العودة   > >

كتب ومراجع إلكترونية عرض وتحميل الكتب الإلكترونية ebooks

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 06-26-2012, 07:05 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما


نهاية التاريخ _ فوكوياما

لم يثر كتاب آخرمثلما أثاره كتاب (فوكوياما) : (نهاية التاريخ وخاتم البشر) من جدل على النطاقالعالمي .. وفرانسيس فوكوياما، هذا، الذي كان نائبا لمدير مجموعة التخطيط في وزارةالخارجية الأمريكية، والذي يعمل الآن مستشارا لمؤسسة (راند كوربوريشن) المعروفة فيرفد السياسة الأمريكية بالدراسات وكبار الموظفين في كل الوزارات والدوائر الأمريكية ..

ومؤسسة (راند) هي من أوحى لفوكوياما بأن يحول مقالته التي نشرها في مجلة The National Interest في صيف عام 1989، ولم تكن تزيد عن عشرين صفحة، ليكتبها فيكتاب يقع فيما يزيد على الثلاثمائة صفحة، حيث تبنت المؤسسة الفكرة، وزودت فوكويامابمكتب فخم ومستشارين ومساعدين وأرشيف هائل ليكون كتابه هذا، مشابها لكتاب الأمير ل (ميكافيللي) ..

وقد أثار المقال المذكور في البداية، جدلا وتعليقات كثيرةفي كل من الولايات المتحدة وإنجلترا وإيطاليا والاتحاد السوفييتي والبرازيل وجنوبإفريقيا واليابان وكوريا الجنوبية، وكانت مؤسسة راند تتابع ردات الفعل .. فحثتالمؤلف على إنجاز عمله ..

وفي الكتاب، يؤكد المؤلف أن المنطق الاقتصاديللعلم الحديث والنضال من أجل (المنزلة) أديا الى انهيار النظم الاستبدادية اليمينيةواليسارية على حد سواء، وإقامة الديمقراطيات الرأسمالية الليبرالية باعتبارها نهايةالتاريخ ..

وأهمية عرض الكتاب بالشكل الذي تم به عرض كتاب (صدام الحضاراتلصاموئيل هانتنغتون ) تكمن في نشر هذا النوع من المعرفة، التي تحتكر الإحاطة به نخبمعينة تقف بمحاذاة أعداء الأمة، ويبتعد عن الإلمام به شرائح واسعة من المثقفينالعرب، قد يقتني قسم منهم نسخا من تلك المنشورات، لكنه لم يطلع عليها، إما لكسل أوعدم رغبة واعية.. في حين تتسلل الكثير من مفردات تلك الرؤى التي تتبناها القوىالإمبريالية الى نفوس المبشرين بها في بلادنا من أنصار تلك القوى، حيث يتم التعاملمع شعوبنا وكأنها دمى يلعب بها الموسرون من أبناء الدول المعادية وأصدقائهمعندنا..

وإنني أزعم أن أعرض هذا الكتاب كمحايد، ليطلع عليه القراء الذينيملون الكتابات الطويلة والكلمات الصعبة، ولكنني لا أضمن أن أبقى على الحياد الىنهاية عرض الكتاب ..

والكتاب الذي ألفه فرانسيس فوكوياما وترجمه (حسن احمدأمين) وصدر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بطبعته الأولى عام 1993، وتتكون الترجمةالعربية في 380 صفحة يقع في مقدمة وخمسة أجزاء هي :

الجزءالأول: إعادة طرح سؤال قديم.

1
ـ تشاؤمنا
2
ـ أوجه الضعف في الدولالقوية (1)
3
ـ أوجه الضعف في الدول القوية (2) أو أكل الأناناس على سطحالقمر
4
ـ الثورة الليبرالية على النطاق العالمي

الجزءالثاني: شيخوخة الجنس البشري.

5
ـ محاولة لكتابة تاريخ عالمي
6
ـآلية الرغبة
7
ـ ليس هناك برابرة على الأبواب
8
ـ تراكم بلا حدود
9
ـانتصار أجهزة الفيديو
10
ـ في مضمار التعليم
11
ـ الإجابة عن السؤالالسابق
12
ـ لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين

الجزء الثالث: الصراع من أجل نيل الاعتراف والتقدير.

13
ـ في البدء كانت معركة حياةأو موت من أجل المنزلة الخالصة
14
ـ الإنسان الأول
15
ـ إجازة فيبلغاريا
16
ـ الوحش ذو الخدين الأحمرين
17
ـ صعود الثيموس وسقوطها
18
ـالسيادة والعبودية
19
ـ الدولة العامة والمتجانسة

الجزء الرابع: القفز فوق رودس.

20
ـ أشد الوحوش لا مبالاة
21
ـ الجذور الثيموسية للعمل
22
ـ إمبراطوريات الاستياء و إمبراطورياتالتوقير
23
ـ " واقعية" لا تستند الى واقع
24
ـ قوة الضعفاء
25
ـ المصالحالقومية
26
ـ نحو اتحاد سلمي

الجزء الخامس: خاتم البشر
27
ـ في ملكوت الحرية
28
ـ أناس لا صدور لهم
29
ـ أحرار وغيرمتساوين
30
ـ حقوق كاملة وواجبات منقوصة
31
ـ الحروب الكبرى للروح

الجزء الأول: إعادة طرح سؤال قديم.

1ـ تشاؤمنا

((
كان بوسع إيمانويل كانط، على رصانتهورجوح عقله، أن يذهب جادا الى أن الحرب تخدم الأغراض الإلهية. أما بعد هيروشيما فقدبات الناس ينظرون الى الحروب كافة باعتبارها ـ في أفضل الحالات ـ شرا لا بد منه. وقد كان بوسع عالم اللاهوت القديس (توما الأكويني)، على ورعه وقداسته، أن الطغاةيخدمون الأغراض الإلهية، إذ بدونهم تنتفي فرص الاستشهاد.. فبعد تلك الأحداث الرهيبةالتي وقعت في قلب العالم التكنولوجي المستنير الحديث، هل لا يزال أن نؤمن بإله يمثلالتقدم الضروري أكثر مما نؤمن بإله تتجلى قدرته في صورة عناية إلهية ترقب مسيرةالكون؟ ) إميل فاكنهايم

هكذا يبدأ الكاتب معلنا تشاؤمه، مقالته تحت هذاالعنوان .. يمكن القول في ثقة بأن القرن العشرين قد غرس فينا جميعا تشاؤما تاريخياعميقا. فبعكس الأمريكان الذين يروا أن المستقبل سيكون مشرقا، يرى معظم عقلاء القرنالعشرين أنه لا شيء يدفعهم للاعتقاد بأن المستقبل سيكون أفضل، وأن ما يراه الغرببأن العالم يتقدم نحو تكوين مؤسسات سياسية إنسانية فاضلة تمثلها الديمقراطيةالليبرالية. وقد استخلص كبار مفكري العالم، أنه من الأرجح أن تحمل السنون القادمةكوارث لم يعهدها البشر من قبل، وشرورا جديدة لا يمكن تخيلها، كالديكتاتورياتالقائمة على التعصب وعمليات الإبادة الدموية وابتذال الحياة بسبب غلبة الروحالاستهلاكية على المجتمعات الحديثة، واحتباس حراري وانتشار نووي الخ ..

يقارن (فوكوياما) ما حدث في القرن العشرين بما حدث في القرن التاسع عشرليبرر نظرته التشاؤمية، فيقول: بالرغم من أن أوروبا عرفت في بداية القرن التاسع عشرهزات عنيفة سببتها الثورات والحروب، فقد كان القرن في مجمله قرن سلام وزيادة غيرمعهودة في الرخاء العادي. وكان ثمة أساسان رئيسيان للتفاؤل، الأول: الاعتقاد بأنالعلم الحديث سيقضي على المرض والفقر فتتحسن بذلك أحوال البشر، وأن التكنولوجياالحديثة ستتحكم في الطبيعة التي ظلت دوما عدوة للإنسان وستجعلها أداة في سبيلسعادته. والثاني: أن الحكومات الديمقراطية الحرة سيستمر الى المزيد من أقطارالعالم.

ثم يقول المؤلف: بأن الرهان على انتشار مبادئ الثورة الفرنسية أوالمُثُل العليا لها في تخليص العالم من ديكتاتورياته والحكم المركزي المطلق وتخليصهمن تدخلات رجال الدين وخرافاتهم ووقف الحروب الدموية. وقد انتشرت عدة نظريات فيأوروبا بالقرن التاسع عشر تشرح كيف أن البشرية أسرة واحدة ومتماسكة وعلوم أبنائهافي خدمة الآخرين.

أسباب التشاؤم في القرن العشرين

يرجع تشاؤم الكاتب الذي ألف كتابه في العقد الأخير من القرن العشرينالى قسوة انهيار المطامع السابقة في القرن التاسع عشر، حيث كانت الحرب العالميةالأولى عاملا حاسما في زعزعة ثقة أوروبا بنفسها، رغم أن الحرب أدت الى نتيجة غيابالإمبراطوريات الألمانية والنمساوية والروسية، إلا أن آثارها النفسية كانت عميقةجدا، وقد خيبت آمال المراهنين على انتشار السلم والرخاء حيث كان يسقط خلف الخنادقيوميا عشرات الآلاف من الجنود ولمدة أربع سنوات.

لقد مهدت الحرب العالميةالأولى لمرحلة تفنن بها القائمون على الدولة الحديثة باستنباط مصطلحات وهيئاتوأدوات، دولة شمولية، شرطة سرية، مدفع رشاش، طائرة قاذفة، قنبلة نووية، أسلحة دمارشامل، ضرب هيروشيما، محرقة يهود، الاستيلاء على أراضي كبار الفلاحين في روسيا،الستالينية النازية الخ .

إذا كانت هذه المظاهر والأسلحة تُنتَج في بلادادعت الرقي والتباهي بالرخاء والأخلاقيات .. فمن يضمن أنها لن تحدث في دول العالمالثالث إذا ما استطاع القدرة على التشبه بها؟ أو حتى أن تتكرر في دول متقدمة تدعيالديمقراطية؟

إن تجارب القرن العشرين، قد أثارت مشكلة ضخمة حول دعوى التقدمعلى أساس من العلم والتكنولوجيا. ذلك أن قدرة التكنولوجيا على الارتقاء بالحياةالبشرية تتوقف بشكل حاسم على حدوث تقدم مواز في أخلاق البشر. إذ أنه بدون هذاالتقدم الثاني يمكن القول بأن قوة التكنولوجيا ستستخدم بكل بساطة لتحقيق أهدافشريرة وستتدهور أحوال الإنسانية عما كانت عليه من قبل.

إن الذين يهللونللتقدم في وسائل الإعلام وتطورها بأنها أصبحت أداة إضافية في محاصرة النظمالديكتاتورية يتوهمون في ذلك، كما توهمت CNN عندما نقلت ما حدث في ميدان (تيانانمنفي بكين) .. ولم تدرك أن نقل الأخبار والمعلومات بوسائله الحديثة قد استفاد منه (الخميني) في نشر مبادئه الرجعية ليقضي على حليف الغرب (الشاه).

وإن كانالغربيون يتفاخرون بأن نظامهم الديمقراطي الليبرالي قد انتصر على أعتى الأنظمةالشمولية الفاشية والنازية والشيوعية، فإن تساؤلا يدور بين الغربيين أنفسهم حول مدىصلاحية نظامهم هذا ليكون نظاما عالميا، حيث أنهم هم من أشعل الحربين العالميتينالأولى والثانية ودمر المدنية وأحرق اليهود واستخدم السلاح النووي، وهم الذينيتحيزون ـ دون احترام للغير ـ لنظامهم على أنه هو النظام الوحيد الذي يجب أن يسود (وهي نظرة فوقية تتنافى مع فكرة الديمقراطية نفسها وتفتقد للجانب الأخلاقي) .

شكوك غربية بإمكانية استمرار النظام الديمقراطي الليبرالي

في أوائل السبعينات رأى كيسنجر أن الصراع مع الغير قد يكون لا نهايةله، داعيا الى إعادة النظر بالنظام الديمقراطي الليبرالي ولنتعلم كيف نصرف سياستناالخارجية بالطرق التي كانت الدول قبلنا تصرفها.

وفي عام 1983 طلع علينا (جين فرانسوا ريفيل) يقول إن "الديمقراطية قد يتضح أنها مجرد مصادفة تاريخية، أوجملة اعتراضية قصيرة انقضى أجلها أمام أعيننا"

ولكن أنصار الليبرالية ظنواأن " مجتمعا فاشلا" كالاتحاد السوفييتي قد وجد مع ذلك مفتاح السلطة والقوة بفضلاختراع الشمولية اللينينية التي مكنت عصبة صغيرة من " البيروقراطيين المستبدين " منالاستفادة من سلطان التنظيم الحديث والتكنولوجيا في التحكم في أعداد غفيرة من الناسالى مالا نهاية. وقد نجحت الشمولية ليس فقط في إرهاب الشعوب الخاضعة لها، وإنماأيضا في إجبارها على تبني قيم سادتها من الشيوعيين.

ونختار ـ ما اختارهالكاتب ـ في قول (توكفيل) من أن الديمقراطيات تجد صعوبة خطيرة في سبيل انتهاجسياسات خارجية جادة على المدى الطويل. فطبيعتها الديمقراطية ذاتها تشل مساعيها،بسبب تعدد الأصوات فيها وعدم الثقة في النفس والنقد الذاتي الخ .

الفكر الشمولي يهتز هو الآخر في القرن العشرين

كما أنالليبرالية والديمقراطية الغربية قد اهتزت ثقتها بنظامها، فإن الفكر الشمولي (الذيكان يمثله الشيوعيون) قد اهتز هو الآخر، فقد تخلت معظم أو كل الأحزاب الشيوعيةالأوروبية (فرنسا، إيطاليا، اسبانيا) عما كان يُعرف بديكتاتورية البروليتاريا، وهيأحزاب كانت تعمل في ظل دول ليبرالية.. كما تسللت الأفكار الرأسمالية الى النخاعالشوكي في جسم كوادر الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي والدول الأوروبية الشرقية التيأدت الى انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية. كما أن الصين الحالية لم تعد هيالصين التي كانت أيام (ماو سي تونغ).

لم تهتد الأفكار السياسية في القرنالعشرين الى صياغة تقلل من الشعور بالتشاؤم ..

2ـ أوجه الضعف في الدول القوية (1)

حتى لايبدو أننا نسقط وجهة نظرنا على ما يقول الكاتب في هذه الزاوية، سنترك المجال للقارئأن يكتشف كيف كان ل (فوكوياما) وأمثاله أن يتغلغل فكرهم في رسم التصورات للعالمالراهن، ففي هذه المقالة يتفنن الكاتب في إضفاء صفة الحتمية على مسارات أي نظام غيرليبرالي ليسقط هذا النظام في النهاية .. ويستفيد الكاتب من حقائق واضحة للعيان مرتبها الأنظمة الشمولية التي تحدث عنها، ولكنه يتجاهل (عن عمد) مدى تشابه تلك الأنظمةمع النظام الذي يبشر به ضمنا، في حصر حق القرار بمن يستطيع الوصول للحكم حتى فيالحالة الليبرالية التي ترتبط ـ كما هو معروف ـ بالقدرة الممكنة للوصول للحكم بفعلالمال وحسن تنظيم أدوات أصحابه. (لنرى)

خط بداية الانهيارفي الأنظمة الشمولية

لم تبدأ الأزمة الراهنة في الأنظمة الشمولية لا (ببيريسترويكا) جورباتشوف، ولا بسقوط جدار برلين، وإنما بدأت قبل ذلك بأكثر من خمسةعشر عاما بسقوط عدد من الحكومات الاستبدادية اليمينية في جنوب أوروبا، ففي عام 1974أطاح انقلاب عسكري بنظام (كايتانو) في البرتغال، وبعد فترة من عدم الاستقرار كادتأن تؤدي الى حرب أهلية، انتخب (ماريو سواريش) رئيسا للوزراء في أبريل/ نيسان 1976وتدرجت البلاد في الانتقال الى حكم ديمقراطي هادئ.

ويسرد الكاتب حالات أخرىفي اليونان، وإسبانيا و الفلبين والأرجنتين وتركيا وأورجواي وجنوب إفريقيا وكورياالجنوبية وغيرها. ويحاول إرجاع أسباب التحول نحو الديمقراطية الليبرالية الى عواملسنوردها بطريقة تختلف عنها في الكتاب وترجمته العربية ..

الافتقار الى الشرعية

يعتبر موضوع الافتقار الى الشرعيةأزمة على الصعيد النظري. ذلك أن الشرعية ليست هي العدالة ولا الحق بمعناهما المطلق،وإنما هي مفهوم نسبي قائم في الإدراك الشخصي للناس. ولا غنى لأي نظام قادر علىالعمل الفعال عن الاستناد الى مبدأ الشرعية بوجه من الوجوه. فليس ثمة ديكتاتوريستند في حكمه إلى القوة المحضة وحدها كما يقال عادة عن هتلر على سبيل المثال. فإنكان بوسع أي طاغية أن يستند الى القوة في التحكم في أولاده أو في المسنين، أو ربمافي زوجته، لو أنه كان أقوى من هؤلاء جسديا، فالغالب أنه لا يستطيع التحكم بأكثر مناثنين أو ثلاثة أشخاص بنفس الأسلوب، والمؤكد أنه لن يستطيع أن يحكم به أمة مكونة منملايين الناس.

وحين نقول إن ديكتاتورا مثل (هتلر) حكم بالقوة فإنما نعني أنأنصار هتلر بما فيهم الحزب النازي والجستابو والفيرماخت، استطاعوا إرهاب القطاعالأكبر من أفراد الشعب جسديا. ولكن، ما سبب ولاء هؤلاء الأنصار لهتلر؟ من المؤكد أنالسبب ليس قدرة (هتلر) على إرهابهم جسديا. وإنما السبب في النهاية إيمانهم بشرعيةسلطانه. فقد يمكن التحكم بالإرهاب في أجهزة الأمن ذاتها، غير أن الديكتاتور ـ عندنقطة معينة في نظامه ـ لا بد أن يكون له أتباع أوفياء يؤمنون بشرعية سلطانه. كذلكالحال بالنسبة لأحط زعيم من زعماء المافيا وأكثرهم فسادا، فليس بوسعه السيطرة ما لمتقبل (عائلته) شرعيته على أساس ما. أو كما يقول سقراط في (جمهورية أفلاطون) إنه حتىفي عصابة اللصوص لا بد من توافر مبدأ من مبادئ العدالة يسمح بتقسيم المسروقات فيمابينهم قسمة عادلة. إذن فالشرعية ضرورية حتى بالنسبة لأكثر الدكتاتوريات ظلماووحشية.

هل هناك استثناء؟

في بعضالديكتاتوريات تمقتها قطاعات عريضة من الشعب المحكوم، لكنها تستطيع البقاء لفتراتطويلة، إذا ما قامت ب (تدليل) أعوانها من أركان الحكم والجيش والقوات الخاصة والأمن .. وليس عليها خطر من موضوع الشرعية، اللهم إلا إذا دب الخلاف بين صفوف الصفوةالحاكمة.

الحروب تنهي الديكتاتوريات

أنهتالحرب العالمية الثانية ديكتاتورية هتلر وموسوليني وانفراد إمبراطور اليابان، كماأنهت حروب إفريقيا ديكتاتورية (كايتانو) في البرتغال، وكذلك سقطت حكومة الأرجنتينبعد فشلها في حرب (الفوكلاند)، وأراد الكاتب أن يومئ الى أن الاتحاد السوفييتي قدأنهته حرب أفغانستان .. ولا ندري هل سيكتب ويقول متنبئا بانتهاء إمبراطورية أمريكاوديكتاتوريتها المموهة بديمقراطية مقننة في مستنقع العراق!

الاقتصاد الضعيف ينهي الديكتاتوريات

عندما تتمكن جماعةمن استلام حكم في بلد ما، وتستبد بقمع الشعب وتصادر حرياته، وتمنع الحديث عنالفساد، فإن الفساد سيستشري وعندها فإن ثقة أبناء القطاعات الاقتصادية في البلدنفسه ستتلاشى وتخرج الأموال من البلاد، وتختفي ثقة الرساميل الأجنبية بالتعامل معالبلد، هذا ما حدث في اليونان والأرجنتين والبرتغال نتيجة حروبها.

هل القمع وحده قادر على إطالة عمر الدكتاتوريات؟

يضربالكاتب مثلا، أنه في جنوب إفريقيا تم اعتقال 18 مليون جنوب إفريقي من السود، لضماناستغلالهم في إمداد الآلة الاقتصادية العنصرية في العمالة لكن ذلك لم يمنع منانتهاء ديكتاتورية النظام العنصري بعد اكتشاف عقم التجربة.

شعوب خانعة

يستنكر الكاتب وصف بعض الشعوب بأنها خانعة،فيقول : أن وصف شعب بأنه (سلبي و قدري وسوداوي) هو وصف سطحي لا يرتقي للحصافة،فشعوب البرتغال واليابان وألمانيا أثبتت عكس هذه النظرة، كما أن أي شعب وإن بدا أنهمفكك ومترهل، فإنه يفكر كما لو كان جسما واحدا يراقب و يتأمل ويتفحص التغيرات التيتحدث حوله على كل صعيد، وعندما يترنح جسم النظام ويدب الضعف والخلاف بصفوته وتتوقفمراهنات أصدقاءه الخارجيين، ويصبح الحكم غير قادر على تصريف أمور حياة الشعباليومية، تصبح كل تلك الظروف وكأنها قائد تم انتدابه لدفع عموم الشعب بما فيهالقوات المسلحة للانقضاض على النظام وإنهاءه .

هناك منيدرك من الحكام الشموليين ضرورة التغيير

يستشعر بعض الحكامالشموليين صعوبة المستقبل، وعدم التمكن من الاستمرار في النهج الشمولي فيبادرونبالانتقال الى عهد يتم فيه تناقل السلطة بأسلوب ديمقراطي، كما حدث في إسبانيا (نهاية حكم فرانكو) وكما حدث في السودان ( سوار الذهب) وكما حدث في موريتانيا .. وكما حدث في معظم دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحادالسوفييتي

كلمة أخيرة

في حالات التعثر في أداء الحكومة الليبرالية،فإن الشعب سيكتفي بتغيير الوزراء أو التعجيل بانتخابات أو تعديل قانون أو الدستور .. بيد أنه في حالة الحكم الشمولي، ليس هناك أمل بأي حل إلا بانتصار أحد الطرفين (الشعب أو الحكم).

أوجه الضعف في الدول القوية (2)
أو
أكل الأناناسعلى سطح القمر

((
إليك، إذن، مقتطفا مما كتبه في الستينيات طالببالمرحلة الثانوية يدعى كوبيشيف: نحن الآن في عام 1981. الشيوعية. الشيوعية تعنيوفرة من الخيرات المادية والثقافية... كل وسائل المواصلات في المدينة تداربالكهرباء، وكل المشروعات الضارة قد نقلت الى خارج المدينة... إننا نعيش على سطحالقمر، ونمشي بين شجيرات الأزهار والفاكهة..))
((
فكم من السنين يا ترى لبثناهاونحن نأكل الأناناس على سطح القمر؟ حبذا لو أتى يوم نأكل فيه كفايتنا من الطماطمهنا على ظهر الأرض))
أندريه نويكين: " النحلة والمثل العلياللشيوعية"*1

بعد أن قدم الكاتب (فوكوياما) فقرة الافتتاح التي ينتقيهابمهارة عالية، يلخص فيها أو يمهد لما يريد قوله. وحيث أن ما أراده في هذه المقالةهو الهجوم المؤدب على الشيوعية والاشتراكية والتمجيد المبطن لليبرالية وحتميةانتصارها وعبثية الوقوف في وجهها، فإنه يضع دعامات مقالته في رشاقة عالية.

روسيا المتخلفة

صور الكاتب أن الروسوقبولهم للشيوعية أو للنخبة الحاكمة (في الاتحاد السوفييتي) لا يمكن أن يخلصوا منه،لأنهم شعب متخلف وخانع، وهذا التصور ليس هو من وضعه بل هيأ للقارئ أن كل الغربيشاركونه انطباعه في تخلف الروس. ومن المفيد القول هنا أن روسيا منذ نشأتها كدولةقوية في بداية القرن السادس عشر، لم تكن على وفاق مع الغرب الأوروبي لأكثر منمسألة، وقد بينها (صاموئيل هانتنغتون) في كتابه (صدام الحضارات) الذي قدمنا تلخيصهسابقا. ولكن الكاتب وبعد أن يصور الروس بخنوعهم، يبدي عنصر المفاجأة عندما يتخلصونمن ديكتاتوريتهم، ليبعث برسالة مفادها أنه بالإمكان لأي شعب متخلف بالعالم أن يلحقبالمعسكر الغربي الليبرالي مهما كان تخلفه، حتى لو كان هذا التخلف يساوي التخلفالروسي!

طار فوق عش الوقواق

قصة حشرهاالكاتب للتدليل على تصويره للخنوع الروسي المفرط لحكومته، وكانت بالأصل رواية تحتنفس الاسم (طار فوق عش الوقواق One Flew Over The Cuckoo,s Nest) كتبها (كين كيسي) عام 1962 ، يتحدث فيها عن نزلاء لمصحة (للمجانين) يحاول البطل تحريرهم وعندما ينجحبذلك يعودون طوعا للمصحة! هكذا أراد الكاتب تصوير الشعب الروسي بتلذذه بعذابه داخلمصحة حكومته!

تساؤل يتظاهر به بالبراءة

يستعرض الكاتب القوة التي كانت عليها روسيا أيام (خور تشوف) حيثكانت نسبة النمو الاقتصادي تزيد عن ضعفي مثيلاتها في الدول الغربية، وكيف كانت خشيةالغرب، من أن يتحول العالم كله للنموذج السوفييتي، وأنه لم يكن هناك من يتوقعالسرعة بالانهيار كالتي حدثت، فماذا حدث؟ (السؤال البريء!)

1
ـ في بدايةالثمانينات سمحت السلطات الصينية للفلاحين الذين يشكلون 80% من الشعب الصيني بزراعةأرضهم وبيع محاصيلهم، معلنا انتهاء فكرة المزارع الجماعية.

2
ـ في عام 1986شرعت الصحافة السوفييتية بنشر مقالات تهاجم ستالين وعهده وجرائمه، في إشارة تبديتنصل نظام (جورباتشوف) من الرضا عمن سبقه من العهود.

3
ـ في شباط/فبراير 1989انسحب الجيش السوفييتي من أفغانستان.

4
ـ في أوائل عام 1989 أعلن الإصلاحيونفي المجر (هنغاريا) إجراء انتخابات متعددة .. كما فعل البولنديون بانتخاب أعضاءنقابة (تضامن) رغم محاولة الشيوعيين تزييف تلك الانتخابات.

5
ـ في ربيع 1989استطاع عشرات الألوف من الطلبة بالسيطرة على بكين بعض الوقت مطالبين بإنهاء الفساد،ولكن الجيش سحق انتفاضتهم.

6
ـ في يوليو وأغسطس/ تموز وآب 1989 هجم مئاتالألوف من الألمان الشرقيين باتجاه ألمانيا الغربية مما أدى الى نشوء أزمة انتهتبهدم سور برلين

7
ـ في يناير/كانون الثاني 1990 ألغيت المادة السادسة منالدستور السوفييتي التي تضمن (دورا قياديا) للحزب الشيوعي.

8
ـ في أعقابإلغاء المادة السادسة، تشكل مجموعة من الأحزاب في الاتحاد السوفييتي، وتم انتخاببوريس يلتسين رئيسا لروسيا.

9
ـ جرت انهيارات بالجملة في دول أوروبا الشرقية،وجرى بعدها انتخابات ابتعدت فيها الأحزاب الشيوعية عن السلطة.

لم يستطع أيفصيل أو مجموعة الوقوف أمام الاكتساح الهائل للجماهير في إحداث التغيير الهائل. وبعبارة أخرى لم يرغب أحد في الدفاع عن الحالة السابقة إلا الحالة التي قام بها (رسلان حسب اللاتوف) في محاولة الانقلاب على جورباتشوف في آب/أغسطس 1991.

وهنا يشير جورباتشوف الى أن (البريسترويكا) وملامح الانهيار لم تكن تعودالى الحالة الاقتصادية في عام 1985، وقال أننا لم نصل الوضع المأزوم بل الخط ما قبلالمأزوم، مشيرا الى أن دولا وصلت الى أسوأ من ذلك ولكنها تعافت! وحشر المؤلف لتلكالعبارة، يريد التدليل به الى أن الفشل الاقتصادي ما هو إلا واحد من أعراض كثيرةلأزمة أكبر!

ماذا بعد الانهيار؟

يقولالمؤلف: إنه من المبكر التهليل لانقضاء الدولة الشمولية القوية، حيث أنه في البلدانالتي تختفي منها الشيوعية ستحل مكانها أنظمة استبدادية قومية أو ربما فاشية (روسياوصربيا) ستكون أكثر خطورة وأكثر إثارة للقلق للعالم الغربي من الدول الشيوعيةنفسها.

4ـ الثورة الليبرالية على النطاقالعالمي

((
نحن نقف على أعتاب حقبة مهمة، حقبة اختمار، عندما تنطلقالروح طفرة واحدة الى الأمام، تعلو فوق صورتها السابقة، وتنجلي في صورة جديدة. إنكل تصوراتنا ومفاهيمنا وقيودنا التي تحكم رباط عالمنا آخذة في التحلل، تتبدد مثلرؤى الأحلام. وها هو ذا طور جديد من أطوار الروح في سبيله الى التكوين، وأحرىبالفلسفة، قبل سواها، أن تحتفي بظهوره وتقر به بينما الآخرون المعارضون له عن عجزووهن يتشبثون بأهداب الماضي))
ج. ف. هيجل : من محاضرة ألقاها في 18/9/1806

كعادته، اختار المؤلف (فوكوياما) تلك الفقرة ليفتتح بها مقالتهالأخيرة من الجزء الأول من كتابه، وهي عبارة تنم عن روح احتفالية في نجاحالليبرالية العالمية (الغربية) وانتصارها على غيرها من المناهج الأيديولوجية.

يقول: قد عرف اليسار الشيوعي واليمين المستبد معا إفلاسا في الأفكار الجادةالقادرة على حماية وتثبيت التلاحم السياسي الداخلي لنظم الحكم القوية، سواء كانتقائمة على أحزاب مفردة محكمة التنظيم، أو مستندة الى عصبة من العسكريين، أوديكتاتوريات محورها شخصية الزعيم. وقد كان معنى الافتقار الى السلطة الشرعية أنهكلما واجهت الحكومة المستبدة فشلا في مجال سياسي معين، لم يكن بوسع النظام أن يلجأالى مبدأ أعلى يحتمي به.

وهنا يدخل المؤلف في توضيح بعض المفاهيم حسب إيمانهبها:

الشرعية

يقول: شبه البعض الشرعية بنوعمن الاحتياطي النقدي. فكل الحكومات، ديمقراطية كانت أم استبدادية، تمر بأيام حلوةوأيام مرة. غير أن الحكومات الشرعية وحدها هي التي تملك ذلك الاحتياطي، تستعين بهفي أوقات الأزمة.

ويضيف: أن المجتمعات التي تتربع عليها حكومات مشكوكبشرعيتها، إذا تقبلت فكرة تلك الحكومات في عينة من الوقت (الاستقلال أو التعرض لخطرخارجي) فإنه مع مرور الوقت وازدياد وعي الشعب، لن يعود يتقبلها بتسليم مطلق يعطيهاتفويضا بالتصرف بمقدرات وسياسات البلد.

الاستبداد الشمولي

يذكر الكاتب أن من طبيعة الأنظمة الشمولية والاستبدادية التركيز علىالنهج الاقتصادي والفكري والإعلامي بما يتفق مع هوى تلك الأنظمة، فتقمع الحرياتوتشكل الاقتصاد المرتبك وتدافع عنه وتمنع التعددية الخ. حتى يأتي من بين أركان هذاالنظام من ينتقد العهد الفائت ويطالب بالإصلاح دائرا ظهره لتجربة من سبقه، (مثلخورتشوف وانتقاده لستالين، وجورباتشوف وانتقاده لعهد بريجينيف و جاو زيانج وانتقادهلعهد ماو سي تونغ)

الديمقراطية والليبرالية

لا يشترط الكاتب تلازم الديمقراطية بالليبرالية، فهناك دول ليبراليةلكنها ليست ديمقراطية كبريطانيا في القرن الثامن عشر، كما أن هناك دول تمارسالديمقراطية لكنها ليست ليبرالية فيذكر الهند وإيران كنموذجين.

وعندما يريدتوضيح الليبرالية يستخدم تعريف (لورد برايس) ويقول إنها تعتمد على ثلاثة عناصر: (1) تحرير شخص المواطن وممتلكاته من سيطرة الحكومة (2) السماح بحرية التعبير عن الآراءالدينية وممارسة العبادة (3) والحرية السياسية التي تعني تحرير المواطن من سيطرةالحكومة في الأمور التي لا يبدو بوضوح أنها تؤثر في صالح المجتمع كله تأثيرا يحتمتدخل الحكومة.

أما الديمقراطية، في نظره فهي إعطاء الشعب حق اختيار حكومتهفي انتخابات دورية متعددة الأحزاب سرية الاقتراع. ولا يستبعد هنا، أن يكون التكافؤنزيها، فقد تتلاعب الصفوة في الإجراءات الديمقراطية (شو استفدنا؟).

تهكم وابتهاج!

يتهكم الكاتب من تجربة الديمقراطيةالمركزية التي يقتصر فيها حق الترشيح والانتخاب على كوادر الحزب الحاكم (الشيوعية). كما يتهكم الكاتب وإن مجد بالحضارة الإسلامية، وحجم المسلمين الذي وضع له تقديرايعادل خمس سكان الأرض، لكنه استبعد أن يستطيع الإسلام أن يؤثر إلا على المرتدين منأبناءه للعودة الى دينهم، في حين سيعجز أن يقنع شابا واحدا من برلين أو طوكيو! وقدختم فقرته تلك بأن عهد الحضارة الإسلامية قد ولى، بل بالعكس فإن الكثيرين من أبناءالمسلمين قد افتتنوا بالليبرالية وهم في طريقهم الى تطبيقها، وضرب مثلا (جنوب شرقآسيا وتركيا والكثير من الدول الإسلامية) .. إلا أنه حذر من تعكير صفو العالم ببروزمتزمتين مسلمين.

إحصائية الانتصار

وضع المؤلف جدولا بأسماء الدول التي مارست الديمقراطية فيقرنين من الزمان، ففي عام 1790 كان هناك ثلاث دول: أمريكا وفرنسا وسويسرا.
وفيعام 1848 كان هناك خمس دول: ( أمريكا، سويسرا، بريطانيا، هولندا، بلجيكا)
وفيعام 1900، كان هناك 13 دولة (كلها غربية )
وفي عام 1919 كان هناك 25 دولة من بينالحديثات فيها أستراليا ونيوزلندا والأرجنتين وتشيلي .
في عام 1940 تراجع عددالدول الى 13 دولة
في عام 1960 أصبح العدد 36 دولة من أبرز ما أضيف لها الهندواليابان والكيان الصهيوني ولبنان.
في عام 1975 تراجع العدد الى 30 واختفت لبنانمن الجدول نهائيا
في عام 1990 أصبح العدد 61 دولة.. مع اختفاء لبنان

يتساءل الكاتب: هل أن انتصار الليبرالية هو نهائي؟ أم أن هناك دورةتعود فيها الديكتاتوريات للظهور؟ مشيرا الى الذبذبة في الجدول ..

لا نريدانتقاد تلك الأفكار، التي مرت بسرعة على (تشيلي) وكيف أن الليبرالية وقيادتهاأمريكا قامت بانقلاب على (سلفادور الليندي) ووضعت ديكتاتورا هو (بينو شيه) .. فهلتنعم الليبرالية بنعيمها دون تشجيع الدول الدكتاتورية ليتسنى لها تغذية هذاالنعيم؟



الجزء الثاني: شيخوخة الجنسالبشري.


5ـ محاولة لكتابة تاريخ عالمي

((
لم يحدث قط، حتى في الأحلام، أن حلقت المخيلة التاريخية في أجواءأعلى مما بلغته اليوم. فتاريخ الإنسان هو مجرد استمرار لتاريخ الحيوان والنبات. وبوسع مؤرخ العالم أن يجد آثارا من ذاته حتى في الأعماق السفلى للبحر، في المادةالغروية الحية. وهو يقف مشدوها إذ يتأمل المسافة الشاسعة التي قطعها الإنسان فيعَدْوِه، وتنتابه الرعشة وهو يتأمل الأعجوبة الأعظم: ذلك الكائن البشري الحديث الذييرى الطريق من أوله الى آخره. إنه يقف فخورا على قمة هرم المسار العالمي. وإذ يضعالحجر الأخير من أحجار معرفته، يبدو وكأنما يصرخ عاليا في أذن الطبيعة المصغيةإليه: قد بلغنا القمة! قد بلغنا القمة! واكتملت بنا الطبيعة!)).
نيتشه: " استخدام التاريخ وإساءة استخدامه"

يختار (فوكوياما) تلك الفقرة من ما كتبهنيتشه ليبدأ بها الجزء الثاني من الكتاب والذي يتحدث عن شيخوخة الجنس البشري. فيستعرض ما أسس له (مؤرخو الغرب) وفلاسفته، منذ العهد اليوناني (الإغريقي) الىيومنا هذا، من فلسفة التاريخ وتتابع تطوره، مستبعدا في استعراضه أي جهد عقلي أوفكري لأي مؤرخ أو فيلسوف خارج (الدائرة الغربية) معتبرا إباها مركزا للكون ومحركةلتطوره.

رأي أفلاطون وأرسطو

لقد تحدثأفلاطون في جمهوريته عن دورة طبيعية معينة للأنظمة. بينما ناقش أرسطو في كتابه (السياسة) أسباب الثورة وكيفية حلول نوع من الأنظمة محل نوع آخر، وكان من رأي أرسطوأنه ما من نظام بوسعه أن يرضي المرء إرضاء تاما، وأن السخط قد يدفع الناس الى إحلالنظام مكان نظام في دورة لا نهاية لها. ولم تحتل الديمقراطية عندهما مكانة خاصة. وأرسطو لم يفترض استمرار التاريخ. فهو يرى أن جذور دورة الأنظمة هي في دورة طبيعيةأكبر، تحدث خلالها كوارث دورية كالفيضانات فتقضي لا على المجتمعات البشرية القائمةفحسب، وإنما أيضا على كل الذكريات المتعلقة بها. لتجبر الإنسان على أن يبدأ مسارهالتاريخي ثانية من بدايته!

التاريخ على الطريقة المسيحية

لم يسلك المسيحيون الطرق التي سلكها اليهود و الإغريق، في أنالتاريخ يعني اليهود أو الإغريق، وما غيرهما هو مكملات لا علاقة لها بتحريكالتاريخ. فإن المسيحية هي أول من جاء بمفهوم المساواة بين البشر أمام الله، وتخيلتبذلك مصيرا مشتركا لكل شعوب الأرض. مثل هذا النمط من المؤرخين الفلاسفة (القديسأوغسطين).

التاريخ عند برنارد لو بوفييه 1688م

بدأ التفكير والتنظير المسيحي يجد طريقه الى نفوس الفلاسفةالمؤرخين ليذهب الى أن التاريخ والمعرفة به تراكمية لندقق بما كتبه برنارد لوبوفييه (يمكن القول بأن العقل السليم المثقف يحوي كافة عقول أناس القرون الماضية. فهو ليس إلا نفس العقل المفرد الذي ظل ينمو طيلة الوقت ويحسن من نفسه .. غير أن منواجبي أن أعترف بأن صاحب هذا العقل الذي أتحدث عنه لن يعرف الشيخوخة. فسيكون دوما ـوبنفس الدرجة ـ قادرا على الإتيان بالأمور اللائقة بشبابه، وستزيد دوما قدرته علىالقيام بمهام تتفق مع عنفوان قوته. وبعبارة أخرى، ودون استعانة بالرموز، سيبقىالإنسان دائما على حاله دون تدهور ولن تكون ثمة نهاية لنمو الحكمة البشريةوتطورها)

كانط والتاريخ

يختلف كانط عمنسبقه في أن التاريخ سيكون له نهاية، وهي نظرة حاول أن يقررها باسم المثاليةالألمانية في مقال قصير (16 صفحة) عام 1784، ولكنه كاف لتبيان وجهة نظره. فقال بذلكالمقال الذي عنونه ب (محاولة لكتابة تاريخ عالمي من وجهة نظر عالمية) : (إن المسارالأبله لأمور البشر يبدو على السطح وكأنه خال من أي نمط معين، وأن التاريخ البشرييبدو وكأنه سجل لحروب ووحشية مستمرة... وقد ذهب كانط الى أن التاريخ ستكون لهنهاية، لأن وضع دستور مدني كامل العدالة يضمن حرية الإنسان ويوفق بينه وبينالقوانين المدنية، هو أسمى معضلة كلفت الطبيعة الجنس البشري بحلها).

جدلية هيجل

بذكاء كبير، قام المؤلف باستعراض فلاسفةالقرون المختلفة من قبل عهد المسيح الى عهد الفلاسفة المسيحيين ومرورا بالمثاليينوحتى الماركسيين، ليصور للقارئ أن تلك الحضارة الغربية بمختلف منابعها التي تبدووكأنها متخاصمة، ليصورها للقارئ بأنها ليست متخاصمة، بل عملت كفريق في صناعة تلكالحضارة الغربية، وإن الأدوار بين هؤلاء الفلاسفة المتباعدين زمانا ومكانا كانتمتناغمة ومتعاضدة لتكون في النهاية ما آلت إليه الحضارة الغربية، كمقرر لشكل الحياةفي العالم.

وقد أشار الى أن هيجل الذي أقر لكانط بضرورة كتابة تاريخ عالمي،ولكن هيجل نفى أن التقدم في التاريخ ينشأ عن تقدم مطرد بالعقل، وإنما ينشأ عنالتفاعل الأعمى للعواطف التي أدت بالإنسان الى الصراعات والثورات والحروب، وهو ماأطلق عليه وصفه الشهير (دهاء العقل). ومسار التاريخ هو مسار دائب من الصراعات،تتصادم فيه الأنظمة الفكرية والأنظمة السياسية وتتفكك نتيجة لتناقضاتها الداخليةلتحل محلها أنظمة أخرى تحمل تناقضات أقل، فتكون أرقى من سابقاتها وهو ما أسماه (الديالكتيك أو الجدلية).

و حسب رأي هيجل، فإن طبيعة الرغبة الإنسانية لمتتحدد لتبقى الى الأبد دون تغيير، وإنما تتغير بتغير الأحقاب والثقافات التاريخية. مثال ذلك أن إنسانا يقطن أمريكا أو فرنسا أو اليابان في زمننا هذا ينفق الجانبالأكبر من طاقاته في طلب السلع (سيارات، أحذية رياضية ملبس من أفخر بيوت الأزياء) أو طلب (حي سكن لائق مدرسة عالية) ومعظم هذه الأشياء المشتهاة لم تكن موجودة أصلافي الأزمنة القديمة وبالتالي كان يستحيل اشتهاؤها. كذلك فإن مواطنا في دولة فقيرةبالعالم الثالث يبحث عن الأمن أو أي مأوى لن يفكر في مثل تلك الأشياء.

حتى ماركس يخدم الفكرة الليبرالية

يتدرج الكاتب لإثباتنظرته عن مركزية الغرب و تعاون مكوناته، ليصل الى أن ما حدث في إنشاء الشيوعيةوالاشتراكية، كان مرحلة طبيعية من مراحل وصول العالم لما وصل إليه، فيستخرج من كتابرأس المال لماركس (مقدمة الطبعة الإنجليزية) فقرة تقول: (إن الدولة الأكثر تقدما فيالصناعة إنما تعرض على الدول الأقل تقدما صورة عن مستقبلها) ..

هذا ما وصلإليه الكاتب (فوكوياما) في هذا الفصل، ليهيئ لما بعده من فصول ينكر فيها دورالآخرين في كتابة التاريخ.

وللتنويه نقول: أن أولمن أسس لعلم فلسفة التاريخ هو ابن خلدون في القرن الرابع عشر، وأخذ الغرب عنه ذلكالعلم فظهر (فيكو و أزوالد شبنجلر وأرنولد توينبي) ولم يتناول الكاتب جهد وآراءهؤلاء، الذين أقروا بفضل ابن خلدون، وتنبئوا بزوال حضارة الغرب، فأزولد شبنجلر لمينكر دور الحضارة العربية، وتوينبي استسخف قيام دولة الكيان الصهيوني وتنبأبزوالها، لكن للكاتب رسالة واضحة في كتابه، ونرى تلك الرسالة قد تبناها الكثير منالقادة الغربيين.


المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
التاريخ


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أطروحات فوكوياما وهانتنغتون عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 03-04-2015 08:18 AM
نهاية عصر التوك توك عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 11-09-2014 07:51 AM
نهاية حاكم أيمن أحمد رؤوف القادري الدكتور الشاعر أيمن القادري 7 02-03-2014 11:20 PM
نهاية طاغية عبدالناصر محمود الصور والتصاميم 1 04-20-2013 10:38 PM
عوامل تحريف التاريخ الأموي تشويه التاريخ تراتيل شذرات إسلامية 0 02-23-2012 04:36 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59