الحرب المستمرة.. الخيار الاستراتيجي للبيت الأبيض

للبيت , الأبيض , المستمرة.. , الاستراتيجي , الجدار , الحرب

ريهام التهامي - البديل
الحرب المستمرة.. الخيار الاستراتيجي للبيت الأبيض



شيء من الجنون يعتري سياسة إدارة ترامب، يستمد قوته من عنصر متأصل بشكل كبير في الرأسمالية الأمريكية، حيث تعتمد الطبقة الحاكمة الأمريكية على الحرب المستمرة كوسيلة لتحويل التوترات الاجتماعية إلى الخارج، وكآلية أساسية للحفاظ على وضعها العالمي في ظل ظروف التدهور الاقتصادي. مسؤولية هذه السياسة لا تنتهي في البيت الأبيض، وأيا كانت الخلافات بين الطبقات الحاكمة، فإن فصائل المؤسسة السياسية تتفق على الضرورة الاستراتيجية الأساسية للسيطرة على العالم.
في مؤتمر صحفي عقد في سيول، يوم الجمعة الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إن جميع الخيارات مطروحة في التعامل مع كوريا الشمالية. وجاءت هذه التعليقات قبل زيارة تيلرسون بيوم واحد إلى الصين، الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية.
وقال الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل: اسمحوا لي أن أكون واضحا جدا، لقد انتهت سياسة الصبر الاستراتيجي، وهو ما تم تفسيره على نطاق واسع بأنه توبيخ لتفضيل إدارة أوباما للعقوبات الاقتصادية بالنسبة لكوريا الشمالية.
وردا على سؤال حول إمكانية الرد العسكري على كوريا الشمالية، قال تيلرسون: إذا رفعوا التهديد ببرامج أسلحتهم إلى المستوى الذي نعتقد أنه يتطلب أخذ إجراء، سيكون هذا الخيار مطروحا.
وكرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ما قاله تيلرسون، حيث كتب على موقع تويتر: كوريا الشمالية تتصرف بشكل سيئ للغاية، لقد لعبت بالولايات المتحدة لسنوات، والصين فعلت القليل للمساعدة.
إذا كانت هذه الكلمات تحمل أي معنى، فإن تصريحات تيلرسون وترامب، توضح أن الولايات المتحدة تعد حربا وقائية، تبررها خطط كوريا الشمالية المبلغ عنها لاختبار الصواريخ البالستية العابرة للقارات، والقادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة.
هناك انفصال مذهل بين العواقب الرهيبة لهذه الحرب، وبين طريقة تعامل وسائل الإعلام الأمريكية معها، إذ ماذا ستكون الفائدة من توجيه ضربة أمريكية إلى كوريا الشمالية؟، هل سيستجيب النظام الكوري الشمالي للأزمة من خلال إطلاق صواريخ ضد سيول أو طوكيو؟ هل ستستخدم كوريا الشمالية أحد أسلحتها النووية؟ هل ستتحول الحرب ضدها إلى صراع مباشر بين أكبر اقتصادين في العالم الولايات المتحدة والصين؟، لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة بشكل أكيد، ولكن كل السيناريوهات ممكنة.
جاءت إحدى التعليقات القليلة التي تناولت طابع الحرب الأمريكية مع كوريا الشمالية، من الرائد العسكري المتقاعد، مايك لايونس، الذي قال إنه يتعين على الحلفاء الأمريكيين في منطقة المحيط الهادئ بدء جرد قدراتهم العسكرية، والتخطيط لعملية عسكرية يمكن أن تتسبب في خسائر فادحة وتدمير لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، مؤكدا أن الهجوم لن يركز على الأهداف العسكرية فقط، بل ستكون هناك خسائر في صفوف المدنيين تقدر بمئات الآلاف، “وبعبارة أخرى، يجري التفكير في أن الحرب يمكن أن تؤدي إلى أول استخدام قتالي للأسلحة النووية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إن أي عمل عسكري في صندوق الحزم في شمال شرق آسيا يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى”.
في الأسابيع الأخيرة، شاركت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في تدريبات عسكرية واسعة النطاق، وحذر سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة من أن شبه الجزيرة الكورية ترتفع مرة أخرى إلى حافة الحرب النووية، فقد اختبرت كوريا الشمالية صواريخ في اتجاه اليابان، وبدأت الولايات المتحدة في نشر نظام مضاد للصواريخ البالستية في كوريا الجنوبية، موجه بالأساس إلى الصين.
إن تهور الإجراءات الأمريكية يشهد على حقيقة أن جذور الصراع المتصاعد لا يمكن فقط العثور عليه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بل في الولايات المتحدة التي تواجه سلسلة لا مثيل لها من الأزمات.
وعلى الرغم من التهديدات الاستفزازية المتزايدة ضد الصين وكوريا الشمالية، فإن نظام التحالف الأمريكي في آسيا يظهر علامات توتر شديدة، كما أن إقالة رئيسة كوريا الجنوبية، بارك جيون، هي ضربة لمصالح واشطن في المنطقة، وفي الوقت نفسه، أعادت الفلبين، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة، توجهها نحو الصين على حساب الولايات المتحدة.
يواجه نظام التحالف الأوروبي في واشنطن انهيارا دراماتيكيا، وفي نفس اليوم الذي وجه فيه تيلرسون تهديداته ضد الصين، عقد ترامب مؤتمرا صحفيا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تناقش فيه حلفاء الناتو على أنهم خصوم.
وفي الوقت نفسه، اقترحت إدارة ترامب ميزانية تدعوإلى تخفيف الإنفاق المحلي بشكل أكثر من 30% في بعض الإدارات، بجانب برنامج الرعاية الصحية الذي لا يتناسب مع الأمريكيين، في حين أضافت نحو 52 مليار دولار للإنفاق العسكري الأمريكي، مما سيقود إلى تزايد السخط داخل الولايات المتحدة، والتي تعاني بالفعل من عدم المساواة الاجتماعية.
الخطر الأكبر هو أن الطبقة العاملة التي لا تريد الحرب، لا تدرك خطورة الحالة، ولا الموقف وتبعاته، والسياسات التي ستترتب عليها العواقب الكارثية للعمال في الولايات المتحدة وعالميا يتم تجاهلها، وبالتالي فإن تطور الحركة الاشتراكية المناهضة للحرب في الولايات المتحدة وأنحاء العالم هي المهمة السياسية الأكثر إلحاحا.
وورلد سوشيلست

المصدر: ملتقى شذرات