#1  
قديم 09-24-2016, 07:46 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الشباب والرأسمالية الثقافية


الشباب والرأسمالية الثقافية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(علي بن جابر المشنوي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

22 / 12 / 1437 هــ
24 / 9 / 2016 م
ــــــــــــــــــــــــــــ

والرأسمالية الثقافية 2a2bd230ec6c4b2caf6ba16890f761eb-796x427.jpg




هناك مشكلة تكبر يوماً وراء يوم.. نوعٌ من الانفصال بين المـُلقي والمـُتلقي، هوة واسعة بين المصلح والمجتمع، بين الداعية والناس، بين العالم والجاهل. في الدول الرأسمالية تلوح مشكلة الطبقية، لأن المال يقع تحت تصرف قلة قليلة من الناس، بينما الطبقة الأكبر –الشعب- يعيش نوعاً من الفقر، وهكذا يعم ظلام الطبقية أنحاء المكان، وينقسم المجتمع إلى طبقتين تفصل بينما هوة سحيقة، تزداد كل يوم فيزداد الفقير فقراً والغني غنى. هذا هو ما يحدث اليوم في مجتمعنا. في حقلٍ آخر ليس هو حقل الاقتصاد والمعيشة، لكنه حقل المعرفة والتغذية الروحية والأسئلة الثقافية الحائرة.

طبقية المعرفة والثقافة:
------------

فهناك طبقية ثقافية بين المجتمع والمـُصلح. ففي كل مجتمع، هناك ثلاثة طبقات من الناس:
العلماء أو المتخصصون أو النخب، وما يندرج تحت هذه الطبقة.
الناس أو العامة، وما يندرج تحت هذه الطبقة.
الدعاة أو مرتادوا المنطقة الوسط.

يبقى المجتمعُ مُتماسكاً ومحافظاً على هويته ومبادئه وأخلاقه ودينه وثقافته إذا وُجٍدت هذه الطبقات الثلاث، وأدت عملها بشكل جيد، ولم تراوح أي طبقة منها مكانها المناسب لها. وعند غياب واحدة من تلك الطبقات فإنَّ الأمور تختل، ويموج المجتمع ويتصادم فكرياً، وتتلقفه الأمواج من كل جانب، وتتصيده الأفكار الأجنبية والدخيلة وتؤثر فيه.
طبقة عامة الناس أو الجماهير هي الطبقة الأكبر عدداً؛ وهي الطبقة التي لا تغيب. وهذه سنة من سُنن الحياة. فإنه يستحيل أن يكون الناس كلهم علماء أو نُخبا. فإنَّ العلماء والنخب غالباً قلة.
وأما طبقة المنطقة الوسط فربما يختفون ويغيبون عن المشهد، مع أن وجودهم هو الأهم، كونهم هم الوسيط وحبل الوصل بين الـمُلقي والمتلقي والعالم والـمُقلد. هم المترجم للطرح النخبوي، والـمُيسر للطرح العلمي المتخصص. ويعود سبب غياب هؤلاء الوسطاء ومرتادي المنطقة الوسط إلى أمرين:

الأول: تركهم الميدان لانشغالهم بغيره من شواغل الدنيا.

والثاني: تقمصهم لشخصية النُخب والعلماء.

وكلا الأمرين كارثة. والخسارة بحصول أيٍ منهما لا محالة حاصلة، إلا أن السبب الثاني أكثر سوءاً.
أما طبقة العلماء والنخب، فهي طبقة قليلة، وأفرادها معروفون عند الطبقة الوسط أكثر من طبقة عامة الناس. وربما في أحيان قليلة يُعرفُ بعضهم عند الطبقتين، ويُصبحُ رمزاً مجتمعياً تشرأب إليه الأعناق عند كل نازلة.

والواقع المعاصر يُشير بوضوح إلى حالة من الإنفصال بين النُخب والناس، بين القيم والمبادئ الإسلامية المبثوثة في كتب التراث وبين المجتمع. والسبب في ذلك يعود إلى غياب الوسيط "الناقل"، الداعية الذي يقدم الفكرة الإسلامية العميقة في قالبٍ سهل، الكاتب والـمُتحدث الذي يُقدم الرؤية الدينية الدقيقة بلغة مرنة تفهمها الأسماع وتعيها.
كم مرة تساءل الشباب المتعطش عن مكانة العقل في الإسلام؟ ألم تُشبع هذه المسألة بحثاً عند علماء الإسلام؟ وقدمها شيخ الإسلام في ثوب قشيب وبحر من العلم عميق؟ بلى، ولكن كم من طلبة العلم سيستوعب كلام شيخ الإسلام؟ حسناً.. وماذا عن الشباب؟ هل نقول لهم عليكم بدرء التعارض فاقرؤه؟ هل يصح أن ندلهم على مئات الصفحات التي سُودت في القرن الثامن؟ أم أن الأجدى أن نوفر لهؤلاء العطشى أطروحات تُقدم الفكرة باختصار وبلغة عصرية ورؤية سُنية؟

سؤال الشر! الذي أصبح يتردد هنا وهناك، ويستخدمه الملاحدة لتسويق إلحادهم، هل يكفي أن نقول للسائلين: عليكم بشفاء العليل لابن القيم -رحمه الله؟ وماذا يصنع السائل بثلاثة مجلدات كبيرة؟ وبمفردات ربما لا يفهمها عقل المتخصص فضلاً عن غيره؟ أليس من الأولى أن نُقدم الإجابة في كلمات مختصرة وكتيبٍ صغيرٍ يهدي الحيارى، وبلغة يفهمونها؟
كان هذا هو الواجب. وهذا الواجب يقع على ذلك الوسيط الذي غاب عن الساحة، وانشغل عن عمله الشريف بأعمالٍ أُخر لا تفيد، أو هي تفيد ولكنها بمنزلة المفضول!
ويوم أن قصر هذا الوسيط عن واجبه، وتأخر عن منبره، وهجر ساحته التي لن يستطيع أحدٌ أن ينافسه عليها. يوم أن حصل هذا، تحول العطشى إلى نواحي أُخرى تسقيهم بعض الحق وبعض الباطل، وتزيدهم تيهاناً في بحار الشبهات والشهوات، بكلامٍ معسول خفيف لطيف، وكتابات يسيرة عصرية سهلة التناول، ولذيذة الكلمة. فأورث ذلك ما تراه من أفكارٍ وآراء وأهواء هي ساقطة نقلاً وعقلاً؛ ولكنها تزينت بزينة فاتنة، فتلقفها الناس وسعوا إليها، عندما أعياهم السؤال وانقطعت بهم الطريق، وتاهت بهم الدروب وغاب الوسيط!
نعم هناك مؤلفات وبحوث معاصرة تتناول مثل هذه التساؤلات، إلا أنها بحوث معاصرة لا عصرية! وتخصصية لا يفهمها إلا المتخصص، تطفح بالمصطلحات الغريبة التي تجعل الناظر فيها من غير المتخصصين يصرف نظره عنها قبل أن يتجاوز الصفحات الأولى منها. ولإجل هذا فإنك تجد تلك البحوث -رغم ما فيها من العمق والتأصيل- تقع في أيدي عدد محدود من القراء، وهم النخب وأصحاب ذات التخصص من أكاديميين وغيرهم. فهي رغم ما يبذل فيها من الوقت والجهد حبيسة الأرفف ومراكز البحوث. ولو سألت أغلب الناس عنها، وعن كاتبها، لما عرفوها أو عرفوه.

من هنا تحول المجتمع إلى مجتمع ثقافي يتكون من طبقتين فقط، واحدة قليلة تتناقش فيما بينها ويرد أفرادها بعضهم على بعض بالمطولات، وطبقة هي الأغلبية من المجتمع تعيش حياة مستقلة عن الطبقة الأولى، مختلفة في التفكير والثقافة؛ والسبب مرة أخرى هو غياب الوسيط سواء قناة أو كتاب أو خطيب أو داعية أو مربي أو مُصلح.
قبل عقد ويزيد من الآن، ومع تحول الإلحاد إلى عملٍ تنظيمي عالمي يتلبس –زوراً- بالعلم، كانت أول خطوات كهنة الإلحاد تقريبه في قوالب سهلة ميسورة، تُراعي الجاهل والصغير، وجميع المراحل العلمية. نظرية دارون، وهي نظرية علمية حيوية، تحولت بجهود كهنة الإلحاد الجديد إلى وجبة سهلة بسيطة، تُقدم على موائد الأطفال والشباب وجميع طبقات المجتمع، بغض النظر عن مستوى ثقافتها! إنه جُهد الوسيط، الذي استطاع بحنكته ودهائه أن يترجم هذه النظرية الحيوية ويقدمها في لفظٍ سهل وعرضٍ أنيق رقيق رشيق تُفتحُ له العقول والأفئدة أبوابها. على الرغم من أن النظرية تفتقر للدليل العلمي، الذي يدعيه الملاحدة من وجه. وهي نظرية حيويه تخصصيه من وجه آخر. إلا أنهم استطاعوا إيصالها وإيصال غيرها مما يخدم مشروعهم الساقط عقلاً وحساً.

بداية خطوات الإصلاح:
-------------------------

إن وصل المنفصل بين المجتمع الظمآن والنخب المثقفة؛ وإحياء الاتصال بين الطبقتين، وإعادة الثقة بين الـمُلقي والـمُتلقي، مشكلة بحاجة إلى إصلاح وعناية، على مستويين: الأول صناعة المحتوى المناسب للمجتمع، والثاني كيفية إيصال هذا المحتوى إلى المجتمع.
وقبل تناول هذين المستويين من المشكلة ينبغي أن نُحدد أولاً: من هو المخاطب؟ وما نوعيته؟ فأول خطوة يجب النظر فيها، ودراستها بعناية تقسيم الـمُخاطبين والمستهدفين في المجتمع إلى فئات متعددة؛ ومن هنالك ننطلق إلى الخطوة الثانية، وهي توفير ما تحتاجه كل فئة. فينبغي أن يضع هذا التقسيم في الحُسبان طبيعة الـمُتلقي واهتمامته، والنوافذ التي ينهل منها هذا المـُتلقي، ودرجة ثقافته وغير ذلك مما يعرفه الـمُتخصص.
فهناك مُتلقٍ -على سبيل المثال- يُصدق ويثقُ بكل ما يصله عبر وسائل التواصل، والانتشار كافٍ عنده للثقة به وبمحتواه. وهناك آخر يثقُ بالألقاب التفخيمية، أو يطير لبه للغرائب ويصدقها.

وفيما يتعلق باهتمامات الـمُتلقي، فهناك من لديه اهتمامات تتعلق بالغيبيات، وآخر لديه تساؤلات تتعلق بالتاريخ الإسلامي، وثالث لديه تساؤلات حول شُبهات متعلقة بالحياة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبالخلافة الراشدة، وهكذا.
وفيما يتعلق بالنوافذ التي يستقي منها الـمُتلقي فهناك من لا يعرف إلا الواتسآب، وهناك من يبني ثقافته على ما يراه في السناب شات، وثالث مُتابع لليوتيوب، ورابع مغرم بالتويتر، وخامس مُحب للقراءة، وهكذا.
إذا حصلت هذه التقسيمات فإنه يسهل معرفة اللغة المناسبة لكل قسم، والمزاحمة والمشاركة في جميع النوافذ المتاحة. نعم هذا جهدٌ مُرهق، لكنه عبادة وجهاد، ومن عرف أهمية العبادة والجهاد هان عليه كل شيء لأجلهما.

أما بخصوص المحتوى المناسب وأدوات إيصال هذا المحتوى للناس؛ فإنَّ المحتوى الـمُناسب وأداة إيصال هذا المحتوى متداخلان في بعض المواطن، ولأجل هذا فقد كان من الأصوب -من وجهة نظرنا- سرد العناصر المُراد الإشارة إليها، بلا فصلٍ بين ما يتعلق بالمحتوى وما يتعلق بالأدوات.

لا فكرة بلا مال:
-------------

رغم تعدد الأفكار الإيجابية والمشاريع النهضوية، إلا أنها لا تلبث أن تُطوى قبل أن تُروى، وتموت في مهدها قبل أن تسير على رجليها. وما ذاك إلا لضعف الضخ المالي أو ربما انعدامه كلياً. فتموت المشاريع في مهدها، وتبقى كلاماً يُتداول في المجالس وجلسات الأصدقاء، أو ربما ولدت ولكن معاقة ضعيفة؛ رغم قوة المضمون والمحتوى، لكنها تبقى ضعيفة لأنها لا تملك المال الذي ينشرها في صورة مشرقة ومناسبة وعلى نطاق واسع.
وفي حين تتكدس الأموال عندما يُعلَنُ عن الرغبة في التبرع لبناء مسجد تضمحل وتتلاشى عندما يُطلب من هؤلاء المتبرعين أن يدعموا المشاريع الخيرية، كطباعة الكتب وما إلى ذلك. والسبب في هذا يعود -في تصوري- إلى جهل الـمُتبرع بأهمية تلك المشاريع. ولا أنسى صدمتي عندما رأيتُ بعض الفضلاء يحاول توفير مبلغٍ ماليٍ زهيدٍ لدفع إيجارات متأخرة لمركزٍ إسلاميٍ مُعتنٍ بمواجهة الإلحاد والشبهات! والحل لهذا الإشكال بيد العلماء الثقات في تبيين أهمية تلك المشاريع، وما فيها من الفضل والأجور.

تبني الشباب:
---------------

خلال السنوات القليلة الماضية، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وهيمنتها، وغزوها لكل البيوت حتى أصبحت في متناول الجميع، ظهر جيلٌ من الشباب الذين استطاعوا أن يحجزوا لهم مقاعد متقدمة في سلم الشهرة؛ وصار الجيل يتتبعهم في كل مكان، سواء في السناب شات أو التويتر أو الانستقرام أو غيرها. ولا يستطيع الداعية أن يُنافس هؤلاء إلا في حالات نادرة، وذلك لعدة أسباب، منها: الفراغ الكبير لدى هؤلاء النجوم على العكس من الدعاة أو النخب؛ واختلاف طريقة التفكير والذي يعود سببها إلى اختلاف العمر أو اختلاف البناء المعرفي بين هؤلاء الشباب الـمُتلقين وبين النُخب؛ والقالب الجدي الذي وضع فيه المصلحون أنفسهم!

وقد استطاعت القنوات الفاسدة أن تلتفت لهؤلاء الشباب في وقتٍ مُبكر؛ وأن تدعمهم وتستوعبهم؛ حتى أصبحوا في حالات كثيرة وسطاء بين مشاريع الفساد وبين الجيل، وفي حالات أخرى وقفوا على الحياد بين مشاريع الإصلاح وبين مشاريع الإفساد، وبالتالي فهذا يعني انتصار الفاسدين!

ولعل من الأمثلة على ذلك: أحد نجوم وسائل التواصل الذي بدأت شهرته بتصرفات غريبة اكتسب من ورائها جمهوراً حاشداً، ثم تحول بعد ذلك إلى شخصية تربوية تنشر كتاباً تُحذر فيه الفتيات من الزواج الـمُبكر، وكالعادة فقد تهافت جمهوره على شراء هذا الكتاب! ولك أن تتخيل حجم التأثير، وكيف استطاع المتبنون لهذه الدعوات إقناع عدد كبير عن طريق هذا الوسيط الذي لا يُحسن كتابة بضعة أسطر!

كيف نتعامل مع هؤلاء؟
-------------------------

التهميش ليس حلاً؛ ولكن دعم كل من يشتهر مشكلة أخرى أيضاً. الذي يبدو لي أن كثيراً من هؤلاء الشباب هم في الحقيقة شخصيات عادية، عفوية، بمعنى أنهم ليسوا أصحاب توجهات فكرية معينة، يحاربون لأجلها، أو يهدفون لتسويقها؛ بل هم من جملة الناس. ومن كانت هذه حاله فأمره سهل، حتى وإن وقع في أخطاء؛ على العكس من صاحب المشروع. نعم هناك أصحاب توجهات معينة، وغرضهم تسويق أفكار محددة، ولكن الغالبية -على الأقل في بداياتهم- ليسوا كذلك.

والذي أقترحه -بعيداً عن المثالية التي قتلتنا، والأعذار من نوع إنه لا يزال شاباً وربما ينتكس، وربما.. وربما..- أن يُدعم هؤلاء ويتبنون؛ وأن تُفتح معهم قنوات للتواصل، ما دام أنَّ النجم منهم لا يتكلم في دين الله بما لا يُحسن. فإن كان ممن يتكلمون في دين الله بجهل وهوى فلا حل مع هؤلاء إلا الرد العلمي. وأما من كان طرحه عفوياً عادياً فالأولى أن يدعم وأن يستوعب، أو في أقل الأحوال أن تكون هناك حلقة وصل بهم، تُبقيهم على الحياد إن لم يكونوا في صف الإصلاح.

صناعة الرموز:
---------------

الجيل الشاب يعشق متابعة ابن جيله. وشخصياً ناقشتُ بعض من هم في عُمري أو دونه، فكان الاقتناع أعلى بسبب التقارب العمري من وجه، ولأن الشاب أعرف بتساؤلات ابن جيله، ومن هو في عمره من سواه؛ ليس فقط لمعرفة طبيعة السؤال ولكن لمعرفة أسبابه وما وراءه، وما هي الطرق الأقوى والأنجع للرد.
الـمُلاحظ في العمل الإسلامي إهمال شبه تام لهذا الباب. أعني صناعة رموز شبابية من الشباب الذين لديهم قدرة تؤهلهم ليكونوا رموزاً. مع العلم أنَّ هناك أعداداً وفيرة من الشباب المتدين المتهيء لمثل ذلك، سواء في حصيلته العلمية والفكرية أو في قدرته على التأثير. بل أقولها -بكل ثقة- بأن لدى صف الإصلاح من هؤلاء الشباب أعدادا أكثر بكثير مما لدى صف الإفساد. بالإضافة إلى أن حجم ثقافة هذا الشباب الصالح أعلى بمراحل من أقرانهم من الفاسدين. ورغم هذا إلا أن الشاب الصالح يُعاني كثيراً بل ربما يُحارب! وكل هذا يمارس تحت أعذارٍ واهية مثل: لم يشتد عوده، ربما يصيبه غرور، نخشى أن ينتكس! وفي المقابل تجد أهل الفساد يتبنون كل من يخطو خطوة فاسدة، ويصنعون منه رمزاً مثقفاً حُراً طموحاً، يُقدم للجيل بألفاظ تفخيمية هو لا يفهم معانيها فضلاً عن أن يتحلى ببعضها!
من الضروري جداً دعم هؤلاء الشباب، والتواصل معم، وتسديدهم، واللطف معهم؛ إذ هم الحبل الوثيق بين النخب والعامة، وهم الوسيط االناجح بين العلماء والدعاة الكبار وبين الجيل. وأما إغلاق هذا الباب بمثل الحجج السابقة فهو خطأ واضح لا يخالفُ فيه إلا الـمُغيب عن واقعنا الحاضر.

العناية بمعيشة المجتمع هي الطريق إليه:
----------------------------------

الخُلطَةُ بالمجتمع، وتلمس حاجاته، والدخول في عمقه، هو الرصيد الحقيقي والسلاح الخفي الذي سيؤدي دوره باقتدار عند المهمات. وهذا الميدان هو ميدان الدعاة بلا منافس، لأن المـُفسد لا تزعجه هموم مجتمعه إلا ما ندر. ومجتمعنا بطبيعته متدين وبسيط، ولا يزال -في أغلبه- يحترم الدين وأهله.

وقد توهم الداعية والمربي والمصلح، الذي كان يزرع زرعه المبارك في مجتمعه بهدوء، مع ثورة الاتصالات ونشوة وسائل الاتصال، توهم أنَّ التحول إلى تلك الوسائل هو الطريق الجديد –والوحيد- للدعوة والإصلاح، فانسحب من الميدان الأساس الذي لا يستطيع أحدٌ أن ينافسه فيه، إلى ميدان وسائل التواصل -تويتر، يوتيوب، سناب تشات، الخ- ففوت بذلك خيراً كثيراً، وانسحب من ميدان هو صاحبه، ومعركة هو المنتصر فيها بلا منازع، إلى ميدانٍ فيه آلاف الدعاة والدعوات من شتى المشارب. لقد توهم هذا المصلح أن كل المجتمع قد التحق بركب وسائل التواصل تلك، ولم يعلم أن شطره ربما لا يزال ينتظره في ذلك الميدان الذي غاب عنه.

إن المجتمع يعاني من هموم ومشاكل كثيرة يعرفها من خالطه، ونظر في أحوال الناس. فقر، ظلم، عضل، فراغ، ابتزاز، عقوق، وغير ذلك، هي هموم المجتمع الحقيقية. والسعي في معالجة هذه الهموم هو الطريق المعبد لكسب المجتمع والتأثير فيه.
لقد غاب المصلحون -في الجملة- عن هذا الميدان، وازدادت هموم الناس ومشاكلهم، واتسعت، واستغل الـمُفسدون هذه الهموم والمشكلات لرفع شعارات توهم بأنهم يريدون إصلاحها؛ وأحالوها إلى مطالب ورفعوها بغية إسقاط الشريعة والدين من واقع الناس، وليس بهدف حل مشكلات الناس تلك. فنتج عن ذلك أن المصلحين حاربوا تلك الشعارات والمطالب التي رفعها المفسدون لمعرفة المصلحين بحقيقة ما يدعو إليه المفسدون. فما الذي حصل كنتيجة لهذا النزاع؟!

الذي حصل أنَّ المفسدين أوحوا إلى المجتمع بأنَّ المصلحين هم السبب في استمرار هذه الهموم والمشكلات، والدليل أنهم يحاربونها. فأنتج ذلك وحشة بين المجتمع وبين الدعاة، وتقارباً بين المجتمع والمفسدين! ولو أنَّ المصلحين استمروا في الميادين، وسعوا في علاج مشكلات المجتمع بما يرتضيه الدين لرفعوا من رصيدهم في أوساط المجتمع أولاً، ولرفعوا من مكانة الدين ثانياً، ولأغلقوا الباب على المفسدين ثالثاً.

نشر المنشور:
---------------

هناك إصدارات نوعية جميلة ومواكبة للواقع، مكتوبة ومسموعة ومرئية؛ لكنها لا تُعرف إلا لدى قلة قليلة من المتابعين. فكتاب ككتاب (فضاءات الحرية) للشيخ سلطان العميري، هو كتابٌ جيد، ويتناول مسائل مُلحة تُطرح كثيراً ويجيب عنها بنفَسٍ علمي رصين. لكن الكتاب قليل التداول، معروفٌ عند فئة قليلة من الناس، وأغلبهم من طلبة العلم أو النخب.
مقاطع اليوتيوب التي يقدمها الأستاذ الكريم رشاد القرني مقاطع جميلة جداً، وعصرية وتناقش قضايا مهمة للشباب؛ ومع هذا فلا تزال مقاطع الأستاذ تُتداول في مساحات ضيقة، ولا يعرفها الكثير من شباب الجيل.

هناك أسباب لقلة انتشار مثل هذه الأطروحات والمرئيات، ولكن الذي يهمنا هنا هو الإسهام في النشر، والدور هنا يقع بالدرجة الأولى على المشاهير، ومن المعلوم أن أشهر الشخصيات في صفحات التواصل شخصيات إسلامية، ويتابعهم ملايين الناس. فلماذا لا يزكي هؤلاء المشاهير لهذه الإصدارات لتسويقها بين أفراد المجتمع عموما؟!
أعتقد أن الأمر جد سهل، ومع هذا فهو مُهمل! وسبب إهمال هذه الوسيلة عائدٌ للغفلة والارتجالية، وقلة التنظيم، وليس لأسباب أخرى. وهذه الوسيلة وسيلة عظيمة جداً لو استغلت، وقد سماها أحد الفضلاء في طرح له بـــ"جيوش تويتر" -وقد أصاب.

إحياء الإحياء:
--------------

لحقب طويلة كان العالم الإسلامي -ولا يزال- مستهدفاً بالشبهات والشهوات، من المخالفين وأعداء الدين. وقد اشتد عود هذه الشبهات والشهوات، واستشرى شررها في العصور المتأخرة؛ لا سيما بعد تفكك المجتمع المسلم وضعفه وتخلفه. وقد هيأ الله في كل حقبة من تلك الأحقاب من عباده من يذود عن حياض الشريعة ويُحييها في نفوس الناس، ويبين الحق بلسانه وقلمه. وقد عُرفت تلك الأطروحات في حينها، ولقت رواجاً، وأدت مهمتها في هدم الشبهات -كأحسن ما يكون.

تلك الشبهات التي طُرحت قبل قرون أو عقود، وكُشف عوارها في وقتها، تعود اليوم؛ لكنها تُبعثُ في ثياب جديدة، وبصيغٍ مختلفة، مع بعض تعديلات! وكجزء من الرد على هذه الشبهات التي أُعيد إنتاجها، ينبغي أن يُعاد إنتاج الأطروحات التي ردت عليها في الأحقاب الماضية. وأحبُ أن أُسمي هذا المشروع بــ "إحياء الإحياء". ولا بأس عند نشر هذا الرصيد الـمُهمل أن تحتف به بعض التعليقات والحواشي التي ربما تكون ضرورية لتنفقَ تلك الأطروحات، ولتكونَ صالحة لحاضرنا. وكمثال على هذا الردود على كتاب (الإسلام وأصول الحكم).

إعادة نشر تلك الأطروحات هو من الأهمية بمكان؛ لكن لا ينبغي بحال أن يؤدي ذلك إلى التكاسل عن الرد بأقلامٍ عصرية، فإنه لا شيء يفوق "الطرح العصري" للرد على الشبهات المتجددة؛ لأن الشبهات وإن كانت مُعادة فإنها تُعاد في ثيابٍ جديدة، تستحضر واقع العصر وتطوره التقني وما إلى ذلك، فناسب أن يكون الرد من ابن بيئتها، وممن عايشها، لأنه أعرف بمداخلها ومخارجها.

تنويع طُرُق الخطاب:
-------------------

لم يُعد الكتاب يحملُ ذلك الرونق الذي كان له، وأما الشريط فقد انتقل إلى رحمة الله؛ فقد حضرت وسائل جديدة، أثبتت وجودها، وصنعت لها جماهير غفيرة. ولم يعُد كثيرٌ من الناس يستمعون للكلام الطويل، أو يقرأونه، وإن كان هناك من لا يزال الكتاب رفيقه. وهناك من لا يستهويه إلا المرئي؛ وآخر يحبُ الكلام المختصر، ورابعٌ لا ينتشي إلا إذا رأى أو سمع كلاماً معقداً أو غير مفهوم! هذا التنوع والاختلاف لدى المـُتلقي يجعلُ من الضرورة استحضاره والعناية به عند توفير الوسائل له، وصياغة الخطاب إليه.
من هنا فإن المشاركة بمقاطع يوتيوبيه جاذبة، تُقدمُ ما يطلبه المتابعون، ضروريٌ جداً. والطرح الإسلامي في اليويتيوب وإن كان كثير إلا أنه بدائي، على العكس من غيره. فإننا نجدُ أطروحات أهل الأهواء في اليوتيوب جاذبة جداً، ومبسطة لإيصال الفكرة. كذلك المقاطع الصوتية القصيرة، فإنها وسيلة مهمة شبه مُهملة. وكذلك المقالات الصوتية شبه مهملة أيضاً في الطرح الإسلامي.

برامج تأصيلية تأهيلية:
---------------------

لم يعُد خافياً -خاصة في ظل الهجمات التشكيكية في الدين- حجم الضعف الديني عند كثير من الناس. وهذا يعود إلى طبيعة التنشئة الدينية التي سار عليها المجتمع لفترات طويلة؛ حيثُ كانت التنشئة تنشئة تلقينية تعتني بالمظاهر، ويسير الآخر على خُطى الأول، لا لشيء إلا لأنه رأى الناس يسيرون في ذات الطريق! وهذا لا يعني الحرب على التلقين، أو خطأ تبعية جماعة المسلمين، كلا، وإنما نعني أنه حصل إهمال أركان أخرى مهمة في عملية التنشئة.
لأجل هذا فإنَّ من الواجب والضرورة المـُلحة إقامة برامج تُعنَى بإبراز عظمة هذا الدين وعقلانيته، وتكامله ومناسبته لكل زمان ومكان. برامج ليس دورها الإجابة عن الإشكالات والاعتراضات والشبهات فحسب، بل تزرع وتبني بشكل متكامل، ليكون الجيل بعد ذلك مُحصناً في نفسه هادماً لطرح غيره، بل مهاجماً بالفكر والسلوك والعلم لما يجتهد في بنائه المبطلون.

ولعل من الأمثلة المعاصرة على ما نعني (برنامج صناعة المـُحاور)، الذي هو اليوم في نسخته الثانية. ومع أنه برنامج قام على أيدي ثلة قليلة من الناس، وبإمكانات بسيطة جداً، إلا أنه أنتج ثمرات غير متوقعة، وانتشر خبره بين الجيل، وتهافت عليه الشباب في نُسخته الثانية، حتى أغلق أبواب التسجيل في بضعة أيام! كل هذا مع قلة الموارد والإمكانات. فماذا سيكون حاله لو عُني به أكثر من حيث الدعم والموارد؟! وماذا لو استنسخت التجربة في ذات الحقل أو في حقول أخرى؟! سيخرجُ جيلٌ مؤمنٌ حقاً وصدقاً.

ختاماً..
----

الأمر جد مهم ومتشعبٌ وطويل، والغاية التي نُريد الوصول إليها غاية شريفة نبيلة؛ والخطوة الأولى كما ذكرنا من قبل هي: الاعتراف بتقسيمٍ معين للسوق. وكلما كانت هذه الخطوة أكثر وضوحاً ودقة كلما كان هدفنا أقرب وأنجح. ومتى حصل ذلك التقسيم بشكل دقيق انبنى عليه نوع الإصدار وحجمه وعنوانه ولون غلافه ومكان بيعه طبقاً للفئة المـُستهدفة.




---------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الثقافية, الشباب, والرأسمالية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الشباب والرأسمالية الثقافية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرأسمالية الثقافية! عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 07-10-2016 06:44 AM
إسهام مراكز الشباب في تدعيم قيم المواطنة لدى الشباب Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 3 12-27-2015 12:02 AM
مخاطر العولمة على الهوية الثقافية عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 12-29-2014 09:05 AM
البصيرة الثقافية عبدالناصر محمود رواق الثقافة 0 05-11-2013 06:05 PM
صناعة البيئة الثقافية للخوف Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 1 03-09-2013 05:31 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:00 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59