#1  
قديم 06-30-2013, 11:41 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي قراءة دلالية في كتاب "زكريا أوزون": "جناية سيبويه"


"الرفض التام لما في النحو من أوهام"

(القسم الأول)


د. ياسين أبو الهيجاء

كلية الآداب/ جامعة الإسراء


بين الفينة والفينة يخرج علينا دعاة ينذرون بالويل والثبور وعظائم الأمور إن استمررنا في هذا النهج اللغوي الذي يتجاهل كل دعوة عاقلة منصفة إلى نبذ العقلية اللغوية القديمة المتخلفة، والسير في ركب الحضارة، والأخذ بأسبابها"، كما ينادون بإعادة النظر في القواعد الأساسية للغتنا "لتصبح أداة فعالة لتفجير طاقات العقل العربي المحتبسة في هيكل اللغة المقدس"([1]). ويختلط ههنا الحابل بالنابل، فلكل نهجه وأسلوبه ومقدرته على جذب الأنصار وإن توحدت الغاية.
وما من داعٍ إلى هذا الإصلاح المزعوم أعلن عن هدفه دون مواربة، وأن غايته نسف العربية من أساسها، وإحلال العامية أو شبهها محلها؛ لتنبتّ الأمة من دينها وتراثها، بل نجده يداور ويحاور ليقنعنا أن هدفه نبيل، وحاديه إليه محبته لهذه اللغة وأهلها، وحزنه على ما آل إليه حالهم من التخلف من جرّاء تمسكهم بهذا السبب الواهن ألا وهو العربية الفصيحة، التي هي أصل لكلّ مظاهر التخلّف. والعقدةُ في منشار هؤلاء العلاقةُ الوثيقةُ بين اللغة والنص القرآني، لذلك نجدهم يعقدون الفصول لخلخلة تلك العلاقة، يوهمون القارئ أو السامع أنّ اللغة شيء والنصّ القرآني شيء آخر، فلا ضير على النصّ المقدس من نبذ اللغة الفصيحة.
وفي هذه السبيل نجد سبيتا(1883م) وويلمور وويلكوكس مروراً بقاسم أمين (ت1908م) وأحمد لطفي السيد(ت1963م) وسلامة موسى (1958م) وأنيس فريحة(ت1993م) ولويس عوض(ت1990م) وسعيد عقل، والدرب بعد ذلك حافل. غير أننا هذه المرة مع داعٍ يختلف شيئاً ما عن هؤلاء، فكلهم أعلن صراحة أن الحلّ، أو جانباً كبيراً منه في التغلب على صعوبة العربية، ومداخلها العسيرة، وأنفاقها الملبسة، إنما هو العامية. أما الداعية موضوع البحث فهو من دعاة العامية ولكنه يراوغ، ويتناول الأبواب النحوية والصرفية ليدلل على فسادها، ووهن نظريتها، عند النحاة بالدرجة الأولى، ولو أنه دعا كغيره إلى العامية صراحة لأراح، وَلَكَان فيمن ردّ على هذه الدعوة ما يكفي مؤونة الردّ عليه، ولكنه آثر أن يلج الأمر من باب آخر، والرجل في داخله مِرجل يفور غضباً على العربية الفصيحة وتراثها، وعلى الرغم من أنه يحاول أن يخفي هذا الشعور إلاّ أنه يخور دونه، فيتجلّى في صور الاستهزاء والسخرية والتسخيف التي لا يرمي بها اللغويين وحسب بل اللغة نفسها. ومع هذا فهو يظهر الاحترام للقرآن الكريم ولغته، تصنّعٌ يتجمّل به الوالجون من هذا الباب، البضاعةُ نفسها بالمذاق نفسه، في غلاف جديد برّاق.
أمّا هذا الداعية الجديد فهو كاتب يسمّى "زكريا أوزون"، وقد وسم باكورة أعماله-كما يشير في الإهداء- بِسِمَة، كثيراً ما نراها على وجه المجلات الأسبوعية المثيرة، حتى يسارع المارة إلى اقتنائها، فوسم كتابه بـ "جناية سيبويه" وهو مكتوب بخط أحمر قانٍ كبير، وأسفله عنوان صغير "الرفض التام لما في النحو من أوهام"، هكذا بكل بساطة، فهو يعلن الحرب على الأوهام التي تعلقت بالأذهان، ولم تجد مخلّصاً، وقد ضل المتعلمون في بيدائها، فهو ينذر نفسه لهذا الغرض السامي. وعلى ظهر الكتاب فقرة منمقة يقول فيها: "قواعد العربية شكل بلا مضمون، وتعلمها مضيعة للوقت وتشتيت للفكر، وهي معطيات متخبطة خالية الدلالة، مليئة بالوهم والحشو، لذلك لم ولن يتعلمها معظم الشعب العربي لاستخدامها في الحياة اليومية والعملية…". يتهم ويصدر الأحكام، فهو الخصمُ والحكمُ، ومن عجبٍ أنه ككلّ الدعاة أمثاله كتبوا ونظّروا وعُرفوا باللغة التي ينادون بوأدها!!.
ومن الجدير بالذكر ههنا، أنني وقعت بعد تمام البحث على كتابين آخرين لـ" أوزون" تناول فيهما إمامين جليلين، الأول وسمه بـ"جناية الشافعي" وتلاه بعنوان صغير "تخليص الأمة من فقه الأئمة"، والثاني "جناية البخاري" وتلاه بـ" إنقاذ الدين من إمام المحدّثين"، وقد نهج فيهما منهجه في الكتاب الذي نتناوله ههنا، والرجل -كما يبدو- يؤدي رسالة سامية، فهو مخلّصٌ، لا يلقي على عاتقه تخليص الأمة من عربيتها الفصيحة، بل ومن فقهها أيضاً.
بادئاً هذه العنوانات لم تعد تسمن أو تغني من جوع([2])، لا لأنا متعبدون في محراب سيبويه، ولا لأنا نقدس كلّ قديم على علاته؛ بل لأنها تفرغ محتواها قبل أن تبدأ. فلئن كان سيبويه أعجمي الأصل فليس بأعجمي اللسان، مَثَله في ذلك مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والسيرافي وأبي عليّ الفارسي وابن جني والجرجاني ممّن شادوا هذه الحضارة العظيمة وقدموا للعربية خدمة جليلة جلّ نظيرها، لا يمكن لأي منصف إلا أن يعترف لهم بالفضل، وخلوص النية في خدمة هذه اللغة الجليلة، وسيبويه بعد ذلك يصيب ويخطئ، فلم يَدّعِ لا هو ولا غيره من الذين اشتغلوا باللغة العصمةَ، ولا نسبها إليهم أحد. والكاتب يضعه في مقام الجاني، ومصطلح الجاني مفهوم وتَبِعاته معروفة. وهو يُنصّب من سيبويه رمزاً للغة العربية الفصيحة ودعاتها، فلمَ هذه الإساءة إليه، وما الغرض منها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ ما أتى به النحويون لا يخلو من التعقيد واللَّبس في كثير من المواضع، وينبغي أن يُتناول بالإصلاح والتشذيب والتيسير، ولا ينكر هذا إلا مكابر. ولكن أيّ إصلاح؟ إنه الإصلاح الحقيقي القائم على النقد البنّاء، الذي يسعى إلى أن تكون اللغة مُخَلّصة من الشوائب والهَنات، والتمرينات العقلية، لا إصلاح من يرفع راية تخلفها وقصورها، ويتعقّب سقطات النحويين واللغويين أو ما يُخيَّل إلى القراء أنه سقطات، ليدفعهم إلى التخلي عنها ونبذها.
أمّا كتاب "أوزون" فيتألف من ست وسبعين ومئة صفحة، من القطع المتوسط، وعلى ما فيه من التجاوزات، وإلقاء الآراء بلا روية، وعرض للمشكلات دون طرح للحلول، فإنه لا يمكن أن يُتَجاهل بحجة سخافة الكثير من الآراء التي يحفل بها، وأن إهمال مثل هذه الكتب أجدى من الردّ عليها، فالكاتب يتبع منهجاً لا مندوحة من الردّ على طروحاته. ولعل الذي يقوي الدافع إلى هذا الردّ أن الكتاب صادر عن دار نشر من أكثر الدور شهرة وهي دار رياض الريّس، وهي تبوء بجزءٍ كبير من تبعات نشر مثل هذه الكتب.
ونحن لا ندعو إلى الحجْر على حرية الرأي، ولا مصادرة حق الكاتب في إبداء رأيه، ولكن كان يحسن بدار مثل هذه الدار أن تعرض الكتاب على بعض المختصين لتقويم المادة العلمية التي يطرحها الكاتب، فهو لا يكتب رواية، ولا يستعرض مذكراته وخواطره، بل يتناول موضوعاً من أكثر الموضوعات حساسية، بمنهج ولغة بعيدين عن الموضوعية، إلاّ إن كانت تدعم مثل هذه الاتجاهات وتغذيها، وذلك شأن آخر.
غير أن الكتاب نُشر وخرج للناس في غلاف براق، ولا بد من مناقشته وتحليل ما فيه من طروحات وآراء، من وجهة نظر دلالية بالدرجة الأولى، وهي تهدف إلى التجلية الدلالية وراء الموضوعات والأبواب التي حاول "أوزون" نقدها، ورميها بالعبث؛ بتحريفها أو إيهام القارئ بمسلمات لا تمت إليها بصلة. وهذا المجال الدلالي ينبغي أن يستكثر منه الدارسون؛ لأنه آمن السبل للرد على مثل هذه الدعوات، بل المغامرات، التي تستغلّ هذا الفراغ، فتملؤه بهذه البضاعة الرديئة.
وتجدر الإشارة ههنا أنني وقعت قُبيل فراغي من البحث على بحث في مجلة" التراث العربي " للدكتور نبيل أبو عمشة([3])، يتناول كتاب "زكريا أوزون" بالنقد، فوجدت كأن بيننا اتفاقاً على تناول هذا الكتاب، فمعالجة الدكتور نبيل في جلها موجّهة إلى جوانب أخرى من طروحات الكاتب، تظهر قصوره، واضطراب مذهبه، سواء أتناول موضوعات أخرى لم يتناولها البحث أو تناول الموضوعات نفسها من جانب غير الجانب الذي عرضت له.
أمّا أوزون فيستهل كتابه بالإهداء، فهو يهدي باكورة أعماله إلى كل من يحترم العقل ويقدره ويحتكم إليه، وإلى كل من أضاء شمعة الإبداع في ظلام التقليد والتبعية، وشمعة الفكر في ظلام القياس والآبائية…. وعلى هذا فخطابه للعقلاء من أبناء هذه اللغة، الذين يَتُوقون إلى الخلاص من قيود الموروث اللغوي، الذي آن له أن يرحل، على يد السيد "أوزون".
والكتاب يقع في مقدمة وستة فصول وينتهي بخاتمة، وهو يستهل حديثه في المقدمة بالهجوم على العربية؛ إذ يقول([4]):" اللغة هي أداة تفكير، وأهم أساليب التواصل بين الناس، وقد شهدت لغات العالم المتداولة اليوم تطوراً في ألفاظها وتراكيبها وقواعدها وتمكنت بعض اللغات –كالإنجليزية مثلاً- من غزو معظم الأرض لتصبح لغة بديلة لكثير من اللغات السائدة. أمّا لغتنا العربية المقعّدة فبقيت جامدة لا بل تراجعت عالمياً، ولم يعد يهتم بها حتّى أهلها، والسبب في ذلك يعود – برأينا – إلى عنصرين أساسيين:
أولهما: علم النحو العربي.
وثانيهما: الاشتقاق اللغوي من جذور الكلمة العربية، لاستيعاب المفردات والمصطلحات الجديدة.
وفحوى كلام السيد "أوزون" واضح، فاللغة التي تسود وتغزو الأرض– كالإنجليزية - هي التي شهدت تطوراً في ألفاظها وتراكيبها وقواعدها، أمّا العربية فهي لغة جامدة، تراجعت عالمياً، وقد نبذها أهلها. وأقل ما يمكن أن يقال أن في هذا الكلام مغالطات وتجاوزاً للحقيقة، فنعت العربية بالجمود لا يمكن أن يتصف بالموضوعية، ولو كان الجمود من صفاتها لاندثرت منذ أن صدمتها العلوم الشرقية والغربية إبّان ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، ولكنها طوعتها جميعاً واستوعبت مصطلحاتها ومفهوماتها. وتراجُعُ العرب والمسلمين عن التأثير في الحضارة الحديثة، لاشك أنه ينعكس بشكل كبير على اللغة، بصفتها من أكبر المقومات لهذه الحضارة، أمّا أن نخلص من هذا إلى نعت العربية بالجمود وانتهاء الصلاحية، فلا يمكن أن يقول بذلك شخص ينتمي إلى هذه اللغة انتماء حقيقياً، فضلاً عن نعته بالبعد عن الإنصاف.
وأشدّ من ذلك ما انتهى إليه السيد" أوزون " من أنّ العربية نبذها أهلها لهذا الجمود الذي نسبه إليها، وهذا عسف منه بلا مراء، وجحود واستخفاف بمئات الملايين الذين تهفو أفئدتهم إليها. ولا ندري هل استند في ذلك إلى استبانة معروفة، أم طاف في البلاد العربية والإسلامية فَلَقِن هذه الحقيقة؟ فلقد كان جبران خليل جبران- على سبيل المثال- يعيش في الولايات المتحدة قبل نحو قرنٍ من الزمان، وكان يجيد الإنجليزية كأهلها، وكتب بها كتابه"النبي" الذي يعد من أفضل ما كتب في الإنجليزية، ومع هذا لم يجفُ لغته العربية، وكان شديد التعلّق بها، وسطّر بها جلّ كتبه، ولو وجد منها قصوراً لما احتفل بها أدنى احتفال. أمّا السببان اللذان يعيد إليهما هذا الجمود، وذلك الإهمال - على ما يكتنفهما من الغموض- فسنرى فسادهما.
ويستأنف كلامه قائلاً:"وقد قمت بنقد علم النحو معتمداً على تصنيف النحاة نفسه، فبحثت في أنواع الكلمة :الاسم – الفعل – الحرف"، ويردف قائلاً:"وأظهرت غياب المحاكمة السليمة في قواعد النحو العربي بأسلوب يختلف عن أسلوب القدماء وتراكيبهم ومصطلحاتهم، بعد توخي الإيجاز والتبسيط". ويختم المقدمة بتأكيد الغاية من هذا العمل:" فإنّ هذا الكتاب يمكن أن يكون كتاباً نقدياً وتعليمياً بآن واحد"([5]).
بعد ذلك يشرع الكاتب في عرض فصول الكتاب، ويَسِم الفصل الأول بـ"زبدة الكتاب في بدايته"، ومشكلة الأستاذ "أوزون" تتبدّى في كلّ فقرة من فقرات كتابه، فالرجل يطلق أحكاماً لا تستند إلى الواقع، وهو يرمي من وراء ذلك التمهيد إلقاء فكرته التي يلحّ عليها في كل الكتاب، وهي نبذ العربية الفصيحة، بل وتراثها، كما سنرى.
وهو يستهل الفصل بذكر مشاعر الخوف التي تنتابه؛ لأن السادة العلماء – هكذا - ومن بعدهم النحاة قد ربطوا النحو بالقرآن الكريم، فجعلوه كالقرآن لا يحق لأحد نقده أو معارضته"([6]). ولا ندري من أين يستقي هذه المسلمات، وكيف لم يطلع على مئات بل آلاف المجلدات التي يتخذها النحويون ميداناً، يسجّل كلّ منهم رأيه ومذهبه؟ ولو قال إنّ بعض النحاة انتمى إلى القاعدة المطّردة أكثر من انتمائه إلى النص لكان صحيحاً،حتّى وصل ببعضهم وهو المبرّد إلى أن يرفض قراءة سبعية لأنها تخالف تلك القاعدة، إذ يقول([7]):" لو صلّيت خلف إمام يقرأ "ما أنتم بمصرخيِّ"([8]) و"واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحامِ"([9]) لأخذت نعليّ ومضيت". بل بلغ بنحوي مثل الرضي أن يقول([10]):"لا نسلّم تواتر القراءات السبع". فهلاّ اطلع "أوزون" على هذا وأمثاله؛ ليرى موقع رأيه من هذه القضية؟ ثم فلننظر إليه حين يقول: العلماء، والنحاة، ما هذه المصطلحات، وما الفرق بين العلماء والنحاة؟ أم يقصد بالعلماء علماء الفقه. والقارئ يطالع إضافة إلى ذلك مصطلحاً يكرره كثيراً وهو أهل اللغة، وهذا جانب هامٌ من جوانب إخفاق الكاتب وركاكته، في بسط أفكاره المشوهة أصلاً.
وهو يطرح تسعة أسئلة على مائدة البحث قبل الشروع في عرض فصوله، ومن المهم ذكر هذه الأسئلة، وتحليل مضمونها ومناقشتها لسببين؛ الأول لمعرفة فكر الكاتب بصورة واضحة، والثاني لأنه سيبني عليها كلّ آرائه اللاحقة([11]):
الأول: هل قواعد اللغة العربية منطقية؟
الثاني:هل قواعد اللغة العربية عقلانية؟
الثالث: هل يتقن ناطقو اللغة العربية قواعد لغتهم؟
الرابع: لماذا أخفق ويخفق الطلاب – على اختلاف مستوياتهم العلمية – بفهم وتطبيق قواعد النحو العربي؟ علماً أن منهم المتفوق في العلوم الرياضية والفيزياء الكيميائية.
الخامس: لماذا نشأت اللهجات العربية في مختلف أرجاء الوطن العربي، ولم تعتمد قواعد اللغة العربية؟
السادس: هل نجح سيبويه وأتباعه وكل أهل مدارس النحو في عقلنة قواعد اللغة العربية؟
السابع: هل مفردات أجدادنا العرب القدامى كافية؟ وهل استطاع نتاجهم الأدبي أن يعطي صوراً في الوصف تفوق صورنا اليوم؟ وهل يمكن لتلك المفردات أن تستوعب المسميات كافة في أيامنا المعاصرة؟
الثامن: هل اتّبع القرآن الكريم قواعد اللغة العربية؟ وهو - هكذا - سؤال هام جداً وخطير جداً وحساس جداً؟
التاسع: لماذا لم تنتشر لغتنا العربية في أيامنا المعاصرة، وتقهقرت لتبقى محصورة في معظم أهلها فقط؟
وهذه الأسئلة لو طرحها مستشرق يتلمس طريقه في العربية لما كانت مقبولة منه، فكيف برجل يزعم معرفة شعابها؟ ولكن "أوزون" يبغي من ورائها أن يصل إلى إقرار بتخلف اللغة العربية، وأن العصر تجاوزها، وهي تتجاهل حقائق عن قصد، لا بد من ذكرها قبل بهر القراء بهذه الأسئلة.
فالسؤال عن منطقية اللغة لإقامة الحجة عليها لا يخلو من الإجحاف، فاللغة في كثير من وجوهها كالدين، تستند إلى شيء من المنطق، ولكنه لا يقيدها، ولا يشترط لوجودها وتداولها واشتهارها، أو خمولها واندثارها، فمنطقية الإنجليزية ليست هي التي وراء انتشارها في العصر الحديث، وبُعد العربية عن هذا المنطق المزعوم ليس سبب خمولها وتقهقرها، والعكس صحيح في انتشار العربية وازدهارها في القرون الوسطى، وتقهقر غيرها من اللغات الغربية والشرقية. وللنظر إلى قول ابن خلدون(ت808هـ) ([12]): "فلما ملك التتر والمغول بالمشرق ولم يكونوا على دين الإسلام…فسدت اللغة العربية على الإطلاق ولم يبق لها رسم في الممالك … وربما بقيت اللغة العربية المضرية بمصر والشام والأندلس… وأما في ممالك العراق وما وراءه فلم يبق لها أثر ولا عين، حتى إن كتب العلوم صارت تكتب باللسان العجمي وكذا تدريسه في المجالس". فهل يرى"أوزون" أن هذا الذي يوثقه ابن خلدون من تقهقر العربية آنذاك لعجزها وبعدها عن المنطق؟
ومسألة العقلانية هي المسألة نفسها، وربما كان من السخف أن يقول الكاتب:" إن سيبويه لم ينجح في عقلنة اللغة". وهذا السؤال على ما فيه من الغموض، فهو لا يخلو من الخلط والجهل بطبيعة اللغة، والذي يزيد المسألة بُعداً، إجابة " أوزون"؛ إذ يقول([13]):" والسبب ببساطة يعود إلى أن سيبويه – كونه فارسي الأصل- قام بوضع قواعد لأمثاله في ذلك الوقت كي لا يلحنوا في لفظ كلمات اللغة العربية".
وعلى ركاكة هذا الأسلوب فإنه اجتراء لم نسمعه من غير "أوزون"، وهو يؤكد أن هذا الرجل لا يعرف سيبويه ولا كتابه. وهو يستخف بعقل القارئ حينما يدّعي بأن سيبويه صاغ قواعده على حين غفلة من أهلها، وأنه كان يعلّم العربية للناطقين بغيرها. فلمن كانت عشرات الشواهد التي بين دفتي الكتاب؟ ألم يقرأ تعليق عبد السلام هارون في فهارس الأعلام؟ أنه لم يورد اسم الخليل بن أحمد، لكثرة وروده المفرطة([14])، وقد أحصاه غيره فكان أكثر من 500مرة([15]). وهو من أكابر شيوخ العربية، فضلاً عن العلماء الآخرين، الذي شادوا بناء العربية، وهم جميعاً الأساس الذي قام عليه "الكتاب". فسيبويه ينقل ويحلّل الظواهر اللغوية، ولا يبتدع لغة من عند نفسه، حتى يصوغها على قواعد العقل والمنطق. ولو اطّلع الكاتب على صراع النحاة في قضية الشواهد النحوية واللغوية، ومحاولة تطويعها لتتناسب والقاعدة، لعلم الإشكالية الكبيرة في تحديد طبيعة اللغة ووظيفة اللغوي.
إن الصراع الذي ترك الأثر الأبرز في المسار اللغوي هو صراع مَنْطَقَة اللغة، وقد قاومه كثير من اللغويين؛ لأنه ينقض طبيعة اللغة، ولعل موقف أبي علي الفارسي(ت377هـ) من منهج الرماني(ت384هـ) في هذا الصدد أوضح مثال، وقد كان الرماني يمزج كلامه بالمنطق، حتى قال أبو علي الفارسي([16]):إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله فليس معه منه شيء". وكذا المناظرة التي سجّلها التوحيدي(ت400هـ) في "الإمتاع والمؤانسة"، بين أبي سعيد السيرافي (ت368هـ) ومتّى(ت328هـ) الذي انتهت إليه رئاسة المنطقيين في زمنه، وأنا هنا أسجّل وجهاً مهماً منها، "قال أبو سعيد السيرافي([17]): حدّثْني عن المنطق، ما تعني به؟.. قال متّى:أعني به أنه آلة من آلات الكلام، يُعرف به صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان فإني أعرف به الرجحان من النقصان، والشائل من الجانح. فقال أبو سعيد أخطأت؛ لأن صحيح الكلام من سقيمه يُعرف بالنظم المألوف والإعراب المعروف؛ إذا كنا نتكلم بالعربية؛ وفاسد المعنى من صالحه يُعرف بالعقل؛ إذا كنّا نبحث بالعقل". وكلام السيرافي لم يتنكّب جادة الصواب. هذه هي الخلاصة، فلا يمكن أن يحكم المنطقُ اللغةَ كما مرّ، وإن كانت اللغة كالدين في موافقتها الكثير من وجوه المنطق.
أمّا إتقان ناطقي العربية للغتهم فليس بحجة على من أراد نقضها والإزراء بها، وما من لغة في العالم يحسنها أهلها على المستوى نفسه. على أننا لا ننكر أن مشكلة العربية أعمق من غيرها، لظروف عقدية بالدرجة الأولى، وليس هناك محلّ للزجّ بالعلوم الرياضية وغيرها في هذا المجال، ففضلاً عن أن من يتقن هذه العلوم قليل، فمشكلات اللغة تختلف اختلافاً جذريا عنها.
أمّا لماذا نشأت اللهجات ولم تعتمد قواعد العربية؟ ففضلاً عما ذُكِر فما أظن أن أحداً يتمتع بقدر من المعرفة اللغوية تفوته الإجابة. وهل يرى السيد "أوزون" أنه من الممكن أن يتوحد الناس على العربية الفصيحة، في ظلّ مجتمع ممتدّ من المحيط إلى الخليج؟ على ما فيه من الأعراق والانتماءات والصراعات، فضلاً عن تفشي الأمية والتخلف والفقر، وفوق ذلك كله غياب الإرادة الرسمية لتبني هذه القضية.
وسؤال أوزون عن كفاية المفردات اللغوية القديمة لمعطيات الحضارة الحديثة، أشدّ غرابة ولا وجه له، فأي لغة حية في هذا العالم يمكن أن تكتفي بمفرداتها وتجترها في كل عصر؟ وأيّ لغة في العالم لديها مسكوكات لغوية جاهزة عند الحاجة؟ ومن ذا الذي أنبأه بأنّ العربية تجترّ ألفاظها وتراكيبها منذ العصر الجاهلي؟ ومن يطّلع على مؤتمرات المجمع اللغوي في القاهرة، وما أفضت إليه من مناقشة مسائل كبرى في العربية وعلى رأسها القياس والتضمين([18])، وما أقرّته تلك المؤتمرات من الأساليب والتراكيب والألفاظ يرى حيوية هذه القضية، وموقف العربية منها. وثمة بونٌ شاسع بين التنويه بهذه الحقائق وبين الإقرار بأنّ العربية تفتقر إلى الكثير من الجهود في هذا الصدد.
ثم يطرح " أوزون " السؤال المهم والخطير والحساس وكلّ هذه النعوت متبوعة بـ"جداً"، "هل اتبع القرآن الكريم قواعد اللغة العربية"؟ ويعقّب قائلاً:([19])"ينبغي لفت النظر إلى أنّ القرآن الكريم معرب في علم النحو بشكل كامل في كثير من كتب اللغة، إلاّ أنه غير مفسّر بشكل متطابق ومطلق عند أهل الفقه وعلماء الإسلام كافة"، وعلى ركاكة العبارة، وغموضها والعيّ الذي يتنبّه إليه من له أدنى حسّ لغوي، فقد تكفّل مثاله الآتي بتوضيح مقصوده؛ إذ يردف قائلاً([20]):"فمثلاً الآية التالية من الذكر الحكيم([21])"ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا" يُعرب النحاة "ما" بعد " إذا " زائدة… إذاً نحوياً يمكن إسقاط "ما" بعد " إذا "، ويستدرك مستغفرا:" ولكن حاشا لله أن يكون في كلامه زيادة أو حشو، فهو الحقّ وكلماته الحق".
وقد أفرد باباً للكلام على "ما" وزيادتها في الفصل الرابع([22])، وممّا تناوله أيضاً قوله تعالى([23]):"أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" وانتهى إلى قوله:"ألا يستحي أهل اللغة والنحاة من إعرابهم وتأويلهم عندما يعتبرون "ما" زائدة في كلام الله عزّ وجل"، وهو يعيد مصطلحي "النحاة وأهل اللغة" كثيراً، ولم يتحفنا بالفرق بينهما، ونحن لا نعرف للغة أهلاً غير المتكلمين بها. ومن عجب أن "أوزون" الذي يسعى إلى هدم بنيان هذه اللغة الشريفة، ويهتبل كلّ فرصة للنيل منها، ينفطر قلبه حزناً على ما يزعم من سوء أدب النحاة مع النصوص القرآنية.
ويبدو أنّ انشغال السيد "أوزون" بالكتابة يحول بينه وبين المطالعة والتقصّي، فهذه كتب النحو التي لا يستشهد بها استكباراً، تملأ رفوف المكتبات، فهلاّ نظر في معنى الزيادة فيها. الزيادة ههنا لا تعني الهذر والعبث، والكوفيون ينعتونها بمصطلح "الصلة"([24])، ومن النحاة من ينعتها باللغو أيضاً، ولعل "أوزون" لم يقع على هذا المصطلح، وإلا لكان له عنده شأن. ويكفي أن أنقل قول الهروي(ت415هـ) وهو من أوائل من صنف في الحروف والأدوات؛ إذ يقول في قوله تعالى:([25])" إن الله لا يستحيي أنْ يضرب مثلاً ما بعوضة"([26]):" " ما " صلة في ذلك… ويسمّي بعض النحويين "ما" الصلة زائدة ولغواً، وبعضهم يسميها توكيداً للكلام، ولا يسميها صلة ولا زائدة، لئلا يظن ظانّ، أنها دخلت لغير معنى البتة، وإنما يُعرف أن الحرف صلة زائدة في الكلام بأن حذفه لا يخل بالمعنى".
هذا هو مفهوم الزيادة عند العرب قبل أن يكون لدى النحاة ([27])، فهي زيادة من قِبَل أن البنية التركيبية لا تحتاجها، لا البنية الدلالية؛ لأن دخولها من هذا الوجه ليس كخروجها. وقد رصد الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله(ت1984م) في سفره العظيم" دراسات لأسلوب القرآن الكريم" كماً كبيراً من مواضع زيادة "ما"([28]) و "لا"([29]). أمّا إن أراد إجابة أوسع مدى عن السؤال"هل اتبع القرآن الكريم قواعد اللغة العربية؟ فنقول له " نعـم" ممتدة، فهناك فرق بَيّن بين القواعد والقاعدة المطردة، وهل اختلاف بعض وجوه القراءات عن القاعدة العامة المطردة، طعن في هذه القواعد، وإجازة لـ"أوزون" وغيره للخروج عليها؟
ويجيب "أوزون " عن السؤال التاسع وهو تقهقر العربية وعدم انتشارها" بسبين:
أولهما: التخلف العلمي والفكري والاقتصادي الذي يعيش فيه مجتمعنا العربي.
ثانيهما: تعقيد قواعد لغتنا وجهل القائمين عليها.
والأول حقّ، أمّا الثاني فباطل ولا يخلو من المبالغة، بل الجحود، فإذا كان التعقيد هو الذي يحول بين العربية وبين الانتشار، فكيف يفسر لنا "أوزون" أنها كانت لسان الحضارة في كل حواضر الأمة الإسلامية، ابتداء بالمدينة المنورة، ومروراً بالحواضر العراقية، والشآمية والمغربية والأندلسية، حتى أقاصي آسيا. وكيف ساغت لابن حيان، وابن سينا والفارابي، والخوارزمي، والإدريسي، وابن خلدون وآلاف أمثالهم، وقد أخذوا من كل علم. إن إعادة سبب تقهقر العربية وعدم انتشارها في العالم إلى تعقيدها، ومنافاتها للعقل فيه من الجهل والتغاضي عن أوضاع العرب والمسلمين في عصرنا الحاضر ما فيه، وهل – يا سيد أوزون- اللغة إلا انعكاس لحالة أهلها في مناحي حياتهم كافة؟ وهل رأيت كيف بعث الصهاينة العبرية من مرقدها، بعد أن عَلَو علواً كبيراً؟
ويريد " أوزون " من كلّ هذه الأسئلة إلى أن ينتهي إلى فكرة أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها هجينة، فقواعد العربية – كما يقول- لا تستطيع أن تؤدي دورها المطلوب، بينما استطاعت لغتنا العريقة والجميلة أن تنتشر لتختلف اللهجات فيها انطلاقاً من مفرداتها الغنية والكثيرة، ويضرب مثلاً فهمَ الناس في الوطن لعربي الحوار في الأفلام والتمثيليات التي تتكلم اللهجة المصرية. وهو يستدرك قائلاً([30]):" وقد يقول أحدهم هل تريدنا أن نتكلم باللهجة العامية، ونترك اللهجة الأم واللغة الأم لغة القرآن الكريم، فأقول له: مهلاً يا سيدي فأنت تركتها في الواقع، والدليل على هذا وجود اللهجات.. وإن حوارك مع أفراد أسرتك أو مع نفسك هو بالعامية.. وهل ألغى رسولنا الكريم (صلّى الله عليه وسلم) لهجات القبائل بعد البعثة؟ .. لقد سمح الرسول الكريم(صلّى الله عليه وسلم) بقراءة القرآن الكريم بقراءات مختلفة… إن القرآن الكريم نزل بلغة قريش حسب قول عثمان(رضي الله عنه).. ولا أظنكم تطلبون من كلّ مسلم أن يقوم بقراءة القرآن الكريم كاملاً، وبنفس لهجة قريش".
هذا ما ينطوي عليه فكر "أوزون"، ولو تركنا انحراف هذه الفكرة، واستخفاف صاحبها بالقارئ، وبعده عن الانتماء إلى الحضارة والتراث العربي الإسلامي لوجدناه يهرف بما لا يعرف، فكيف ساغ له أن يوازن بين اللهجات العربية التي هي لُحمة العربية الفصيحة وسداها، وهي بعدُ حجةٌ،كما قال ابن جنّي([31])، ليسوي بها خليطاً مبتذلاً من اللهجات التي تستقي من كل وجه، وهل هذه هي عقلنة اللغة التي يدعو إليها؟
و" أوزون" يسير على غير هدى، خبطَ عشواء، وكأنه معنيّ بالحطّ من العربية ومن ينتسب إليها، فهو لا يدع سبيلاً إلى ذلك إلا ركبها، يقول([32]):" فنقول إنّ لغة أجدادنا القدامى في الجاهلية والإسلام لم تعطِ ذلك النتاج الرائع في الشعر أو النثر، وإنما كان نتاجاً لا يزيد بأي حال من الأحوال عن نتاجنا، إن لم نقل إنه أقل منه في جوانب كثيرة. هكذا كما يقال بجرّة قلم ألغى كل فضيلة إبداعية ولغوية للقدماء بشعرائهم وناثريهم.
وكلام أوزون هذا يضاف إلى ما جاء في سؤاله السابع، وهو يرمي إلى مسألة الوصف، والكلام على قضية الموازنة بين القدماء والمحدثين بهذه الصورة لا وجه له، ويتجاهل أبسط مبادئ النقد الأدبي، فلكل أديب قدرته وملكته، التي تبلغ به المنزلة التي يستحقها بما أوتي من الإمكانات، وفي ضوء المعطيات المادية والمعنوية التي تكتنفه، قديماً كان أم حديثاً، ولكن "أوزون" يرمي من هذه الموازنة الحطّ من قيمة التراث العربي وما يمثله من رموز.
ولننظر كيف اختار شاعراً من أكابر شعراء العربية، عند أهل الفصاحة والبيان، قبل أن يكون لدينا؛ إذ يقول([33]): فلنأخذ على سبيل المثال بيتاً لطالما تغنّى به أساتذة اللغة العربية ولطالما عشقه هُواة الشعر العربي القديم، أنه بيت للشاعر الكبير امرِئ القيس من معلقته، وهو:
مِكَرّ مِفَـر مُقْبـل مُدْبر معـاً
كَجلمودِ صَخْرٍ حَطّهُ السيلُ مِن عَـلِ

يقول فيه:"فلو أننا رضينا معهم – مجاملةً – بقبول الشطر الأول من البيت سنجد بأن معنى الشطر الثاني قد فَرّغ معنى الشطر الأول من محتواه تماماً، ففي الشطر الأول حركة تقدم وتأخر، أما صورة الشطر الثاني… فهي باتجاه واحد فقط، لأن الصخرة لا يمكنها أن تتحرك تحت تأثير وزنها الذاتي وبفعل السيل إلا باتجاه واحد من الأعلى إلى الأسفل، فأين منطقية هذا البيت؟ صورة لا أرى فيها جمالاً، وهي الأجمل عند أهل اللغة.
ثم لنأخذ بيتاً تصويرياً آخر وهو:
له أَيْطَـلا ظبيٍ وساقا نعامـةٍ
وإرخاءُ سَرحانٍٍ وتقريبُ تَتْفُـلِ
فإذا نجح القارئ في فك رموز ومعاني تلك المفردات والكلمات وجد نفسه أمام صورة رائعة من صور أفلام الكرتون.. والتي يمكن للكمبيوتر أن يرسمها لنا لإمتاع أطفالنا بها. تخيّل حصاناً له خاصرتا غزال وساقا نعامة وجري الذئب، ولعل في فلم "حرب النجوم" ما يوضح الفكرة التي نحاول شرحها".
ويبدو أن الرجل ماض في تسخيف كل ما في التراث من القيم، فإذا كانت قريحة رأس شعراء العربية تنتج كل هذه الهلوسات فكيف بمن هم دونه؟ وأقول لـ"أوزون": هل تنظر منّا أن نهنئك على اكتشافك هذا، بعد أن عفت القرون، وتبلدت الأحاسيس وخار البلغاء وعجز الفصحاء، عن فهم لغتهم، فأبصرتهم بمواضع السخف والسذاجة؟ وما على من أفقد نفسه حاسة الشمّ، ألاّ يميز بين حامل المسك ونافخ الكير؟
لا نقدس التراث، ولا ننـزهه، ولكنّا نحلّه حيث يستحق أن يحل، أرأيت لو أن شاعراً كامرئ القيس يبلغ حداً من هذا السخف الذي ترميه به، أيستحق المنزلة التي أحله بها النقاد والفصحاء ممن يبلغ منزلتك؟! وهل تظن بأن شاعراً يخصص من معلقته ثمانية عشر بيتاً؛ أي ما يوازي ربع المعلقة تقريباً لِوَصْف حصانه يبلغ هذا المدى من الجهل الذي تصفه به؟ أَوَ تظن بأن هذه الحركة الدائبة في الشطر الأول من بيته "مكرّ مفرّ …" يعمد إلى قتلها في الشطر الثاني، لأنه يجهل فيزياء الطاقة، وقوانين الحركة؟ ألا تظن أن امرأ القيس أراد أن ينعت حصانه بالصلابة والتماسك وسرعة وصوله إلى هدفه في كل صورة رسمها له في الشطر الأول؛ في كرّه وفي فرّه وفي إقباله وإدباره… كما ينقضّ الحجر الصلد الذي حطه السيل من عل. فالشاعر لا يقصد أن يركم تشبيهاته لحصانه في الشطر الأول، ويضعها في مقابل الصورة في الشطر الثاني، وامرؤ القيس يكرّر هذه الصورة لحصانه في الشطر الأول، في بيت آخر، قد يبدو أشد غرابة، وهو قوله([34]):
مِخَشٌّ مِجَشّ مقبل مدبر معاً
كَتيْس ظباءِ الحُلّبِ العَدَوانِ
فكيف تستقيم هذه الصورة في ضوء فكر الأستاذ "أوزون"؟
أمّا بيته الثاني " له أيطَلا ظبي…"، فهو يشكّل صورة أسطورية لهذا الحصان رمز القوة والمنعة، وينعته بكل ما حسن، فهو مزيج بين التركيب والحركة، فيأخذ من الظبي دقة خصره ومن النعامة- وهي أسرع طائر في الركض على الإطلاق - صلابة ساقيها وقصرهما، مع طول فخذيها، وهي صفة محمودة في الخيل، ومن الذئب والثعلب الإرخاء والتقريب وهما صفتان مميّزتان لأحسن الجري، وهذه بمجموعها لوحة بلاغية ناصعة، وليست صورة لمسخ ولا دمية كرتونية، ثم لينظر الأستاذ أوزون إلى قوله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين)، فكيف يتخيل - على مذهبه - هذه الصورة؟
وهو في نهاية الفصل يطلب من القارئ أن يتهيأ للدخول إلى أبحاث الكتاب، وهو –كما يقول- لا يدعي العصمة ولكنه يبغض التقليد والنقل من دون إعمال العقل، وقد رأينا تجليات هذا العقل وثمرات هذا الإعمال!!
ويستهل الفصل الثاني "الكلمات والجمل"، بالكلام على أقسام الكلمة، إذ يقول([35]):"تقسم الكلمة عند أهل اللغة إلى ثلاثة أنواع: اسم وفعل وحرف، وهنا علينا أن نصوّب قبل الدخول في التفاصيل بأن مصطلح الحرف يجب أن يستبدل بأداة حتماً، فمثلاً " عن " مؤلفة من حرفين وليست حرفاً واحداً، و" إلى " مؤلّفة من ثلاثة أحرف… وهكذا، وعليه يجب أن يصحح هذا النوع بالقول "أداة" عوضاً عن "الحرف"، وذلك كي يتم التطابق بين الدالّ والمدلول".
وأقول ههنا كأن السيد أوزون يوحي بأن مصطلح " الأداة " من بنات أفكاره، وقد أطلَقَه الكوفيّون قبله على ما شاعَ عند البَصريّين بحروف المعنى([36])، والفراء يستخدمه كثيراً في معانيه([37]). والإشكالية أن النحاة لم يلتزموا هذا الاستخدام، ونجد الفراء يطلق "الأداة" على نوني المثنى وجمع المذكر السالم([38])، وعلى اسم الفعل([39])، كما يطلق الحرف على القراءة القرآنية([40]).
ومع هذا الخلط في استخدام النحاة، فإنّ مسألة اللَّبس لم تكن مطروحة؛ لأن استخدام الحروف والأدوات فيما بعد أصبح راسخاً ومفهوماً. وعلى الرغم من أن من النحاة من يعدّ حروف المعاني أدوات ربط([41]) ، ومن المحدثين من أطلق على أحرف المعاني "أدوات"([42])، ومنهم من يطلق على ما يختلط فيه الحرف مع غيره "كلمات"([43])، إلا أنه غدا واضحاً في الكتب المدرسية بشكل خاص، وعند بعض المدرسين، أن مصطلح الأدوات يستخدم، عندما يضم الباب كلمات تنتسب إلى أقسام مختلفة، فنجدهم يقولون أدوات الشرط؛ لأن فيها حروفاً وأسماء، وأدوات الاستثناء، لأن فيها حروفاً وأفعالاً وأسماء، والاستفهام لأن فيها حروفاً وأسماء، وهو اتجاه تعليمي حسن. والسؤال ههنا، هل ثمة داع ليتأبط السيد "أوزون" هذه القضية المنتهية ضمناً، ويعدها من القضايا التي تؤكد تعقيد العربية، وما الغاية من وراء إثارتها؟
ويخوض في أنواع الجمل، ويقف على الجملة الاسمية، ويعرفها بأنها كلمات مؤلفة من أسماء تجتمع لتعطي معنى صحيحاً مفيداً([44])، وعلى ما في هذا التعريف من ركاكة، فإننا نتجاوزه لنرى انعكاس هذا المفهوم على فكر السيد "أوزون". فهو يَنقُض ما تواطأ عليه اللغويون من تعريفها، ويضرب مثلاً " الطفلُ سعيدٌ "، ويعقّب قائلاً([45]):"لكننا نلاحظ أنّ العبارة السابقة تفيد الديمومة والثبات، ويغيب فيها تأثير الزمن ودوره، بمعنى أن الطفل كان سعيداً وهو سعيد الآن وسيبقى سعيداً في المستقبل، وهذا لا ينطبق على صفات البشر، لذا فإن مصطلح الجملة الاسمية إن صحّ لا يصلح إلاّ في المعتقدات والحقائق العلمية الثابتة، كقولنا "الأرض كروية"…، و"الله عظيم". ويخلص إلى قوله:([46])" وعليه، فمصطلح الجملة الاسمية من حيث الدلالة والمعنى يحتاج إلىإعادة نظر، كما أن تركيب ما يُسمّى "الجملة الاسمية" يحتاج إلى إعادة النظر فيه…وأعترف هنا بأني بعد بحث طويل في قضايا المبتدأ والخبر أدركت معنى قول شاعرنا الكبير الراحل نزار قباني: سأهرب من لعنة المبتدأ والخبر".
والرجل يلقي رأيه بلا روية ولا تثبّت، ولا نراه يشير إلى مرجع نحوي واحد في تنظيره ذلك، ومع هذا فهو يفترض مفهوماً جديداً للجملة الاسمية، متأثراً – كما يشير- باللغة الإنجليزية([47]). وهذا فهم ساذج ينفرد به "أوزون"، والذي يتجاهل أهم عنصر من عناصر الكلام، ألا وهو الدلالة.
على أنّ ثمة خلافاً في تحديد الجملة الاسمية بين البصريين والكوفيين لا داعي الآن لسرد تفاصيله، ولكنه يتلخص عند الفئتين في مثل جملة "محمد قام"، وهي عند البصريين اسمية، وعند الكوفيين فعلية، تقدم فيها الفاعل، وقد أضاف ابن هشام جملة ثالثة هي الظرفية، وهي المصدرة بظرف أو جار ومجرور، نحو: أعندك زيد؟ أو "أفي الدار زيد؟" ويقدر ههنا "زيد" فاعلاً بالظرف والجار والمجرور".
وعرّف الدكتور مهدي المخزومي الجملة الاسمية تعريفاً جديداً إذ هي عنده ([48])"التي يدلّ فيها المسند على الدوام والثبوت، أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافاً ثابتاً غير متجدد، أو بعبارة أوضح، هي التي يكون فيها المسند اسماً". ويبدو أنّ "أوزون" اطلع أيضاً على شيء من هذا الخلاف الدائر أيضاً، فظن أنّ مصطلح الجملة الاسمية يمكن أن يصلح في المعتقدات والحقائق العلمية الثابتة؛ لأنها تفيد الديمومة والثبات، وهذا فهم أبعد ما يكون عن الصحيح. ولننظر تعليل هذه المسألة عند الجرجاني، حينما يفرّق بين الخبر المفرد، والخبر الجملة الفعلية؛ إذ يقول ([49]):"… وبيانه أنّ موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئاً بعد شيء، وأمّا الفعل فموضوعه على أنه يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئاً بعد شيء فإذا قلت: " زيد منطلق "، فقد أثبتّ الانطلاق فعلاً له، من غير أن يتجدد ويحدث منه شيئاً فشيئاً… وإن شئت أن تحس الفرق بينهما من حيث يلطف فتأمل هذا البيت:
لا يألَف الدرهمُ المضروبُ صُرّتنا
لكن يمرّ عليها وهو منطلق
هذا هو الحسن اللائق بالمعنى، ولو قلته بالفعل:"لكن يمر عليها وهو ينطلق"، لم يحسن". هذا قوام المسألة التي التبست على السيد "أوزون"، ولا علاقة للجملة الاسمية بالحقائق الأزلية وغيرها. وهبنا جاريناه في ما ذهب إليه، فماذا نطلق على الجمل الاسمية ذوات الحقائق غير الثابتة؟ إلاّ إن كان مستحدثاً جملة جديدة يسمّيها "الجملة الأوزونية".
ويتناول قضية ثانية من قضايا المبتدأ والخبر؛ إذ يحمل على تعدد الخبر، ويضرب مثلاً "خالدٌ قائدٌ بطلٌ لا يهاب الأعداء"، ويقول معلّقاً([50]): "فإننا نرى أن المبتدأ الواحد في تلك الجملة قد أخذ ثلاثة أخبار، وهنا نتساءل كيف يتعدد الخبر؟ فقد أخبرْنا عن المبتدأ "خالد" بقائد، والاسم بعده فقد وظيفته، فلم يعد يخبر عن المبتدأ…وهكذا فإننا نرى أنّ قبول مبدأ تعدد الخبر يساهم مع غيره في خلق أم المشاكل في أدبنا العربي –وبالتالي عقلنا العربي- وهي مشكلة الترادف في المفردات والألفاظ".
الحقَّ نقول أن السيد أوزون لا تنقضي عجائبه، فبدايةً مسألة تعدد الخبر مستقلة تماماً عن مسألة الترادف، الذي يخشاه على عقولنا، فأي ترادف هذا الذي يتحدث عنه؟ وأين هذا من ذلك؟ فمسألة تعدد الخبر تتعلق بالدلالة التي يفضي إليها تعدد المسند(الخبر).
على أنّ أبا عليّ الفارسي ينكر تعدد الخبر مختلفاً؛ بالإفراد والجملة نحو قولهم:"زيد عالم يفعل الخير،" فالجملة عنده صفة للخبر([51]). واختار الصفّار منع تعدد الخبر إذا اقترن بعاطف، نحو([52]):" هو فقيهٌ وشاعرٌ وكاتب"، غير أن مناط المسألة الدلالة، وكان يمكن لـ"أوزون" أن يتناول هذه الآراء وغيرها لو أراد مناقشة ذات جدوى.
فالخبر يتعدد كما تتعدد الصفة، ولا يمكن أن يكون تعدد الخبر إلاّ لأن القائل متيقن أن السامع محتاج إلى ذلك. والتعدد قد يكون لفظياً ويقصد فيه معنى واحد، كما تقول:" هذا حصان أبيض أسود"، أي أبلق، وقد يكون لفظاً ومعنى، نحو:" نشاطنا سياسيّ فكريّ ثقافي"([53])، وهذه الأخبار المتعددة على الجملة تخلص إلى دلالة قائمة على تقديم خبر شامل يتمثّل فيه المخبر عنه بهذه الأخبار جميعاً، وقد سجّل الدكتور عضيمة الكثير من الآيات التي تعددت فيها الأخبار([54]). و"أوزون" على فكرته هذه لا يقدم – كعادته - تعليلاً لوجود الأخبار المتعددة، وعلى أي وجه يمكن أن تحمل؟
ويطرح قضية ثالثة في هذا الصدد، ويستهلها بالمثال "المدينة شوارعها نظيفة"، ويعلّق قائلاً([55]):"وفي تلك الجملة نرى أن هناك مبتدأين، فالمدينة مبتدأ – آمنّا وصدقنا – أما شوارعها فهي مبتدأ ثانٍ … فكيف يكون الاسم بعده مبتدأ ثانياً، وكيف نسمح لأنفسنا أن نسميه مبتدأ ولم نبدأ به؟ والأغرب من ذلك أن الجملة الاسمية (شوارعها نظيفة) في محلّ رفع خبر للمبتدأ الأول، فكيف يتم التأويل هنا؟! هل نؤول الأسماء بالأسماء والأشياء بالأشياء ونغرب المعاني عن حقيقتها، وما الغاية من ذلك؟ أمور لا يصح المنطق إلا برفضها من أساسها".
وثمة معنى دقّ عن فهم الأستاذ "أوزون"، فبادئ بَدء، الجملة إذا نزلت منزلة الخبر لم تكن تسميتها جملة إلاّ من باب النظر إلى أصلها السابق، بل أكثر من ذلك فهي ليست كلاماً، ذلك أنها لا تملك كياناً مستقلاً، وهذا ينطبق على جملة صلة الموصول والنعت والحال. وهذه الجملة الإخبارية الكبرى لها وجه من الدلالة لا يتحمله الخبر المفرد. وأمّا اعتراضه على تأويل الجملة، فقد يكون له وجه، ولكن المسألة هي تعليمية بالدرجة الأولى، وهي مظهر من مظاهر الالتزام بتفسير النصّ، يقول ابن السراج([56]):"لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعاً"، وهذا باختصار هو سرّ الحكم بتأويل كل الجمل، فليست القضية ببعيدة من المنهج التعليمي.
ثم يطرح مثالاً رابعاً وهو"الطفل في المنزل"، وينتقد مسألة التعلّق، فيقول:"لماذا لا يكون الجارّ والمجرور متعلقين بخبر محذوف تقديره مسجون مثلاً أو حزين أو سعيد.. أو غير ذلك من التأويلات التي تبقى احتمالاتها قائمة مثل كائن أو موجود.
ولا يسع القارئ الذي يلم بمبادئ لغته ههنا إلاّ أن يقول للسيد أوزون: "ما أجهلك بلغة قومك؟ وفيم اعتراضك، على اللغة أم على النحاة؟ فثمة قضايا في الخبر شبه الجملة، يمكن أن تكون موضوع خلاف بين النحاة، إلاّ هذه المسألة، فهل يظن "أوزون" أن قائلاً يقول: محمد في المدينة"، وهو يعني أنه مسجون، أو مريض، أو فرِح، أو غير ذلك من الأوصاف الخاصة؟ وهل يظن أنّ لغة كائناً ما كانت، تحمل مثل هذه المعطيات يمكن أن تكون لغة صالحة للتفاهم، والاتصال؟ فالخبر هنا عند جمهرة النحاة متعلقّ بكون عام، وسواء أرضينا بهذا التأويل أو رددناه، فالنصّ عربي فصيح مفهوم الدلالة، فـ"محمد في المدينة" يعني هو مستقرّ فيها، و"الطفل في المنزل"، لا يمكن أن تنصرف دلالته إلاّ على وجود هذا الطفل في ذلك المكان، فإن أراد القائل أن يزيد على ذلك، وهو الذي يسميه النحاة الكون الخاص، وجب عليه إظهار هذا المتعلق، إلاّ أن يكون في سياق يجليه، كقوله تعالى([57]) (الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد)؛ أي يُقتَل، فالدلالة هي الفيصل، وليست اللغة ضرباً من المبهمات.
ويتناول الأفعال الناقصة، ويضرب فيها بلا وعي ودون مُسكة من علم، أو وقفة من فكر، فبعد أن يتناول تلك الأفعال يعرّج على حالة تمامها، ويذكر بعض الآيات التي جاءت فيها تامة نحو قوله تعالى ([58])(سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)، ويطرح سؤالاً ساذجاً "هل لنا أن نعرف الفرق بين الفعل التام والناقص؟ ويردف قائلاً([59]):"وهنا قد نجد من يقول: مهلاً فهذا شذوذ، ولكل قاعدة شذوذها، وأنا أقول له: هذا خروج صريح ياسيدي وليس شذوذاً،… وإنه ليستوي عندي إذا قلت:"كان أحمدُ فائزاً، أو "كان أحمدَ فائزٌ"، أو "كان أحمد فائزْ"، فالمطلوب والمدلول وصل إلى العقل ولا حاجة بي إلى رفع أو نصب أوجرّ".
وغاية الرجل التي يدور ويدور ليصل إليها هي الدعوة إلى إلغاء الإعراب، ولكن المشكلة في سبيله إلى الوصول إليها. وها نحن نراه يفتعل مشكلة، ويرد القول بشذوذ مجيء الفعل الناقص تاماً، ومجيئه تاماً مجمع عليه، من قبل الدلالة أولاً، لا التنظير. وهذه المعركة الدونكيشوتية وهمية لا يجاوز غبارُها رأسَه.
ثم يتناول الجملة الفعلية، ويَنْقَضّ ههنا على تسمية الأفعال، ويعلّق قائلاً([60]):"وهنا يتضح من تسمية هذه الأنواع أن مفهوم تأثير الزمن وهو أهم ما يميز الاسم عن الفعل غائبٌ عند السادة النحاة، فالفعل المضارع هو حدث "فعل" يحدث في الزمن الحاضر، وقد سمَّوه مضارعاً لأنه يضارع الاسم في حركاته، فهو مرفوع مرة ومنصوب مرة ومجزوم أخرى، وعليه فالتسمية تتجاهل الزمن".
أمّا تسمية"المضارع" فلننظر قول سيبوبه في علة تسميته([61]):"وإنما ضارعت أسماء الفاعلين أنك تقول: إنّ عبد الله ليفعل، فيوافق قولك: لَفاعِل، حتى كأنك قلت إنّ زيداً لفاعل فيما تريد من المعنى". ولا ندري كيف يجهل باحث يزعم أنه أشبع قضاياه بحثاً أن المضارع فعل يمتاز بالحيوية، وأن النحاة لم يكونوا غافلين عن هذه الحقيقة، فالمضارع لا يحدث في الزمن الحاضر، وهذا ينبغي أن يكون فهم شداة النحو لا المصلحين أمثال السيد أوزون. على أننا لا ننكر أثر نظرية العامل في تسمية المضارع، كما نعترف بمشكلة تقصّي دلالة الزمن في الأفعال العربية، وأنها حقلٌ خصب يفتقر إلى الكثير من الدراسات، لا التهويش والصياح.
ويتناول الأفعال الجامدة، ويردف قائلاً([62]):" وما دمنا نتحدث عن الأفعال الجامدة(لاحظ ذلك المصطلح البشع: فعلٌ جامد) فإننا نتذكر أفعال التعجب… فلا يحقّ لنا عند أهل اللغة أن نتعجب إلا بإحدى الصيغتين: ما افعله! وأفعِلْ بـ" فتأمل. إنك إذا شاهدت بيتاً جميلاً فإنه يتوجب عليك أن تقول: ما أَجمَل البيتَ، أو أَجمِلْ بالبيتِ! ما هذه الديكتاتورية اللغوية؟ ومتى كانت قواعد اللغة تدخل الأحاسيس البشرية، لتعلمنا كيف نتعجّب وكيف نهوى، ألا يحقّ لي أن أقول: يا لجمال البيت مثلاً، أو "يا لطيف شو حلو هالبيت"؟
والرجل لا يزال يخلط الحق بالباطل، ومن ذا الذي يحجر على مشاعره وأحاسيسه؟ فهاتان الصيغتان ارتضى العرب الفصحاء أن تكونا الصيغتين القياسيتين للتعجب، وهم لم يصنعوا ذلك حجراً على المشاعر، ولا حبساً للعواطف، بل أرادوا أن يجعلوهما صيغتين واضحتين مشهورتين لا لَبس فيهما، عَلَماً على هذا الشعور لمن أراد أن يستخدمهما، ولننظر فقه هذا الباب عند سيبويه؛ إذ يقول في " ما أحسنَ عبدَ الله "([63]):" وزعم الخليل أنه بمنزلة قولك:شيء أحسنَ عبد الله، ودخله معنى التعجب، وهذا تمثيل ولم يُتَكَلَّم به. ولا يجوز أن تقدّم "عبد الله" وتؤخر "ما" ولا تزيل شيئاً عن موضعه". وكل هذا الحرص من سيبويه-رحمه الله- من أجل أن تخلص الصيغة للتعجب. على أنهم بعد ذلك استخدموا ما لا يحصى من الصيغ التي يعرف أنها للتعجب بالقرينة، ومقدرة المتكلم على استجلائها.
فهلاّ حجرت هاتان الصيغتان على شاعر بليغ في عصر البلاغة والفصاحة من أن يتعجب إلا بهما حين قال([64]): "واهاً لسلمى ثم واهاً واها". وسأضرب مثلاً آخر يقرب المسألة وإن كان يختلف شيئاً ما عن مسألة التعجب، فصيغ اسم الآلة القياسية ثلاث مِفْعل ومِفعال ومِفعلة، وثمة عشرات خارج هذه الصيغ، فهل سمعت ياسيد"أوزون" أن أحداً خطّأ من يقول جرّافة وأن صوابها مِجراف، أو نحو ذلك. فعلام هذا الضجيج وإيهام القارئ أن اللغة ليس فيها إلا ما تقول، حتى تَصِمها بالتخلف؟ أمّا "شو حلو هالبيت" فمجاله الشارع، وليس اللغة الفصيحة.
ثم يعرّج على نائب الفاعل، في نحو:" كُسِرَ الزجاج"، ويردف قائلاً([65]):"تأمّل ذلك الإعراب العتيد والذي يفيد بأنه عندما لم نجد الفاعل (أحمد) جعلنا الزجاج ينوب عنه، فيكسر نفسه، فهو نائب فاعل، كيف يمكن أن نقبل على مرّ أكثر من ألف عام على هذا الهراء؟ أن تنوب حركة آخر الكلمة عن موقع الكلمة الحقيقي…" ويحمل على البناء للمجهول، ويقول:"كيف نبني أمراً على المجهول، وهل يبنى شيء على ما يسمّى المجهول"؟
ولا بدّ ههنا أن نعترف أنه ليس من اليسير مخاطبة أوزون وهو يحمل هذا الفكر، فبادئاً لم يعرف سيبويه المبني للمجهول، ولا نائب الفاعل، وربّما أطلَق عليه "فُعِل"([66]). كما تقضي الأمانة العلمية أن يَذكر أن ثمة مصطلحاً آخر شائعاً للمبني للمجهول، وهو "ما لم يُسَمَّ فاعله"، ونجده مبكراً عند الكسائي([67]) والفراء([68]). وممّا لا شك فيه أن إساغة المتأخرين لهذا المصطلح كـ "ابن جني، والعكبري، وابن عقيل وابن هشام"، إنما كانت لهدف تعليمي بالدرجة الأولى، فالنيابة شكلية لا معنوية، ولا أظن أن عاقلاً يقع في نفسه أن النيابة عن الفعل نيابة حقيقية، وهذه حقيقة لا تتطلب الكثير من البحث. أما سؤال السيد أوزون كيف نبني شيئاً للمجهول؟ - في إشارته إلى الفعل- فلا محل له؛ لأن الفعل المبني للمجهول من الناحية الدلالية– على الأغلب- يحمل قدراً من التعمية، حقيقياً كان أم بلاغياً، فهي تسمية لا تخالف دلالته.
ويتناول الأفعال الخمسة، وإعرابها، ويقول([69]):"فعندما تعرب الفعل "يكتبان" فإنّك تقول فعل مضارع مرفوع، وتنتظر لترى الضمة أو الواو أو أية حركة تشير إلى الرفع، ولكنك تدهش عندما تجد أن علامة الرفع هي ثبوت النون".
وإننا لنعجب مرة أخرى، فمن ينتقد هذا الرجل اللغة أم النحاة؟ ولكن العجب سرعان ما ينقضي عندما يقول عمّا قليل:" أن أكثر من نصف ناطقي اللغة العربية المحكية(العامية) يقولون للفتاة عند مخاطبتها: " تلعبي" و" تكتبي "… شاء ذلك النحاة أم أبَوا". والرجل يرى العيب في اللغة، لذلك لا يتورّع عن الدعوة إلى العامية صراحة ههنا.
وآخر ما يخوض فيه الكاتب - في هذا الفصل - هو الفاعل، ويتناول المثال الآتي:"الرجل جاء إلى البيت" ويحمل على من يجعل الفاعل ههنا مستتراً، ويقول([70]):"ما هذا التأويل الغريب؟ وما هذه القواعد الشاذة عن الفهم والإدراك؟ إن القائم بالفعل هو الرجل سواء جاء قبل الفعل أو بعده". والرجل لا يعرّج على كوفيين ولا بصريين، فضلاً عن تجاهل المحدثين، ولو أنه عرض لآراء النحويين في هذا الصدد ثم أفضى إلى شيء لهان الأمر، فهذه من أكثر القضايا الخلافية شهرة عند النحاة، والكوفيون يجعلون هذه الجمل من باب الجمل الفعلية، وهو خلاف يمكن أن يقع عليه كلّ قارئ للنحو فضلاً عن الباحثين، وقد مرّ آنفاً في الكلام على الجملة الاسمية.
ولا بدّ من الإشارة ههنا إلى أن السيد أوزون قد يكون اطلع على تقرير لجنة المعارف المصرية، وقرارت مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1945م. وتقرير اللجنة، وقرارات المؤتمر من أكثر القرارات جرأة في النظر إلى الكثير من إعراب الصيغ والتراكيب العربية، وهي تشكل منظومة متكاملة، وإن لم يحالفها النجاح. وقد تأثّر – على الأغلب- ببعض تلك الآراء وإن لم يُشر إلى ذلك.
ويعرض لقوله تعالى([71])(وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، ويعرب " أنت " هنا الفاعل، ويَرُدّ استتار الضمير، والإشكال ههنا قد يحمل على رأي، ولكن سرعان ما تنقلب المسألة، ويظهر الرجل جهلاً مزرياً باللغة و فنونها، إذ يقول([72]):" فهل يحتاج الخالق - عزّ وجلّ- أن يؤكد لآدم ما يتوجب عليه فعله، وأمره بين الكاف والنون". فهل يستحق مثل هذا الفكر أن ينصب من صاحبه مصلحاً للغة؟ وهل اطلع هذا الرجل على أساليب التوكيد في القرآن الكريم، وفقهها؟ وأي شيء يعرف عن سنن العربية وبلاغتها في هذا الباب؟ فالقرآن الكريم حافلٌ بهذا النمط من التوكيد([73])، فقد نزل بلسان قوم من سنن بلاغتهم التوكيد والتكرار، فخاطبهم بما يحسنون. وأطرح ههنا سؤالاً على "أوزون" ومذهبه في التفسير، على أي وجه يفسّر البدء بالاستفهام في ست سور([74])، وأولها قوله تعالى([75])(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) وهو – جلّ وعلا - يعلم ما كان وما سيكون؟
ويتناول في مستهل الفصل الثالث الاسم، ويعرض منه للمعرفة والنكرة، ونتوقف عند بعض الآراء التي يطرحها؛ لنعرف مقدار فقهه لهذا الباب من العربية، ويبدأ بالمعرفة فيتوقف عند "العَلَم" فيقول([76]): يتألف عند الأشخاص من اسم وكنية ولقب، وقد استبدل اللقب في بطاقتنا الشخصية بالنسبة، وحتى يومنا هذا فإنه يتم الخلط بين اللقب والكنية، فلا يروق الأمر لأهل اللغة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن اسم الأشخاص لا يكون علماً (معرفة) بدون جزئين رئيسين هما الاسم واللقب(النسبة).
وأين النصوص المسمارية من هذا الذي يلقيه علينا "أوزون"؟ وأي شيء يريد هذا الداعية؟ غير أن هذه الغمغمة تفصح في آخر كلامه عن شيء مفهوم، إذ يقول([77]):"فإذا سرت في الشارع السوري في دمشق وناديت "يا محمد" تجد عدداً من الأشخاص يلتفت إليك، بمعنى أنّ اسم محمد لم يعد معرفة بحدّ ذاته". والرجل يحسب بأنه ينبغي للناس أن تتقاذف بالحجارة حين ينادي بعضها بعضاً، حتى لا يلتفت من في السوق، وأن الرجل في الماضي كان يقف في شوارع مكة ويرفع عقيرته وينادي ياعَمرو فيسارع إليه المقصود.
إنّ العلم يا أستاذ "أوزون" لا يضيره أن يشترك فيه مئات الملايين، لأن الناطق لا يمكن أن يتحدث مع شخص عن علم لا يعرفه، فلو قلت لشخص ما: صادفت محمداً هذا الصباح، فدلالة هذا العَلَم تنعقد بين القائل والسامع، وإلا لغدت اللغة هراء، لا رابط لها، ولهذا ارتقت النكرة المقصودة بالنداء إلى مرتبة العلم، وبُنيت بناءَه. ونراه يسير على هذا النهج الساذج، في سائر المعارف، من دون أن يستند إلى حقيقة أو رأي أو استخدام لغوي.
فهو يرى أن الضمائر المتصلة(النون، التاء، الواو، الألف، الياء) لا يمكن أن تكون معارف؛ لأنها أحرف، حتى ولو اعتبرناها في وهمنا –كما يقول- فاعلاً قام بالفعل([78]). كما يرى أن الهاء في أسماء الإشارة من بنية تلك الأسماء، وليست للتنبيه، فلا يوجد من ناطقي لغة الضاد المحكية من يقول ذان، و "تان" و "تي"، ويعقب قائلاً ([79]):"وأنا أرى أنّ أسماء الألغاز هذه ليست أسماء أصلاً، فهي أدوات والأدوات ليست معارف، وهل قولنا للشيء "هذا" يعني معرفته؟
وهو يخرج الأسماء الموصولة من المعارف، ويعدها أدوات أيضاً، والدليل أنه يمكننا القول:"جاء الذي لا يعرفه أحد"، فيتضح تماماً أن الذي جاء غير معروف من أي شخص([80]).ويردف قائلاً:"وهناك قاعدة غريبة عند النحاة، فالاسم الموصول الواقع بعد الاسم المعرّف بـ(أل) يعرب صفة له،…قَبِلَها العقل أو رفضها، فنحن نطبق قرآن النحاة…، عندما أقول الشاب الذي فهل أنا أصفه؟ وعليه فيجب إعادة النظر بشكل كامل في ما يسمّى بالأسماء الموصولة" وينهي كلامه على المعارف دون التعرض للمعرّف بـ"أل" أو المضاف أو المنادى لأنها لا تقدم ولا تؤخّر، على حدّ قوله"، فالرجل نفض يديه من محاولة الشرح والتعليل دونما فائدة.
إن الضمائر المتصلة ظاهرة من الظواهر المشتركة في اللغات السامية، ولا يملك أوزون ولا غيره ردّها. ولو سلمنا بهذا الذي يقوله فيها، فكيف سنفهم مقاصد اللغة؟ ولم يتحفنا السيد أوزون بماهية هذه الأحرف التي تخلف الضمائر. أمّا أسماء الإشارة، فلا يدري، ولا ندري على أي شيء يستند في نفي زيادة هاء التنبيه فيها؟ وكأنه لم يسمع بقوله تعالى ([81])(ها أنتم أولاء)، ولا بالنصوص والأشعار التي لا يداخلها الشك([82])، فضلاً عن آراء اللغويين الذي حللّوا هذه الأسماء،وزياداتها، ودلالاتها، وفصلوا القول فيها([83]). ولا أريد أن أذكره بالبيت المشهور لأبي الطيب المتنبي:
ما أبعدَ العيْبَ والنُّقصانَ عن شَرفي
أنا الثُّريّا وذَانِ الشّيبُ والهرَمُ
وأمّا فيما يتعلق باللهجة المحكية فإذا أردنا أن نجاري "أوزون" فاللهجة العامية ليس فيها من العربية الفصيحة إلا اسم إشارة واحد هو "هذا"، وكل اللهجات تقريباً تنطقه بصورة تختلف عن العربية الفصيحة، فتتحول فيه "الذال" مرة مفخمة، وأخرى زاياً وثالثة دالاً، بل إن في اللهجة المصرية – التي يحبّ السيد أوزون أن ينصّبها نموذجاً- ما ينقض كلامه، فهم ينطقونها بلا هاء.
أمّا إخراجه اسم الإشارة واسم الموصول من المعارف؛ لأن قولنا للشيء: " هذا "لا يعني معرفته، وكذلك القول :"جاء الذي لا يعرفه أحد" فهو فهم ساذج. وثمة مسألة مشهورة من مسائل الخلاف، في ترتيب المعارف، وقد جعل البصريون الاسم العلم في مرتبة تسبق اسم الإشارة، وخالفهم الكوفيون، وجعلوا الإشارة أعرف، وقال ابن الأنباري([84]): أمّا الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الاسم المبهم أعرف من الاسم العلم، وذلك لأن الاسم المبهم (اسم الإشارة) يعرف بشيئين: بالعين وبالقلب، أمّا اسم العلم فيعرف بالقلب وحده". ولعل هذه من المسائل المعدودة التي أيد فيها الكوفيين، بل يذكر أن أبا بكر بن السراج ذهب إلى أن أعرف المعارف هو اسم الإشارة([85]).
أمّا الاسم الموصول، الذي أخرجه من المعارف أيضاً، بحجة أنه يمكننا أن نقول:" "جاء الذي لا يعرفه أحد" فمردود إن لم يكن في سياق محدّد؛ لأنه يقتضي أن يكون مجهولاً جهلاً تامّاً من الجميع، وهو من قبيل المغالطة، وهذا الذي يلقيه ليس كلاماً؛ لأنه لا يفيد، ولكنه يغدو صحيحاً حينما يكون في سياق مفهوم. وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة تسمّى المبهمات؛لوقوعها على كلّ شيء عاقلاً كان أو غير عاقل، فكما يزول إبهام أسماء الإشارة بما يصاحبها من إشارة حسية، فإن الاسم الموصول يزول إبهامه بالصلة، التي تجلي المقصود به.
فبين العلم من جهة واسم الإشارة والاسم الموصول من جهة أخرى فرق بَيّن، فالعلم معروف بطبيعة الوضع، وهو محدود من قَبْل الكلام عليه، وتعريفه مكتسَب، أمّا أسماء الإشارة والأسماء الموصولة فتعريفهما يفتقر إلى عنصر خارج عنهما، وهذا العنصر هو المعنيّ بالتحديد في هذه المعرفة، فتعريفهما من قِبَله لأنهما يفتقران إليه، وهي أسماء لا تمثّل إشارة إلى كيان أو هيئة مستقلة منوطة بها، كما في العلم، على اختلاف في المعنى بين الموصولات والأسماء الإشارية، وغياب هذا المفهوم عن السيد أوزون يفضي إلى هذا الخلط.
أمّا عجب السيد أوزون من وقوع الاسم الموصول نعتاً، فأعجب منه هذا النهج الذي ينهجه. فلا أحد يقول:" الشاب الذي" كما يزعم، لأن الموصول بلا صلة –كما رأينا آنفاً- لا معنى له. وأمّا من حيث مفهوم النعت فالمعروف أنه ينقسم بشكل عام قسمين؛ الأول الأسماء المشتقة العاملة، والقسم الثاني ما في معناها، والمعني به كل الأسماء الجامدة، التي تشبه المشتقات في الدلالة عليها، بعد تأويلها بما يناسبها، وعلى رأسها جلّ أسماء الإشارة، وجلّ الموصولات، وتؤكَد هذه التبعية في حالتي التثنية والجمع. ونجد ابن الحاجب يقول([86]):"إن معنى النعت أن يكون تابعاً يدلّ على معنى في متبوعه، فإذا كانت دلالته كذلك صحّ وقوعه نعتاً، ولا فرق أن يكون مشتقاً أو غيره"، وهذا فقه دلالي للنعت.
(يتبع)

.[1] على حدّ قول شريف الشوباشي في كتابه"لتحيا اللغة، يسقط سيبويه":17.

.[2] وقد وقعت أثناء كتابة هذا البحث على كتاب " لتحيا اللغة العربية، يسقط سيبويه" لشريف الشوباشي.

.[3] مجلة التراث العربي، مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد93-94، السنة الرابعة والعشرون، آذار وحزيران، 2004، المحرم وربيع الثاني 1424هـ.

. [4]جناية سيبويه:11.

[5]. نفسه: 12.

.[6] نفسه: 13.

[7]. تفسير القرطبي: 5/2.

[8].إبراهيم: 22، (الشاهد فيها كسر ياء مصرخيّ).

[9]. النساء: 1،(الشاهد فيها عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور).

[10]. شرح الكافية:1/320.

[11]. جناية سيبويه:14.

.[12] مقدمة ابن خلدون:351-352.

.[13] نفسه: 18.

[14]. الكتاب: 5/176.

.[15] علي النجدي ناصف في "سيبويه إمام النحاة": 93.

.[16] ينظر: معجم الأدباء: 4/1826.

[17]. الإمتاع والمؤانسة:1/109.

[18]. ينظر: مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً.

[19]. نفسه: 22.

[20]. نفسه:22.

.[21] البقرة: 282.

.[22] جناية سيبويه: 99 وما بعدها.

.[23] الإسراء:110.

[24]. ينظر على سبيل المثال:معاني القرآن، للفراء:1/8، 21، 22، 46، 57، 58، 172، 176، 201، 244، 245، 276،350، 374، 409، 415،474. ومجالس ثعلب: 1/102، 151، 191، 551.

[25]. البقرة:26.

[26]. الأزهية في علم الحروف:78.

.[27] وقد ذكر الفراء ذلك كثيرا، في "معاني القرآن"، ومنه على سبيل المثال: 1/8، 21، 22، 46، 57، 58، 172، 176، 201، 244.

.[28] دراسات لأسلوب القرآن الكريم: القسم الأول، الجزء الثالث:132وما بعدها.

.[29] دراسات لأسلوب القرآن الكريم:القسم الأول، الجزء الثاني، 569وما بعدها.

.[30] نفسه: 17- 18.

.[31] الخصائص: 2/10-12.

[32]. جناية سيبويه: 19.

[33]. نفسه:20.

.[34] ديوانه: 166.

.[35] جناية سيبويه: 25.

.[36] ينظر: الإنصاف: 45، 48، 278، 361، 362.

[37]. ينظر المعاني:1/10، 52، 58، 2/122، 207، 213، 332، 371، 3/84.

.[38] نفسه: 1/10، 2/396.

.[39] نفسه: 2/235، 236.

[40]. نفسه، على سبيل المثال:1/16، 19، 26، 28، 192، 300، 315، 318.

.[41] ينظر النحو الوافي: 1/62.

[42]. ينظر كلام المخزومي على أقسام الكلمة" في النحو العربي، قواعد وتطبيق".

.[43] ينظر: التطبيق النحوي، الاستفهام، والاستثناء.

.[44] جناية سيبويه: 26.

[45]. جناية سيبويه: 26.

[46]. نفسه: 27.

.[47] ينظر كلامه في الحاشية رقم(4):54.

[48]. في النحو العربي نقد وتوجيه: 42.

.[49] دلائل الإعجاز: 174-175.

.[50] نفسه:28.

.[51] ينظر: حاشية الصبان: 1/325، وأوضح المسالك:1/222، والهمع:1/346.

.[52] ينظر الهمع: 1/346.

[53]. ينظر: شرح المفصل:1/99، وشرح الكافية: 1/100، وحاشية الصبان على شرح الأشموني:1/325.

[54]. دراسات لأسلوب القرآن الكريم: القسم الثالث، الجزء الأول:292.

.[55] نفسه: 29.

.[56] الأصول: 1/65.

[57]. البقرة: 178.

[58]. الروم: 17.

[59]. جناية سيبويه: 31.

[60]. نفسه: 35.

.[61] الكتاب: 1/14.

[62]. نفسه: 40-41.

[63]. الكتاب:1/ 72-73.

[64]. البيت لرؤبة في ملحق ديوانه: 168، وهو أيضاً في: شرح المفصل: 4/72، المغني: 483، وأوضح المسالك: 4/81.

.[65] نفسه: 43.

.[66] ينظر الكتاب: 1/342، و 4/41-42.

[67]. ينظر معاني الكسائي: 63.

.[68] ينظر معاني القرآن، على سبيل المثال: 1/112، 146، 301، 357.

[69]. نفسه: 45

[70]. نفسه:50.

[71]. البقرة: 35.

[72]. نفسه: 53.

[73]. ولو كلّف الأستاذ أوزون نفسه واطّلع على ما سطّره الإمام "الزَّرْكَشِيّ(794هـ) في "الخبر" و"التوكيد"، في كتابه " البرهان في علوم القرآن" تحت فصل "في أقسام معاني الكلام"، 2/424، وما بعدها، و2/485 وما بعدها، لرأى من هذه الأساليب الكثير.

[74]. وهي إضافة إلى سورة الدهر: النبأ، الغاشية، الشرح، الفيل، الماعون.

[75]. الإنسان:1.

[76]. نفسه: 58.

[77]. نفسه: 58.

[78]. نفسه: 59.

[79]. نفسه: 60.

[80]. نفسه: 60.

[81]. آل عمران:119.

.[82] ينظر في زيادة هذه الهاء "العربية الفصحى" لهنري فليش:165.

[83]. ينظر على سبيل المثال: الكتاب، 2/197، 353. وأوضح المسالك، 1/139. والهمع: 1/248. والنحو الوافي:1/300.

[84]. مسائل الخلاف:2/708، وينظر: شرح الكافية:1/312، وحاشية الصبان:1/202.

[85]. نفسه: 2/708.

.[86] شرح الكافية:1/303.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
جمالية, جناية سيبويه, زكريا أوزون, قراءة, كتاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع قراءة دلالية في كتاب "زكريا أوزون": "جناية سيبويه"
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"الحياة":"الاخوان" يحاكمون "زمزم" غيابياً ولجنة "حكماء" تفشل في رأب الصدع Eng.Jordan الأردن اليوم 0 02-13-2014 09:57 AM
مفتي"جبل لبنان": تدخل "إيران" و "حزب الله" في الشأن السوري "عمل إرهابي" ابو الطيب أخبار عربية وعالمية 0 12-09-2013 10:14 AM
قراءة في كتاب "شبهات حول 11 سبتمبر" Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 11-23-2013 07:55 PM
قراءة في كتاب "التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين" Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 06-30-2013 02:03 PM
حفلة لـ"بويات" و"عبدة شيطان" و"إيمو" في فندق شهير بـ"الخُبر" Eng.Jordan أخبار منوعة 0 06-10-2013 09:55 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59