#1  
قديم 08-29-2014, 08:27 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي مراكز الفكر الأمريكي...قراءة في خرائط مراكز الفكر الأمريكية


اعداد - سعيد عبد الهادي
في السياسة لا تترجم المعلومات إلي قوة ونفوذ إلا إذا قدمت بالشكل الصحيح وفي الوقت الصحيح.

لا يمكن معرفة الكيفية التي تدار بها الأمور - بصورة عامة - في أميركا بدون التوقف مليا أمام آلية عمل المراكز البحثية الأميركية لكونها - كما أشار الرئيس الأميركي بوش في إحدى كلماته - تضم أفضل العقول الأميركية بعيدا عن النظر في انتماءات هذه العقول، إنما يجري التأكيد على ما تستطيع تقديمه من مشورة يستند إليها القرار الأميركي سياسيا كان أم اقتصاديا أو اجتماعيا، وتسليط الضوء على عمل هذه المراكز يقدم لنا تصورا ربما نحتاجه كثير في مرحلتنا الحالية من أجل خلق ركائز علمية تحرك مجمل العمليات في البلد، وبذا يكون القرار العراقي صنيعة مشتركة كما هو الحال في أميركا وغيرها من البلدان المتقدمة، ولا بد أن ننوه إلى اعتمدنا في تحرير هذه المادة على مقال مطول للكاتبة أميمة عبداللطيف، لكن بعد حذف الرؤى الذاتية التي حركت الكثير من مفاصل مادتها الأساس. بالأمس القريب أصدرت مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين المخضرمين بيانا شنوا فيه حملة قوية ضد السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جورج بوش التي خلقت أعداء و أبعدت الأصدقاء. هناك استعداد شبه فطري من قبل صانعي القرار للجوء لتلك المراكز من أجل الحصول علي النصائح والاستشارة حول موضوعات السياسة الخارجية والمحلية السبب الرئيس وراء انتشار المراكز ناتج عن ثلاثة عناصر: الطبيعة اللامــركـزيـة للـنـظـام الـسـياسـي الأمـريكي، وعدم وجود أسس حـزبـيـة صـارمـة، والمـعونات المالية المتدفقة من المنظمات المختلفة .
ومن بين أهم اللاعبين في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، الذين ساهموا في وضع أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، مجموعة من الخبراء الذين ينتمون لما اصطلح على تسميته بمراكز الفكر. ويشعر الرئيس بوش بامتنان شديد لهؤلاء حتى إنه في الحفل السنوي لمعهد المشروع الأمريكي(أحد أهم هذه المراكز البحثية) توجه إليهم قائلا: في هذا المعهد هناك مجموعة من أفضل العقول الأمريكية وأنتم تقومون بعمل جيد لدرجة أن إدارتي استعارت منكم عشرين من هذه العقول المفكرة، وأريد أن أشكرهم لخدماتهم . فأي خدمات إذن تقدمها هذه المراكز للإدارة الأمريكية وفي أي مجالات وأي أجندة تخدم؟ في السياسة لا تترجم المعلومات إلي قوة ونفوذ إلا إذا قدمت بالشكل الصحيح وفي الوقت الصحيح، هذه العبارة تختصر مهمة مراكز الفكرالتي تزايدت أعدادها بشكل مطرد وتعزز نفوذها ودورها في التأثير علي مجريات النقاش العام في الغرب بصفة عامة وفي الولايات المتحدة بصفة خاصة. لقد أشبعت مراكز الفكر، كما يقول جيمس ماك جين أحد زملاء معهد بحوث السياسات، النهم للمعلومات والتحليل المنهجي، لقد صارت هي المصدر الرئيس ليس فقط للتزود بالمعلومات، بل في معظم الأحيان يستعان بها لوضع وتقرير أجندة السياسات. وتبدو خطورة هذه المراكز البحثية في أمرين أساسيين: أولا، كونها ترتدي ثوب الحياد الأكاديمي وترفع شعار المصالح الوطنية الأمريكية أمام منتقديها، وثانيا، هو التأثير المتزايد الذي تمارسه علي السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تخلت عن هذا الحياد وأصبحت في معظمها تخدم توجهات أيدلوجية معينة. ويطرح هذا النفوذ تساؤلات مهمة بخصوص الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه المراكز في التأثير على عملية رسم السياسة الخارجية الأمريكية من جهة، وما هي حدود هذا الدور؟ وهل ثمة سقف ما تقف عنده ولا تتخطاه؟ أم أن ما يحدد هذا النفوذ هو فقط الموضوع الذي تسعي للتأثير عليه؟ بل وتحديد الطريقة والكيفية التي يتم بها تناول قضايا بعينها؟ وبأي طريقة؟ وماهي القنوات التي تسعي من خلالها مراكز الفكر تلك للتأثير في صناع القرار من ناحية والرأي العام من ناحية أخرى. تنبع أهمية مراكز الفكر من أنها أصبحت في السنوات الأخيرة أشبه بالظاهرة العالمية، بل وبدا أن ثمة ما هو أشبه بعملية تصنيع لتلك المراكز التي بدأت تفرخ في دول عدة متخذة من النموذج الأمريكي المثال الأبرز. لقد بدأت تلك المراكز كظاهرة أمريكية بامتياز، وبالتالي فثمة فاصل يميز مراكز الفكر الأمريكية عن مثيلاتها في الدول الأخرى، وهو قدرة هذه المراكز في الولايات المتحدة على المشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في عملية رسم السياسات، ليس هذا فحسب، وإنما- وفق قول أحد الأكاديميين الكنديين- هناك استعداد شبه فطري من قبل صانعي القرار للجوء لتلك المراكز من أجل الحصول علي النصائح والاستشارة حول موضوعات السياسة الخارجية والمحلية. المهمة الأولى بالأساس لتلك المراكز إذن هي صناعة الأفكار والعمل على ترويجها على مستوى صانع القرار والرأي العام. في كل أنحاء العالم هناك حوالي 4500 مركزا بحثيا، وما يقارب 2000 منها موجود بالولايات المتحدة، من بينها تسع مراكز بحثية تعد من أهم المراكز البحثية وأكثرها نفوذا وتتراوح ميزانيتها مابين 3 ملايين إلي ثلاثين مليون دولار وعمالة مابين 35 إلى 200 موظفا. يحاول الأكاديمي الكندي دونالد إبلسون في ورقة بحثية مهمة بعنوان قراءة تاريخية لمراكز الفكر والسياسة الخارجية، تفسير الصعود المفاجئ في السياسة الأمريكية لبعض مراكز الفكر والسبب الذي أدى بها لأن تكون ملمحا أساسيا من ملامح الخريطة السياسية الأمريكية، ولماذا يلجأ إليها صانعو القرارات ومشرعو الكونجرس والإدارة البيروقراطية والفيدرالية من أجل الحصول على نصائح؟. يعزو إبلسون هذا الصعود إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت بالصحفيين والميديا الأمريكية للبحث عن تفسيرات لفك ألغاز الهجوم، فتحولوا بأنظارهم كلية للمراكز البحثية التي ما كانت لتفوت هكذا فرصة دون أن تستغلها لتقوية نفوذها. فقد أمدتهم بـ خبراء السياسة والمحللين الذين وجدوا طريقهم لشبكات التلفزة والجرائد الكبرى وأصبحوا يتمتعون بظهور إعلامي مكثف. إن استعداد هذه المراكز لأن تمارس اللعبة الإعلامية التي صاحبت أحداث سبتمبر لم تكن مفاجئة لأنها أتاحت الفرصة لتلك المراكز لأن تقوي نفوذها، مما مهد الطريق لأن تنخرط بشكل نشط في عملية اتخاذ القرار وصنع السياسات.
مراكز الفكر: رؤية تاريخية:
يتفق الباحثون الذين قاموا برصد عملية نمو وتطور مراكز الفكر الأمريكي على أن السبب الرئيس وراء تكاثر وانتشار هذه المراكز خلال الربع قرن الماضي ناتج عن تزاوج بين ثلاثة عناصر أساسية: الطبيعة اللامركزية للنظام السياسي الأمريكي وعدم وجود أسس حزبية صارمة والمعونات المالية المتدفقة من المنظمات ذات التوجهات الأيدلوجية المختلفة. غير أنه ليس ثمة اتفاق حول أول مركز بحثي أسس بالولايات المتحدة، لكن هناك شبه إجماع على أنه كانت هناك موجات شهدت نموا وصعودا في فترات زمنية متفاوتة. وثمة اتفاق أيضا على تعريف تلك المراكز بأنها كيانات ذات توجه بحثي ولا تهدف لتحقيق الربح، كما وأنه ليست لديها أية انتماءات حزبية وإن كان هذا لا ينفي كونها ذات خلفية أيدلوجية، هدفها الأول، ممارسة التأثير علي الرأي العام والسياسات العامة. وبطبيعة الحال هناك تباين في الأحجام ما بين مراكز الفكر تلك، فمؤسسة راند مثلا التي تعني بتحليل السياسات الدفاعية والخارجية ولديها ميزانية سنوية ضخمة تقدر بحوالي 100مليون دولار ويبلغ عدد العاملين بها حوالي 1000، وبين مراكز بحثية أكثر تواضعا مثل معهد دراسات السياسات العامة الذي يعمل به أقل من 24 فردا وبميزانية تتراوح بين 1-2 مليون دولار. ورغم عدم إمكانية تحديد تاريخ الذي أسس فيه أقدم هذه المراكز إلا أن ظهورها يعود لأوائل القرن الماضي، وكانت ترجمة لرغبة بعض علماء اللغويات والمثقفين لخلق فضاءات ونقاط تجمع للأكاديميين وقادة الرأي العام لمناقشة الشئون السياسية.
يشير إبلسون في دراسته إلى ستة من أقدم هذه المراكز هي:
1-مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي: تأسست في عام 1910 علي يد بارون الحديد أندرو كارنيجي.
2-معهد هوفر للحرب والثورة والسلام تأسس في العام 1919.
3-مجلس العلاقات الخارجية وهو أحد أهم مراكز السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، تأسس في العام 1921.
4-معهد البحوث الحكومية، تأسس في عام 1916 وانضم لاحقا لمعهدين آخرين ليشكلا معهد بروكينجز 1927 وهو أيقونة مراكز الفكر في واشنطن الآن. 5- معهد المشروع الأمريكي لبحوث السياسات، تأسس في العام 1943 وقد بزغ نجمه في خلال العقدين الماضيين حيث إنه أحد أهم مراكز الفكر اليميني وبوتقة تضم صقور المحافظين الجدد.يقسم إبلسون هذه المراكز حسب نشأتها إلى أربعة أجيال أساسية. الجيل الأول من مراكز الفكر ظل حريصا علي أن ينأى بنفسه عن الانخراط في العملية السياسية، لأنها أرادت الاحتفاظ بمسافة ما بينها وبين السياسيين الأمريكيين حتى تحافظ على استقلالها وحيادها الأكاديمي وهو أمر كما سنرى لاحقا أصبح غير ذي معني بالنسبة لمراكز الفكر المعاصرة. الجيل الثاني نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بعد بزوغ الولايات المتحدة كقوة منتصرة، فأصبحت الحاجة ملحة أكثر بالنسبة لصانع القرارات للحصول علي خبرات مراكز الفكر من أجل التأسيس لسياسات جديدة للأمن القومي والسياسات الأمنية. في مايو 1948 أتت مؤسسة راند إلى الوجود، ولم تكن راند مثل سابقتها من مراكز الفكر ذلك أن نشأتها دشنت لجيل جديد من مراكز الفكر التي لقبها إبلسون بـ (مقاولي الحكومات) فهي معهد لأبحاث السياسات يمول من قبل الحكومة الفيدرالية والهيئات الحكومية الأخرى لأن أهدافها البحثية تسعي لمخاطبة اهتمامات صانعي القرار وكانت نشأة راند قد أوحت بإقامة عدد أخر من مراكز الفكر علي شاكلتها مثل معهد هدسون الذي أسس عام 1961. أما الجيل الثالث فأهم ما يميزه أنه على العكس من الجيل الأول الذي لم ينخرط في أية أنشطة سياسية، فإن مراكز الفكر المنتمية لهذا الجيل مثل مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية (1962) وهيرتدج فاونديشن(1973)ومعهد كاطو (1977) أصبح يتحين الفرصة لممارسة نفوذ علي اتجاه ومحتوى السياسة الخارجية الأمريكية. ومع تزايد عدد مراكز الفكر بل وتطور صناعة مراكز الفكر ذاتها أدى إلى خلق علاقة أهم ملامحها هو التنافسية، بل إن ثمة تزايد في إدراك بعض القائمين علي هذه المراكز على ضرورة الاستيلاء علي انتباه الرأي العام وعلى عقول صانعي السياسات. ثم هناك الجيل الرابع والأخير من المراكز وهي التي يصنفها إبلسون على أنها المعاهد التي تؤسس لتخليد الإرث السياسي لشخصية ما مثل معهد كارتر بأطلانطا ومعهد نيكسون للحرب والسلام بواشنطن ومعهد جيمس بيكر.
كيف يمارسون نفوذهم:
تمارس المراكز الفكرية نفوذها عبر عدة إستراتيجيات مثل:
1-تشجيع الباحثين المرتبطين بهذه المعاهد علي تقديم محاضرات في الجامعات
2-تقديم شهادات أمام اللجان التشريعية
3-تكثيف الظهور الإعلامي لهم من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، ومن خلال كتابة مقالات في الصحف الأمريكية ذات الانتشار الواسع والعمل علي نشر أبحاثهم وعمل مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت ويكشف إبلسون عن أن هؤلاء الخبراء يحرصون على أن يكونوا أكثر انخراطا في العملية السياسة والسياسة الخارجية الأمريكية، وذلك من خلال قبول مناصب حكومية في الوزارة أو الحكومة الفيدرالية، وحتى بعد أن يخدموا في الحكومة، هناك الكثير الذي يعود مرة أخرى لمراكز الفكر تلك ويقدم خدماته كمستشار خلال الانتخابات الرئاسية والمجالس الاستشارية في الكونجرس، وتحرص المراكز أيضا على دعوة صانعي القرار، في وزارات الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي والمخابرات المركزية وغيرها من وكالات المخابرات، للمشاركة في ندوات خاصة ومغلقة وتزويدهم بملخصات سياسية ودراسات حول موضوعات السياسة الخارجية الحالية.وبرغم أن إبلسون يقول بأن مراكز الفكر تلك تمارس نفوذا كبيرا على عملية رسم السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه من المهم إدراك أن حجم هذا النفوذ يتباين بحسب الموضوعات، فبينما تمارس مراكز مثل معهد المشروع الأمريكي وهيرتدج فاونديشن نفوذا على النقاش الدائر حول الصواريخ الدفاعية وملف الشرق الأوسط، فإن هناك آخرين مثل راند أكثر نفوذا في العمل مع صانعي السياسات لتقييم تكلفة عمل تكنولوجيا عسكرية متطورة. معهد بروكينجز: دراسة حالة في دراسة مهمة قام بها ستروب تالبوت مدير معهد بروكينجز أشار فيها إلى الطريقة التي تعمل بها مراكز الفكر في الولايات المتحدة وقدم مثالا على ذلك معهد بروكينجز. في أول الدراسة يحدد تالبوت هدف المعهد وغيره من مراكز الفكر الأخرى بأنها تزود مجتمع السياسيين بالتحليل والنتائج التي يمكن أن تستخدم كنواة لتطوير سياسات جديدة أو تعديلها أو مراجعة للسياسات القائمة . إن أحد أهم التحديات التي تواجه مراكز البحث هو تحديد بدقة، وفي مرحلة مبكرة من مراحل العمل، الموضوعات الهامة التي سوف تواجهها أمتنا والعالم في المستقبل وأن نعمل على تسليط الضوء عليها أمام صانعي السياسات والرأي العام. إن المواد الخام التي تعتمد عليها مراكز الفكر هي الأفكار. وهذه المراكز التي يمكن أن نطلق عليها مؤسسات بحثية تعني بالسياسيات العامة هي تقوم بتقييم واختبار مدى صحة الأفكار التي تشكل أساس السياسات، كما أنها تقوم بالعمل على تطوير أفكار يمكن على أساسها صياغة سياسات مستقبلية. مراكز الفكر إذن يصدق عليها وصف جيمس آلن سميث الذي قدم العديد من المؤلفات عنها بأنها سماسرة الأفكار. يعد معهد بروكينجز أحد أهم وأقدم مراكز الفكر، تأسس في عام 1916 باسم معهد السياسات الحكومية من قبل عالم اللغويات روبرت بروكينجز الذي وجد أن الحكومة يمكن أن تستفيد من فكرة دمج الأبحاث الاقتصادية والإدارة. وكان بروكينجز يركز في البداية علي السياسات الاجتماعية والمحلية ولم يتم إضافة الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الدولية إلا بعد الحرب العالمية الثانية. المعهد مقسم إلى ثلاثة أقسام بحثية: دراسات السياسة الخارجية ثم الدراسات الاقتصادية والدراسات الحكومية، ولكن تالبوت يقول بأن الخطوط في واقع الأمر تكاد تكون متداخلة، لأن المعهد كثيرا ما يتناول موضوعات تشمل النواحي الثلاث في آن واحد. كما أن الهيكل التنظيمي للمعهد يضم العديد من المراكز البحثية، مقسمة جغرافيا أو حسب الموضوع، مثل مركز دراسات الشرق الأوسط ومركز السياسات التعليمية. غير أنه على ما يبدو، فإن وظيفة المعهد قد تغيرت بشكل جذري عما كان يفكر به مؤسس المعهد روبرت بروكينجز الذي قال ذات مرة إن أنشطة بروكينجز لابد وأن تركز على تقديم الأفكار بدون أي غطاء أيدلوجي ، لأن المتتبع لأبحاث المركز سيجد أن ثمة توجهات أيدلوجية تحكم الطريقة التي تقدم بها الأبحاث وحتى طبيعة الموضوعات التي يتم اختيارها والأفكار التي تقدم لصانعي السياسات والرأي العام. ولا تخلو رؤية تالبوت من هذا الأمر بطبيعة الحال، إذ يعتبر أنه على مر السنوات كانت الأفكار التي تخرج من بروكينجز تلعب دورا هاما وأساسي في التعبئة من أجل الحرب العالمية الأولى والثانية وإنشاء عملية الميزانية للحكومة الفيدرالية ونظام الخدمات المدنية، كما أنه لعب دورا هاما في تطوير ما أصطلح علي تسميته بـ خطة مارشال ، ليس هذا فحسب وإنما كان بروكينجز أيضا هو من أوحى بتبني سياسة العقوبات وذلك للتأثير على الدول (المارقة)، وكان وراء تأسيس مجلس الأمن القومي الأمريكي وتشكيلات الدفاع والسياسة الخارجية والالتزام الأمريكي بمساعدة الدول الفقيرة، وكذلك تطور وصياغة سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي . ويشير تالبوت إلى أن أحداث سبتمبر كان لها تأثير ما على إحداث نوع من النقلة النوعية في الاهتمامات البحثية لبروكينجز. ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبحت الأبحاث أكثر تركيزا على إنتاج أفكار وتحليلات من شأنها أن تؤدي لتطوير، بل وإعادة مراجعة العلاقات بين الغرب والعالم الأسلامي وكيفية إحداث التوازن بين اليقظة ضد الإرهاب وبين حماية الحريات المدنية، وكذا الصراع العربي الإسرائيلي والحاجة لتبني أساليب الدبلوماسية التقليدية مع الأخذ في الإعتبار موضوع ظهور لاعبين خارج حدود الدول القومية، وكذا النقاش حول الضربات الوقائية لإجهاض التهديدات من إرهابيين والدول التي تساندهم وكذا تطوير إستراتيجية عالمية لعالم ما بعد الحرب الباردة ومستقبل عدم التسلح وقضية أنظمة الصواريخ الدفاعية. ويوضح تالبوت كيف أن دور مراكز الفكر قد صار مركزيا وهاما لأنها أصبحت المصدر الرئيس للمعلومات والخبرات لصانعي السياسات بل والصحفيين أيضا، ذلك أن تقاريرهم وتحليلاتهم يتم الإعتماد عليها بشكل أساسي لإرشاد أعضاء الكونجرس في رسم السياسات التشريعية وللصحفيين في كتابة تقاريرهم. وفي بحث أجري مؤخرا بين أعضاء الكونجرس والشيوخ وأيضا بين الصحفيين الذين يقومون بتغطية أخبار الكونجرس، اعتبر حوالي 90% من الذي استطلعت آراؤهم أن مراكز الفكر ذات نفوذ عظيم في الحياة السياسية الأمريكية الحالية، وكان أحد أهم نتائج الدراسة التي أجراها أندرو ريتش هي أن معهد بروكينجز اعتبر أكثر المراكز مصداقية من بين ثلاثين مركزا تم اختيارهم في البحث. ويقول تالبوت إن بروكينجز عادة ما يشار إليه باعتباره جامعة بدون طلاب والمعهد يتضمن حوالي 75 زميلا بعضهم مندوب من جامعات وأبحاثهم عادة ما يتم مراجعتها أكاديميا. بعض الباحثين ببروكينجز يلقبون بـ ممارس أكاديمي وهو لقب عادة ما يطلق على الباحثين الذين يقبولون بوظائف في الحكومة، حيث يكون بإمكانهم أن يختبروا نظرياتهم وما توصولوا إليه من إستنتاجات على أرض الواقع، ويطلق اللقب أيضا علي أولئك المسئولين السابقين الذين قدموا لبروكينجز بعد أن قضوا فترة في الوظائف العامة. وفي بروكينجز هناك أكثر من 12 باحث خدموا في وزارة الخارجية ومجلس الأمن الأن القومي فمارتن إنديك مدير مركز سبان لدراسات الشرق الأوسط كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الوشط وخدم فترتين كسفير لأمريكا في إسرائيل. ويعترف تالبوت بأنه ليست كل مراكز البحث تلتزم بالقواعد الأكاديمية أو أنها مستقلة وغير حزبية في تحليلاتها السياسية. ذلك أن بعض مراكز الفكر تعد مسيسة، وبعضها الآخر يتبنى أجندة سياسية أو منهجا حزبيا واضحا، بل وتقوم بالضغط على صانعي السياسات، ويقول بأن بروكينجز معروف بتوجهه الوسطية. ولكي يقوم المعهد بنشر التحليلات السياسية والتوصيات من خلال نشر الكتب والتقارير، وحينما كان هناك إدراك بأن صناع السياسات قد لايكون لديهم الوقت لقراءة التقارير المطولة تم العمل على نشر ملخصات سياسية في شكل أبحاث وأوراق بحثية. وعادة ما يقوم باحثو بروكينجز بنقل تحليلاتهم واستنتاجاتهم مباشرة لصانعي السياسيات من خلال الشهادات أمام الكونجرس والإستشارات الخاصة والمقابلات مع أعضاء الكونجرس والأعضاء التنيفيذين والندوات وغيرها من المناسبات العامة. وهناك إدراك من مراكز الفكر بأن دورة التأثير لابد وأن تتم من خلال أن صانعي السياسات يتأثرون بالرأي العام والرأي العام يتشكل من خلال التغطية الصحفية، ومن ثمّ فإن صانعي السياسات ومستشاريهم والرأي العام يتعرفون ويحصلون على معرفتهم بالقضايا السياسية من خلال التغطية الإعلامية، ومن ثمّ ليس من المستغرب أن نعرف أن معظم هؤلاء الباحثين يقضون معظم وقتهم ومجهودهم لتقديم وشرح أفكارهم من خلال وسائل الإعلام وكتابة مقالات الرأي. وللتدليل على إدراك معهد بروكينجز لأهمية وسائل الإعلام في نقل أفكار وآراء الباحثين للرأي العام، قام العام الماضي بإنشاء إستديو خاص ليتمكن باحثوه من إجراء المقابلات الصحفية. كما أن بروكينجز ينشر ما يعرف بـ دليل وسائل الإعلام لمساعدة الصحفيين لمعرفة المختصين في النواحي المختلفة.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مراكز, الأمريكي...قراءة, الأمريكية, الفكر, خرائط


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مراكز الفكر الأمريكي...قراءة في خرائط مراكز الفكر الأمريكية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مراكز التفكير الأمريكيّة: الفكر يصنع القرار Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 03-25-2014 10:42 AM
تحديات الفكر والثقافة العربية في الفكر والأدب Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 02-19-2012 09:36 AM
مؤسسات الفكر و الرأي (Think Tanks) والسياسية الخارجية الأمريكية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 01-20-2012 08:31 PM
مراكز الأبحاث Think Tanks ثينك تانكس وصنع السياسة الأمريكية Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 01-20-2012 08:21 PM
تحديات الفكر والثقافة العربية في الفكر والأدب الدكتور سليمان الأزرعي مهند دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 01-09-2012 06:47 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:49 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59