|
شذرات إسلامية مواضيع عن الإسلام والمسلمين وأخبار المسلمين حول العالم |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
رِسَالةُ السُّورة القُرآنيّة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سُـورة يوسُف { ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِين }ٍ .. بذلك القَرار ؛ كانَ يوسف يعبُر بقيّة الجِسر للرؤيا .. يَعبُر ؛ إلـى مرحلةَ احتـراقٍ طويلة ! نوعٌ من الغَرق في بِئر بَعيد اسمه ؛ السِّجـن .. و " واو " الجَماعة ؛ تُشكل اللحظة القَديمة ثانية ، حيثُ يتمالأ الرجال على يوسف ! في المَرة السابقة ؛ كانوا بِقوّتهم .. واليوم ؛ بِسُلطتهم .. والسبَب كلمةٌ واحدة ؛ { مَعاذ الله } ! حرفُ ( ثُمَ ) ؛ يُشير إلى تفكيرٍ ومحاولات طويلة .. وكلمة ( بَـدا ) تدلّ على الوضوح ؛ أنَ يوسف استَعصم كثيراً ! { لَيَسْجُنُنَّهُ } .. وَتُدفَـن بغيابهِ القصة ! فجأةً .. تشتعل ذبالة النهاية بزيتٍ واهـن .. تَنطفىء قطرات الزيت ؛ واحدةً تلو الأخرى .. يَشحب الضُوء من القَصر .. وتَنضب الحركة تدريجياً .. ويبدو المَشهد ؛ فارغاً مـن يوسـُف ! يبدو المَكان ؛ صامتاً مـن اشتعال الجَمال .. ثمّة مَن حبَكَ مراسم الغياب مرةً أخـرى ! تُومض عينيْ امرأةُ العزيز ؛ بانتصارٍ مُثقلٌ بالألم .. تَصفرّ الأبـواب المُغلقة ؛ بصـوتٍ بائس .. تتَهاوى أحلامها اليابسة ؛ يذروها الخُذلان .. وتَنتهي ؛ مثل أرضٍ هالكة جفّت آبارها .. تتشظّى في عِشقها ؛ ويكتمل يوسف في تَماسكه ! تبدأُ السِّنين الخَصبة ليوسف .. ويبدأُ الجَفاف التدريجـيّ لامـرأةِ العزيـز ! تُشيّع الملائكة غيابه الجديد .. حافياً في قيوده مـن نعلٍ ؛ لبقية الطَريـق ، وعارياً من وشاح أُمِّـه ! يـا للابتلاءاتِ في عُمر يوسف ! { لَيَسْجُنُنَّهُ } .. كانت تلك محاولةٌ لقتل الإرادة .. كانت تُشبه ؛ تأريخاً جديداً ليوسـف .. وكان القَرار إلى المَنفى البارد ؛ والوَحشة الطويلة ! السِّجـن .. طريقةٌ فـي المَـوت الـذي لاينتهـي ! ثمّة قبرٌ يَبتلعك ؛ وَيبقيك عالقاً في بَرزخٍ قاس . ومَع الأيـام .. يكبُر السِّجـن .. وتَتلاشى أنتَ في النِّسيان ! تتَلاشى في غَيابة الجُـبّ .. يبدأ يوسُف في السجن ؛ تجربةً داخليـة عـَميقة يعايشها مُنفـرداً تمامـا ! السَراديب المُظلمة .. الأنينُ المنتشر في فَـراغ النِّسيان .. الوجوه التي تُضيء بابتسامةِ المقاومة ؛ ثم تنطفئُ علـى المقصلة .. الأجسادُ التي تتلّوى من انهياراتٍ لا تُحصى .. الغياب المقصود .. القبور التي لاتمَل الانتظار للجَنائز المَنسِية .. صوت الطعام الرَديء ؛ يُزدرده جَسدٌ أشبه بِخرقةٍ بالية ! ينظُر يوسف بقوةٍ في الوجوه ؛ التي تَخلُق معنى الألم .. رُبما سَوف يُشبههم بعد فترة ! النَظرات المُحتشدة بالقَهر .. والصَمت الحزين .. الوحدة ؛ حيثُ تتراجع الكلمات .. فقد فقَدت رَصيدها من الحياة ! صَـوتُ الحشرات ؛ يـَزيدُ السـِّجن رهبة . الخُبز الحافي من الِّلذة .. يَمضغه شـابٌ ؛ اعتاد على الجَفاف . الإنسانُ المهزوم .. حيث يتكثَّف الحِقد ؛ ويتحول إلى قوةٍ انتقامية . السّجانون .. الذين أصبحوا كُتَلاً صَلدة ! كيف يتشكّل الإنسانُ ألفَ مرةٍ في نهار السِجن ؟! كيف تظلّ جُدران السِّجن ؛ تنخرُ في عَقله وقلبه حتى يسقط ؟! كيفَ يُعيد السجـن دَفنهم كُـل يوم ؟! وكيف يَستيقظون بلا جَدوى ! هَـل كانـوا مثله تُهمَتهم ؛ " الطـهارة " ؟ هل كانوا مُجرد ضحايا لحوادثَ ؛ أدلّتها مفقودة ، أو رُبما مَخفية ؟ يسير به السّجان في ممراتٍ ؛ تشبه المجهول ! ثمّة أغانٍ حزينة ؛ تنبعثُ مـن قَبوٍ بعيـد .. ثمّة لحنٍ ؛ يعزف نهاية فارقة ! يتحوّل الزمن إلى لحظةٍ ؛ مشحونة بالخَوف .. لحظة ؛ ثقيلة غارقـة فـي الصَمت .. لحظة ؛ مَضغوطة بملاييـن المَشاعر المُتناقضة ! يلمحُ يوسف جُدران السجـن كانت قاسية .. لقد كانَ في الخارج ؛ مُتّسعاً كافياً للجميع ، ولكنّه الظلم يُقصي الآخريـن .. يُلقيهم في زمن مَفقود ! خُيـِّل إليه ؛ أنـه يسمع بكاء صامتا .. رُبما كانت تلك أُولى الحقائق التي سَيدركها يوسف فـي السجـن : أنَ الإنسان يُصبح إحساسه مُضاعفاً آلاف المرات ! تلك الأحاسيس .. مُحاولة لنفي المَوت ؛ والبقاء على قَيد الحـَياة ! رُبما لم تكتب التَفاسير عن الليلة الأُولى ليوسف في السجن .. وربما ؛ انشغَل العُلماء بتقصّي معاني الإعراب في الآيات .. لكنْ أحدهم ؛ لم يَلمَح جدران السجن وهي تتحَرك تكادُ تنحشرُ في عَقل القادم ومَشاعره ، وتستبيحُ خُصوصية وُجوده .. الحُـريـة! .. في السجن كانت الجُدران تضيق ؛ حتى تَهدم الإنسان .. ينتبَه يوسف إلى رائحةِ العَرق الثقيلة ؛ وروائح أخرى .. وتنبّهت ذاكرته ؛ إلى روائح النُّسوة ! تقفُ أمامه الجُدران العارية .. وَيستيقظ مشهد المُتّكأ في عينه ؛ وفَرش القَصر ! الزمنُ المُحتشد بصوت المَظلومين .. صوت أحَدهم ؛ وهو يصرخُ بقوة كان يتردّد في أذن يوسف مع { هيْتَ لك } .. تلك التي دَفع ضريبتها غالية ! كَـان يمكن أنْ يَنجو من كل هذا الرُعب ؛ لو أنه أعطاهم بعضَ ما يريـدون ! لماذا هذه التجَربة ؟ وكيف يُكثّف الألم معرفتنا بذواتنا ؟ وكيف تُفصح الندوب الكَثيرة في أرواحنا عن مُكتسباتنا ؟ لا شَـك .. أنَ تجربةَ السجن ؛ ستَردّ يوسف إلى رؤية صافية لذاته ! نحنُ نعرف الآن نهاية القصة .. لكن يوسف ؛ لمْ يكن يَعلمها ! ما قيمة أنْ يُعايش الضُعفاء والمَظلومين والمَنسيين ؟ ما قيمةَ أن يتذوق الألم الإنساني في شتّى مُستوياته ؟ ما قيمة ذلك ؛ قبل أن تبلُغ قدَماه عَتبات العرَش ؟! هذه السُورة .. مِشكاة حَقيقية ؛ تكشفُ حقائق لا بُـدّ من وعْيها في التَعامل مع النَص القرآني ! إذْ قصـّة يوسُـف .. هي قصـة صِناعة المَسؤول ، والحاكم الذي لا يَخون .. المَسؤول الذي يختَـزنُ في ذاكرته صُوت الضُعفاء ؛وخَبايا القُصور ! ✦د.كِفَاح أُبو هَنُّود ✦ المصدر: ملتقى شذرات
__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل " |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
السُّورة, القُرآنيّة, رِسَالةُ |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|