#1  
قديم 04-13-2012, 01:49 PM
الصورة الرمزية جاسم داود
جاسم داود غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: سوريا
المشاركات: 1,456
سؤال رحيل الفاروق


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رحيل الفاروق

إن التاريخ لا يصنعه إلا العظماء، وما أكثر العظماء الذين صنعهم الإسلام، فتحولوا به من رعاء الغنم إلى سادة الحضارات والأمم، قد أذهلوا عصور التاريخ بأسرها، وصار ذكرهم في العالمين خالدًا، ونحن اليوم على موعد مع عظيم من أولئك العظماء الذين صنعهم الإسلام على عينه، مع عملاق من عمالقة الإسلام الشامخين، مع أسد من أُسد الله الذين ينبض قلب كل امرئ منهم بحبهم، مع الفاروق عمر بن الخطاب.

عمر وما أدراك من هو عمر، ذلك الجبل الأشم الذي حوله الإسلام من رجل حجري القلب والمشاعر إلى قلب يتفطر على مصاب العباد، بل قلب وجل يخاف صاحبه أن يسأله الله عن دابة تتعثر في العراق: لم لم تفسح لها الطريق يا عمر؟

عمر الذي حوله الإسلام من رجل همل لا ذكر له بين العرب، إلى حاكم أعظم دولة عرفها التاريخ، إلى عملاق ترتعد فرائس الروم والفرس لذكره

عظيم في الحياة والممات:
ولكننا لن نتحدث عن حياة عمر، وإنما سيكون حديثنا عن رحيل عمر، عن آخر لحظات الفاروق، لندرك كم كان ذلك العملاق عظيمًا عند مماته كما كان عظيمًا في حياته، لقد كان الفاروق ترجمة حقيقية لقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام/162].

عاش حياته لله عبادة وجهادًا وكفاحًا، وكان مماته كذلك في سبيل الله شهادة توجت صالح أعماله، ولن ينسى جبل أحد يوم كان عليه أفضل البشرية في ذلك الحين، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان، فيرجف الجبل فيخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت أحد ! فإنما عليك نبي و صديق و شهيدان) [رواه البخاري ومسلم].
فكان الصديق أبا بكر، والشهيدان عمر وعثمان، ولقد كان دعاء عمر بعد آخر حجة حجها في الإسلام: (اللهم كبرت سني ورق عظمي وخشيت الانتشار من رعيتي فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم) [الطبقات الكبرى لابن سعد].
وكان من دعائه رضي الله عنه: (اللهم ارزقني قتلا في سبيلك ووفاة في بلد نبيك) [الطبقات الكبرى لابن سعد].
وقد كان، فقد رزقه الله الشهادة على يد عدو الله المجوسي أبي لؤلؤة في المدينة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يستشعر دنو أجله:
ونبدأ مع حضراتكم أحداث رحيل الفاروق بتلك الأيام السابقة لموته، والتي كان يستشعر فيها دنو أجله، فها هو يمر بقاتله أبي لؤلؤة فيقول للفاروق وهو يضمر الشر في نفسه: (لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه، فقال: توعدني العبد) [عمر بن الخطاب للصلابي].
إنه عمر الملهم المُحدث، الذي حاز فراسة المؤمن وشفافية الشعور يشتم رائحة الموت في كلام المجوسي.
ثم ها هو يرى المنام ويأوله، فلقد خطب بالناس ثم قال: (رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا لحضور أجلي) [الرياض النضرة في مناقب العشرة ].

شهيد الفجر:
وفي ذلك اليوم المشهود الذي فجع فيه المسلمون، خرج الفاروق عمر إلى صلاة الفجر، وكان من عادته أن يوقظ النيام في المسجد يقول: أيها الناس الصلاة الصلاة، وتقدم الفاروق إلى المحراب بعد أن أقيم للصلاة، وما إن كبر وشرع في قراءته حتى جاء عدو الله والإسلام أبو لؤلؤة المجوسي في جنح الظلام، متسللًا إلى مكان الفاروق ثم طعنه ثلاث طعنات، منها طعنة نفذت من أسفل بطنه إلى أحشائه، فسقط الفاروق في دمائه قائلًا: (أكلني الكلب).
وعلى الفور أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف وكان يصلي وراءه، فقدمه إلى المحراب يكمل بالمسلمين الصلاة، الله أكبر يا عمر، ما هذا الحرص على الصلاة في ذلك الظرف الصعب؟ لا تريد أن يقطع المسلمون صلاتهم، أهذا كل ما يشغلك وأنت مطعون يا عمر؟ لك الله يا فاروق الأمة، تعلم الأجيال من بعدك قيمة الحفاظ على الصلوات، أتعبت من بعدك يا عمر.
وأما المجوسي، فما إن طعن عمر حتى هرب وكان يمسك بخنجر ذي حدين، ما يمر على أحد من المسلمين حتى يطعنه، حتى طعن نحو ثلاثة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجلٌ من المسلمين؛ طرح عليه ثوباً فلما علم المجوسي أنه مأخوذٌ قتل نفسه.


شيء أقلق الفاروق:
وبعد أن صلى عبد الرحمن بن عوف ركعتين خفيفتين بالناس، احتمل الناس عمر إلى بيته، وكان الفاروق يقلقه أن يكون القاتل رجلًا من المسلمين، لذا قال لابنه عبد الله: اذهب فانظر من قتلني.
لماذا يحرص عمر على معرفة القاتل في هذه اللحظة الحرجة من حياته؟ لقد كان الجواب على لسان الفاروق عندما أخبره ولده عبد الله بأن القاتل هو المجوسي، ففرح عمر وقال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يحاجني بلا إله إلا الله) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب].

الله أكبر، عمر يخشى أن تكون نهايته على رجل سجد لله سجدة، وشهد بلا إله إلا الله، عمر العدل يخشى أن تكون مؤامرة من المسلمين عليه جراء ذنب قد اقترفه فيهم، فيقول: (يا عبد الله بن عباس، اخرج فناد في الناس إن أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا فخرج ابن عباس فقال: أيها الناس، أعن ملأٍ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله والله ما علمنا ولا اطلعنا) [المصدر السابق].


حتى في آخر عمرك يا عمر:
ويدخل على مر شاب من شباب المسلمين، قد أسبل ثيابه مخالفًا بذلك الهدي الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف يكف عمر عن إسداء النصح لرعيته، وهو الذي عاش بينهم آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، يقيم المسلمين على الجادة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي لطف وأدب جم، قال للشاب ناصحًا غير معنفًا: (يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك) [رواه البخاري].



هم الصحبة تحت التراب:
ولقد كانت من تلك الهموم: أين يدفن عمر؟ لقد كان مغتمًا خشية ألا يدفن مع صاحبيه، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهي الصحبة في الحياة والصحبة في الممات، كان ذلك الأمر يشغل باله لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد دفنا في حجرة عائشة رضي الله عنها، فأنى له أن تتحقق له تلك الأمنية؟ يريد أن ينعم برفقة صاحبيه تحت التراب كما كان ينعم بها فوق التراب.
ومن أجل ذلك قال لولده: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي) [صحيح البخاري].
وكان عمر ممددًا ينتظر على أحر من الجمر ما يسفر عنه اللقاء، هل تتحقق أمنيته أم لا؟ فما إن جاء عبد الله بن عمر، حتى قال الفاروق: (ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان من شيء أهم إلي من ذلك) [رواه البخاري].
لكن عمر الفاروق الأواب الورع، خشي أن يكون حصّل أمنية بسيف الحياء من عائشة، فأوصى قائلًا: (فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين) [رواه البخاري].


رضي الله عنك يا فاورق الأمة يا أمير المؤمنين، لقد علمتنا كيف يكون الهم في الحياة، وكيف يكون الهم عند الممات، الله ألحقنا بالأحبة محمد وحزبه، وارزقنا رفقتهم في الجنان، واحشرنا في زمرتهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة

المصدر: ملتقى شذرات

__________________

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-24-2012, 08:27 AM
الصورة الرمزية ابراهيم الرفاعي
ابراهيم الرفاعي غير متواجد حالياً
كاتب وأديب قدير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: روضة الورد
المشاركات: 526
افتراضي

جزاك الله خيراً
وأجزل مثوبتك
وكلل دربك بالسعادة
شكراً
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-24-2012, 11:43 PM
الصورة الرمزية جاسم داود
جاسم داود غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: سوريا
المشاركات: 1,456
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الفاضل
أسعدني مرورك الكريم
أتمنى وجودك هنا دائماً
دمـت برعـاية الله وحفـظه
__________________

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الفاروق, رحيل


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع رحيل الفاروق
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محاسبة النفس عند الفاروق عمر صابرة شذرات إسلامية 0 04-20-2016 07:05 AM
قصة الفاروق عمر بن الخطاب صباح الورد شذرات إسلامية 0 07-17-2014 09:56 PM
الفاروق ... عمر بن الخطاب رضي الله عنه Eng.Jordan مشاهير وشخصيات أجنبية 0 06-08-2013 09:36 PM
أختُ الفاروق فاطمة بنت الخطاب Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 03-03-2013 08:38 PM
الزهد في حياة الفاروق لله دره Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 04-13-2012 09:10 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:09 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59