#1
|
||||
|
||||
مشروع فينوس
كانت طبيعة المشروع هى سبب اختيارى لمجموعة التخرج تلك ، - فلمن لا يعلم – فإنه يتم فى السنة النهائية فى قسم العمارة اللذى أدرس به تقسيم الدفعة الى مجموعات لمشروع التخرج تختص كل منها بفكرة مشروع معين ، كل منها بالطبع حسب الفكر العام المسيطر على أساتذتها ، و قد كانت فكرة المشروع هى ما جذبتنى، لقد كانت التيمة التى نتحدث عنها هنا هى تصميم وحدة مستقبلية عملاقة تستوعب ألاف البشر و ذات اكتفاء ذاتى و تقوم باستغلال مورد أو أكثر فى المنطقة المقام بها ، باختصار تخيل مدينة كاملة تعيش و تنام و تعمل فى منشأ واحد عملاق... لذا كما ترون كنت متحمسا ً للغاية ، و شرعت فى العمل و البحث بجدية و لكن سرعان ما تبخرت هذه الحماسة ، فبالتدريج أدركت أن الأمور ليست كما توقعت، أن الأساتذة المشرفين على المجموعة (ربما باستثناء واحد أو اثنين) لا توجد عندهم أدنى فكرة عما يتحدثون عنه ، ففى الوقت اللذى أوشك ذهنى فيه على الانفجار محاولاً ايجاد نظم و علاقات لمختلف نواحى الحياه فى المستقبل ، كانت القاعدة اللازمة للحصول على الامتياز أبسط بكثير مما تخيلت : " اذا كان شكل المبنى غريباً بما يكفى فهو على الأرجح مبنى مستقبلى يصلح لأى شىء" ، المهزلة الحقيقية كانت يوم تسليم المشاريع ، كل ما رأيت كان عبارة عن مجموعة من تصاميم المبانى الخزعبلية لا أكثر ، بلا أدنى فكر من أى نوع ، بل ان البعض قدم مشروعه على انه تصميم لانقاذ البشريه فى حالة حدوث كارثه طبيعية ، أخر قام بتصميم متحف لتاريخ الأنسانية و هكذا تلاشت فى لحظات أى فكرة محورية عن التنمية و المدينة المستقبلية و كيفية استغلال موارد المنطقة المقام عليها المشروع ، ناهيك عن الأخطاء المعمارية الفادحة مثل عدم وجود أماكن للسكن للمقيمين فى تلك المدن ، أو عدم وجود سلالم أو دورات مياه!! باختصار يمكن لأى انسان يمضى أكثر من خمس دقائق بين هذه المشاريع ( و منهم مشروعى بالطبع) أن يدرك حجم الكارثة ، الغريب أن الأساتذة المشرفين كانوا فى قمة السعادة ، لم لا؟ فقد كانت مجموعتنا تضم أغرب تصاميم لمشاريع التخريج كما كان اخراجها جيدا ً باستخدام الكميوتر على عكس المجموعات الأخرى التى اكتفت بأخراج مشاريعها يدويا ً،( اننا مجموعة مستقبلية للغاية كما ترون ).. المهم أننى توصلت لإكتشاف هام ، و هو أنه – بالإضافة الى كونهم لا يعرفون ما يتحدثون عنه – فإن هؤلاء الدكاترة المشرفين ليسوا أيضا ً بالذكاء اللذى يبدون عليه ، و أن أى محاولة منهم لتقديم رؤية مستقبلية ستسفر عن كارثة بكل تأكيد... لحسن الحظ أن هناك جاك فريسكو... ****************************** لو لم يثر جاك فريسكو اهتمامك فهناك إذن شىء خطاء بكل تأكيد ، فهو – لمن لا يعلم أيضا ً – عالم و معمارى و مخترع ذاتى التعليم ، ، و صاحب سيرة ذاتية مدهشة و ينسب اليه الفضل فى عدد من الأختراعات المعقدة اللتى تحتفظ وزارة الد فاع الامريكية بسرها حتى الأن ، و هو أحد أكثر المهتمين بمستقبل البشرية و لكن ما يميزه حقا ً عن بقية المنظرين المستقبليين هو أنه لا يكتفى بتخيل ما سيكون عليه المستقبل و لكنه لديه خطة لتغيير العالم ككل ، فمن وجهة نظر جاك فإن المنظومة التى يعيش من خلالها العالم حاليا ً لا تصلح لحل مشاكله حتى لو أنفقنا كل ما نملك لتصحيح كافة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية فإن ذلك يحتاج الى كثير من الوقت و لن يعطى فى النهاية الا تأثيرا ً محدودا ً ، لذا فالحل الأنسب هو إعادة بناء عالم جديد تماما ً معتمدا ً على تكنولوجيا متطورة جدا ً و يتمتع فيه كل فرد بمستوى معيشى عالى للغاية ، فى تناغم تام مع الطبيعة. Think Tank لذا قام جاك (مع مجموعة من المتحمسين لفكرته و المتخصصين من كافة المجالات ) بإنشاء فى منطقة فينوس بولاية فلوريدا ، كل هدفها هو التفكير فى حلول لتطوير مستقبل البشرية بل و تطبيق بعض هذه الأفكار على الطبيعة لو أمكن مستغلين مساحة 25 هكتار مخصصة لما أطلق عليه " مشروع فينوس" ، و لأن خزانة التفكير تلك تضم متخصصين من كافة المجالات فقد شملت الحلول المطروحة كافة نواحى الحياة بدأ ً من السكن و المواصلات و حتى تخطيط المدينة ذاته ،و بالفعل ظهرت الكثير من الأفكار المثيرة للاهتمام، على سبيل المثال كانت نماذج المبانى الأولية على شكل قباب لسبب منطقى ، و هو أن شكل القبة هو أقل شكل يحتاج الى مواد بناء لتغطية مساحة ما ، هذا بالاضافة الى كونه تشكيل شديد الثبات و يستطيع مقاومة الزلازل و تحمل سرعات هائلة للرياح و الأعاصير ، و فوق هذا كله فانه يمكن تصنيعه مسبقاً من الخرسانة المسلحة و بالتالى يتم توفير وقت و جهد البناء. و لكنهم لم يكتفوا بالمبانى الصغيرة ، بل وضعوا تصميمات لناطحات سحاب عملاقة يصل ارتفاعها الى ميل كامل و تضم كافة الخدمات اللتى يحتاجها الفرد بدأ ُ من السكن و العمل و حتى التسويق و التعليم و الترفيه، و ذلك لتوفير مساحات الأراضى و استغلالها كحدائق و متنزهات طبيعية من ناحية و تقليل الحاجه الى الخروج من ناطحات السحاب هذه من جهة أخرى لتوفير الطاقة و تقليل الضغط على شبكة المواصلات ،(و هو نوع من التطوير لنظريات لوكوربوزيه حول مدينة الغد كما لابد و أن لاحظتم) الفكره هنا باختصار هى أنه اذا عجزنا عن تحقيق التوازن بين الكثافة البشرية و قدرة سطح الأرض على الاستيعاب فاننا قد نحتاج الى الارتفاع فوقه ، بل و قد نحتاج الى اللجوء الى البحر أيضا ً ... لذا قاموا بوضع عدد من التصاميم لمدن تحت سطح البحر و أخرى طافية فوقه.. و لكن حتى تصميم المدينة العادية نفسه كان مختلفأ ، فالذى تم اقتراحه هو ان تنشأ المدينة على شكل دائرة يتوسطها القبة المركزية التى تضم نظام الكمبيوتر اللذى يتولى ***** المدينة و ادارتها كما تضم مختلف الخدمات التعليمية و الصحية و رعاية الأطفال و ما الى ذلك ، ثم تأتى حلقة من المبنى حول تلك القبة و تضم الخدمات الترفيهية و الثقافية من مسارح و معارض و ما الى ذلك تليها حلقة أخرى تضم الوحدات السكنية المحاطة بالحدائق و المناظر الطبيعية ثم حلقة لتوفير مصادر الطاقة النظيفة و المتجددة ثم حلقة أخيرة للزراعة و الرى و تخصص مناطق خارج المدينة للترفيه و الألعاب كالجولف و ركوب الدراجات و ما الى ذلك ، وهذا التصميم أيضا ً يعتبر تطويرا لنظرية المدينة الحدائقية اللتى تحدث عنها سير ابينزير هوارد فى أواخر القرن الثامن عشر. كل هذا بالطبع بالاضافة الى مئات التصميمات المعقدة لوسائل نقل و معدات بناء و أجهزة حفر عملاقة ، كل هذا لتقليل التدخل البشرى و توفير الوقت و الجهد ، و لكن جاك لا يكتفى بهذا ، انه يدعوا الى اعادة تشكيل ثقافتنا من جديد ، فكرته هنا هو أننا نتحدث عن الحضارة بوصفها مفهوم ستاتيكى ثابت فى حين أنه فى الحقيقه لا يوجد بشر متحضرون حتى الأن ، فطالما أنه هناك حروب و بوليس و جرائم فإن البشرية مازالت أبعد ما تكون عن التحضر ، و لكن لحسن الحظ أن التجربة قد علمتنا أن السلوك البشرى يمكن تغيره بالسلب أو الايجاب لذا يمكننا – فى ظل الظروف الملائمة – أن نلغى الكثير من المبادىء الهدامة كالجشع و الحقد و الكراهية و التى نكتسبها نتيجة احتكاكنا اليومى بمنظوماتنا الاجتماعية و السياسية ة الاقتصادية و اللتى عجزت عن تقديم أى حلول جذرية أو جادة للمجتمات البشرية بصفة عامة ، بل انه يذهب الى حد أبعد من ذلك و يطالب بتغيير النظام الاقتصادى العالمى اللذى يعتمد على المعاملات النقدية و استبدالة بنظام اخر يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية و هو موضوع طويل و معقد و يحتاج الى مقال منفصل ( على فرض اننى استطيع استيعابه أولا ً)..ء تذكرت كل هذا و أنا أقراء عن عزم الدولة على تنفيذ مشروع قديم تقدم به د. فاروق الباز لإنشاء تجمع سكانى شريطى فى الصحراء الغربية موازى لنهر النيل بهدف استيعاب النمو السكانى فى مصر و احداث تنمية حقيقية على جزء كبير من أرض مصر ، المشروع كبير و طموح كما ترون ، بل و يصلح تماماُ لأن نطلق عليه مشروع قومى و الأهم أنه مشروع جاد قابل للتنفيذ درسته عقلية علمية لها احترامها ، انا – كعادتى فى تلك المواقف – تحمست للغاية و انا أقراء هذا الكلام ، ان فكرة "البداية الجديدة" فكرة جذابة دائما ُ ، من منا لا يحلم بأن يعود به الزمن الى الوراء ليصحح ما أخطاء فيه و يستفيد مما تعلمه طوال حياته ؟ ، أذكر جيداً أن شعوراً مشابها ً قد جأنى ايام الاعلان الأول عن مشروع توشكى ، لقد كنت صغيرا ً وقتها و كنت متحمسا ً للغاية خاصة فى ظل الضجة الأعلامية اللتى صاحبت هذا الأعلان ، حتى أننى صرت من أنشط الداعين الى مساندة المشروع و صرت أتحدث عنه لكل من حولى بحماس حقيقى ، لو كنا فى الستينات و رأنى أحد زعماء الاتحاد الاشتراكى لولانى رئاسة احدى لجانه بكل تأكيد ، و لكن أخذت الأيام تمر ببطء و بدأت أخبار توشكى فى التناقص و الاهتمام بها يقل حتى تلاشى تماماً ، و هائنذا بعد عشرة أعوام أكتشف أننى كنت مغفلا ً من العيار الثقيل... و لكن يبدو اننى لم اتعلم الدرس ، لأننى وجدت نفسى – رغما ً عنى – سعيدا ً بما سمعته عن مشروع د. الباز ، و هائنذا تراودنى نفس الأحلام عن المشروع العملاق اللذى سيغير وجه مصر و ينقلها الى مستقبل أفضل ، كل ما أخشاه أن يصبح هذا المشروع مثل أى شىء أخر فى مصر مجرد عمل دعائى صرف تشرف عليه مجموعة من المنتفعين أو متحجرى الفكر اللذين لا يملكون أيه رؤية خاصة – أو عامة – للمستقبل من أى نوع ، اننا فى أشد الحاجه الى من هم مثل جاك فريسكو و مجموعته ، لا أقصد هنا أن نبنى ناطحات سحاب عملاقة أو عربات طائرة ً و لكن أقصد التحرر من الأفكار التقليدية التى ثبت فشلها فى كل مرة و محاولة ايجاد رؤية خاصة بنا تشمل المجتمع ككل و ليس فئة محددة منه ..باختصار نحتاج الى الابتكار الحقيقى والابداع الأصلى.. ترى هل هذا صعب؟ هل هذا مستحيل؟ هل يمكن أن نصنع شيئاً جميلا ً هذه المره و لو على سبيل التغيير؟ ترى هل يمكن أن نبدأ من جديد؟ انا عن نفسى لا أستطيع أن أمنع نفسى من التفاؤل برغم كل شىء و لكن ما أدرانى؟ لقد تحمست لمشروع توشكى من قبل...ء كلمة أخيرة يوجين : ماذا عن موضوع الاختلاس هذا؟ ألان شور : اه .. هذا يمكن تفسيره ببساطة ، لقد قمت بنصف ما قام به روبن هود ... أخذت من الأغنياء...ء يوجين : ثم؟ ألان شور : ثم لا شىء ، هذا ما قصدته بنصف ما قام به روبن هود...!!!ء The practice من مسلسل بتصرف We the people حلقة المصدر http://withinthemarginoferror.blogsp...blog-post.html المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مشروع فينوس |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع مشروع فينوس | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مشروع ضرب الصحوة في تونس | عبدالناصر محمود | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 04-15-2014 06:43 AM |
مشروع prism أكبر مشروع تجسس امريكي | Eng.Jordan | أخبار عربية وعالمية | 0 | 06-09-2013 10:58 AM |
H a a r p - مشروع هارب | Eng.Jordan | أخبار عربية وعالمية | 0 | 05-16-2012 07:57 PM |
مشروع الداعية الصغير | يقيني بالله يقيني | شذرات إسلامية | 2 | 04-27-2012 11:16 AM |
مشروع الكتاب الابيض | Eng.Jordan | رواق الثقافة | 0 | 03-20-2012 03:00 PM |