قصة مملكة كردستان ونكث الإنكليز لوعودهم

مملكة , لوعودهم , الإنكليز , ونكث , كردستان

قصة مملكة كردستان ونكث الإنكليز لوعودهم
الأكراد يعانون من انقسام سياسي داخلي، إلى جانب العديد من التحديات والمعوقات الإقليمية والدولية.
الأحد 2019/01/06

قصص وأحداث تبقى في الذاكرة عن الاستعمار البريطاني للأكراد
بعد أن أكمل الاستعمار البريطاني احتلال العراق سنة 1918 بدخول ولاية الموصل، قسّمها إلى أربعة ألوية (محافظات): الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية.

كان الشيخ محمود الحفيد رافضا للغزو البريطاني. واصطف إلى جانب “العثمانيين المسلمين ضد جيش الكفار”، حسب قوله. ولقبه الحفيد اكتسبه من كونه يفخر بانتمائه إلى النسب النبوي الشريف.

وتقديرا لموقفه، عيّن العثمانيون الشيخ محمود الحفيد حكمدارا للسليمانية وسلموه إمرة الحامية التركية في المحافظة عند انسحابهم سنة 1918. وفي أثناء تقدم البريطانيين نحو شمالي العراق، اتصلوا بالشيخ محمود الحفيد ووعدوه بأن يكون الحاكم المطلق للمناطق الكردية. وصدّق وعودهم وسلّمهم الحامية التركية، التي أخذوا أفرادها أسرى.

ظل الشيخ محمود الحفيد الحاكم بأمره إلى أن استتبت الأمور للبريطانيين بالسيطرة الكاملة على العراق بولاياته القديمة كافة: بغداد والموصل والبصرة سنة 1919. بعد ذلك، شعروا بأن هناك حاجة إلى تقليم نفوذ الشيخ محمود الحفيد لصالحهم ولصالح السلطة المركزية الجديدة في العراق. نتيجة لذلك ثار الشيخ محمود الحفيد في مارس 1919 ضد القوات البريطانية وجرت مواجهات عنيفة بين مقاتليه والجيش البريطاني في العراق.

شهدت هذه المواجهات مقتل عدد من الجنود والضباط البريطانيين، وكان بينهم ضباط سياسيون، كانوا حكاما لبعض المناطق الكردية. وكان هؤلاء أول ضحايا الجيش البريطاني في العراق بعد الاحتلال، مما حدا بالبريطانيين أن يرسلوا حملة عسكرية كبيرة استطاعت أن تقضي على انتفاضة الشيخ محمود الحفيد وتأسره، وتحكم عليه بالإعدام، إلا أن المندوب السامي خفّف الحكم وقرر نفيه إلى الهند.

كان الصراع، في ذلك الوقت، مشتدا بين تركيا والعراق، المدعوم من دولة الانتداب بريطانيا، حول مصير ولاية الموصل القديمة، التي كانت تطالب بها تركيا، في حين أن العراق كان يعدّها جزءا لا يتجزأ من دولته.

فِي الوقت الذي لجأت تركيا إلى استخدام القوة العسكرية لاجتياح أجزاء من الولاية القديمة بهدف ضمها إلى تركيا، وكان العراق عاجزا ولا يمتلك القوة العسكرية لمواجهة هذا الاجتياح، ماطلت بريطانيا في الرد على هذا الاجتياح لأن الحكومة العراقية آنذاك (1922-1920) كانت ترفض توقيع معاهدة طويلة الأمد، وغير متكافئة مع بريطانيا.

وصادق البرلمان العراقي سنة 1922، بنسبة بسيطة، على المعاهدة بعد أن تم تخفيض مدتها من 25 سنة إلى أربع سنوات، وبعد تهديدات مباشرة وصريحة للحكومة العراقية بأن عدم توقيع المعاهدة يعني خسارة ولاية الموصل القديمة بكاملها لصالح تركيا.

بمجرد توقيع المعاهدة أرسلت القوات البريطانية وحدات من جيشها لقمع بعض الحركات الكردية الموالية لتركيا، وفِي الوقت نفسه أوقفت التقدم التركي. وكان أحد الشيوخ الأكراد المنتفضين هو شقيق الشيخ محمود الحفيد، وقد اتخذت الحكومة البريطانية، آنذاك، قرارا بإعادة الشيخ محمود إلى السليمانية ودعمته لكي ينهي الاضطرابات والتقدم التركي هناك، مع وعود جديدة بجعله حاكما لكردستان العراق.

وبسبب نقض الوعود السابقة بدأ الشيخ محمود الحفيد يتصرف بطريقة مختلفة، بعد نجاحه في جعل الأمور تسير لصالحه في المناطق الكردية، فاتصل بدول خارجية، وكتب إلى المندوب السامي في بغداد رسالة، كانت محفوظة في البلاط الملكي العراقي وأفرج عنها سنة 1972. يقول له فيها إذا كان سبب اختياركم للملك فيصل الأول ملكا للعراق كونه من نسل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنه هو أيضا من هذا النسل الشريف ويستحق أن يكون ملكا على كردستان.

وبالفعل أعلن نفسه ملكا في نوفمبر 1923، واتصل بالحكومة السوفييتية وإيران، وأصدر طوابع لـ”مملكته”، تعد الآن من أندر الطوابع وأغلاها عالميا. لكن، بعد أن ضمنت بريطانيا موافقة الحكومة العراقية على المعاهدة سيّرت قوات بريطانية وعراقية وسيطرت على السليمانية، مرة أخرى، مما حدا بالشيخ محمود الحفيد إلى اللجوء للجبال وشنّ حروب عصابات من هناك حتى العام 1926 حيث وافق على اتفاق يقضي بإعادة أملاكه إليه والسماح له بمغادرة العراق إلى إيران مع عائلته.. وهذا ما حصل.

في العام 1930 وعندما حان موعد دخول العراق إلى منظمة عصبة الأمم كأول دولة عربية مستقلة، استوجب الأمر توقيع معاهدة جديدة بين العراق وبريطانيا، وبدأت التجاذبات بين الطرفين حول بنودها ومدتها، والأهم مقدار الامتيازات، التي تحصل عليها بريطانيا بموجبها.

واندلعت حركة في السليمانية في سبتمبر 1930 رافضة لقبول العراق في منظمة عصبة الأمم بدعوى أن حقوق الأكراد فيها لم تكن واضحة ومضمونة بما فيه الكفاية. وتطورت الأحداث إلى مواجهات مع الشرطة العراقية وسقوط عدد من القتلى والجرحى.

استغل الشيخ محمود الحفيد هذه الظروف وعاد إلى السليمانية ليقود انتفاضة جديدة. وكالعادة عندما ضمنت بريطانيا الحصول على الامتيازات، التي تريدها من العراق (المستقل) أرسلت طائراتها وقواتها لدعم الجيش العراقي الفتي لقمع هذه الحركة.

استطاعت هذه القوات، بالفعل، أن تنهي الحركة وأن تأسر الشيخ محمود الحفيد وت***ه إلى بغداد وتضعه تحت الإقامة الجبرية، وأخذت ابنه الأصغر بابا علي كرهينة وأرسلته للدراسة في الخارج، حتى تضمن عدم حدوث انتفاضة مرة أخرى.

وفي العام 1956 (بعض المصادر تقول 1957) نقل الشيخ محمود الحفيد إلى مستشفى الحيدري في بغداد حيث توفي هناك. ومما سجله الضباط السياسيون البريطانيون عن الشيخ محمود الحفيد، بعد إنهاء حركاته الأولى والثانية، ما يخص الأخلاق العالية والشهامة التي كان يتعامل بها مع أسراهم وجرحاهم وهو ما أثار إعجابهم، إذ أنه كان يوقف المعارك، التي كان منتصرا أو على وشك الانتصار فيها كي يسمح لهم بإخلاء جرحاهم.

وأثناء قيام ثورة العراق الكبرى ضد الإنكليز 1920 أرسل الشيخ محمود الحفيد مجموعة من مقاتليه للمشاركة فيها. وشنّ، في الوقت نفسه، هجمات على الجيش البريطاني في المناطق الشمالية. واشتهرت الأهزوجة الشعبية المعروفة (ثلثين الجنة لهادينه، وثلث الكاكه أحمد وأكراده وشوية شوية لبربوتي)، والمقصود بـ(هادينا) السيد هادي المكوطر بطل وقائد المعارك الشعبية، وكاكه أحمد هو الشيخ محمود الحفيد، وبربوتي هو أحد شيوخ التركمان الذين شاركوا أيضا في دعم الثورة.

المصدر: ملتقى شذرات