العودة   > >

مقالات وتحليلات مختارة مقالات ..تقارير صحفية .. تحليلات وآراء ، مقابلات صحفية منقولة من مختلف المصادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 09-14-2014, 02:45 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,184
ورقة بعث الفطرة


بعث الفطرة
ــــ

(محمد الشوربجي)
ـــــــــ


19 / 11 / 1435 هــ
14 / 9 / 2014 م
ـــــــــــ

14-9-2014.jpg


بعث الفطرة.. يوم العمل الوظيفي ومدى ملاءمته للإنسان

قامت الثورة الصناعية (1820-1840م) بإحداث تغييرات جذرية في بنية المجتمعات، خاصة في قطاع الفلاحين والحرفيين، إذ ظهرت طائفة جديدة في سوق "المنتجين" وهي طبقة العمال (Labor)، فكانت عملية "شحن" الأفراد من المزارع إلى المصانع هي نقطة فارقة في تاريخ الإنسان = الهجرة إلى المصنع.
قبل ظهور قوانين للعمال وتنظيم حقوقهم في تلك الحقبة الجديدة؛ زعم البعض أن ساعات العمل كانت تصل إلى 16 ساعة يوميًا، وأسبوع العمل يصل إلى ستة أو سبعة أيام في بعض الصناعات، لأن أصحاب المصانع الذين أصابهم السُعار ظنوا بهذا أن الانتاجية ستزداد فيزداد الربح، وقد سُجلت أعلى معدلات سنوية في ساعات العمل في هذه الأعوام مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، حيث كان أسبوع العمل أقصر وساعات العمل أقل1، وهذا بديهي، لأن أغلب - إن لم يكن كل - القوى العاملة كانت لا مركزية وتعمل لدى أنفسها (Self Employed).
جاء بعد ذلك بفترة هنري فورد (1836-1947م) - صاحب مصانع فورد ورائد من رواد الرأسمالية الاستهلاكية -، وكان مؤيدًا لتقليل ساعات العمل، حتى أنه طبقها بالفعل في مصانعه، إذ خفّض ساعات العمل من تسع إلى ثمان ساعات، ليس لأسباب إنسانية بقدر ما هي أسباب تجارية، فالعامل إن طالت به ساعات العمل لن يجد وقتًا لشراء المنتجات! وبالفعل حققت شركات فورد نجاحًا ملحوظًا في (1937م)، مما أدى إلى متابعة منافسيه له2.
ظل الأمر هكذا لسنوات، صراع بين المدرسة الأولى للرأسماليين الصناعيين وأصحاب الأعمال، وبين المدرسة الجديدة نسبيًا من الرأسماليين الاستهلاكيين الذين يريدون للعامل أن يحظى ببعض الوقت ليتسنى له شراء المنتجات التي ينتجها من السوق. بدأت العديد من المشكلات النفسية والاجتماعية تظهر نتيجة ما يقع على الموظف/العامل من عبء ساعات العمل الطويلة والمتواصلة، مثل الإسهام في التفكك أسري، وانتشار حالات الاكتئاب بين الموظفين.
أجريت دراسات لمدة 150 عامًا حول العلاقة بين طول فترات ساعات العمل وبين إنتاجية العامل/الموظف وحالته النفسية، وبمجموعها؛ انتهت إلى أن ساعات العمل الطويلة تقتل الإنتاجية، والأرباح، والموظفين2. وأصبح اليوم هناك اتجاه عالمي نحو تقليل ساعات العمل –خاصة للنساء - خاصة في أوروبا، وهي الأكثر اهتمامًا بالإنسان من الولايات المتحدة، ومن أمثلة الجهود المبذولة في هذا الاتجاه:
§ فرنسا: تبنت أسبوع العمل المكوّن من 35 ساعة عام 2000م.
§ الدنمارك: أسبوع العمل فيها حوالي 33 ساعة، ويحق للعامل/الموظف عطلة سنوية لا تقل عن خمسة أسابيع.
§ النرويج: ساعات العمل مثل الدنمارك 33 ساعة، ويستحق الموظف عطلة لا تقل عن 21 يوم سنويًا مدفوعة الأجر.
§ آيرلند: هبط معدّل ساعات العمل منذ عام 1983م من 44 ساعة إلى 34 ساعة أسبوعيًا عام 2012م.
§ ألمانيا: في عام 2012م وصلت نسبة العمّال/الموظفين بدوام جزئي (Part-time Jobs) إلى ربع سوق القوى العاملة الألمانية، ويتراوح أسبوع العمل من 35 إلى 40 ساعة3.
§ سويسرا: أسبوع العمل السويسري 35 ساعة تقريبًا، مع العلم أن ثلث سوق العمالة يعمل بدوام جزئي، ويحصل على متوسط دخل سنوي ما يعادل 50 ألف دولار أمريكي تقريبًا، وهو معدل قريب جدًا لمتوسط دخل العامل/الموظف الأمريكي، مع العلم أن عدد ساعات العمل أقل، ونسبة طاقة القوى العاملة لمجموع عدد السكان أعلى من الولايات المتحدة بحوالي 10%4.
بعض هذه الدول بالإضافة إلى المملكة المتحدة منع أن تزيد ساعات العمل الأسبوعية عن 48 ساعة!5
القائمة تطول، ولكن هذه نماذج فقط للتدليل على أن طول ساعات العمل لا تستلزم ارتفاع في معدل الإنتاجية.
وأختم هذه الفكرة بأحد نماذج الشركات الناجحة التي استطاع صاحبها الانخفاض بأيام العمل إلى أربعة أيام عمل فقط. عندما افتتح "ريان كارسُن" شركته في 2006م، والتي تختص بالتعليم الإلكتروني، وجد وزوجته أنهم حملوا أعباءً أكثر من ذي قبل، وأن العمل يستنفذ مزيدًا من الجهد والوقت عن الوقت الذي كان فيه موظفًا لدى آخرين، فقرروا أن يغيروا هذا الوضع، فافتتحوا بعد ذلك ثلاث شركات، بإجمالي عدد موظفين 70 فردًا، ويدّعي كارسُن أن دخل الشركة زاد 120%، بدأت الشركة الأولى بأسبوع عمل سبعة أيام، ثم بعدما اتخذ قرار الأربعة أيام عمل، والاقتصار على 32 ساعة بدلاً من 40 أسبوعيًا، أكد أن الانتاجية زادت، وأن حالة الموظفين النفسية سارة جدًا، وهم مستمتعون ومتحمسون بالعمل لديه، حتى أن بعضهم عُرض عليه أكثر من مرة أن يعمل لدى شركة Facebook ولكن إجابته كانت باختصار "أتعملون أربعة أيام في الأسبوع؟"6.
كل ما مضى هذا من منظور مادي نفعي بحت؛ الآن – وهو الأهم - ما موقفنا نحن كمسلمين من هذه المنظومة؟ هل تلائمنا؟ هل تساءلنا في أحد الأيام عن السبب الذي جعل القطاع العام والخاص والمصالح الحكومية أن يبدأوا الدوام في السابعة أو الثامنة أو التاسعة صباحًا؟!

بإلقاء نظرة سطحية على حياة الموظف العادي في شركة/مؤسسة عادية:
نجد أنه يستيقظ في السادسة والنصف أو السابعة حتى يستعد للذهاب للعمل، يبدأ الدوام في الثامنة تمامًا، يظل في المكتب حتى الرابعة أو الخامسة مساءً، ويتخلل هذا اليوم ساعة أو أقل استراحة للغداء، يعود إلى منزله في السادسة أو السابعة مساءً = (12ساعة)، يجالس أطفاله قليلاً قبل أن يضعهم في أسرّتهم = (ساعتين)، ثم يتحدث مع زوجته قليلاً ويشاهد بعض الأخبار والبرامج (3-4 ساعات)، ثم ينام في منتصف الليل أو في الواحدة صباحًا (6-7ساعات).
هذا هو اليوم التقليدي تقريبًا للموظف في مجتمعاتنا، زد أو انقص بعض التفاصيل، أو بدّل بعض الأنشطة مكان بعض، ولكن غالبًا ستكون الفترات الزمنية نفسها. ولكن هل هذا اليوم محقق للتوازن في حياة الإنسان؟
للإجابة عن هذا السؤال بموضوعية سنستخدم أداة توضيحية تُستَعمل في دورات التنمية البشرية و(Life-Coaching Courses) وتُسمّى بعجلة الحياة (Wheel of life).

14-9-2014 Wheel.jpg

تتكوّن العجلة من 6-8 أبعاد من حياتنا ، تمثّل الأولويات بالنسبة لنا و التي نبذل فيها أغلب الوقت والجهد. ضع عنوان لكل محور من هذه المحاور يناسب نشاط رئيسي في حياتك مثل: العمل، الأسرة، صلة الرحم، الرياضة، القراءة..إلخ واعطِ درجة من صفر - التي تقع في نقطة المنتصف - إلى عشرة - التي تمثلها الحلقة الأوسع في الرسم- بناءً على الوقت/المجهود المنصرف لهذا النشاط.
هذا الرسم يساعدنا على تبيّن مدى التوازن أو الاختلال في حياتنا ، فكلما كانت العجلة أكثر استدارة كان دورانها أيسر، وكلما كان بها تشوهات أكثر كان العكس. ومدى اتساع العجلة يحدد مدى "فاعليتنا" في حياتنا.

هذا مجرد توضيح لحجم الاختلال الذي نعانيه اليوم.
هل إنسان في حالة كتلك يُرجى منه أن يكون سوي النفس وصحيح البدن وهادئ البال؟ بالتأكيد لا.
المنظومة الحالية لها بُعد سياسي أيديولوجي أكثر من بعديها الاقتصادي والاجتماعي الثقافي، فحتى تظل الجماهير/الشعوب في حالة خمول واستنفاذ وسُبات ينبغي أن يتم إلهاءها بأقل الحاجات، ينبغي أن يصبح الإنسان أسير عملٍ أو وظيفةٍ يلهث خلف جزرتها ولا يعدُ عيناه عنها ليتمنى أو يفكر أو يتساءل، إن عدم قلق الإنسان على حاجاته الأولية ينتقل به إلى مستوً آخر من الحاجات الاجتماعية والنفسية، تجعله يتطلع إلى مجتمع أفضل، إلى نظام أحسن، إلى حرية وعدالة أحس بغيابها.

من البدايــة:
السؤال الآن: لماذا يستيقظ أحدنا في السادسة أو السابعة! وصلاة الفجر قبل ذلك بساعتين أو ثلاث ساعات؟!
لماذا ندور في نفس الدائرة التي دار فيها مَن قبلنا
بغير سؤال عن مدى ملائمتها لنا أو محاولة تغيير الوضع القائم؟!
إن بدأ الرجل عمله مع الشروق أصابه: بورك لأمتي في بكورها7، ووافق الفطرة التي غُرست فيه، فإن الليل لا يستقيم أن يكون معاشًا، بل هو إما للعبادة أوراحة للبدن من إرهاق اليوم الطويل، وقد كان خير الناس يكره النوم قبلها [أي صلاة العشاء]8، ونصوص الوحي وأحوال السلف أكثر من أن تُحصى في هذا الباب.
ينبغي أن نعي أننا لسنا ماديون، وأن للإنسان حاجات غير البيع والشراء، وعليه مسؤوليات والتزامات أعظم من تسليم المشروع في موعده أو تقديم الورقة قبل موعد الانتهاء أو تجهيز العرض (Presentation) قبل الاجتماع.
أنت: روح، ونفس، وبدن.

وما البديــل؟
دائمًا ما يواجَه نقد الوضع القائم بطلب إيجاد البديل، ولهذا فإن بعض التصورات العامة والخطوط العريضة التي ما إن أقام عليها وطوّر منها بعض المتخصصين والباحثين في علوم الإدارة والاجتماع وتبنّتها إحدى المؤسسات أو الجهات، لصارت سمة ومنتج حضاري وإسهام نستطيع تقديمه للإنسانية في عصر الإنسان ذي البعد الواحد ببعث أبعاد الإنسان الأخرى.
بعـض عناصـر هـذا التصـور:
(1) الاستيقاظ مع صلاة الفجر.
(2) بدء الدوام مع الشروق.
(3) مدة الدوام إلى صلاة الظهر أو العصر.
(4) أسبوع العمل إما أربعة أيام إن كان الدوام إلى صلاة العصر، أو سبعة أيام إن كان إلى صلاة الظهر.

خاتمـــة
---------
إن الغرب اليوم يسعى إلى إنقاذ الإنسان من الموت، له دوافعه، ولكن دوافعنا أوسع من مجرد تفريغ مستهلك ليشتري! إن تكليفات المسلم والتزاماته تجاه خالقه، ونفسه، وأهله، ومجتمعه، وأمته، وعالمه أكثر وأهم من أن يُخصص لها أقل من ربع عمره (6 ساعات يوميًا).
نحن بحاجة إلى النظر في الأمر، وأن نأخذ فيه خطوات جادة، سنتعثر في البداية، ولكن بالعثرات تتشكّل الحلول وتتحقق الانجازات.
فقلت له: فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا نحاوِلُ مُلْكًا أوْ نُموتَ فَنُعْذَرَا
لو لم يكن من هذا المقال سوى تحريك للماء الراكد لكان خيرًا.. والحمد لله

----------------------------------------------------
(1) Juliet Schor (1991) The Overworked American.
(2) http://www.salon.com/2012/03/14/brin...hour_work_week
(3) http://www.wilmerhale.com/pages/publ...ewsPubId=90463
(4) http://money.cnn.com/gallery/news/ec...eks/index.html
(5) http://www.inc.com/geoffrey-james/st...rs-a-week.html
(6) http://thinkprogress.org/economy/201...r-day-workweek
(7) رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
(8) متفق عليه.
----------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الفطرة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع بعث الفطرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفطرة الإلهية وقاية وعلاج من الإلحاد عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-15-2013 08:21 AM
عادوا إلى الفطرة (70 قصة حقيقية مؤثرة) Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 12-23-2012 06:27 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59