#1  
قديم 05-08-2013, 04:44 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي الإنترنت "" إمتحان الإيمان والأخلاق والعقول


إن الإنترنت ثورة كبرى في عالم المعلومات
وميدان فسيح لامتحان الإيمان والأخلاق بل والعقول.

فالخير مفتوح الأبواب، والشر معروض بشتى الأساليب، وبإمكان الذي يتعامل مع الإنترنت
أن يطلق لسانه بما شاء، وأن يُسَرِّحَ بصرَه كما يريد، وأن يخط بيده ما يرغب؛
فلا حسيب عليه، ولا رادع له، ولا مُوْقِف له عند حد..
إلا الخشية من الواحد القهار .

فإن تسامى واستعلى، ونظر في العاقبة، واستحضر رقابة ربه، وشهوده عليه -أفلح وأنجح، واقتحم تلك العقبة.

وإنْ هو أطلق لنفسه العنان، ومال حيث يميل الهوى، وغاب عنه رادع الإيمان ووازع التقوى - أوشك أن يرتكس
في حمأة الرذيلة، ويسقط على أم رأسه في الحضيض، فلا يكون من رواء ذلك إلا إذلال النفس
وموت الشرف، والضعة والتسفُّل.

ولهذا كان حرياً بالعاقل أن يحسن التعامل مع الإنترنت، وأن لا يْفْرِطَ في الثقة في نفسه، فيوقعها في الفتنة
ثم يصعب عليه الخلاص منها.
وجديراً به إذا أراد أن يقدم أية مشاركة، أو مداخلة، أو ما جرى مجرى ذلك أن ينظر في جدوى ما يقدم
وأن يحذر من أذية المؤمنين، وإشاعة الفاحشة فيهم، وأن ينأى بنفسه عن القيل والقال، واستفزاز المشاعر
**** التهم، وتسليط الناس بعضهم على بعض.


وإذا أراد أن يعقب أو يرد فليكن ذلك بعلم، وعدل، ورحمة، وأدب، وسمو عبارة.


وإذا أراد أن يشارك فليشارك باسمه الصريح، وإن خشي على نفسه إن صرح باسمه، أو رغب في إخلاص عمله
فليحذر من كتابة ما لا يجوز ولا يليق، وليستحضر وقوفه بين يدي الله يوم تبلى السرائر.
وعلى العاقل كذلك أن يحذر خطوات الشيطان؛ فهو متربص ببني آدم، وقاعد لهم بكل سبيل
فهو عدوهم الذي يسعى سعيه في سبيل إغوائهم.
قال ربنا - تبارك وتعالى - في غير موطن في القرآن الكريم:(( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))
فالعاقل اللبيب لا يثق بعدوه أبداً، ولا يلقي نفسه في براثن الفتن
ولا يفرط في الثقة مهما بلغ من العقل، والدين، والعلم.
ومن هنا تجده ينأى عن الفتن، ولا يستشرف لها؛ فإذا تعرضت له أُعِين عليها
وصاحبه اللطف الإلهي.
وإنْ هو وثق بنفسه، وسعى إلى حتفه بظلفه وُكِلَ إلى نفسه، وزال عنه اللطف.

فهذا يوسف - عليه السلام - لم يتعرض للفتنة، بل هي التي تعرضت له.
ومع ذلك لم يثق بإيمانه، وعلمه
وشرفه المُعْرِق، بل فر من الفتنة، واستعاذ بالله من شرها، واعترف بأنه إن لم يصرف الله عنه كيد النسوة
صبا إليهن وكان من الجاهلين.
ولما كانت هذه هي حالَه صاحَبَهُ اللطف، وأُعِين على الخلاص من ذلك البلاء العظيم.


ومما يعين على تعدي هذه البلايا أن يخصص الإنسان وقتاً محدداً، وعملاً معيناً، وأن يكون له هدف واضح
ويتعامل من خلال ذلك مع الإنترنت.

أما إذا استرسل مع تصفُّح الأوراق، والانتقال من موقع إلى موقع دون هدف أو غاية - ضاع وقته
وقلَّت فائدته، وإفادته.


ومما يعين على ذلك - أيضاً - أن ينظر العاقل في العواقب، وأن يقهر نفسه، ويلجمها بلجام التقوى.

قال ابن الجوزي - رحمه الله -:

[ "] " وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً

لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قوياً لأنه قَهَر "
ومما يعين على ذلك أن يتجنب المتعامل مع الإنترنت المثيراتِ
فيبتعد عن المواقع المنحطة، وعن المنتديات التي يثار فيها الكلام الفاحش، وعن المقالات
التي تثير الغرائز، وتحرك الكوامن.
وينأى بنفسه عن الصور الفاضحة، واللقطات المثيرة
فإن مَثَلَ النفوسِ - بما جُبِلَتْ عليه من ميل للشهوات، وما أودع فيها من غرائز تميل مع الهوى
حيث مال - كمثل البارود، والوقود، وسائر المواد القابلة للاشتعال؛ فإن هذه المواد، وما جرى مجراها
متى كانت بعيدة عما يشعل فتيلها، ويذكي أوارها - بقيت ساكنة وادعة، لا يخشى خطرها، والعكس.

وكذلك النفوس؛ فإنها تظل وادعة ساكنة هادئة؛ فإذا اقتربت مما يثيرها، ويحرك نوازعها إلى الشرور
من مسموع، أو مقروء، أو منظور، أو مشموم - ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.

قال ابن حزم - رحمه الله -:
لا تـلُم مَنْ عَرَّضْ النفسَ لما = ليس يُرضي غيرَه عند المحنْ

لا تُـقَرِّبْ عـرفجاً من لهبٍ = ومـتى قَـرَّبْتَهُ ثـارتْ دُخنْ
وقال:
لا تُتْبِعِ النفسَ الهوى = ودَعِ التعرضَ للفتن
إبـليسُ حيٌّ لم يمت = والـعينُ بابٌ للفتن

ومما يعين على النجاة من فتنة الإنترنت غـــــض البصـــــــر
لأن الصورة القبيحة تعرض للإنسان ولو بدون قصد؛ فإذا غض بصره أرضى ربه، وأراح قلبه
فالعين مرآة القلب، وإطلاق البصر يورث المعاطب، وغض البصر يورث الراحة؛ فإذا غض العبد بصره
غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.
قال ربنا - عز وجل -:(( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في هذه الآية:
" فجعل - سبحانه - غض البصر، وحفظ الفرج هو أقوى تزكيةٍ للنفوس.

وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشر ور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك ".

ومما يجب على الإنسان حال تعامله مع الإنترنت أن يتثبت مما يقوله، ويسمعه، ويقرؤه، ويرويه.
وبذلك يُعْلَمُ عقلُ الإنسان، ورزانته، وإيمانه.

كيف والإنترنت يُكْتَبُ فيه الغث في السمين، ويَكْتُبُ كل من هب ودب، وبأسماء مجهولة مستعارة ؟

فعلى العاقل أن ينظر في هذا الأمر؛ فإذا اطلع على خبر أو أمر من الأمور تَثَبَّتَ في شأنه، وإذا ثبت له
نظر في جدوى نشره، فإن كان في ذلك حفز للخير، واجتماع عليه نشره، وأظهره
وإن كان خلاف ذلك طواه وأعرض عنه.


وكم حصل من جراء التفريط في هذا الأمر من الشر والخلل.

وكم من الناس من يلغي عقله، ويتعامل مع ما ينشر في الإنترنت وكأنه وحي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه.

وإلا فإن العاقل اللبيب يتثبت، ويتأنى حتى ولو اطلع على كلام لشخص معروف موثوق
فضلاً عن مجهول، أو غير موثوق.

ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدث المرء بكل ما سمع.
قال صلى الله عليه وسلم:
" كفى بالمرء كذباً أن يحدِّثبكل ما سمع ". رواه مسلم
ويتعين هذا الأدب في وقت الفتن والملمات، فيجب على الناصح لنفسه أن يتحرى هذا الأدب
حتى يقرب من السلامة، وينأى عن العطب.
قال الله - تعالى -:(( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ

مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً )) النساء: 83
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية:
" هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة
والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم - أن يتثبتوا، ولا
يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم: أهل الرأي، والعلم
والنصح، والعقل، والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها.
فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين، وسروراً لهم، وتحرزاً من أعدائهم - فعلوا ذلك
وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه.

ولهذا قال: (( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )).
أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة.


ومما ينبغي للعاقل في هذا الشأن ألا يحرص في إبداء رأيه في كل أمر، وألا يقول كل ما يعلم
بل اللائق به أن يراعي المصالح؛ فلا يحسن به أن يبدي رأيه في كل صغيرة وكبيرة، ولا يلزمه
أن يتكلم بكل نازلة؛ لأنه ربما لم يتصور الأمر كما ينبغي، وربما أخطأ التقدير، وجانب الصواب
والعرب تقول في أمثالها:


بخلاف ما إذا تريث وتأنى؛ فإن ذلك أدعى لصفاء القريحة، وأحرى لأنْ يختمر الرأي في الذهن
وأخلق بالسلامة من الخطأ.
والعرب تمدح من يتريث، ويتأنى ويقلب الأمور ظهراً لبطن
وتقول فيه: " إنه لحُوَّلٌ قُلَّب ".

بل ليس من الحكمة أن يبدي الإنسان رأيه في كل ما يعلم حتى ولو كان متأنياً في حكمه
مصيباً في رأيه؛ فما كل رأي يجهر به، ولا كل ما يعلم يقال.
بل الحكمة تقتضي أن يحتفظ الإنسان بآرائه إلا إذا استدعى المقام ذلك، واقتضته الحكمة والمصلحة
وكان دأبه في ذلك المشاورة خصوصاً في الأمور الكبار.
وزن الـكلام إذا نـطقت فإنما = يبدي العقولَ أو العيوبَ المنطقُ
ومما ينبغي للعاقل: أن يعتدل في طرحه، وأن يحذر من المبالغة، وتضخيم الأمور
لأن الحقيقة تضيع بين التهويل والتهوين.
والعرب تقول في أمثالها:
" خير الناس هذا النمط الأوسط ".

وأعظم زاجر وواعظ للمرء، ومعين له على الإفادة من الإنترنت، والسلامة من شروره وغوائله
- لـــــــــــزوم المراقبـــــــــة لله - عز وجل - واستشعار اطلاعه - تبارك وتعالى -.

وما أبصرت عيناي أجمل من فتى = يخاف مقام الله فـي الخلوات
فحري بالعاقل أن يستحضر هذا المعنى جيداً، وأن يتذكر دائماً أن الغيب عند الله علانية
فكيف يليق بالمرء أن يجعل الله - عز وجل - أهون الناظرين إليه ؟!

وحقيق عليه أن يدرك أنه من أخفى خبيئة ألبسه الله ثوبها، ومن أضمر شيئاً أظهره الله عليه
سواء كان ذلك خيراً أو شراً؛ فالجزاء من جنس العمل .
(( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ )).
وكما أنه يجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن شر الإنترنت فكذلك ينبغي له أو يجب عليه
ألا يحرم نفسه من خيره، خصوصاً إذا كان ذا دراية، وتخصص فيه؛ فلا يحسن به أن يكون قصاراه
ألا يقع في المحذور... بل عليه أن يقدم النافع المفيد، من المشاركات الهادفة، والاقتراحات النافعة
والدلالة على المواقع الإسلامية الموثوقة.

كما عليه ألا يحقر نفسه في إنكار ما يراه من منكر أو قبيح في الإنترنت
كل ذلك بحسب قدرته واستطاعته.
أسأل الله - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن

وأن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر

مباركين أينما كنا.

والحمد لله رب العالمين.
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, الإنترنت, إمتحان, والأخلاق, والعقول


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الإنترنت "" إمتحان الإيمان والأخلاق والعقول
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"هاكرز" يهددون بنشر الفضائح الجنسية لترامب على الإنترنت Eng.Jordan أخبار منوعة 0 01-19-2017 10:18 AM
#ريحانا "قاتلة الدواعش" مسكينة من خرافات الإنترنت Eng.Jordan أخبار منوعة 0 11-03-2014 01:28 PM
بعد قطع خدمة الإنترنت.. سكان رابعة يفتحون شبكات الـ"واي فاي" للمعتصمين Eng.Jordan أخبار عربية وعالمية 0 08-14-2013 10:51 AM
"Take Action" حملة جوجل لتعزيز حرية الإنترنت Eng.Jordan أخبار منوعة 0 11-26-2012 12:10 AM
صدر حديثا "الإنترنت وفيس بوك .. ثورة 25 يناير نموذجًا" Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 08-25-2012 12:08 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:46 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59