#1  
قديم 12-01-2016, 02:42 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,372
افتراضي مفهوم الأمن الفكري دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام


مفهوم الأمن الفكري دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام


حمل المرجع كاملاً من المرفقات



------------------




مفهوم الأمن الفكري
" دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام "
بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الثقافة الإسلامية


إعداد
ماجد بن محمد بن علي الهذيلي


إشراف
د. محمد بن حسين بن أحمد
العام الجامعي
1432-1433هـ


 
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد:
فلقد جاء الإسلام بالخير والرحمة والوسطية والاعتدال الذي يعطي العقل حرية التفكير ولا يحجب عنه الحقيقة, والإسلام بما حواه من هداية إلهية وتشريعات سماوية يكفل للمجتمع الإنساني عامة وللمجتمع المسلم خاصة كل عوامل السعادة والأمن والاستقرار.
إن المتأمل في عالمنا المعاصر ليرى دون عناء ما يعج به من المخاوف والقتل والجوع, ولقد تعرضت أمتنا الإسلامية عبر القرون وما زالت لغارات من أعدائها بقصد تشكيك أبنائها في عقيدتهم ومسخ هويتهم وحملهم على الانسلاخ من مبادئهم وقيمهم وزعزعة أمنهم وذلك بما يلقيه أعداء الإسلام اليوم من شبهات وشهوات, ونحن نعيش اليوم في عصر تواصل نتج عنه تدفقٌ للثقافات وتعددٌ لمنابع التلقي, فنرى أخلاطاً متباينةً واتجاهات مختلفة من الأفكار والتصورات, لذا كان لزاماً على المثقف المسلم أن يدرس هذه الأفكار وأن يصرف عزمه إلى تحصين العقول والسعي إلى الحصانة الفكرية وجعلها أبواباً موصدة لتحديات الأمن الفكري المعاصر.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
تكمن أهمية دراسة مفهوم الأمن الفكري وأسباب اختياره في الآتي:
1- حاجة الميدان الثقافي والتربوي إلى معرفة مفهوم الأمن الفكري لمحاولة تحقيقه في المجتمع
2- استجابة لنتائج وتوصيات العديد من الأبحاث والدراسات العلمية والمؤتمرات التي تؤكد على طرق مثل هذه المواضيع الملامسة للواقع.
3- تسهم نتائج هذه الدراسة في فتح آفاق جديدة أمام الباحثين للقيام ببحوث مستقبلية في مجال دراسات الأمن الفكري.
4- بيان المعنى الصحيح للأمن في الدنيا وأنه أشمل من كونه في الأنفس والعقول والأموال والأعراض فأعظم أمن هو الأمن في الأديان وحماية الناس من أن يفتنوا في دينهم.
5- معرفة المؤثرات السلبية على الفكر وأسباب انحرافه.
6- تنامي المشكلات المؤثرة على أمن المجتمع من جراء الانحرافات الفكرية المتصاعدة.
أهداف الموضوع:
1- التوصل إلى صيغة توضح مفهوم الأمن الفكري وأهميته في الإسلام وخصائصه ومزاياه.
2- التأصيل لمفهوم الأمن الفكري, وذكر الأدلة على ذلك.
3- التعرف على أنواع التيارات الفكرية المنحرفة وخطورتها على الأمن الفكري.
4- إبراز دور الاستقامة على هذا الدين في تعزيز الأمن الفكري واستقراره.
الدراسات السابقة:
من خلال المطالعة في المكتبات ومواقع الجامعات على الشبكة الالكترونية وبعض الكتب في الشبكة الالكترونية تم العثور على الدراسات الآتية:
1- "الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية " للدكتور حيدر عبد الرحمن الحيدر, وهي رسالة دكتوراه في علوم الشرطة من كلية الدراسات العليا في أكاديمية الشرطة في جمهورية مصر العربية عام 1422ه, وقد قسم بحثه إلى بابين الأول: المؤثرات الفكرية, والثاني: الأمن الفكري. وقد انتهج الباحث المنهج الاستنباطي والمنهج الوصفي.
2- "الانحراف الفكري وعلاقته بالأمن الوطني والدولي " للدكتور محمد بن شحات الخطيب. وقد انتهج الباحث المنهج الوصفي في بحثه وركز على مفهوم الانحراف الفكري ومظاهره وعوامل انتشاره وكيفية مواجهته.
3- "الأمن في الإسلام " تأليف اللواء محمود خليل, وقد تطرق في بحثه للأمن بمفهومه العام ولم يركز فيما يتعلق بالأمن الفكري.
4- " فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون " للشيخ عبد العزيز الجليل, وقد تطرق الباحث للمفهوم الشامل للأمن وركز على جانب أمن الدين والعقيدة وأنه أهم أنواع الأمن, وفضح أعداء الأمن الحقيقيين من المنافقين وأصحاب البدع والشبهات وأهل الفسق والشهوات.
5- "الأمن الفكري في مقررات التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية " للباحث سعد بن صالح العتيبي, وهو بحث مكمل للحصول على درجة الماجستير في التربية الإسلامية في جامعة أم القرى, وقد انتهج الباحث المنهج الوصفي التحليلي, وبحث مدى قيام معلمي التربية الإسلامية بدورهم في إبراز مضامين الأمن الفكري وتعزيزها لدى طلاب المرحلة الثانوية.
6- " مفهوم الأمن الفكري في الإسلام وتطبيقاته التربوية " للباحثة أمل محمد أحمد عبد الله نور, وهو بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في الأصول الإسلامية للتربية, وقد انتهجت الباحثة المنهج الوصفي في بحثها. ومحور بحثها يتطرق إلى المفاهيم والتعريفات للأمن والفكر, وذكر الأدلة من القرآن والسنة عليهما, ثم تفصيل الحديث عن التربية الإيمانية ودوره في الأمن الفكري, والتركيز على دور المؤسسات التربوية كالأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام في تحقيق الأمن الفكري.
7- "التربية الأمنية في ضوء القران الكريم (دراسة موضوعية )" للدكتور عبد السلام حمدان والدكتور محمود هاشم عنبر, وهذا البحث قائم على منهج التفسير الموضوعي لموضوع قرآني وهو التربية الأمنية.
من خلال الدراسات السابقة يتضح تنوع مناهجها وغاياتها فمنها ما هو متخصص في إبراز الأمن الفكري من خلال المناهج الدراسية, أو من خلال التطبيقات التربوية, أو الحديث عن الأمن بمفهومه العام, أو الحديث عن الانحرافات الفكرية وكيفية معالجتها ونحو ذلك. ولعل أبرز الدراسات التي توسعت في بحث مفهوم الأمن الفكري هي دراسة الدكتور حيدر الحيدر "الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية " .
غير أنني تطرقت في بحثي إلى موضوعات لم يُتطرق إليها من تأصيل لمفهوم الأمن الفكري في ضوء الإسلام, ونشأة هذا المفهوم وتطوره, وبيان بعض التيارات الفكرية المنحرفة والتي تؤدي إلى ضعف الأمن الفكري, مع ذكر الأسباب التي أدت إلى ضعفه, والأسباب التي تؤدي إلى تحققه, وبيان آثار الأمن الفكري على الفرد والمجتمع.
منهج البحث:
تقتضي طبيعة البحث استخدام المنهج التكاملي المشتمل على عدد من المناهج البحثية, ومن أهم تلك المناهج:
1- المنهج الاستدلالي والاستنباطي: الذي يقوم على الاستقراء من خلال ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأقوال السلف والأئمة وأقوال المعاصرين في موضوع الأمن الفكري.
2- المنهج التاريخي: وذلك ببيان بداية ظهور مفهوم الأمن الفكري, ثم تتبع تطور الاهتمام بالأمن الفكري حتى وقتنا الحاضر, مع ذكر بعض مظاهر وصور التيارات الفكرية المنحرفة وأثرها على الأمن الفكري.
أما الجانب الفني في البحث فهو على النحو التالي:
- كتابة الآيات وفق الرسم العثماني وعزوها إلى سورها.
- تخريج الأحاديث من كتبها المعتمدة مع بيان درجة الحديث.
- توثيق النصوص المنقولة، فإذا كان النقل من المرجع نقلاً حرفياً فإني أضعه بين علامتي تنصيص "..." ، ثم أذكر في الحاشية اسم المرجع، واسم المؤلف، ورقم الجزء_إن وجد _ ورقم الصفحة ودار النشر ومكانه وتاريخه والطبعة، وإذا تكرر النقل من نفس المرجع ولم يكن بينهما مراجع أخرى أكتب (المرجع السابق) أما إذا كان بينهما مرجع آخر فإني أكتفي بذكر المرجع واسم المؤلف مختصراً ثم أكتب (مرجع سابق).
وإذا كان النقل بتصرف يسير فإني أضعه بين علامتي تنصيص ثم أذكر في الحاشية اسم المرجع، واسم المؤلف، ورقم الجزء والصفحة، واكتب (بتصرف يسير). أما إذا كان التصرف كثيراً فإني لا أضعه بين علامتي تنصيص وأكتب في الحاشية معلومات الكتاب كاملة مسبوقة بكلمة: انظر.
- العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم وفقاً للمتبع في كتابة البحوث.
- التعريف بالمصطلحات وشرح غريب الألفاظ.
- إنهاء البحث بالفهارس الفنية اللازمة.
 
مفهوم الأمن الفكري "دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام"
تقسيمات البحث
تتكون خطة البحث من ( مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة وفهارس )
المقدمة: (وتشمل أهمية الموضوع وأساب اختياره, وأهداف الموضوع, والدراسات السابقة, ومنهج البحث).
التمهيد: أهمية الأمن ومنزلته في الإسلام.
المبحث الأول: دلالات مفهوم الأمن الفكري, ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلب الأول: دلالات مفهوم الأمن في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: دلالات مفهوم الفكر في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثالث: تعريف الأمن الفكري باعتباره مصطلحاً مركباً.
المطلب الرابع: التأصيل الشرعي لمفهوم الأمن الفكري.
المبحث الثاني: نشأة مفهوم الأمن الفكري وتطوره, ويشمل ثلاثة مطالب:
المطلب الأول:نشأة مفهوم الأمن الفكري.
المطلب الثاني: تطور مفهوم الأمن الفكري.
المطلب الثالث: مراحل وأسباب تحقيق الأمن الفكري.
المبحث الثالث: المصطلحات ذات الصلة بمفهوم الأمن الفكري:
المطلب الأول: الوسطية.
المطلب الثاني: الاعتدال.
المطلب الثالث: الاستقامة.
المبحث الرابع: آثار الأمن الفكري, ويشمل مطلبين:
المطلب الأول: آثار تحقيق الأمن الفكري على الفرد.
المطلب الثاني: آثار تحقيق الأمن الفكري على المجتمع.
خاتمة البحث, وفيها:
_ النتائج.
_ التوصيات.
الفهارس وتتضمن :
- فهرس الآيات.
- فهرس الأحاديث.
- فهرس المصادر والمراجع.
- فهرس الموضوعات.
الشكر والتقدير:
الشكر لله جل في علاه أولاً وأخيراً على ما من به علي من البحث في هذا المفهوم والتأصيل له, ثم الشكر لوالدي أمد الله في أعمارهما على ما بذلاه ويبذلانه في النصح والتوجيه والتربية فلهما مني خالص الدعاء, والشكر موصول لفضيلة الدكتور / محمد بن حسين بن أحمد, المشرف على البحث عرفاناً بجهوده في النصح والتوجيه والتصحيح والتعقيب, فجزاه الله خيراً ونفع به .
كما أتقدم بالشكر لأساتذة قسم الثقافة الإسلامية ممن لم يألُ جهداً في النصح وإسداء المشورة, بارك الله فيهم وفي علمهم ومنحهم الصحة والعافية.
وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحوز هذا البحث على رضاه, وأن يديم علينا أمنه وأن يثبتنا على دينه, إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين
 
تمهيد: أهمية الأمن ومنزلته في الإسلام:
إن الأمن الفكري من أهم الموضوعات التي تشغل هموم الناس فرادى وجماعات, وتمس حياتهم واستقرارهم فيها مساً جوهرياً, الذي يعتبر أهم أنواع الأمن وأخطرها, لما له من الصلة المتينة بهوية الأمة. فالأمة المسلمة أولى من غيرها بحماية فكرها وثقافتها وهويتها من الاضمحلال أمام أخطار الغزو الثقافي, الذي تعددت أساليبه وتنوعت أشكاله التي تغتال العقائد, وتهدم المبادئ والقيم.
ولذلك فإن الاهتمام بالأمن الفكري هو في حقيقته أمن للعقيدة والخلق والمبدأ الإسلامي, الذي لا غنى عنه ولا قيمة للحياة بدونه.
وإن القارئ لآيات الكتاب العزيز والأحاديث النبوية الشريفة يتضح لديه بجلاء اهتمام الشرع الإسلامي المطهر بقضية الأمن اهتماماً بالغاً, وأن الأمن مرتبط بكل شؤون الحياة, وذلك يؤكد أن الحياة بلا أمن ليست بحياة, وأن عمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف فيها لا يتم بمعزل عن الأمن.
ومن هنا, وقبل أن أتحدث عن مفهوم الأمن الفكري وعناية الشريعة الإسلامية به, فأنني سأتطرق إلى اهتمام الشريعة الإسلامية بقضية الأمن بمفهومه الواسع وعظم منزلته في الإسلام.
"مما يدل على أهمية الأمن وخطره، وعظيم أثره في الكون والحياة: أنه منذ اللحظة الأولى أرادت الملائكة أن تطمئن على سلامة الأرض من الفساد، و***** الأمن فيها، وعلى أن وجود الإنسان لن يكون إخلالاً بذلك النظام المتناسق الذي ينتظم جميع ذرات الكون، والذي ينبغي للإنسان أن يلتزم به ويسير على وفقه، فسألت الملائكة ربها وهي خائفة مشفقة من هذا المخلوق الجديد، فقالت: ï´؟أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ï´¾( ) فقد خشيت الملائكة من ضياع الأمن، وانتشار الفساد والظلم على أيدي من يفسد فيها، بسبب سفك الدماء، والإفساد في الأرض بكل ما يعنيه من جرائم واعتداءات"( ), فأجابهم رب العزة جل وعلا بقوله: ï´؟ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ï´¾ ( ) "أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف، على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء والمرسلين، والشهداء والصالحين، والزهاد والصدِّيقين، والعلماء العاملين، والمتقين الخاشعين, والدعاة والمصلحين، والزهاد والعباد، والأولياء والأصفياء، ومن يبيعون أنفسهم لله، ويسخرون حياتهم لتحقيق مرضاته،ونصرة دينه" ( ).
"وقد ربط الله سبحانه وتعالى كثيراً بين عبادته وبين تحقيق الأمن, قال تعالى: ï´؟لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍï´¾( ) , فيبين الله في هذه السورة كيف أنه ïپ‰ جعل قريشاً تألف رحلة الشتاء والصيف, وانتظام هذه الرحلة, فأمرهم بتوحيده وعبادته الذي هو سر من أسرار بقاء النعمة ودوام الأمن ورغد العيش.
وقال تعالى: ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَï´¾( ) , ففي هذه الآية يبين الله جل وعلا وعده للمؤمنين بالنصر والتمكين ويورثهم الأرض ويبدلهم حالهم من خوف إلى أمن إذا حققوا الشرط وهو توحيد الله وعبادته والاستقامة على طاعته, فيُلاحظ الربط بين الإيمان والعبادة وعدم الشرك وبين حصول الأمن والبعد عن الخوف"( ).
وقال تعالى: ï´؟وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَï´¾( ), ففي هذه الآية رد على كفار مكة الذي زعموا أنه إذا اتبعوا ما جاء به النبي ïپ² يحصل لهم التخطف من الأرض بالقتل والأسر ونهب الأموال, فردت عليهم الآية بأن الله جعلهم متمكنين في بلد آمن ويجبى إليهم من جميع النعم, فينبغي لهم شكر المنعم جل وعلا وذلك بإتباعه والانقياد له وعدم الشرك به ( ).
"وهاهم أصحاب الحجر، كانوا في نعمة سابغة، وقوة بالغة، وحضارة باسقة، وأمن وارف، فلما كذّبوا الرسل، واستكبروا عن قبول الحق، وعتوا عن أمر ربهم، حلّت عليهم نقمة الله، ï´؟ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَï´¾( )، فزالت نعمتهم، وانقشع أمنهم، كما قال تعالى: ï´؟وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَï´¾( ).
وقد أكد ربنا هذه السنة الشرعية في أكثر من آية، فقال تعالى: ï´؟وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَï´¾ ( ).
وقال عز وجل محذراً من الأمن من مكره، مع مخالفة أمره وانتهاك محارمه: ï´؟أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَï´¾( ) أي: ما كان ينبغي لهم أن يأمنوا وهم مقيمون على معاصيه، جاحدون لنعمته، معرضون عن شريعته .
فالأمن في الدنيا والآخرة إنما هو للمؤمنين، والمؤمنين وحدهم، أما أعداء الله والخارجون عن طاعته، فكيف يأمنون وقد حاربوا الله؟ وكيف يطمئنون وقد شاقوا الله ولجوا في معصيته؟ وكيف يسعدون وقد تعرضوا لسخطه ونقمته؟!!
ولقد قرر هذه الحقيقة العظيمة، بكل وضوح وجزم، إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- حين حاجه قومه، وهددوه بغضب آلهتهم عليه، وأنها ستبطش به إن هو أصر على دعوته. فأجابهم - عليه الصلاة والسلام - إجابة الواثق بإيمانه، العارف بربه، وواجههم بالحقيقة الدامغة، والحجة البالغة، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَï´¾( ). إذن فالإجابة الواضحة البينة أن الفريق الأحق بالأمن هم الذين توفرت فيهم صفة الإيمان ولم يخالط هذا الإيمان شرك فهو الفريق المستحق للأمن والهداية.
من خلال ما سبق يتبين الارتباط الوثيق بين مصطلحي "الأمن والإيمان"، وتظهر لنا الصلة القوية بينهما، سواء من حيث الدلالة اللفظية - فإن الإيمان مأخوذ من الفعل الثلاثي " أمن " الذي هو أصل مصطلح " الأمن "، فأصلهما إذاً واحد - أو من حيث الدلالة المعنوية، فإن الأمن ثمرة للإيمان ونتيجة له، فإذا فقد الإيمان فلا أمان. ولما سئل الخليل بن أحمد: ما الإيمان ؟ قال: هو الطمأنينة، ففسر الإيمان بالطمأنينة التي هي من لوازمه وثمراته.
ويظهر هذا الترابط الوثيق - أيضا - بين مصطلحي "السّلم" و "الإسلام"، فإن العلاقة بينهما هي نفس العلاقة بين الأمن والإيمان، من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى. وقد عبر القرآن الكريم عن الإسلام بلفظ السلم، مما يؤكد هذه العلاقة، ويدل على عمق الصلة بين هذين اللفظين، وذلك في قوله - تعالى - ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌï´¾( ). فقد أمر الله عباده المؤمنين أن يدخلوا في الإسلام كله، وأن يأخذوا بجميع عراه وشرائعه، ويعملوا بجميع أوامره ونواهيه"( ).
"إننا نستشعر الرعاية الإلهية من خلال التوجيهات القرآنية المعجزة والتي تدفع باتجاه تربية أمنية واعية للمؤمنين, فنجد في القران الكريم عشرين صيغة لمادة (أمن) تبين بمجموعها أن حقيقة الأمن من الله سبحانه, فلا أمن حقيقي لأي فرد أو جماعة أو أمة مهما كانت احتياطاتها وسياساتها ما لم يتكفل الله لها بالأمن من عنده. وقد وردت هذه الصيغ في ثمان وأربعين موضعاً من كتاب الله وذلك في أربع وعشرين سورة"( ).
"إن معاني ومضامين مصطلح الأمن في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تأتي متنوعة منها:
المقابلة بين الأمن والخوف أي بين الاطمئنان والطمأنينة وبين الفزع شائعة في القرآن الكريم الذي ورد فيه مصطلح الأمن.
فالإيمان والعمل الصالح وإقامة نظام الاستخلاف في عمارة الأرض وتحقيق شروط التمكين الإنساني لهذا النظام هو سبيل استبدال الإنسان الأمن بدلاً من الخوف"( ). قال تعالى: ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَï´¾( ).
وفي القرآن الكريم أيضاً قوله تعالى: ï´؟وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاًï´¾( ).
وفي القرآن أيضاً مقابلة بين الخوف والفزع قال تعالى: ï´؟مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَï´¾ ( ).
"وهذا الأمن الذي هو الطمأنينة المقابل للخوف والفزع يرد الحديث عنه في القرآن الكريم باعتباره نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى, وآية من آياته"( ) قال تعالى: ï´؟لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍï´¾ ( ).
" وكذلك آية ونعمة الأمن في المكان, وعن الحرم الآمن تحدثت كثير من آيات القرآن الكريم "( ) قال تعالى: ï´؟وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُï´¾( ).
ï´؟إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَï´¾( ).
ï´؟لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباًï´¾ ( ) وغيرها من الآيات .
"وعن البلد الآمن يتحدث القرآن الكريم: ï´؟فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَï´¾( ).
وعن القرية الآمنة يقول تعالى: ï´؟وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَï´¾( ).
وكما يكون الأمن للمكان, يكون للعمران"( ) قال تعالى: ï´؟أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِï´¾( ).
"ويكون الأمن وصفاً للطرق والسبل التي تربط بين الحواضر والبلاد. وعن الطرق التي تربط بين مواطن أهل سبأ وبين قرى الشام وحواضرها يتحدث القرآن الكريم"( ) فيقول: ï´؟وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَï´¾( ).
"وكذلك يكون الأمن في العلاقات والمعاملات بين الناس, قال تعالى: ï´؟وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌï´¾ ( ).
وبالأمن يوصف المعاد, وتوصف الجنة"( ) قال تعالى:ï´؟ أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌï´¾( ).
وقال تعالى: ï´؟إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُï´¾( ).
من خلال الآيات السابقة يتبين أن الأمن والطمأنينة والرغد في العيش والسعادة في النفوس دنيا وأخرى مرتبط بالإيمان بالله تعالى وتوحيده وطاعته, وأن الخوف والفزع والجوع والقلق مرتبط بالكفر بالله والإعراض عن شرعه, وأنه شامل للفرد والجماعة, وفي الحواضر ومواطن العمران, وفي السبل والطرق, وفي العلاقات والمعاملات, وفي الدنيا والآخرة جميعاً.
وخلاصة لما سبق في نهاية هذا التمهيد فإن الحديث عن الأمن في الشرع الإسلامي المطهر حديث كثرت فيه الآيات والأحاديث, ولو نظرت إلى الآيات في كتاب الله العزيز لوجدت آيات كثيرة ركزت على أهمية الأمن وأهمية تحقيقه وأنه لا يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الله وخشيته والانقياد لشرعه.
إن الإسلام ينظر إلى الأمن نظرة شمولية وليست نظرة جزئية فيهتم بالأمن النفسي والروحي والعقلي والجسدي, وجماع هذا الأمور كلها لا يمكن أن تتحقق إلا بالعمل بقول الله تعالى:
ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَï´¾( ), وقوله تعالى: ï´؟الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَï´¾( ).
وكذلك ينظر إلى الأمن الأخروي وليس الدنيوي فقط, ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى الأمن الأخروي إلا إذا نجح في تحقيق الأمن الدنيوي.

المبحث الأول: دلالات مفهوم الأمن الفكري
يعد مفهوم الأمن الفكري من المفاهيم الحديثة التي لم تعرف قديماً في ثقافتنا الإسلامية بلفظها, وإن كان للشريعة الإسلامية رؤيتها في حفظ الدين والعقل.
ويعد هذا المفهوم ضمن سياق منظومة مفاهيمية متقاربة تتصل ببعضها, لتشكل بناءً متكاملاً لا ينفك بعضه عن بعض.
وسوف أتناول في هذا المبحث مفهوم الأمن الفكري من خلال أربعة مطالب هي:
المطلب الأول: دلالات مفهوم الأمن في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: دلالات مفهوم الفكر في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثالث: تعريف الأمن الفكري باعتباره مصطلحاً مركباً.
المطلب الرابع: التأصيل الشرعي لمفهوم الأمن الفكري.
المطلب الأول: دلالات مفهوم الأمن في اللغة والاصطلاح
تتفرع دلالات مفهوم الأمن الفكري إلى لغوية واصطلاحية, وتفصيلها فيما يلي:
أولاً : دلالات مفهوم الأمن في اللغة:
الأمن في أصله اللغوي بمعنى, وهو مصدر للفعل أمن يؤمن.
وقد جاء في معجم مقاييس اللغة أن "(أمن) الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب, و الآخر التصديق. والمعنيان متدانيان"( )
وجاء في مختار الصحاح: " أ م ن: (الأمانة) و(الأمنة) بمعنى, وفي القرآن الكريم: ï´؟إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَï´¾( ). وقد (أمن) من باب فهم وسلم و (أمانا) و (أمنة) بفتحتين فهو (آمن) و (آمنه) غيره من (الأمن) و (الأمان), والأمن ضد الخوف"( ).
وجاء في لسان العرب أن الأمن "ضد الخوف"( ) .
من خلال هذه المعاني اللغوية يتبين لي أن معنى الأمن في لغة العرب يدور حول أمرين هما:
• الطمأنينة والشعور بالرضا والاستقرار أولاً.
• ثم التصديق والثقة وعدم الخوف ثانياً, ومنه قوله تعالى: ï´؟وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍï´¾( ).
ثانياً: دلالات مفهوم الأمن في الاصطلاح:
عُرف الأمن قديماً وحديثاً, وأكثر التعريفات لا تخرج كثيراً عن معناه اللغوي, فقديماً قالوا: "عدم توقع مكروه في الزمان الآتي"( ).
ثم تطور هذا المفهوم نتيجة لتطور المجتمعات البشرية ولتنوع الحاجات الإنسانية فتعددت الآراء والأقوال بحسب اختلاف المجالات والتخصصات.
وبالتالي فهناك تعريفات اصطلاحية للأمن حسب جوانبه وأقسامه وذلك من خلال ما يلي:
1- الأمن في الجانب النفسي عرف بأنه"الحالة التي يسود فيها الشعور بالطمأنينة والهدوء والاستقرار والبعد عن القلق والاضطراب "( ).
2- والأمن في الجانب الجنائي "هو قدرة المجتمع على مواجهة ليس فقط الأحداث والوقائع الفردية للعنف, بل جميع المظاهر المتعلقة بالطبيعة المركبة والمؤدية للعنف"( ) .
3- والأمن في الجانب السياسي : "هو تحقيق كيان الدولة والمجتمع ضد الأخطار التي تهددها داخلياً وخارجياً وتأمين مصالحها وتهيئة الظروف المناسبة اقتصاديا واجتماعياً لتحقيق الأهداف والغايات التي تعبر عن الرضا العام في المجتمع"( ).
4- والأمن في الجانب الشرعي : "هو الاستعداد والأمان بحفظ الضروريات الخمس من أي عدوان عليها , فكل ما دل على معنى الراحة والسكينة وتوفير السعادة والرقي في شأن من شؤون الحياة فهذا أمن"( ) .
من هنا يتضح التباين في تعريف الأمن حسب المنظور الذي ينظر إليه كل باحث.
"وفي محاولة لنظرة شاملة ومتكاملة فالأمن عبارة عن "مجموعة من الإجراءات التربوية والوقائية والعقابية التي تتخذها السلطة لحماية الوطن والمواطن داخلياً وخارجياً انطلاقاً من المبادئ التي تؤمن بها الأمة, ولا تتعارض أو تتناقض مع المقاصد والمصالح المعتبرة"( ) .

 
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: docx the concept of intellectual security.docx‏ (6.94 ميجابايت, المشاهدات 14)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مفهوم, الأمن, الفكري, الإسلام, تأصيلية, دراسة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مفهوم الأمن الفكري دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مفهوم ونماذج القياس المحاسبي لرأس المال الفكري Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-21-2016 02:36 PM
حكم قول: (الله ورسوله أعلم) (دراسة تأصيلية فقهية) ام زهرة دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 10-19-2013 12:15 AM
الدراسات المستقبلية وأهميتها في تعزيز الأمن الفكري Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 11-26-2012 10:55 PM
مفهوم الأمن القومي Eng.Jordan مقالات أردنية 0 11-05-2012 09:52 AM
مسئولية المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 03-18-2012 02:42 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:31 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59