#1  
قديم 02-24-2017, 03:16 PM
عبد الله بولنوار غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: المغرب
المشاركات: 8
افتراضي الموازنة بين اللفظ والمعنى عند الجاحظ


الموازنة بين اللفظ والمعنى عند الجاحظ

درج مجموعة من الدارسين والبلاغيين على تصنيف الجاحظ ضمن أنصار اللفظ – وأهمهم شيخ البلاغة الجرجاني (ت471هـ) رحمه الله في دلائل الإعجاز - منطلقين في ذلك من كلام لم يفهموه عنه في سياقه وهو قوله:" والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجميّ والعربيّ، والبدويّ والقروي، والمدنيّ. وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحّة الطبع وجودة السّبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النّسج، وجنس من التّصوير"[1]، وإن كان مذهب الجاحظ الاعتزالي قد يجعلنا نظن ذلك، نظرا لانتصاره هؤلاء للفظ بقولهم إن القرآن مخلوق والله أوجد حروفه وأصواته الدالة على المعاني.
لكن لو تأملنا قول الجاحظ هذا لوجدناه خاصا بالشعر دون غيره، والشعر تراعى فيه الألفاظ كما تراعى المعاني أو هي أشد، لأن الشاعر محكوم بوزن يحتاج إليه، وإيقاع يبني عليه، والألفاظ هي الطريق إلى ذلك، والمعنى الواحد قد يؤتى بهذا اللفظ وذاك، ولهذا كانت المزية فيه للفظ، وليس في هذا ما يدل على إقصاء المعاني أو الحط من قدرها، لأنها هي المقصودة باللفظ ابتداء، والمعول على اللفظ تبليغها انتهاء.
ومنه فما الألفاظ إلا صور المعاني، تتبعها حيثما كانت، وبأي وصف تحلّت، فلا يستطيع أحد أن يفضل المتبوع عن التابع، والشكل عن الجوهر، وإلا كان كمن قدم الثوب عن صاحبه، رغم أن وجوده منه، وعليه التعويل، يقول الجاحظ في تبعية الألفاظ للمعاني ومشاكلتها لها: "إلا أني أزعم أن سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعاني. وقد يحتاج إلى السخيف في بعض المواضع، وربما أمتع بأكثر من إمتاع الجزل الفخم من الألفاظ، والشريف الكريم من المعاني"[2].
ثم أين نضع قوله: "والأسماء في معنى الأبدان والمعاني في معنى الأرواح. اللفظ للمعنى بدن، والمعنى للَّفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له، وشيئا لا حس فيه، وشيئا لا منفعة عنده. ولا يكون اللفظ اسما إلا وهو مضمّن بمعنى، وقد يكون المعنى ولا اسم له، ولا يكون اسم إلا وله معنى"[3]، ولا أحسب أن قوله هذا يترك ذرة من الشك في هذه المسألة لمن أنصفه.
وأما اعتزالية عمرو بن بحر (المتوفى: 255هـ) فليس هو الرجل الذي يظهر الحق له في أمر فيصرفه شيء عنه، وإلا ما كان له فرقة في الاعتزال نسبت إليه، ثم لماذا لم يقل في إعجاز القرآن بالصرفة كما قال النظام المعتزلي وغيره من بعده كابن حزم الظاهري (المتوفى: 456هـ) وسواه ؟ بل كان الجاحظ من أوائل من قال بالإعجاز في نظم القرآن وألف فيه، كما ذكر هو في مقدمة الحيوان[4]، ونقله عنه كثيرون.
وقد تعددت وتكررت إشاراته إلى ذلك في كتبه، ومن ذلك ذكره للنظم بقوله:" ولو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة، طويلة أو قصيرة، على نظم القرآن وطبعه، وتأليفه ومخرجه لما قدر عليه، ولو استعان بجميع قحطان ومعد بن عدنان"[5]، ومما يدعم كذلك هذا الرأي الذي نزعمه، حكم الجاحظ لصالح المعاني على حساب الألفاظ، فالمعاني عنده هي الأوسع والأرحب، وهذا ما سنبينه من خلال الجزء الآتي المعنون "بحكم المعاني وحكم الألفاظ عند الجاحظ".
حكم المعاني وحكم الألفاظ:

يميل الجاحظ(المتوفى: 255هـ) في مقارنته للمعاني بالألفاظ حول مسألة أيهم الأوسع جانبا والأرحب مجالا إلى الحكم لصالح المعاني، يقول: "اعلم- حفظك الله- أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة"[6].
وهو الرأي الذي لم يره بعض فقهاء اللغة من بعده ومنهم أبو الفتح عثمان بن جني (المتوفى: 392هـ) الذي يقول بغير كلام الجاحظ ويضرب أمثلة دالة على قوله، وذلك في"باب في التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين" حيث قال: "فأما المعاني فأمر ضيق ومذهب مستصعب ألا تراك إذا سئلت عن زيد من قولنا: قام زيد سميته فاعلا وإن سئلت عن زيد من قولنا: زيد قام سميته مبتدأ لا فاعلا وإن كان فاعلا في المعنى. وذلك أنك سلكت طريق صنعة اللفظ فاختلفت السمة فأما المعنى فواحد. فقد ترى إلى سعة طريق اللفظ وضيق طريق المعنى"[7].
وكلا من كلام ابن جني وكلام الجاحظ صحيح، رغم أنه من الممكن أن نظن أن بينهما تعارض، ووجه الجمع بين رأييهما في المثال الذي ساقه ابن جني، أن بين قولنا: "قام زيد"، وقولنا: "زيد قام"، اتفاق في معنى زيد من حيث التركيب النحوي الذي يسعى النحاة للكشف على المعاني من خلاله، فزيد فاعل في الأولى، ومبتدأ في الثانية لكن هذا الابتداء لم يمنعه من أن يبقى فاعلا في معناه.
وأما من حيث التركيب البلاغي الذي هو وسيلة إدراك المعاني عند علماء البلاغة، فهناك اختلاف في المعنى بين الجملتين: فالأولى من قولك: "قام زيد" تريد بها معنى أول وهو الإخبار بقيام زيد، إضافة معنى ثاني وهو العناية بالخبر، والثانية: "زيد قام" تريد بها المعنى الأول إضافة الى إظهار العناية بالمخبر عنه.

[1]- الحيوان، ج3، ص67.

[2]- البيان والتبيين، ج1، ص135.

[3]- رسائل الجاحظ (المتوفى: 255هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، نشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، عام النشر: 1384 هـ - 1964 م، ج1، ص262.

[4]- يقول الجاحظ: "...كما عبت كتابي في الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديع تركيبه"، الحيوان، ج1، ص11، وهو الكتاب الذي ذكره الباقلاني (المتوفى: 403هـ) بقوله: "إن الجاحظ " صنف في نظم القرآن كتابا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله"، إعجاز القرآن، تحقيق: السيد أحمد صقر، نشر: دار المعارف - مصر
الطبعة: الخامسة، 1997م، ص67.

[5]- رسائل الجاحظ، ج3، ص229.

[6]- البيان والتبيين، ج1، ص81.

[7]- الخصائص، ج1، ص345.
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
اللفظ, الموازنة, الجاحظ, والمعنى


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموازنة بين اللفظ والمعنى عند الجاحظ
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اللفظ والمعنى في التفكير النقدي والبلاغي عند العرب Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 4 11-07-2013 04:01 PM
4- موقع نظرية التظم من ثنائية اللفظ والمعنى أيمن أحمد رؤوف القادري أخبار ومختارات أدبية 0 10-16-2013 10:29 PM
العالم النحوي واللغوي أبو حيان الغرناطي Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 06-16-2013 11:28 AM
الجاحظ Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 04-29-2013 12:27 PM
نقد الشعر عند الجاحظ د. المهدي المامون أبشر Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 11-11-2012 01:37 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:09 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59