#1  
قديم 01-17-2013, 09:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي تعدد الزوجات في ميزان الأخلاق


د. أحمد إبراهيم خضر


يُؤكِّد الشيخ (مصطفى صبري) - آخِر شيخٍ للإسلام، وآخِر مُفْتٍ لآخِر دولةٍ للخلافة الإسلاميَّة - أنَّ موضوع (المرأة) هو أعظم ما تفتَرِقُ به الحضارة الإسلاميَّة عن الحضارة الغربيَّة، وأنَّ موضوع (تعدُّد الزوجات) كان ولا يزال أوَّل ما ينتَقِدُ به الغربيون الإسلام، رغم أنَّ أُدَباءَهم يقولون: "في الإسلام يمكن للرجل أنْ يفترش أربع نسوة، أمَّا في الغرب فإنَّ الرجل يفترشُ ما شاء له من النساء".

ويعتبرُ المتأثِّرون بالثقافة الغربيَّة من المسلمين أنَّ تعدُّد الزوجات هو أبرز نِقاط الضعف في الإسلام، وهو ما يدفَعُهم إلى القول: إنَّه (أي: تعدُّد الزوجات) ليس بضروريٍّ في الإسلام، وإنَّ جوازَه محاطٌ بشروط تجعَلُه مستحيلَ الوقوع؛ ولذلك نجدُهم قد رتَّبوا قياسًا منطقيًّا مُؤلَّفًا من مقدِّمتين كلتاهما مأخوذة من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - في قوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: ٣]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [النساء: 129]، وكلا القولين في سورة النساء، وبمقتضى هذا القياس ألغوا الجواز الشرعي المعروف في تلك المسألة، المأخوذ هو الآخَر من كتاب الله - تعالى - متَّصلاً بالقول الأول ممَّا قبله؛ وهو قوله - تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: ٣]، وهو معمولٌ به منذ صدْر الإسلام إلى يومنا هذا.

إنَّ هذا الموقف هو في حقيقته انهزاميَّةٌ من هؤلاء المثقَّفين في الدِّفاع عن دِينهم؛ فالاعتراف بجواز تعدُّد الزوجات ضروريٌّ للمسلم، وأنَّ الشُّروط الخاصَّة بالتعدُّد لا تجعله مستحيلاً، وإلا كان تشريعُه عَبَثًا ولغوًا، وكان من المستحيل على صَحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يُمارِسوه.

ويستندُ الشيخ مصطفى صبري في بيان رأيه أنَّ البديل عن تعدُّد الزوجات ليس إلا الزنا، إلى ما يأتي:
أولاً: يُؤكِّد (الشيخ) على ضَرُورة الفصْل بين مبدَأ تعدُّد الزوجات، وبين وُجود زوجاتٍ ابتُلِين بأزواج ظلَمَة قُساة المعاملة، لا يرعون الله فيهنَّ، ولا يلتَزِمُون في مُعامَلتهن بأوامر الله ونواهيه، ولا ينفذون وَصايا رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيهنَّ.

ويرى (الشيخ) أنَّ الشَّرع قد وضَع الضوابط اللازمة لحماية حُقوق النساء من مثْل هذا النوع من الأزواج، وأنَّه ليس بعاجزٍ عن تَأدِيبهم مهما كانت صِفاتهم.

ثانيًا: يُركِّز المعارضون لمبدأ تعدُّد الزوجات على ما يُسمُّونه بالمحاذير أو الاعتِبارات الاجتماعيَّة، وهذا أمرٌ معروف؛ لكنَّه من المعروف أيضًا أنَّ الزنا منتشرٌ في البلاد التي لا تأخُذ بهذا المبدأ اتِّقاءً لهذه المحاذير.

لكنَّ الحقيقة هي أنَّ مبدأ تعدُّد الزوجات لا يسدُّ فراغه إلا الزنا، فمَن يرى في نفسه من الرجال حاجةً إلى امرأةٍ ثانية، فهو يتحصَّل عليها إمَّا خليلةً أو عشيقةً إنْ لم يحصل عليها بالحلال.

ثالثًا: حقيقة تعدُّد الزوجات هو تقسيمُ النساء المتبقيَّات بلا زواجٍ - من مجموع النساء من ذَوات الأزواج؛ إمَّا لكثْرة أعداد النساء عن أعداد الرجال، أو لعدَم رغبة طائفةٍ من الرجال في الزواج، ويحتَجْنَ إلى الزواج؛ إمَّا بسبب الرغبة الجنسيَّة، أو الحاجة إلى النفقة - بين الرجال المتزوِّجين، فتُصبِح الواحدة منهنَّ زوجةً ثانيةً؛ وذلك للمُحافَظة على عفَّتهنَّ، وعفَّة الراغبين فيهنَّ بغير طريق الزواج، هنا يُؤدِّي مبدأ تعدُّد الزوجات إلى مصلحة المرأة، والمحافظة على كَرامة جنس النساء بصفة عامَّةٍ.

فهؤلاء الذين يعتَرِضُون على مبدأ تعدُّد الزوجات على اعتبار أنَّه ضربةٌ قاسية لشُعور المرأة وكَرامتها، يقصدون بالمرأة الزوجة الأولى التي هي في الواقع بعض النساء وليس كل النساء؛ ويعني هذا: أنَّ هؤلاء المعترضين يحتكرون كلَّ المحافظة على الشعور بالكرامة لبعض النساء على حِساب بعضهنَّ الباقي، وهذا البعض الباقي مُهدَّد بضَياع عفَّته؛ فأيٌّ من الفريقين أَوْلَى بالمحافظة عليه؛ نساء كرامتهنَّ مُهدَّدة بالضَّياع، أم نساء عفتهن مُهدَّدة بالضياع؟


يقول الشيخ: "مهما ثقُل تعدُّد الزوجات على الزوجة الأولى وأضرَّ بها، فإنَّ فيه منفعةً لأخرياتٍ من جنسها؛ لأنَّه حَوَّلَ هؤلاء الأخريات من خَلِيلات وساقِطات إلى نساءٍ شريفات، ومن هنا يمكن القول بأنَّ الإنسانيَّة إذا نظَرتْ إلى التعدُّد المشروع والتعدُّد غير المشروع (أي: الزنا)، لوجدت أنَّ الأوَّل يقومُ مقام الثاني [لو قال: يُغنِي عن الثاني لكان أحسن]، ويملأ فَراغه في الحاجة البشريَّة؛ ومن ثَمَّ فإنَّ النظرة بعين الإنصاف إلى تَعدُّد الزوجات المشروع تجعَلُه أوفق لمصلحة النساء عامَّة، أمَّا مُعارَضته، فإنَّه يكونُ لمصلحة بعض النساء دُون البعض الآخَر".

رابعًا: أنَّ أهمَّ مقاصد الزواج في الإسلام هو النَّسْلُ وإشباع الرَّغبة الجنسيَّة بطريقٍ مشروعٍ، وليس هناك من دِينٍ أو حضارةٍ في الوجود (يمكنه أنْ يُعلِن معارضة) هذا المقصد من الزواج، كما أنَّ العقل والدِّين يُجمِعان على أنَّ هذا المقصد من الزَّواج لا يمكن أنْ يتمَّ بطريقٍ غير مشروع؛ أي: بطريق الزنا؛ ومن ثَمَّ لا سبيل إلى ذلك إلا الزواج، فإذا كان هناك رجلٌ في هذا العالم لا يستطيعُ لإشباع رغبته الجنسية الاكتِفاء بزوجةٍ واحدة، ويريدُ أخرى لإشباع هذه الرغبة، فلا سبيل أمامَه إلا الزَّواج من امرأةٍ أخرى، وليس له أنْ يزني بها، فإذا زنى شَذَّ عن طريق العقل والدِّين، وعن المسلك الحضاري ذاته، فمَن يقول: إنَّ الزنا سلوك حضاري؟

وممَّا يُؤكِّد ذلك هو أنَّه لا يمكن لأحدٍ أنْ يُنكِر وجودَ زُناة بين الرِّجال المتزوِّجين، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يُنكِر أيضًا أنَّ رجالاً مُتزوِّجين يستَمتِعون بنساءٍ غير زوجاتهم؛ إمَّا بتَقبِيلهن أو مُخاصَرتهنَّ، أو حتى النظر إليهن، والإسلام لا يبيحُ أنْ يستَمتِع الرجال بالنساء دُون أنْ يكون بينهم عقدٌ شرعي، فإذا شعروا بحاجتهم إلى ذلك، فلا بُدَّ أنْ يأتوه من بابه عن طريق عقدٍ ثانٍ؛ فيعلم الناس جميعًا أنَّ هذه المرأة زوجةٌ ثانيةٌ لهذا الرجل؛ ذلك أنَّ الإسلام عفيفٌ، ولا يقبل أنْ تكون علاقات الرجال بالنِّساء سرقات، أو يدَع النساء صيدًا سهلاً للرجال، أو ملعبة للفُسَّاق منهم.

خامسًا: (الزوجة الثانية) لفظٌ يثقل على كثيرٍ من النساء قبوله، وهذا في الواقع - كما يرى (الشيخ) - من آثار التأثُّر والافتنان بثقافة الغرب وآدابه، لكن مجرَّد مُقارَنة هذا اللفظ بلفظ (المزني بها) أو (الخليلة) أو (العشيقة)، وهي الألفاظ التي يتَهامَسُ بها الزُّناة فيما بينهم، يُوضِّح مَدَى رُقِيِّ وشرف لفظ (الزوجة الثانية) عن هذه الألفاظ شديدة السُّوء.

سادسًا: ينتَشِرُ بين النساء مبدأ: (أنَّه من الأفضل أنْ يكون للزوج ألف عشيقة، عن أنْ يكون له زوجة ثانية غير زوجته؛ فقد يعودُ إلى صوابه ثم يعودُ إلى زوجته الأُولَى ويصيرُ لها وحدَها)، يرى (الشيخ) أنَّ مثل هذه المرأة التي تتبنَّى هذا المبدأ هي امرأةٌ فقدت الحسَّ والشعورَ وتقويم الرجال، بالإضافة إلى أنَّها لا تُقدِّر العفَّة قدرَها؛ ومن ثَمَّ لا تصلح مثلُ هذه المرأة التي تَحمِل مثلَ هذا المبدأ أنْ تكون حكمًا في مسألةٍ اجتماعيَّة مهمَّة، فهل يمكن أنْ يقول أحدُ الرجال: أنا لا أُمانِع أنْ تُخادِن زوجتي ألف رجل، فعسى أنْ تعودَ إلى صَوابها يومًا وتعودَ إليَّ وحدي؟!

كما أنَّه لا يعذر في قبول هذا المبدأ تفشِّي الفسق بين الرجال؛ لأنَّه لو عمَّ هذا البلاءُ للزم ألاَّ تجد المرأة أمامَها من سبيلٍ للزَّواج إلا الزَّواج من رجلٍ فاسقٍ، ولأصبَحَ الفِسْقُ شيئًا عاديًّا عند الرجال.

سابعًا: إنَّ فُجور الأزواج يستفزُّ الزوجات، وقد يُؤدِّي إلى فجورهنَّ؛ من ثَمَّ فقد تقولُ المرأة لزوجها الذي يخونُها مع امرأةٍ أخرى: "إنَّك لو ضممت إلى صدرك امرأةً أخرى، فإنِّي سأضمُّ إلى صدري رجلاً آخَر غيرك، والعين بالعين، والسن بالسن".

وإذا تمسَّكت المرأة بفكرتها بأنْ تقبَلَ أنْ يكون لزوجها ألف عشيقة في الحرام ولا تكون له زوجة في الحلال، فقياسًا على ذلك يكونُ من حقِّها أنْ تضمَّ إلى صدرها ألف رجل؛ لأنَّ العين بالعين والسن بالسن، قد تقول المرأة ذلك، لكنها لا تستطيع أنْ تقول - مُطلَقًا -: "إذا تزوَّجت امرأةً ثانيةً، فإني سأتزوَّج رجلاً آخَر، وأجمع بينك وبينه كما تجمع أنت بيني وبين امرأة أخرى"، لا تستطيع المرأة أن تفعل ذلك؛ لأنَّ القانون لا يسمح لها، كما أنَّ فطرتها لا تأذَنُ بذلك؛ لأنَّ المرأة لا تستطيع أنْ تجمع في بطنها ولدين من رجلين مختلفين دون أنْ تختلط الأنساب، أمَّا الرجل فيمكنه أنْ يتزوَّج بعدَّة نسوة ويُنجِب العديد من الأطفال دُون أنْ يحدُث أيُّ التباسٍ في أبيهم أو أمَّهاتهم، وهذه أبرَزُ ميزات الرجل عن المرأة.

إنَّ وجود رجال فاجرين أمرٌ لا يمكن إنكاره بالكِتمان؛ ولهذا فلا بُدَّ من تَدارُكِه بتعدُّد الزوجات؛ حتى لا ينتشر الفجور والفسق.

وإذا قيل: كيف يكونُ تعدُّد الزوجات هو السبيل إلى مُعالَجة الفِسق بين الرجال، وهناك من الفُسَّاق من العُزَّاب الذين لم يتزوَّجوا أصلاً؟ يقولُ (الشيخ): مَن رأى في نفسه أنَّه على وشْك الوقوع في الزنا وكان أعزبَ فليتزوَّجْ، ومَن كان متزوجًا فليتزوَّجْ ثانية وثالثة ورابعة؛ حتى يستطيع الاكتفاء وإشباع رغبته دون الوقوع في الحرام، وإذا قيل: أين المال لهذه الزيجات؟ يكون الرد: إنَّ المال الذي يُنفَق على الفِسق أكثر من ذلك، وقد شهد الواقع كيف يدفَعُ بعض الرجال ملايين من الدولارات من أجْل الاستمتاع بامرأةٍ واحدة، وكان بإمكانه أنْ يدفَع أقلَّ القليل ويتزوَّج زواجًا مشروعًا من أربعة نسوة يَفُقنَها جمالاً وجسدًا.

ثامنًا: يستندُ بعض الناس في مُعارَضته لمبدأ تعدُّد الزوجات إلى أنَّ الرجل الذي يُنجِب أولادًا من زوجته الثانية، إنما يُدخِل أعداء على أولاده من زوجته الأولى، ويجيب (الشيخ) على هذا القول بأنَّ الأب إذا فعل غير ذلك، فسوف يُدخِل على أسرته أولادَ زنا، وهل يمكن تصوُّر أنَّ الزوجة الأولى تقبل أنْ يكون لأولادها إخوة وأخوات من زنا، اللهمَّ إلا إذا كانت تقبَلُ من الأصل أنْ يكون لزوجها عشيقة أو خليلة، ومن المعروف أنَّ الإسلام يَرَى في الزنا قتْل نفس وإعدامها.

كما يرى (الشيخ) كذلك أنَّ العداء المفترض بين الأبناء من زوجتين إنما ينشَأُ من نقصان التربية الدينيَّة، وهو نقصٌ يجب تدارُكه، كما أنَّه لا يمكن تصوُّر أنْ تسنَّ الدولة قانونًا يمنع المرأة المطلَّقة أو التي تُوفِّي عنها زوجُها من الزواج بزوجٍ آخَر؛ خشية إنجابها أولادًا قد يكونون أعداء لأولادها من زوجها الأول، أو تصدر قانونًا يمنَعُ الرجال من الزواج مرَّةً أخرى بعد وفاة زوجاتهم أو مُفارَقتهن بالطلاق حتى لا يَلِدنَ أطفالاً يكونون أعداء لأولاده من زوجته الأولى التي طلَّقَها أو ماتت.

تاسعًا: أوضَحْنا سابقًا أنَّ هناك العديد من العوامل التي تُؤدِّي إلى زيادة أعداد النساء، من هذه العوامل عدم رغبة بعض الرجال في الزواج، أو رغبة بعض النساء في الزواج من نوعٍ مُعيَّن من الرجال، فإذا تَساوَى عدد الرجال بالنساء، وكانت هناك امرأة واحدة قبلت أنْ تكون زوجة ثانية، فلن تكون هناك حاجةٌ إلى التعدد، ولكنْ كيف يكون الحال إذا كانت هناك أعداد وفيرة من النساء تزيدُ عن عدد الرجال؟ إنَّ الدليل الذي لا يحتاجُ إلى إثباتٍ في وجود أعدادٍ من النساء تزيدُ عن أعداد الرجال هو أنَّه يوجد في كلِّ بلدةٍ نساءٌ يَعِشْنَ على بيع أعراضهن.

ومن المعروف أنَّه إذا فكَّرت أمَّة من الأمم في زيادة نسْلها لاكتساب القوَّة، ولم يكنْ لديها رجال كثيرون، فلا سبيلَ أمامها إلا على الاعتماد على قُدرة الرجال في الإنتاج، فتسمَحُ للرجل الواحد بأنْ يتزوَّج بأكثر من امرأةٍ؛ أي: العمل بمبدأ تعدُّد الزوجات.

إنَّ الرجال يتحمَّلون أقسى وظائف الحياة، وهي الحرب، وإذا كانت الدُّوَل الكبرى تعمل إلى إشراك النساء في الحروب لتحقيق مُساواة المرأة بالرجل، فهذا أبعد الأمور عن المساواة، إنَّ الرجال هم الذين يتحمَّلون أهوالَ الحروب بدِمائهم، وهم الذين يتحمَّلون تضحياتها، ويجبُ ألاَّ تتعرَّض النساء للحرب؛ حتى لا تخسر الأمَّة نساءَها بالقتل أو الاغتصاب؛ فمَن يُربِّي الجيل الناشِئ إذا ماتت النِّسوة في الحرب؟ الحلُّ بالطبع: هو أنْ تقوم النساء بتضحيةٍ تُعادِل تضحيات الرجال؛ وهي أنْ يقبَلن بمبدأ التعدُّد، وبذلك تتَلافَى الأمَّة ما يحدُث لها من نقص الرجال بسبب الحرب.

وتبدو أهميَّة مبدأ تعدُّد الزوجات في أنَّ الأمَّة إذا خسرت الحرب ومات رجالُها، ووافقت نساؤها على مبدأ التعدُّد بعد الهزيمة، ستحتاجُ إلى ما يقرب من عشرين سنة حتى يكبر الأطفال ويُصبِحون جُنودًا، ومن هنا ترزح البلاد تحتَ نير احتلال العدوِّ لبلادها وعبثه بنِسائها عشرين سنة، أمَّا إذا كانت الأمَّة جاهزةً فإنها بإمكانها أنْ تَخُوض حربًا بعدَ حربٍ بفضْل تَوافُر الرِّجال القادرين على حمْل السلاح للدِّفاع عن الأمَّة.

عاشرًا: يدعو (الشيخ) كلَّ رجلٍ يريدُ أنْ يزني بامرأةٍ أنْ يتزوَّج بها، ويردُّ على مَن يعترض على ذلك بحجَّة أنَّ هؤلاء النسوة قد يَكُنَّ من المومسات، أو اللاتي يقمن في بيوت دعارة جهريَّة أو سريَّة يعرضْنَ أنفسهن على كلِّ مَن يطرق أبوابهن، وكرامةُ الرجل لا تجعَلُه يقبل الزواج من مِثل هؤلاء النسوة، فيقول (الشيخ): إنَّ مِثل هذا الزواج سيجعَلُ العفَّة مقابل النفقة، كما أنَّ الزواج بمثْل هؤلاء النسوة لا يخلُّ بالكرامة الإنسانيَّة بقدْر ما يخلُّ الزنا بهذه الكرامة، والرجل مهما بلَغ من الكرامة فهو يسقط في درك امرأة يريدُ أنْ يزني بها، ولكنَّ الزواج لا يحطُّ من كرامة الرجل، وإنما يُعلِي المرأة ويُجنِّبها السقوط في الزنا.

حادي عشر: يعتبر مبدأ تعدُّد الزوجات أحدَ أكثر الوسائل للحدِّ من انتشار الزنا، فإذا أُضِيف إليه اتِّباع أوامر الدِّين في تستُّر النساء وعدَم اختلاطهنَّ بالرِّجال، فإنَّ هذا سوف يُهدِّئ من حدَّة الإثارة والشهوة، ويشتَرِكُ مع تعدُّد الزوجات في التغلُّب على انتِشار الفسق في المجتمع.

ثاني عشر: من العوامل المهمَّة التي تُؤدِّي إلى الحدِّ من انتشار الزنا، وتُسهِم من ثَمَّ في التقليل من الحاجة إلى تعدُّد الزوجات - تيسيرُ الطلاق إلى حدٍّ ما، يقول (الشيخ): "إنَّ الإسلام شرَع الطلاق كما شرَع النكاح، ولكنَّ القوانين الحديثة جعَلت الطلاق من المحالات، رغم أنَّ الغرب الذي يُقيِّد الطلاق أصلاً، ويعيب على المسلمين سُهولةَ الطلاق، اتَّجه إلى تسهيله، فأخَذ الغرب منَّا التَّوسِعة فيه، وأخَذْنا منه نحن مبدأَ التضييق، وترتَّب على ذلك أنَّ الرجل المسلم الذي يَضِيقُ ذرعًا بامرَأته يضطرُّ إلى العيش معها طول الحياة، فإذا خرج من بيته تَدُورُ عينه على النساء، وربما يضطرُّ إلى الزنا الذي يتحمَّل إثمه، ولا يتحمَّل عار تطليقه لامرأته، فلو أنَّ مِثل هذا الرجل استَفادَ ممَّا أحلَّه له الإسلام باستِبدال زوجٍ مكان زوج، فإنَّه سيجدُ في هذا الحلِّ منجاةً له من الوُقوع فيما نهى الله عنه، ومن الدُّخول في دائِرة تعدُّد الزوجات، وربما يجدُ سَعادته في زَواجه الثاني، وقد تجدُ زوجته التي طلَّقَها سعادةً في زواجها الثاني.

إنَّ الإسلام يريدُ اليسر في المعاملات، وتدورُ خطَّته في معاملة الأزواج للزوجات على إمساكٍ بمعروف أو تسريحٍ بإحسان كما عبَّر به القُرآن، والنكاح وإنْ كان مِيثاقًا غَليظًا، وإنْ كان الطلاق أبغضَ الحلال إلى الله، فإنَّ هذا لا يعني أنْ يُلصَق أحدُ الزوجين بالآخَر؛ بحيث لا يتمكَّنان من الافتراق كما في أنكحة سائر الملل غيرِ الإسلام، بل يجبُ أنْ يتولَّى الرجُل الطلاقَ، وتتولاَّه المرأة باشتِراطها عند عقْد الزواج، وبالمخالعة، وقد يتولاَّه الحكمان المبعوثان من أهليهما لإصلاح ذات البَيْن؛ لأنَّ دَوام رابطة النكاح بين الزَّوْجين مهما كان مَطلوبًا ومحمودًا في الإسلام فهو مشروطٌ بعدم مخافتهما ألاَّ يُقِيما حُدودَ الله، وقد فسَّر العُلَماء ذلك بِحُقوق الزوجيَّة التي لهنَّ مثل الذي عليهن بالمعروف، مع ما للرجال عليهن من درجةٍ.

ومن الواضح أنَّ المحافظة على العفَّة من الطرفين تدخُل فيما هو مطلوبٌ حُدوثُه بين الزوجين من إقامة حُدود الله دُخولاً أوَّليًّا، فعند مَخافَة التعدِّي لحدود الله، يتعيَّن الطَّلاق بلُطفٍ ومعروفٍ وإحسانٍ، ولا يُعقَل أنْ يَقضِي الزوجان حَياتهما في نكدٍ وضيقٍ، كما يُعتَبر تَعدِّيًا لحقوق الله من جانِب المرأة أنْ تمنع زوجَها من العمل بمبدأ تعدُّد الزوجات، الذي هو من حُقوق الزوج عند حاجته إليه".

ثالث عشر: هناك عاملٌ مهمٌّ آخَر من شأنه أنْ يُؤدِّي إلى الحدِّ من انتِشار الزنا وتقليل الحاجة إلى تعدُّد الزوجات، هذا العامل هو عدَم تصعيب الزواج بتحديد سِنٍّ معيَّنةٍ له، أو إرجاء الزواج بعد سنِّ البلوغ ببضع سنين، الواقع أنَّ المسلمين تأثَّرُوا في ذلك بالغَربيِّين الذين لا يتزوَّجون في عنفوان شبابهم، فقلَّدهم المسلمون غير مُبالِين بأنَّ شَباب الغرْب يَقضِي حاجتَه الجنسيَّة بأساليب لا تتَّفِق مع آداب الإسلام الاجتماعيَّة من مُخالَطة الفتيان بالفتيات، والصُّحبة بينهم، وتبادل الحب والعلاقات الغرامية، وكثيرٌ من الأُسَرِ المسلمة تصرُّ على عدَم تزويج فِتيانها وفَتياتها إلا بعدَ استكمال تعليمهم، ولا تَدرِي هذه الأُسَر كيف يَقضِي أبناؤها وبَناتها هذه الفترة الموافقة لريعان شَبابهم، وغليان دِمائهم؛ في تبتُّل وتعفُّف، أم غير ذلك؟ كما لا يعني كونُهم في مرحلة التعلُّم انشِغالَهم وعدَم التفكير في مَسائِل الجنس، ويرى (الشيخ) أنَّ اعتِقاد الآباء أنَّ مرحلة تعلُّم الأبناء تُغنِي عن التفكير في زَواجهم ليس عُذرًا، فالآباء في الواقع يُعامِلون أبناءهم وبناتهم بصورةٍ فيها من التسامُح والتغاضي عمَّا يقضون به حاجتهم الجنسيَّة، الحقيقة أن الأبناء والبنات في هذه المرحلة بالغون مُكلَّفون، ولا يُؤذَن لهم بالفِسق بحجَّة أنهم في دَوْرِ التعلُّم، ولا يمكنهم الزَّواج، إنَّ قانون الإسلام يَفرِض الزواج على كلِّ مَن يخافُ على نفسه الوقوعَ في الزنا، ولا يبيح لأحدٍ الوقوعَ فيه بحجَّة التعلُّم، وأنَّه يجبُ على المسلمين أنْ يُدبِّروا الوسائل التي تسمَحُ بالتأليف بين التعلُّم والزواج؛ للمحافظة على عفَّة المتعلِّمين، هذا بالإضافة إلى أنَّ الفِطرة لا تسمح بأنْ تتعطَّل فترة ثَوَران الشباب بالعُقم، أو الإنتاج بطريقٍ غير مستقيم، وهو الذي ينتهي إلى العُقم أيضًا.

رابع عشر: عند مقارنة أضرار الزنا بما يعتقدُ أنه أضرار تعدُّد الزوجات، يتبيَّن أنَّ أضرار الأوَّل لا تُقاس بأضرار الثاني مُطلَقًا، ويمكن بيانُ أضرار الزنا على النحو التالي:
1- ضرر يُصِيب الزوج الزاني؛ وهو فَقْد عفَّته.
2- ضرر يُصِيب المرأة المزنِيَّ بها؛ وهو فقْد عفَّتها.
3- ضرر يُصِيب زوجة الرجل الزاني؛ وهو أنها أصبحت زوجةً لرجل غير عفيف.
4- ضرر يُصِيب هذه الزوجة أيضًا باحتمال أنْ تصبح غيرَ عفيفة إذا ما فكَّرت في الانتقام من زوجها الذي خانَها وتقوم هي بخيانته.
5- ضرر يُصِيب زوج هذه المرأة بأنَّه زوجٌ لامرأة غير عفيفة، بالرغم من أنَّه غير عفيف.
6- ضرر يُصِيب زوج المرأة التي زنَى بها الرجل؛ إنْ كانت مُتزوِّجة.
7- ضرر يُصِيب زوجة الرجل التي زنَى بها زوج المرأة المنتقمة إذا كان مُتزوِّجًا.
8- ضرر يُصاب به أبناءُ كلِّ هؤلاء الزُّناة والزَّواني.
9- ضرر احتمالات إصابة كلِّ هذه الفئات بالعدوى من جرَّاء انتقال الأمراض الجنسيَّة إليهم.
10- أضرار ناتجة عن احتِمال انتقال عدوى الإصابة بالأمراض الجنسية للأزواج وللزوجات: إليهن وإليهم.

هذه عشرة أضرار، تَكفِي الأضرار الثلاثة الأخيرة منها في إفساد حال الدنيا الحاضرة، ويرى (الشيخ) أنَّه من حكمة الله - تعالى - أنْ يُسلِّط مُعضِلات الأمراض على العلاقات غير المشروعة، مُقابِل ضررٍ واحد يُصِيب الزوجة؛ وهو أنَّ زوجها تزوَّجَ عليها، وهذا الضرر وإنْ كان قد انحصَر في أنَّ هذا الزواج أخلَّ باستِئثارها بزوجها، لكنَّه لم يخلَّ بشرفها؛ لأنَّ زوجها استعمل حقَّه الذي أعطاه له الإسلام.

خامس عشر: لا يهمل (الشيخ) أنَّ هناك من الرجال مَن يحبُّ زوجته ويُقدِّرها، ولا يتزوَّج عليها رحمةً بها وتقديرًا لها، رغم حاجته إلى ذلك، لكنه (أي: الشيخ) لا يفهم رفض الكثيرين لمبدأ تعدُّد الزوجات على أساس ظُهورهم بمظهر الرِّعاية والاهتمام بقلبِ وحُبِّ الزوجة لزوجها، وتسامُحهم مع الخِيانة الموجَّهة إليها، وهو يُخادِن امرأةً غيرها بدلاً من أنْ يتزوَّجها، علمًا بأنَّ الاعتداء على القلْب هو أشدُّ في حالة الخيانة بالزِّنا عنه في حالة الزواج الثاني المشروع.

سادس عشر: يُركِّز المعارضون لمبدأ تعدُّد الزوجات على أنَّ هذا المبدأ يُخِلُّ بمبدأ المساواة بين الجنسين الذي يُدافِع الرجال أنفُسُهم عنه لحاجةٍ في أنفسهم تقرُّبًا إلى النساء، ولكنَّ الحقيقة هي: أنَّ المطالبة بالمساواة إنصافًا للمرأة فيه ظلمٌ للرجل الفائقِ في فِطرته عن المرأة، ويضرب (الشيخ) مثالاً يقولُ فيه: "إنَّ المرأة تريدُ أنْ تُطاوِل الرجل فتطيل كعبَ حِذائها، هي مُطاوَلة مبنيَّة على التكلُّف وتغيير الخلقة؛ لأنَّها إذا سابَقت الرجل وهي بمثْل هذا الحذاء ستَسقُط على الأرض بعد أقلِّ من خطوتين".

إنَّ فِطرة المرأة - كما أوضحنا سابقًا - تأبى أنْ تُجارِي المرأةُ تعدُّد الزوجات بتعدُّد الأزواج، إنها لا تستطيعُ أنْ تلد في عامٍ واحد إلا مرَّة واحدة، في حين أنَّ قوَّة الإنتاج في الرجل تتجدَّد كلَّ يومٍ ولا يشغلها شاغل، وهو يستطيعُ أنْ ينتج من الأولاد ما لا تستطيعه أكثرُ من مائة امرأةٍ، لكنَّ المرأة يمكن أنْ تستغني عن الرجل أيَّام محيضها ونفاسها، وتهرم قبل الرجل، فتنقَطِعُ عن الولادة، ويعتَرِيها القِدَمُ قبل الهرم، فتكون بكرًا وثيِّبًا ووالدة، فتفقد من طَراوتها كلَّما مرَّ عليها دورٌ من هذه الأدوار. ومعنى هذا: أنَّنا لو وقَفْنا الرجل والمرأة في حدِّ المساواة نكونُ قد ظلَمْنا الرجلَ الفائقَ في فِطرته؛ والدليل هنا أنَّ المولود يُفضَّل عادةً أنْ يكون ذكرًا حتى عند أمِّه، وهذا اعترافٌ من جانب المرأة بفضْل الرجل.

المصادر:
1- مصطفى صبري، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، دار الرائد العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ، ص 1 - 22.
2- مصطفى صبري، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1/ 489 - 491.



المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ميزان, الأخلاق, الزوجات, بعيد


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع تعدد الزوجات في ميزان الأخلاق
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعدد الزوجات سلوكاً بربرياً عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 1 03-26-2015 03:20 PM
تعدد الزوجات في الجزائر عبدالناصر محمود البيت السعيد 0 11-22-2014 08:17 AM
إقرار قوانين لمحاربة تعدد الزوجات عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 11-07-2014 07:38 AM
مدرس رياضيات كتب مقال عن تعدد الزوجات ( طريف جدا ) . ام زهرة أخبار ومختارات أدبية 0 06-12-2013 07:35 PM
قصيدة طريفة في تعدد الزوجات ام زهرة أخبار ومختارات أدبية 6 04-25-2013 12:21 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:02 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59