#1  
قديم 08-09-2016, 10:05 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة موقف العقلانيين من النص.. خالص نموذجًا


موقف العقلانيين من النص.. خالص نموذجاً
ــــــــــــــــــــــ

(د. أحمد اللهيب)
ــــــــ

6 / 11 / 1437 هــ
9 / 8 / 2016 م
ــــــــــــ

العقلانيين quran-program-pc-android-ipone-2-thumb2.jpg




لم يسلك من يسمون بالعقلانيين مسلك أهل السنة والجماعة تجاه النصوص الشرعية من تعظيمٍ لها، وفهم سليم لمعانيها، وتسليم وانقياد لما دلت عليه، وإنما حكَّموا عقولاً قاصرة فيها، وجعلوها قاضية عليها! فجعلت تأخذ وتذر من الأدلة الشرعية، وترتبت على ذلك عدة انحرافات ظهرت في مواقف كثيرين منهم على سبيل المثال: خالص ***ي، ولعلي أجمل موقفه من النصوص الشرعية في الآتي كنموذج لطرائق من يسمون بالعقلانيين:

موقف خالص ***ي من النص بوجه عام:
-------------------------

لقد كان موقفه من النص موقف المشكك في صلاحية الاستدلال به، والاحتكام إليه، سالكاً في ذلك مسلك محاصرة النصوص الشرعية بعدة تقييدات لا يمكن تجاوزها لمن أراد فهم المراد من الأدلة الشرعية – بزعمه -، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: لا يمكن فهم المراد بالنص الشرعي حتى يكون الباحث لديه إلمامٌ واسع بالعلوم الإنسانية(1)، يقول خالص ***ي في معرض حديثه عن خطأ المنهج السلفي في فهمه للقرآن: (... ومن يريد استكشاف القرآن بدون الاستعانة بالعلوم الإنسانية المساعدة كمن يريد فك حجر رشيد بدون لغة هيروغليفية، والنص القرآني مكتوب بلغة عربية والدخول على النص يحمل كل إشكاليات علم الألسنيات(2) مضافاً إليها علم التاريخ، والاقتراب من النبع الصافي لا يزيد عن وهم، ومشكلة المعرفة الإنسانية أنها متراكمة ويخيل للبعض أنهم إذا قرؤوا القرآن اليوم فهموه كما فهمه العربي قديماً فذهل من قوة النص، ونحن لا نعرف من أسرار البلاغة أكثر مما يفهم أحدنا سر صقل الألماس، فهذا هو الفرق بين من ينظر إلى الأمام، ومن يرجع إلى الخلف، بين الفكر السلفي وبين الفكر "التجديدي"، بين الفكر "النقلي" والعقل "النقدي")(3).

فهو من خلال هذا النص يريد أن يبين أن فهم القرآن من خلال تفسير الصحابة وأئمة التابعين ما هو إلا وهمٌ وخداع؛ ذلك أن النص القرآني لا يمكن فهمه الفهم الحقيقي إلا من خلال استعانة الباحث بالعلوم الإنسانية التي بدورها تجلي الحقيقة الكامنة والقابعة خلف النص.

ومقتضى ذلك أن الصحابة والتابعين ما فهموا كثيراً منه، وأنهم خوطبوا بما يفتقرون إلى آلة معرفته، ولايخفى ما في ذلك من التجيهل لخير جيل، أثنى عليهم الله تعالى في كتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، وأمر بتباعهم.

ثانياً: يرى أن العبرة بالنصوص النظر إلى روح النص لا إلى ما يتبادر إلى الذهن من خلال سياق أحرف النص وكلماته، حيث يقول: "العبرة في النصوص روحها وليس كلماتها الميتة"(4).

لكن ما المقصود بروح النص؟ وما هو ضابطه؟ يقف خالص ***ي دون تحديدٍ علمي ومنطقي لذلك؟! ليترك المجال مفتوحاً للهوى والتشهي، وكأن من تلفظ بالوحي لا يعي مدلول كلماته، فركب المقاصد والروح على كلمات فضفاضة وألفاظ لا تدل على المقاصد تعالى الله وتقدس وتنزه رسوله عن ذلك.

ثالثاً: يرى أن النصوص الشرعية حمَّالة أوجه، وأن الاحتكام إليها احتكام إلى أمرٍ ظنّي، والناحية العلمية الموضوعية تُحَتِّم على الباحث الوقوف على ما هو قطعي.

والقطعي في نظره هو "الواقع"، حيث يقول: (... "الواقع" أكبر من النصوص؛ لأنه يشكل المصدر الذي يراه البشر جميعاً، ولأن الواقع هو النص مجسداً في حين أن النصوص تتعلق بالخلفية الثقافية التي يحملها البشر، والتي بموجبها يفهمون النصوص ويتعاملون بها ويختلفون، بل ويتنازعون بل ويفتك بعضهم ببعض...)(5).

وفي موطن آخر يقول: (..."النص والواقع" يشكلان معادلة كما والحال في علاقة الطاقة بالمادة، إلا أن "المصدر" هو دوماً الواقع في حين أن النص هو محاولة تعبير عن لغة الواقع...)(6).

ويقول: (... والواقع يبقى المرجع عند كل خلاف، والانفكاك بين النص والواقع يحرم من الاستفادة من أقدس النصوص)(7).

ويبرهن على صحة ما ذهب إليه بقوله: (والنموذج على إنارة "الواقع" لـ "الألفاظ" كلمة "القلوب" المذكورة في القرآن فهو يشير إلى أن القلوب هي التي تفقه، أي أن القلب هو عضو الفهم {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]، ولكن التعامل مع الواقع كشف أن القلب لا يزيد عن مضخة للدم ولا علاقة له بالفقه.

و"الواقع" هو الذي بين أن هذا القول حقيقة أو مجاز أو خيال. والذي أثبته الطب أن عمليات زرع القلب لم تغير شخصية الإنسان، والذي يغير الفهم هو آفات الدماغ، فهذا الذي قاد إليه لم تكن النصوص بل الواقع...)(8). وكأن الناس من لدن القرون الوسطى لا يعرفون أن الدماغ إذا أصيب فقد العقل، أو ضعف الإدراك، حتى جاء الطب الحديث بذلك! وهذا مثال لرد النصوص الشرعية بسبب سوء تصورها، وإلاّ فلا يمكن أن تتنافى دلالة قطعية لنقل صحيح مع دلالة الواقع، وقد قرر أهل العلم قديماً أن القلب يطلق ويراد به المضغة العضلية المعروفة، ويطلق ويراد به باطن الشيء مطلقاً، كقلب الحنطة والجوزة، قال ابن تيمية: " ومنه سمي القليب قليبا لأنه أُخرج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضا ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ"، ثم ذكر ما حاصله أن التحقيق في هذه المسألة أن الروح وما تتصف من العقل به لها تعلق بالمعنيين، قال: " مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ومبدأ الإرادة في القلب. والعقل يراد به العلم ويراد به العمل، فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصورا فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء وكلا القولين له وجه صحيح". ومما يدل على ذلك ما يكون من غياب للعقل مع وجود للمضغة الدماغية في حالات السكر أو الذهول أو طغيان إرادة أو رغبة ونحو ذلك مما هو مشاهد في الواقع كما يشاهد فقد عقل من أصيب دماغه!

والمقام لا يناسب التطويل في هذه المسألة، لكن القصد التنبيه على تغولهم على النصوص بدعوى الواقع والسبب سوء الفهم لها، أو على اعتبارهم بجزء من الواقع دون جزء!

رابعاً: الأدلة الشرعية محاطة بسياج النسبية فالمبادئ التشريعية، والنظم الاجتماعية والسياسية، كلها تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، فما كان حقاً بالأمس من المحتمل أن يكون باطلاً اليوم والعكس؛ ذلك لأن الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري عليها، فلا يحق لأحد أن يدعي تملك الحقيقة لوحده دون غيره، حيث يقول: (إن النص بذاته لا ينطق؟ بل ينطقه الناس، وهذا يعني بكلمة أخرى ليس النص بل فهم الشخص من هذا النص، وهذا الفهم بدوره خاضع لتحولات أو عوامل مختلفة: منها اللغوية والبيئية والثقافية والتاريخية إلخ... الشيخ الهام أن النص بهذا الشكل يبقى واحداً يشع على الجميع والمفاهيم مختلفة، وهذا يعني شيئاً هاماً فالقرآن والسنة بهذه الطريقة تبقى لكل فريق أو اتجاه مفهوماً خاصاً يتعلق بالتثقيف الخلفي الذي يحمله التيار أو الاتجاه، والذي بموجب هذه الآلة يدرك ما وراء النص، أي أن السلفي له قرآنه وسنته، والصوفي له قرآنه وسنته، والمنظم في حزب التحرير الإسلامي له قرآنه وسنته، والوهابي له قرآنه وسنته، والعضو من الإخوان المسلمين له قرآنه وسنته، وهكذا)(9).

ولا شك بأن هذا الكلام خطير جداً؛ لأنه يقوم على مبدأ أن لا حقيقة مطلقة، وهذا فيه معارضة صريحة لما جاء به الأنبياء والرسل، فجميع المرسلين قد اتفقوا في قضية التوحيد، ولم يختلفوا فيها قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وهذه المقولة قائمة على أنه ليس هناك حقيقة مطلقة فالكل يملك قدراً منها!

كما أن الواقع يكذب هذه النظرية، فالحقائق المطلقة كثيرة جداً لا يستطيع العقل أن يردها، وهي تشهد على زيف النسبية، فمن ذلك أن الإنسان لا يوجد نفسه من العدم فهذه حقيقة مطلقة، وأن النار محرقة، وأن الواحد نصف الاثنين... إلخ. فالعقل استنبط من الوجود حقائق مطلقة، وكذلك قد تفهمه مدلولات النصوص حقائق مطلقة، كوجود آخرة وحساب، ونار وجنة، وشرك قبيح يعذب الواقع فيه، وإيمان حسن منجي، ووجود من ضل عن هذه المدلولات لايعني أنها غير قطعية لكن إما لإعراضه عنها أو جهله بها أو استكباره عن الانقياد إليها، كمن يكابر في كثير من حقائق الواقع وهلم جراً.

موقفهم من الآيات القرآنية:
قد يتصور أن ما تقدم إنما هو مسلك خاص بهم في الأدلة الشرعية من السنة النبوية، وأن الآيات القرآنية في معزلٍ عن هذا المنهج، والحق أنهم مطردون في التغول على الأدلة الشرعية كتاباً والسنة، والاجتراء عليها بما يزعمونه عقليات هي عند التحقيق جهليات، وأذكر هنا عرضاً لبعض أقوال النموذج السابق، يبين الطريق الذي خطَّه خالص ***ي لنفسه –ومثله كثير من هؤلاء- ودعا له، بل كانت موطناً خصباً يرتفع فيه يمنة ويسرة مطبقاً لما قعَّده سابقاً.

وفي تقديري أنه سلك طريقةً خاصةً لتهيئة الرأي العام لقبول أفكاره ومنهجه قبل الشروع في الدعوة لها، وهي التهوين والحطُّ من منهج سلف الأمة في فهم القرآن الكريم وتفسيره، حتى إذا ما زهد القارئ بتراث سلف الأمة، تساءل عن المنهج الأمثل لفهم النص القرآني؟ فيأتي خالص ***ي بمنهجه التجديدي كالمخلص والمنقذ لحيرة هؤلاء وشكهم!

يقول خالص ***ي في معرض حديثه عن كتب التفسير: (لا يمكن إضاءة القرآن بآراء رجال بسطاء، كما لا يمكن فتح جمجمة مريض بأدوات فرعونية، ولا يمكن بناء ثقافة إسلامية معاصرة بتفسير تبسيطي، بل لا بد من الإسراع بتشكيل ثقافة إسلامية معاصرة تعتمد العلوم الإنسانية المساعدة، وهذا ليس انتقاصاً من قدر أي أحد، ولكن من يريد أن يبني ثقافة يجب أن يكون رائداً من روح العصر)(10).

ويقول في موطنٍ آخر: (واتصل بي أخ يخبرني عن كتاب تفسير جديد للقرآن انتهى بجهد 13 سنة، مصبوب في 700 ألف صفحة [ربما 7000 آلاف] وهو عمل فلكي ولكن السؤال هو: هل سيكرر عمل الأقدمين؟ أم أن هناك اختراقاً نوعياً)(11).

ويقول: (المفسر القديم لو بعث في أيامنا الحالية لربما كتب تفسيراً جديداً؛ فهو عاصر زماناً كان يناسبه أن يكتب ما كتب، افتقد ضفيرة العلوم الجديدة التي تمنحه إنارة خاصة لمزيد من فهم القرآن، فعلوم من نموذج الأنثروبولوجيا(12) والتاريخ تطورت إلى حد مذهب، ولو وضع يده على مثل هذه الأدوات المعرفية لأجرى عملية جراحية فكرية...)(13).

هكذا يصور خالص ***ي منهج علماء الأمة، بأنه منهج قديم وبسيط لا يناسب مقتضيات العصر الحديث.

وبعد هذا التقليل من منهج علماء الأمة يقدم خالص ***ي منهجه التجديدي في فهم النص القرآني، فيقول: (... فلكل طريقته في استعمال القرآن، والناس في ذلك ثلاثة مذاهب:
منهم: المتحوط الذي يستخدمه في أضيق الحدود، وخوفاً من تعليقات المتشددين وبحثهم عن جملة يصطادونه فيها.

والثاني: من يحاول أن يسرد الآيات عن طريقة دسامة الطعام، فكلما زادت الآيات كان أفضل، أي: اعتماد الكم ويختم كل آية بـ"صدق الله العظيم" وهو اجتهاد.

وهناك طرق أخرى وأنا أميل إليها، وهي: "توظيف النص القرآن" وباختصار حيث يأتي في مكانه، وهو ادعاء كبير مني، ولكنه إن نجح تألق مثل إنارة الضوء في الظلمات، ولذلك يتعجب البعض من هذه الطريقة ولا يستطيع أن يفهم كيف أنني بعد بحث في الكوسمولوجيا أي علم الفلك أو علم الإنسان الأنثروبولوجيا أو الفيزياء الذرية أختم مقالتي بآية أو قسم منها)(14).

ويقول في موطن آخر: (يعترض الكثير على استخدام الآيات القرآنية بطريقة خاصة وأنا أعتبرها مصدر قوة لي)(15).

ويقول مبشراً بمشروعه الجديد: (... وأنا أفكر في مشروع فهم قرآني جديد أشتغل عليه للمستقبل، معتمداً العلوم الإنسانية المساعدة لفك هذا الإشكال، وهذا الخليط من الآيات الذي يبدو للوهلة الأولى أنه متنافر وهو ليس كذلك(16)، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82]، وهو يجعلنا نرى القرآن بدون نسق وغير منتظم، ويجب فهمه وفق تسلسل حركي، أي أن تفهم أنه نزل وفق أجواء نفسية واجتماعية تطور فيها...)(17).

ولعل سبب ظنه بوجود تنافر في الآيات – والعياذ بالله تعالى – أنه يرى أن الآيات القرآنية ما هي إلا لغة رمزية مجردة لها دلالات خفية لا يدركها الإنسان، إلا إذا حوى مجموعة من العلوم الإنسانية الحديثة، حيث يقول: (النص في سورة القرآن أو أي نص مقدس لا يخرج عن هذه القاعدة؛ فهو مجموعة من الرموز المجردة لها دلالات، وإدراك هذا وعمق هذا الإدراك يتوقف على البصيرة الخلفية التي يحملها الإنسان)(18).

ويعلل هذا المشروع بقوله: (المفسرون الثقات يمثلون مصادر ممتازة للاستئناس بآرائهم دون إعطائهم صك الإمساك بالحقيقة النهائية، ويبقى القرآن عصياً على كل من يحاول تحجيمه في تفسير واحد أو تطويعه لحساب فهم بعينه يحلق فوق الجميع بمناعة خاصة به، محرراً من كل غلالة أمام التواصل المباشر معه، فليس هناك أعظم من الاتصال المباشر بالقرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17]، القرآن لا يشذ عن هذه القاعدة، وأفضل طريقة لفهمه هي الاتصال المباشر، وتبقى كتب التفسير للاستئناس دون أن تكون فوق القرآن بحال، كل ما كتب عن القرآن وحوله لا يمثل أكثر من وجهة نظر خاصة، ويبقى القرآن محلِّقاً فوق الجميع عبر العصور)(19).

ولعلي أورد شيئاً من تطبيقاته لهذا المنهج على آي الله تعالى، حيث يقول في معرض حديثه عن قصة هابيل وقابيل: (ويذكر القرآن قصة مقتل "هابيل" على يد "قابيل"، وهي تحمل الترميز العميق لهجوم الراعي البدوي على صاحب الأرض الحضري، فالبدوي قاس مثل شوك الصحراء يواجه طبيعة لا تحرم، ولا يعرف سوى قانون السلب والنهب فإما أن يغزو أو يغزى، بخلاف صاحب الأرض الفلاح الذي يتمتع بالاستقرار والثقة بالأرض وعطاء الطبيعة الوافر وبناء العلاقات الاجتماعية، ولم تنشأ الحضارات قط في الصحاري بل حيث يتجمع الناس في المدن العامرة بالسكان على ضفاف الأنهار)(20).

ويؤكد ذلك بقوله: (الإشارة إلى ابني آدم لا يعني بالضرورة أولاداً معينين تاريخياً كما ذهب إلى ذلك العهد القديم، وتحت أسماء بعينهما هما قابيل وهابيل؛ فأولاد آدم هم رمز لبني الإنسان وصراعاتهم... وهذا الأسلوب أي الترميز والدخول إلى المطلق وتفكيك الحديث وتركيبه ثم استخلاص القانون الذي يحكمه هذا الأسلوب مكرر في القرآن...)(21).

ويقول معلقاً على معجزة الله تعالى التي أجراها على يد نبيه موسى عليه الصلاة والسلام في قصة أمره لبني إسرائيل بذبح البقرة؛ لإحياء الميت: (تأمل الآيات من سورة البقرة (67) بأن بقرة يجب أن تذبح حتى الآية (72 و73) عندما يزيح النص عن المغزى خلف العملية، والميت المقتول المختلف حول جريمته، سينطق عندما يضرب ببعض من البقرة المذبوحة؛ في الرياضيات سالب مضروب بسالب يصبح موجباً، في البيولوجيا هذا ميت يضرب بميت فتخرج الحياة بإذنه تعالى!)(22).

ويقول معلقاً على قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]: (إن قانون "الصلاح والفساد" ينص على أن الصالحين يرثون الأرض {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، والصالحون ليسوا منتسبين للثقافة الإسلامية فحسب، بل هم من صلح لتولي المهمة، واليابانيون اليوم "أصلح" من العرب...)(23).

أي أن الله تعالى على حسب قوله تعهد لمن صلح في أمور دنياه فقط – لأن اليابانيين في الجملة وثنيين – أن يجعله خليفة في الأرض؟!

ويقول معلقاً على قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران:36]: (كل ما ترويه الآية هو "الغيرية" أن الذكر غير الأنثى، مثل أن الفيديو غير التلفون، والبرتقال غير التفاح، والأرنب غير الأسد، والآية منتزعة من سياق خماسي وخمس فقرات متماسكة بحلقات يأخذ بعضها برقاب بعض، تقول فيها امرأة عمران: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، وجملة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} قد تكون اعتراضية، وقد تكون من قول المرأة، والقرآن ينقل عن الجميع: على لسان ملكة سبأ، والشيطان يوم القيامة، وفرعون عندما أدركه الغرق، مع هذا فقد يتسرب من الآية شعور غامض أن الأنثى قد تقصر في خدمة المبدأ "نظرياً"؛ فأراد الله أن يثبت لها "عملياً" أن الأنثى يمكن أن تقوم بنفس الدور، كي يصحح هذا الشعور، ومن يريد أن يوظف الآية أنها تفيد "أن الذكر أفضل وخير من الأنثى" يفتري على الله الكذب وقد خاب من افترى)(24).

فأصبح عامة أهل التفسير في نظر خالص ***ي من المفترين على الله تعالى بغير علمٍ؛ ذلك أنهم تحدثوا عن هذه الآية بأن المراد بها بيان تميز الذكر عن الأنثى بالخلقة، قال الإمام ابن جرير الطبري: (لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدْس والقيام بخدمة الكنيسة؛ لما يعتريها من الحيض والنفاس)(25).

ويقول الإمام السمعاني: (فإن الذكر أقوم وأقوى لخدمة البيعة من الأنثى، وقيل: لأنه أبعد عن الموانع من العبادة بخلاف الأنثى، يمنعها الحيض والنفاس)(26).

وفي الختام أذكر بأن الغرض مما سبق التصوير لمواقف من يسمون بالعقلانيين لا تفصيل ردها، وذلك أن كثيراً من الباطل يكفي تصوره في الحكم عليه، ولعله يتأتى مجال للتعليق على مسالك هؤلاء المخالفة للوحي والسلف والأئمة ومقتضى العقول الصحيحة، والله الموفق.

__________________________
(1) يقصد بها كل علم مادي توصل إليه البشر. انظر: "الحوار المتمدم"، مقال (تجديد الفكر الديني)، العدد (493).
(2) هو: الدراسة العلمية الموضوعية للسان البشري من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم. "مبادئ اللسانيات"، لأحمد قنور، دار الفكر، دمشق 1999م.
(3) "الحوار المتدم"، مقال (تجديد الفكر الديني)، العدد (493).
(4) "صحيفة الشرق"، مقال "سلام المسيح إعلان لنهاية العالم القديم" 27/12/2004م.
(5) "سيكولوجية العنف"، خالص ***ي، ص42.
(6) المصدر السابق، ص43.
(7) "صحيفة الشرق"، مقال (القواقع الإسلامية في الغرب.. والحاجة إلى تجديد التفكير الديني)، العدد (9390)، 7/3/2001م.
(8) "صحيفة الشرق"، مقال (الكون والقرآن: كتاب الله التكويني وكتاب الله التدويني)، 25/12/2002م.
(9) "النقد الذاتي"، خالص ***ي، ص234.
(10) "صحيفة الشرق الأوسط"، مقال بعنوان (الإنسان والعولمة)، العدد (8534) 28/1/1423هـ.
(11) "صحيفة الشرق الأوسط"، مقال بعنوان (القواقع الإسلامية في الغرب.. والحاجة إلى تجديد الفكر الديني)، العدد (9390)، 27/6/1425هـ.
(12) الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان: هو علم إنساني اجتماعي متكامل، يهتم بكل أصناف وأعراق البشر في جميع الأوقات، وبكل الأبعاد الإنسانية، تدرس الأنثروبولوجيا كلاً من الماضي والحاضر، كما أنها تتناول المجتمعات البدائية والتقليدية، بالإضافة للمجتمعات الحديثة والعصرية، وتعنى "الأنثروبولوجيا" بأصول وتطور وبنية المجتمعات الإنسانية، فالميزة الأساسية التي تميز علم الإنسان بين كافة المجالات الإنسانية الأخرى هو تأكيده على المقارنات الثقافية بين كافة الثقافات. هذا التميز الذي يعتبر أهم خصائص لعلم الإنسان، يصبح شيئاً فشيئاً موضوع الخلاف والنقاش، عند تطبيق الطرق الأنثروبولوجية عموماً في دراسات المجتمع أو المجموعات. انظر: "الموسوعة الثقافية"، د. حسين سعيد، ص135.
(13) "صحيفة الرياض"، عدد (11014)، 20/8/1989م.
(14) "مدونة خاص ***ي"، الشبكة العنكبوتية، مقال بعنوان (استخدام القرآن)، 27 نوفمبر 2010م.
(15) "صحيفة الوطن السعودية"، العدد (1331)، 22/5/2004م.
(16) هذا سوء أدب مع كلام الله تعالى وتنقص، فكيف يفسره وهو يعيش بنفسية متعالية؟
(17) "صحيفة المحايد"، العدد (53)، 16/4/2003م.
(18) "النقد الذاتي"، خالص ***ي (ص182).
(19) "صحيفة الرياض"، عدد (11014)، 20/8/1989م.
(20) "صحيفة الشرق الأوسط"، مقال بعنوان (المخاض الإسلامي العسير إلى المعاصرة)، العدد (8149)، 26/12/1421هـ.
(21) "أبحاث في العلم والسلم"، خالص ***ي (ص51-52).
(22) "صحيفة الرياض"، 27/8/1998م.
(23) "صحيفة الشرق الأوسط"، مقال بعنوان (قانون الهجرة والعودة)، العدد (8954)، 4/4/1424هـ.
(24) "صحيفة الشرق الأوسط"، مقال بعنوان (مشكلة المرأة)، العدد (8471)، 24/11/1422هـ.
(25) "جامع البيان في تأويل القرآن"، لابن جرير الطبري (6/334).
(26) "تفسير القرآن"، لأبي المظفر السمعاني (1/312).



------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موقف, العقلانيين, النص..


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع موقف العقلانيين من النص.. خالص نموذجًا
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معركة النص عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 04-27-2015 07:15 AM
موقف حجازي من النص القرآني عبدالناصر محمود أخبار ومختارات أدبية 0 12-01-2014 09:11 AM
دور القارئ في النص الأدبي Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 1 05-08-2014 03:04 PM
العالم و النص و النقد Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 6 08-28-2012 12:16 PM
درس عمل لمعة متدرجة على النص Eng.Jordan الصور والتصاميم 0 01-31-2012 08:07 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59