#1  
قديم 12-11-2012, 08:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي التوثيق والتدوين


الكاتب : حسين أبوبكر العيدروس: اليمن

المجلة العربية
من خلال دراسة المواقع الأثرية المنتشرة في بقاع الأرض، لاسيما منها المواقع الكبيرة والمتفرقة أو على جادة طرق التجارة أو تلك الموجودة في أماكن استقرار الجماعات، حيث تبرز الكتابات والرسوم المنقوشة والمحفورة على صفحات الصخور وجدران المغارات والكهوف، بالإضافة إلى ما اندرج عنها في مراحل متأخرة من مواد قابلة للنقل والطي والحفظ، مثل الجلود والعظام واللخاف والكاغد وقطع الأخشاب وسيقان النخيل (العسيب)، ويتضح أن مسألة توثيق الأحداث لم تكن قد جاءت متأخرة في عصر الكتابة التي نعرفها بحروفها الهجائية المتعددة سواء على مستوى اللغة العربية أو تلك اللغات الأخرى التي تناسلت وانشقت عن أصولها القديمة.
كان الهدف الأساس من وجود تلك الإشارات والكتابات التدوين الشخصي والرسمي، إلا أن الهدف الأول ربما وإن كان عفوياً، أي بمعنى أن الإنسان عندما أحس بشعور ما في لحظة ما بأنه بحاجة إلى التعبير عما في نفسه، وهي ظاهرة صحية تلقائية، وجد نفسه يرسم ويخربش خطوطاً (يشخبط)، ولاحظ أن بعض تلك الخطوط ينتج عنها أشكال لها دلالات ومعان، واستمر الحال إلى نقل الصور وتخيل المحيط الذي حوله واستذكار المشاهد العالقة في ذهنه لنقلها للمشاهد الذي سيأتي إلى نفس المكان من بعده، ولهذا تتابعت الأحداث وتطورت الأفكار شيئاً فشيئاً لينتج عنها وسيلة لها أثر على من يشاهدها، ولهذا عرف الإنسان أن بإمكانه توصيل ما يريد للغير عبر تلك الخطوط والرسوم، ومع مرور الوقت استطاع أن يتفق ويتفاهم البعض على إشارات ورموز اصطلاحية توضح المعاني المطلوبة وتوصل المعنى المراد، وما لبثت أن انتقلت هذه الوسائل إلى شريحة كبيرة من مرتادي هذه المواقع، وخلال مرحلة زمنية غير قصيرة بدأت بوجود الإنسان وتنقله من مكان إلى آخر خلال العصر الحجري القديم واستمرت مع اختلافات محدودة في منطقة الشرق الأدنى القديم والشرق الأوسط حتى حوالي الألف الثاني قبل الميلاد التي بدأت تظهر فيها الحروف الهجائية بشكل واضح وتأخرت قليلاً في بعض المناطق أيضاً واستمرت الرموز والصور المرسومة.


مواضيع التوثيق الأولى
هدف الإنسان الأول إلى تدوين الكثير من الأحداث التي كان يعايشها في يومه، فكل ما يشغله ويرهق تفكيره كان يرسخ في الذاكرة ويتبلور في الذهن حتى يخرج في أشكال متعددة من التعبير ومنها الرسم والكتابة، وقد سبقت الرسوم الكتابة بزمن طويل جداً، وكانت مواضيع الصيد من أبرز ما ظهر في هذه الرسوم والمواضيع التي تم توثيقها، فكثيراً ما تجد على الصخور، على وجه الخصوص، ما يرصد مشاهد للصيد، ويوثق أنواعاً من الحيوانات التي يطاردها تارة أو يرميها بسهامه تارة أخرى أو يوقعها في شباك الصيد أو غير ذلك. وقد أفادت رسوم الحيوانات في معرفة الظروف المناخية السائدة في المنطقة ومعرفة هجرة وانقراض عدد منها بسبب التغيرات المناخية. وسجلت مشاهد الحروب والمعارك بين الجماعات ورصدت ووثقت أدوات القتال مثل السيوف والرماح والقوس والنبل والدرع وبعض الجنابي أو الخناجر والسكاكين وغيرها، كل هذا بوضوح وبوسائل متعددة وعلى أدوات متنوعة.
هذا وتجاوزت مواضيع التوثيق هذا الأمر لتوثق وتسجل الجوانب الاجتماعية كمشاهد الفرح بما فيها من تفاصيل ورقصات تظهر من خلالها تفاصيل الحركات والشعر والملابس والأدوات وغيرها، ولا شك أنها ميزت بين الأجناس بشكل واضح، وفي كثير من الحالات جسدت بشكل جلي الجانب الجنسي، فظهرت بوضوح الأعضاء الجنسية في عدد من الرسوم الصخرية.
ومنذ العصر الحجري أيضاً بدأت تظهر رسوم متنوعة على أدوات صغيرة قابلة للحمل وسهلة الانتقال إلا أنها متفاوتة الصلابة ومتفاوتة الإتقان بغض النظر عن أهدافها ومغازيها.


الأدوات المستخدمة في عصور ما قبل التاريخ
كانت الأدوات الرئيسة للتوثيق قد بدأت كما أسلفنا على واجهات الصخور في الجبال والأودية وداخل الكهوف والغارات التي استوطنها الإنسان أو جعلها مقابر له، وتم التدوين أيضاً على الأواني التي استعملها وأنتجها مثل الفخار والحجر الصابوني والرخام والألباستر وغيره.
استخدم في إنتاجها طرقاً ووسائل متعددة مثل الحفر الغائر في شكل حزوز ضيقة أو على شكل كشط للمساحات المحيطة، وكل هذا باستخدام آلات معدنية حادة أو أنواعاً من شظايا الأحجار الصلبة مثل الصوان (Flint) والزجاج البركاني (Obsidian).


التوثيق في العصر التاريخي
العصر التاريخي هو الفاصل بين مرحلة ما قبل التدوين والكتابة ومرحلة ظهور الكتابة بشكلها الرسمي، ورغم أنه من الصعوبة بمكان وضع فاصل دقيق بين المرحلتين، فقد تفاوتت الثقافات من منطقة إلى أخرى مما سببت تأخراً في الظهور.
والحقيقة أنه رغم تقدم الأبحاث الأثرية التي عنيت بدراسة التدوين والتوثيق وفحصت الكتابات في بقاع كثيرة من العالم ومنها شبه الجزيرة العربية، إلا أن ثمة قضايا تبقى نسبية من حيث دقتها، لا لقصور الأبحاث في هذا المضمار فحسب ولكن لأن هذا يعتمد على آخر الاكتشافات ومناطقها، ومن ثم تأتي مسألة مناطق براءة الاختراعات وأسباب وسبل انتشارها، ولذلك فقد تستغرق الكثير من الوقت لإثباتها، وربما تتحقق أو تتعثر.
لقد دونت أحداث كثيرة ومهمة في تاريخ البشرية بشكل عام من خلال الكتابات والنقوش التي قام بكتابتها شخصيات تخصصت في هذا المجال وأسندت إليها مهمة التدوين لاسيما في المعارك الحربية بين الدويلات والقبائل والجماعات، وبالرغم من أن هذا قد أفاد المؤرخين فيما بعد في رصد وكتابة الأحداث التاريخية إلا أن كثيراً من المعلومات باتت بحاجة إلى مراجعة وتأكيد فليس كل ما يكتب في المواقع من نقوش يعتبر صحيحاً ويُعتمد عليه، فهذا جانب إعلامي وقابل للنقد، فربما قام البعض بتزوير الحقائق أو بالغ فيها.
استخدمت في تدوين المعلومات الكثير من المواد، فبعد أن كانت مقتصرة على الصخور والأحجار والعظام وربما الأخشاب توسعت إلى أكثر من ذلك إلى مواد نفيسة كالمعادن مثل الذهب والفضة والبرونز وأنواع من الأحجار والرخام والعاج والزجاج والأخشاب والجلود وتبارى الكتاب على إيجاد أنواع متعددة من الفنون وأضيفت الزخارف التي تزين الكتابات، وأصبحت نوعاً من الترف أكثر من أن تكون مادة توثيقية.
وتنوعت طرق ووسائل المادة المكتوبة بين الحفر الغائر وكشط المساحات حول الكتابات والحروف بحيث تظهر الكتابة بارزة ملموسة أو بطريقة الصب بواسطة قوالب وفيها ظهرت كذلك إما بارزة أو غائرة، واستخدمت أدوات معدنية حادة متنوعة ومختلفة الأحجام في الحفر على المواد بأشكال حزوز رفيعة وأخرى سميكة وأخرى مثلثة الشكل، كما أتقن الرسام المقاييس والأبعاد بشكل دقيق جداً بحسابات وقياسات بحيث يكون عمله متوازناً متقناً رائعاً في عيون الناظرين.


التوثيق في العصر الإسلامي
كان العصر الإسلامي هو الأبرز من حيث التوثيق وانتشار العلوم والمعارف بشكل واضح، ولعل من أبرز الأمور التي تم توثيقها القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد حث القرآن على التدوين وتوثيق المعلومات منعاً للتحريف أو ضياع الحقوق، وبالرجوع إليه نجد أن أطول آياته التي بلغت نحو صفحة كاملة تحث على توثيق الدَّين، ثم نستقرئ الكثير من الأحداث والقصص المميزة التي حدثت في مختلف العصور والمناطق، ومن خلال الآيات القرآنية البالغة الدقة يمكن استخراج الكثير من المعلومات والبيانات، وهذا الأمر إنما يجسد نظاماً وأسلوباً فريداً في توثيق المعلومات، في الوقت الذي يمنح المساحة الواسعة لأخذ العبرة والعظة من تلك الأحداث الأمر الذي يعطي قيمة مضافة لهذه المعلومات.
وقد بلغ تدوين المصحف الشريف شأواً لم يبلغه أي كتاب آخر وتناسخه الكتاب في العالم الإسلامي، وخلال الخمسة القرون الأولى كُتب بالخط الكوفي من غير نقط أو إعجَام، ثم ظهرت أنواع أخرى من الخطوط بفضل القرآن والتباري على التفنن في نسخه، فظهر الخط الثلث والنسخ والنستعليق أو الفارسي والديواني واشتقت من هذه الخطوط أنواع أخرى، وهكذا أسهم حفظ القرآن الكريم بالكتابة في زيادة التوثيق وازدياد الكُتَّاب، ورفع درجاتهم ومكانتهم عند الحُكَّام حتى أنهم أصبحوا وزراء في بعض الدول الإسلامية.
وبفضل توسع رقعة الدولة الإسلامية اشترك الكثير من الفنانين من مختلف بقاع الأرض مثل الأتراك والهنود والفرس وغيرهم في ابتكار أساليب جديدة وأضافوا الكثير من اللمسات الفنية في فنون الكتابة سواء فيما يتعلق بتدوين القرآن أو مختلف صنوف المعرفة فظهر تزويق المخطوطات وتذهيبها وإضافة الرسوم والخرائط بداخلها والتفنن في تجليدها بجلود فاخرة وطرق تحفظها بشكل جيد، كل هذا أعطاها رونقاً مميزاً وزاد من إقبال الناس عليها، وارتفعت أثمانها بسبب اقتناء التجار وأصحاب الجاه لمثل هذه الكنوز الثمينة، وربما أسهم كل ذلك في جعل بعض الحكام والأثرياء يفتحون الدواوين والمكتبات لنسخ الكتب بشكل أوسع وأصبحت المخطوطات رمزاً من رموز الثراء والثقافة.
الاهتمام الواضح والفريد بالكتابة والتدوين كان له دور فعال في صناعة الورق وانتشارها في العالم بعد أن كانت مواد الكتابة السابقة فيها من الصعوبة ما يمكن أن يعرقل ويؤخر التدوين، كل هذا أوجد الكثير من المكتبات الكبيرة التي تحتفظ بالمخطوطات المتنوعة في شتى العلوم، وشجع ذلك على إقبال الكثير على تدوين المعلومات مثل التاريخ والجغرافيا والطب والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والزراعة وغيرها من العلوم وأسهم في نشرها وحفظها من التلف والضياع. وهذه الطفرة العلمية والثقافية رفعت من ثقافة الناس وهذبت أساليب حياتهم ومنحتهم الكثير من الوعي بأمور متعددة وفتحت المنتديات الثقافية والعلمية وحفظت ونشرت براءات اختراع الكثير من المفكرين المسلمين، وهكذا تناقلها الناس حتى وصلت إلى أوروبا وأعيد استخدامها من جديد في الوقت الذي تخلى عنها أهلها بعد مرحلة الجمود التي أصابت العالم الإسلامي والنكسة التي حلت به بعد فقد الدولة الإسلامية الواحدة وتفرق الشعوب الإسلامية إلى إمارات وممالك.
وبإنشاء المساجد والمدارس وغيرها من المباني كان للتدوين مكانة في تزيين المباني من الداخل والخارج، فكتبت الآيات القرآنية وبعض الأحاديث على شكل أشرطة حول جدران المساجد والقباب وعلى المحاريب وغيرها. وهكذا صار التوثيق متلازماً مع انتشار الدين وأحد أبرز عناصره، فحفظت الكثير العلوم، وفي نفس الوقت اتسم بشيوع الجمال والحس الرفيع الذي بلا شك أدى إلى تغلغله في مساحات أكثر وزاد من حُب الناس له والميل الواضح له.
وخلال جميع المراحل التاريخية تم توثيق الفكر الإنساني بشتى الوسائل، وترقى التوثيق والتدوين في سلم متناغم تدرج بتدرج الثقافة وتطورها المتناسق فكان ممتعاً ومفيداً وأسهم في بناء المجتمع بالشكل المطلوب.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
التوثيق, والتدوين


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع التوثيق والتدوين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المعلومة المعاصرة ومشكلة التوثيق عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 03-11-2017 08:23 AM
التوثيق و الإدارة التنموية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-13-2012 06:59 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:36 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59