغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول الله وعلى عهده خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام ؛ فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون » ( الصارم المسلول، ج2، ص414 )، فما مدى انطباق ذلك على حالتنا ؟ التساؤل الثاني : هل المقاطعة أو أي عقوبة جماعية أخرى في حالتنا يعد أخذ أناس بجريرة غيرهم سواء في الداخل ( التجار والعاملين المتضررين )، أو الخارج ؟ المعروف أن الأصل في دين الله عدم أخذ البلاد والنَّاس أجمعين بجريمة واحدٍ منهم إذا لم بتواطؤوا على تأييدها أو المشاركة فيها، فقد قال الله - تعالى - في محكم كتابه : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( الأنعام : 164 )، { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( الإسراء : 15 )، وهل ( في مثل الحالة التي نحن بصددها ) امتدت عقوبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله إلى جميع قومه وكل من استمع شعره وحضر مجالسه التي نال فيها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ إن العدل يجب أن يكون حادينا في جميع الأحوال حتى ولو كان شاقاً على نفوسنا : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ } ( المائدة : 2 )، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 )، { وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً } ( الإسراء : 33 )، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِياًّ أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } ( النساء : 135 ) .
وهل تغيُّر الملابسات والظروف الحالية يوجب إيجاد فقه جديد وفتوى جديدة في المسألة ؟ ومن المخوَّل بإصدار مثل هذه الفتوى ؟
يحتج بعض الناس هنا بأن استطلاعات الرأي أوضحت أن غالبية الشعب الدانمركي تؤيد عدم اعتذار الصحيفة عن فعلتها وتؤيد موقف رئيس الحكومة في ذلك، ويرد آخرون بأن ذلك الاستطلاع جرى بعد أكثر من شهر من المقاطعة، أي لم يكن المقاطعون يعرفون كيف يبنون مقاطعتهم على هذا الأساس، كما أنه يمكن القول إن ذلك لا يعني الموافقة على الفعل نفسه، ولكنه من قبيل تأييد حق الآخر في إبداء رأيه سواء أكان موافقاً له أو مخالفاً له، « يمتد العداء في هذه القضية إلى أطراف ومستويات عديدة، لا ريب أن معظمها يفكر في الأصل بطريقة مشابهة لما يفكر به الرسام والصحيفة، ولكن لا ريب أيضاً أن الرد لا ينبغي أن يستهدف من يفكر بل من يتصرف ويسيء ؛ فهذا ما يساعد على امتناع أصحاب التفكير المشابه عن « التصرف والإساءة » . ( نبيل شبيب الإساءة لمقام النبوة بين الجماهير والنخب موقع الجزيرة نت ) .
سابعاً : حول المقاطعة، واقتراحات لجعلها أقل فوضوية وارتجالية وأكثر فاعلية :
تعد المقاطعة الاقتصادية أحد أساليب المقاومة السلمية الفعالة والمؤثرة إذا أُحسن استخدامها، ولكن يجب أن ندرك أنها ليست الأسلوب الوحيد للمقاومة، كما أنها قد لا تكون سلاحاً فعالاً لمواجهة هذه الجرائم والحد منها أو الرد عليها في بعض الظروف والأحوال ؛ فقد تصلح المقاطعة في بلد وتكون دون جدوى في بلد آخر، وذلك حسب حجم التعامل الاقتصادي بين البلد المقاطِع والمقاطَع، وعند عدم جدوى المقاطعة يجب التفكير في وسائل تأثير أخرى بحسب ظروف كل بلد ( مظاهرات، اعتصامات، احتجاجات .... ) .
ولكن التساؤلات التي تفرض نفسها، هي : ما مصير المقاطعات السابقة ؟ وهل حققت أهدافها ؟ ومتى توقفت ؟ وهل توقفت بقرار منا وإرادتنا ؟ وما السبيل لجعل المقاطعة أكثر فاعلية وأشد إيلاماً ؟
وبغضِّ النظر عما حدث من محاولة الدول الأوروبية فتح عدة جبهات في آن واحد على المقاطعين والمحتجين، فإن الواقع يقول إن التداخل السياسي والاقتصادي بل والإداري آخذ في النمو بين هذه الدول، فأوروبا تتجه منذ فترة للتحول إلى ( الولايات المتحدة الأوروبية )، بحيث سيصعب في أحيان كثيرة تحديد منتج معين موسوم بعبارة ( in Made --- ) من الدول الأوروبية، أو فصل دولة معينة واتخاذ إجراء معين يمسها هي بالذات بحيث لا يتداخل مع دول أخرى ؛ ففي هذه الحالة سنحتاج بشكل أكبر إلى تنظيم المقاطعة وحسن إدارتها لتكون ممكنة وفعالة .
ينبغي أن نلاحظ أولاً أنه إذا افترضنا أن المقاطعة الاقتصادية هي الخيار المناسب في أزمةٍ ما ؛ فهذا لا يعني أن المقاطعة هي السلاح المناسب كل مرة ؛ فكثرة استخدام المقاطعة مع عدم ترشيدها وتنظيمها سيؤثر مستقبلاً على فاعليتها وقوتها وتأثيرها، لذا لا ينبغي أن نرمى به في كل معركة وحالة دون النظر في مناسبته، وكيفية استخدامه، والوسائل التي تضمن فعالية نتائج هذا الاستخدام، وعدم الخروج من ذلك بنتائج عكسية ... « إن كل تحرك جماهيري يصنعه الوجدان الحي في الأمة لا يؤدي مفعوله على الوجه الأمثل، إلا إذا توافرت من ورائه عناصر التوجيه والتخطيط والتنظيم، وهذا بالذات ما افتقدته مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية، وتفتقده الآن مقاطعة البضائع الدانماركية » ( نبيل شبيب مصدر سابق ) .
وهذه بعض الخطوط التي أتصور أنها تساعد على إنجاح المقاطعة الاقتصادية باعتبارها إحدى وسائل المقاومة :
1 - تحديد حجم التعدي وقدر العقوبة التي يستحقها والوسيلة المناسبة للرد عليه والتعامل معه .
2 - أن تكون هناك جهة أو جهات يسترشد بها أو ينسق معها في خطوات المواجهة، ويمكن الاسترشاد في ذلك بما ذكر في الملحوظة الخامسة من ( ثانياً ) .
3 - تحديد أهداف للمقاطعة، وتتحدد الأهداف بحسب نوع وحجم الاعتداء ( فقد تكون بانسحاب قوات، أو تقديم اعتذار، أو إلغاء ت****ات، أو محاكمة أشخاص، أو استرداد مظلومين، أو نشر تعريف صحيح من قِبَلنا بالإسلام والرسول ... )، بحيث تظل هذه المقاطعة مستمرة حتى تتحقق هذه الأهداف، وإذا تحققت هذه الأهداف تلغى المقاطعة، أو تحديد مدى زمني معروف تتحقق فيه الأهداف المحددة أو معظمها، وأهمية هذا التحديد تكمن في ألا يكون قصر النَّفَس أو الإيقاع في الحرج العملي لبعض الفئات مدعاة لإضعاف سلاح المقاطعة وجعله بلا جدوى أو ضعيف التأثير بعد ذلك .
وتحديد الهدف سيجعلنا أقرب إلى معرفة الممكن وغير الممكن، حتى لا نسعى إلى مستحيل أو صعب لا يتناسب بذل الجهد فيه مع الثمرة المتوقعة من ورائه، فلا يتحقق هدفنا ويؤثر على معنوياتنا .
وعلى سبيل المثال، ففي الأزمة الحالية طالب كثيرون باعتذار رئيس الحكومة الدانمركية عن النشر، أو محاكمة من نشر هذه الرسوم، وبغض النظر عن التحفظ في كون هذا الاعتذار هو الهدف المطلوب أم لا، ويكفي للرد على هذه الجريمة أم لا يكفي، فإننا إذا فهمنا طبيعة هذا المجتمع يتضح لنا أن هذا المطلب غير منطقي، وذلك من عدة نواحٍ :
أولاً : يجب أن نضع في اعتبارنا أن القوم يكفرون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الحقيقة بالله وبجميع الرسل، وليس من المنطقي أن نطالبهم بمقتضيات الإيمان به قبل حدوث هذا الإيمان، أي : ليس لنا الطلب منهم بمعاقبة من يستهزئ برسول لا يؤمنون به وخاصة أن ذلك ليس مجَرّماً في منطق عدالتهم، ولكننا في الوقت نفسه يجب أن نحقق نحن مقتضيات الإيمان به في أن ننتصر له ونذب عنه، وهنا ينبغي ملاحظة الفرق بين تناول شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ناحية فكرية أو عقائدية التي قد تقبل مجادلة ودعوة، وبين النيل منه بالسخرية والاستهزاء التي ليس لها إلا العقوبة والتأديب .
وهذا يجعلنا نعرف ما الذي نفعله وما الذي نطالب به ؟ ثانياً : يجب أن نعرف طريقة حكم هذه البلاد القائمة على الفصل بين السلطات ؛ فالصحافة والإعلام سلطة منفصلة عن الحكومة، ولا سيطرة للأخيرة عليها إلا في ضوء القانون ؛ فهي لا تنشر ما تنشر بموافقة الحكومة أو إذنها، والحكومة لا تستطيع محاسبتها على ما تنشره ؛ فمطالبة الحكومة بالاعتذار مطالبة بمحال وغير عادلة من وجهة نظرهم، ونستطيع فهم ذلك من طرح سؤال : ( من المسؤول عن المشكلة حتى يعتذر عنها ؟ ) . إن مطالبتنا لرئيس الحكومة بالاعتذار تقع عليهم كمن يطالب وزير الأوقاف عندنا بالاعتذار عن خطأ وزير البترول !
وهذا لا يعني أنهم لا يضمرون ما نشرته الصحيفة، ولكن هذه مسألة أخرى .. وفي ضوء ذلك نفهم أن رفض شريحة استطلاع الرأي لاعتذار رئيس الحكومة كان منطقيّاً، ونفهم لماذا كانت نسبة من يرفض اعتذار رئيس الحكومة أعلى من نسبة من يرفض اعتذار الجريدة .
ومن ثم : تكون مطالبتنا نحن بذلك وجعله هدفاً نسعى إلى تحقيقه نوعاً من العبث .
ثالثاً : كما أن الاحتجاج بإمكانية محاكمة من يعادي السامية أو يشكك في الهولوكست لا يصلح أيضاً من وجهة نظرهم ؛ لأن هذه المحاكمات تعقد بناء على قانون عندهم يجرم هذه المعاداة وهذا التشكيك، ولا يوجد قانون آخر يجرم السخرية من الأنبياء ( هكذا كفرهم ! )، ولا جريمة إلا بنص ( قانون ) كما هو معروف عند الحقوقيين، ولذلك قال بعض الحقوقيين : إن المدخل الصحيح لهم هو اعتبارها جريمة إنسانية ( تتعلق بحقوق الإنسان ) وسياسية، وليست قانونية .
4 - تحديد الشريحة الموجهة لها المقاطعة والتي يكون لها صلة منطقية بمقترف التعدي أو لها تأثير محسوس في إزالة التعدي، وتحديد العدو المستهدف تحديداً دقيقاً .
« فالفارق كبير على سبيل المثال بين اختيار منتجات معينة، لشركات تساهم إسهاماً مباشراً وليس تحت عنوان تسديد الضرائب لحكومة عدوانية وما شابه ذلك في العدوان على المسلمين والإساءة إلى مقام رسولهم الكريم، وبين تعميم المقاطعة على كل منتج وكل شركة تحمل الاسم الأميركي أو الآن الدانماركي .
الصيغة الأولى : تساهم في تحويل عدو محدد المعالم إلى عدو كبير، وفي تحفيز من لا يتضامن معه في الأصل إلى التضامن « تعصباً »، و الصيغة الثانية : يمكن أن تؤثر من منطلق التفكير في المصالح الذاتية في الامتناع عن المشاركة في العدوان والإساءة، بل ربما في المشاركة في الضغوط على من يمارسهما ليمتنع عن ذلك .
الصيغة الأولى : تسمح بالتواصل مع جهات عديدة في الغرب ممن يسعى لاستعادة مكانة القيم في المجتمع، وممن يرفض ممارسات العدوان والإساءة، للعمل على تحرك مشترك، و الصيغة الثانية : تثير لدى هؤلاء التخوف من مثل تلك المشاركة، لا سيما في ظل تعميم خطاب المواجهة والاحتجاجات بما يشملهم ولا يميزهم عن سواهم » ( نبيل شبيب مصدر سابق ) .
وتحديد الشريحة المستهدفة سيجعلنا نتوخى الحذر في عدم إصابتنا لآخرين قد يكون من الظلم أن ينالهم أثر المقاطعة، وهنا يأتي ذكر الشركات والتجار وأصحاب المصالح المرتبطة بالجهات المقاطعة : حيث لوحظ أنه بجانب العاطفة الصادقة في نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعضهم، فإن الذعر من المقاطعة، والمراوغة في الالتزام بها، وركوب الموجة واستغلال تحصيل الحاصل، والنفاق الاقتصادي .. ظهر من سلوك بعض الشركات والتجار .
ولا شك أن الإحساس بظلم وقع عليهم وعدم القناعة باستحقاقهم لتلك العقوبة التي تأتي على جريمة لم يقترفوها يعد أحد أسباب هذا السلوك، خاصة والبضائع التي سيخسرونها اشتروها قبل حدوث الجريمة، وأنهم لم يشتركوا في هذه الجريمة، ولا يرضون بها .
منطق العدالة يقول : ما دام أن الأمة توجهت جميعها إلى المقاطعة فمن الواجب أن يشارك جميع القادرين في تحمل تبعات هذه المواجهة ؛ فالمقاطعة قد لا تعدو عند كثير من ( الأفراد ) أكثر من ( تغيير الصنف )، ولكنها عند بعض التجار والعاملين تعني خسائر بالملايين أو إغلاق مصادر رزقهم لذنب لم يقترفوه هم، وهذا قد يكون أحد أسباب التحايل والالتفاف على المقاطعة ومحاولة إجهاضها من قِبَل بعض الشركات المحلية .
وإضافة إلى العدالة فإن مساهمة هذه الشركات والتجار في المقاطعة يعد أحد أسباب نجاحها ؛ لذا أقترح : مشاركة بعض المسلمين في تحمل تبعات من يتضررون من المقاطعة رغم عدم مشاركتهم في التعدي، مثل المشاركة في تحمل تكلفة البضائع المشتراة قبل المقاطعة ( مع تعهد التاجر أو المستورد نفسه بمقاطعته لهذه البضائع فيما بعد ما دامت المقاطعة سارية )، أو المساعدة في توظيف العاملين في المنشأة إذا كان سيترتب على المقاطعة تضرر منشأتهم أو إغلاقها أو فصلهم من عملهم .. ويمكن إنشاء صندوق لدعم المقاطعة يتم بحصيلته شراء هذه المنتجات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، أو فتح حسابات للجمعيات الخيرية نفسها لتشتري هي هذه البضائع وتتولى توزيعها بمعرفتها .. وذلك من العدل، إضافة إلى أنه سيقلل من معارضة بعض الشرائح للمقاطعة ويزيد من فاعليتها وواقعيتها .
كما أقترح إنشاء مشروع متجر وطني ( الإسلامي )، يقوم على تشجيع منتجات البلدان الإسلامية والاقتصار عليها، بحيث تكون نسبة المنتج المصنَّع في هذه البلاد لا تقل عن 50%، وألا تحمل هذه المنتجات علامة تجارية لمنشأة رأسمالها لغير المسلمين، وألا يوظف في جميع هياكله الوظيفية غير المسلمين، أي أن يتبنى مقاطعة جميع البلدان غير الإسلامية طوال العام، وهذه الفكرة تحتاج إلى دراسة اقتصادية لوضع معايير نجاح المشروع، وأظن أن فرص نجاحه ليست بالقليلة، كما أن ذلك لا يتعارض مع اتفاقية منظمة التجارة ؛ إذ إنها تشترط عدم منع منتج ما ( إذا طلب )، ولا تستطيع إجبار أحد على شراء منتج معين .
5 - أن تكون المقاطعة شاملة، بمشاركة جميع المسلمين في المقاطعة بترجمة الدعوات إلى ذلك ونشرها بين أوساط المسلمين غير الناطقين بالعربية في بلادهم، وأن تكون شاملة لجميع الأنشطة والجوانب الاقتصادية والإعلامية وغيرها، وأن تكون شاملة أيضاً للمقاطعة العكسية .
6 - العمل بأسلوب الحملات الإعلامية في الترويج للمقاطعة : أي أن تتزامن الدعوة إلى المقاطعة في جميع وسائل الدعاية والإعلام، كالجرائد والمجلات والإذاعة والتلفزيون حتى ولو في صورة إعلانات مدفوعة الأجر وخطب الجمعة والمحاضرات والدروس، والإنترنت ( بجميع إمكاناته ) .
هذا ما يحضرني، وهذا اجتهادي ؛ فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، أدعو الله أن يغفره لي .

---------------------------------------
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-17-2015, 09:24 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة عولمة الغضب

عولمة الغضب
ــــــــ

(.د. عبدالعزيز كامل)
ــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــ




منذ زمن ليس بالطويل، يلحظ من يراقب العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني، أن هناك استدراجاً واستغضاباً واستفزازاً متعمداً للمسلمين، يتنامى ويتنوع بصورة مطردة، في شكل غزوات عسكرية، أو حملات ثقافية وإعلامية، أو محاصرات اقتصادية، وأخيراً ... تهجمات دينية . وأصبحنا لا نكاد نرى مكاناً في العالم الإسلامي غير مستهدف بجل أو كل تلك التحديات .
وتتجاوز حملة الاستغضاب والاستدراج لتخرج من النطاق الجغرافي للعالم الإسلامي لتنتقل إلى المسلمين المواطنين أو المستوطنين في أكثر بلدان العالم الغربي بغرض إشعار كل مسلم في العالم أنه تحت المواجهة، بشكل أو بآخر، إما أمنياً أو اقتصادياً أو حضارياً أو عسكرياً أو سياسياً أو ثقافياً .. !
من اللافت للنظر أيضاً أن من يستغضبون عموم المسلمين اليوم، ليسوا من أبناء طائفة واحدة من النصارى، حتى يقال إن بينهم وبين المسلمين ثأراً أو قضية، ولكن عداء أولئك يصدر من جميع طوائفهم، بروتستانتية كانت أو كاثوليكية أو أرثوذكسية، مع قدر غير قليل من التعاون الجلي والخفي مع اليهود ؛ فهؤلاء جميعاً مع اختلاف بعضهم مع بعض إلى حد أنهم يلعن بعضهم بعضاً، ويكفِّر بعضهم بعضاً ؛ إلا أنهم يجتمعون في هذا المسار، مسار التحدي والاستكبار على المسلمين .
فمن جرائم البروتستانت المتواترة والمتكاثرة من الأمريكيين و البريطانيين و الأستراليين و الدانماركيين و النرويجيين، إلى جحود الكاثوليك من الفرنسيين و الإيطاليين و الأسبان، إلى أحقاد الأرثوذكس من الروس و الصرب، إلى تعاون كل هؤلاء وتواطئهم مع حثالات اليهود في الشرق والغرب ؛ فالهجمة اليوم عامة، وهي مستأنفة تمثل امتداداً لهجمات استعمارية بروتستانتية وكاثوليكية وأرثوذكسية ويهودية طالت غالب أوطان المسلمين على مدى ما مضى من قرن ونصف . والآن تمتد لتشمل العالم الإسلامي دفعة واحدة لإغضابه دفعة واحدة، ودفعه إلى الارتباك والارتجال .. طمعاً ربما في إحداث ( فوضى خلاَّقة ) دولية . ! ... إنها عولمة من نوع جديد : عولمة للغضب .. تهدف إلى تدويل الغضب الإسلامي بعد إيقاظه !
لقد نجحت عولمة الغضب في صهر العالم الإسلامي كله في بوتقة غضبية واحدة، بعد تلك الجريمة النكراء الشنعاء التي تطاول فيها سفهاء الروم من سكان أوروبا على النبي الكريم المرسل إلينا وإليهم وإلى الناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيراً فلأول مرة في التاريخ المعاصر، تحدث على مستوى المسلمين ( انتفاضة عالمية ) تعم كل مكان في الأرض، لتشمل كل نَسَمَة مسلمة تشهد لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة، ولأول مرة يجري التعامل مع ( العالم الإسلامي ) على أنه شيء واحد، في مقابل ( العالم الغربي )، فتصدر التصريحات وتلقى البيانات وتوجه الكلمات والوساطات إلى : ( العالم الإسلامي ) وليس إلى بلد معين أو منظمة معينة أو تجمع إقليمي معين ؛ فهل كان هذا مقصوداً .. ؟! هل أراد هؤلاء أن يكرسوا هذا التقابل المتناقض بين ( عالمين )، ليكون ذلك من الآن فصاعداً لغة التخاطب بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ؟!
لقد عاش العرب والمسلمون في السنوات الأخيرة وهم يتصورون أن الصراع اختُصر مع أمريكا وحليفتها ( إسرائيل ) وأن الغرب ليس أمريكا فقط، فإذا هم اليوم ( يفاجَؤون ) بأن الغرب عالم واحد وموقف واحد، ويناصر بعضه بعضاً { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (الأنفال : 73) فهل نحن بصدد دخول عملي
في ( عولمة ) للصراع مع المسلمين، أو ما يطلقون عليه صراع الحضارات ؟!
وهل هو تدشين مبكر لملاحم عالمية جديدة لا يعلم مداها إلا الله .. ؟!
الذين بشروا بـ ( صراع الحضارات ) يعلمون أن هذا الصراع، هو تاريخ البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل ؛ حيث كان جزء كبير منه صراعاً بين الحق والباطل، ولهذا لم يكن صراع الحضارات أو الثقافات أو الأديان شراً كله، بل كان في أحيان كثيرة طريقاً وحيداً، يُكْرَه عليه المؤمنون لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإفاضة البلاغ للعالمين، ودفع شر الأشرار وبأس الكفار بجهاد وجلاد الأخيار { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ } (البقرة : 251) .
والفساد اليوم يهدد الأرض كلها بحماقات الغرب المحادِّ لله ورسله ... فساد في الاعتقاد وفساد في الأخلاق وفساد في الإعلام وفساد في المجتمعات وفساد في الأسر وفساد في العلاقات وفساد في البيئة، ومع هذا يراد ( عولمة ) كل هذا الفساد بالقوة ؛ لأنه يمثل نموذج الحضارة الأخير الذي ينبغي إخضاع كل الحضارات له، ولو أدى ذلك إلى صدامها وصراعها .
أليس هذا ما تؤمن به وتدعو إليه وتسير فيه الصقور والنسور الحاكمة في أمريكا و بريطانيا و أستراليا و فرنسا و إيطاليا ... وأخيراً .. ( الدجاج المتوحش ) في كل من الدانمرك و النرويج و إسبانيا ... ؟! دعك من الشعوب، في التهائها وغفلاتها، فهي تُستَغَل وتُستغفَل من كبرائها وزعمائها، لتساق إلى أتون مواجهة، قد لا ترضى بها ولا توافقها عليها .
لقد تنامى التحذير من تفجير ( صدام الحضارات ) بعد الأحداث الأخيرة التي اندلعت في العالم بسبب الرسوم المسيئة، ونحن في حاجة إلى أن نعيد قراءة الأطروحة، أو النظرية المسماة بذلك الاسم، لنتدبر شأننا، وننظر إلى مواضع خطانا، ونحكم بعين البصيرة على هذه النظرية الخطيرة التي احتفى بها الغرب، أهي أسطر في كتاب فكري ... أو تخطيط لانقلاب كوني ؟
* صراع الحضارات : نظرية أم إستراتيجية ؟
صاحب هذه النظرية : ( صموئيل هنتنجتون ) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية، وقد صاغ أطروحته لأول مرة في شكل مقالة نشرت في صيف عام 1993 م في دورية ( فوريجن أفيرز )، وكان ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة التي رأى الغرب بعدها أن عدوه الشيوعي ق توارى، ليبدأ البحث عن عدو جديد، ثم ألَّف هنتنجتون كتاباً في الموضوع ذاته بعنوان ( صدام الحضارات ... إعادة صنع النظام العالمي ) والعنوان نفسه يشي بأن الأمر ليس مجرد نظرية، بل هو إستراتيجية ( عملية ) . فقد تضمن أفكاراً هي أقرب إلى الخطط، وفرضيات يراد تحويلها إلى حتميات .
ولْنُعِد التأمل في أهم مرتكزات ومنطلقات ذلك الكتاب / النظرية / الإستراتيجية :
1 - الدين هو أهم العوامل التي تميز بين الحضارات، وهو العامل الأهم في صراعات المستقبل .
2 - القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية ينبغي أن تخدم مصالح الغرب، ولكنها تقدم في صورة إرادة المجتمع الدولي .
3 - المجتمعات الإسلامية لا تحدد هويتها إلا بالإسلام ( الأصولي )، ورفض العلمانية الغربية هو أكبر الحقائق الاجتماعية في بلاد المسلمين طوال القرن العشرين .
4 - الكتل الاقتصادية الإقليمية المتنافسة هي صيغة الاقتصاد العالمي في المستقبل .
5 - الصراعات العسكرية بين الحضارات الإسلامية والغربية استمرت عدة قرون وسوف تستمر وتزداد في المستقبل، وقد تكون أكثر قساوة .
6 - الازدياد السكاني للعالم الإسلامي سيسبب المشاكل لأوروبا بسبب الهجرات المتزايدة صوب الغرب .
7 - أطراف العالم الإسلامي هي مناطق صدام بين الإسلام وغيره من الأديان :
في الجنوب ( جنوب السودان نيجيريا الصومال إريتريا إثيوبيا ) في الشمال :
( البوسنة كوسوفا ألبانيا « مع الصرب » أرمينيا « مع أذربيجان » روسيا مع « أفغانستان » باكستان « مع الهند » الفلبين « مع الجنوب الإسلامي الفلبيني »، فحدود العالم الإسلامي حدود دامية .
8 - حروب المستقبل ستشهد تحالفاً وتضامناً بين حضارات ضد حضارات .
9 - الحضارة الغربية تعيش مرحلة القمة الآن، اقتصادياً وعسكرياً .
10 - الغرب سيسيطر على بقية العالم عن طريق المؤسسات الدولية .
ثم يخلص الكاتب إلى توصيات، قال إن على الغرب أن يتبناها لمواجهة صراعات المستقبل . وقد قسم السياسات الموصى بها إلى قسمين :
سياسة على المدى الطويل، وسياسة على المدى القصير .
أما على المدى القصير، فقد قدم التوصيات التالية :
- على الغرب أن يسعى إلى تعاون أوثق داخل دول الحضارة الغربية، وخاصة بين دول أوروبا و أمريكا الشمالية .
- ضرورة السعي لدمج دول شرق أوروبا و أمريكا اللاتينية في المجتمع الغربي واستغلال التقارب الثقافي ( الديني ) في هذا .
- السعي للحفاظ على علاقات تعاونية أوثق بين كل من روسيا و اليابان .
- منع تطور الصراعات المحلية داخل الحضارة الغربية إلى صراعات كبيرة .
- العمل على الحد من توسع القوة العسكرية للدول الإسلامية و الكونفوشية ( الصين و كوريا و فيتنام واليابان ) .
- عدم السعي إلى تخفيض القوة العسكرية الغربية، مع أهمية الاحتفاظ بقوة عسكرية في شرق و جنوب آسيا ( إندونيسيا باكستان أفغانستان الخليج ) .
- استغلال الخلافات بين الدول الإسلامية والكنفوشية و الهندوسية .
- دعم الجماعات المتعاطفة مع القيم والمصالح الغربية ( الليبراليين ) في دول الحضارات الأخرى .
- تقوية دور المؤسسات الدولية التي تعكس مصالح الغرب وقيمه وتمنحها الشرعية .
أما على المدى الطويل، فملخص مقترحات « هنتنجتون » هو : أن على الحضارة الغربية أن تحتفظ بقوتها العسكرية والاقتصادية، وتعمل في الوقت نفسه على مقاومة محاولات الحضارات الأخرى في السعي للحصول على أسباب القوة الاقتصادية والعسكرية، مع أهمية أن تفهم دول الحضارة الغربية المنطلقات الدينية والفلسفية التي تدفع الحضارات نحو مصالحها .
عندما نعيد قراءة أحداث الأعوام القليلة الماضية، وخاصة منذ بدأت الألفية الثالثة، نكاد نرى مجموع أفكار صراع الحضارات في خلفية الأحداث جميعاً، وخاصة فيما يتعلق بالعالم الإسلامي أو ما اصطلحت أمريكا على تسميته مؤخراً بـ « الشرق الأوسط الكبير »، حيث اندلعت حروب عسكرية، ودشنت حملات أمنية وإعلامية، وهجمات ثقافية على خلفيات حضارية أو دينية صريحة مثل : اجتياح أفغانستان وما تبعه من دعم لعصابة الإفساد الحاكمة هناك، والتواطؤ في الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبت في سجن يانجي، وبعده في معتقل جوانتنامو، ثم ما حدث في العراق ولا يزال يحدث بعد الغزو الذي استند الى كذب صريح على العالم كله، أدخل العراق بعده في دوامة الفوضى الشاملة، وكذلك ما تسرب من أنباء عن مقتل ما لا يقل عن 120 ألفاً من المدنيين أثناء غزو العراق، وقبلهم 20 ألفاً من القتلى المدنيين في غزو أفغانستان، وقبلهم قتل ما يزيد عن مليون طفل عراقي أثناء الحصار، ولا ننسى قضية الشيشان التي قايضوا عليها روسيا، و بلاد البلقان المسلمة التي طردوا منها الصرب ليحتلها ( ناتو ) الغرب، و السودان المستهدف بالتقسيم المصلحي بين الفرقاء الغربيين، و فلسطين التي يستكثرون عليها بعدما يقرب من ستة عقود من الاحتلال، مجرد سلطة ( حكم ذاتي ) نظيف ونزيه اختاره الشعب، لا لشيء إلا لأنه يحمل قضية ( الإسلام ) في برنامجه الانتخاب ( الديمقراطي ) .
وكانت أحداث أزمة ( الرسوم المسيئة ) للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم ما تلاها وواكبها من نشر صور ولقطات إذلال وامتهان كرامة الإنسان على يد الأمريكيين والبريطانيين في السجون والثكنات العسكرية في العراق، آخر حلقات ذلك المسلسل الهجومي الصِدامي المتواصل .
* ليست مصادفات :
لا يمكن لعاقل أن يفسر ذلك التسلسل العدائي بالمصادفات أو محض الاتفاق، ولا يمكن كذلك أن يتفهم ذلك الإجماع المتواطئ مؤخراً من أكثر دول الغرب على العناد والاستفزاز بإعادة نشر الرسوم المسيئة، والإصرار على عدم الاعتذار بصورة واضحة، إيغالاً في التحدي الجماعي لمجموع شعوب العالم الإسلامي ؛ حتى إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، عدُّوا مقاطعة الدانمرك اقتصادياً، مقاطعة لدول الاتحاد الأوروبي كلها . وتوحيد أوروبا لموقفها يجيء لتعجيز أو تشتيت الموقف الإسلامي الموحد، بتكثير عدد الدول التي سيتعين على المسلمين مقاطعتها اقتصادياً بسبب اتخاذ موقف الدانمرك نفسه أو الوقوف معها .
يساورني شك يكاد يقترب من اليقين، بأن تحريك فتنة الأزمة الأخيرة، إنما تلعب فيه أصابع ماهرة في خبثها، وبعيدة في مراميها، ولا أستبعد منها اليهود وإن كنت لا أُغفل غلاة النصارى من ذوي الاتجاه اليميني الديني الإنجيلي، ومنم الحزب الحاكم في الدانمارك، بمعنى أن الأحداث ليست مجرد تفاعلات وتداعيات ؛ فالفريقان اللذان يكادان يتطابقان في أهدافهما ووسائلهما وعقائدهما، يتركان كل حين آثاراً تشير إلى تعمد التصعيد .
وعلى وجه الخصوص فإن بصمات اليهود قتلة الأنبياء في الحملة على سيد الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه - لا تكاد تخطئها العين، وهناك قرائن واضحة تدل على أن ظل اليهود ليس بعيداً عن أجواء تلك الأزمة ؛ فالصحيفة الدانماركية التي تولت كبر هذه الفتنة ونفخت في كيرها وهي صحيفة ( يولاند بوسطن ) يتوسط عنوانها الرسمي نجمة داوود اليهودية بلون أصفر يميزها عن الحروف الإنجليزية في الكلمتين المكتوبتين باللون الأسود، مع شيء من التحوير في تلك النجمة، وإذا صح أن رئيس تحرير الصحيفة الدانماركية وكذا رئيس تحرير الصحيفة النرويجية اللتين نشرتا الرسوم الشائنة، هما من أعضاء المؤتمر اليهودي العالمي الذي يدير شؤون الفتن في العالم، يكون الكثير من ملامح ومعالم الصورة قد بدأ يتضح . ويتضح أكثر إذا عُلم أنهما من الناشطين مع مركز ( سايمون فيزنتال ) اليهودي في أمريكا، والمختص بوضع الاستراتيجيات الدولية لخدمة أهداف اليهود والدفاع عنها . إن أول من بدأ جرائم الاعتداء العلني على شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنوات الأخيرة هم اليهود، حيث أقدمت امرأة يهودية إسرائيلية على نشر رسوم لها، رسمت فيها قاتَلها اللهُ ولعنَها صورةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة خنزير، وكتبت على جسده باللغة العربية اسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمحت بعض الصحف بنشرها، لتنشر بعد ذلك في بعض صحف العالم، وقد ثارت وقتها ضجة من الاحتجاج الاسلامي في أنحاء متفرقة من العالم، وكعادته انبرى بعض الغربيين يؤيدون والبعض الآخر يفلسفون، وآخرون يعتذرون، ليسكِّنوا الحمية ويميِّعوا القضية، وكان على رأس هؤلاء وقتها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، لكن بلاد كلينتون نفسها الولايات المتحدة تسلمت من اليهود راية التحدي لمقدسات المسلمين بعد ذلك، عندما أقدم جنودها مرات متعددة على دعس المصحف الشريف وتمزيقه بل ... التبول عليه ( قاتلهم الله ولعنهم ) . ثم جاء حمار بشري في شكل وزير إيطالي هو ( ربرتو كالديرولي ) وزير ( الإصلاح ) في إيطاليا ليرتدي قميصاً عليه الرسوم المسيئة متحدياً جميع المسلمين في العالم، وقبل ذلك كان أحد مهاويس أمريكا وهو الصحفي ( ريتش لوري ) قد طالب بضرب مكة بقنبلة نووية ! وذلك في مقال نشرته له مجلة ( ناشيونال ريفيو )، وقد كرر الدعوة نفسها السيناتور الأمريكي ( توم تانكريدو ) !! وكأن القوم يتناوبون على امتهان مقدساتنا ودوس كرامتنا .
وفي تناغم أخير مع السلوك الشائن في أمريكا وأوروبا، أقدم مجند يهودي إسرائيلي بعد جريمة الدانمارك على كتابة شتائم نابية على جدران أحد المساجد في إحدى مدن فلسطين في 15 فبراير 2006، يسب فيها رسول - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ وقحة ؛ فلما ثار المواطنون المسلمون وتظاهر بعضهم احتجاجاً ؛ تدخلت الشرطة الإسرائيلية، فأطلقت عليهم النيران الحية ! ثم تكررت الفعلة الشنعاء بعد ذلك بثلاثة أيام من جندي آخر في مسجد آخر !! إن هذه الشرارات الصغيرة الحقيرة، هي التي تنشئ النيران الكبيرة الخطيرة، وهذا هو ما يراهن عليه مشعلو الفتن وسماسرة الحروب ؛ فقد يصدر تصريح، أو يبدر تصرف أو ينشر مقال أو رسم أو مشهد مسيء، فإذا هو يضيء سماء العالم الاسلامي بوهج الغضب وشهب التثوير، وهم يعلمون أننا لسنا بحمير حتى نستغضَب فلا نغضب أو نستثار فلا نثور .
إن هؤلاء الساعين الى إيقاد نار الحروب يريدونها محرقة عالمية، ولولا أن الله - تعالى - يطفئ من نارهم ما يشاء، لقلنا : على الأرض العفاء، منذ زمن طويل { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ } (المائدة : 64)، إننا لا نستند في ترجيح تعمد الاستغضاب الصهيوني يهودياً كان أو نصرانياً إلى ظن أو تخمين، بل نستند الى يقين نطق به القرآن المبين، في قول الله - تعالى - عن عداوتهم وجراءتهم على النبي – صلى الله عليه وسلم - وعلى الدين الذي جاء به، كفراً وحسداً، لا جهلاً وغفلة : { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَياًّ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ } (النساء : 46)، وهم لن يطعنوا في ديننا فقط ؛ بل سيقاتلوننا عليه في حروب دينية صريحة، كما حدث كثيراً في التاريخ { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } (البقرة : 217) .
ولليهود و المشركين الدور الأساس في ذلك : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } (المائدة : 82) ؛ فهم العدو الأول للمسلمين في الزمان كله والمكان كله، منذ مبعث النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . ولا نستطيع هنا أن نتجاهل أن الحزب الحاكم في مملكة الدانمارك هو حزب يميني ديني بروتستانتي متشدد، والصحيفة التي أشعلت الفتنة هي صحيفة صادرة عنه .
وهذه الحملة المشتركة بقيادة المغضوب عليهم للضالين قد تجر العالم كما جروه من قبل إلى صدامات دولية، تكون ساحتها على أرض المسلمين، وبأموال المسلمين، وأرواح المسلمين .
* الأحقاد الدينية ... على درب المحرقة الكبرى :
لا تزال البشرية في البدايات المبكرة للألفية الثالثة، التي يعتقد المتشددون الإنجيليون وغلاة البروتستانت تبعاً لعقائد يهودية أنها لا بد أن تشهد بداية النهاية لأيام ( العامة ) أو الكفار أو الكُفريم أو ( الجويم ) بتعبير التوراة المحرفة التي يقرؤونها ويتعبدون بها، حيث ستأتي بعد أيام ( العامة ) تلك، أيام ( الخاصة ) التي تخص الشعوب المختارة وحدها من الأنجلوساكسون وحلفائهم من اليهود، لضمان سيادتهم على العالم لألف سنة قادمة ؛ وهذا هو جوهر ( العقيدة الألفية )، التي ترجمت في السنوات الأخيرة إلى برامج عملية، وإستراتيجية عالمية للولايات المتحدة، أطلقوا عليها مشروع ( القرن الأمريكي ) أو ( إمبراطورية القرن الحادي والعشرين ) . ليبدأ هذا القرن أمريكياً يهودياً غربياً، تمهيداً لـ ( الأيام الأخيرة ) أو بالتعبير العبري التوراتي ( أحريت أياميم ) والذي ستعقبه مرحلة ( يوم هدين ) بالعبرانية أو ( يوم الدين ) بالعربية . ولا بد قبل أن يأتي ( يوم هدِّين ) أو يوم القيامة الكبرى من التمهيد للألف السعيد بإقامة قيامة صغرى، تكون سبباً في هلاك غالبية سكان الأرض، أو بالتحديد : ( ثلثا سكان العالم ) [1] من غيرهم . والأسباب التي ستؤدي لإقامة هذه القيامة الصغرى عندهم لا تُنتظر، بل تُدبر وتصنع !!
هل نفتري عليهم .... ؟! هل نبالغ في تقدير خطورة أحلامهم التدميرية الإرهابية العالمية .. ؟! لا ... وسأذكر بعض الأدلة من كتبهم ( المقدسة ) بنصوصها وتأويلاتها التي تصنع وجداناً عدائياً لسائر البشر، وخاصة أكرر : ( وخاصة ) : العرب والمسلمين والكنفوش ( الصينيون و الكوريون و الفيتناميون و اليابانيون ) [2] الذين تجمعهم عند هؤلاء تسمية التوراة : ( يأجوج ومأجوج ) حيث سيتكتل هؤلاء في الأيام الأخيرة كما يعتقدون في ( محور الشر ) الذي ينطلق من الشرق لينازل محور الخير أو العالم الغربي، في وسط العالم أو ( الشرق الأوسط ) وبالتحديد في ( فلسطين ) التي أرادوا محو اسمها لتصبح فقط ( إسرائيل ) كما سمتها التوراة المحرفة .
- تقول التوراة التي يدين بها أكثر من ملياري نصراني، ونحو ( 16 ) مليون يهودي في عالم اليوم :
- ( في الأيام الأخيرة، عندما تتجمع إسرائيل من الأمم، سوف تتسبب في أمرٍ ما، هذا ما سوف يحدث، إنني سوف أضع صنارة في أفواه القوى المؤتلفة ) .
- وجاء فيها أيضاً : ( بعد أيام كثيرة، تُفتقد في السنين الأخيرة، تأتي إلى الأرض المستردة من السيف، المجموعة من جبال إسرائيل التي كانت خربة للذين أخرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلهم، وتصعد وتأتي كزوبعة، وتكون كسحابة تغشى الأرض أنت وكل جيوشك، وشعوب كثيرون معك ) .
- وجاء فيها : ( ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل ... يقول السيد الرب : يكون سيف كل واحد على أخيه، وأعقبه بالوباء وبالدم، وأمطر عليه وعلى جيشه وعلى الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيم وناراً وكبريتاً ) [3] .
- أما التلمود الذي يمثل شروح التوراة، والذي يعد عند التوراتيين أقدس من التوراة نفسها فيقول : ( قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لا بد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقون سبع سنين، يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر ) [4] .
- وجاء في بروتوكولات حكماء صهيون : ( إن القتال المتأخر بيننا سيكون ذا طبيعة مقهورة، لم ير العالم لها مثيلاً من قبل، والوقت متأخر بالنسبة لعباقرتهم ) [5] .
- أما الإنجيل الذي يدين به نصارى العالم بكل طوائفهم، فإنه يزيد في تحديد المعلومات عن هذا الصدام الأخير، فيشير إلى موقع المعركة الكبرى، أو المحرقة الكبرى ويشير الى اسمها ووصفها ؛ فقد جاء فيه كما يقولون على لسان عيسى - عليه السلام - وهو يصف مجيئه المفاجئ في آخر الزمان تمهيداً للألف السعيد : ( ها أنا آتي كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلاَّ يمشي عرياناً فيروا عريته، يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدُّون ) [6] .
لن أطيل في تفصيل هذه المعتقدات الأشبه بالخرافات ؛ فقد فصلت فيها في بعض كتبي، وبينت أنها وإن كانت أشبه بالأساطير، إلا أنها أساطير مدججة بالجيوش والأساطيل، تقف وراءها أحلاف عظمى، تملك القوة ولا تملك الحكمة، ولها ترسانات ضخمة من كل أسلحة الدمار التقليدي وغير التقليدي . وهذه الأساطير ينظر لتفعيلها العديد من المفكرين والاستراتيجيين الذين يغلِّفون أفكارهم الخرافية بأغلفة أكاديمية، تتحدث عن احتمالات وسيناريوهات الحرب العالمية الثالثة، التي أثبتت الحربان العالميتان قبلها، زيادة احتمال وقوعها .
لا أريد أيضاً أن يُفهَم من كلامي أني أجزم أن أحداث فتنة ( الرسوم المسيئة ) بالذات، والتي أرجح تدبير وتنسيق المواقف فيها ؛ قد جاءت كلها على خلفية تلك المعتقدات، لكني أؤكد، أن ما حدث وما يمكن أن يحدث هو مقدمة شحن لعواطف الدين والعقيدة عند الشعوب المستهدفة بصدام الحضارات أو الثقافات، وهذه الأحداث فرصة سانحة، لن يفوِّتها الحاقدون على البشر، المعظمون لأنفسهم والمقدسون لذواتهم دون بقية الخلق : { وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ } (المائدة : 18)، هؤلاء البشر ممن خلق الله، ينحدرون مع الأيام، استجابة للشيطان، حتى يصبحوا جزءا أصيلاً من رعيته، المكونة من أتباعه وذريته، وصدق الله : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ } (الأعراف : 179) .
وهذه الأنعام التي تطاولت على خير الأنام محمد - صلوات الله عليه وسلامه - تستكثر كبراً وعتواً، أن يمس أحد « مقدساتهم » وثوابتهم، وعلى رأسها« حرية التعبير » التي تستلزم عندهم « حرية التعيير »، وتتضمن حرية التغيير بالقوة وغير القوة لثوابت ومقدسات الغير !
أما ثوابتهم هم، ومقدساتهم هم، ومسلَّماتهم هم ؛ فالويل، ثم الويل لمن يتعداها أو يعاديها، وأبرز مثال على ذلك ما يسمونه : ( معاداة السامية ) [7] ...
وما ينتج عنها مما يصفونه بـ ( المحرقة الكبرى ) أو ( الهولوكست )، التي تتكسر عندها كل أدوات التعبير، ولا تقبل عند المساس بها التأسفات أو المعاذير !
* من يجرؤ على الكلام ؟
بهذا العنوان، صدر كتاب عام 1985 لمؤلفه السيناتور الأمريكي السابق ( بول فندلي ) ذكر فيه أن هناك إرهاباً يمارس على حرية النقد والتعبير، يمارسه اليهود وأشياعهم داخل الأروقة السياسية في أمريكا، يقدح في كل دعاوى الحرية والديمقراطية في الغرب ؛ فهي حرية ذات حدود مرسومة، وسقوف معلومة، يحرم تخطِّيها، ويجرَّم من يقع فيها .
فدعاوى الغربيين اليوم أن حرية التعبير والرأي عندهم لا حدود لها، يدحضها سلوكهم عند أي تصرف أو سلوك أو تفكير أو تعبير يتعرض بالعداء لـ ( السامية ) !
ومن أبرز التجليات المجسدة لقضية ( معاداة السامية )، قضية المحرقة اليهودية، أو ( الهولوكست ) . والهولوكست، كلمة يونانية، تعني ( القربان الكامل ) إشارة إلى القرابين التي كانت تُقَدَّم تعبُّداً، كي تُحرق في المعابد بشكل كامل، حيث لا ينال أحد من البشر منها شيئاً . وقد أشاع اليهود هذا التعبير كمصطلح يرمز إلى ما حدث لهم على يد الزعيم الألماني ( أدولف هتلر )، حيث صوَّروا ما فعله ضدهم من انتقام وحرق في السجون أنه أكبر محرقة في التاريخ .
لقد مارس اليهود كمّاً كبيراً من التهويل والتزييف لحقائق تلك المحرقة، بغرض تضخيم أموال التعويضات التي طلبوها - ولا يزالون - عوضاً عما لحق بهم من ( أعداء السامية ) . وفلسفة ( الهولوكست ) أو المحرقة اليهودية، كانت تنطوي على إبراز حقيقة مفادها أن ( المسيحيين ) يكرهون اليهود، وعليهم أن يثبتوا عكس ذلك، ولن يثبت عكس ذلك إلا بدفع التعويضات والتجاوز عن مساءلة اليهود وفق أي قوانين أو معايير دولية أو محلية في أي بلد يسكنونها ؛ لأنه ( يكفيهم ) ما كابدوه من تعنت هتلر معهم، حيث لم يدفعه إلى ذلك إلا ( معاداة السامية ) !
إنهم يقولون : إن العالم كله يكرههم ويريد قتلهم، ولهذا فيجب ألا تكون الأمم المتحدة عوناً مع العالم عليهم . وتماشياً مع هذا الابتزاز اليهودي فإن الصحافة في العالم الغربي، تصور دولة اليهود دائماً على أنها محاصرة ومضطهدة من طوفان عدائي محيط بها، يريد إدخالها في محرقة أخرى [8] .
وبالرغم من حداثة حادثة المحرقة اليهودية نسبياً في التاريخ ؛ فقد استطاع اليهود أن يحرِّفوا و يزيِّفوا تفاصيلها، ثم يجعلوا هذا التزييف والتحريف أمراً ثابتاً بل مقدساً، لا ينبغي لأحد أن يشكك فيه أو حتى يناقشه وإلا كان معادياً للسامية، ومن ثم معرضاً نفسه للعقوبات القانونية . لقد عبثوا بالأرقام الدالة على عدد الذين أحرقهم هتلر ؛ فالمحققون الأكاديميون والمحايدون أثبتوا وفقاً لمصادر اليهود أنفسهم أنه كان في أوروبا كلها في الفترة التي حدثت فيها المحرقة، ثلاثة ملايين وعشرة آلاف وسبعمائة واثنان وعشرون يهودياً فقط ( 3.010.722 ) بمن فيهم يهود ألمانيا، فكيف يتم حرق ستة ملايين يهودي على يد هتلر داخل حدود ألمانيا .. ؟!
واليهود يغالطون، فيتحدثون عن ( ضحايا ) المحرقة، فيدخلون فيها كل يهودي « تأذى » من تلك المحرقة، ولو كان ذلك بدموع ذرفها، أو دولارات خسرها، فيوصلونهم إلى ستة ملايين !! ويردد العالم « الحر » بغبائه ذلك الدجل، لا بل يحاسب بقية العالم بمقتضاه !! وقد أشاع اليهود أيضاً أن سكان فلسطين من الإسرائيليين، أكثرهم من الناجين من المحرقة ! فهم على هذا يستحقون هم وأولادهم وأحفادهم من العالم كله والعالم الغربي على وجه الخصوص، ألاَّ يقطع عنهم المعونات والتعويضات، وألاَّ يتردد في معاقبة من يعاديهم بشتى أنواع العقوبات .
لقد قتل هتلر من الغجر و الشيوعيين أكثر مما قتل من اليهود، بل تسبب في الحرب العالمية الثانية التي قُتل فيها نحو خمسين مليوناً من البشر، منهم 17 مليون سوفييتي، وتسعة ملايين ألماني، وعشرات الملايين من السلافيين والغجر و البولنديين ومختلف دول آسيا و أفريقيا، ولم يتحدث أحد عن هذه المحرقة الحقيقية التي لم يكن ظل اليهود بعيداً عنها .
* معاداة السامية، وشجاعة الجبناء :
صدرت في العديد من الدول الأوروبية قوانين تحرم وتجرم كل من يشكك في الرواية اليهودية عن ( الهولوكست ) بل كل من يحاول كشف الحقيقة عنها، ( من هذه الدول فرنسا الحرة ) التي لاحقت بموجب هذا القانون المفكر الفرنسي ( روجيه جارودي ) الذي أعلن إسلامه عام 1981م ؛ فقد اتُّهم بمعاداة السامية بسبب تشكيكه في المحرقة، وإثباته أن عدد الضحايا اليهود في المحرقة، يبلغ 900 ألف إلى مليون ومئتي ألف، وليسوا ستة ملايين كما يدعي اليهود، لقد حوكم جارودي وحكم عليه بالسجن، وصودر كتابه الذي تجرأ فيه على الكلام وهو كتاب : ( الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل ) !
- وحوكم كاتب سويدي آخر، وهو ( رينيه لويس ) بمقتضى القانون السويدي الذي يحرم معاداة السامية ؛ لأنه شكك في قصة المحرقة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 17 عاماً، ولا يزال في سجنه حتى اليوم .
- واعتقل الكاتب البلجيكي ( سيغفريد فيريبكيه ) في أحد مطارات هولندا، بسبب تشكيكه في المذكرات التي تُدَرَّس في الكثير من مدارس الدول الأوروبية عن المحرقة .
- وفي عام 2000 م، صدر كتاب في الولايات المتحدة الأمريكية للكاتب الأمريكي ( فينكلشتاين ) اسماه ( صناعة الهولوكست )، فضح فيه الممارسات اليهودية التي تتاجر بما وصفه ( الآلام الإنسانية ) لإشباع أغراض مادية، فثارت ضجة بسبب الكتاب، حتى إنه كان الموضوع الأول الذي وضع للنقاش في احتفالات أوروبا ( السنوية ) بـ ( عيد المحرقة ) !
- وحوكم الكاتب الألماني ( أرنست ذوندل ) في 15 نوفمبر 2005، بتهمة التشكيك في المحرقة، وطرد من كندا بسبب نفيه وقوع ما يسمى بـ ( أفران الغاز ) .
- وفي 16 نوفمبر 2005، تم ترحيل عالم الكيمياء الألماني ( جيرمان رودلف ) من أمريكا إلى ألمانيا ؛ لأنه أعد بحثاً كيميائياً أثبت فيه أن صنف الغاز الذي تحدث اليهود أن هتلر استخدمه ضدهم في أفران الغاز الحارقة، غير موجود أصلاً بالخواص التي ذكرها اليهود، وقد حكم على هذا الباحث بالسجن لمدة عام وشهرين، عقاباً له، لا على حرية الرأي فحسب، بل على حرية التفكير والبحث !
- واعتقل المؤرخ البريطاني ( ديفيد ارفنج ) في النمسا، وهو في طريقه لإلقاء محاضرة في إحدى جامعاتها، بتهمة أنه سبق أن ألقى محاضرة هناك عام 1989م، شكك فيها في المحرقة، وكان قد ألف كتاباً بعنوان ( حروب هتلر ) في الموضوع نفسه، وقد بدأت محاكمته مؤخراً في 20/2/2006، وهو في العام السابع والستين من عمره، مما جعله يتراجع عن آرائه في محاولة منه لتفادي هذا الحكم، وحكم عليه رغم ذلك بالسجن ثلاث سنوات !
في مقابل ذلك، كانت السويد قد دعت الكاتب الهندي المرتد ( سلمان رشدي ) صاحب كتاب ( آيات شيطانية ) لزيارة عاصمتها، وعندما جاء احتفت به كل وسائل الإعلام، وأتاحت له كامل الحرية في مخاطبة الشعب السويدي النصراني عن آرائه في الدين الإسلامي، بينما حجبت تلك ( الحرية ) نفسها عن ضيف آخر في التوقيت نفسه، وهو الكاتب الفرنسي المعروف بالعداء للصهيونيين ( فوريسون ) ومنعته من المحاضرة، بل سمحت من باب حرية التعبير بالتظاهر ضده !!
الذين تحدثوا عن جرم التشكيك في حرق اليهود ؛ لم يتحدثوا عن مئات الملايين التي أبادها الأمريكيون حلفاء اليهود وأشباههم فقد أبادوا نحو ستين مليوناً من الهنود الحمر في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، وأبادوا في عملية إحلال العبيد من الأفارقة مكانهم، أكثر من مائة مليون أفريقي، قضوا في عمليات الحشر الوحشي في سفن الشحن التجارية، ومع هذا لم يتحدث أحد عن هذا ( الهولوكست ) الأمريكي، بل تحدثوا عن أمريكا « محررة » العبيد !! ويتحدثون اليوم عن ( حرية التعبير ) التي يُستثنى منها التعرض لليهود، ويريدون وهذا هو الأدهى ( عولمة ) القوانين القاضية بتجريم التشكيك في المحرقة، فعلى عادة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة في محاسبة ومعاقبة كل من يخالف سياساتها ويتعرض لمصالحها ومصالح ربيبتها وحبيبتها ( إسرائيل ) بإصدار القوانين في ذلك، وعلى غرار ( قانون محاسبة سورية ) و ( قانون محاسبة السودان ) و ( قانون محاسبة إيران ) وأخيراُ ( قانون محاسبة مصر ) ! ... صدر في أكتوبر عام 2002 قانون في الولايات لمحاسبة ومعاقبة كل من يعادي اليهود، ويحمل القانون اسم ( قانون محاسبة أعداء السامية ) .
ولم يتوقف الأمر على تصدُّر أمريكا لحماية ( جناب ) إسرائيل من التعدي أو التحدي، ولو بفكرة أو تصريح أو كتاب أو مقال على مستوى العالم، حتى دفعت الأمم المتحدة ... ( ممثلة العالم ) في طريق إصدار قانون مماثل، ففي أول نوفمبر من عام 2005، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينص على رفض الأمم المتحدة لأي إنكار لحقيقة المحرقة كحدث تاريخي، سواء بشكل كلي أو جزئي، واعتبر القرار مثل هذا التصرف أمراً ممنوعاً ويعرض صاحبه للمساءلة، ودعا القرار إلى ضرورة ( تثقيف ) شعوب العالم عن المحرقة، واختار يوم 27 يناير من كل عام ليكون يوماً عالمياً لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة !!
وفي السياق نفسه، أقامت الحكومة الإسرائيلية في 19 مارس 2005، معرضاً في تل أبيب عن المحرقة، ودعت إليه آلافاً من الشخصيات، من رموز الفكر والسياسة والفن، وقد لبوا الدعوة، وكان على رأسهم ( الأمين ) العام للأمم المتحدة : كوفي أنان، الذي عبر عن تضامن العالم الذي يمثله، مع اليهود !
* وماذا بعد ... ؟
إن ( عولمة الغضب ) تسير في اتجاهات متعددة وليس في الاتجاه الإسلامي فقط ؛ فإصرار الخبثاء من فجار الكفار على المزيد من استغضاب المسلمين كل حين، يبدو أنه يلعب على أوتار الأفعال المحسوبة، بانتظار ردات الفعل غير المحسوبة، ليبدو المسلمون في النهاية هم المجرمون، وهم الإرهابيون، وهم الفوضويون، وتثور في المقابل موجات غضب مضادة في الغرب، تنعكس مزيداً من التضييق على المسلمين، ومحاربة لهم في أمنهم واستقرارهم ومقدساتهم ومقدراتهم، يمكن استغلالها - وهذا هو الأخطر - في تدبير ( فوضى خلاَّقة ) على مستوى العالم، لا يوجد من المسلمين من هو مستعد لمواجهتها وإحباط كيدها .
لكننا لا نريد أن يظل أعداؤنا وأعداء الإنسانية أشباحاً وهمية ؛ فالجرم موجود، والفاعلون معروفون، والشركاء مستعلنون، وإذا كان البرلمان الأوروبي قد أعلن في 15/2/2006 تضامنه مع الدانمارك واعتبر أن استمرار مقاطعتها، هو مقاطعة للاتحاد الأوروبي كله، إرهاباً وإرعاباً للمسلمين وكسراً للحصار الاقتصادي ضد من أجرموا في حقهم ؛ فعلى المسلمين أن يقولوا كلمتهم بلسان إسلامي واحد، ويقولوا إن الاعتداء على مقام نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو اعتداء على كل مسلم في أعز شيء عنده، ومن ثم، فإن كل مسلم من حقه، بل من واجبه رد الاعتداء، في حدود المشروع والمقدور ؛ لأن من أَمِن العقوبة أساء الأدب، وأي إساءة للأدب أسوأ من التطاول على سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - ؟
والمقاطعة الاقتصادية هي أحد الحقوق أو الواجبات في نصرة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -، وهي يجب أن تؤدي دورها كاملاً، كما أدت الإساءة كما أراد أصحابها دورها كاملاً .
لكن المقاطعة وحدها لا ينبغي أن تكون آخر المطاف في ظل إصرار المعتدين لى إفشالها وإرباكها، وقد أفاض العلماء والدعاة والمفكرون في تعديد الأشكال والأنواع التي تندرج تحت صنف مواجهة التحدي، لكن تحدياً آخر لم يتطرق إليه أحد فيما أعلم، وهو من سينظم هذه المواجهة، سواء كانت مقاطعة اقتصادية أو غيرها مما تفرضه تداعيات الأزمة أو ما يمكن أن يأتي بعدها ؟ من سيضع ضوابطها، ويحدد أوقاتها، ويتابع فعالياتها ؟ في ضوء الفرقة والشتات الذي تعانيه الأمة على مستوى نخبها قبل شعوبها ؟!
إن هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه النخب العلمية والدعوية والفكرية والسياسية في الأمة، وإذا كانت تلك النخب غير قادرة اليوم على أن توحد صفوفها ولا أقول رأيها لتقود الشعوب في وجه مثل هذه التحديات الجديدة الكبرى، فلتترك الجماهير المسلمة تعبر عن مكنون الخير في الأمة في مواجهة التحدي ؛ ولتدع لها ( حرية التعبير ) لكن بالضوابط والشروط بحيث لا تخرج عن الشريعة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد أثبتت تجارب السنوات القليلة الماضية أن ( الفطرة ) التي تحرك تلك الجماهير، هي أذكى وأجدى من كثير من التنظير الناشئ عن حسابات حزبية أو آنية أو أمنية ؛ فـ ( عولمة الغضب ) لا نتوقع لها نهاية قريبة ... حتى لو انتهت أزمة الرسوم المسيئة .


________________________
(1) قد يزيدهم في الفتنة أن نصارى العالم يمثلون ثلث سكان الأرض , بينما تمثل بقية الامم أو الحضارات الثلثين الأخرين ! .
(2) تأمل السلوك العدائي للولايات المتحدة على وجه الخصوص تجاه كل من (اليابان) التي ضربتها بالقنابل النووية (و فيتنام) التي خاضت ضدها الحرب التدميرية المجنونة المشهورة , و (كوريا الشمالية) التي جعلتها الضلع الثالث في محور الشر , و (الصين) التي يعدها الامريكيون عدو المستقبل الأكبر أو (التنين النائم) كما يقولون , و هي كلها شعوب (كنفوشية) يدفع العالم الإسلامي دفعاً إلى التحالف معها , و الارتماء في أحضانها : اليوم اقتصادياً -- و غداً عسكرياً .
(3) تراجع هذه النصوص في سفر حزقيال , الإصحاح الثامن و الثلاثون .
(4) انظر : التلمود و تعاليمه : ظفر الدين خان .
(5) بروتوكلات حكماء صهيون , ترجمة خليفة التونسي , البروتوكول الخامس ص 123 .
(6) سفر الرؤيا (الإنجيل) 16 / 15 .
(7) ظهر هذا المصطلح عام 1873 م , في كتاب للصحفي الألماني (وليم هار) و كان الكتاب يتناول العداء بين السلالات البشرية المنحدرة من نسل نوح الثلاثة (سام , و حام , و يافث) و رصد الظاهرة التاريخية الممثلة في كثرة العداء و الحروب ضد المنحدرين من نسل سام , و هم سكان الشرق الأدنى : (البابليون و الآشوريين و العبرانيون و العرب و الفلسطينيون) لكن اليهود احتكروا تسمية (الساميين) لأنفسهم , ربما لأن بقية سلالة سام و غيره من أبناء نوح , ليسوا من البشر أصلاً , بل خلقوا على هيئة بشر لئلا يستوحش منهم اليهود .
(8) قال رئيس وزراء ماليزيا السابق (مهاتير محمد) إن 67 % من إجمالي يهود العالم ليسوا ساميين , و أنه لا يستحق وصف السامية بحق إلا العرب المنحدرون من أصول عربية , و بما أن اليهود يعادونهم , فاليهود هم حقاً (أعداء السامية) , و العرب ضحايا العداء للسامية !! .


---------------------------------
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 01-17-2015, 09:28 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة حرية التعبير في الغرب الحقيقة والوهم

حرية التعبير في الغرب الحقيقة والوهم
ـــــــــــــــــــ

(.أ.د. أحمد محمد الدغشي)
ـــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ




* أسطورة حق التعبير في الغرب :
--------------------

حقّاً إنها أسطورة مخجلة أن يظل بعض مثقفينا يردد بلا إدراك حصيف أن الغرب قِبلة الحُرّيات، ومهوى أفئدة المضطَهَدين على نحو من المبالغة المفرطة، والتقديس الفجّ . ولئن كان لذلك بعض البريق ذي الأساس المقدّر قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ؛ فإن الأمر اختلف بعد تلك الأحداث إلى حدّ كبير ؛ حيث كانت ذريعة حق الدفاع عن أمن الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية ولا سيما مع تكرار حدوث أعمال مشابهة جزئياً في بعض تلك البلدان من وراء ذلك الانقلاب الكبير في الحقوق والحرّيات بمختلف تصنيفاتها . ومع أن العديد من النصوص والوقائع التي سنأتي على ذكرها توّاً تسبق أحداث سبتمبر، إلا أن القيود على حركة الحرّيات ازدادت أضعافاً مضاعفة بعد ذلك .
وإليك الآن الشواهد التالية :
- في أمريكا تم منع عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية التي قام بإعدادها الصحفي البريطاني البارز ( روبرت فيسك )، لأنها أثارت غضب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الذي هدّد شبكة التلفزيون بسحب الإعلانات ذات المردود المادي منها .
أما إذا سألت عن سرّ هذا الغضب فيأتيك الجواب أن مجموعة تلك الأفلام كانعنوانها ( جذور غضب المسلمين )، حيث اتهمت الصهيونية بأنها السبب الرئيسي وراء نقمة المسلمين على الغرب . ولاحظ أن ( فيسك ) حاصل على جائزة الصحافة البريطانية لعام 1995م كأحسن صحفي بريطاني قادر على عرض الأخبار السياسية الدولية وتحليلها .
ليس ذلك فحسب بل إن كاتباً بحجم ( نعوم تشومسكي ) الذي حصل كتابه ( الهيمنة أم البقاء : سعي أمريكا للسيطرة العالمية ) على مرتبة أكثر الكتب مبيعاً عام 2002م، وتصفه بعض الصحف الأمريكية كصحيفة ( نيويورك تايمز ) بأنه يمكن اعتباره أهم مفكّر في العالم اليوم، هذا الكاتب وبهذا المستوى قلّما تتجرأ شبكات التلفزة الأمريكية على استضافته، بسبب آرائه الشهيرة التي عادة ما تزعج القادة والساسة الأمريكيين و الصهيونيين على حد سواء . وقد حدث له في عام 1972م وبعد أن طبع أحد كتبه أن أوقف توزيع الكتاب وتم سحبه من السوق وإتلافه، بعد أن اطلع بعض أعضاء مجلس إدارة الشركة المالكة على محتوى الكتاب، الذي لم يَرُقْ لهم .
وهل يتعارض مع حرية التعبير ما أقدم عليه رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق ( نيوت جنجرييتش ) من فصل مؤرخة تعمل بالمجلس حين علم أنها سبق أن قالت : « وجهة نظر النازيين بصرف النظر عن عدم شعبيتها لا تزال وجهة نظر، ولا تأخذ حقها في التعبير » .
وفي عام 1986م لم يستطع المؤلف ( جورج جيلبرت ) أن يجد ناشراً ليعيد طباعة كتابه ( الانتحار الجنسي ) على الرغم من أن كتب ( جيلبرت ) المنشورة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي تصدرت قوائم المبيعات العالمية . والسبب في إعراض الناشرين هو الاحتجاج الصاخب الذي قامت به رائدات حركة تحرير المرأة ضدّه ؛ لأن « اختلافات الرجل عن المرأة لا ينبغي حتى أن تدرس » حسب تعبير إحداهن في مقابلة عرضت على شبكة ( A B C ) الأمريكية .
أما الممثلة البريطانية الشهيرة ( فانيسا ريد جريف ) فلم يسمح لها بأداء دورها في مسرحية كوميدية بريطانية أثناء عرضها في الولايات المتحدة بسبب تصريحاتها المعادية للتدخل الأمريكي ضدّ العراق في حرب الخليج .
الجدير ذكره أن أعمال ( جريف ) كثيراً ما تتعرض للمقاطعة أو الإلغاء من العرض في الولايات المتحدة بسبب آرائها المعادية للصهيونية وسياسات الدولة العبرية .
وإذا كانت ( جريف ) قد منعت من أداء دورها المسرحي فقط ؛ فقد منع من دخول الولايات المتحدة مفكّرون وعلماء ومشاهير، من أمثال : أحمد ديدات، و يوسف القرضاوي، و يوسف إسلام ؛ ناهيك عن آلاف غيرهم !
أما حرية الإعلام المباشر ونشر المعلومة فقد انكشف ذلك بلا أدنى ريب من خلال التعتيم الذي مارسته الإدارة الأمريكية على حظر نقل وقائع الحرب الأخيرة على أفغانستان والعراق، وقصف قناة ( الجزيرة ) في كابول، وقتل العديد من الصحفيين في العراق، وأبرزهم ( طارق أيّوب )، ثم إغلاق مكتب ( الجزيرة ) في بغداد، والأمر بسجن مذيعها الشهير ( تيسير علّوني ) في مدريد ومصوِّرها ( سامي الحاج ) في جوانتنامو . وأخيراً ما كشفته صحيفة ( ديلي ميرور ) البريطانية، وتأكيد رئيس تحريرها المشارك ( كيفين ماغواير ) من أن لدى صحيفته محاضر موثقة تكشف أن الرئيس الأمريكي ( جورج بوش ) أبلغ رئيس وزراء بريطانيا ( توني بلير ) خطة قصف قناة ( الجزيرة ) . وحين تزايدت المطالبة بكشف الحقيقة أُوعِز إلى النائب العام البريطاني بإصدار قرار يمنع الكشف عن الوثيقة أو نشرها .
ويستغرب المرء حين يجد أن مقدّسات المسلمين وحدها هي الكلأ المباح الذي لا يعاقب القانون مقترفه بأية عقوبة، بل يُردّ عليه بممارسة أسطورة حق ( حرّية التعبير ) . فحين تقدم صحيفة دانماركية ( جيلاندس بوستن ) في 26 شعبان 1426 هـ الموافق 30 أيلول / سبتمبر 2005م وهي صحيفة ذائعة الصيت، وذات مصداقية كبيرة لدى الشعب الدانماركي على إعلان مسابقة لرسم أحسن كاريكاتير للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - . وبالفعل أرسل القراء أكثر من مائة صورة، تصور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يلبس عمامة مليئة القنابل والصواريخ، وتصوره وهو يصلي في أوضاع مهينة للغاية . وتم نشر حوالي 12 كاريكاتيراً علناً، وعلى مدار عدة أسابيع، وبمعرفة من الحكومة الدانماركية، وموافقتها بل وتأييدها، وبتفاعل الرأي العام الدانماركي معها .
وحين حاولت الجالية الإسلامية هناك، الدفاع عن الإسلام ومقدساته، وذلك بوقف نشر هذه الصور، رفض رئيس تحرير الصحيفة حتى مجرد مقابلتهم، بل وتضامنت كل الهيئات الحكومية مع الصحيفة، ورُفضت كل محاولات الجالية الإسلامية، حتى مع تطوّر الأمر إلى إعلان جملة إجراءات دبلوماسية كسحب السفراء أو استدعائهم من قِبَل بعض الدول الإسلامية، إلى جانب إعلان المقاطعة للمنتجات الدانماركية والنرويجية ( إذ كانت صحيفة « مغازينات » النرويجية أعادت في 10 يناير 2006م ما نشرته الصحيفة الدانماركية سالفة الذكر ) فإن عقيرة غلاة العلمانية تُرفع، وشعارات حرية التعبير والإبداع تُلقى في وجه كل معترض .
وعلى هذا الأساس الهشّ تجاوبت صحف مماثلة في كراهية الإسلام فيفرنسا وألمانيا التي تقوم الدنيا في أيّ منهما ولا تقعد إذا حدث أدنى تشكيك في حكاية المحرقة ( الهولوكست ) التي يصرّون في دوغمائية لافتة أنها حدثت لليهود، ثم تفاعل معهم في منطقتنا بعض المفتونين، أو المهووسين بفن ( الإثارة ) بأي ثمن، ومهما كانت النتائج، كما فعلت بعض الصحف في كل من الأردن و مصر و اليمن .
هذا في حين أن القانون الدانماركي يحظر أي تهديد أو إهانة أو حط من شأن أي إنسان بصورة علنية، بسبب الدين أو العرق أو الخلفية الإثنية، أو التوجّه الجنسي . وبسبب ذلك القانون تعرّضت امرأة تعمل محرّرة صحفية لمحاولات تقديمها للمحاكمة، لأنها كتبت خطاباً للصحيفة تصف فيه الشذوذ الجنسي بأنه أسوأ أنواع الزنى . وكأن هذا القانون يشمل أي إنسان باستثناء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ومما له دلالة مباشرة على هذا حسبما أورده موقع إسلام أون لاين في 8/2/ 2006م أنه في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة ( جيلاندس بوستن الدانماركية ) رسوماً كاريكاتيرية مسيئة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدعوى حرية التعبير، رفضت الصحيفة نفسها نشر رسومات تسيء إلى المسيح عيسى – عليه السلام - خشية ردود الفعل الغاضبة من جانب قراء الصحيفة، حسبما نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة ( جارديان ) البريطانية .
وقالت ( جارديان ) إنه في إبريل 2003م تبرع الرسام الدانماركي ( كريستوفر زيلير ) للصحيفة بسلسلة من الرسوم الساخرة تتعلق ببعث السيد المسيح من جديد .
غير أنها أشارت إلى أن الصحيفة الدانماركية « رفضت نشر الرسومات التي تسيء إلى المسيح، بدعوى أن نشر الرسوم لن يسعد القراء، وربما يؤدي إلى تعرض الصحيفة لانتقادات شديدة » .
وتسلم ( زيلر ) رسالة بريد إلكتروني من رئيس تحرير صحيفة « جينز كيسر » الدانماركية تقول : « لا أعتقد أن قراء الصحيفة ستروق لهم هذه الرسوم، بل أعتقد أنها ستثير مشاعر الغضب لديهم ؛ لذا فلن أنشر الرسوم »، وذلك بحسب الصحيفة البريطانية . ونقلت ( جارديان ) عن ( زيلر ) قوله تعليقاً على الرسوم : « الرسوم مجرد مزحة بريئة لدرجة أنها أضحكت جدي » .
غير أن رئيس تحرير الصحيفة الدانماركية أوضح من جهته أن الرسومات الكاريكاتيرية كانت سخيفة للمضي قدماً في نشرها في ذلك الوقت .
- في بريطانيا يتم التعامل مع المقدّسات وفق قانون خاص يسمى ( LAW BIASPHEMY ) الذي يمنع سب المقدّسات ؛ إذ يسري العمل بالقانون في كل من إنجلترا و ويلز . ولكنه خاص بالمقدّسات المسيحية وحدها . ولذلك فعندما أعلن المخرج الدانماركي ( جينز ثور سن ) ( لاحظ الدانماركي ) اعتزامه إخراج فيلم في إنجلترا عن الحياة الجنسية للمسيح فقد أدى ذلك إلى موجة غضب عارمة في المؤسسات الدينية الأوروبية وعلى رأسها الفاتيكان و أسقفية ( كانتر بري )، وعلى الفور قام رئيس الوزراء البريطاني حينذاك ( جيمس كالاهان ) بالتحذير من أن أي محاولة لإخراج ذلك الفيلم في إنجلترا سوف تكون عرضة للمحاكمة تحت طائلة قانون ( سب المقدّسات ) مما أثنى المخرج عن إتمام إنتاج الفيلم .
وفي يونيو 1976م قامت صحيفة ( Gay News ) الخاصة بأخبار الشواذ جنسياً من الرجال بنشر قصيدة للشاعر البريطاني ( جيمس كيركوب ) يصف فيها المسيح - عليه السلام - في أوضاع غير لائقة، مما أثار غضب اتحاد المشاهدين والمستمعين الإنجليز، الذي يتولى الرقابة الشعبية على كل ما ينشر في الصحف أو يعرض في وسائل الإعلام والأفلام السينمائية، وقامت رئيسة الاتحاد بمقاضاة رئيس تحرير الصحيفة والشركة التي تملكها وتتولى نشرها بتهمة سبّ المقدّسات .
وبالفعل تمت المحاكمة في شهر يوليو عام 1977، وبالرغم من محاولات الدفاع المستميتة في إقناع المحلّفين أن القصيدة لم تعنِ أو تضمر أيّة إساءة للدين النصراني، بل بالعكس كانت تصوّر العلاقة العاطفية التي تربط الشاعر بشخص المسيح - عليه السلام - إلا أن هيئة المحلّفين لم تقبل هذا الدفاع وأدانت الصحيفة بأغلبية عشرة أصوات مقابل صوتين بتهمة امتهان مشاعر المسيحيين في إنجلترا، والإساءة إلى مقدّساتهم، بعد قرار هيئة المحلّفين القاضي على رئيس التحرير بالسجن لمدّة تسعة أشهر مع وقف التنفيذ ودفع غرامة مقدارها ( خمسمائة جنيه إسترليني )، وعلى الناشر بغرامة مقدارها ( ألف جنيه إسترليني )، بالإضافة إلى تحمّل تكاليف القضية . وعلى الرغم من استئناف الصحيفة الحكم عام 1978م أمام القسم القضائي بمجلس اللوردات البريطاني، الذي يمثل أعلى سلطة قضائية في بريطانيا إلا أنها خسرت للمرّة الثالثة، حيث أقرّت المحكمة البريطانية العليا الأحكام السابقة الصادرة ضدّ رئيس التحرير .
بعد حكم المحكمة العليا جرت محاولات عِدّة لإنهاء العمل بقانون سبّ المقدّسات من خلال مجلس العموم البريطاني، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، حيث لم يقبل مجلس العموم ولا مجلس اللوردات أي مساس بذلك القانون بالرغم من أنه يحمي الديانة المسيحية فقط من السبّ ويهمل بقيّة الديانات المنتشرة داخل بريطانيا، وأنه يعاقب على المساس بالمقدّسات المسيحية دونما نظر مراعاة لقصد أو نيّة الشخص المتهم بسبّ المقدّسات .
ومع محاولات أخرى تمت في الاتجاه الذي يجعل من القانون عامّاً لكل المقدّسات في كل دين يوجد في إنجلترا إلا أنها باءت كذلك بالفشل . لذلك لم يفلح المسلمون في بريطانيا في أن يرفعوا دعوى قضائية ضدّ ( سلمان رشدي ) صاحب كتاب ( آيات شيطانية ) ؛ إذ القانون الذي يحظر سبّ المقدّسات خاص بالمسيحية فقط . فلم يكن ( سلمان رشدي ) خارجاً عن القانون البريطاني حين أهان المقدّسات الإسلامية، بل ذلك أمر يندرج في إطار حرّية التعبير رغم أنه سخر من المقدّسات الإسلامية وأهانها . غير أن الطريف حقاً أن حرّية التعبير هذه لم تحْمِ ( فيلماً ) باكستانياً سخر من ( سلمان رشدي )، بل منعت دخوله .
إن الشخصيات الدينية في حصانة ( مقدّسة ) كذلك بموجب قانون حظر ( سبّ المقدّسات )، لذلك فقد قامت هيئة الرقابة على المصنّفات الفنية البريطانية برفض عرض فيلم وثائقي على شاشات التلفاز البريطاني عن الراهبة ( تيريزا ) التي عاشت في بريطانيا في القرن السادس عشر، بسبب محتوى الفيلم الذي يمكن تأويله على أنه إهانة للدين النصراني .
- وفي إيطاليا يمنع عرض الفيلم الأمريكي ( الإغراء الأخير للسيد المسيح )، لما فيه من استثارة مشاعر المسيحيين، لذا لم يُكْتَفَ بمنع عرضه فقط في العديد من البلاد الأوروبية بل قُدِّم مخرج الفيلم في المهرجان للمحاكمة في روما بسبب الفيلم .
- وفي فرنسا يقر مجلس الشعب الفرنسي قانون فابيوس جيسو في عام 1990م الذي يحظر مجرّد مناقشة حقيقة وقوع الهولوكست في الحرب العالمية الثانية . وقد عوقب المفكر الفرنسي الشهير ( روجيه جارودي ) عام 1998م بسبب كتاب ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية )، وحكم عليه بغرامة ( 20 ) ألف دولار .
ولم تصمد حريّة التعبير أمام حق قناة ( المنار ) اللبنانية التابعة لحزب الله في بث أفكارها ورؤاها، بل عملت فرنسا على منع بثّها، لأنها قدمت مسلسلاً عن جرائم إسرائيل، غير أن السؤال الأهم لماذا الوقوف هنا ضدّ حق التعبير ؟!
ولماذا تعمل دولة الحرية والمساواة والإخاء - وهي الشعارات الشهيرة للثورة الفرنسية عام 1787م - بإيقاف ( 400 ) إمام وخطيب مسجد في فرنسا تحت دعاوى متهافتة تسقط جميعها أمام أسطورة حرّية الرأي والتعبير .
ولماذا يتم تغريم ( برنارد لويس ) الأستاذ بجامعة ( برنستون ) مبلغ ( 10 )آلاف فرنك فرنسي ( حوالي 2062 دولاراً أمريكياً ) عام 1995م لأنه أنكر أنالأرمن تعرضوا لإبادة جماعية على يد الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين الميلادي .
- وفي ألمانيا يحظر بيع أو شراء أو طباعة كتاب ( كفاحي ) لـ ( هتلر )، كما تحظر طباعة أو توزيع أي مقال أو كتاب يؤيد النازية بأي شكل من الأشكال، بل تحظر حتى الهتافات النازية، ولو على سبيل المزاح . وهذا الحظر يفسّر المشكلة التي تعرض لها لاعب الكرة المصري ( هاني رمزي ) في ألمانيا، حين قام بإلقاء التحية النازية المشهورة على سبيل المزاح في إحدى الحفلات .
في عام 1991م قام ( جنتر ديكارت ) زعيم الحزب الوطني الديمقراطي الألماني ( يمين متطرّف ) بعقد محاضرة استضاف فيها محاضراً أمريكياً أشار فيها إلى أن رواية قتل اليهود بالغاز غير صحيحة . وترتب على ذلك أن قُدّم ( ديكارت ) للمحاكمة، وعوقب طبقاً للقانون الذي يحظر الأحقاد بين المجموعات العرقية .
وفي شهر مارس 1994م حوكم ( ديكارت ) مرة أخرى وحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ، بالإضافة إلى غرامة خفيفة، مما أدى إلى تعرّض القضاة الذين حاكموا ( ديكارت ) لموجة من الغضب والنقد من القضاة الآخرين، بسبب ضآلة العقوبة التي حكموا بها، مما أدّى إلى تدخل المحكمة الفيدرالية التي أبطلت الحكم وأمرت بإعادة المحاكمة .
وفي إبريل 1994م أعلنت المحكمة الدستورية الألمانية أن أية محاولة لإنكار حدوث ( الهولكوست ) لا تتمتع بحماية حق حرّية التعبير التي يمنحها الدستور الألماني، مما دفع البرلمان الألماني أن يسن قانوناً يجرّم أيّة محاولة لإنكار وقوع ( الهولكوست )، ويوقع بمرتكب هذه الجريمة عقوبة حُدّدت بالسجن خمس سنوات بغض النظر عمَّا إذا كان المتحدّث ينكره أم لا .
وفي عام 1993م تم نشر ترجمة ألمانية لكتاب أمريكي عنوانه ( العين بالعين )، غير أن الناشر تنبّه إلى خطورة الأمر فقام على الفور بسحبه وإتلاف كل نسخ الطبعة الألمانية رغم توزيعها في السوق، تحاشياً للوقوع تحت طائلة القانون أو إثارة غضب الرأي العام، وذلك لأن الكتاب يورد أن ( ستالين ) كان يتعمّد اختيار اليهود للقيام بالأعمال البوليسية السريّة في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية .
- وفي النمسا من المتعارف عليه قانونياً معاقبة كل من أنكر وجود غرف الغاز التي أقامها النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية بالسجن، غير أنه في العام 1992م تم تعديل القانون ليطال التجريم أية محاولة تنكر أو تخفّف أو تمدح أو تبرّر أيّاً من جرائم النازية، سواء بالكلمة المكتوبة أو المذاعة .
- وفي كندا على الرغم من أن القانون الكندي ينص على حق كل مواطن في التعبير الحرّ إلا أنه يحظر في الوقت ذاته أيّ نوع من أنواع التعبير من شأنه أن يؤدي إلى إثارة الكراهية ضدّ أية مجموعة عرقية أو إثنية أو دينية، ويمنح القانون المجالس التشريعية في كندا تقييد حريّة التعبير أو غيرها من الحريّات الدستورية إذا استدعت الضرورة ذلك، وبناء على هذا أقرّت المحكمة الكندية العليا العقوبة التي أقرّت بها إحدى محاكم مقاطعة ( ألبرتا ) ضدّ ( ناظر ) مدرسة اتهم بمعاداة السامية والترويج لكراهية اليهود .
ولكون السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام في الغرب حقيقة ساطعة فإن شبكة تلفاز ( CTV ) الكندية قامت باستضافة ( جوزيف ليبد ) المعلّق السياسي الإسرائيلي صباح يوم 15/10/1994م الذي دعا مباشرة وعلى الهواء يهود كندا لأن يتولى أحدهم اغتيال ( فيكتور أوستروفوسكي ) ضابط الموساد الذي ألف كتابين كشف فيهما عن العمليات السريّة للموساد، دون أن تُحدث هذه الدعوة أي ردّ فعل على أي مستوى إعلامي في كندا . ولم يُسمع عن الكُتّاب والمعلّقين الذين دافعوا بحماس بالغ عن حق ( سلمان رشدي ) في التعبير الحرّ دفاع أقل من ذلك في حق ( أوستروفوسكي ) في التعبير الحُرّ كذلك .
قارن هذا بما حدث في عام 1996م عندما قام قاضٍ كندي بمقاطعة ( كيوبيك ) بالحكم بالسجن مدى الحياة على امرأة قامت بذبح زوجها بسكين، وقال تعقيباً على الحكم الذي أصدره : « لقد أثبت أن المرأة تستطيع أن تكون أكثر عنفاً من الرجل، حتى النازي لم يُعذّب ضحاياه اليهود قبل قتلهم » .
هذا التعقيب أثار زوبعة من الاحتجاج ضدّ القاضي من قِبَل الجمعيات النسائية واليهودية في كندا، فاضطر القاضي للاعتذار، ولكنه أعلن أنه مؤمن بكل كلمة قالها في ذلك التعقيب، مما ضاعف موجة الاحتجاج ضدّه، وتعالت الأصوات مطالبة باستقالته، ولكنه رفض الاستقالة . عندئذ تدخّل المجلس القضائي الكندي وقام بالتحقيق مع القاضي، ثم أوصى المجلس البرلماني الكندي بإقالة القاضي بسبب التعليق الذي صدر عنه . وحين وصلت الأمور إلى ذلك الحدّ اضطر القاضي أن يقدّم استقالته بدلاً من أن تأتي الإقالة من البرلمان، حيث كان واضحاً أنه سيقبل توصية مجلس القضاة الكندي بالإقالة .
- وفي أستراليا ينص قانونها على اعتبار أية مادة مكتوبة من شأنها الحطّ من قدر أية مجموعة عرقية محظورة طبقاً للقانون المانع للتفرقة العنصرية الصادر عام 1998م، وقد يعاقب الكاتب والناشر بغرامات تصل إلى ( 40 ) ألف دولار أمريكي .
- وفي سويسرا قامت مقاطعة ( دي تور ) بمنع كتاب ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ) لـ ( روجيه جارودي ) من التداول، وحكمت محكمة على ناشر عرض الكتاب بالسجن أربعة أشهر .
وقد سرى رعب التشكيك في حكاية ( الهولوكست ) حتى في بلد صناعي ( عريق ) غير أوروبي هو اليابان ؛ إذ حدث أن نشرت مجلة ( ماركوبولو ) في عددها الصادر في شهر فبراير 1995م مقالاً يزعم عرض الحقيقة التاريخية الجديدة، ويوضّح أن غرف الغاز التي أقيمت في الحرب العالمية الثانية ليس لها أساس تاريخي موثّق . وقد أدّى المقال إلى ردود فعل عنيفة وسريعة، حيث قامت المؤسسات الصناعية الكبرى مثل : ( فولكس واجن ) و ( ميتسوبيشي ) بإلغاء عقود الدعاية مع المجلة، احتجاجاً على المقال، مما أدّى بناشر المجلة إلى سحب كل أعداد المجلة من الأسواق وفصل كل أعضاء تحرير المجلة، بل واضطر ذلك المقال المجلة إلى إغلاق نفسها نهائياً .
وفي هذه الأجواء تعلن صحيفة ( همشهري ) الإيرانية حسب موقع الجزيرة نت في 9/2/2005م دعوتها لمسابقة عالمية لرسم ( كاريكاتيري ) يسخر مما يسمى المحرقة النازية ( الهولكوست ) لليهود، معلنة أنها بهذا تهدف إلى اختبار ردود الفعل الأوروبية والأمريكية، وهو ما سيفضح أسطورة ( حريّة التعبير ) . وتأتي ( الفضيحة ) الأولى حين يُستدعى السيد ( دياب أبو جهة ) رئيس الرابطة العربية الأوروبية للمحاكمة، لكونه دعا إلى نشر رسوم ( كاريكاتيرية ) ضدّ المحرقة ( الهولكوست )، بهدف كشف حقيقة ( حريّة التعبير ) الغربية ! !
والآن : أرأيتم كيف أن الحديث عن حرّية التعبير في الغرب مجرّد أسطورة باهتة، ووهم طغى بسبب طغيان الحضارة الغربية على تفكيرنا ومسالكنا في كل اتجاه، حتى بات بعض المشتغلين بالثقافة والفكر والسياسة يعتقدون حقيقتها، وأن المناقشة فيها نقاش في ( المقدّس ) أو ( التابو ) الممنوع التطرّق إليه والحديث عنه ؟

--------------------------------
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-17-2015, 09:46 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة خريف الليبراليين نظرات في أزمة الليبراليين مع حدث الاستهزاء بالنبي الأمين صلى الله عليه وسلم

خريف الليبراليين نظرات في أزمة الليبراليين مع حدث الاستهزاء بالنبي الأمين صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(عبدالله بن صالح العجيري)
ــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ




إن في حالة الغضب التي تعيشها الأمة اليوم تعبيراً صادقاً عن المحبة التي تملأ النفوس، وتعتلج في القلوب، وتسري في الأرواح، تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، أشرف الناس، وأحسن الناس، وسيد الناس، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - . وهذا الغضب هو الحق الأول الذي تقدمه الأمة نصرةً لنبيها الكريم - صلى الله عليه وسلم -، والذي يستتبع حقوقاً وواجبات أخر ؛ إنه الغضب الواجب الذي سنّه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حين نرى محارم الله تنتهك، وهو الغضب الذي يزعج البدن للتحرك، والعقل للتفكير طلباً للنصرة، كلٌّ بحسبه، وحسب موقعه، وعلى وسعه وطاقته، بالحكمة التي تصلح ولا تفسد، وتبني ولا تهدم، فلا تهوُّر ولا طيش، ولا كسل، بل وضع للشيء في موضعه المناسب، وفي وقته الصحيح .

وإن فيما يرى من مظاهر الغضب والنصرة لدليل على الخير المتأصل في كيان هذه الأمة والمستقر في وجدانها، وهل كان يُنتظر من أمة الإسلام إلا هذا ؟

وهل كان يُظن بها إلا ما وقع ؟ إنها أيام الغضب والفرح، الغضب للرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى أعداء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والفرح بنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما تحقق للأمة من مكاسب ونجاحات، لكن مما يؤلم ويؤذي ما يُرى من إعراض بعضٍ عن مشاركة الأمة غضبتها، بل نصرتها لنبيها - صلى الله عليه وسلم -، فخنسوا وسكتوا، ثم سكتوا، ثم نطقوا فبئس ما نطقوا ؛ وليتهم ما فعلوا ؛ فلا هم بالذين نصروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا هم بالذين تركوا الأمة وخيارها يعملون في نصرته، إنهم مسوخ بشرية القالب ناطقة بالعربية والضاد لكن القلب غربي الهوى، قد ركبوا موجة الأحداث لكن في الوقت الضائع، وسبحوا في بحرها لكن بعكس التيار، ليثبتوا للأمة أنهم في واد والأمة كلها في واد آخر ؛ فلا الهمُّ هو الهمُّ، ولا القضية هي القضية، ولا المصالح هي المصالح . لهم برنامجهم الخاص الذي يريدون تمريره، ولهم خطتهم التي يريدون تنفيذها، قد وجدوا في الأحداث تعطيلاً للمخطط، وعائقاً لتمرير المشروع، فأخذوا في الالتفاف حول الحدث محاولين تجاوز العوائق، ولملمة المشروع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فخرجوا من بعد صمت ليدعوا الأمة إلى التسامح والعفو والتهدئة، في وقت يأبى العدو أن يتقدم باعتذار، بل يزيد من سخريته وباستهتار، وكتبوا ليجرُّوا الأمة لمعركة داخلية، بدل توحيد الصف لصدِّ الهجمة الخارجية، ونطقوا بالسوء لتصفية الحسابات وتوزيع التهم وكيْل الشتائم، وكان الظن أن مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - محل وفاق وكلمة إجماع، وأن هذا المقام متى مُسّ فالكل سيقول كلمته الواضحة البينة في نصرته - صلى الله عليه وسلم - ؛ لا التواء فيها ولا غموض، فخيّب القوم الظن وأظهروا قبيح ما تكنّه الأفئدة والقلوب، فطعنوا الأمة في الظهر، وحاولوا الاصطياد في الماء العكر، وأقدموا على تفريق الصف في ظرفٍ الأمة كلها مستنفرة في وجه عدو واحد، فأضحى كشف هذا التوجه المشؤوم واجبنا نصرةً للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ونصحاً للأمة، وفضحاً لهذا التيار، وتسجيلاً لمواقف السوء هذه ليحفظها التاريخ : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ{} ( الفجر : 14 )، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ( الشعراء : 227 ) .

من دعوات التيار الليبرالي والتي بدأت تتضح أبعادها، وتتكشف ملامحها دعوتهم إلى ( التسامح مع الآخر ) والتي علا صوتهم بها، وتتابعت كتاباتهم فيها، والتسامح متى وضع في موضعه الصالح له واللائق به كان خُلُقاً إسلامياً مندوباً إليه، لا شك في ذلك ولا ارتياب، شأنه في ذلك شأن غيره من الأخلاق، لكنهم بما يسطرون اليوم يكشفون عن حقيقة دعوتهم المشبوهة هذه، وأن التسامح المطلوب ليس هو ذاك التسامح الشرعي الذي جاء الحضُّ عليه والأمر به، كلاَّ ؛ إنما هو لون جديد من التسامح أبعد مدى وأوسع مساحة، إنه التسامح مع من اعتدى، وأذلّ، وأهان، ووجّه الصفعة بعد الصفعة، وأعظم في الفِرية، ويدَّعون أن هذا سنة نبوية، وطريقة محمدية ؛ فهل على الآخذ به من ملام ؟ وما علم القوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حكيماً بل سيد الحكماء، يزن الأمور بالعدل، ويضع الدواء على الجرح، ويقدِّر المصالح والعواقب ؛ فكما ترك عبدَ الله بن أبيّ بن سلول زعيم المنافقين بلا عقاب، أخذ عقبةَ بن أبي معيط بما أساء .

وكما قال لقريش : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » أمر بقتل ابن خطل ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة . وهكذا، فليس الأمر كما يراد تصويره تسامحاً مطلقاً، أو عقاباً مطلقاً، وإنما الأمر إلباس كل حدث لبوسه، وإعطاء كل مسألة حقها . وأحسب أن ما يجري اليوم من انتهاكات صارخة لدين الإسلام ونبي الإسلام لا محل فيه للتغافر والمسامحة والتجاوز، وإنما الواجب القيام بالنصرة، والغضب لله، واستيفاء الحقوق .

أما دعوة الأمة إلى التغافل عن حجم المأساة، والإعراض عن عظم الجريمة، وفتح أبواب التسامح والمسامحة للمخطئين، وأن يقتصر النقد إن كان على الكلمة الطيبة، والعبارة اللينة، والأسلوب الهادئ، من غير جرح شعور ولا إيلام، وكأن الأمة هي الجانية لا المجني عليها، وكأننا مَنْ ظَلَمْنا لا من ظُلمنا، وكأن الاعتداء واقع منا لا بنا ؛ فليس بصحيح ولا مشروع، بل بَذْلُه والحالة هذه مناقضة لمثل قوله - تعالى - : { وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } ( العنكبوت : 46 )، والقوم ظالمون ما في ذلك من شك .

إن التسامح المشروع لا يكون إلا إذا صادف محلاً مناسباً، وإن أولئك المستهزئين بمقامه - صلى الله عليه وسلم - ليسوا موضعاً صالحاً للتسامح، وإن التسامح مع أولئك المجرمين جريمة شرعية لا يجوز أن يكون بحال، وليس للأمة الحق في التنازل عن حقه الشريف - صلى الله عليه وسلم - تحت لافتة التسامح والمسامحة، وليت شعري أي عيش يبقى وأي حياة تطيب يوم يمس جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمة تقف موقف المتفرج المتسامح، المتغاضية عن صفعات الخصوم، والتي لا تطالب بحقها، فإن طلبته فعلى استحياء ؟ إن إجماع الأمة عامة منعقد على حرمة التسامح مع من سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما قال عالم ولا شبه عالم بمثل ما يريده هؤلاء منا، وفي كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول » لشيخ الإسلام ابن تيمية عظة وعبرة .

والقوم بدعوتهم للتسامح والتغافر والتجاوز عن الإساءة يلملمون ما تبقى من مشروعهم الخاسر ( التقارب والتقريب بين المسلم والكافر ) تحت شعارات التعايش والتسامح والسلام، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخطط إلغاء عقيدة الولاء والبراء، وهم معذورون فيما يفعلون، فالخطب جلل، والأمر عظيم، والأحداث تجري على خلاف الهوى والمخطط، فليس لهم إلا هذا المركب الصعب ليركبوه ولعل وعسى .

لقد ظهر للجميع حقيقة حال ( الآخر ) ! منا، واستبان للناس مدى الاحترام الذي تكنّه صدروهم وقلوبهم لنا ولديننا، وأن الأحقاد الصليبية لا تزال تتسكع على الجسد الأوروبي، وأن النظرة السلبية للمسلمين لا زالت المسيطرة على المشهد الغربي، وأنهم لا زالوا يعانون من عقدة ( الإسلاموفوبيا )، وأقوال عقلائهم ومنصفيهم شاهدة بهذا وما أكثرها ! وتاريخ الأمة السابق وواقعها المعاش خير شاهد، وإن تغافل عن هذا كله المستغربون ولجوا وجعجعوا . بالله عليكم ! أي حقد وبغض أظهر مما وقع وجرى حيال نبي أمة المليار مسلم ؟ وأي طعنة أنفذ وأنكى من هذه الطعنة ؟ وأي إهانة وصفعة وركلة أشد من هذه الإهانة ؟ ثم يكبر على أولئك الظالمين بعد هذا كله أن يقدموا كلمة ( اعتذار ) ؛ فكيف بما فوقه ؟ وقد اتضح للجميع أن مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده لا تساوي عندهم شيئاً في مقابل حقهم المزعوم في ممارسة حرية التعبير، وإن فيما نرى من تسارع محموم لنشر صور الإفك هذه، وذلك التعاضد والتناصر الذي يُرى، والتصريحات العدائية التي نتلقاها عن اليمين والشمال لدلالة على أن الأمر أكبر مما نظن، وأنه أوسع دائرة مما نحسب، وصدق الله القائل : { قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ( آل عمران : 118 ) .

من غرائب المواقف المثبَتَة على هذا التيار تبرير ما وقع من اعتداء، والاعتذار عما حصل من إساءة، والمدافعة عن المجرمين المعتدين، في محاولة لامتصاص الغضب والتهدئة، وذلك بمختلف التبريرات، وأنواع الاعتذارات ؛ فبعضهم [1] يصرح بأن المسلمين هم السبب فيما وقع، على قاعدة « لعن الله من لعن والديه، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أم الرجل فيسب أمه » ! فما وقع من اعتداء على جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - حلقة في سلسلة من الاعتداء المتبادل والذي انتهى إلى ما انتهى إليه، هكذا والله يسطرون، وهكذا يحمّلون أهل الإسلام تبعة ما جرى، ويجري، وكأنهم ليسوا منا، وكأنهم الناطق الرسمي باسم المعتدين، إنهم بمنطقهم الغريب هذا يقلبون الطاولة على أهل الإسلام فيجعلونهم معتدِين بعد أن كانوا مُعتدَى عليهم، ويُظهرونهم في مظهر الظالم بدل أن يكونوا مظلومين، و ( البادي أظلم ) ! إن الدعاوى من أسهل الأمور، ووضع ( السيناريو ) على حسب المزاج من أيسر الأشياء، لكن الصعب تقديم الأدلة، ووضع البراهين، وسياق الحجج، وإلا فليخبرونا عن هذا المسلسل المزعوم في الدانمارك والذي أدى إلى ما نرى ونسمع : متى ابتدأ، وكيف كانت حلقاته، وأين مجال الاعتداء من الطرف الإسلامي الذي استفز مخالفيه فقالوا ما قالوا، وأقدموا على ما أقدموا عليه ؟ فإن عجزوا وخرجوا من هذه صفر اليدين وإنهم لخارجون بها فسقطة تستدعي تراجعاً وأوْبة، ولا يخفى أن المسألة أعمق غوراً من مجرد التهارج الجهل بين فئات محدودة من هنا وهناك كما يظهر لكل ناظر في مسلسل الأحداث .

والقوم في دفاعهم المشبوه هذا يذهبون إلى أبعد من هذا في تحميل المسلمين مسؤولية الأحداث، وأن السبب في استفحال الأمر عدم كفاءة القيادات الإسلامية بالدانمارك في معالجة المشكلة بالأساليب القانونية، وفشلهم في رفع الدعاوى القضائية [2]، وكأن المسكين لا يعلم أن المسلمين هناك قد بذلوا الجهد في إيصال صوتهم لكنهم قوبلوا بالغطرسة والعنجهية الدانماركية، هذه الغطرسة التي تأبى على القوم تقديم الاعتذار الصريح مع التصعيد الحاصل ؛ فكيف ولمّا يتم التصعيد ؟ إن طلب المسلمين يا أستاذ برفع القضية قد رُفض، بل رفض رئيس الوزراء الدانماركي استقبال السفراء العرب، لقد سدت الأبواب، وأغلقت المنافذ، وهُمّش المسلمون ؛ فكيف يحملون تبعة هذه الجريمة يا فهيم ؟

وأطرف من هذا وأغرب ما سطره آخر زاعماً أن جميع ما يرى من أحداث إنما هو بتدبير جماعات ذات صلة بتنظيم ( القاعدة ) ! إي والله ! وذلك لتعكير أجواء الصفاء بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، ولئلا يقال متقوّل أو مفتر أسوق هذا النص لأحدهم بحروفه يقول : ( وتقول مصادر مخابرات أوروبية، وبلد إسلامي أفريقي أنها حذرت بلداناً الإسلامية من خطة يدبرها « ناشطون دانماركيون » مع « منظمات سرية » يحتمل اختراقها من القاعدة، تهدف لصدام بين الغرب والمسلمين، وهو من أهداف زعماء الإرهاب، أسامة بن لادن و أيمن الظواهري، وبدلاً من أن تأمر الحكومات الإسلامية مخابراتها بالتحقيق في مصادر تمويل حملة « أئمة كوبنهاجن » وصلاتهم بالإخوان والطالبان وجماعات تخريب أخرى تعمل في الظلام، استغل بعضها الأزمة لصالح أجندتهم السياسية ) [3]، أرأيتم كيف يتم الاستغفال، وتمرر الأكاذيب، وتنشر الشائعات ؟ ألم أقل لكم إن الخطب جلل، وإن الأمر صعب، وإن الأحداث قد آذت أهل هذا التيار، فولجوا هذا السبيل، وسلكوا هذا الطريق، لعلهم يثوِّرون في سماء الحقيقة الغبارَ، أو يغطون شمسها عن الأبصار، لكن للناس عقول، ولعل عقول القوم في إجازة .

ومن غريب ما يعتذر به القوم عن الإساءة الواقعة، وما يقدمونه من تبريرات، الزعم بأن ما وقع من سخرية واستهزاء عائد إلى طبيعة الدانماركيين المتفلتة، وهوسهم بالتحرر والانطلاق، وعشقهم لحرية التعبير، مع عدم التدين، وعدم الإيمان، وأنه ليس ثمة حقد مزعوم، ولا عداوة متوهمة، ولا قضية بينهم وبين رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينبغي أن تُضخَّم المسألة، وأن تُخرَج عن هذا السياق ؛ فالأمر لا يعدو أن يكون سوء تفاهم، وعدم تقدير للعواقب ليس إلا، وأن إخراج القضية عن هذا الإطار تصعيد لا مصلحة فيه، بل هو تصعيد مقصود لأهداف تحتية، ومصالح شخصية، ومكاسب فئوية [4]، بل إثارة الموضوع أصلاً وإخراجه من الصعيد المحلي الدانماركي ليكون شأناً عالمياً غير صحيح، وأن الواجب محاسبة المسؤولين عن هذه ( الشوشرة العالمية ) [5] التي لا فائدة فيها، ولا أدري لِمَ التغابي عما وقع، ولِمَ التعامي عما حدث، ولِمَ لا ينصف القوم ويُقرون بالحقائق كما هي بموضوعية وعدل، وينظرون فيما يجري على الأرض كما هو، لا أن يسعوا في ليّ عنق الأحداث لأفكار مسبّقة، ويحمِّلوا الواقع ما لا حتمل . ما نُشِر إساءةٌ، وما نُشِر دليل على صورة نمطية سلبية للإسلام، وما نُشِر ينمّ عن عداوة مستقرة في النفوس، هكذا هو الأمر ببساطة ومن غير تعقيد، وبالله عليكم مَنْ نظر في تلكم الصور الآثمة هل يظن في راسمها أنه محب للنبي – صلى الله عليه وسلم - أو على الأقل محايد في نظرته إليه أم أنه مبغض له معادٍ ؟ ألم يصوروه مرتدياً عمامة على صورة قنبلة إشارة إلى دمويته، وأنه لا يعدو أن يكون إرهابياً، والإرهابي عدو ؟ ألم يصوروه بصورة قبيحة حاملاً في يده خنجراً كأنه جزار ومن خلفه امرأتان منقبتان ؟ بل صوروه بما هو أقبح وأشنع ؛ بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - . أهكذا يصورون نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي من يزايد علينا، ويريد إقناعنا بأنه ليس ثمة عداوة ولا حقد ولا كراهية ولا شحناء ؟! إن في هذا الاستهزاء المشين بمقام نبينا الأمين لدليل على قبيح ما يضمرونه حيال نبينا وديننا، وفي تصريحاتهم وكلماتهم ومواقفهم ما يدل على أن الأمر ليس تسلية بريئة، أو تجاوزاً ينبغي أن يتغاضى عنه، كلاَّ، إنه خطأ، وإنه اعتداء، وإنه جريمة لا ينبغي السكوت عليها، فأقصروا عن التبرير والمدافعة، وانأوا بأنفسكم عن السقوط في هذه الهوة ؛ فإنها سقطة يوشك أن لا تقوموا بعدها ؛ فالناس تحفظ، والتاريخ يسجل، ولا مخرج لكم إلا إعلان البراءة مما سطرتموه، ولعل وعسى .

من قبائح هذا التيار وأهله أنهم سعوا في مثل هذا الظرف الذي تعيشه الأمة إلى افتعال المعارك، وإشعال الخصومات، في محاولة لصرف المعركة الحاصلة بين المسلمين والمعتدين على جناب النبي - صلى الله عليه وسلم -، لتحول المسألة إلى لون من الاحتراب الداخلي، هذا منتصر غالب، وذاك منهزم خاسر، هذا ( ربيع المتطرفين ) [6]، وهذا أوان المتشددين ( وصناع الكوابيس ) [7]، تصفية للحسابات، وإلقاء للاتهامات، وإنقاذ لما يمكن إنقاذه من مشاريع ومخططات، فصوَّروا ما يُرى من ردة الفعل الشعبية، وهذا الحراك العام تجاه ما وقع من عداء سافر، بأنه كان بمؤامرة وتخطيط، وأن الأمر قد بُيّت بليل بهيم، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تحريكاً من صناع الكوابيس أهل التباغض والعداوة والشحناء، وأن الأمة قد تبعتهم كالقطيع يتبع راعيه، من غير فكر ولا تروٍّ، سمعوا لهم وأطاعوا، وأنصتوا إليهم وأجابوا، وما علم القوم أن هذه الحمية التي وقعت، وهذه الكراهية التي ظهرت، إنما هي بسبب الغضبة الإيمانية التي تجري في شرايين هذه الأمة، غضباً لله ورسوله، والذي لا يكون المؤمن مؤمناً إلا به ؛ فليس ثمة استلاب مزعوم، ولا تحريك مدعى إلا تحريك عقيدة الأمة للأمة ؛ وإلا فبالله عليكم من حرّك جمهور المسلمين للمقاطعة مثلاً : أفتوى أطلقها فلان أو فلان، أو توجيه من علاّن ؟ أم الواقع شاهد بأنها حركة شعبية عامة ابتدأت منها وانتهت إليها، ووجد المسلمون أنفسهم منقادين لها قياماً بواجب نصرته - صلى الله عليه وسلم - وذباً عن حياضه ؟ إن الموقف من الرسول - صلى الله عليه وسلم – قضية جوهرية مشتركة بين كل منتسب للإسلام، سنّياً كان أو بدعياً، عدلاً كان أو فاسقاً، فلا يُلام مسلم على غضب يغضبه أو كراهية وبغض تقع في قلبه متى مُسّ مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعدٍّ واستهزاء، بل الملام من لم يغضب ولم يمتلئ قلبه من الكراهية والبغضاء لكل متسبب فيها، إن تصوير الحدث على هذا النحو تصوير مغلوط، وإنه لمن سوء الظن بالناس، وإنه لعقدة يجب عليهم أن يتخلوا عنها، وطريقة يجب عليهم أن يتجنبوها . إن الظرف حساس، والأمر عظيم، والانتهاك صارخ، ونحن في غنى عن افتعال المعارك، واستحداث الأزمات . إن هَمّ المسلمين الأوحد هو الانتصار للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، على مختلف مذاهبهم، وطرائقهم، وفصائلهم ؛ فإن شئتم أن تكونوا معهم في سفينة النجاة فاركبوا بشرط أن تتركوها تجري وألا تسعوا في خرقها وإغراقها .

مساكين هم أدعياء الليبرالية عندنا، مستوردو القيم والأفكار والمناهج الغربية، الذين حاولوا إقناع الأمة بالإقبال على الحضارة الغربية بكليتها، بخيرها وشرها، بحلوها ومرّها، بما يُحب منها وما يُكره، وصاحوا بأنه لا محلّ للانتقاء، فليست الحضارة ( بقالة ) تأخذ منها وتذر، إنما تؤخذ جميعاً أو تترك جميعاً، ولا مجال للترك !

مساكين هم لطالما أُحرجوا من مصدِّري الأفكار، وبائعي القيم، تلك القيم التي شهد العالم أجمع زيفها وهزالها ؛ فكم تشدق الغرب بحقوق الإنسان، وأضحى الجميع يعلم مواصفات هذا الإنسان محل الرعاية وصاحب الحقوق، شرَّقوا وغرَّبوا بالدعوة إلى الديمقراطية، ثم أرادوا فرضها بالعصا الغليظة وبالدكتاتورية، تنادوا للتسامح ثم وأدوه في معتقلاتهم وسجونهم في « أبو غريب و غوانتنامو » وغيرها، واليوم الأمة مدعوة إلى النظر إلى قيمة غربية جديدة، تظهر نفسها للعالم في أقبح صورة، وأكلح وجه، إنها ( حرية التعبير )، الحرية التي لا تعرف الحدود ولا القيود ؛ ولا محرم فيها ولا محظور، حرية لا عيب فيها، حرية لا يعدلها في القداسة قيمة أخرى، حتى أضحت الحرية اليوم أقدس من الرب - جل وعلا – في الضمير الغربي ؛ فلهم أن يتكلموا عن الرب بما شاؤوا، وكيف شاؤوا، ممارسةً حرية التعبير، ( نعم لنا الحق أن نرسم كاريكاتيراً عن الله ) ! كما قالها شقي من أشقيائهم عليه من الله ما يستحق، أما انتقاد حرية التعبير أو المساس من جنابها المقدس، فحرام حتى على ( حرية التعبير ) ! ! لقد قالها المخلصون من قبل :

« إن الحرية المزعومة عند دعاة الليبرالية ليس لها حدود تقف عندها، فلا شرع يحوطها، ولا عقل يحرسها » وانظروا كيف ينتقدون الثوابت تحت شعارات الحق النسبي !

وانظروا كيف يطعنون في المسلّمات عبر بوابة حرية التعبير ! وقد دفع الليبراليون عندنا التهمة ما استطاعوا وأنكروا، وقالوا : سوء فهم لليبرالية، وسوء ظن بالليبراليين، وجهل بالثوابت، وجهل بالمسلَّمات، ثم تجيء الليبرالية الأصلية اليوم، الليبرالية الأم، والْمُصدّر الأساس للفكرة لتقولها بملء الفم : ليس لحرية التعبير حد تنتهي إليه، وليس لأحد الحق في المساس من جنابها المقدس أو النيل منها، والحرية متى قُيِّدت لم تعد حرية، وصار صاحبها أسير القيد، فلا ثوابت ولا مسلَّمات، بل الكل خاضع للنقد، بل وللاستهزاء والسخرية .

إن العالم الغربي يعيش أزمة حقيقية حيال هذه القيمة التي ضخمت وضخمت حتى غدت ديناً جديداً يعبد فيها صاحبها هواه من دون الله، ولم تعد للقيم الإنسانية والمفاهيم البشرية ما يكافئها وما يدانيها، وما أزمتنا التي نعيشها اليوم معهم حيال ما وقع وجرى لنبينا - صلى الله عليه وسلم - إلا أنموذج لتضخم هذه القيمة عندهم حتى يوشك أن يتلفهم ويهلكهم وقد فعل . لقد اعتذروا لنا عن الاعتذار بدعوى حرية التعبير، وصار السب والاستهزاء حقاً مكفولاً ترعاه الحكومات والدول الغربية تحت هذا البند ( حرية التعبير )، وصار معتنقو هذا المبدأ وهم كثرة كاثرة مشاريع سب وشتيمة وإن لم يمارسوه ؛ إذ هم يبيحونه ويجوِّزونه وكفى بها جريمة، ومن رضي بما وقع كمن فعل وقال . لقد أظهروا تضامنهم وتآزرهم لضمان حقهم في حرية التعبير بإعادة نشر الصور هنا وهناك، وليذهب المسلمون إلى الجحيم !

وأعلنوا لنا مراراً أنهم غير مستعدين للتنازل عن حقهم المزعوم هذا لأي كان، بل قال رئيس الوزراء الدانماركي : ( القضية تتركز على حرية التعبير في الغرب

مقابل المحرمات في الاسلام )، وهكذا يريدون إقناعنا بقيمة حرية التعبير عندهم، وأنه لا محل للتفاوض حولها، ولا مجال للأخذ والعطاء، ثم يأتي الليبراليون ويريدون إقناعنا باعتذارهم السخيف هذا، فيقولون فيه : اعتذار ( حقيقي ) و ( صحيح ) [8] ! بل وتجاوزوا هذا ليؤكدوا على قداسة حرية التعبير وعدم تقبل فكرة التدخل في الصحافة على أي وجه وأي صورة [9]، حتى إنهم طعنوا في مواقف بعض الكفار الإيجابية من الأزمة واتهموهم بالانتهازية وأن الواجب عليهم ( التأكيد على مبادئ حرية التعبير واحترام القانون ) [10] ! وأن ما يُرى من تهويل المسلمين لما وقع في جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - عائد إلى عدم ممارستهم هذه الحرية جرَّاء ما يعانونه من قمع وكبت، ولو أنهم ذاقوا طعمها لما قاموا ولما تحركوا، فسحقاً لهم ولحريتهم المزعومة هذه، وهكذا يكون انتصار الليبراليين لقضايانا وإلا فلا ! وبهذه المواقف يؤكد الليبراليون انسلاخهم عن الأمة فكراً ومنهجاً وسلوكاً .

ومع ما تقدم فمن العجيب أن فقاعة ( حرية التعبير ) هذه لا تلبث أن تتوارى خجلاً إن مُسّ جناب اليهود، أو طُعن في السامية، أو شُكك في محرقة ( الهولكست )، ليعلم الجميع أن الحضارة الغربية حضارة ازدواجية، حضارة الكيل بمكيالين، لا أخلاق ولا قيم تقوم عليها، ولا مبادئ تستمر عليها، إنما القيمة المقدسة الوحيدة عندهم على الحقيقة المصلحة ليس إلا ؛ فأينما كانت المصلحة فثمّ دينهم وشرعهم، وإن داسوا في سبيل تحصيلها الأديانَ والمبادئ والقيم .

وانظر إليهم - اليوم - كيف يتواصون بحرية التعبير ويتنادون بها، ثم يستنفرون العالم للضغط على الشعوب المسلمة لوقف ثورة الغضب وإنهاء حالة المقاطعة، وكأن حق التعبير حق خاص بهم فقط، وأن الشعوب المسلمة حقها الكبت والحرمان .

إن ما يجري على الساحة من منازعة ومخاصمة حول حرية التعبير وحدوده قد كشف عن سوءة العالم الغربي والحضارة الغربية، وإن ما يُرى من التهارج حول حرية التعبير لمحرج جداً لليبراليي الداخل، الذين أفنوا أعمارهم في التغني بالقيم الغربية، والحضارة الغربية، ثم تفجؤهم اللطمة بعد اللطمة لعلهم يتنبهون، ومن غفوتهم يستيقظون، وعلى دينهم يُقبلون، فيطلعوا على زيف القيم، وهشاشة الحضارة، حضارة الغرب التي لا روح فيها ولا خُلُق، حضارة اللاّدين التي لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أُشرب من هواها، فيتوقفوا عن التوريد، ويقاطعوا تلكم الأفكار، ويكشفوا الزيف، ويفضحوا الباطل، فيكفّروا عما تقدّم من خطايا عسى أن يُغفر لهم .

مما جعجع به الليبراليون وهوَّلوا حوله الأغلبية الصامتة في المجتمعات المسلمة ؛ فما إن يقع لخصومهم من الإسلاميين انتصار إلا وتراهم يسارعون : لا تفرحوا ؛ فالجمهور ليس معكم، و ( الأغلبية صامتة ) . والناظر في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً يشهد الحضور الشعبي الواسع الداعم للحركة الإسلامية، لكن القوم يتعامون عنه ويصمّون الآذان، موهمين أنفسهم أن ( الأغلبية الصامتة ) معهم، وأنها غير موافقة لما يدور على الساحة، وما يقع على الأرض، لكن اللافت للنظر في هذا الحدث أن الأمة كلها قد قالت كلمتها، وعبرت عن رأيها بوضوح ( إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ! وأجمعت على خيار المقاطعة الشعبية العامة للبضائع الدانماركية ؛ فماذا كانت النتيجة حين غدت الأمة ( أغلبية ناطقة ) ؟

لقد وسمهم أولئك بالغوغائية، وقصر النظر، وأنهم لا عقول لهم تحركهم وإنما المحرك العواطف ليس إلا، وأنهم مسلوبو العقول، ولولا الخوف منهم لنطق العقلاء ( وهم الليبراليون طبعاً ) وبيّنوا الواجب، لكنهم خنسوا لجبنهم أدام الله عليهم هذا الجبن ؛ فإن تشجعوا وتكلموا فإشارة هنا وكليمة هناك، وقذف للحجر من مكان بعيد، والجريء من يتستر خلف الألفاظ ويتوارى خلف المصطلحات ؛ فالهجوم اليوم على ( صناع الكوابيس )، و ( المتطرفين )، و ( الغوغاء )، أما تحديد الحقائق، وتسمية الأشياء بمسمياتها، والوضوح في النقد، فهم عنه بمعزل، أليس من الغريب أن دعاة ( الرأي والرأي الآخر ) قد ضاقوا ذرعاً بالرأي الآخر، فانبروا لـ ( مقاطعة المقاطعة ) مثلاً، رافعين شعار ( لا لمقاطعة البضائع الدانماركية ) [11]، متنقِّصين بحماسة ظاهرة خيار الأمة في المقاطعة بأسلوب استفزازي، تصل بصاحبها إلى حد اتهام الأمة بالسطحية والسذاجة، ومتابعة العواطف دون العقول، وأن ما يُرى لا يعدو أن يكون ظاهرة صوتية ليس إلا، وما الأمر إلا كزوبعة في فنجان، هكذا تكون حماستهم لتسجيل مواقفهم في مصادمة الأمة والسبح ضد التيار بدل تسجيل المواقف في موافقة الحق الذي عليه سواد الأمة على مذهب ( خالف تعرف ) ! لينكشف للجميع أنهم ليسوا المؤهلين لنقل همّ الأمة، ونبض الشارع، ومن يطالع طرحهم بهذا الخصوص يعلم أنهم ملفوظون على المستوى الشعبي، وأن ما يسطِّرونه في هذا السياق محل رفض ومقاطعة .

من المظاهر اللافتة للنظر هذا التحرك الليبرالي المشبوه لإنهاء الأزمة بأقل مكاسب ممكنة للمسلمين، وأكبر قدر من الأرباح للمعتدين، وإلا فما الذي يفسر هذا التعجل المريب في نشر وترويج وقبول كل ما يُدَّعى أنه اعتذار لمجرد أنه مصدّر بكلمة ( اعتذار )، وإن كان عند أهل البصيرة والعمى ليس اعتذاراً ولا حتى شبه اعتذار [12] ؟ وطالع ما شئت من الاعتذارات المقدمة حتى اليوم هل تجد فيها تجريماً لما وقع أو تخطئة لما جرى، غاية الأمر أنهم يقولون : إننا نأسف إن آذينا مشاعركم، لكن لنا الحق في سب نبيكم !! فهل يسمى هذا اعتذاراً يا عباد الله ! أم هو جرم جديد يحتاج إلى اعتذار ؟ وهل يصح أن تُنهى الأزمة بمثل هذا الكلام، وأن يقال فيهم : « خير الخطائين التوابون » ؟ [13] .

إن الأمة اليوم تقف موقف قوة يمكنها من تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ومع كل يوم يمر يكون للأمة الحق في أن ترفع سقف المطالبات، استجابة للواقع وتفاعلاً مع الأحداث، ولو أن أصحاب البقر كانوا أذكياء لأنهوا الأزمة من أولها بالاعتذار الصريح وأغلقوا الملف قبل وصوله للعالم الإسلامي، لكن للغباء والغطرسة الدانماركية ضريبتها والتي يجب أن تؤخذ منهم، ولا يصح أن يُتنازل عنها بحال . إننا لا نريد التعجيز أو وضع المطالبات الممتنعة المستحيلة في ظرف استضعاف تعيشه الأمة على الصعيد العالمي، لكننا نريد أن نخرج من هذه الأزمة بأكبر قدر من المكاسب والأرباح الممكنة، والتي تكفل لنا وتضمن فيما تضمن حقنا في عدم وقوع مثل هذا الانتهاك مجدداً، وحقنا في نشر ديننا والدعوة إليه كما هو من غير تحريف أو تشويه، وليحفظ التاريخ لنا هذا الموقف وهذه الوقفة، ولتكون الدانمارك أنموذجاً لما يمكن أن يحصل متى ما مُسّ جناب نبينا بسخرية أو استهزاء !

أما محاولة إغلاق ملف القضية بأي وسيلة وكيفما اتفق فخيانة لجناب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته ينبغي أن تكون محل المحاسبة والجزاء، وهي دليل على ضيق عطن بما يحصل . وإن تطويل الأزمة ليست في صالح القوم، ألم أقل إن المشروع الليبرالي معطل، وأن فصل الخريف هذا لا بد أن ينتهي أو يُنهى ؟!

-
________________________

(1) انظر - مثلاً - مقال (ربيع المتطرفين) , جريدة الوطن , 10/1/1427 هـ .

(2) انظر - مثلاً - مقال (ربيع المتطرفين) , جريدة الوطن , 10/1/1427 هـ .

(3) من مقال (زلزال الكاريكاتير جراحة دقيقة في جسد الحدث) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ .

(4) انظر - مثلاً - من مقال (تهدئة الخواطر) , جريدة عكاظ , 12/1/1427 هـ - و مقال (تأملات في الحدث) , جريدة عكاظ , 9/1/1427 هـ - و مقال (الإساءة للأديان -- رؤية في كيفية الخروج من نفق الدمار) , جريدة الشرق الأوسط 7/1/1427 هـ - و مقال (المسكوت عنه في مسألة الكاريكاتير) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ - و مقال (صراع الحضارات -- من إنتاج عاصمة الزبدة) , جريدة الشرق الأوسط , 7/1/1427 هـ .

(5) انظر مقال (زلزال الكاريكاتير جراحة دقيقة في جسد الحدث) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ .

(6) انظر مقال (ربيع المتطرفين) , جريدة الوطن , 10/1/1427 هـ - و مقال (التطرف ركوب موجة مكشوفة) , جريدة الشرق الأوسط , 8/1/1427 هـ - و مقال (نيران صديقة !) , جريدة الشرق الأوسط , 7/1/1427 هـ .

(7) انظر مقال (صانعوا الكوابيس : بعدما اختطفوا عقولنا يريدون خطف قرارنا) , جريدة الشرق الأوسط , 8/1/1427 هـ .

(8) انظر مقال (صانعوا الكوابيس : بعدما اختطفوا عقولنا يريدون خطف قرارنا) , جريدة الشرق الأوسط , 8/1/1427 هـ .

(9) انظر مقال (زلزال الكاريكاتير -- جراحة دقيقة في جسد الحدث) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1 /1427 هـ .

(10) انظر مقال (زلزال الكاريكاتير -- جراحة دقيقة في جسد الحدث) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ - و مقال (الإساءة للأديان -- رؤية في كيفية الخروج من نفق الدمار) , جريدة الشرق الأوسط 7/1/1427 هـ - و مقال (صراع الحضارات -- من إنتاج عاصمة الزبدة) , جريدة الشرق الأوسط , 7/1/1427 هـ - و مقال (فريق من أسوأ المحامين) , جريدة الشرق الأوسط , 6/1/1427 هـ .

(11) انظر مقال (لا تقاطعوا المنتجات الدنماركية) , جريدة الشرق الأوسط , 18/12/1427 هـ .

(12) انظر - مثلاً - مقال (زلزال الكاريكاتير -- جراحة دقيقة في جسد الحدث) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ - و مقال (صانعوا الكوابيس : بعدما اختطفوا عقولنا يريدون خطف قرارنا) , جريدة الشرق الأوسط , 8/1/1427 هـ - و مقال (ربيع المتطرفين) , جريدة الوطن , 10/1/1427 هـ .

(13) و مقال (المسكوت عنه في مسألة الكاريكاتير) , جريدة الشرق الأوسط , 12/1/1427 هـ .

--------------------------------------
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 01-17-2015, 09:51 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة منطلقات شرعية في نصرة خير البرية

منطلقات شرعية في نصرة خير البرية
ـــــــــــــــــــ

(عبد العزيز بن ناصر الجليل)
ــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ــــــــــــ




إن ما يشهده العالم الإسلامي هذه الأيام من غضبة عارمة، وحملة مباركة لنصرة سيد البشر نبينا - صلى الله عليه وسلم -، والدفاع عن عرضه الشريف أمام الهجمة الشرسة القذرة التي يشنها الغرب الصليبي على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتتولى كبرها بلاد الدانمارك . إن في هذه القومة المباركة لنصرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما يثلج الصدر، ويسر الخاطر ويبث الأمل في النفوس ويؤكد أن أمة الإسلام أمة مباركة ومرحومة ولا زال فيها الخير، والرصيد العظيم في مقاومة أعدائها والنكاية بهم حتى ولو كانت ذليلة مستضعفة ؛ فكيف لو كانت قوية ومتمكنة ؟
ولقد ظهر في هذه الحملة قدرة الأمة على النهوض والتكاتف والتعاون على إلحاق الأذى الشديد بالعدو المتربص . وقد ظهر ذلك في هذه القومة الشاملة لمختلف شرائح الأمة رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، أغنياء وفقراء، عوامَّ ومثقفين ؛ وذلك في الكتابات الكثيرة المتنوعة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك في المقاطعة المباركة التي آتت أُكُلها وثمارها في إنهاك اقتصاد المعتدين .
أسأل الله - عز وجل - أن يبارك في جهود القائمين بهذه النصرة سواء من كتب أو خطب أو قاطع وهجر منتجات القوم . وليس هذا بكثير في نصرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، والذي هو أوْلى بنا من أنفسنا، والذي قال لنا ربنا- سبحانه - عنه : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ( التوبة : 128 ) . والذي بلغ الكمال الإنساني في الشمائل والأخلاق وفي عبادة ربه - سبحانه وتعالى - . وكل هذا يفرض علينا أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأهلنا وأولادنا وأموالنا، وأن نفديه بالنفوس والمهج والأولاد والأموال .
وبما أن الحديث عن نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن حقوقه، وحقيقة أعدائه وحقدهم قد قام به المسلمون في شتى بلدان المسلمين بأقوالهم ورسائلهم وكتاباتهم ومقاطعتهم، فلن أكرر ما كُتب وقيل ؛ ففيه إن شاء الله الكفاية .
غير أن هناك بعض الوصايا التي أنصح بها نفسي وإخواني المسلمين في ضوء هذا الحدث الجلل أرى أنها من حقوق المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وهي من لوازم نصرته وموجبات محبته . ولكن قد تغيب عن بعضنا وتُنسى في زحمة الردود واشتعال المشاعر والعواطف .

* الوصية الأولى :
------------

قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه » [ البخاري : 1 ] وعندما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء . أي ذلك في سبيل الله ؟ » قال : « من قاتل لتكون
كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » [ البخاري ( 2810 )، مسلم ( 1904 ) ] .
والمقصود من إيراد هذين الحديثين الشريفين أن يحاسب كل منا نفسه، وهو يشارك في هذه الحملة المباركة للدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – ويتفقد نيته في قومته هذه . هل هي خالصة لله - تعالى - ؟ أم أن هناك شائبة من شوائب الدنيا قد خالطت نيته كأن يظهر للناس غيرته وحرصه على الدين وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو تكون مجرد حمية وعصبية ومفاخرة أو إرادة دنيا ومكانة بين الناس، أو غير ذلك من الأغراض . وهذا عمل قلبي لا يعلمه إلا الله - عز وجل - . ومع إحسان الظن بالقائمين بهذه النصرة وأنهم إن شاء الله - تعالى - إنما قاموا بذلك حباً لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إلا أن محاسبة النفس في هذا الشأن، وغيره من العبادات أمر واجب على كل مسلم حتى يبارك الله - عز وجل - في الأعمال، ويحصل منها الأجر والثواب، وإلا ذهبت هباءً منثوراً ؛ إن لم يأثم صاحبها ويعاقب على ذلك.

* الوصية الثانية :
-----------

قال الله - تعالى - : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( آل عمران : 31 ) .
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به » .
« يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند تلك الآية : هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه وفي الأمر نفسه حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » . ولهذا قال : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران : 31 ) أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم ؛ وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء : ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ . وقال الحسن البصري وغيره من السلف زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران : 31 )
ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - « لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى ؛ فلو يُعطى الناس بدعواهم لادعى الخَلِيُّ حرقة الشجِيِّ . فتنوع المدعون في الشهود . فقيل لا تُقبل الدعوى إلا ببينة : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ( آل عمران : 31 ) فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع ****** في أفعاله وأخلاقه » ( من مدارج السالكين 3/9 ) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : « فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب، ليست محبته لله وحده، بل إن كان يحبه فهي محبة شرك، فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود و النصارى محبة الله، فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب، فكانوا يتبعون الرسول، فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين . وهكذا أهل البدع ؛ فمن قال إنه من المريدين لله المحبين له، وهو لا يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به وترك ما نهى عنه، فمحبته فيها شَوْب من محبة المشركين واليهود والنصارى، بحسب ما فيه من البدعة ؛ فإن البدع التي ليست مشروعة، وليست مما دعا إليه الرسول لا يحبها الله، فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله، فأمر بكل معروف ونهى عن كل منكر » ( الفتاوى 8/361، 360 ) .
والمقصود من إيراد ألآيه التي في سورة آل عمران وكلام أهل العلم عندها، وكذلك الحديث، التنبيه في هذه الحملة المباركة إلى أن يراجع كل منا نفسه ويختبر صدق محبته لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - في قومته ونصرته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ إن علامة حبنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصدقنا في نصرته أن نكون متبعين لشرعه وسنته، وأن لا يكون في حياتنا أمور تسيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتؤذيه، فنقع في التناقض بين ما نقوم به من النصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أحوالنا، فيقع الفصام النكد بين القول والعمل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ( الصف : 2-3 ) .
- فيا أيها الذي تعبد الله - تعالى - بغير ما شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقام لنصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : زادك الله غيرة وغضباً لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ! ولكن اعلم أن الذي قمتَ لنصرته هو القائل : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » [ البخاري : 2697 ] وعليه فإن أي ابتداع في الدين سواء كان ذلك في الأقوال أو الأعمال لمما يؤذي نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ويسيء إليه . فاحذر أن تكون ممن يدعي محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في نفس الوقت يؤذيه ويعصيه ؛ فإن هذا يقدح في صدق المحبة والاتباع، ويتناقض مع نصرته ونصرة سنته . وأشنع من هذا من يدعي محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم – ونصرته ثم هو يقع في الشرك الأكبر ويدعوه أو يدعو علياً والحسين وغيرهم من الأولياء من دون الله . أو يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسب أزواجه أو أصحابه ؛ فإن كل ذلك يدل على كذب أولئك المدعين .
- ويا أرباب البيوت والأسر الذين قمتم لنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ! إن هذا منكم لعمل طيب مشكور ؛ ولكن تفقَّدوا أنفسكم فلعل عندكم وفي بيوتكم وبين أهليكم ما يغضب الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من آلات اللهو، وقنوات الإفساد ومجلات اللهو والمجون ؛ فإن كان كذلك فاعلموا أن إصراركم عليها واستمراءكم لها لمما يسيء إلى الرسول ويؤذيه، ويتناقض مع صدق محبته ؛ إذ إن صدق المحبة له تقتضي طاعته واتباعه ؛ لأن المحب لمن يحب مطيع .
- ويا أيها التاجر الذي أنعم الله - تعالى - عليه بالمال والتجارة ! إنه لعمل شريف، وكرم أصل أن تهبَّ لنصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتهجر وتقاطع منتجات القوم الكفرة الذين أساؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآذوه . ولكن تفقَّد نفسك ومالك عسى أن لا تكون ممن يستمرئ الربا في تنمية أمواله، أو ممن يقع في البيوع المحرمة، أو يبيع السلع المحرمة التي تضر بأخلاق المسلمين وأعراضهم وعقولهم . فإن كنت كذلك فحاسب نفسك وراجع صدق محبتك للرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قمت لنصرته . ألا تعلم أنك بأكلك الربا تعد محارباً لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصدق القيام لنصرته . قال الله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } ( البقرة : 278-279 ) ألا تعلم أن الأوْلى بالمقاطعة والهجر هو هجر ما حرم الله - عز وجل - من الربا والبيوع المحرمة والسلع المحرمة التي قد استمرأها الكثير من التجار ؟ قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : « المهاجر من هجر ما نهى الله عنه » ( البخاري : 10 ) .
ولا يعني هذا التهوين من مقاطعة منتجات القوم، بل أرى الصمود في ذلك، ولكن أردت التنبيه إلى ضرورة تخليص حياتنا من هذه الازدواجية، وعدم المصداقية .
- ويا أيها القائمون على المؤسسات الإعلامية من صحافة، وإذاعات وتلفزة، وقنوات فضائية في بلدان المسلمين ! إنه لعمل مشكور هذا الذي تشاركون به في حملة الانتصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ألا يعلم بعضكم أنه يعيش حالة من التناقض، إن لم يكن ضرباً من النفاق، وذلك عندما يدعي محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصرته ممن أساء إليه من الكفرة، ثم هو في نفس الوقت يبث في صحيفته أو إذاعته أو تلفازه أو قناته الفضائية ما يسيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويؤذيه ؛ وذلك مما حرم الله - عز وجل - وحرمه رسوله - صلى الله عليه وسلم - من إشاعة الفاحشة، وتحسين الرذيلة، وبث الشبهات، والشهوات، و النيل من أولياء الله - عز وجل - وأولياء رسول - صلى الله عليه وسلم - والاستهزاء بهم وبسمتهم وهديهم وعقيدتهم والله – عز وجل - يقول : « من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب » [ البخاري : 11/292 ] .
فكيف تعرِّضون أنفسكم لحرب الله - عز وجل - وأنتم تدَّعون نصرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والذب عنه ؟ إن الذب عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - إنما يكون بالتزام سنته، والذب عنها والتوبة من كل ما يقدح فيها، والتزام طاعته - صلى الله عليه وسلم - والصدق في محبته، وإلا كان هذا الانتصار مجرد ادعاء ومفاخرة ونفاق ؛ نعوذ بالله من ذلك .
- ويا أصحاب الحل والعقد في بلدان المسلمين ! إن أمانتكم لثقيلة فالحكم والتحاكم بأيديكم، والإعلام والاقتصاد بأيديكم، والتربية والتعليم بأيديكم، وحماية أمن المجتمع، وحماية الثغور بأيديكم ؛ فما أعظم أمانتكم ومسؤوليتكم أمام ربكم - عز وجل - وأمام أمتكم ؛ فهل تعلمون أن من رفض منكم الحكم بما أنزل الله - عز وجل - واستحل ما حرم الله - عز وجل - إنما هو من أعظم المسيئين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمناوئين له ... ؟
وفي ختام هذه الوصية : أرجو أن لا يُفهم من كلامي أني أهوِّن من هذه الحملة القوية لنصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والدفاع عن عرضه الشريف، أو أني أدعو إلى تأجيلها حتى تصلح أحوالنا حكاماً ومحكومين . كلاَّ ؛ بل إني أدعو إلى مزيد من هذا الانتصار والمقاطعة والتعاون في ذلك كما هو الحاصل الآن والحمد لله رب العالمين، ولكنني أردت أيضاً الالتفات إلى أحوالنا وتفقد إيماننا، وصدقنا في محبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والانتصار له، بأن نبرهن على ذلك بطاعته - عليه الصلاة والسلام – واتباعنا لشريعته والذب عنها والاستسلام لها باطناً وظاهراً . قال الله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ( البقرة : 208 ) . وقال - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً مُّبِيناً } ( الأحزاب : 36 ) . وقال -تعالى - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ( النساء : 65 ) .

* الوصية الثالثة :
-------------

إن ما حصل من إساءة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإعلام الدنماركي، والنرويجي وغيرهما جرم عظيم ينم عن حقد متأصل في قلوب القوم، ولكن ينبغي أن لا تنسينا مدافعة هؤلاء القوم من هو أشد منهم خبثاً وحقداً وضرراً على المسلمين، ألا وهي طاغية العصر أمريكا حيث جمعت الشر كله، فوقعت فيما وقع فيه هؤلاء من الإساءة إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإهانة كتاب ربنا - سبحانه - وتنجيسه وتمزيقه على مرأى من العالم، وزادت على القوم بقتل أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان و العراق و فلسطين، وسامت الدعاة والمجاهدين سوء العذاب في أبي غريب وأفغانستان، وسجونها السرية في الغرب والشرق، فيجب أن يكون لها الحظ الأكبر من البراءة والانتصار منها لربنا عز وجل ولكتابه - سبحانه - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ننبه الناس في هذه الحملة الميمونة إلى هذا العدو الأكبر وأنه يجب أن يكون في حقه من إظهار العداوة له والبراءة منه ومقطاعته كما كان في حق الدانمارك بل أكثر وأشد .
وأتوجه بهذه المناسبة إلى المنادين بمصطلح ( نحن والآخر ) والمطالبين بالتسامح مع الآخر الكافر وعدم إظهار الكراهية له، أقول لهم : هذا هو الآخر الذي تطلبون وده وتتحرجون من تسميته بالكافر . إنه يرفض ودكم، ويعلن كراهيته لديننا ونبينا، وكتاب ربنا - سبحانه - فماذا أنتم قائلون ؟ ! وهذا من عدونا غيض من فيض، وصدق ربنا - سبحانه - إذ يقول في وصفهم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ( آل عمران : 118 ) .-

* الوصية الرابعة :
---------------
إن من علامة صدق النصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نفرق في بغضنا وغضبتنا بين جنس وآخر ممن آذى نبينا - عليه الصلاة والسلام - وأساء إليه أو إلى دين الإسلام ؛ بل يجب أن تكون غضبتنا لله - تعالى – وتكون عداوتنا لكل من أساء إلى ربنا أو ديننا أو نبينا - صلى الله عليه وسلم - من أي جنس كان ولو كان من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا . كما هو الحاصل من بعض كتاب الصحافة، والرواية، وشعراء الحداثة، والذين يلمحون تارة ويصرحون تارة أخرى بالنيل من أحكام ديننا وعقيدتنا، وإيذاء نبينا - صلى الله عليه وسلم -، بل وصل أذاهم وسبهم للذات الإلهية العلية تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً . فأين غضبتنا على هؤلاء، وأين الذين ينتصرون لله - تعالى - ودينه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من فضح هؤلاء والمطالبة بإقامة حكم الله فيهم ليكونوا عبرة لغيرهم ؟ إن الانتصار من هؤلاء لا يقل شأناً عن الانتصار ممن سب ديننا ونبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - في دول الغرب الكافر . يقول الله – عز وجل - : { لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ } ( المجادلة : 22 ) .

* الوصية الخامسة :
---------------

يقول الله - عز وجل - : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } ( الإسراء : 36 ) .
يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية بعد أن ذكر أقوال أهل العلم : ( ومضمون ما ذكروه أن الله - تعالى - نهى عن القول بلا علم، بل الظن الذي هو التوهم والخيال كما قال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } ( الحجرات : 12 )، وفي الحديث : « إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذب الحديث »، وفي سنن أبي داوود : « بئس مطية الرجل زعموا » ... وقوله : { كُلُّ أُوْلَئِكَ } ( الإسراء : 36 ) أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد { كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } ( الإسراء : 36 ) أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة وتسأل عنه وعما عمل فيها ) ا . هـ .
وفي ضوء هذه الآية الكريمة وما ورد في معناها نخرج بمنهج عادل وقويم في التعامل مع الأحداث، والمواقف ينصحنا الله - عز وجل - به، حتى لا تزلَّ الأقدام، وتضل الأفهام، وحتى لا يقع المسلم في عاقبة تهوره وعجلته . وذلك بأن لا ينساق وراء عاطفته، وحماسته الفائرة دون علم وتثبت مما رأى أو سمع فيقول بلا علم أو يتخذ موقفاً دون تثبُّت وتروٍّ .
إن المسلم المستسلم لشريعة ربه سبحانه محكوم في جميع أقواله ومواقفه وحبه وبغضه، ورضاه وسخطه بما جاء في الكتاب والسنة من الميزان العدل، والقسطاس المستقيم ؛ فإن لم يضبط المسلم عاطفته وحماسه بالعلم الشرعي والعقل والتروي فإن حماسته هذه قد تجره إلى أمور قد يندم على عجلته فيها .
والمقصود هنا التحذير من العجلة، والجوْر في الأحكام، والمواقف خاصة عندما تكثر الشائعات ويخوض فيها الخائضون بلا علم أو عدل، بل لا بد من التثبت ومشاورة أهل العلم والشرع وأهل الفهم بالواقع .
ومن أمثلة هذه المواقف المتسرعة في هذا الحدث ما تناقلته بعض المطويات ورسائل الجوال من وجوب المقاطعة لبضائع كثيرة بعضها ليست من منتجات القوم المقصودين بالمقاطعة، ومن ذلك التسرع في الحكم على من لم يقاطع بأنه آثم لا يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكما جاء في قول القائل : ( قاطع من لم يقاطع ) . ومن ذلك الإكثار من الرؤى والمنامات، والاستناد عليها في تصحيح موقف ما أو تخطئته، فهذا غلو خطير لا مبرر له .
وبعد : فهذا ما يسَّره الله - عز وجل - من هذه الوصايا التي أخص بها نفسي وإخواني المسلمين في كل مكان ؛ مع التأكيد على ضرورة الصمود والمصابرة في البراءة من القوم، ومقاطعة منتجاتهم ؛ فما كان في هذه الوصايا من صواب فمن الله - عز وجل - فهو المانُّ بذلك، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي و الشيطان، وأستغفر الله - عز وجل - وأتوب إليه . والحمد لله رب العالمين .

---------------------------------------
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 01-17-2015, 09:54 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
افتراضي

الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقـيره*
ـــــــــــــــــــــــــ

26 / 3 / 1436 هــ
17 / 1 / 2015 م
ـــــــــــ



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمين خير الأولين والآخرين، أما بعد:
فمحبة المسلمين للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم له والذبّ عنه، ليس مجرد عمل عاطفي تجاه شخصية محبوبة، وإنما هو دين يتديّنون به أثبته الله تعالى في كتابه، وجعل الفلاح من نصيب القائمين به، كما قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. وقد قام أصحاب الرسول الكرام الأماجد - رضي الله عنهم - بذلك خيرَ قيام، وتابعهم في ذلك التابعون، وذلك مستمر بإذن الله تعالى إلى يوم الدين يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد اقتضت سنة الله تعالى أن يكون للحق أعداء محاربون كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْـمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31]، وكما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنسِ وَالْـجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، وقوله: {مَا يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43]، وكلما كان الحق أوضح وأشد نصاعة؛ جَهِد الأعداء المحاربون لله ورسله من الجن والإنس في عداوتهم للحق والسعي الشديد والكيد لإطفاء نوره. وأشد صور الحق نصاعة هو ما جاءت به رسل الله تعالى - صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً -، وما جاء به رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا في ذلك. ومن شأن الحق الواضح الجلي الذي لا تشوبه شائبة أن يمتلك القدرة الفائقة التي لا يُستطاع مقاومتها على خلع المشركين وأهل الجهل والضلالة مما هم فيه، ونقلهم بسرعة وقوة إلى معسكر الإيمان والتوحيد؛ ليكونوا من جنده المخلصين، ومن ثم كانت عداوة أهل الشرك والضلالة له صلى الله عليه وسلم، سواء في القديم أو الحديث، أشد وأشد، فقالوا عنه صلى الله عليه وسلم في القديم شاعر، وقالوا ساحر، وقالوا مجنون، لكن أقوالهم الفاجرة الآثمة، إضافة إلى حربهم، لم تقوَ على إطفاء نور الحق أو حجبه عن الناس، فآمن به مَن كان مِن أشد الناس له عداوة وانتقل إلى حزب المؤمنين وصار من المدافعين بأموالهم وأنفسهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كله تصديق لقوله تعالى له: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]، فقد تكفّل الله تعالى بهدايته للحق وتبصيره بالرشد، وضمن له النصر على من ناوأه وعاداه من الإنس والجن جميعهم.
ولم تقتصر عداوة من عاداه صلى الله عليه وسلم على القديم، بل في العصر الحديث أيضاً، وربما كانت العداوة الآن أشد وأقسى، وذلك من جانبين:
1- جانب تيقن المشركين من قوة هذا الدين وثبات حقائقه ومن ثم ثبات أهله وتيقنهم منه، ومن ثم لا بد من بذل الجهود القوية المضاعفة لزحزحة بعض أتباعه عنه.
2- ضعف المسلمين الآن بالقياس إلى قوتهم في الأزمنة الغابرة، والذي يغري المشركين بالتطاول عليهم والطمع في تحقيق اختراق في جبهتهم، تمهيداً لإزالة الحق دين الإسلام، وهيهات ثم هيهات، ولو اجتمع من بأقطارها على ذلك فلن يفلحوا ولن ينجحوا.
فبعدما بَهرت أضواء الحق أبصار المشركين، وغزت دلائله وبيّناته عقولهم وقلوبهم، رغم ضعف إمكانات المسلمين العسكرية والتقنية، وانتقال كثير من المشركين من دائرة الكفر والشرك إلى دائرة التوحيد والإسلام والإيمان، وشعور أهل الكفر بغلبة الإسلام لهم وأنه قادم إلى عقر دارهم ليقتلع جذور الشرك من أرضهم النكدة؛ رأوا بأفكارهم العفنة وعقولهم النتنة أن القدح والطعن في سيد الخلق أجمعين محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن أجمعين، ربما يعوق تقدم الإسلام في ديارهم، فاعتمدوا هذه الخطة الخبيثة وراحوا يطعنون ويسخرون ويرسمون ويمثلون بزعم حقهم في حرية التعبير. والحقيقة التي تفضحها الوقائع أن المسألة ليست مسألة حرية تعبير، بل هي الحرب والكيد للإسلام ولرسوله العظيم، وذلك:

أولاً: لأن ما يذكرونه ليس تعبيراً عن رأي في مسألة في الإسلام أو في رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو كذب واختلاق وسخرية واستهزاء، وليس ذلك رأياً، بل فجور وسفاهة وإجرام وعدوان، ونحن نتحداهم إن كان لهم رأي يقوم على أدلة وبراهين أن يبرزوا لمناظرة علماء الإسلام وليستعينوا في ذلك بما شاؤوا، وليس ينتظرهم غير الخيبة والخسران وانكشاف باطلهم كما حاق بمن قبلهم من بني جلدتهم في كل مناظراتهم التي حدثت مع علماء المسلمين.

ثانياً: أن الحرية التي يزعمون يكبتونها ويسنون لها القوانين لمنعها وعقوبة فاعلها إذا كان في ذلك ما يحقق للمسلمين بعض أحكام دينهم؛ كما منعت فرنسا ارتداء المسلمات لحجابهن الشرعي، ثم سنت قانوناً لمعاقبة كل من تخالف ذلك من النسوة المسلمات، ولم ينظروا لمسألة الحرية التي بها يتشدّقون؛ وكذلك منعت هولندا بناء المآذن ولم تنظر لمسألة الحرية.

ثالثاً: أن هناك من الأمور التي يمكن بقوة إدراجها في حرية التعبير، إلا أنه يُمنع الناس من التعبير فيها، بل سُنّت القوانين لتجريم من يخالف الرواية المعتمدة من السلطات، ولم ينظروا لمسألة الحرية؛ فحرق اليهود في أفران الغاز من قبل النازيين مسألة تاريخية تثبت أو تنفى بالدلائل، ومع ذلك اعتمدت سلطات كثير من البلدان الرواية اليهودية في حرقهم في أفران الغاز بحيث يجرّم من خالفها ويعاقب على ذلك بالسجن، ولم ينظروا لحرية الرأي، ولا للأدلة التي يقدمها من ينفي هذه الواقعة أو من يبين المبالغة المتعمدة فيها.
فحرية الفكر المدّعاة أكذوبة من أكذوباتهم التي لا تفنّد.
ولو قُدّر أن هؤلاء القوم عندهم حرية تعبير فعلاً ويقدرونها حق قدرها، فإن مسائل ديننا لا تؤخذ من مجرد الفكر والتصور، بل هي قائمة على أدلة، وما يزعم من فكر في هذا المجال فهو من كذبهم واختلاقهم.
ولا ينبغي لنا أن نسكت على كذبهم وإفكهم وسخريتهم برسولنا الكريم واستهزائهم به لرؤيتهم أن هذا من قبيل حرية التعبير، فديننا ورسولنا ورسل الله جميعهم لا يمكن للمسلم أن يتنازل في حقهم وتعظيمهم لمن يرى أن من حقه السخرية منهم والطعن فيهم، وما تجرّأ الكفار المشركون على تكرار التنقص من رسولنا الكريم إلا لما رأوا من ضعف رد المسلمين على إفكهم، ولو كان رد المسلمين رداً مكافئاً لجرمهم بالمقياس الشرعي لما كرّروا ذلك الأمر ولأدبهم الرد الشرعي عن محاولة تكراره، فقد بدأ ذلك المجرم المرتد سلمان رشدي بكتابة آيات شيطانية، وقد لعبت السياسة دورها في حصر المشكلة في رد فعل الشيعة على سلمان رشدي، لكن الفتوى التي أصدرها إمام الشيعة في زمنه أخافته وأخافتهم كثيراً، فلما هدأت العاصفة كرّمت ملكة بريطانيا المرتد سلمان رشدي وقلدته وسام الفارس وهو لم يقدم شيئاً يخدم به أمة الإنجليز، وكان الذي قدمه هو كتابه الفاجر «آيات شيطانية»، فهي تكرمه على قدحه في الإسلام، ما يدل على أن المسألة خارجة عن حرية التعبير، ثم قامت جريدة دنماركية بنشر رسوم كاريكاتورية فيها سخرية بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وكان رد الفعل ضعيفاً لم يتجاوز المقاطعة الاقتصادية التي ما لبثت أن تروجع عنها ولم تمكث طويلاً، ثم كانت ثالثة الأثافي الفيلم الذي أنتجه النصارى العرب في أمريكا يسخرون فيه من سيد البشرية، ولم يزد رد الفعل عن مقاطعة موقعي «جوجل» و«يوتيوب» المسؤولين عن نشره على المواقع الإلكترونية، والمقاطعة ليست كافية في ذلك ولا تمنع من هذا العمل ولا من تكراره مرة أخرى، كما أن هناك حكماً شرعياً فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سخر منه أو تنقصه، وحكمه في ذلك القتل حداً، فلو أسلم وتاب لم يسقط عنه حد القتل، فالساب أو المستهزئ أو الساخر من سيد ولد آدم يقتل حداً، سواء كان مسلماً أو كافراً معاهداً أو كافراً حربياً، ولن يوقف هذا المسلك المشين من هؤلاء المشركين إخوان القردة والخنازير؛ غير تطبيق الحكم الشرعي عليهم، والذي أراه في ذلك أن يحدَّد القائمون بذلك العمل العدواني على مقدسات المسلمين، وتجرى التحقيقات حول ذلك، وتطالب البلدان التي تأويهم بتسليمهم لمحاكمتهم على ما اقترفوه، فإن أبت تلك الدول تسليمهم حوكموا غيابياً، فإذا صدرت الأحكام بحقهم طولبت تلك الدول طلباً حثيثاً بتسليمهم، فإن لم تقبل بتسليمهم نظر لتلك الدول على أنها دول تأوي مجرمين مطلوبين للعدالة الإسلامية، ثم تبيح الدولة التي أصدر قضاتها الحكم لرعاياها العمل على تنفيذ الحكم الصادر، ومثل هذا سيؤدي بكل تأكيد إلى دخول هذه الفئران إلى جحورها وعدم قدرتها على الظهور العلني، وسيقلص إلى أكبر حد ممكن من هذه التصرفات المجرمة، وستشعر تلك الدول التي تأوي هذه الجراثيم البشرية أن المسلمين جادون في عقوبة من ينتقص دينهم بكل سبيل، عقوبة حقيقية موجعة، ومن ثم فإنهم سيتعاهدون على كف سفهائهم عن تلك التصرفات. لقد أباحت أمريكا لقواتها أن تقوم بتنفيذ العدالة من وجهة نظرهم على من يعاديها، وسنت لذلك القوانين، ورأينا لذلك الطائرات التي تعمل من دون طيار تخترق أجواء الدول دون أذن، وتقوم بالدخول إلى المناطق التي يظنون فيها وجود من يبحثون عنهم، وقتلهم، ويعدون ذلك التصرف تصرفاً قانونياً، فلا يصلح أن يكون حرص هؤلاء على دنياهم أشد من حرصنا على ديننا وتعظيم رسولنا والذبّ عنه، فليس هناك ما يحول بيننا وبين إجراء هذه المحاكمات إذا كنا ننوي الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

---------------------------------------------
*{م:البيان}
ــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المتغطرسة, المسيئة, الرسول, والعقلية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الرسوم المسيئة والعقلية المتغطرسة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حول الرد على الرسوم المسيئة محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 1 01-24-2015 09:18 PM
صحيفة دنماركية تعيد نشر الرسوم المسيئة للرسول بعد هجوم «شارلي إيبدو» Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 01-08-2015 11:54 PM
12 قتيلا في هجوم على صحيفة "شارلي ايبدو" في باريس والمعروفة بنشر الرسوم المسيئة للرسول Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 01-07-2015 05:28 PM
التطوع لإزالة الرسوم المسيئة عن جدار مسجد برنيستون عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 03-23-2014 08:45 AM
رشق صاحب الرسوم المسيئة بالبيض في السويد Eng.Jordan المسلمون حول العالم 0 02-23-2012 05:00 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:46 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59