العودة   > >

شذرات إسلامية مواضيع عن الإسلام والمسلمين وأخبار المسلمين حول العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2019, 05:14 PM
الصورة الرمزية صابرة
صابرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 8,880
افتراضي رِسَالةُ السُّورة القُرآنيّة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سُـورة يوسُف

{ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين }ٍ ..
بذلك القَرار ؛ كانَ يوسف يعبُر بقيّة الجِسر للرؤيا ..
يَعبُر ؛ إلـى مرحلةَ احتـراقٍ طويلة !

نوعٌ من الغَرق في بِئر بَعيد اسمه ؛ السِّجـن ..
و " واو " الجَماعة ؛ تُشكل اللحظة القَديمة ثانية ، حيثُ يتمالأ الرجال على يوسف !

في المَرة السابقة ؛ كانوا بِقوّتهم .. واليوم ؛ بِسُلطتهم ..
والسبَب كلمةٌ واحدة ؛ { مَعاذ الله } !

حرفُ ( ثُمَ ) ؛ يُشير إلى تفكيرٍ ومحاولات طويلة ..
وكلمة ( بَـدا ) تدلّ على الوضوح ؛ أنَ يوسف استَعصم كثيراً !

{ لَيَسْجُنُنَّهُ } ..
وَتُدفَـن بغيابهِ القصة !

فجأةً .. تشتعل ذبالة النهاية بزيتٍ واهـن ..
تَنطفىء قطرات الزيت ؛ واحدةً تلو الأخرى ..
يَشحب الضُوء من القَصر ..
وتَنضب الحركة تدريجياً ..
ويبدو المَشهد ؛ فارغاً مـن يوسـُف !

يبدو المَكان ؛ صامتاً مـن اشتعال الجَمال ..
ثمّة مَن حبَكَ مراسم الغياب مرةً أخـرى !

تُومض عينيْ امرأةُ العزيز ؛ بانتصارٍ مُثقلٌ بالألم ..
تَصفرّ الأبـواب المُغلقة ؛ بصـوتٍ بائس ..
تتَهاوى أحلامها اليابسة ؛ يذروها الخُذلان .. وتَنتهي ؛ مثل أرضٍ هالكة جفّت آبارها ..
تتشظّى في عِشقها ؛ ويكتمل يوسف في تَماسكه !

تبدأُ السِّنين الخَصبة ليوسف ..
ويبدأُ الجَفاف التدريجـيّ لامـرأةِ العزيـز !

تُشيّع الملائكة غيابه الجديد ..
حافياً في قيوده مـن نعلٍ ؛ لبقية الطَريـق ، وعارياً من وشاح أُمِّـه !

يـا للابتلاءاتِ في عُمر يوسف !

{ لَيَسْجُنُنَّهُ } ..
كانت تلك محاولةٌ لقتل الإرادة ..
كانت تُشبه ؛ تأريخاً جديداً ليوسـف ..
وكان القَرار إلى المَنفى البارد ؛ والوَحشة الطويلة !

السِّجـن ..
طريقةٌ فـي المَـوت الـذي لاينتهـي !

ثمّة قبرٌ يَبتلعك ؛ وَيبقيك عالقاً في بَرزخٍ قاس .

ومَع الأيـام ..
يكبُر السِّجـن ..
وتَتلاشى أنتَ في النِّسيان !

تتَلاشى في غَيابة الجُـبّ ..
يبدأ يوسُف في السجن ؛ تجربةً داخليـة عـَميقة يعايشها مُنفـرداً تمامـا !

السَراديب المُظلمة ..
الأنينُ المنتشر في فَـراغ النِّسيان ..
الوجوه التي تُضيء بابتسامةِ المقاومة ؛ ثم تنطفئُ علـى المقصلة ..
الأجسادُ التي تتلّوى من انهياراتٍ لا تُحصى ..
الغياب المقصود ..
القبور التي لاتمَل الانتظار للجَنائز المَنسِية ..
صوت الطعام الرَديء ؛ يُزدرده جَسدٌ أشبه بِخرقةٍ بالية !

ينظُر يوسف بقوةٍ في الوجوه ؛ التي تَخلُق معنى الألم ..
رُبما سَوف يُشبههم بعد فترة !

النَظرات المُحتشدة بالقَهر ..
والصَمت الحزين ..
الوحدة ؛ حيثُ تتراجع الكلمات ..
فقد فقَدت رَصيدها من الحياة !

صَـوتُ الحشرات ؛ يـَزيدُ السـِّجن رهبة .

الخُبز الحافي من الِّلذة ..
يَمضغه شـابٌ ؛ اعتاد على الجَفاف .

الإنسانُ المهزوم ..
حيث يتكثَّف الحِقد ؛ ويتحول إلى قوةٍ انتقامية .

السّجانون ..
الذين أصبحوا كُتَلاً صَلدة !

كيف يتشكّل الإنسانُ ألفَ مرةٍ في نهار السِجن ؟!
كيف تظلّ جُدران السِّجن ؛ تنخرُ في عَقله وقلبه حتى يسقط ؟!
كيفَ يُعيد السجـن دَفنهم كُـل يوم ؟!
وكيف يَستيقظون بلا جَدوى !

هَـل كانـوا مثله تُهمَتهم ؛ " الطـهارة " ؟
هل كانوا مُجرد ضحايا لحوادثَ ؛ أدلّتها مفقودة ، أو رُبما مَخفية ؟

يسير به السّجان في ممراتٍ ؛ تشبه المجهول !
ثمّة أغانٍ حزينة ؛ تنبعثُ مـن قَبوٍ بعيـد ..
ثمّة لحنٍ ؛ يعزف نهاية فارقة !

يتحوّل الزمن إلى لحظةٍ ؛ مشحونة بالخَوف ..
لحظة ؛ ثقيلة غارقـة فـي الصَمت ..
لحظة ؛ مَضغوطة بملاييـن المَشاعر المُتناقضة !

يلمحُ يوسف جُدران السجـن كانت قاسية ..
لقد كانَ في الخارج ؛ مُتّسعاً كافياً للجميع ، ولكنّه الظلم يُقصي الآخريـن ..
يُلقيهم في زمن مَفقود !

خُيـِّل إليه ؛ أنـه يسمع بكاء صامتا ..
رُبما كانت تلك أُولى الحقائق التي سَيدركها يوسف فـي السجـن :
أنَ الإنسان يُصبح إحساسه مُضاعفاً آلاف المرات !

تلك الأحاسيس ..
مُحاولة لنفي المَوت ؛ والبقاء على قَيد الحـَياة !


رُبما لم تكتب التَفاسير عن الليلة الأُولى ليوسف في السجن ..
وربما ؛ انشغَل العُلماء بتقصّي معاني الإعراب في الآيات ..
لكنْ أحدهم ؛ لم يَلمَح جدران السجن وهي تتحَرك تكادُ تنحشرُ في عَقل القادم ومَشاعره ، وتستبيحُ خُصوصية وُجوده .. الحُـريـة!
..
في السجن كانت الجُدران تضيق ؛ حتى تَهدم الإنسان ..
ينتبَه يوسف إلى رائحةِ العَرق الثقيلة ؛ وروائح أخرى ..
وتنبّهت ذاكرته ؛ إلى روائح النُّسوة !

تقفُ أمامه الجُدران العارية ..
وَيستيقظ مشهد المُتّكأ في عينه ؛ وفَرش القَصر !

الزمنُ المُحتشد بصوت المَظلومين ..
صوت أحَدهم ؛ وهو يصرخُ بقوة كان يتردّد في أذن يوسف مع { هيْتَ لك } .. تلك التي دَفع ضريبتها غالية !

كَـان يمكن أنْ يَنجو من كل هذا الرُعب ؛ لو أنه أعطاهم بعضَ ما يريـدون !

لماذا هذه التجَربة ؟
وكيف يُكثّف الألم معرفتنا بذواتنا ؟
وكيف تُفصح الندوب الكَثيرة في أرواحنا عن مُكتسباتنا ؟

لا شَـك ..
أنَ تجربةَ السجن ؛ ستَردّ يوسف إلى رؤية صافية لذاته !

نحنُ نعرف الآن نهاية القصة ..
لكن يوسف ؛ لمْ يكن يَعلمها !

ما قيمة أنْ يُعايش الضُعفاء والمَظلومين والمَنسيين ؟
ما قيمةَ أن يتذوق الألم الإنساني في شتّى مُستوياته ؟
ما قيمة ذلك ؛ قبل أن تبلُغ قدَماه عَتبات العرَش ؟!

هذه السُورة ..
مِشكاة حَقيقية ؛ تكشفُ حقائق لا بُـدّ من وعْيها في التَعامل مع النَص القرآني !

إذْ قصـّة يوسُـف ..
هي قصـة صِناعة المَسؤول ، والحاكم الذي لا يَخون ..
المَسؤول الذي يختَـزنُ في ذاكرته صُوت الضُعفاء ؛وخَبايا القُصور !

‏‎‏‎✦د.كِفَاح أُبو هَنُّود ✦

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل "
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
السُّورة, القُرآنيّة, رِسَالةُ


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59