#1  
قديم 12-10-2018, 08:20 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة بين الثناء والنصيحة يقف ميزان الاعتدال


بين الثناء والنصيحة يقف ميزان الاعتدال
ـــــــــــــــــــــ

(يحيى البوليني)
ـــــــ

3 / 4 / 1440 هــــ
10 / 12 / 2018 م
ــــــــــــــ

الاعتدال ظ…ظٹط²ط§ظ†-ط§ظ„طھظˆط§ط²ظ†.jpg?itok=joyhlcqN


لا شيء أثقل على النفس البشرية من النصيحة وخاصة عند من توجه إليه , فهي ثقيلة عند توجيهها وأثقل عند قبولها , ويزداد ثقلها عندما يتسع صدر المنصوح لها , ويكون العجب حين نجد نفوسا تبحث عنها وتطلبها وتسعد بها بل وتقول " لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها " .



ولا شيء يسعد النفوس مثل الثناء , تفرح به نسبة عالية جدا من النفوس مهما كبرت وعلت وارتقت , وربما تطلبه وتستحث الناس عليه , وقد تحزن إذا لم يتحقق وفق ما أملت ورجت , ومن النفوس من تطلب سماعه - ولو كان باطلا - فتستحل ما يمتلك غيرها وتدعيه لنفسها طلبا للثناء .



وتختلف النصيحة في تقبلها عن الثناء الذي يتقبله معظم الناس بسرعة ويفرحون به , إذ أن الثناء لا يأتي غالبا إلا بعد أداء عمل جيد أو يتصور أنه جيد , في حين يكمن ثقل النصيحة على النفوس في كونها لا تأتي غالبا إلا بعد تقصير أو تصور تقصير , والنفوس – غالبا – ما تحب من يثني عليها ويمتدح أفعالها ومواقفها وتكره من يواجهها بخطأ أو تقصير .



ولا أعلم أحدا يشترط شروطا لقبول الثناء , فيقبله الناس من الجميع , الأعلى منهم والأدنى , ويقبلونه في أي موضع وبأية كيفية , لكن الشروط الشديدة لا توضع دوما إلا أمام النصيحة , فقد يقبلها بعضهم ممن يراه أعلى منه مكانة لا ممن هو أدنى – وذلك في تصوره فالله وحده اعلم بمنازل الناس عنده – ولا يقبلها إذا كانت في الملأ علانية ويعتبرها فضيحة لا نصيحة – وقد يكون معه حق في ذلك – وربما توضع شروط أخرى كثيرة معرقلة لها .



وهكذا فالثناء مستساغ محبب يؤخذ دون قيود ولا شروط من أي أحد وربما يستحب صدروه علانية , فان حاول نفس الأشخاص تقديم النصيحة ظهرت القيود والشروط والعقبات التي دائما ما تضعها النفس حتى ترد النصيحة على قائلها , ولكي تلتمس لذاتها العذر والمبرر في رفضها , ولتتهم حينها باذل النصيحة بإساءة استخدامها وسوء استغلالها , لتنتصر النفس مرة أخرى , ولا أعقد لذلك سببا سوى رفضها للنصيحة واستثقالها من الأساس , وصدق الله سبحانه في كتابه " فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ "



إن الثناء أمر عارض لا يلزم الإنسان قوله ولا سماعه , وينبغي أن يظل دوما أمرا عارضا , له حاجة يقدر بقدرها , فكثيرُه مضر أو مهلك , أما النصيحة الصادقة في موضعها فهي ضرورة تقيم قواعد الدين وتحفظ أساسه المتين , فقد كان النصح عمل أنبياء الله الكرام " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ " وأخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " الدين النصيحة " .



وقد يكون الثناء في وقته ومكانه وقدره حاجة لرفع المعنويات وتثبيت الطاعات في أنفس أصحابها , يفعله المربي كوسيلة تربوية عندما يحتاجها فتكون أحيانا للحث والتوجيه وأحيانا للعلاج والدواء , وقليل من يجيد استخدام هذا الأسلوب لدقته , وأفضل من علمنا كيف نقوم به هو رسولنا صلى الله عليه وسلم " نعم العبد عبد الله لو كان يقوم الليل " , " أَرْحَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَأَقْوَاهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءٌ مِنَ الْعِلْمِ ، وَسَلْمَانُ عَالِمٌ لا يُدْرَكُ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ ، وَمَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ " .



وليس كل ثناء محمودا وليست كل نصيحة متهمة ومتجنية , فقد ينتفع المرء - وكثيرا ما نرى ذلك – بنصيحة تألم منها مستمعها حين قدمت له ولكن كان فيها نفعه في دنياه وآخرته .



وتتباين مكانة ناصحك ومادحك منك بتباين الأثر النفسي عليك بين النصيحة والثناء , فناصحك يعلم سلفا انه سيغضبك عند قوله لك ما لا تهواه , أما مادحك فيريد التقرب منك بمدحك بقوله الذي ترضاه نفسك وتحبه , ولهذا فمعظم الناس يقرب مادحه ويحب حديثه ويبعد ناصحه ويتأفف من سماع كلماته , وقليل من الناس من يستطيع أن يكسر ذلك الحاجز فيجعل مادحه وناصحه عنده سواء , بينما يندر من يحمل نفسا عالية تحب ناصحها وتقربه أكثر من مادحها التي تبعده وتحثو في وجهه التراب .



إن ميزان الاعتدال في كل أمر أنه لا إفراط ولا تفريط , فلا إسراف ولا تقطير فهو الحسنة بين السيئتين , فالثناء الزائد عن الحد مهلك لقلب القائل والسامع , وكذلك أيضا قد تكون النصيحة إذا كانت في غير وقتها أو موضعها مؤلمة وشديدة وربما أضرت حيث كان يرجى منها النفع .



ــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ميزان, الاعتداء, البناء, والنصيحة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع بين الثناء والنصيحة يقف ميزان الاعتدال
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
البناء العقدي في مجتمع الصحابة عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 05-25-2014 07:28 AM
البناء الفني في شعر سعدي يوسف Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 1 04-12-2013 07:17 PM
أساسات البناء Eng.Jordan المكتبة الهندسية 0 02-07-2013 11:48 AM
أساسات البناء Eng.Jordan المكتبة الهندسية 0 11-28-2012 03:10 PM
وظيفة البناء الصرفي Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 01-29-2012 09:15 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:45 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59