#1  
قديم 06-02-2013, 06:27 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي الصلاة والجوال.. قصة بدون الفصل الأخير


لحمد لله وبعد:

ظهر الجوال كوسيلة تواصُل حديثة، هزَّت العالم، وقرَّبت أبعادَه، وسهَّلتْ تعقيدات تَواصُله، وكل يوم في تطوُّر جديد؛ حتى إن الشهر بل الأيام في حسابات موديلاته كسنين في صناعات أخرى.



إنها نِعْمة وهِبة من العليم الحكيم الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم.



ولهذا الجوال - منذ ظهر وعرَفه المسلمون - قصة مع الصلاة ذات فصول متعدِّدة.



الفصل الأول فيها بدأ بسيطًا، لكن مع توالي الفصول لم نَعُد نتوقَّع أن يكون هناك فصل أخير، فقصته معها أطول مما يتم في المسلسلات التركية ذات الحلقات المئوية - كما يقال.



أول ما ظهر الجوالُ في المجتمعات المسلمة كان التوجيه الملفوظ والمكتوب بخصوص الصلاة، هو إغلاق الجوال أو اختيار الوضع "صامت" أثناء الصلاة.
وكم وقعتْ من خصومات، وكم مِثلها من إحراجات بين المصلين! وكم للأئمة والوعاظ من تنبيهات بسبب نغمات الجوال أثناء الصلوات، وما إن كادت النفوس تهدأ من قضية الرنات والنغمات الموجودة في الجوالات، حتى بدأ ستار الفصل الثاني يُسدَل بلا مقدّمات مع خدمة إضافة النغمات حسب الأذواق والرغبات، فأُدخِلت إلى المساجد أصوات المغنين والمغنيات وبعدة لغات فتعاظَمت الحسرات على حال الصلوات - وإنا لله وإنا إليه راجعون!



وهكذا توالت الفصول وتطوَّرت الجوالات، وزاد التنازع بين الصلاة والجوال في معركة باستمرار حتى وصلنا - إلا من رحِم الله - إلى هذه الصورة فتأمَّل:

(جهازه المطور بيده يُقلِّبه، وبأصبعه يُحرِّك شاشته يتَصفَّح، وفجأة ومن ذلك الجهاز صدر صوت الأذان لدخول وقت الصلاة فقطعه قبل أن يُكمِل التكبيرة الأولى، واستمرَّ في المتابعة باهتمام، فإنه يُتابِع صفحتَه (الفيس بوكية)، أو يقرأ مشاركات (الواتس آب) أو يُشاهِد مقطعًا أو يقرأ خبرًا، أو يفتح رسالة جاءته، بدأ الكون من حوله يُردِّد الأذان، حركة الناس تغيَّرت صوب الاستعداد والمثول وهو بجواله مشغول.



جاءه - من جواله - تنبيه عن قُرْب إقامة الصلاة تَحرَّك مطأطئ الرأس، ليس خشوعًا وندمًا على التأخر، وإنما مُتابعة خاشعة لما في الجوال.

استعدَّ بوضوء عاجل، ودخل المسجد صلى ركعتين خفيفتين أشد ما يكون التخفيف، ولم ينتهِ من التسليمة الثانية إلا ويده في جيبه تُسرِع إلى الجوال لاستغلال ما بين الأذان والإقامة بالنظر في جواله المطوَّر وتقليب صفحات التواصل، اهتزَّ المكان لصوت المؤذِّن، وهو يُقيم الصلاة فقام صاحبنا بعد أن وقف كلُّ مَن في الصف؛ لأنه مشغول بالمتابعة المهمة.



كبَّر الإمام تكبيرة الإحرام ليصمت الزمان، وليُعلِن الخروج من متعة الدنيا إلى الاتصال بالخالق الديان، وصاحبنا ما زال يُقلِّب، وبسرعة ألقى نظرة على جهازه كأنها نظرة مودِّع! وكبَّر ويده تُدخِل الجوال إلى أقرب مخبأ!



نسي أن يضعه على الصامت، وبينما الصف في صمتٍ خاشع إذا بنغمات جواله تقطع السكون وتَشغَل القلوب.



"السلام عليكم ورحمة الله" أطلَقها الإمام ليبدأ الاستغفار والتسبيح والثناء على الله - تبارك وتعالى - الذي تفضَّل على المسلمين بهذه النِّعمة، لكن صاحبنا فَهِمها أنه أطلَقها ليُطلِق يده بحثًا عن جواله، فقد اشتدَّ شوقه إليه، وشُغل عنه بعض الوقت فأخرجه بسرعة حتى يَستدرِك ما فاته في هذه الدقائق، فربما تغيَّر العالم أو حدث ما لم يكن بالحسبان؛ فنحن في عصر السرعة!

وحتى يُقنِع نفسه بأنه حاضر مع الناس تمتم بلسانه، كأنه يأتي بالأذكار؛ لكن الحقيقة أنه لا يدري ما قال فقلبه مُعلَّق بما في الجوال).



فهل سنتوقَّف هنا، أو أن الأمر في اتِّساع، أو أنه قد اتَّسع قبل الانتهاء من قراءة هذه الكلمات؟

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يحفظَ أعمالنا ويُبارِك لنا فيها ويُصلِح حالنا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

نبيل بن عبدالمجيد النشمي
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأخير, الصلاة, الفصل, بدون, والدواء, قصة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الصلاة والجوال.. قصة بدون الفصل الأخير
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مؤامرة الطب والدواء Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 09-29-2014 12:59 PM
عالم النبات والدواء المشهور ابن اليطار Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 06-16-2013 11:32 AM
الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء تزيل الزئبق من اللقاحات الخاصة بالأطفال Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 02-15-2013 10:45 PM
الحروب تجارة والدواء كالسلاح في المعركة Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-25-2012 10:01 AM
شركات الأدوية وتحالفها مع مؤسسات التصنيع العسكري...الحروب تجارة والدواء كالسلاح في المعركة Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-05-2012 08:28 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59