#1  
قديم 04-12-2013, 07:14 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي البناء الفني في شعر سعدي يوسف


الجزء الأول من
رسالة ماجستير تقدم بها
عبد القادر جبار طه
إلى مجلس كلية الآداب بجامعة بغداد
وهي جزء من متطلبات نيل درجة ماجستير آداب في اللغة العربية
الجزء الأول
(1)
بأشراف
الأستاذ الدكتور فليح كريم الركابي
ربيع الأول 1428 هــ نيسان2007 م
محتويات الرسالة
الموضوع
الصفحة
المقدمة
1
التمهيد
6
الفصل الأول (البنية الظاهرة)
34
المبحث الأول (التشكيلة البصرية)
37
المبحث الثاني (الوزن)
54
المبحث الثالث (القافية)
76
الفصل الثاني (البنية الشاركة)
97
المبحث الاول (الايقاع الداخلي)
100
المبحث الثاني (التوازي)
116
المبحث الثالث (التنغيم)
138
الفصل الثالث (البنية المضمرة)
150
المبحث الاول (البناء التوافقي)
153
المبحث الثاني (البناء التعارضي)
169
المبحث الثالث (البناء التوالدي)
183
الخاتمة
203
المصادر والمراجع
208
المقــدمـــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، النبي الامين محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم..
وبعد
فقد أصبحت قضية البناء الفني في القصيدة العربية واحدة من القضايا الرئيسة التي تناولها النقاد والباحثون في دراساتهم، لما تنطوي عليه من تنوع جمالي تتكشف أسراره مع كل محاولة لسبر غور الشعر، والغوص في عوالمه الفسيحة، وكان الباحث منذ سنوات خلت منشغلا بالشاعر العراقي سعدي يوسف، ومنشغلا بالدهشة التي تحدثها قصيدته لحظة القراءة، لهذا قرر منذ دخوله في دروب اللغة العربية ان يحاول اكتشاف هذا السر العجيب في عالم شعر سعدي يوسف، وبعد التوكل على الله اجتاز السنة التحضيرية وكان معه عنوان الرسالة (البناء الفني في شعر سعدي يوسف)، فبدأ البحث والرحلة بين الكتب الموروثة عن أغلى تراث أدبي، لأشرف لغة عرفتها الدنيا، لغة القرآن العظيم، وهذه الرحلة دفعته لان يبحث بين طيات الكتب الحديثة وما أنتجه الفكر فيها من عربي وغربي، في محاولة لاعتماد المفهومات والمصطلحات التي تفتح مغاليق القصيدة أمامه، وبعد حوار مع أساتذته الافاضل والاستاذ المشرف خاصة، قرر الباحث ولوج الدرب الصعب الذي اختاره في اول الامر ، وهو (البناء الفني للقصيدة).
وكان ذلك الاختيار يفرض عليه الاطلاع على الرسائل العلمية التي تناولها زملاؤه وأساتذته قبله واغنوا المكتبة العربية بطروحاتهم فيها، وان يطلع على الكتب الصادرة بهذا الشأن.
وتجول الباحث بين المفهومات والمصطلحات والبحوث والكتب، وكان البدء أمامه صعبا بسبب ضبابية الرؤيا عنده، لكن البحث المخلص والجاد فتح مغاليق الافكار لدى الباحث وأجاب عن بعض من اسئلته ، لكن الاسئلة الاخرى ظلت عنده مدار بحث وتقص حتى اهتدى بعد توفيق من الله الى الاطار العام للبحث، فقسمه على تمهيد وفصول ثلاثة.
ولكي يحاول الباحث الاحاطة بالموضوع، قسم التمهيد على قسمين: الاول درس فيه (البناء الفني لغة واصطلاحا وتطورا تاريخيا)، في محاولة منه لتحديد هذا المصطلح، اما القسم الثاني فدرس فيه (السمات العامة للبناء الفني في قصيدة سعدي يوسف)، من اجل ان يعطي فكرة عامة عن الدراسات السابقة التي تناولت هذا الشاعر، معتمدا على الكتب الصادرة في العراق وفي الوطن العربي، وحاول الباحث في هذا القسم من التمهيد ان يعطي فكرة عامة لآراء النقاد والباحثين بشأن شعر سعدي يوسف.
وفي الفصل الاول درس الباحث (البنية الظاهرة) في قصيدة الشاعر موضوع البحث، وحاول تسويغ هذا المفهوم على وفق اسس علمية ومنطقية، وذلك من خلال مباحث ثلاثة (البنية التشكيلية البصرية)، و(الوزن)، و(القافية).
وكانت امام الباحث مناهج مختلفة، الامر الذي زاد المهمة صعوبة، فلكل منهج مزاياه وعيوبه، وبعد حوار مع استاذه المشرف توصل الباحث الى ان المنهج التحليلي هو الاصلح لدراسة موضوع مثل الذي يخوض فيه.
اما الفصل الثاني فدرس فيه (البنية الشاركة)، وهي ايضاً كانت بحاجة الى تحديد مفهومي، وحاول الباحث ذلك، وتضمنت هذه البنية مباحث ثلاثة وهي: (الايقاع الداخلي)، و(التوازي)، و(التنغيم).
وفي هذا الفصل لاحظ الباحث ان الحدود بين المباحث شفافة جدا الى درجة التنافذ لانها تشكل بنية ايقاعية اخرى غير الوزن في القصيدة، كما تتداخل هذه المباحث مع مباحث الفصل الاول، فالقافية عند بعض النقاد والدارسين للايقاع بنية (تواز) ايضا، لكن الذي يفصلهما بعد تدقيق الباحث في خاصية كل مفهوم ان القافية تحدد بعض أنماط بناء القصيدة، في حين لاتحدد بنى التوازي الاخرى انماط البناء وهذه المسألة ساعدت الباحث على فصل القافية عن (التوازي) في الدراسة.
وفي الفصل الثالث درس الباحث (البنية المضمرة)، وهي اعمق بنية في النص بوصفها البنية الحاملة للمعنى او الرسالة، ولاحظ الباحث ان هذه البنية تمتاز بجدلية خاصة فهي منتجة (بكسر التاء)، ومنتجة (بفتح التاء) في آن واحد ، منتجة للصورة الشعرية التي ترتسم من خلال علاقات الأنساق داخل القصيدة، وهي منتجة (بفتح التاء) عن مجمل عناصر البناء الفني الاخرى، ولهذا قسم الباحث الفصل الثالث على ثلاثة مباحث ايضا، وهي: البناء التوافقي والبناء التعارضي والبناء التوالدي، ولكل بنية من هذه البنى ما يسوغ وجودها في النص كما حاول الباحث اثبات ذلك وطبيعة انتاجها للصورة الشعرية.
ولاحظ الباحث ان البنى الرئيسة التي درسها، وما تتضمنه من بنى فرعية تمتاز باشتراك بعض عناصرها مع عناصر اخرى في بنى اخرى، ولهذا فان بحثه قسم على وفق العناصر الاكثر تأثيرا في البنية ، او العناصر التي تطبع البنية بطابعها، كما لاحظ الباحث ان معظم البنى تحمل قيمتين الاولى ايقاعية والثانية دلالية، لذلك حاول الباحث الاعتماد في تصنيف البنى على القيمة الاكثر بروزا فيها.
ويجد الباحث لزاما عليه بعد هذا العرض السريع ان يعبر عن امتنانه وتقديره وشكره لكل اصحاب الأيدي البيض الذين اسعفوا اسئلته بالاجابة العلمية وساعدوا على انجاز هذه الرسالة بروح نبيلة لاتكف عن العطاء وفي مقدمتهم، الدكتور محمود الجادر والدكتور فائز طه عمر، والدكتورة عربية توفيق لازم والدكتور نهاد حسوبي والدكتور عبداللطيف الطائي، والدكتور عبدالرزاق خليفة والدكتور محمد حسين آل ياسين والدكتورة نصيرة احمد، واذا كان لابد من الاشادة بالاصدقاء الذين قدموا العون والنصيحة للباحث، وكانوا حاتميين في كرمهم فلا بد من الاشادة بالدكتور مرشد الزبيدي والدكتور عبدالمطلب محمود، والدكتور خالد علي مصطفى.
وبعد
يرى الباحث في هذه المناسبة ان الشكر وحده لايفي حق الاستاذ الدكتور فليح كريم الركابي، المشرف على هذه الرسالة، لانه بذل من الجهد الكبير، والوقت الكثير على الرغم من مشاغله من اجل ان ينير زوايا العتمة فيها وتظهر الى الوجود بهذه الصورة، فقد كان الدكتور فليح الركابي مع الباحث موجها مذ كانت الرسالة فكرة تجوس في الذهن، لذا اتقدم بتحية وتقدير وامتنان له، داعيا الله ان يحفظه ويوفقه في عمله لما جاد به من علم غزير ملأ سطور هذه الرسالة فهو نعم الاستاذ ، والاخ، والصديق، بصفاته الرائعة النبيلة المبنية على التواضع الجم والمحبة والاخلاق العربية الاصيلة في العلم والتعامل مع الاخرين.
واخيرا فان على الباحث ان يعترف ان هذه الرسالة لاتدعي لنفسها الكمال لان كل الذي انجزه ربما لا يشكل نقطة في بحر العلم الغزير، وانه لم يكن ليصل الى ما وصل اليه لو لا جهود الاساتذة الاجلاء الافاضل الذين سبقوه في هذا الطريق، وأسأل الله ان يوفقهم جميعا ويوفق كل جهد طيب شريف لخدمة ثقافتنا العربية العظيمة.
والله الموفق
الباحث
التمهيـــــــــد
1ـ البناء الفني لغة واصطلاحا وتطورا تاريخيا
2ـ السمات العامة لبنية القصيدة في شعر سعدي يوسف
يفرض موضوع الرسالة تحديد مقتربين رئيسين، الاول، البناء الفني، لغة واصطلاحا وتطورا تاريخيا والثاني، السمات العامة لبنية القصيدة في شعر (سعدي يوسف)، من اجل تحديد الاتجاهات التي ستتناولها الرسالة والاسس التي سيتم بموجبها اختيار عناصر البناء.
1ـ البناء الفني لغة واصطلاحا وتطورا تاريخيا
في اللغة تحدد المعجمات العربية معنى البناء على انه نقيض الهدم، والبنية بكسر الباء وضمها ما بنيته، واستعملت هذه المفردة للدلالة على انشاء القصور والسفن(1).
والبُنى بالضم مقصور، مثل البُنىِ ، يقال بُنية وبنى، وبنيته ومفردة بنى بكسر الباء مقصورة، مثل جزية وجزى، وفلان صحيح البنية أي الفطرة(2).
وفي اللغات الاوربية يعود اصل كلمة بنية بحسب ما يذكر الدكتور صلاح فضل الى اللغة اللاتينية (stuere) ، الذي يعني البناء اوالطريقة التي يقام بها مبنى ما، ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع الاجزاء في مبنى ما من وجهة النظر الفنية المعمارية وبما يؤدي اليه من جمال تشكيلي(3).
اما مصطلح (البناء الفني) فمر بأطوار مختلفة تواءمت مع الاطوار التي مر بها الادب ذاته، ففي عصر الاغريق نظر الفلاسفة الى البناء على انه الوحدة العضوية التي تتآزر فيها اجزاء العمل الفني لجعله متماسكا ((بحيث اذا نقل او بتر جزء انفرط عقد الكل وتزعزع ، لان ما يمكن ان يضاف، اولا يضاف دون نتيجة ملموسة لايكون جزءاً من الكل))(4).
ويذهب الدكتور عزالدين اسماعيل الى ان اهتمام الفلاسفة الاغريق بالوحدة العضوية عائد الى خاصية بناء الملحمة التي تمتاز بالطول من جهة، وتعدد موضوعاتها من جهة اخرى(5).
وصفتا الطول وتعدد الموضوعات فرضتا وجود وظيفة ذات تأثير فعال لكل جزء من اجزائها، وذلك لاحداث تماسك داخلي في بنيتها بما يجعل المتلقي منشدّا الى احداثها المتعددة.
وفي النقد العربي القديم اتخذ مصطلح البناء اطوارا اخرى، امتازت بتعدد زوايا النظر الى طبيعته وتشكّله، فالبناء عند ابن قتيبة (ت ـ 276هـ) يتحدد في ضوء عاملين: الاول غرض القصيدة، لان ((المديح بناء، والهجاء بناء، وليس كل بان بضرب بانيا بغيره))(1)، والثاني الخصائص الداخلية المشكّلة لموضوعات القصيدة وعلاقتها بالواقع ثم تأثيرها بالمتلقي، فمقصد القصيد ((انما ابتدأ بذكر الديار والدمن والاثار ، فبكى وشكا، وخاطب الربع واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سببا لذكر اهلها الظاعنين (عنها) .. ثم وصل ذلك بالنسيب ، فشكا شدة الوجد، وألم الفراق ، وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب، ويصرف اليه الوجوه، وليستدعي (به) اصغاء الاسماع (اليه)، لان التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب))(2).
ونظر ابن طباطبا (ت ـ322هـ) الى البناء الفني من زاوية الوحدة العضوية للقصيدة، وهي الزاوية نفسها التي سبق للفلاسفة الاغريق النظر من خلالها الى بناء الملحمة الشعرية، فأحسن الشعر عنده ((ما ينتظم القول فيه انتظاما يتسق به اوله مع آخره على ما ينسقه قائله، فان قدم بيت على بيت دخله الخلل.. فأن الشعر اذ أسس تأسيس فصول الرسائل القائمة بأنفسها، وكلمات الحكمة المستقلة بذاتها، والامثلة السائرة الموسومة باختصارها لم يحسن نظمه، بل يجب ان تكون القصيدة كلها ككلمة واحدة في اشتباه اولها بآخرها نسجا وحسنا وفصاحة، وجزالة ألفاظ، ودقة معان وصواب تأليف ويكون خروج الشاعر من كل معنى يصنعه الى غيره من المعاني خروجا لطيفا، حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة افراغا.. لاتناقض في معانيها ولا هي في مبانيها))(3) .
وجعل ابن طباطبا الوعي عاملا حاسما في بناء القصيدة ، فالشاعر اذا اراد بناء قصيدة ((مخّض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره))(4).
اما قدامه بن جعفر (ت ـ 337هـ) فانه اكد في رؤيته لبناء القصيدة وجود مكونين رئيسين: الاول الايقاع ، واشار في هذا الصدد الى ان(( بنية الشعر ، انما هو التسجيع والتقفية ، فكلما كان الشعر اكثر اشتمالا عليه ، كان أدخل له في باب الشعر وأخرج عن مذهب النثر ))(1).
والمكوّن الثاني، المعنى ،اذ رأى ((ان بنية الشعر على ان ألفاظه مع قصرها قد اشير بها الى معان طوال))(2).
وأكد ابن رشيق القيرواني (ت ـ456هـ) موقف ابن طباطبا بشأن الوحدة العضوية في بناء القصيدة مشبها اجزاءها بأعضاء جسم الانسان ، فهي مثلها (( مثل خلق الانسان في اتصال بعض اعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الاخر وباينه في صحة التركيب ، غادر الجسم عاهة تتخوّن محاسنه . وتعفي معالم جماله ، ووجدت حذّاق الشعراء ، وارباب الصناعة من المحدثين يحترسون من مثل هذه الحال ، احتراسا يحميهم من شوائب النقصان ويقف بهم على محجة الاحسان ))(3).
وطرح عبد القاهر الجرجاني (ت ـ471هـ) قضية البناء للقصيدة العربية بوصفها علاقات تحققها المعاني في أنساقها، مؤكدا انه ((لانظم في الكلم ولاترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض))(4).
من جهته عالج حازم القرطاجني(ت ـ684هـ) بناء القصيدة من زاويتين الاولى تقليدية بالنسبة لعصره وهي الوحدة العضوية التي سبق للنقاد العرب القدامى وقبلهم الاغريق معالجتها بقوله، انه ينبغي ((ان تكون متناسبة المسموعات والمفهومات حسنة الاطراد ، غير متخاذلة النسج))(5).
اما الثانية فنظر اليها من خلال علاقة الخيال ببناء القصيدة ، فالشاعر عنده اذا اراد نظم قصيدة ، عليه ان يتخيل مقاصده الكلية ، وان يتخيل المقاصد طريقة واسلوبا، او اساليب متجانسة او متخالفة(6).
وعلى هذا الاساس فان الطبقة الاولى من الشعراء عنده ، هم الذين ((يقوون على تصور المقولات ومقاصدها بالقوة قبل حصولها بالفعل ))(1).
وفي ضوء ماتقدم ، يمكن تلخيص آراء النقاد العرب القدامى في قضية بناء القصيدة على النحو الاتي:
أـ النظر الى بنية القصيدة من زاوية وحدتها العضوية .
ب ـ اشتمال بنية القصيدة على موضوعات متعددة .
ت ـ ان المتلقي جزء من البناء.
ث ـ بنية القصيدة تتشكل من علاقات المعاني التي تحققها الانساق في المنظومة اللغوية.
ج ـ ان بناء الشعر يتحقق في علاقة المعنى بالايقاع وتآلفهما في منظومة واحدة.
ح ـ بناء القصيدة عملية ذهنية واعية ترتبط بالخيال .
خ ـ غرض القصيدة اساس بنائها.
ولم تشمل آراء النقاد العرب القدامى بشان بناء القصيدة موقفهم من الموشح الذي ظهر في اواخر القرن الثالث الهجري في الاندلس(2).
وتعد بنية الموشح في نظر النقاد العرب القدامى خروجا او انزياحا عن البنية التقليدية للقصيدة العربية، ولخص ابن خلدون (ت ـ808هـ) هذا الانزياح في الموشح بقوله: ((واما اهل الاندلس فلما كثر الشعر في قطرهم ، وتهذبت مناحيه وفنونه ،وبلغ التنميق فيه الغاية ، استحدث المتأخرون منهم فنا سموه بالموشح ، ينظمونه اسماطا اسماطا ، واغصانا اغصانا ، يكثرون من اعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتاً واحدا ، ويلتزمون عدد قوافي تلك الاغصان واوزانها متتاليا فيما بعد الى آخر القطعة ، واكثر ما تنتهي عندهم الى سبعة ابيات ، ويشتمل كل بيت على اغصان عددها بحسب الاغراض والمذاهب ، وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد ، وتجاروا في ذلك الى الغاية ، واستظرفه الناس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه))(1) .
وفي هذا التقويم حدد ابن خلدون اختلاف الموشح عن البناء التقليدي للقصيدة العربية ، في ثلاثة جوانب: الاول، التشكيل البصري ، والثاني، استخدامه للاوزان المختلفة في النص الواحد ، والثالث، طبيعة النسق المولد للمعنى.
ودرس عدد من النقاد القدامى سمات البناء الفني للموشح فذهب ابن رشد (ت ـ595هـ) الى ان النغم والوزن والتشبيه قد تجتمع ثلاثتها في الموشحات في وقت لايوجد في اشعار العرب اللحن ، اذ هي اما الوزن فقط ، واما الوزن والمحاكاة معا(2). اما ابن سناء الملك (ت-608هـ)، فرأى ان الموشحات لم تعتمد على اوزان العرب التقليدية(3)، بل خلقت اوزانا خاصة بها، وكان ابن بسام (ت-542هـ) قد اكد هذه الحقيقة بقوله حتى وان اعتمدت الموشحات على اوزان الشعر فأنها غالبا ما تعتمد على الاعاريض المهملة غير المستعملة(4).
ولاحظ عدد من النقاد المحدثين هذه التطورات المهمة في بنية الموشح، فرأى الناقد طراد الكبيسي: ((ان ظهور الموشح يعد اولى المحاولات الجادة للخروج عن البنية التقليدية للقصيدة العربية))(5)، اما الباحثة نبيلة الرزاز فقررت اختلاف بنية الموشحات عن القصيدة العربية التقليدية في الشكل والايقاع والمضمون واللغة ، معللة ذلك الاختلاف ((بمحاولة الانسجام مع البيئة التي نمت وترعرت فيها، وهي بيئة الاندلس المختلفة عن بيئة الصحراء))(6). متجهة في هذا التقويم الى الجانب التكويني في بناء الموشح.
ويرى الباحث ان تحليل النقاد العرب القدامى والمحدثين لبنية الموشح أدخل على البنية الشعرية التقليدية عناصر جديدة وهي على النحو الاتي:
أ ـ التشكيل البصري للموشح وعلاقته بالمعنى.
ب ـ النغم الذي تولد عن الاوزان المتعددة التي استخدمها الموشح واسلوب استخدامه لها.
وهذان العنصران يعدان تطورا فنيا مهما في بنية القصيدة العربية، اسهم فيما بعد بإحداث تطور جدي في دراسة القصيدة العربية قديمها وحديثها، اذ أدخل عدد من النقاد العرب القدامى والمحدثين، (التشكيل البصري) للقصيدة في دراسة بنائها الفني(1)، مثلما ادخلوا الانشاد والتنغيم عنصرا ثانيا في البناء الفني للقصيدة(2).
ولم تذكر المصادر التاريخية حدوث تطور جوهري في بنية القصيدة العربية في مرحلة تدهور الحضارة العربية الاسلامية، بعد سقوط بغداد سنة (656هـ)، ولهذا عمدت الدراسات النقدية الى وصفها، بانها مرحلة انحطاط وظلام في تطور الشعر(3)، وترى الدكتورة عربية توفيق لازم، ان مادة الشعر في تلك المرحلة كانت (( صورة وفكرا وعاطفة وخيالا تتحول في شكلها النهائي الى حياة ميتة، هي صدى لحياة مضت، واذا انتقلنا الى عملية البناء التي تتشكل فيها هذه المادة وجدنا الشعراء يتبعون المنهج القديم نفسه الذي رسمه اسلافهم للقصيدة العربية))(4). اذ غلبت على قصائد تلك المرحلة المفردات المعجمية، واستخدام الغريب النادر منها وولعا بالصناعة واستعمال المحسنات اللفظية(5)، وحلل الدكتور احمد مطلوب الاسباب الكامنة وراء هذا الاستخدام المفرط للمحسنات والمفردات المعجمية بقوله: ((ان الشعراء مثلوا هذه الفترة اصدق تمثيل فجاءت مقاييسهم مختلفة وقيمهم مضطربة ، وخلت قصائدهم من الجودة والخيال المبتكر، لانهم كانوا ينظمون بلا عواطف واحاسيس))(6)، ولما كان
الشعر ربطا معنويا بين الايقاع والحالة النفسية كما يقرر ذلك الدكتور محمد
التوتنجي، فان انفصال الاثنين بعضهما عن بعض أدى الى ضعف الشعر وعقمه(1).
ومع هذا الاطار العام للانحدار كانت هناك بعض المحاولات البسيطة التي لم ترق الى مستوى الثورة لتجديد بناء القصيدة، بسبب شدة عناية الشعراء بالصنعة والتكلف والزخرف كما في محاولات (صفي الدين الحلي) (2).
وفي عصر النهضة العربية الحديثة التي يحددها الدكتور علي المحجوبي في النصف الاول من القرن التاسع عشر عرفت مصر ((تغييرا سريعا في كل من الميادين العسكرية والاقتصادية والادارية والتربوية والثقافية))(3).
وكانت قضية بناء القصيدة العربية وضرورة ملاءمتها لتطور الحياة واحدة من القضايا الثقافية الادبية التي طرحها النقاد والشعراء العرب على حد سواء ، ويعد الشيخ حسين المرصفي من اوائل النقاد العرب الذين عنوا بمفهوم الوحدة العضوية للقصيدة في عصر النهضة ، اذ رأى ((ان القصيدة وحدة ينبغي ان تترابط اجزاؤها ، وتتصل ابياتها حتى لايمكن تقديم بيت او تأخيره من دون ان يؤثر هذا التقديم والتأخير في سياق القصيدة))(4).
وبذلك حاول النقد العربي الحديث ان يحاكي التراث النقدي العربي في مراحل تطور الشعر وازدهاره، في محاولة منه لبعث القصيدة العربية من جديد بما يلائم تطور الحياة.
ومع تلك المحاولات دخل عنصر ثان الى عوامل التجديد ويتلخص في اطلاع بعض المثقفين العرب على الاداب الاوربية والعمل على الافادة من التطورات التي اصابت تلك الاداب عامة والشعر بصفة خاصة، وكان الشيخ نجيب الحداد واحدا منهم، فكتب في عام (1897م) مقالا في مجلة البيان المصرية قال فيه: ((ان الاوربيين يصلون بين البيت الاول والثاني في المعنى واللفظ جميعا، بان يجعلوا الفاعل قافية للبيت ويضعوا مفعوله في اول البيت الثاني ، بحيث يضطر القارىء له الا يقف عند القافية بل يصلها بما بعدها في الإلقاء))(5).
ويذهب الدكتور محمد حسين الاعرجي الى ان المثقفين العرب في عصر النهضة بدأوا ((يسمعون عن اقسام الشعر الاوربي، ويفهمون ان منها ما يسمى بالغنائي، ومنها ما يسمى بالملاحم، ومنها ما يسمى بالتمثيلي، ومنها ما يسمى بالقصصي ، ومنها ما يسمى
بالتعليمي))(1)، كما ظهر تأثير الادب الغربي على الشعراء المهجريين(2)، اذ وقع أمين الريحاني تحت تأثير الشاعر الامريكي والت ويتمان، فحاول كتابة الشعر المنثور باللغة العربية لما وجد فيه من فلسفة وخيال وجدة(3) كما يذكر، وكان هذا الانموذج الجديد غير قادر على مقاومة نمط البناء الذي ساد القصيدة التقليدية في عصر النهضة ، ويعلل الدكتور عبدالواحد لؤلؤة ذلك بقوله ((ان (اوراق العشب)* بخلوها من الوزن والقافية لايمكن ان تسمى شعرا حسب المفهوم العربي للشعر))(4).
وحاول شاعر مهجري اخر، هو خليل مطران كتابة ملحمة شعرية في نيرون(5).
وكانت تلك المحاولات مصحوبة بدعوات المهجريين لتبني قضية الوحدة العضوية في القصيدة العربية، وتخليصها مما لحقها من تفكك، لهذا كتب خليل مطران في مقدمة ديوانه الصادر سنة (1908م) عن قصائده قائلا: ((هذا شعر ليس ناظمه بعبده، ولاتحمله ضرورات الوزن او القافية على غير قصد، يقال فيه المعنى الصحيح باللفظ الفصيح، ولاينظر قائله الى جمال البيت المفرد، ولو انكره جاره، وشاتم اخاه، ودابر المطلع وقاطع المقطع، وخالف الختام، بل ينظر الى جمال البيت في ذاته، وفي موضعه ، والى جملة القصيدة في تركيبها وفي ترتيبها وفي تناسق معانيها وتوافقها))(6).
بعدها تصدى عباس محمود العقاد لموضوع الوحدة العضوية في القصيدة ورأى ((ان القصيدة ينبغي ان تكون عملا فنيا تاما، يكمل فيه تصوير خاطرة، او لخواطر متجانسة، كما يكمل التمثال بأعضائه والصور بأجزائها ، واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث اذا اختلف الوضع او تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة القصيدة وافسدها))(1).
وعلى وفق هذا التصور تأسست جماعة الديوان في مصر في عشرينيات القرن الماضي، وضمت مع العقاد ، عبد الرحمن شكري وابراهيم المازني ،ونادت هذه الجماعة بضرورة ان يعبر الشعر عن ذات الشاعر وتجاربه وانه ليس عيبا ان تتحرر القصيدة من القافية الموحدة (2).
ويقرر الدكتور عناد غزوان ان خليل مطران والديوانيين وشعراء المهاجر تميزوا في معالجة موضوعاتهم بالميل الى الذات وتصوير المشاعر الانسانية، ورأى عبد الرحمن شكري ان اصول الشعر ثلاثة هي العاطفة والخيال والذوق(3).
وفي عام (1932م)، تأسست في مصر جماعة اخرى عرفت بـ(جماعة ابولو)، نادت هي ايضا بوحدة القصيدة وضرورة ان ((تنتظم القصيدة وحدة فكرية وشعورية)) (4). كما دعت الى التحرر من القافية والتنويع في البحور الشعرية في القصيدة الواحدة والتجديد في بنيتها (5).
وكانت تلك الطروحات موضوع تقويم عند النقاد المحدثين ، خاصة فيما يتعلق بجدواها في احداث تطور في بنية القصيدة العربية ، فذهب الناقد والشاعر يوسف الصائغ الى ان ((تلك الطروحات لم توفق الى تقديم أنموذج متكامل للدعاوى الجديدة التي روجت لها في مجال تطوير القصيدة العربية ، ومن ذلك تطوير البناء الشعري للقصيدة)) (6).
وذهب الدكتور عبدالسلام المسدي الى اتجاه اخر في تقويم تلك الطروحات فرأى ان (( نتاجات جماعة الديوان ومدرسة ابولو وشعراء المهجر تدين بالدرجة الاولى الى الاتصال بالشعر الغربي مباشرة او عن طريق الترجمة ، لذلك ظهرت آثار التذبذب في نتاجاتهم ، اذ جمع بعض الشعراء اتجاهات غربية مختلفة في ديوان واحد او في قصيدة واحدة ، فقد يكون الموضوع رومانتيكيا ومعالجته الفنية رمزية وشكله الخارجي كلاسيكيا ،وقد يكون الترتيب مختلفا في قصيدة اخرى)) ( 1).
ومع هذا التذبذب في تقديم الانموذج الجديد في بناء القصيدة العربية كانت منعكسات الواقع الموضوعي في الذات العربية بعامة والذات الشعرية خاصة تتفاعل بسرعة لتأسيس بناء جديد للقصيدة ، وفي الوقت نفسه تكثف رغبة التمرد ضد ماهو تقليدي في الشعر ، ويلخص الناقد فاضل ثامر هذه التطورات بقوله (( ان عملية تأسيس الشعرية العربية الحديثة في اواخر الاربعينيات ومطلع الخمسينيات،وبالذات جهود رواد حركة الشعر الحر في العراق ،لم تكن عملية فردية ، كما لم تكن خاضعة لفعل المصادفة ، بل كانت جزءا من عملية تاريخية وثقافية وجمالية معقدة ترتبط اوثق ارتباط بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل بنية المجتمع العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام بعد الحرب العالمية الثانية)) (2).
ويفصل السياب تلك المتغيرات قائلا ((ان الحرب العالمية الثانية احدثت رجة كبرى في حياة العالم كله،وفي حياة الوطن العربي بصورة خاصة ،ففي العراق كانت ثورة 1941 الوطنية ، ثم اندحار الثورة واحتلال الانكليز للبلاد من جديد ، وكذلك الحال في سوريا ولبنان وفي كافة انحاء الوطن العربي)) ( 3).
ان هذه المتغيرات الموضوعية تلاقحت مع العوامل الذاتية المتمثلة برفض القوالب التقليدية للقصيدة العربية من جهة والاطلاع على نماذج الشعر العالمي من جهة اخرى الامر الذي اسهم بولادة (قصيدة التفعيلية او الشعر الحر) ،وتؤكد نازك الملائكة هذه الحقيقة بقولها ((لم يكن ديواني الاول عاشقة الليل قد ظهر الى الوجود او طبع،وكنت آنذاك اكثر من قراءة الشعر الانكليزي فأعجبت بالمطولات الشعرية التي نظمها الشعراء واحببت ان يكون لنا في الوطن العربي مطولات مثلهم))(1).
ان توافر الظرفين الموضوعي والذاتي لم يسهم بولادة قصيدة التفعيلة فحسب ، بل يسهم بولادة اطار نظري يسوغ وجود هذا النمط من البناء ،فالمقدمة التي كتبتها نازك الملائكة لديوانها (شظايا ورماد) ، الصادر سنة (1949م) ترقى الى مستوى المانفستو او البيان الشعري(2).
وعلى الرغم من اهمية تلك المقدمة الا ان نازك الملائكة لم تتحدث صراحة عن بنية قصيدة التفعيلة ،لكنها كانت تقترب كثيرا من هذا المفهوم بسبب عدم شيوعه آنذاك ، ويؤكد الناقد فاضل ثامر هذه الحقيقة بالقول: ((يخيل لنا ان الشاعرة عندما تتحدث عن مفهوم (الهيكل) في الشعر،انما كانت تحوم في وقت مبكر حول مفهوم البنية))(3).
وفي نهاية الخمسينيات تبلور مصطلح البنية في النقد الادبي العربي الحديث بعد ان توسع النقاد الغربيون باستخدامه الامر الذي دفع السياب الى القول :(( ان الشعر الحر بناء فني جديد،واتجاه واقعي جديد جاء ليسحق الميوعة الرومانتيكية))(4).
وتحلل الناقدة الجزائرية خيرة خمر العين، طبيعة الثورة الشعرية في العراق بقولها: ((ولاشك في ان حركة الشعر الحر التي ظهرت بالعراق شكلت ارهاصا حقيقيا للبنات الحداثة الشعرية ،وذلك استجابة لتطور البنيات والعلائق وتغيير الانساق ،وقد كانت هذه الحركة بمثابة ثورة على انظمة التقاليد الموروثة ))(5).
وعلى وفق هذه التصورات فان بنية قصيدة التفعيلة تعد بنية ذات خصائص وسمات تختلف عن بنية القصيدة التقليدية، وهذه السمات والخصائص جعلت قضية دراستها تنطلق من جوهر البنى المشكلة لقصيدة الشعر الحر.
2ـ السمات العامة لبنية القصيدة في شعر سعدي يوسف
في بداية الخمسينيات بدأ الشاعر سعدي يوسف كتابة الشعر ، ولم يكن في حينها قد استوعب المنجزات التي حققتها قصيدة التفعيلة وثورتها الجديدة، لذلك نظم قصائد على عمود الشعر التقليدي ، ففي سنة (1952م) كتب قصيدة (القرصان) ،وفي بدايات عام (1953م)،كتب قصيدتي(ارادوا ان اتحدث عن الفن) و(اغنية فارسية)(1)، وتشير الاعمال الشعرية الكاملة للشاعر، الى انه كتب اولى قصائده من الشعر الحر، سنة(1953م) ، تحت عنوان (تخطيط اولي عن حصار غرناطة)(2)، وربما كانت هناك محاولات اخرى سبقت هذه القصيدة الا انها لم تنشر ، ويروي سعدي يوسف بدايته مع الشعر بقوله: ((افكر بالاعوام الاربعين التي اعقبت اول نص شعري نشرته،كنت لاازال في ايام الطلب ،استدنت من عم لي عشرة دنانير لاطبع قصيدة طويلة في كراس، اعدت المبلغ الى عمي، لا ورقة (واحدة) او ورقتين كما تسلمته بل كيسا من معادن مختلفة الشيات والاصوات ،ومن تلك القصيدة كسبت الكثير :حزاما جلدا ،وكرسيا في سينما))(3) .
وكانت تلك البدايات تشي بولادة شاعر ادخل النقد العربي عامة والعراقي بصفة خاصة في جدل المنزلة والتمييز في خريطة الشعر العربي الحديث، فمن النقاد من ذهب الى القول ان الشاعر سعدي يوسف لم يكن في عقد الخمسينيات شاعرا لافتا
للانظار(4)، في حين ذهب اخر الى ان سعدي يوسف استطاع في عقد الخمسينيات تكوين شخصية شعرية خاصة ومتميزة شانه في ذلك شان رواد قصيدة التفعلية بقوله: ((ان السياب اعتمد التراث العراقي القديم ، والبياتي التراث العالمي ،ونازك الانكليزي،وسعدي اعتمد مايوحيه له الفلكور والمأثورات الشعبية اليومية ،وبلند بعض ماوصله من التراث الوجودي وفلسفته))(5). ويدل هذا التقويم ان الشاعر سعدي يوسف رسم لنفسه اسلوبا خاصا في الشعر شأنه في ذلك شأن الشعراء الرواد في قصيدة التفعيلة.
ودخل الشاعر يوسف الصائغ في الجدل النقدي لموقع سعدي يوسف في الخريطة الشعرية لعقد الخمسينيات مشيرا الى ان سعدي يوسف عد في تلك المرحلة من الشعراء الشباب الذين بدأوا كتابة الشعر متأثرين بقصيدة التفعيلة،(1) وكان هذا الموقف النقدي للشاعر يوسف الصائغ من سعدي يوسف قد دفعه الى النظر الى بنية قصيدة سعدي يوسف على انها بنية مشتركة بمجموعة من الخصائص مع بنى اخرى ضمن قصيدة التفعيلة في حقبة الخمسينيات، ذاهبا الى انها اتصفت بالمواصفات نفسها التي سادت بنية الشعر الحر انذاك وهي على النحو الاتي (2).
1ـ البناء القصصي.
2ـبناء التكرار.
3ـ بناء بداية القصيدة المعتمدة على مغايرة البدايات السابقة للقصائد، مثل استخدام الجار والمجرور ، والضمائر، وحروف التشبيه.
4ـ بناء نهاية القصيدة الذي يتسق مع التدفق الشعوري للشاعر وتوقفه في اللحظة المناسبة.
درس الباحث قصائد الشاعر سعدي يوسف في عقد الخمسينيات فوجد انها تتصف بأنماط البناء ذاتها التي حددها الصائغ ،فبنية القصة واضحة في قصيدة (امر بالقاء القبض)(3)،وبنية التكرار واضحة في قصيدة (مرة اخرى ايها الفرنسيون)(4)، وبنية مغايرة التقليد في بداية القصيدة واضحة في قصيدة (محمد بن عبدالحسين)(5)، وبنية النهاية المتسقة مع التدفق الشعوري والتوقف في اللحظة المناسبة واضحة في قصيدة (الى بعيدة)(6)،
ويرى الباحث ان هذه السمات التي حددها الصائغ للقصيدة الخمسينية تتصف بالقابلية على التعميم ،اذ ان العقود التي تلت الخمسينيات تؤشر وجود السمات ذاتها
في بنية القصيدة خاصة في الستينيات والسبعينيات مع بعض التطورات الجديدة في الانماط الشعرية ،مثل ظهور القصيدة المدورة التي امتاز بها الشاعر حسب الشيخ جعفر(1).
وحلل النقاد بروز هذا النمط في مرحلة الستينيات بانه((موقف من الزمن وتصور لحركة الكون))(2)، وبغض النظر عن موقف النقاد من الانماط الجديدة في مرحلة مابعد الخمسينيات ،فان السمات العامة التي طرحها الصائغ ،لم تعاين جوهر التغيير الذي احدثته قصيدة التفعيلة وتطورها اللاحق من خلال انفتاحها على بنى جديدة محتملة ،كما بشر بذلك رواد الشعر الحر(3)، لهذا ظلت قضية البناء الفني للشعر الحر مدار بحث ونقاش بين الدارسين والنقاد، فهناك من يذهب الى انه تطور شكلي، في حين يذهب آخرون الى انه تطور في الاسلوب واللغة(4).
ولانّ قضية مصطلح البناء الفني لم تحسم حتى يومنا هذا ، يجد الباحث ان السمات العامة التي طرحها يوسف الصائغ للبناء الفني واستشهد في اثناء دراستها بنماذج من شعر سعدي يوسف(5) ، انسب مادة للدراسة وانها تبقى ذات اهمية خاصة بعد ان درسها الباحث واطلع على آراء النقاد بشأنها، فمنهم من ذهب الى القول ان قصيدة سعدي يوسف امتازت حتى بعد مرحلة الخمسينيات ببنائها القصصي ،ففي ((اشعاره منذ صدور (الاخضر بن يوسف ومشاغله)(*) ،..تتكرس موضوعات القصة وبنائها في القصيدة))(6)، ووجد الناقد الدكتور محسن اطيمش ان سمات البناء القصصي في شعر سعدي يوسف موجوده في ديوانه الاول (اه قصيدة)، وقصيدة، (القرصان) التي كتبت في سنة (1952م) ، بقوله: ((وربما كان سعدي يوسف مهيأً
اكثر من حسب الشيخ جعفر وفاضل العزاوي لهذا النمط من الكتابة الشعرية ،

فممارسته الفنية الطويلة وعنايته منذ (القرصان) و(اه قصيدة)، ثم(النجم والرماد)، بالحدث والحكاية والاشخاص ستقوده الى تأكيد وترسيخ الاداء القصصي الذي صار نسيج شعره كله))(1).
ومقابل هذا الرأي يذهب الشاعر سامي مهدي الى ان البناء القصصي في القصيدة هو واحد من العناصر التي اعتمدها الشعراء الستينيون لتجاوز نمط البناء الخمسيني في الشعر بقوله: ((لقد استفاد اصحاب هذا المنحى(*) استفادة كبيرة من عناصر السرد في تنظيم نسيج القصيدة الداخلي، حتى لتغدو القصيدة احيانا اشبه بحكاية صغيرة))(2). ويرى الباحث ان البناء القصصي في قصيدة سعدي يوسف ناتج عن سببين رئيسين: الاول الموقف الايديولوجي المبكر للشاعر الذي مكنه من الاطلاع على تفاصيل يومية تخص حياة المناوئين للعهد الملكي ، اذ ان معظم قصائده في مرحلة الخمسينيات كانت تتحدث عن تجارب ومواقف شخصيات التقاها أو زاملها او سمع عنها، وتجارب ومواقف قوى سياسية واحزاب تعاطف معها الشاعر ، وكانت طبيعة هذه الموضوعات تفرض على قصيدته نمط البناء القصصي، ويمكن ان تدلنا عناوين قصائده الاولى على ذلك، (حادثة في الدواسر،لقاء مع رجل ما، اغتيال محمد عبد الحسين ، انطونيو بيريز من غواتيمالا، عبد السلام ، حسون الذي يعمل اشياء كثيرة )(3).
اما السبب الثاني فيعود الى شغف الشاعر بالتفاصيل اليومية للحياة الانسانية وكان هذا الاهتمام بالتفاصيل اليومية قد جعل قصيدة سعدي يوسف تتجه اتجاها واقعيا ولاحظ الدكتور محسن اطيمش هذا التوجه في تحليله قصيدة الاخضربن يوسف(4) ، التي يقول الشاعر فيها:
نبيٌّ يقاسمني شقتي
يسكن الغرفة المستطيلة
وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب
وسر الليالي الطويلة
وحين يجالسني وهو يتحدث عن موضع الكوب في المائدة
ـ وكانت فرنسية من زجاج ومعدن ـ
ارى حول عينيه دائرتين من الزرقة الكامدة.
وبشأن تحليل هذه القصيدة يشير الدكتور اطميش الى ان القارئ سيلاحظ ((ان سعدي يوسف دلف الى موضوعه مباشرة ، دونما استطراد غير ضروري ، وكانت عنايته برصد جزئيات الحدث والمكان واضحة ))(1) .
امابنية التكرار ،فكانت واحدة من السمات التي طبعت بنية القصيدة الخمسينية وتتضح هذه البنية في قصائد كثيرة لسعدي يوسف في تلك المرحلة، اذ حفل ديوانه (اه قصيدة) بهذه البنية خاصة في قصائده التي تتحدث عن الثورة والوطن، ففي قصيدته الاولى (من اجل ان تعيش جمهورية العراق ) يكرر سعدي يوسف جملة (اننا ندعوك من اجل العراق ) مرتين،وفي قصيدته (الى شوقي بغدادي) يكرر مفردة (شوقي) اربع مرات وهكذا الحال في قصائده (مرة اخرى ايها الفرنسيون)، (وعبد السلام)(2).
وفي دراسته لبنية التكرار في الخمسينيات وجد يوسف الصائغ ان التكرار افاد في دفع الحياة الداخلية والخارجية الى النمو والتغيير من خلال تغيير وتطوير الاجزاء الاساسية حين تكرارها بما ينفي عن التكرار صفة التماثل والسكون(3) ، واستخدم سعدي يوسف التكرار في قصائده الخمسينية بصيغ مختلفة ، منها الاسمية، وهذه الصيغة واضحة في قصيدته، (الى عبد الوهاب البياتي) ، التي يقول فيها:
الريح من منفاك تأتي نحو بصرتنا القديمة
الريح تحمل كل شيء نحو بصرتنا القديمة (4)

وبصيغة النداء كما في قصيدته، (مرة اخرى ايها الفرنسيون) التي يقول فيها:
ايها الشعب الفرنسي
ايها العمال في الارصفة الليل: اسمعوني
ايها الطلاب:...(1)
وبصيغة الحروف المشبهة بالفعل كما في قصيدة (شعار ):
اني سمعتك ياصديقي
اني سمعتك هائج الصيحات بالحب العميق(2).
وعمد سعدي يوسف في قصائده الخمسينية الى مغايرة البدايات التقليدية في القصيدة فنراه يبدا تارة قصيدته بالرقم ، كما في قصيدة (اغتيال محمد بن عبد الحسين) التي يقول فيها:
14 ذئبا بقتلك يفخرون(3)،
وبالنداء تارة اخرى كما في قصيدة (رجاء):
يا رجاء
ان بي شوقا اليك(4).
كما استخدم حروف الجر، كما في قصيدة (زيارة):
في الصمت كان يراك
كانت مقلتاه على الوساد
ومن النوافذ تحمل الهمسات صوتك والسهاد(5).
وفي نهايات القصائد حاول سعدي يوسف ان يوفق بين تدفقه الشعوري والجملة الاخيرة، بحيث تبدو نهاية القصيدة بؤرة لموقف الشاعر الكلي من الموضوع، كما في قصيدة: (رفض) التي ترتكز على موضوع عبث المحاولة، وفي هذه القصيدة تلخص النهاية موقف الشاعر من الاخر، اذ يقول:
متمسكا بالصفر:
يُحصي اللانهاية في النهاية(1).
ان السمات العامة لبناء القصيدة في شعر سعدي يوسف في مرحلة الخمسينيات لم تتغير جوهريا في حقبة الستينيات ، لان الخمسينيات شهدت نضج تجربة الشاعر وتأثيره في المحيط الادبي، ويقرر سامي مهدي، ان الشاعر اثر في عدد من الشعراء الستيينين ومنهم الشاعر فاضل العزاوي الذي توحي قصائده في عامي 1960 و1961م بتأثر بشعر سعدي يوسف(2)، ان هذا التأثير يناقض ما ذهبت اليه الباحثة فاطمة المحسن التي قررت ان الشاعر سعدي يوسف ((ظهر كشاعر لافت في العراق، في مرحلة الستينيات الصاخبة، وان كتب الشعر واصدر الدواوين في وقت ابكر، ولكنه بقي من شعراء الظل الى نهاية الخمسينيات))(3)، ودلت الباحثة على موقفها هذا بالرأي الذي طرحه يوسف الصائغ بشأن المجاميع الشعرية التي صدرت سنة (1958م)، الذي يقول فيه: ((أما سائر الشعراء الشباب ، فنحن نقرأ لهم خلال هذا العام قصائد في مجلة الاديب او في الاداب او في مجلة شعر، لكاظم جواد، وشفيق الكمالي، ومحمد جميل شلش وعلي الحلي ولميعة عباس عمارة وحسن البياتي وحارث لطفي الوفي وسعدي يوسف))(4).
ان ما استندت اليه فاطمة المحسن لايدل على دقة علمية وموضوعية لان يوسف الصائغ لم يقرر وجود سعدي يوسف في الظل، او الضوء، بل قرر مرحلته الشعرية، وانه على الرغم من انه في مرحلة الشباب نشر في مجلات ادبية مهمة خارج العراق، لذلك لايمكن اعتماد هذا الرأي والقول ان سعدي يوسف كان في مرحلة الخمسينيات في منطقة الظل الشعري، ولاسيما ان سامي مهدي يؤكد تأثير سعدي يوسف بعدد من الشعراء الستينين، واذا كانت مرحلة الستينيات الصاخبة قد شهدت تحولات مهمة في التنظير للقصيدة فان المنجز الشعري لسعدي يوسف سبق التنظيرات الستينية بقصائد تحاول تطوير ادوات الشعر الى مرحلة جمالية اخرى، فجوهر الصخب الذي احدثه الستينيون بشأن بنية القصيدة انطوى بشكل رئيس على الاتجاه الى الذات ((لتغوص في عوالمها الداخلية وتتكشف مجاهيلها، بعد ان طالت سياحة الشعر الخمسيني في العالم الخارجي))(1) ، فهل كان سعدي يوسف مصورا للعالم الموضوعي فقط؟، يجيب عن هذا السؤال الشاعر سعدي يوسف نفسه قائلا: ((عندما اتحدث عن الشجرة احاول ان اسميها شجرة، الشجرة من النوع الفلاني، الورقة احاول ان اقدم لها شكلا، المدينة او الحي، اقصد بعملية التوثيق تلك العلاقة بالاشياء، العلاقة، لا اقول بتفصيلات الواقع، وانما بالتقاطات الواقع التي نختارها، وبانتقاء العناصر التي تجدها اكثر حيوية بينها ثم اقامة علاقة جديدة بينها، علاقة صراع، بناء، علاقة تركيب، أي ان يضع الشاعر لها نظاما جديدا))(2)، وفي هذا الصدد يذهب الناقد محمد مبارك في معرض تقويمه النقدي لقصيدة سعدي يوسف الى القول: ((فالقصيدة، اذن، تحقق للشاعر تلك التركيبة الفريدة في البنية الشعرية التي تجمع بين النزعة التسجيلية التي هي خاصية الشاعر منذ بدأ مغامرته الجمالية مع الحرف، وبين ما تنضحه مخيلة ذات طبيعة تركيبية تجمع بين ترف الحساسية الجمالية وعمق معاناة ذهنية يمزقها وعيها بما تعيشه من مفارقات شعور شقي لايورث الاّ الاغتراب والغربة عن الذات))(3) .
ان ماقرره محمد مبارك بشان صراع الذات مع الموضوع في بنية قصيدة سعدي يوسف لم ينتج عن رفض الذات للموضوع ،بل عن تغلغل الموضوع في التفاصيل الدقيقة لعوالمه الداخلية، فهو ينتمي الى عالمه بطريقة توحي بتشبث عجيب بهذا الواقع ومحاولات تغييره نحو الافضل ، وعلى هذا الاساس رفض الناقد طراد الكبيسي تجريد سعدي يوسف من بيئته الحاضنة بقوله: ((لست ادري ، مثلا ،كيف يمكن لنا ان نجرد سعدي يوسف من عراقيته، بل بصريته،ومحمود درويش من فلسطينيته، ولست ادري كيف يمكن لنا ان نتجاهل تقاليد الكتابة : (لغة واسلوبا) حين نتحدث عن قصيدة عربية بمعايير كتابة اخرى))(4).
يتضح مما سبق ان بنية القصيدة عند سعدي يوسف لم تتأثر بالدعوات النظرية لمرحلة الستينيات إلا بما يطور ادوات القصيدة ويجعلها تستفيد من المنجز الفني والتقني الذي يعمق شعريتها ، لهذا تعرض سعدي يوسف الى النقد من الشعراء الستينيين ، بدعوى انه كان يمثل من حيث المنهج والاسلوب استطردا في مسيرة الشعر الحر وليس ثورة عليه (1).
والملاحظ ان دعوات الستينيين انصبت على الجانب النظري من دون ان يسندوا هذا الجانب بنتاج ابداعي يلائم الجانب النظري في وقت اتهموا فيه الخمسينيين بالقصور النظري لنتائجهم(2).
ويرى الباحث ان قصيدة سعدي يوسف استطاعت ان ترسخ عند جيل الستينيات المنطلقات النظرية التي اعتمدها بيانهم الشعري سنة (1969م)(*) .. فبنية قصيدة سعدي يوسف ، لم تنظر الى العالم نظرة يقينية جاهزة كما اتهم الستينيون جيل الخمسينيات بذلك(3)، لان قصيدة سعدي يوسف على مايذهب اليه الناقد طراد الكبيسي اشتقت لنفسها بلاغة جديدة تتصل مباشرة ببلاغة العصر وايقاع المتغيرات في الصعيدين الاجتماعي والثقافي(4). ففي عام (1964م) كتب سعدي يوسف قصيدة بعنوان (لمحات جزائرية)،جاء فيها:
بعد قليل تولد الساحة
تتركها باصات نصف الليل احجارا واشجارا
تتركها واحة
بعد قليل تسمع الساحة
اخر مايهمسه العشاق
اول مايقوله الحارس والافاق
بعد قليل تسمع الساحة اشجارا.(1)
ان هذه النظرة الى العالم توحي بموقف جدلي للشاعر من الحياة يحتم التغيير والتطور ، لذلك فان بنية القصيدة عند سعدي يوسف ، لم تتسلم العالم جاهزا وتنتجه صورة جاهزة ، وكانت هذه القضية قد لفتت انتباه الناقد محمد مبارك فدرس شعره على وفق المنهج التكويني، واستنتج بعد دراسته قصائد الشاعر، ((ان سعدي يوسف،وان حملته عذرية رؤياه الذهنية وترف حساسيته الجمالية ونقاء باصرته وطهر واعيته على استبعاد كل مايحول بينه وبين رؤية العالم على حقيقته عاريا من كل مايغلفه، لم يقف في غنائه عند الصوت الاول في الخلق ،... وانما جاز ذلك الى الصوت الثاني والثالث ))(2) .
كما يأخذ النقاد والشعراء الستينيون على الشعراء الخمسينيين عدم اعتمادهم الغموض في القصيدة بوصفها تعبيرا عن الذات او متجهة الى الذات (3)، ولكن هذا المأخذ لم يشمل البياتي وسعدي يوسف على مايقرره سامي مهدي لان هذا النمط من القصائد الستينية ((اثر على الشعراء الخمسينين وفي مقدمتهم البياتي وسعدي يوسف))(4).
ويفسر سعدي يوسف موقفه من الغموض بالقول: (( النص الشعري يطمح الى اضاءة حالة ،حالة معتمة ، او مبهمة ،لكن هذه الاضاءة ليست باهرة بحيث تخرج الحالة تماما من عتمتها ،لتغمرها بالضوء ... وفي النص انصات ،ومحاولة فعلية للانصات الى المبهم، الى الاصوات غير المسموعة ))(5).
ان هذا الموقف من الغموض ،وجد صداه في بحوث ودراسات الاكاديميين والنقاد، فعند دراسة الدكتور ثابت الالوسي لظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصر (1947ـ 1967م)، حلل قصيدة (الحاج) لسعدي يوسف بما تحمله من غموض ،في اداء المعنى ،اذ يقول الشاعر :
ياسالم المرزوق ،خذني في السفينة .. في السفينة
خذ مقلتي ثمنا ، سأعمل ماتشاء
الا(حكايات) النساء(1).
ويذهب الدكتور الالوسي الى القول: (( ان الشاعر هنا لم يفصح عن مطلب صاحب الزورق،، وانما اكتفى بالاشارة الى مايريد .. كفاية دالة تشير الى كثير مما حذف واضمر ))(2).
ويؤكد هذا التحليل قدرة قصيدة سعدي يوسف على تطوير ادواتها الفنية والجمالية ،وهذا ماتقرره فاطمة المحسن بقولها: (( لعل قصيدة سعدي يوسف تمثل انموذجا يشير الى قدرة الشاعر على تطوير ادواته))(3).
ان هذه المقدرة جعلت بنية قصيدة سعدي يوسف اكثر تأثيرا ورسوخا في خريطة الشعر العربي الحديث في مرحلة السبعينيات، وسبق للدكتور محسن اطيمش ان نبه على هذا الاستنتاج ، في دراسته بنية القصيدة العربية الحديثة التي يقول فيها: ((صارت مجموعة (الاخضر بن يوسف)(*)،احدى المجاميع القليلة المؤثرة في مجمل حركة الشعر الحديث في العراق))(4).
وهناك من يرى ان تأثير قصيدة سعدي يوسف في مرحلة السبعينيات لم يكن مقتصرا على العراق ، بل امتد الى شعراء كبار في الوطن العربي مثل محمود درويش(5)، ولهذا كانت قصائد الشاعر السبعينية موضع تحليل ودراسة على ايدي عدد من الباحثين والنقاد العرب،وفي هذا الصدد درست الباحثة يمنى العيد بنية قصيدة (تحت جدارية فائق حسن) التي كتبها سعدي يوسف سنة(1973م)(6)، ورأت الباحثة، ان القصيدة ((توهمنا في بنائها بالبساطة ،وتشعرنا في الوقت نفسه بعالمها الفني الواسع ، تدعونا الى الاسترسال في ايقاعها، الى الدخول في انتظامه ، وتدفعنا ايضا الى ان نقف منها على مسافة لننظر فيها بوعينا ،وعقلنا،تحملنا اليها وكأنها تخشى ان نمحى فيها فتتركنا نزداد احساسا بانفسنا وبموقعنا في عالمنا الذي نعيش))(1).
ويرى الباحث انه على الرغم من غلبة الجانب الانطباعي في هذا التحليل الا انه اشر وجود جدلية داخلية في بنية قصيدة سعدي يوسف تقوم على (الوضوح والغموض)، ( العقل والاحساس)، (الاتساع والضيق)، ان هذه الجدليات جعلت من بنية قصيدة سعدي يوسف السبعينية مرتكزا لعقود شعرية مقبلة ، اذ اضحت هذه البنية في مرحلة الثمانينيات واحدة من اهم البنى الشعرية في الوطن العربي، حتى ان الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي،عدت الشاعر اكبر عراب للشعر العربي في الثمانينيات،مشيرة الى ان اعماله الشعرية ارست اقوى الاسس للتجربة الحداثية في ايامنا هذه(2).
وحفلت قصائد الثمانينيات والتسعينيات بعوالم الغربة التي عاشها سعدي يوسف منذ منتصف السبعينيات ، وكانت معظم موضوعاتها تحاول ايجاد صلة بين الوطن والمنفى (3).
وهيمنت هذه البنية على قصائد سعدي يوسف ولكن بتنويعات مختلفة ،وامتازت مرحلة الثمانينيات بغزارة ماكتبه سعدي يوسف من قصائد ،اذ صدر له اكثر من (10) دواوين شعرية، وكانت مرحلة التسعينيات امتدادا لمرحلة الثمانينيات مع محاولات جديدة للتجريب على صعيد الفن الشعري سواء كان ذلك في البنية الشكلية ام في الموضوعات التي اتجهت نحو الذات اكثر من السابق (4)، وتذهب فاطمة المحسن معلقة بشأن كثرة اصدارات الشاعر للدواوين قائلة: ((ان غزارة انتاج سعدي يوسف اضاع قيمة شعره))(5)،ويرى الباحث ان هذا التقويم العام لم يستند الى معالجة علمية وموضوعية لقصائد الشاعر الاخيرة في التسعينيات والالفية الجديدة ،وربما يكون ناتجا عن تذوق خاص لم يرق الى مستوى القصيدة ذاتها ،فالباحثة فاطمة المحسن لم تعلل رأيها ، ولم تحلل القصائد في الوقت نفسه ولم تضرب امثلة لما تذهب اليه، لهذا يرى الباحث ان هذه الصيغة الانطباعية في النقد اصبحت غير مجدية، ولايمكن الركون لرأي الباحثة من الناحيتين الاكاديمية والموضوعية، لان غزارة الانتاج لاتعني ضعف الشعر(1).
وفي الالفية الثالثة اصدر سعدي يوسف اكثر من مجموعة شعرية كان آخرها (صلاة الوثني) التي تضمنت قصائده التي كتبها بعد الاحتلال الامريكي للعراق (2).
ويحلل احد الباحثين بنية القصيدة في هذا الديوان بقوله:(( يحقق سعدي يوسف مفهوم قصيدته داخل الشعر ،ليس من خلال البناء النسيجي المتماسك الذي عرف عنه فحسب ،لكن ايضا من خلال ارتباط كل قصيدة بحدثها ))(3).
ويرى الباحث ان هذا التقويم النقدي لم يأت بجديد بشأن سمات البناء العام في قصيدة سعدي يوسف، فالبناء النسيجي المتماسك من الشروط الاساسية في اي شعر،اما الحدث فكان ملازما لقصيدة سعدي يوسف منذ الخمسينيات، كما درسه الباحث في صفحات سابقة.
وازاء هذا السفر النقدي والنظري يرى الباحث انه يمكن التوصل الى السمات العامة الاتية لبناء قصيدة سعدي يوسف وهي على النحو الآتي :
1ـ استثمار الحدث اليومي في البناء وانتاج شعر يعكس فيه الشاعر ذاته وموقفه من الحدث .
2ـ محاولة التمرد على السمات التقليدية في البناء ولكن ليس بشكل صارخ وانما بطريقة محسوبة واعية.
3ـ ان السمات العامة للبنية في شعر سعدي يوسف دخلت في جدلية التأثير والتأثر، ففي الوقت الذي يؤثر فيه الشاعر بشعراء الموجة الستينية ، الاّ انه يستفيد من بعض طروحاتهم الداعية الى الغموض والاتجاه نحو الذات في القصيدة.
4ـ ان استمرارية السمات العامة لبنية قصيدة سعدي يوسف لم تلغ تجريب انماط جديدة في الشعر ((كالقصيدة المدورة، والحوارية والحلزونية وغيرها كما يتضح ذلك في قصائده السبيعنية)) (1).
5ـ ان النقاد والباحثين بدراستهم السمات العامة للبنية في قصيدة سعدي يوسف خلطوا هذه السمات بخاصية البناء الفني، الامر الذي انتج دراسات تقوم على الانطباع والذوق من دون تحليل واعادة تركيب يوضح شعرية القصيدة ورسالتها كما حدث في دراسة الناقدة فاطمة المحسن.
6ـ ان الجانب الايديولوجي كان باعثا قويا لانتاج القصيدة في شعر سعدي يوسف .
وفي ضوء ماتقدم يقترح الباحث دراسة البناء الفني لقصيدة سعدي يوسف على وفق ثلاثة مستويات، الاول البنية الظاهرة، والثاني البنية الشاركة، والثالث البنية المضمرة ، وتنطلق هذه المستويات من التوصلات النظرية الحديثة لدراسة البنية ،فمنذ العقد الاول من القرن الماضي بدأت في الغرب عملية اعادة تقويم للدراسات السابقة للنص الادبي التي كانت تنظر اليه من خلال علاقته بالجوانب الاجتماعية والسياسية والتاريخية، (أي علاقته بالجوانب التكوينية)(2)، ولكن ذلك العقد شهد ظهور الطروحات الاولى لعالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسير، الذي رفض مبدأ استقلالية الوحدات اللغوية، وتبنى دراسة العلاقات القائمة داخل اللغة، بوصف اللغة حقلا موحدا ونظاما مكتفيا ذاتيا(3)، وبعد دي سوسير ظهرت في روسيا المدرسة الشكلانية التي عاينت النص من خلال مفهومي الشكل والاداة(4)، واسهمت هذه المفهومات فيما بعد بظهور مفهوم البنية عند (بنيويي براغ) في ثلاثينيات القرن العشرين(5)، الذين نظروا الى النص بوصفه بنية اكثر اتساقا من مفهوم الشكل والاداة، لانه يشمل جميع اوجه النص بدءا من الصوت وانتهاء بالموضوع(6).
وجعلت هذه المساحة العريضة في معاينة النص النقاد والباحثين يدرسون بنية الشعر من خلال مسألتين رئيستين: الاولى الافتراق العام بين لغة الشعر ولغة النثر، والثانية مستويات بناء النص الشعري، وفي المسألة الاولى تم التمييز بين الشعر والنثر من خلال الطابع المحسوس لتركيب اللغة الشعرية(1)، وفي المسألة الثانية درس الشعر من خلال مستويين: الاول المستوى السطحي، والثاني المستوى العميق، وهذان المستويان يرتبطان ارتباطا جدليا وعضويا بالجانب المحسوس للغة الشعر(2)، اما المنهج البنيوي فنظر الى النص بوصفه بنية تمثل نسقا من العلاقات الباطنة (المدركة وفقا لمبدأ الاولية المطلقة للكل على الاجزاء) ، له قوانينه الخاصة المحايثة، من حيث هو نسق يتصف بالوحدة الداخلية والانتظام الذاتي(3).
ويشير هذا التعريف الى ان الجنس الادبي، هو العنصر الاولي المدرك بشكل مطلق على غيره من العلاقات ، اما العناصر الاخرى، فانها تشكل مستويات بنائية قابلة للادراك بعد تحليلها الى وحدات(4).
اما الدراسات الاسلوبية فنظرت الى البنية على انها الاسلوب ذاته وهذه البنية ليست ثابتة لان الاسلوب متغير فهو يعني قول الشيء نفسه بطرق مختلفة(5).
وادخلت نظرية التلقي مستويات اخرى لبنية العمل الفني، وتتجسد هذه المستويات ، في عملية التفاعل بين القارىء والنص كما يذهب الى ذلك ايزر(6)، وعلى هذا الاساس اصبحت مستويات النص عند الباحثين والمنظرين المهتمين بالتلقي اربعة مستويات، الاول يضم الشكليات الصوتية، والثاني المعنى ، والثالث والرابع الاشياء المعروضة او وجهات النظر المؤطرة(7).
وقد افاد الباحث من هذه الطروحات فاقترح دراسة البناء الفني لقصيدة سعدي يوسف على اساس ثلاثة مستويات، الاول يمثل البنية الاكثر وضوحا في النص الشعري، والثاني يمثل البنية الاكثر اشراكا للمتلقي مع النص ، والثالث البنية الحاملة للمعنى (الرسالة)، واطلق على البنية الاولى تسمية (الظاهرة)، والثانية (الشاركة)، والثالثة (المضمرة)، وهذا التقسيم لا يعني استقلال البنى او المستويات عن بعضها، بل يعني ترابطها وتفاعلها، لان كل بنيات النص تؤدي الى المعنى(1)، وترتبط بعلاقات جدلية فيما بينها، وكل تغير يحدث في واحدة من هذه البنى يؤدي الى تغيير في النسق كله(2)، فالبنية الظاهرة التي تختص بالعناصر الاكثر بروزا في النص، تحمل دلالة ترتبط ببنية المعنى، والبنية الشاركة، التي تتضمن العناصر والوحدات الاكثر اشراكا للمتلقي مع النص، لها دلالتها وتؤدي معنى معينا، وفيها درجة مشتركة من الوضوح والاضمار تجعل اكتشافها ذا قيمة جمالية خاصة، اما البنية المضمرة في النص فهي الاكثر عمقا والحاملة للمعنى والرسالة. كما يذهب الى ذلك روبرت هولب الذي يقرر ان مستويات العمل الفني لابد من ان تتعاون بطريقة محددة على نحو متآلف وان تلبي مطالب بعينها(3). وهذه المطالب تنتهي بالمعنى الحامل للرسالة التي يريد الشاعر ايصالها للمتلقي.
الفصل الأول
البنية الظاهرة
تمهيد
تشمل هذه البنية العناصر الاكثر بروزا في النص الشعري، وهي، التشكيلة البصرية، والوزن، والقافية، وتعد هذه العناصر ممثلة لجوهر الشعر بحسب ما يقرره جاكوبسن، لان الذي يكسب اللغة الشعرية خصائصها عنده، (خطاطتها العروضية)، اي شكلها كشعر، والايقاع الذي يعد اساسا بنائيا لها(1)، وترى الدراسات الحديثة ان الايقاع ينقسم على عنصرين بنائيين: الاول ظاهر محسوس هو الوزن، والثاني اقل ظهورا من الاول ويسمى الايقاع الداخلي، ويذهب الدكتور نعيم اليافي في هذا الصدد الى ((ان للشعر نمطين من الموسيقى خارجية هي الوزن وداخلية هي الايقاع))(2).
وعلى هذا الاساس اختار الباحث من الايقاع (الوزن والقافية) في البنية الظاهرة لبروزهما اكثر من الايقاع الداخلي في النص الشعري، خاصة ان وظيفة الوزن في هذه البنية مشابهة لوظيفة القافية كما يرى جان كوهين(3).
اما التشكيلة البصرية فهي التي تقود القارىء الى تعيين الجنس الادبي وتجعله يتبنى استراتيجية خاصة في قراءة النص، بحسب ما يقرر ذلك الدكتور محمد الماكري(4)، فالتشكيلة البصرية بنية ترتبط بشكل عضوي بطبيعة تركيب وانتظام نسق الكلمات في النص الشعري، لذلك ذهب تيودوروف الى القول: ((احيانا ليست فنية الكلمات هي المحسوسة وانما تركيبها وانتظامها)(5).
ان هذا البروز في عناصر البنية الظاهرة يعد مستوى سطحيا مرتبطا بالمستوى العميق للنص الشعري(6)، اذ تتحدد في ضوء هذه البنية اول مواجهة بين الجنس الادبي والمتلقي لتفتح امامه السبيل نحو ادراك القيمة الجمالية والفنية للبنى الاخرى، وفي ضوء هذه الرؤية يذهب بعض النقاد الى ان العوامل المولدة للايقاع بالتضامن تشمل بشكل رئيس الوزن والقافية ، وانهما ليسا نظاما مستقلا بل رموز تنتمي لنظام اخر(1)، وهذا النظام الاخر لا يتشكل الا من البنية البصرية او المعنى ، او الايقاع الداخلي او التوازي، وهي مستويات النص المتفاعلة مع الوزن والقافية او المشكلة لهما. واذا كانت البنية الظاهرة هي الشكل للواقع المحسوس للتراكيب(2)، فان البنية الاقرب لبنيتي الوزن والقافية ستكون التشكيل البصري. وعلى هذا الاساس قسم الباحث الفصل الاول، (البنية الظاهرة) على ثلاثة مباحث هي:
1ـ البنية او التشكيلة البصرية
2ـ الوزن
3ـ القافية

المبحث الاول
التشكيلة البصرية
يسود قصيدة سعدي يوسف نظام السطر الشعري، وهو نظام قصيدة التفعيلة، الذي بشرت به نازك الملائكة في ثورتها على القصيدة التقليدية(1)، ليصبح هذا النظام عرفا محددا للجنس الادبي في القصيدة الحديثة، والعرف في العمل الفني نظام يجعل الجنس الادبي قارا(2)، ولكن هذا النظام المستقر يتعرض عند الشاعر سعدي يوسف الى انزياحات في تشكيلته المكانية(3)، اذ يتخذ رصف الكلمات والحروف صورة مغايرة للنظام الذي استقرت عليه تشكيلة الشعر الحر، الامر الذي يجعل التشكيل المكاني في قصيدة سعدي يوسف يتخذ دلالات اخرى تختلف عن دلالة الرصف التقليدي للسطر الشعري، وحسب ما يذهب اليه الدكتور احمد مختار عمر فان ((قائمة الكلمات المتراصفة مع كل كلمة تعد جزءا من معناها))(4).
وعلى هذا الاساس وجد الباحث ان الانزياحات التشكيلية في قصيدة سعدي يوسف تؤدي دلالة خاصة ترتبط ارتباطا وثيقا ببناء القصيدة الفني، وان التشكيلة المعتمدة على العرف تنضوي تحت المسمى العام لقصيدة التفعيلة، لهذا فان الانزياح الذي يعني تصرف مستعمل اللغة في هياكلها ودلالاتها واشكال تراكيبها بما يخرج عن المألوف(5)، يعد محاولة لاقامة نظام خاص للقصيدة ذات التشكيل البصري الخاص، ويذهب يوري لوتمان الى ان ((اي نظام يقنن الشعر لابد أن يتلقى في الاساس باعتباره قيمة ذات مغزى))(6).
وعلى وفق هذا الرأي فان انزياح التشكيلة البصرية للقصيدة هو الذي ينتج دلالة مغايرة لدلالة القصيدة ذات التشكيلة العرفية ، ولاسيما اذا كان هذا الانزياح مقصودا ويدخل ضمن محاولات الشاعر لاقامة تشكيلة مجردة ترمز الى حرية جديدة في التعبير، كما يذهب سعدي يوسف الى ذلك بقوله: ((ان التجريد عندي عنصر حرية وشمول في كتابة القصيدة))(1)، وكان هذا الموقف مدعاة لان يسلط الناقد طراد الكبيسي مزيدا من الاضواء على جدوى التجريد في القصيدة ، عادّا التجريد ((ليس تحررا من نطاق الشعر واستعاضة عن الصورة اللفظية كما يذهب الى ذلك الدادائيون والسرياليون، بل اندماجا عضويا في الشعر ذاته))(2).
من جهته يعترف سعدي يوسف ان القصيدة عنده ((موازنه واعية بين الوعي واللاوعي))(3).وهذه الموازنة لا تجعل عناصر البناء مستقلة ومتمايزة عن بعضها بحيث يسهل فصلها وتجريدها بل تجعل النظر الى الشعر على انه بناء رؤيوي متجانس يدرك على اساس من وحدته وبنيته المتجانسة(4).
وفي ضوء هذا الفهم يرى الناقد طراد الكبيسي ان الانزياح البصري في التشكيلة المكانية للقصيدة عملية تنطوي على القصد الباحث عن التجانس في مستويات النص(5)، وهذا القصد يعد وسيلة من وسائل الاتصال بالقارىء وانموذجا ينبغي ان يتغير على وفق لحاجات التعبير(6)، وقد انتج هذا التغيير التشكيلات الاتية:
1ـ التشكيل الهرمي
ويتضح هذا التشكيل في قصيدة (صباح ما)(7)، اذ يؤسس الشاعر معماريتها على النحو الاتي:
المنفيون
يحبون ملابسهم
ونباتات الزينة والقطط
****
المنفيون
يحبون اللغة الاخرى
وقطارات مواعيد الليل
وفي هذا التشكيل ابقى الشاعر لفظة (المنفيون) في اعلى الهرم وحيدة ،من دون ان يلحقها بكلمات اخرى على الرغم من ان السطر الشعري الذي يلي (المنفيون)يرتبط عضويا بالمفردة ذاتها ، لكنه مع ذلك ابقاها وحيدة ، وهذا الافراد عزز من القيمة الدلالية لصفة (النفي)، واعطى للوحدة والغربة جوا من الحزن المضاف ،فالمنفي لايتعامل مع الانسان الاخر المكافئ، بل يتعامل مع الاشياء الاخرى التي تنتمي اليه ويحتاجها لاستمرار حياته الانسانية ، لذلك فهو يحب (ملابسه ، القطط ،اللغة الاخرى ، قطارات الليل ،نباتات الزينة)، وكأن الشاعر اراد ان يقول في هذه التشكيلة ان الغربة تفقد الانسان انسانيته،وعلية ان يتحدى هذا الاستلاب ليبقى المنفي قيمة اعتبارية خاصة بوصفه صاحب موقف ، وهذه المسألة هي التي جعلت الشاعر يبقي مفردة (المنفيون) في اعلى الهرم ، ويؤكد سعدي يوسف هذا الموقف من المنفى بقوله: ((انه يتضمن فكرة الالغاء ، الغاء علاقة الفرد بالسماء والارض والمجتمع ،فثمة خط عمودي يصل بين السماء حيث المعبود والارض حيث الاسلاف في هدأة الموت الطويل ،وثمة خط افقي ينتظم القرية او البلدة حيث المنازل والذكرى وملاعب الطفولة ،وفي نقطة تقاطع الخطين يقف الفرد... هول المنفى هو في اقتلاع الفرد من نقطة التقاطع هذه ))(1).
ان فكرة المنفى والنفي تكاد تكون قضية ذاتية محضة، فالمنفي هو(الانا) ،عند الشاعر ،وان هذه التشكيلة الهرمية هي التي اختصت بموقف الشاعر من المنفى ووحدته هناك في الغربة، لهذا يكرر التشكيلة في قصيدة اخرى ،ولكن في هذه المرة يصرح باسم المنفي وهو الشاعر نفسه ،ويكرر العلاقات ذاتها التي يقيمها الشاعر مع الاخر، فهي مجردة من الانسان، ولاتتواصل الا مع العلائم التي توحي بالغربة ، كما في قصيدة (رباعية ايضا)(2)التي يقول فيها:
سعدي
المتوحد والافعى
لايعرف ان يأكل في المطعم
وفي المقطع الثاني يقول:
سعدي
المتوحد والسيف
لايعرف ان يجلس في بهو السياسيين
وفي المقطع الثالث يقول:
سعدي
المتوحد والحلزون
لايعرف ان يتقدم (حتى بين رفاق العمر) مظاهرة
وفي المقطع الرابع يقول:
سعدي
المتوحد والمرآة
يحاول ان يتصور ماهو ابعد منها
وفي هذه المقاطع يتوحد الشاعر مع (الافعى،السيف،الحلزون،المرآة)، وهي عناصر خارج التجربة الانسانية في العلاقة مع الاخر ،ولاحظ الباحث ان ايقاع الخبب هو الذي يسود في هذه التشكيلة من قصائد الشاعر، الامر الذي يوحي بوجود تناسب ايقاعي بين التشكيل البصري والوزن ،بما يرسخ القيمة الجمالية لهذا الانزياح عن التشكيلة العرفية، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور صلاح فضل الى القول ان ((هناك لذة الشكل المتكيفة بدقة مع عمليات توقع الايقاع وكفاءة التلقي للابنية الموسيقية الكامنة تحت كل رسالة شعرية، وهذه الابنية يمكن التقاطها منعزلة عما سواها من العناصر، وهناك القصيدة المكتوبة التي تلعب بالشكل الرمزي البصري،ومايشيع من ايحاءات وخصائص طبقا للمجال الدلالي لكل رمز))(1).
وفي هذه القصيدة كرر الشاعر مفردة (سعدي)، محاولا تقوية الدلالة الذاتية فيها وتقوية الايقاع المبني على (سببين خفيفين) متعاقبين، لتصبح لهذا التكرار قيمة متناسبة من الناحيتين الدلالية والايقاعية، تناسب التشكيل البصري، فالتكرار على ما يذهب اليه د.عبدالله الطيب المجذوب، منه ما يراد به تقوية النغم، ومنه ما يراد به تقوية المعاني الصورية ومنه ما يراد به تقرير المعاني التفصيلية(1) وفي هذا المقطع اسهم افراد الكلمة في السطر الشعري بمنحها قيمة دلالية خاصة من خلال استقلالها واكتفائها بتفعيلة كاملة، فضلا عن موقعها في اعلى الهرم، الامر الذي اثر بالضرورة على طريقة انشادها، وفي هذا الصدد يذهب الناقد طرد الكبيسي الى ان ((الشكل البصري للقصيدة على الورق، يتصل مباشرة بشكل العرض الانشادي الشفوي الذي يستمد مقوماته من جوهر اللغة في تراكم اصواتها، وحركاتها وسكناتها المتناوبة، وفق نظام مرتب ومتناسق)) (2).
2ـ تشكيل الهرم المقلوب
يتضح هذا التشكيل في شعر سعدي يوسف في المقطع الاتي من قصيدة(الاحساس الاول)(3)، اذ يقول الشاعر فيه:
حول المصطبة الريح تدور
الريح تدور تدور تدور
الريح تدور تدور
الريح تدور
الريح
ان طبيعة هذه التشكيلة في هذا المقطع الشعري ،تشير الى انحسار فعل (الدوران) عن الريح،وصولا الى نهايته لهذا فانها تومئ بالتلاشي كما يذهب الى ذلك الدكتور عبدالكريم راضي جعفر(4)، ويحدث التلاشي بقطع التكرار مرة واحدة في كل سطر شعري،وصولا الى افراد الريح ،وهذا القطع المنتظم للتكرار يشير الى طول المعاناة مع الريح ،والصبر عليها حتى لحظة الاستقرار، اما موقع الريح في اسفل الهرم فيشير الى سلبية الموقف منها ومن دورانها، هذا من الناحية الدلالية، اما من الناحية الايقاعية فان القطع المنتظم للفعل (تدور) لايؤدي الى انكسارات حادة في الايقاع، لان الشاعر في كل سطر شعري يقطع تفعيلة واحدة، وبهذا تحقق التشكيلة البصرية المتجهة الى الاسفل وانفراد الريح في النهاية الى اتساع الهوة بين الانا والريح بعد ان كانت تدور قريبة من الشاعر وتضاءلت في الدوران الى حد الانحسار غير المؤثر، وعدم تأثير الريح يوافق طبيعة تشكيلها البصري الذي بدأ به هذا المقطع المبني على التكرار، وكانت عملية حذف الفعل (تدور) في السطور التالية للسطر الاول محاولة من الشاعر للفت انتباه القارىء الى عملية الانحسار(1)، ان هذا التشكيل يعاكس التشكيل الهرمي بصريا ودلاليا، فالاول اعتمد تقوية القيمة الدلالية والمعنوية ، في حين اعتمد الثاني على اضعاف هذه القيمة، ولكنه مع هذا الاختلاف الدلالي ينسجم معه ايقاعيا، اذ لاحظ الباحث ان معظم ايقاع الهرم المقلوب من وزن الخبب ايضا كما في قصيدة (ثمل)(2)، التي يقول الشاعر فيها:
وتموج بي الامواج
تموج بي الامواج
تموج
بي
ا
ل
ا
م
و
ا
ج
ان اعتماد ايقاع الخبب في هذه التشكيلة والتشكيلة السابقة يشير الى حركية المشهد البصري من خلال الفعلين المضارعين (تدور وتموج)، وتناقص هذه الحركة باتجاه اضعاف الفعل من خلال حذف التكرارات المتوالية، وهذا الحذف المتوالي ينسجم مع ايقاع (الخبب)، الذي تصفه نازك الملائكة بـ(ركض الخيل)، لان النغم فيه كانه يقفز من وحدة الى وحدة اخرى بخفة وسرعة(1)، وفي التشكيل الاخير لايعتمد الشاعر على حذف مفردة في كل سطر شعري ، بل يلجا الى عملية توزيع جديد للسطر الشعري،مع حذف (و) العطف من السطر الاول ، ويذهب جان كوهين في هذا الصدد، الى انه غالبا ما تكون ((طباعة الدال متوائمة مع المدلول.. فالمنطق الدافع داخل القصيدة يتحقق من خلال التشابه بين المعنى وطريقة الكتابة من الاعلى الى الاسفل))(2).
ويرى الباحث ان حرف (الواو) في السطر الاول له وظيفة ايقاعية تساعد على ضبط تفعيلة بحر الخبب(فعْلن)، لان حذفه من السطر الثاني في هذا المقطع الشعري لم يؤثر في دلالة المقطع، لكن بعثرة السطر في نهاية المقطع على شكل هرم مقلوب منحته رمزا خاصا يشير الى حالة الغرق في الموج وتمكنها من الشاعر واخذه بعيدا ، ويصف الباحث نعيم اليافي هذا التشكيل بقوله: (( ان هذا التنضيد في حركته المندرجة نحو الاسفل يصور لحظة احتضار))(3). وهذه اللحظة هي نتاج صراع الانسان مع الموج الذي يتلاحق في فعل الاغراق السريع.
واذا كان الشاعر قد اظهر في التشكيل الاول للهرم المقلوب انحسار دور الريح وتضاؤل تأثيرها ،فانه اظهر في هذا المقطع استمرار قوة الموج وغرق الشاعر فيه،ففي المقطع الاول حذف الفعل (تدور) مرة في كل سطر، في حين ابقى الشاعر على السطر نفسه بتشكيل الهرم المقلوب في المقطع الثاني ،فكانت الريح تتلاشى وتضمحل في المقطع الاول ، وكان الانسان يغرق ويحتضر في المقطع الثاني ، ان هذه الجدلية في علاقة الانا بالاخر في المقطعين ترتبط بايقاع موحد، وهو الايقاع نفسه الذي نظم تفعيلات التشكيلة الهرمية وتشكيلة الهرم المقلوب .

3ـ التشكيل السلَّمي
وفي قصيدة (الزيارة الطويلة) (1) ينزاح التشكيل البصري من العرف الى التشكيل السلمي كما في المقطع الاتي:
ا
ل
ش (1)
ق
رّ
ق
تتمنطقه،ذاهلة،افعى
ا
ل
ش (2)
ر
ش
ف
يهوي منزلقا من ظهر الافعى
وفي هذا التشكيل تصرف الشاعر بالسطر الشعري بطريقة تبدو انه حطم تشكيلته العرفية بشكل بارز، وهذا التحطيم كما يقول باشلار تحرر من الانقيادات المألوفة(2)، وهذا التحرر وجد صداه في علاقة التشكيل بالمعنى والايقاع وعلى النحو الاتي:
اذا اعطيت مفردة ( الشقرّق) المنحدر رقم(1) ،والشرشف المنحدر رقم(2)، فانه يمكن ان تتحقق العلاقات الاتية في هذا التشكيل:
أـ ان السلّم منحدر نحو الاسفل، وهي وظيفة تعاكس وظيفة السلّم الاعتيادي الصاعد نحو الاعلى ،ويتحقق هذا الانحدار بدلالتين، الاولى الفعل (يهوي)، والثانية تكرار مفردة (الافعى) في نهاية السطرين الافقيين .
ب ـ هناك تناظر تشكيلي بين حروف المنحدر (1) وحروف المنحدر(2)، ولايوجد افتراق في مفردتي(الشقرق)و(الشرشف) الاّ في حرفين في التشكيل البصري لم يماثلا الحروف الاخرى وهما /(القاف،والفاء) ، وهذا الافتراق لايكسر من الناحية التشكيلية الانسجام بين المنحدرين، لان (الفاء) اقرب الحروف الى (القاف) من حيث التسلسل الابجدي والتشكيل الصوري، ولكن هذا الاقتراب في الصورة لايتحقق في النطق(فالقاف) لهوية (والفاء) شفهية (1).
اما الحروف الاخرى فانها موجودة في المنحدر (1)،وفي المنحدر (2)،وهي (أ،ل،ر،ش)،ولكن الذي يميز المنحدرين هو تكرار(القاف)في المنحدر (1)وتكرار (الشين) في المنحدر (2)،وان الحرف الذي يقع بين التكرارين هو الحرف نفسه في المنحدرين، وهو (الراء) الذي يعد من اوضح الاصوات الساكنة في السمع(2) ، ويتضح تأثير الراء في مفردة (الشرشف) وفي مفردة (الشقرّق) التي تحوي (الراء) المشددّة كما في العلاقة الاتية:
ا ا
ل ل
ش ش
ق ر
رّ ش
ق ف
وفي هذا التشكيل العلائقي يحقق الانسجام البصري للحروف توافقا صوتيا ودلاليا(3) في سياق القصيدة باعتماده تماثل موقع الحروف الثلاثة الاولى وتناسب موقع الحروف الاخرى.
ان هذا التشكيل يدخل فيما يسميه امبرتو ايكو(4) بالمربع الثاني من مربعات النص الشعري العشرة،وهو مختص بطريقة تعاقب الكلام على الورق، اذ يرى ايكو ان تعاقب الكلام على الورق جزء من بقاء المعنى في النص الادبي(1)، ولهذا كان التشكيل محققا للمعنى الذي يريده الشاعر من القصيدة ،فالفعل يهوي يشير الى سقوط الافعى في منحدر اللذة، ويتضح هذا الانحدار بعد انزلاق الشرشف من ظهرها الذي كان يستر عريها ،(والعري هنا متحقق في انزلاق الشرشف الموحي بالملمس الظهري الناعم للجلد)، واعتمد الشاعر التشكيل المنحدر لتأكيد العلاقة الاسطورية بين اللذة والافعى ،وهي علاقة مختزنة في العقل الجمعي الانساني، بوصفها محرضة على الخطيئة الاولى التي كانت سببا لنزول آدم وحواء من الجنة (الاعلى) الى الارض (الاسفل) ويعد هذا النزول في المعتقد الديني اول سلسلة خطايا الانسان، تلك الخطايا التي دشنتها عملية اغراء حواء لآدم لان يأكل ثمرة الشجرة المحرمة(2)، ولذلك يرجح الباحث ان لجوء الشاعر الى هذا التشكيل لم يكن للتعبير عن حالة معاصرة ربما عاشها او سمع بها او رآها فقط، وانما تأكيدا لعلاقات اسطورية او دينية ،وجدت صداها في الازمان المختلفة من خلال تكرارها المستمر(3)، وهذا التكرار يعبر عن طبيعة الانسان وحاجته للاستمرار في الوجود من خلال التناسل المصحوب باللذة ، والذي يتضح في السطر الاتي: (تتمنطقه ، ذاهلة، افعى).
(4) ـ التشكيل المتعامد
ويبني سعدي يوسف قصيدته بالتشكيل المتعامد لتحقيق غرضين الاول تعميق الدلالة في القصيدة، كما في هذا المقطع من قصيدة (ابتداء) (4) اذ يقول:
سوف تسأم زاوية الشام ايضا
ونبتتها وهي تذبل خلف الزجاج
ولسوف تردد في السر
انى اتيت لكي احتمي بالزجاج
الظهيرة
و
ا
ق
ف
ـة
والشجيرات من طرف العين تلمحها
وهي تهدأ في الظل
والشمس تهدأ في الظل
وفي هذا المقطع عمد الشاعر الى تجزئه مفردة (واقفة) لتأكيد شدة الحرارة، من خلال إقرانها بالوضع العمودي للشمس في الظهيرة وما تسببه من انحسار للحياة، ففي هذا الوقت يكون النبات معرضا للذبول ، مثلما الحياة نفسها معرضة للذبول، ولا شيء يكافىء هذا الذبول غير (الظّل) الذي كرره الشاعر مرتين لتأكيد اهميته في جدلية (الذبول والخصب) في الحياة، وكان لاستخدام الشاعر لتشكيلة مفردة (واقفة) على النحو العمودي علاقة بالانشاد الذي يدفع المتلقي الى التوقف قليلا عند هذه المفردة لتهجيها وقراءتها(1)، فتكون بهذا التشكيل مفردة (واقفة) مركزا لبنية هذا المقطع فهي تتوسط مفردة (ظهيرة) و (شجيرات)، واراد الشاعر بالوقوف هنا بين (المفردتين) معا، ليعبر عن الجدلية المتحققة من وجود الظهيرة مع الشجيرات، جدلية (الضوء والظل).
اما الغرض الثاني من التشكيل المتعامد فهو اقامة تكرارات صوتية وتشكيلية بين المفردات في القصيدة ، تفضي هذه التكرارات الى عكس الدلالة وذلك من خلال اجراء تحوير في واحد في حروف المفردات المتشاكلة في النص، وانتاج دلالة معاكسة في المفردة تلي المفردة السابقة، كما في قصيدة (ما اصعب الاغنية) (1) حيث يقول الشاعر:
تمتمة
وتمائم
ترتيل تر ، تر ، وتر ، تر تراتيل
ترتد
ترتاد
ترتاح
تنداح
ترفض
تنهد
ترتد
تنويمة، ان تغني، وان تنتهي.
وفي هذا التشكيل يخاطب الشاعر البصر بأسلوب اوضح من التشكيلات السابقة، مانحا الاسبقية لمعمارية النص وهندسته الفضائية على المنعكسات الاخرى من علاقاته(1)، اما من الناحية الصوتية فقد جعل الشاعر صوت حرف (التاء) مرتكزا لعلاقات النص الايقاعية والدلالية معا، فبدأ بتكراره ثلاث مرات ، وتكرار حرف الميم مرتين، وفي المفردة الثانية (تمائم) يتكرر (الميم) مرتين، ولا يتكرر (التاء)، ثم يتكرر التاء مرتين في (ترتيل وتراتيل)، ومرتين في (ترتد وترتاد)، وفي هاتين المفردتين بدأ الشاعر بعكس الدلالة من خلال اضافة حرف واحد، وهو الالف.. أو من خلال تغيير حروف المفردة كلها والابقاء على حرف واحد هو (التاء)، (المرتكز الصوتي للمفردات في هذا المقطع)، لهذا تبقى تكرارات التاء بالعدد نفسه في المفردات ذات الدلالات المتناقضة،
ترتاد × ترتد
تنداح × ترفض
لقد خلقت التكرارات الصورية والصوتية في هذا المقطع تشكيلة لقصيدة خاصة. فالعرف في السطر الشعري الذي تعتمد عليه قصيدة التفعيلة، اصبح مخترقا باعتماد كلمة واحدة فيه، وان استخدام الشاعر هذا الاسلوب يؤكد التناقضات والتوافقات في القصيدة، فدلالة ترتد، لايمكن وضعها في سطر شعري واحد مع ترتاد، لان قيمة التناقض بين المفردتين ستضعف، وكذلك الحال في تنداح وترفض ، وعلى وفق هذه الرؤية يعد افراد الكلمات في السطر الشعري عملية اثراء للدلالة التي يريدها الشاعر، اما في السطر الشعري المعتمد على حرفي (التاء والراء) ، فمنعكسه الصوتي يوحي بصوت آلة متحركة الى اليسار، وتشكيلته الصورية توحي بانسجام مظهري في حروف هذا السطر، وفي كلا المنعكسين هناك حركة في القصيدة تتمحور في السطور الشعرية التي تلي تشكيلة (تر ، تر ..) في حين تنعدم هذه الحركة في مفردتي (تمتمة، وتمائم). وهنا استخدم الشاعر جدلية الثبات والتغيير في الصوت، (فالتاء) ثابتة في هذا المقطع، في حين يحدث التغيير في علاقات اصوات الحروف الاخرى، ومع التغيير الصوتي كان هناك تغيير في التركيب التشكيلي للقصيدة، فتارة يكون افقيا واخرى عموديا، وهذه المتغيرات تؤكد هشاشة البنية التشكيلية لقصيدة الشعر الحر، مقابل صلابة القصيدة العمودية، الامر الذي يجعل التشكيل في قصيدة التفعيلة تشكيلا اجوف(1)، يمكن ان يملأ بالتركيب الملائم للمعنى.
4 ـ التشكيل التناسبي:
ويعمد الشاعر في هذا التشكيل الى مناسبة الحرف مع الكلمة ، من حيث العدد والمنعكس البصري والدلالة، كما في قصيدة (اذن نزنر هذا الوطن بالبترول والديناميت)(2) حيث يقول:
ليس لنا ان نجعل الالف الى الالف هكذا
آ آ آ آ آ آ آ
آ آ آ آ آ آ آ
ليس لنا ان نجعل الميم الى الميم هكذا
م
م
م م م
م م م
م م م م م م
م
م
م
م
م
م
م
ليس لنا ان نجعل الميم الى النون هكذا
من؟ من؟ من؟ من؟ من؟ من؟ من؟
من؟ من؟ من؟ من؟ من؟ من؟ من؟
وفي هذا التشكيل تصرف الشاعر ببياض الورقة ورسم تشكيلة مكانية في فضاء النص تتواءم مع دلالة القصيدة ورسالتها، ليصبح هذا التشكيل بمثابة المرسل للمعنى، ويذهب ايكو في هذا الصدد الى القول: ((ان للمرسلة وظيفة جمالية عندما تكون مبنية بشكل غامض، فيقوم فهمها على جدلية الوفاء للنص والتحرر من التفسيرات الدائرة حوله)) (1)، اما من الناحية الصوتية فقد حاول الشاعر في هذا التشكيل ان يقيم تناسبا بين حروف ثلاثة هي (الالف والميم والنون)، والمشكلة لمفردة (أمن)، وفي التشكيل العرفي لقصيدة التفعيلة كان يمكن ان يورد الشاعر مفردة (أمن) في هذا المقطع من دون ان يحصل خلل في دلالة القصيدة، لكن اعتماد الشاعر هذا التشكيل المكاني اعطى دلالات بصرية ومعنوية مضافة لبناء هذا المقطع ، فمفردة (أمن) تشعر الشاعر بحقب من المطاردة والاعتقال والسجن السياسي، وان الاعلان الصريح عن هذه الحقب يوحي بعودتها الى حياته، ولكي يؤكد الشاعر خشيته من العودة لتلك الحقب اجرى تحويرا في حروف مفردة (الأمن)، وهذا التحوير يسميه تيودورف (بالجناس الابدالي) الذي يصفه بقوله: ((نصوص تكوِّن بعض حروفها كلمة معينة لا كما هي جنبا الى جنب فقط، بل كذلك عند انتزاعها من موضوعها ووضعها في نظام مختلف، وترسم هذه الاحرف التي تحيل الى احرف اخرى او الاصوات التي تحيل على اصوات اخرى مكانا على مستوى الدال))(2) .
واذا تم تحليل حروف مفردة (أمن)، نجد ان الصوت المنفرد للحرف لا يطابق صوته في اللفظ في حالة اجتماع الحروف الثلاثة، فالاول يلفظ (ألف)، والثاني (ميم) والثالث (نون)، وهذا اللفظ من حيث الصوت لا يطابق صوت مفردة (أمن).
كما استخدم الشاعر طريقة خاصة في صورة الحرف، وذلك من خلال تصفيفه لحرف الالف، بحيث يجعلها قريبة لتصفيف القضبان في السجون، وطريقة تصفيفه لحرف الميم قريبة لتصفيفة الدهاليز، في اشارة الى دهاليز واقبية دوائر الامن، وهي في منعكسها الصوري اقرب الى صورة (السهم) المتجه نحو تشكيلة (الالف) البصرية المشابهة لقضبان السجون، والميم هي الحرف الاول من مفردة (معتقل)، وهذا العلاقة تشير الى ان (الانا) في القصيدة يمكن ان تعود الى السجن ثانية. اما النون فربطها بالميم، واشار صراحة الى الخوف من ربط هذه الحروف بعضهما مع بعض (ليس لنا ان نجعل الميم الى النون هكذا .... من). ويؤكد الشاعر القصد في هذا التشكيل من خلال تكرار حرف الالف (7) مرات وتكرار حرفي (من) سبع مرات ايضا. وفي هذا التشكيل استخدم الشاعر بياض الورقة ليعبر من خلال تشكيلة الحروف البصرية عن احساساته ومشاعره ازاء موضوعها، كما يذهب ماكليش الى ذلك(1) ليتواءم في هذا التشكيل الاحساس مع المنعكس البصري والدلالي والصوتي في القصيدة.
5 ـ تشكيل الفراغ
يستثمر سعدي يوسف تشكيل الفراغ في القصيدة محاولا اثراءها بتنويعات ايقاعية ودلالية ، فالفراغ عنده يمتلك قيمة جمالية تتيح للشاعر التصرف في عناصر بناء القصيدة وفي نواح متعددة ، ويظهر ذلك في قصيدته (نار الحطابين) (2)، اذ يقوم الفراغ بنقل اجواء القصيدة من حالة الى اخرى، يقول الشاعر فيها:
قمْ
وانفض عنك دثارك
واحمل في التيه المائي عصاك
اركض
...
...
ثمت في ذاك المرج مرايا ذائبة
وفراء.
وفي هذا المقطع هناك ابتداءات في السطور الشعرية تسبق الفراغ تختلف عن الابتداءات في السطور التي تلي الفراغ... اذ ان كل السطور التي تسبق الفراغ تبتدىء بفعل امر، (قم ، انفض ، احمل ، اركض)، ويتحول الامر في السطر الشعري الذي يعقب الفراغ، الى حالة اخرى قوامها الاستقرار، وفي هذا المقطع الشعري يفصل الفراغ بين حالتي الحركة والسكون، معطيا دلالة الانتظار والتمهيد للتحول من التوتر الى الاستقرار(1) ، فمن حالة الحركة التي تبدأ بالقيام ، ونفض الدثار، وحمل العصا والركض، يعمد الشاعر الى ايقاع الانتظار من خلال الوقفة التي يحققها الفراغ في الانشاد والتلقي ، وبعد مدة الانتظار يعلن الشاعر في السطر الشعري الاخير جائزة الحركة، المتمثلة بالمرج، والمرايا والفراء.
وفي مقطع آخر يستثمر الشاعر الفراغ لاحداث نقلة من صيغة في الخطاب الى صيغة اخرى، كما في المقطع الاتي من قصيدة (خدر) (2) اذ يقول:
وعيناي لاتطرقان
هل البرد غلغل بين العروق وما حولها الثلج
أهي الرطوبة
أم أن أغنية العمر تهدأ
.....................
.......................
.......................
إطرق قليلا ، اذا..
وفي هذا المقطع وجد الباحث ان السطور التي تسبق الفراغ تعتمد صيغة الـ(آنا) في الخطاب (وعيناي لا تطرقان)، اما السطر الشعري الذي يلي الفراغ، فان صيغة الخطاب تتحول فيه الى صيغة الـ(أنت)، وهذا التحول في صيغة الخطاب يسميه البلاغيون بـ(الالتفات) ويعني كما يذهب ابن المعتز (ت ـ 296هـ) ((انصراف المتكلم عن المخاطبة الى الاخبار ومن الاخبار الى المخاطبة)) (1).
ان الفراغ في هذا المقطع الشعري منح القصيدة امكانات تعدد الاصوات في مقطع قصير، الامر الذي جعل الدلالة تنفتح على نمطين من الخطاب، الـ(أنت) والـ(انا)، وفي الصيغتين هناك تأكيد لانحسار الوجود الانساني في ضجة الحياة خاصة ان الشاعر ينهي المقطع الذي يسبق الفراغ باحتمال (ان تهدأ اغنية العمر). اما في السطر الذي يلي الفراغ فانه يريد من (الذات او الاخر) التوقف قليلا والهدوء، ان تعدد صيغة الخطاب مقابل وجود (الاستقرار) فيه منح هذا المقطع جدلية (الثبات والحركة) محققا بذلك جمالية خاصة في الانشاد الذي يشد القارىء اليه لاكتشاف سرّ هذه الجدلية.
وفي قصيدة اخرى يستثمر الشاعر بنية البياض لاحداث تحول ايقاعي في القصيدة، والانتقال من بحر شعري الى بحر اخر، كما في قصيدة (ذبذبات) (2) ، التي يقول الشاعر فيها:
للخريف الذي ظل يمضي، لاخر اوراقه، تهمس الريح في مطر ناعم
انا اسمع ما تنطق الريح، المس ما تحمل الريح، اغمس
هدبي بامواجها ، القرية ارتحلت منذ قرن ، وها انت ذا لاترى غير
مقعدها الخشبي الوحيد، وساحتها الخاوية
كنت قد هيأت الشعارات العشية، سوف يأتي احمد النجدي حتما
بالعصي وسوف تنطلق المظاهرة الظهيرة حين تزدحم الازقة
وهذا التشكيل البصري ينتمي الى نمط القصيدة المدورة التي تعتمد السطور الشعرية الطويلة الشبيهة بالسطر النثري، ويؤدي الفراغ فيها دورا رئيسا في نقل الايقاع من البحر المتدارك في بداية القصيدة الى البحر الكامل في المقطع الشعري الذي يعقب البياض، فالبياض كما يذهب لوتمان حبس ضروري للنفس، له قيمة ايقاعية في القصيدة(3)، وهذه القيمة الايقاعية هي التي هيأت للانتقال من البحر المتدارك الى البحر الكامل.

المبحث الثاني
الــوزن
شكل الوزن في القصيدة العربية التقليدية ، واحدا من اهم مقومات الشعر، ان لم يكن اعظم اركانه(1) ، ونظر النقاد القدامى الى وظيفته من خلال زوايا مختلفة، لعل اهمها شراكته للقافية في تحقيق الجنس الادبي، فالشعر ((قول موزن مقفى يدل على معنى)) (2).
واذا كان المعنى العامل المشترك بين الشعر والنثر فان الوزن والقافية عامل افتراق للجنس الادبي عن غيره، ويعود هذا الافتراق الى بنية القصيدة العربية التقليدية المستندة الى عمود الشعر، الذي حدده المرزوقي بعناصر سبعة ، منها التحام اجزاء النظم والتئامهاعلى تخيّر من لذيذ الوزن، ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية(3).
اما الوظائف الاخرى فمنها ما يتعلق بالجانب الموسيقي الجمالي بوصفه ايقاعا يطرب الفهم لصوابه(4) ، ومنها ما يتعلق بمقدرته على تحقيق غرض القصيدة ، من خلال خاصيته في التعبير، وهذا ما ذهب اليه حازم القرطاجني حين رأى، ان من يتبع كلام الشعراء في جميع الاعاريض وجد الكلام الواقع فيها يختلف انماطه بحسب اختلاف مجاريها من الاوزان، فالعروض الطويل نجد فيه ابدا بهاء وقوة وتجد للبسيط سباطة وطلاوة وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة وللمتقارب سباطة وسهولة ، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، والرمل لينا وسهولة ولما في المديد والرمل من اللين كانا أليق بالرثاء ، وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من اغراض الشعر (5).
وعرف النقد العربي القديم الوزن في ضوء عنصرين الاول متغير والثاني ثابت فهو ((التأليف الذي يشهد الذوق بصحته او العروض)) (6).
والثابت في هذا التقويم النقدي هو العروض.
اما المتغير فهو الذوق الذي لا يخضع لقانون بل يتبع قيما قد يتفق معها بعض الناس وقد يختلف معها بعض اخر، فالذوق بمنزلة الاحساس بحسب الفطرة(1) وبعد محاولات التطور التي شهدتها القصيدة العربية في مرحلة النهضة العربية اصبح القالب الوزني عنصر ممانعة للتطور، لهذا كتب المازني في مقدمة احد دواوينه قائلا: ((ان اوزاننا وقوافينا اضيق من ان تنفسح لاغراض شاعر تفتحت مغاليق نفسه))(2).
ومن هذا المنطلق كانت محاولات تطوير الاوزان في القصيدة حثيثة لدى معظم التيارات والمدارس الشعرية العربية في عصر النهضة، اذ وجد المهجريون ان من بين عناصر التجديد في القصيدة العربية تنويع الاوزان والقوافي(3).
وفي الثورة الشعرية الحديثة التي انتجت قصيدة التفعيلة طرحت نازك الملائكة قضيتين رئيستين بشأن الاوزان، الاولى حرية الشاعر في اختيار عدد التفعيلات في السطر الشعري الواحد، والثانية تتعلق بالبحور التي ينبغي استخدامها في الشعر منها البحور البسيطة وتسميها (الصافية) وهي: الكامل ـ الرمل ـ الهزج ـ الرجز ـ المتقارب ـ المتدارك : والبحور المركبة ـ وتسميها الممزوجة ـ وتذهب الى انه لايجوز منها سوى استخدام السريع، والوافر(4) ولكن التطور الذي شهدته قصيدة التفعيلة، اثبت امكانات استخدام بحور اخرى في القصيدة، ويعد الشاعر سعدي يوسف من الشعراء القلائل الذين استخدموا بحورا مركبة اخرى في قصائده، اذ لم يستخدم بحر الطويل في خريطة الشعر العراقي الحديث في قصيدة التفعيلة سوى شاعرين هما السياب وسعدي يوسف، كما استخدم الشاعر اكثر من بحر في قصيدة واحدة كما في قصيدة (قلعة السنيور) (5)، وكان استخدام البحور في قصيدة سعدي يوسف قد جرى على النحو الاتي:
1ـ البحور البسيطة
تمثل البحور البسيطة معظم القصائد التي كتبها الشاعر سعدي يوسف، وقام الباحث باجراء احصاء لخمس مجاميع شعرية وهي كل ما صدر عن الشاعر حتى عام 2005فوجد ان البحور الشعرية المعتمدة على تفعيلة واحدة تمثل (5ر89 %) من مجموع قصائد الشاعر، وهي على النحو الاتي:
1ـ الوافر وتفعيلته ، مفاعلتن، مفاعلتن ، مفاعلتن.
2ـ الكامل وتفعيلته ، متفاعلن، متفاعلن ، متفاعلن.
3ـ الرجز وتفعيلته ، مستفعلن ، مستفعلن ، مستفعلن.
4ـ الهزج وتفعيلته ، مفاعيلن، مفاعيلن ، مفاعيلن.
5ـ الرمل وتفعيلته ، فاعلاتن، فاعلاتن، فاعلاتن.
6ـ المتقارب وتفعيلته ، فعولن ، فعولن ، فعولن، فعولن.
7ـ المتدارك وتفعيلته، فاعلن، فاعلن، فاعلن ، فاعلن(1).
ووضعت نازك الملائكة، في دراستها لبحور الشعر الحر وتشكيلاته، (الوافر) في قائمة البحور الممزوجة لان سطره كما تذهب (مفاعلتن مفاعلتن فعولن)(2) وهي بذلك ألزمت الشعراء بان تكون اضرب هذا البحر (مقطوفة) بقولها: ((ان القصيدة الحرة من البحر الوافر ينبغي ان تجري على هذا النسق مثلا:
مفاعلتن فعولن
مفاعلتن ، مفاعلتن ، مفاعلتن، فعولن ،
لهذا يشترط ان ينتهي كل سطر في القصيدة بالتفعيلة، (فعولن)(3).
وذهبت نازك الملائكة الى ذلك على الرغم من ان الدراسات الحديثة والقديمة تعد بحر الوافر من البحور البسيطة(1)، لذلك يرجح الباحث الرأي الثاني بسبب وضع النقد العربي القديم لهذا البحر في تشكيلة البحور ذات التفعيلة الواحدة(2).
كما يرى الباحث ان وزن المتدارك في قصيدة الشعر الحر يمكن ان ينقسم على بحرين او وزنين ، الاول المتدارك بتفعيلته (فاعلن)(3) والثاني الخبب بتفعيلته (فعْلن)، وذلك لاختلاف التفعيلتين في البناء الوزني، فالتفعيلة (فاعلن) تتكون من سبب خفيف (فا)، ووتد (علن) وفي حالة الخبن تصبح (فعِلن)(4) ، في حين تتكون تفعيلة الخبب من (فَعِلُنْ) او (فعْلنْ)، اي انها تتكون اما من سببين خفيفين، او من (سبب ثقيل وسبب خفيف)(5) ، ويمكن ان تدخل تفعيلة اخرى في هذا البحر وهي (فاعل)، سواء أكان ذلك في حشو ام في بداية السطر الشعري ام نهايته وليس كما تذهب نازك الملائكة ان (فاعل) لاتأتي الا في حشو الخبب فقط(6) ، كما في قصيدة (مطعم صيني)(7)، للشاعر سعدي يوسف التي يقول فيها:
في المرآة الضخمة
في عمق المطعم
تبدو اشجار وتنانين اخرى
وموائد اخرى،
وحرك الشاعر هنا مفردة (الضخمة) في نهاية السطر الاول وتفعيلتها (فاعل)، ويمكن ان تاتي فاعل في بداية السطر كما في قصيدة (استعادة)(8)، التي يقول فيها الشاعر:
سيرن الهاتف
لن ارفعه
اعرف انك انت
وتفعيلة مفردة (اعرف) في السطر الثالث (فاعل)، ان هذا التنوع في تفعيلة (الخبب) تعطيه صفة الاستقلال عن البحر المتدارك، الامر الذي يؤكد ان اي عملية تداخل بين تفعيلة المتدارك، (فاعلن) او (فعِلن) في القصيدة مع (فعْلن) فان كسرا عروضيا سيحدث، يؤثر في انسجام الايقاع، اي ان (فَعْلنْ) لا تدخل في تفعيلة المتدارك ولو دخلت فانها ستعد انذاك كسرا عروضيا.
في ضوء ما تقدم يرى الباحث انه يمكن تقسيم البحور الصافية في الشعر الحر على النحو الاتي،(الكامل ، الوافر ، الرمل ، الهزج، الرجز، المتقارب، المتدارك ، الخبب)، اما نسبة قصائد سعدي يوسف من هذه البحور فهي على النحو الاتي:
1ـ الكامل (5ر14 %) تقريبا ، 2ـ الرمل (8%) تقريبا، 3ـ السريع (9%) تقريبا 4ـ المتقارب (5ر12) تقريبا، 5ـ الهزج (1%) تقريبا، 6ـ المتدارك (17%) تقريبا 7ـ الخبب (5ر14%) تقريبا 8ـ الوافر(13%) تقريبا ، وألحق الباحث التقريب الى النسبة المئوية لاسباب عدة، منها ما يتعلق باستمرار عطاء الشاعر ومنها ما يتعلق بوجود الزحافات والعلل في تفعيلات قصائده، الامر الذي قد يؤدي الى الارباك في تشخيص التفعيلة بشكل دقيق على الرغم من محاولته التدقيق فيها، كما انه توجد في شعر سعدي يوسف قصائد ذات بحور ممزوجة تحتمل اكثر من وجه في تحديد الوزن الشعري، مثل (قصيدة تركيبة)(1) التي يقول فيها:
وجهها كان بين الرخام الصناعي والاس
هل غادرت قرطبة
مساجدها؟
هل تخطى العراق الخوارج
هل امسكت يدها بالغصون الي شربت خضرة الجرح
حتى الثمر؟
في هذه القصيدة يمكن تقطيع المقطع الشعري على شكلين: الاول تحِّول التفعيلة في القصيدة في مفردة (مساجدها) من (فاعلن) الى (مفاعلتن)، والعودة بعد ذلك الى فاعلن، على النحو الاتي:
وجهها / كان بي / ن الرخا/م الصنا/عيي والـ/
فاعلن / فاعلن / فاعلن/ فاعلن / فاعلن /
/أاس هل / غادرت / قرطبة
فاعلن / فاعلن / فاعلن
مسا جدها / هل تخط / طى العرا/ق الخوا/رج هل/ امسكت / يدها/
مفاعلتن / فاعلن / فاعلن / فاعلن / فعلن / فاعلن/ فعلن/
بالغصو/ن التي / شربت / خضرة الـ/جرح حد/د الثمر /
فاعلن / فاعلن / فعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن/
ويمكن تقطيع القصيدة نفسها بتحويل التفعيلة من بحر المتدارك الى بحر المتقارب من خلال الانتقالة في مفردة (مساجدها) ايضا. وعلى النحو الاتي:
وجهها/ كان بيـ/ن الرخا / م الصنا/عيي والـ/ أاس هل / غادرت / قرطبة/
فاعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن / فاعلن/
مساجـ/دها هل/ تخطىّ الـ/عراق الـ/خوار/ج هل ام/سكت يـ/
فعول / فعولن / فعولن / فعولن / فعول / فعولن/ فعولن/
دها بالـ/غصون الـ/لتي ش/ ربت نظـ/ رة الجر/ ح حتى ال / ثمر
فعولن فعولن فعول فعولن فعولن فعولن فعولن فعو
ويجوز في المتقارب حذف الضرب في نهاية التفعيلة فتصبح (فعولن ، فعل او فعو)(1).
ان هذه الانتقالات تجعل حصر عدد القصائد التي تعتمد بحورا معينة مسألة ينتابها قليل من عدم الدقة، الامر الذي جعل الباحث يضع مفردة (تقريبا) في احصائه للبحور التي اعتمدتها القصائد.
في ضوء ما تقدم يرى الباحث ان الشاعر اعتمد في هذه البنية العروضية المتغيرة على التحولات الايقاعية التي تحققها (مفردة واحدة في القصيدة)، اذ تنكسر الرتابة الايقاعية في منطقة محددة جدا، ليتم بعدها الانتقال الى ايقاع جديد بطريقة سلسة او الاستمرار بالايقاع نفسه، والسبب في ذلك يعود الى محاولة الشاعر عدم اشعار المتلقي بان تحولا ايقاعيا جوهريا قد حدث في القصيدة، وان ثمة كسرا عروضيا واضحا فيها، لهذا اختار الشاعر البحرين (المتقارب والمتدارك)، وعمد الى جعل التفعيلة كاملة في المرحلة التي تسبق الانتقال، فالمتقارب والمتدارك من دائرة عروضية واحدة يطلق عليها دائرة المتفق(1) ، خاصة ان النقد العربي القديم عدّ المتقارب بحرا ((يخرج منه بحر وزنه فاعلن ولم يذكره الخليل واستدركه المحدثون فسمي بالمتدارك او المخترع))(2).
اما الدكتور محسن اطميش، فيذهب الى ان دارس الشعر العراقي سيرى ان ثمة ((مجموعات شعرية كاملة توشك ان تجري جميعها على موسيقى هذين البحرين كما في (الليالي كلها) و(تحت جدارية فائق حسن)، في نتاج سعدي يوسف))(3).
واختلف النقاد في الاسباب التي جعلت هذين البحرين يطغيان على بقية البحور في شعر التفعيلة فمنهم من يرى ان سيادة بحر من بحور الشعر يعود الى التطور التاريخي الذي اصاب القصيدة العربية، اذ نجد في كل عصر من العصور ان بحورا معينة يكون لها السبق في نتاج الشعراء دون غيرها(4). ومنهم من يرى ان البحور التي تسود في مرحلة معينة تعد تعبيرا عن ايقاع الحياة في تلك المرحلة(5).
ودرس الدكتور ابراهيم انيس قضية سيادة البحور في تاريخ الشعر العربي فتوصل الى استنتاج مفاده، ان البحر الطويل استأثر بثلث الشعر العربي القديم، واستأثر البحران الكامل والبسيط بالمرتبة الثانية ، ويجيء بعدهما البحران الوافر والخفيف ولم يكن حظ البحور الاخرى الا القليل ، في حين اسقط الشعر الحر هذه السيادة لصالح بحري المتقارب والمتدارك(6).
وحاول الدكتور اطيمش دراسة الاسباب التي دعت الى تراجع البحور التي كانت سائدة في الشعر العربي القديم، ذاهبا الى ان سيادة المتدارك والمتقارب في قصيدة التفعيلة يعود الى اقترابهما الشديد من الايقاع النثري الذي يشيع في لغة الحياة وعلى ألسنة الناس عندما يمارسون شؤون حياتهم اليومية في حين لم تتمتع البحور السائدة قديما بهذه الميزّة(1). ولكن ايا من الباحثين والنقاد لم يحلل الاسباب التي جعلت هذين البحرين يمتلكان هذه الميزة في الاقتراب من لغة الناس اليومية، ويرى الباحث، ان المتقارب والمتدارك في دراسات معظم النقاد والباحثين جرت على اساس انهما بحران فقط، المتقارب بتفعيلته (فعولن)، والمتدارك بتفعيلته (فاعلن)، والحقيقة ان المتدارك كما مرّ مكون من بحرين وهما المتدارك والخبب، وتكاد تكون نسب استخدام الشعراء وخاصة عند سعدي يوسف متقاربة لهذين البحرين، وعلى هذا الاساس، يرجح الباحث ان اسباب لجوء الشعراء المحدثين لهما يعود الى ان شعراء قصيدة التفعيلة حاولوا التخلص من الايقاع التقليدي للقصيدة التقليدية لا من حيث البحر فقط بل من حيث، عنصر الايقاع الجوهري وهو (الوتد)(2)، ففي المتدارك (فاعلن) يكون الايقاع صاعدا من السبب الى الوتد، (فا) سبب خفيف/(علن) وتد، وفي الخبب ينتفي جوهر الايقاع (الوتد)، اما المتقارب فان ثبات تفعيلة (فعولن) وترددها وانتظامها يجعله قريبا من المتدارك (فاعلن)، أي انه يتضمن تفعيلة معاكسة له فـ(فعولن)، وتد ثم سبب، في حين (فاعلن)، سبب ثم وتد، وهذا النمط الايقاعي كان قليل الاستخدام في القصيدة العربية بسبب عدم وجود انتقالات ايقاعية في هذين البحرين، اما نمط البحر الطويل فان سيادته تعود الى انتقالاته الايقاعية التي تبدأ بجوهر الايقاع الصاعد الوتد (فعولن)، (مفاعيلن)، وهذه الانتقالات تحقق قدرا جماليا وايقاعيا للقصيدة العمودية ينسجم مع غرضها. لان جوهر الايقاع الصاعد يتحول في هذا البحر بايقاعين مختلفين (فعو/لن ، مفا/عيلن).
اما البنية الايقاعية للشعر الحر فانها غير قابلة نظريا لاستيعاب البحور الممزوجة مثل الطويل بسبب تصرف الشاعر بسطورها الشعرية التي قد تتكون من تفعيلة واحدة أي (مفردة واحدة)، واستخدام الشعراء للتفعيلة المدورة التي يمكن ان تسبب في نهاية السطور تحولات ايقاعية حادة في القصيدة تؤثر في موسيقى الشعر، وهذه التحولات لايمكن ان تحدث في القصيدة العمودية بسبب صرامة قالبها الشعري، فضلا عن ميل شعراء التفعيلة لايقاعات تناسب تشكيلة القصيدة المكانية التي تمتاز
بالتغير، لهذا اعتمد الشعر الحر على البحور او الاعاريض التي اهملتها القصيدة العمودية من البحور الصافية، ويرجح الباحث ان يكون سعدي يوسف حاول مثل من سبقه اعتماد هذه التفعيلات (وخاصة الصافية) لتنويع الايقاع في قصيدته، ولكي يجعلها تلائم تشكيلها المكاني.
ففي قصيدة (صباح الخير ايها الفاكهاني)(1)، تتعرض تفعيلة الوافر (مفاعلتن) الى تحولات ايقاعية سواء أكان ذلك في الضرب ام التفعيلة ذاتها اذ يقول..
صباح الخير /مفاعلْتان
صباح الخير ايتها الشوارع والبنادق /مفاعلْتن، مفاعلتن ، مفاعلتن، مفاعل
يا صباح الخير / تن، مفاعلتن / مـ
يا (بيري/ية) حمرا/ء ، يا شمسا / فاعلتن/مفاعلْتن/ مفاعلْتن/مفا
على شعر الفتى
ولكم صباح الخير حراس المقر علتن/ مفاعلتن/مفاعلتن/مفاع
لفوهات الليل ، سر الليل لتن/ مفاعلتن / مفاعلتن /م
وفي هذا المقطع تتنوع تفعيلة (مفاعلتن) الى تفعيلات متعددة، اذ تصبح حركة اللام، سكونا لتصبح التفعيلة مكونه من وتد مع سببين خفيفين، كما ان هذه التفعيلة لم تستمر بشكل منتظم في السطور الشعرية فتارة تتحول الى (مفاعلتان)، كما في بداية القصيدة، وتارة تنقطع الى وتد مع سبب ثقيل كما في السطر الثاني لتكتمل في السطر الثالث في السبب الخفيف (لن).
وفي هذا التقطيع اظهرت السطور الشعرية تنوعا في التفعيلات من خلال تحول تفعيلة (مفاعلتن) الى (مفاعيلن)، وهو زحاف شائع يقربه من بحر الهزج حين تعصب جميع اجزاء الوافر المجزوء وفي هذه القصيدة كانت (مفاعيلن) طاغية اكثر من تفعيلة (مفاعلتن) الامر الذي يجعل هذه القصيدة قريبة لبحر الهزج اكثر من قربها للوافر، لان بحر الوافر يتحقق بوجود أي عدد من تفعيلة (مفاعلتن) مهما كان قليلا(1) هذا الاستخدام المعتمد على الزحاف جعل القصيدة وكانها تتضمن بحرين (الوافر والهزج) الامر الذي نوّع الايقاع وبدد رتابته بانتقالات موسيقية بين تفعيلتين، وهذه الوحدة الايقاعية بين الوافر والهزج جعلت الدكتور ابراهيم انيس يذهب الى عدّ البحرين بحرا واحدا(2) لان مجزوء الوافر يستخدم (مفاعلتن) اربع مرات والهزج يستخدم (مفاعيلن) اربع مرات في القصيدة التقليدية، اما في قصيدة الشعر الحر فان الاستخدام اكثر حرية لتفعيلة (مفاعيلن) في مجزوء الوافر، الامر الذي يجعل امكانات عدهما بحرا واحدا اكثر قبولا، وينطبق هذا الامر على البحر الكامل وبحر الرجز بتفعيلة الكامل (متفاعلن) وفي الزحاف (مستفعلن).
واستخدم سعدي يوسف بحر الرجز الذي وزنه في دائرته (مستفعلن مستفعلن مستفعلن) مرتين(3)، بطريقة اعتمدت على كثير من الزحافات والعلل كما في قصيدة (القنفذ) (4) التي يقول فيها:
يكمن في قارته القديمة
منكمشا بين تراب الشمس والعشب المسائي
وحيدا.
وتقَّطع هذه الاسطر الشعرية على النحو الاتي:
يكمن في/ مفتعلن ـ قارته الـ/مفتعلن ـ قديمة/ فعولن
منكمشا/ مفتعلن ـ بين ترا/مفتعلن ـ ب الشمس والـ/ مستفعلن ـ عشب المسا /مستفعلن/ ئي وحيـ/مفتعلن.. وعلى وفق هذا التقطيع تجري بقية القصيدة..
من خلال التقطيع السابق لاحظ الباحث ان تفعيلة (مستفعلن) تتحول الى تفعيلة (مفتعلن) بنسبة ثلاثة اضعاف التفعيلة الاصلية، وهذا يعني ان التحول في هذا البحر يجري على عدة انماط، اذ تصير (مستفعلن) بالخبن الى (مفاعلن) وبالطي الى (مفتعلن) وبالخبل (فعِلتن)، والضرب المقطوع يصير بالخبن الى (فعولن) (5).
واختلف النقاد والعروضيون في قضية كثرة العلل والزحافات في الرجز فمنهم من يذهب الى ان هذه الزحافات تبدو سائغة غير نابية عن الذوق(1)، ومنهم من يذهب الى ان اوزانه تقترب من النثرية خاصة عندما يكثر الشاعر من تنويع صيغ تفعيلات البحر(2)، ولاحظ الباحث ان استخدام الشاعر سعدي يوسف بحر الرجز اعتمد على (مفتعلن) الناتجة عن الطي و(فعولن) في الضرب المقطوع ، مع تركيز على التفعيلة المنتجة عن الطي، كما في القصيدة السابقة، وهذا النمط من الاستخدام يعد تعزيزا لايقاع القصيدة وانسجاما لتفعيلاتها وابتعادها عن صيغة النثر لان تنويعات التفعيلة في هذا البحر تفقد الايقاع الانسجام المطلوب في الوزن(3).
ومن البحور الصافية الاخرى التي استخدمها الشاعر سعدي يوسف بحر الرمل ووزنه في دائرته (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن) مرتين(4) ، وله عروض واحدة هي فاعلن وثلاثة اضرب فاعلاتن، فاعلان ، فاعلن(5) ، واستخدم الشاعر سعدي يوسف هذا البحر في قصائده الطويلة كما في قصيدة (التنفيذ) (6) التي يقول فيها:
تستقيم المشنقة
ابدا في اخر الحجرة
كان الخشب المدهون باللمس وبالجهشة
فظّا مستقيما
تستقيم الطبقة
ويمكن تقطيع السطور الشعرية على النحو الاتي:
تستقيم الـ/فاعلاتن ـ مشنقة/ فاعلن
ابدا في / فعلاتن ـ اخر الحجـ / فاعلاتن
رة كان الـ/فعلاتن ـ خشب المد/فعلاتن
هون باللمـ / فاعلاتن ـ س وبالجهـ/فعلاتن
شة فظا / فعلاتن ـ مستقيما/فاعلاتن
تستقيم الـ/فاعلاتن ـ طبقة / فعلن
افاد الشاعر سعدي يوسف من الامكانات التعبيرية لبحر الرمل، التي تستند على تنوع تفعيلات هذا البحر الذي تصفه الباحثة سلمى الجيوسي بقولها: ((يمكنه ان يتقلب بين ايدي الشعراء في الف لون وقالب محتفظا برشاقة فيه اصلا، ولكن لابسا ثوب الحزن مرة والغضب مرة اخرى والمرح ثالثا))(1) وبهذه الثنائية التعبيرية استخدم سعدي يوسف بحر الرمل في تاكيد غربته وما يعانيه من مشاعر قلقة، كما في قصيدة (مديح الى مؤرخ مغربي)(2) التي يطرح فيها ازدواجية غربته وغربة الاخر، اذ يبدأ بالقول:
هكذا نغرق
بين السفن اللائي تراءين، ورمل الانظمة
ربما، في لحظة مستحكمة
ـ وينتهي بالقول:ـ
يولد الضباط
او يهجرنا نسر الى الريف
ولكنا، سنبقى ، دائرين
ودرس الدكتور فليح كريم الركابي هذه الازدواجية ذاهبا الى القول ان ايقاع هذا البحر قائم على اساس التقلبات النفسية(3)، وهذه التقلبات منحت الايقاع مساحة واسعة في قصيدة سعدي يوسف، الامر الذي جعل استخدامه هذا البحر استخداما خاصا كما يذهب الى ذلك الدكتور محسن اطيمش بقوله ((يلحظ قارىء شعر سعدي يوسف شيوع فاعلن وفعلن وفاعلاتن ، مما يمنح الرمل عنده تميزا عن سواه))(4)
وهذا التميز على ما يذهب اليه الدكتور فليح الركابي عائد الى حياة الغربة(1) التي عاشها سعدي يوسف، وحياة المنفى الاختياري احيانا والاجباري في احيان اخرى، اذ امضى حقبة الستينيات خارج العراق ولم يعد اليه الا في سنوات قليلة في حقبة السبعينيات وبعد منتصف السبعينيات غادره ولم يعد حتى يومنا هذا، لهذا يقرر الدكتور الركابي ((ان فاعلاتن فاعلاتن فاعلن بحر الرمل ذو العروض والضرب المحذوفين هو السائد في شعر الغربة)) (2).
ان هذا الرأي يؤكد علاقة الايقاع بالحالة النفسية التي يمر بها الشاعر لحظة انتاج القصيدة ودرس هذه الظاهرة الدكتور سعيد الورقي مؤكدا ان ((للوزن رغم شكليته الخارجية قيمة انفعالية هامة تتعلق بتخدير الحواس من الناحية الفسيولوجية كما انه يرتبط بالاحاسيس الفطرية لدى الانسان وما يتصل به من تفريج بايولوجي، مما يجعل من الشعر التعويض الضروري والحيوي لتوترات انفعالية كثيرة)) (3).
وفي ضوء ما طرحه الورقي فان جدلية العلاقة بين الوزن الشعري والتعبير تتحقق في ضوء الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر لحظة كتابة القصيدة.
2ـ البحور ذات التفعيلات المركبة:
وهي البحور التي يتألف السطر الشعري فيها من اكثر من تفعيلة واحدة(4) كما يأتي:
1ـ الطويل وتفعيلته فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
2ـ البسيط وتفعيلته مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
3ـ السريع وتفعيلته مستفعلن مستفعلن مفعولات
4ـ المنسرح وتفعيلته مستفعلن مفعولات مستفعلن
5ـ الخفيف وتفعيلته فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
6ـ المضارع وتفعيلته مفاعيلن فاعلاتن
7ـ المقتضب وتفعيلته مفعولات مستفعلن
8ـ المجتث وتفعيلته مستفعلن فاعلاتن.
واستخدم الشاعر سعدي يوسف بحورا ثلاثة منها هي: (الطويل والبسيط والخفيف).
ومع ذلك يعد سعدي يوسف من الشعراء القلائل الذين استخدموا بحر الطويل في قصائدهم اذ يذهب الدكتور محسن اطيمش الى انه لم يجد من الشعراء العراقيين من استخدم بحر الطويل في قصائده غير السياب وسعدي يوسف(1) ومن القصائد التي جاءت على هذا البحر، قصيدة (الى عامل في الميناء)(2). التي يقول فيها:
صديق الاغاني والبحار.. صديقنا ـ فعولن، مفاعيلن ، فعول ـ مفاعلن
مضينا معا ، حتى عرفت طريقنا ـ فعولن ، مفاعيلن ، فعول ـ مفاعلن
ربيعا وايمانا فعولن ، مفاعيلن
وحبا ونيرانا فعولن، مفاعيلن
لقد وهب الانسان للارض موعدا فعول، مفاعيلن ، فعولن ـ مفاعلن
وقلت: سيأتيها .. فصرت رفيقنا فعول، مفاعيلن ، فعول ، مفاعلن
وفي هذا المقطع هناك تنويعات ايقاعية في تفعيلة البحر الطويل استخدمها الشاعر لكسر رتابة تكرار (فعولن، مفاعيلن) من خلال تناوب تفعيلتي (مفاعلن) في الضرب بدل مفاعيلن(3)، كما استخدم (القبض) في حشو السطر الشعري فتحولت (فعولن) الى (فعول)، وقد ادى هذا الاستخدام الى تنويع تفعيلة البحر الطويل، لتصبح، اربع تفعيلات بدل التفعيلتين التقليديتين وقد منح هذا العدد من التفعيلات الشاعر حرية الحركة في السطر الشعري، فتارة نراه يكمل السطر (ويقبض الضرب) (4) ، وتارة نراه يعتمد على تفعيلتين تامتين في السطر الشعري، واخرى يعتمد على تفعيلتين مقبوضتين وتفعيلتين تامتين وبتناوب ايقاعي يوحي للمتلقي ان هناك تجديدا مثمرا في موسيقى القصيدة الخارجية.
واستخدم الشاعر البحر البسيط في تضمين قصائده الطويلة بايقاع يوحي بالحزن لان البسيط من البحور الطويلة التي يعمد اليها الشعراء في الموضوعات الجدية(1). ففي قصيدة في (تلك الايام)(2) يضمّن الشاعر البحر البسيط مع الخبب كما في المقطع الاتي:
كل الاغاني انتهت الا اغاني الناس / مستفعلن ، فاعلن ، مستفعلن ، فعلان
والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس / مستفعلن ، فاعلن ، مستفعلن ، فعلان
عمدا نسيت الذي بيني وبين الناس / مستفعلن ، فاعلن ، مستفعلن ، فعلان
منهم انا ، مثلهم، والصوت منهم عاد /مستفعلن ، فاعلن، مستفعلن ، فعلان
حاول الشاعر في هذا الاستخدام ان يحاكي الموال او الزهيري في التراث الشعبي العراقي(3)، لذلك جاءت القافية معتمدة على مفردة واحدة وهي (الناس)، وفي الموال فان مفردة (الناس) تعطي دلالة تختلف عن الدلالة الاخرى للمفردة نفسها في السياق الشعري لكن الشاعر هنا وحد دلالة (الناس) في القصيدة واطلق النقد العربي القديم على هذا الاستخدام للقافية (الايطاء)، ويعد عيباً من عيوب الشعر كما ذهب الى ذلك ابن سلاّم (4) اما استخدامه الايقاعي للقافية فقد ادخل التسبيغ بعد القطع وزاد حرفا ساكنا على السبب الخفيف فاصبحت (فعلان) بدل فعلن، ولم تذكر كتب العروض هذا النوع من الزحاف في القصيدة العربية التقليدية.
كما استخدم الشاعر البحر الخفيف ووزنه في دائرته: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن مرتين(5)، ففي قصيدة (الرماة)(6)، ينوع الشاعر تفعيلات هذا البحر ويستثمر امكاناته في تنوع تفعيلته وبالتالي تنويع الايقاع اذ يقول:
في السماء التي تجف، رأينا العشب نحن الموكّلين
فاعلاتن / مفاعلن / فعلاتن/فاعلاتن/ مفاعلن/فـ
بارض من قبور البنات والفتية العشاق للحرب
علاتن/ فاعلاتن / مفاعلن / فاعلاتن/ فاعلاتن /م
نستدير وللحب نغني. امانة الله، ماكنّا الرجال
فاعلن/ فعلاتن/ فعلاتن/مفاعلن/ فاعلاتن/ فاعلات
الموكّلين بقتل النفس، لكننا نموت اذا لم /نقتل
ن/مفاعلن/فعلاتن/ فاعلاتن / مفاعلن / فعلاتن/فاعل
البذرة.
وفي هذا المقطع اجرى الشاعر تدويرا للتفعيلات في نهاية السطور الشعرية واجرى تغييرات في التفعيلة الاصلية لبحر الخفيف، فـ(مستفعلن) تتحول الى (مفاعلن)، و(فاعلاتن) تتحول الى (فعلاتن)، وهما زحافان جائزان يسميان (الخبن)(1) وعلى الرغم من ان استخدام البحور ذات التفعيلات المركبة في قصيدة الشعر الحر يعد اغناء للموسيقى في القصيدة، الا ان هذا الاستخدام ظل اسير نمطية الاستخدام التقليدي في القصيدة التقليدية، وفي هذا الصدد ذهب الدكتور محسن اطيمش الى القول: ((حقا ان توجه الشاعر الى مثل تلك الابحر انما هو اغناء لموسيقى الشعر الحر ومحاولة للافادة من طاقات العروض العربي، الا انه من الناحية الحسية، سيظل صدى وتكرارا للايقاع القديم))(2) ويرى الباحث ان الشاعر سعدي يوسف ادرك هذه الاشكالية الايقاعية، لهذا جاءت القصائد ذات التفعيلة المركبة بنسبة لاتتجاوز الـ(7%) من شعره.
3ـ القصائد ذات البحور المتعددة:
تعد بنية التعدد في الاوزان واحدة من من الاساليب الايقاعية التي يستخدمها سعدي يوسف في قصائده، محاولا من خلالها اعطاء دلالات خاصة للقصيدة ترتبط بتنوع الوزن وتنوع غرض القصيدة، اذ يلجأ الشاعر الى استخدام اكثر من وزن واحد او وزنين في قصيدة واحدة، كما يعمد في بعض القصائد الى استخدام النثر مع الوزن، كما في قصيدة (حياة صريحة)(3) التي يقول فيها:
سعدي يوسف صديقي الان، اعطاني هذه الغرفة
الطائرة. اما هو ـ اعني سعدي ـ فقد قدم طلبا للجوء
السياسي بلا معنى...
ويلي هذا المقطع النثري مقطع اخر على وزن (الخبب) يقول فيه:
كان البحر قبالة بيروت جميلا
كان الخطر الاول
والموقع والمنزل
ولاحظ الباحث ان الشاعر استخدم بحر الخبب الذي يعد من اقرب البحور الشعرية الى النثر مع غير الموزون في القصيدة، الامر الذي جعل الانسجام الايقاعي قريبا بين النثر والخبب حيث ينتفي جوهر الايقاع الصاعد في هذا البحر(1) ويعد هذا الاسلوب في استخدام النثر مع الخبب واحدا من العناصر التي اعتمدها الشاعر لتعزيز شعرية الخطاب عبر مواءمة المنظوم مع المنثور، ففيه لا يشعر المتلقي بالانتقال الحاد في بنية الايقاع بين مقطع النثر ومقطع الشعر، وذلك بسبب قرب بحر الخبب من الايقاع النثري، وفي قصيدة (عن المسألة كلها)(2) يستخدم الشاعر البحر الطويل بنمط عمود الشعر، وبعد ذلك ينتقل الى البحر الكامل بنمط قصيدة التفعيلة اذ يقول:
سموت فردتني سماء خفيضة
وعدت، فما اشقى المعاد وما ابهى
اذا ورد الشذاذ خمسا وجدتني
ارى الحق، محض الحق، ان ارد الرفها
وتلك عيون بالرميلة اوقدت
هي المنتأى ، والدار والمأمل الاشهى
بغداد تسكن تحت مئذنة ، نهار الفاتح التتري
كنت اظن وجهك طالعا لي خلف هفة سعفة
وكأن الاف الازقة يحتويه واحد منها ، غبار
الخيل والعجلات في وهج الظهيرة كان الاف المرايا:
ولاحظ الباحث في هذه المقاطع ان الانتقال من البحر الطويل الى البحر الكامل لم يتم بوساطة فاصل معين ، بل تحول الايقاع فجأة من تفعيلة (فعولن مفاعيلن الى تفعيلة (متفاعلن) وقد اوضح هذا الانتقال الايقاعي بنية البحر الطويل المعتمدة على تناوب تفعيلته المنتظم (فعولن، مفاعيلن) وابرزها عبر بنية البحر الكامل غير المعتمدة على التناوب المنتظم لتفعيلته، (متفاعلن، ومستفعلن).
وترتبط قضية استخدام البحور المتعددة في القصيدة الواحدة بتعدد الموضوعات التي يتم تناولها ، ففي هذه قصيدة، يبدأ الشاعر بالجانب الذاتي (سموت فردتني سماء خفيضة) وحين ينتقل الى بحر اخر يبدأ بالجانب الموضوعي (بغداد تسكن تحت مئذنة).. وكان لهذا التغيير في اتجاهات القصيدة المضمونية اثره في تعدد البحور لان اختلاف اوزانها على ما يذهب الدكتور عبدالله الطيب المجذوب معناه ان اغراضا مختلفة دعت الى ذلك(1).
وفي قصيدة (حياة صريحة)(2) ينوع الشاعر ايضا في اوزان القصيدة، ولكن المقاطع لا تتداخل باستثناء تلك المقاطع المعتمدة على البحر البسيط اذ يبدأ الشاعر قصيدته (بالخبب) بقوله:
امي قالت لي يوما
(يا ولدي)
حين اتيت الى هذي الدنيا
احسست بخطفة برق في عيني
وبعد اكمال هذا المقطع ينتقل الشاعر الى بنية وزنية اخرى من بحر الكامل فيقول:
جلست دمشق صغيرة، في راحة المعشوق
تضفر ، دون ان تدري منائرها، جدائل
ثم تلبس ليلها ذهبا
وفي المقطع الثالث يتداخل الخبب مع النثر بقوله:
والفندق غادره الناس سريعا في الفجر
هبطت الى الصالة:
ليس بها غير غراب يتنكر في هيئة فلاح
كوفيته بيضاء
وعيناه على التلفزيون
لم يكن تسيلا من قبيلة الهوسا، قط. كان ابن سفاح
جاء الى مرابع الهوسا شابا في العشرين ـ حصل على قطعة ارض حيث ابتنى كوخا. جمع حوله عصابة
ويستمر تناوب الخبب والكامل مع النثر في القصيدة حتى المقطع السابع اذ يُضمن الشاعر الخبب مقاطع من البسيط (مقفاة)، ويقول:
اتلوها سبع تلاوات
ثم اذوبَّها
لاذوب بها اذ اشربها
قطرة ماء منك
يا صاحبي، راح من يطوي الفيافي راح
واظلَّمت الارض لما اظلمت الارواح
يا صاحبي، فز طيري من غراب صاح
يا حيف (شط العرب).. يا خيبة الملاح
وتستمر القصيدة حتى نهايتها على هذا التنويع الوزني الايقاعي، وبذلك يكون الشاعر قد خفف من الاحساس بذاك الصدى المتكرر لبنية وزنية واحدة ولجأ الى تنويع البحور مقاطع معينة من القصيدة(1) ، ولاحظ الباحث ان هذه القصيدة تعد من اطول قصائد سعدي يوسف، وربما كان لطولها تأثير على البنى الوزنية التي استخدمها، لان استخدام بحر واحد في قصيدة طويلة ربما يصيبها بالترهل الايقاعي ويصيب متلقيها بالملل لهذا كان دافع الشاعر الى هذه التنويعات يصب في كسر الرتابة في الايقاع وتجديد ذائقة المتلقي بأوزان جديدة(2) ، وكان للتضمين النثري دوره في هذا الاسلوب فالانتقال من الوزن الى اللاوزن يوقظ ذائقة المتلقي ويجعله يجدد حيوية القراءة(1) .
واستخدم الشاعر نمطا خاصا في طريقة الافادة من الاوزان الشعرية اعتمد على تناوب يجري بين بحري (السريع والكامل)، كما في قصيدة (غرناطة) (2) التي يقول فيها:
منتصف الليل
في (البائسين) اراك تبحث في الظهيرة
لقد اطفئت الحمراء
ووراء بهرجة المدينة، والمخازن عن حكاياك الصغيرة
في الساحة
عن منشد اعمى، وزاوية تدور بها القصائد
عيناه في الساحة
سرية عن ذلك السفح الذي قتلوا به لوركا، وعن بقيا قصائد
خطوته في اخر الساحة
لما تزل مطوية الاهداب ترقد بانتظارك
قميصها يستر بالزرقة مصباحه
وفي هذه القصيدة يعتمد السطر الاول منها على بحر (السريع) ووزنه في دائرته (مستفعلن مستفعلن مفعولات)(3). اما السطر الثاني فيعتمد على البحر الكامل (متفاعلن متفاعلن متفاعلن) ، وتصبح (متفاعلن) في الاضمار (مستفعلن)(4) ، الامر الذي يجعل هذا الزحاف في الكامل قريبا من بحر السريع، ولكن طريقة استخدام سعدي يوسف لهذين البحرين في هذه القصيدة اعتمدت الزحاف، فالتفعيلة الاولى تحولت من (مستفعلن) الى (مفتعلن) بالطي، (منتصف الـ)، وبتدوير مفردة (ليل) في السطر الاول مع (لقد) في السطر الثالث، فان (مستفعلن) تتحول بالطي الى (مفتعلن) ، اما السطر الثاني فان التفعيلة تتحول من متفاعلن الى مستفعلن (في البائسيـ)، ثم تعود الى التفعيلة الاصلية (متفاعلن)، (ن أراك تبـ)، ويرتبط السطر الثاني بالسطر الرابع لتستمر تفعيلته من بحر الكامل.
وشاب هذا الاستخدام ضعف من حيث الوحدة العضوية للقصيدة فالبناء فيها يشتت المتلقي، اذ يطرح الشاعر هنا مع كل وزن شعري موضوعا خاصا به، الامر الذي اضعف تتابع الفكرة، مثلما اضعف تتابع الايقاع، ويصف الدكتور محسن اطيمش هذه التجربة بقوله ((واضح ان الشاعر كان قد كتب قصيدتين ، كل واحدة منهما مستقلة عن الاخرى ، تجري الاولى على بحر (السريع) وتجري الثانية على البحر (الكامل) ثم شاء ان يدخل الاولى بالثانية ليقدم نمطا شعريا غريبا جديدا لا يضيف لرصيد الشاعر الكبير شيئا مهما)) (1).
ولاحظ الباحث ان الشاعر لم يكرر هذه التجربة الايقاعية والدلالية بعد هذه القصيدة. على الرغم من انه كتبها في بداية عقد السبعينيات ، الامر الذي يؤشر عدم قدرة هذا النمط من الاستخدام الوزني على الاستمرار والبقاء.
ان هذا الاستخدام المتعدد للبحور الشعرية في قصيدة واحدة لم يعف الشاعر من كسر عروضي في واحدة من قصائده على مالاحظ الباحث، ففي قصيدة (الفجر)(2)، هناك كسر عروضي اذ تدخل تفعيلة (فاعلن) مع تفعيلتي (فعْلن ، فعِلن) من بحر الخبب، يقول الشاعر في هذه القصيدة:
لم لايطرق ، هذي اللحظة ، من هذا الشباك
المطر؟
لم لا يدخل من منفرج الشباك
الماء؟
لم لا تقتحم الانواء ستائري المزدوجةْ
وقمامة اوراقي
ووسادات الريش
ومصباح المنضدة؟
الفجر يغمغم
مازال هدير السيارات بعيدا
بعيدا جدا
حتى لأكاد اشبهه بهدير الماء.
ويحدث الكسر العروضي في هذه القصيدة في مقطع (مازال هدير السيارات بعيدا، بعيدا) حيث تنقل مفردة بعيدا المكررة، الوزن الى (فاعلن)، ولما كان العروض،
كما يسميه القدامى، ((الالة القانونية التي يتعرف منها صحيح اوزان الشعر العربي وفاسده))(1) فان هذه الالة القانونية ترفض تفعيلة (بعيدا بعيدا) في بحر الخبب.
ولاحظ الباحث ان الشاعر سعدي يوسف كتب شعره على هذا البحر بنسبة كبيرة قياسا الى البحور الاخرى ولم يحدث ان لاحظ وجود كسر عروضي فيه باستثناء هذه القصيدة وليس من المعقول ان يكون الشاعر غير عارف بتفعيلة هذا البحر الذي يعد البحر الوحيد الذي يخلو من جوهر الايقاع الصاعد (الوتد)، ولا يمكن ان يكون وجود تفعيلة (فاعلن) الوحيدة في هذه القصيدة عملية مزج للبحور، لانها لم ترد الا مرة واحدة.
ودرس النقاد والباحثون هذه القضية وذهب بعضهم الى ان الشاعر لابد من ان يكون قد احس بخروجه على الايقاع المألوف ولكنه شاء ان يبقي تلك السطور على ما فيها من تجاوز للقانون العروضي رغبة منه في تأكيد امر غاية في الاهمية، لان الشاعر قد يتجاوز القانون الصارم للعروض، فيعمد الى زحافات تبدو نابية اذا احس بالضرورة التي تستدعي مثل هذا التجاوز كالحفاظ على المعنى او على العبارة التي قد يراها الشاعر اكثر ملاءمة(2)، وذهب اخرون الى ان الغلط العروضي ناتج عن عدم مقدرة الشاعر على ضبط الايقاع(3)، ويرجح الباحث ان ايقاع هذا البحر (فعْلن، فِِِِعلن) وحشوه (فاعل) هو الذي سبب هذا الكسر العروضي لدى الشاعر فـ(فاعل) تنتظم في السطر الشعري احيانا مع (فعْلن) المكونة من سببين خفيفين، وانتظامها المستمر يمكن ان يتسبب في منطقة محددة من الايقاع بتماهي (فاعل) مع (فعْلن)، الامر الذي ينتج كسرا عروضيا بانحرافه نحو اقرب تفعيلة لهذا البحر وهي (فاعلن)، خاصة ان تفعيلة الخبب، كما يذهب بعض النقاد والعروضيين، ليست الا زحافا يعتري تفعيلة المتدارك الاصلية (فاعلن)(4) ، وان هذا الوزن الذي يمتاز بخفته وسرعته وتلاحق انغامه ربما كان سببا(5) ثانيا لحدوث هذا الكسر العروضي. لان الخفة والسرعة قد تضيع كسرا واحدا في القصيدة.

المبحث الثالث
القافيـــــة
حظيت القافية باهتمام النقد العربي القديم بوصفها ركنا من اركان الشعر وميزة من ميزات القصيدة العربية، اذ رأى الفارابي (ت ـ339هـ)، ((ان للعرب من العناية بنهايات الابيات التي في الشعر اكثر مما لكثير من الامم التي عرفنا اشعارهم))(1).
وانعكست هذه العناية في محاولات النقاد واللغويين العرب القدامى لتعريف القافية، فمنهم من رآى ان القافية ((هي آخر البيت الى اول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله ساكن))(2).
وذهب اخرون الى القول: ((ان القافية حرفان في اخر البيت))(3).
تشير هذه التعريفات الى ان القافية بنية متكررة في اخر البيت الشعري العربي التقليدي، وان هذه البنية ليست مستقلة على ما قرره المرزوقي (ت ـ 421هـ)، في تعريفه لعمود الشعر، بل مشاكلة للمعنى(4)، وعلى هذا الاساس فانها تحمل قيمة دلالية خاصة في القصيدة العربية التقليدية، فضلا عن قيمتها الصوتية، اذ يبنى عليها البيت الشعري من اوله الى اخره اذا كانت متمكنة(5) ولكن هذه البنية الصلبة للقافية في القصيدة التقليدية اصبحت بنية هشة قابلة للتنحي احيانا، وللتغيير وعدم الانتظام في احيان اخرى، واصبح السطر الشعري عنصرا مستقلا حرا ، اي انه (لايتأسس على انتاج القافية في نهايته)، وفي الوقت نفسه لم تصبح القافية تعني نهاية السطر الشعري في قصيدة التفعيلة، بل يمكن ان تأتي مفردة مشكلة سطرا شعريا خاصا كما في قصيدة سعدي يوسف (وداعا عدن) (6) التي يقول فيها:
ولاسمك ذاك الجميل
لذكراه
للذاكرة
امنح الدمعة العاثرة
وكان الشعراء الرواد الذين نظّروا لقصيدة التفعيلة قد بحثوا اهمية القافية في الشعر الحر ورأت نازك الملائكة ((ان القافية ركن مهم في موسيقية الشعر الحر لانها تحدث رنينا وتثير في النفس انغاما واصداء، وهي فوق ذلك، فاصلة قوية واضحة بين الشطر والشطر ، والشعر الحر احوج ما يكون الى الفواصل))(1).
ولكن مسيرة قصيدة التفعيلة اظهرت وجود امكانات جديدة في استخدام القافية ، خاصة في مجال تحديد انماط بناء القصيدة، فضلا عن التغيير الذي اصاب موقعها في السطر الشعري، وذلك على الرغم من انحسار دورها في بعض الانماط البنائية مثل (النمط المدور)، وعدم الارتكاز عليها بوصفها فاصلة في نهاية السطر الشعري لكن ذلك لم ينه دورها بوصفها بنية صوتية ودلالية، لانها على، ما يذهب اليه الدكتور عبدالسلام المساوي، ((صارت عنصرا للحرية بعد ان كانت عنصرا اجباريا، ومعنى ذلك انها خضعت للتطور وليس الى التحطيم))(2).
اما الدكتور شكري عياد فنظر الى القافية على انها عنصر تماسك للقصيدة عبر منحها الجو الانفعالي الخاص في الشعر(3).
وحاول الدكتور ابراهيم انيس التوسع في بحث وظيفة القافية في قصيدة التفعيلة فذهب الى ان الوظيفة الجديدة للقافية تكمن في أطلاق اخيلة الشعر وتعزيز تواصله مع الجو الانفعالي للقصيدة، فاذا كان النظام القديم للقافية قد جنى احيانا على بعض الاخيلة الشعرية وقيدها بقيود ثقيلة ، فليس من الحكمة في شيء ان نعالج مثل هذا العيب بعيب اكبر ، وذلك مثل هذه الثورة الجامحة الجارفة التي تنكر كل ما لموسيقى القافية من تأثير جميل(4)، لهذا فان للقافية ـ عند الدكتور ابراهيم انيس ـ دور مهم ، فهي بمثابة الفواصل الموسيقية التي يتوقع السامع ترددها ويستمتع بمثل هذا التردد الذي يطرق الاذان(5)، لكن المنجز الشعري لسعدي يوسف، اظهر امكانات جديدة لاستخدام القافية بتنويعات مختلفة ، اذ حوت قصائده على انماط خاصة من بنية
القافية، فهي عنده ليست كلمة تتيح للقارىء التوقف والحركة داخل القصيدة(1)، او هي انسب كلمة تأتي في نهاية السطر(2)، بل هي عنصر ايقاعي ودلالي خاص يرتبط بالمتلقي وبالقدرة على الظهور بشكل مباغت وليس بشكل متوقع(3)، ولهذا لم تكن القافية في قصيدة سعدي يوسف مرتبطة بنهايات السطر الشعري فقط ، بل ارتبطت بمواقع اخرى في القصيدة، وهو ارتباط خاص استخدمه الشاعر استخداما خاصا، كما يأتي:
1ـ ظهور القافية في اول السطر الشعري،
ويتضح ذلك في (قصيدة)
تمتمة من شميم الصنوبر
همهمة في غصون الصنوبر
غمغمة في الظلام(4)
وفي هذه التشكيلة تتمحور الوظيفة الفنية للقافية مع الوظيفة التي تنهض بها الوحدات الايقاعية الاخرى ، كما يقرر ذلك لوتمان(5)، ولما كانت الوحدات الايقاعية الاخرى، كالوزن والتكرارات الصوتية تحقق وجودها في القصيدة كلها وليس في نهايات الاسطر، فان القافية يمكن ان تكون في بداية السطر الشعري وليس في نهايته فقط، لهذا يعد هذا البناء انزياحا خاصا في بنية القافية في قصيدة سعدي يوسف، اذ يبدأ الايقاع الصوتي من مفردة (تمتمة) التي تقع في بداية السطر الشعري ، وينتهي بـ(الصنوبر)، وفي السطر الثاني يتكرر الايقاع في بدايته بمفردة (همهمة)، وينتهي السطر الشعري بـ(الصنوبر) ايضا، ويتكرر هذا الايقاع الصوتي في السطر الثالث بمفردة (همهمة) ، ولكن السطر الثالث لا ينتهي بالكلمة نفسها، فينحرف الايقاع الصوتي في نهاية السطر من (الصنوبر) الى (الظلام)، الامر الذي يؤدي الى انحراف الاستقبال وهو ما يعرف في نظرية التلقي بـ(كسر التوقع)(6)، اذ احدثت مفردة (الظلام) يقظة القارىء من استمرارية درج عليها في بنية الايقاع والدلالة بمفردة (الصنوبر). بعد ان خاب توقعه في رتابة الاستمرار الصوتي والدلالي، وهذه الخيبة نتجت عن انحراف التلقي الذي تصفه النظرية الخاصة بهذا المفهوم بانه، جهاز عقلي يسجل الانحراف والتحويرات بحساسية مفرطة(1)، وفي المقطع السابق، هناك تناسب صوتي عمودي وأفقي تم احداثه من خلال تكرار مفردة صنوبر، ففي الجانب الافقي لاحظ الباحث ارتباط المفردات الاتية:
تمتمة ــــ صنوبر
همهمة ـــ صنوبر
غمغمة ـــ ظلام
وحدث الانحراف في العلاقة الافقية بين غمغمة وظلام، الامر الذي عزز التناسب الصوتي بين (تمتمة وهمهمة وغمغمة)، وهو تناسب عمودي، ولهذا عدت الكلمة الاولى في القصيدة قافية من خلال اعتمادها التكرار المطرد للفونيمات المتناسبة وليس المتماثلة التي تضعف اداء القافية كما يذهب الى ذلك جاكوبسن(2)، وبوصف القافية كل تكرار صوتي يؤدي وظيفة عضوية في المركب الموسيقي للشعر(3) (فالميم والتاء) بنية متكررة في (تمتمة)، اذ تتكرر (التاء) ثلاث مرات وتنتهي بالحرفين نفسيهما، وفي (همهمة) يتكرر (الهاء) بدل التاء لكن نهاية المفردة تكرر الحرفين نفسيهما، وفي (غمغمة)، حيث يتكرر (الغين) مع (الميم)، ولاحظ الباحث ان التكرار الصوتي في هذه القافية متقارب جدا من حيث البناء، وعززه البناء الصرفي والنحوي، الامر الذي جعل هذه القافية اكثر شدا لانتباه القارىء، لانها تعتمد على نمط موحد في ابنيتها، لذلك ذهب النقاد الغربيون الى القول ان القافية ((ظاهرة بالغة التعقيد لان لها وظيفة خاصة في التطريب وفي الاعادة ، و ما يشبه الاعادة للاصوات))(4). ان قضية عدّ الكلمة الاولى في السطر الشعري قافية حطّم البنية التقليدية التي اعتمدها الشعر لمفهوم القافية بكونها (تابعة) وليست متبوعة، لان العرب استعملت القافية لوجهين: الاول لانها احتاجت الى فروق بين المعاني، وقد كان يمكنها ان تجعل لذلك علامات غير اختلاف مجاري الاواخر كما فعل غيرها من الامم، لكنها اختصرت ذلك وجعلت مجاري الاواخر التي احتاجت اليها لتنويع مجاري القوافي، والثاني من اجل انتظام النظم وجعله مقبولا في النفس(1)، والقبول لايتحقق الا في جعل القافية نهاية للبيت الشعري، ولكن هذا الانحراف المتحقق في قصيدة سعدي يوسف جعل مفهوم القافية يتخذ طابعا مغايرا لوظيفتها في القصيدة التقليدية ، اذ اصبحت متبوعة في السياق الشعري وليست تابعة.
2ـ استخدام القوة والضعف في التكرارات الصوتية
والدلالية في نهاية السطور الشعرية:
ويلجأ الشاعر في هذا الاستخدام الى تكوين بنيتين في نهايات السطور الشعرية توحي للمتلقي انهما بنيتا قافية، ولكن هاتين البنيتين، مفترقتان من حيث القوة في التناسب الصوتي والدلالي، فاحداها تشترك بحرف واحد في نهاية المفردة في حين تشترك الثانية بحرفين في المفردة الواحدة، وعمد الشاعر الى جعل الاشتراك الصوتي في القافية الضعيفة مقدمة للاشتراك الصوتي في القافية القوية ، كما في قصيدة (البرد) التي يقول الشاعر فيه:
في هذه الغرفة
حيث السماء
هابطةٌ ، منذرة بالمطرْ
في هذه الغرفةِ
حيث البياضْ
يرشني من سقفها المنحدْر
أحس احيانا ببرد القبورْ
بمفصل أنّ
ونصل يغورْ(2)
في هذه القصيدة تظهر القافية في نهايتها (قبور ، تغور)، وتعكس دلالتهما الانحسار نحو الداخل (وجود باتجاه الاسفل)، وترتبط هذه القافية دلاليا بعلاقة اخرى ظهرت في بداية القصيدة، ففي السطرين الاول والثاني هناك انفتاح من الخاص الى العام من (الغرفة الى السماء)، ولكن هذا الانفتاح اصطدم بهبوط السماء بسبب غيوم المطر، الامر الذي جعله ضعيفا من حيث التحقق ، لذلك كانت العلاقة الصوتية بين (المطر ، المنحدر) علاقة ضعيفة (اشتراكهما في حرف الراء في النهاية وحرف الميم في البداية)، ومع ان الميم والراء من الاصوات المجهورة في اللغة العربية، الا ان (الحاء) في (منحدر) من الاصوات المهموسة ، وكذلك (الطاء) في (مطر)(1)، ولكن اصوات (الباء والواو، والراء)، في (قبور) كلها من الاصوات المجهورة، وكذلك (الياء والغين والواو والراء)(2) في (يغور)، الامر الذي جعل صوت القافية (يغور، قبور) اقوى من صوت القافية في (منحدر ومطر) وهذا النوع من القافية المتلائمة في اصوات حروفها يسميه جان كوهن بالقافية الغنية(3)، اما العلاقة الاخرى فيترابط فيها السقف الذي يرش المطر، مع الغرفة الضيقة التي تشعر ببرد القبور، وانحدارها الى الاسفل مثل انحدار المطر، وهي علاقة احساس داخلي تتواءم مع العالم المحيط، وهذا التناسب في الاحساس اثر بدوره ايضا على جعل العلاقة الصوتية في القافية الثانية اقوى من العلاقة الصوتية الاولى، فاشتركت في حرفين بدل الحرف الواحد (قبور ، يغور)، والملاحظ ان معظم نهايات السطور الشعرية انتهت بالسكون، ويرى الباحث ان هذا السكون يحتمل مسألتين: الاولى ضرورات الوزن، وهو امر لايعبر عن مقدرة الشاعر في استخدامه المتمكن له، والثانية ان السكون تعبير عن حالة الاستكانة التي تشي بها القصيدة من بدايتها الى نهايتها، لهذا يرجح الباحث الاحتمال الثاني، اذ ان السكون الذي يلي الحركة يعد محاولة لاظهار حركة تصطدم بحالة السكون التي لا يريدها الشاعر، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور جعفردك الباب الى القول: ((يبدو لفظ الصوت ساكنا بعد متحرك مماثلا لاشباع لفظ حركة المتحرك في تفعيلات العروض من حيث ان كلا منهما يمثل توقفا ، سكونا بعد متحرك))(4). وفي هذا النمط من القافية كان التناسب بين (مطر، ومنحدر) مبنيا على حرف واحد في نهاية الكلمة وهذا التناسب الضعيف هو الذي ابرز الدلالة ، ولذلك كان المعنى في هذين السطرين الشعريين ابرز من الصوت، اذ لم يتخذ الصوت فيهما الا الاتجاه الذي يعزز المعنى، لان الشاعر لم يرد ان يضحي بالمحتوى من اجل القافية(1). اما في القافية (قبور ، يغور) فانها من الناحية الصوتية موازية للناحية الدلالية التي ارادها الشاعر، الامر الذي حقق قدرا اعلى من التشابه بين الصوت والمعنى في وحدات النص(2)، وفي هذا النمط من القافية اشتغل الشاعر على تناسبات الصوت والمعنى، والقوة والضعف في التكرارات الصوتية للقافية.
3ـ استخدام الكثافة الفونيمية الحاملة للدلالة في القصيدة:
وفي هذا البناء ترتكز القافية كلها على صوت يحمل معنى ، وهذا الصوت يتحرك في بنية القافية من بدايتها الى نهايتها كما في قصيدة (سليمان)(3) التي يقول فيها الشاعر:
اكاد اغضي حياء حين انساه
كأن عيني عند الصمت عيناه
هذا محياه
البحر اغرقه ، والملح مزقه
لكن بسمته ما فارقت فاه
نجما يضيء بليل البحر دنياه
قد كنت القاه
والملح ما زال في احداقه مطرا
مرا ، ومازال في الاهداب مجراه
ولم تزل في القلوع الغبر اغنية
ماكان افقرها صوتا ، واغناه
هذا الذي لم تعانق قلبه الاه
هذا الذي كل ما في البحر يهواه
يوما ، ويكرهه يوما.. فيأباه
لكنه ابدا للبحر عيناه
وفي هذه القصيدة يتكثف تكرار القافية (آه)، وهذا التكثيف انعكاس لاجواء القصيدة، ومستويات مضمونها التي تشي بالحزن والالم في صراع الانسان مع الطبيعة، وكما يذهب جان كوهن ان ((الآه تعبير عن الالم والحزن لكن دون مرجعية الى جزء محدد من العالم ومن هذا المنطلق فهي تعبير عن العالم في كليته))(1) ، وانموذج سليمان، (كما يدل على ذلك عنوان القصيدة)، انموذج كفاح ونضال من اجل الوجود بكليته لا بجزء محدد من العالم، وهذا النمط من الصراع يفرض قدرة استثنائية على تحمل المشاق، وان استخدم الـ(آه) في هذا الصراع ربما تكون بداية للهزيمة، لهذا لم يقل سليمان في يوم من الايام (الآه)، على الرغم من ان (البحر اغرقه والملح مزقه)، وتأتي عملية تكثيف القافية هنا (للدلالة على حجم المعاناة التي تملأ سليمان)، فالآه مستمرة، ولم تنقطع الا في حالتين ، وفي الحالتين هناك قافية داخلية تقترب في مدلولها من الآه (مزقه، اغرقه)، وهذا ما حدث في السطر الرابع ، اذ تنتقل القصيدة من القافية (آه) الى (قه)، وحتى في هذا الانتقال هناك توكيد (للهاء)، التي تعد نصف دلالة الألم في القافية (آه) ، واستخدام هذه القافية لا يعبر عن موقف سليمان من الصراع بل يعبر عن موقف الشاعر من صراع سليمان من اجل الوجود.
لهذا استمر التناغم الصوتي والدلالي في ايقاع القصيدة، ففي الصوت يبقى (الهاء) حاضرا في الذاكرة غير منقطع، وفي الدلالة تبقى المعاناة مستمرة من دون انقطاع في (الآه)، وظل الشاعر متألما لموقف سليمان من الصراع. الامر الذي جعله يحاول رسم صورة واقعية لعلاقة الانسان مع الطبيعة في هذه القصيدة، ولم يعمد الى الانزياح في بناء القافية، فصورة الغرق مرتبطة بالماء (البحر اغرقه)، وصورة الانحلال (مرتبطة بالملح)، (الملح مزقه) وهاتان الصورتان لم تحققا انحرافا في استخدام اللغة الاعتيادية، ولو كانت هذه الصورة قد انعكست في مدلولاتها، مثل (البحر مزقه، والملح اغرقه)، لكانت الدلالة قد انحرفت عما هو مألوف ومعتاد، ولكن اصرار الشاعر على الواقعية هو الذي جعل وظيفة القافية تستمر في اطارها الواقعي.
ولو اقام الباحث مقاربة بين مفردة (عيناه) في السطر الثاني والسطر الاخير، لوجد ان تكرارها يتضمن دلالة خاصة في القصيدة، لان عيني الشاعر حققت الحلول بالاخر من خلال عينيه في السطر الثالث، اما في السطر الاخير فان عيني الاخر هي مصدر الحلم الباحث عن الحرية، وبذلك حقق تكرار مفردة (عيناه) في القصيدة، الرسالة التي ارادها الشاعر التي تتضمن عمق الصلة مع الاخر، وموقفه الخاص من ذلك الصراع، ويعد هذا الاستخدام المكثف للقافية استخداما عرفيا في قصيدة الشعر الحر لانها ترتبط ارتباطا عضويا بالنص ودلالته حتى لتبدو القافية كانها ضرورة نفسية وسيكولوجية ملحة(1) في السياق الشعري على ما تذهب الى ذلك نازك الملائكة.
4ـ استخدام التناسب الصوتي المنوع بين نهايات السطور الشعرية المقفاة:
واستخدم الشاعر سعدي يوسف في هذا النمط من البناء تنويع القوافي ليشكل من القصيدة الواحدة مجموعة تناسبات صوتية، تظهر تارة وتختفي تارة اخرى ، ومن هذه القصائد قصيدة (مسافرون)(2) التي يقول فيها:
يتركون النهار
دائما خلفهم
يتركون الصغار
وحدهم
....
....
اي صمت يسافر
في برانيسهم
اي صمت يقيم
هل سيخفق شيء قديم
في برانيسهم
فيرون النهار
بين احداقهم
ويرون الصغار
وفي هذه القصيدة هناك تنوع في القوافي في نهايات السطور الشعرية القريبة من بعضها، باستثناء قافية (نهار وصغار) التي تظهر في بداية القصيدة ونهايتها وبين البداية والنهاية هناك قافية اخرى، تتوسط تكرار قافية (النهار والصغار)، وهي (الهاء والميم)، ففي بداية القصيدة تقع القافية (خلفهم) بين سطرين شعريين ينتهيان (بالاف والراء) وتتكرر القافية نفسها بين القافية المكررة (النهار الصغار) وهي (احداقهم) في نهاية القصيدة، وهذا الموقع الوسطي بين قافية نهاية القصيدة له امتداداته في القصيدة كلها ، فهناك مفردة (وحدهم وبرانيسهم واحداقهم)، وهناك قافية اخرى تتوسط القصيدة وهي (يقيم وقديم)، ان هذا التنوع في تشكيل قافية القصيدة ينوع ايقاعها، لانها تحدث تنوعا في الانتقالات الصوتية في نهايات السطور الشعرية، وتنحرف كل قافية جديدة عن الاطراد السابق الذي كرر صوت القافية السابقة(1).
وينسجم هذا التنوع الايقاعي مع الحركة في مضمون القصيدة التي تتضح في الافعال المضارعة التي تؤكد استمرارها (يتركون ، يسافر، يقيم، سيخفق، يرون).
5ـ استخدام القافية التي لها علاقة صوتية بالمهدى اليه:
ويظهر هذا النمط في قصيدة (حياة صريحة)(2)، المهداة الى فلاح الجواهري التي يقول فيها الشاعر:
يا صاحبي ، راح من يطوي الفيافي راح
واظلمت الارض لما اظلمت الارواح
يا صاحبي، فز طيري من غراب صاح
يا حيف شط العرب.. يا خيبة الملاح
وفي هذا المقطع ، هناك تواؤم صوتي بين المهدى اليه (فلاح) ، والقافية اذ يكثف الشاعر من استخدام صوت (الالف والحاء) في نهاية السطر الشعري معتمدا نمط التصريع(*)، في القصيدة العمودية، وغالبا ما يستخدم التصريع في البيت الاول


من القصيدة(1). لكن الشاعر هنا ضمن المقطع الشعري كله القافية نفسها في الصدر والعجز ، او جعل التصريع مشتملا على بيتي المقطع، لان المقطع السابق يمكن كتابته على النحو الاتي:
يا صاحبي، راح من يطوي الفيافي راح
واظلمت الارض لما اظلمت الارواح
يا صاحبي، فز طيري من غراب صاح
يا حيف شط العرب يا خيبة الملاح
وهذا التركيب الشعري العمودي من البحر البسيط (مستفعلن ، فاعلن، مستفعلن فعلان).
ان هذا المقطع الشعري جزء من قصيدة طويلة متضمنة اوزانا مختلفة. لكن الشاعر يعمد الى تكثيف القافية في مقاطع تتخلل القصيدة التي يعتمد بناؤها الوزني على بحر البسيط ، فتصبح القافية في هذا البحر (الالف والحاء) لتبدو وكأنه يناجي فيها المهدى اليه، (فلاح)، فالشجن هو الطابع الغالب على البناء النفسي للقصيدة، ويزداد وضوحا في مناجاة الشاعر للمهدى اليه بقوله (ياصاحبي)، ففي كل مقطع من مقاطع القصيدة تستمر القافية نفسها، في حين ينتفي ظهورها في مقاطع القصيدة الاخرى، التي تخلو اصلا من قافية ، اذ يعمد الشاعر في المقاطع الاخرى اما الى استخدام وزن اخر او الى استخدام النثر، ويوضح المقطع الاتي اسلوب الشاعر في استخدام القافية وفي القصيدة نفسها اذ يقول:
ساحلم في هذا الصبح الماطر
ان آتي صوبك
ان ادخل ملتبسا
كالقط بمائك
(قدس من ماء)
ادخل كالمجنون الى سامراء
لكي اوثق بالحبل الى احد الاعمدة
امنحني ، يا من قدست
المغفرة الكبرة
....
....
ياصاحبي لو ترى في لندن الاشباح
تبكي على الحال، او تبكي على من راح
يا صاحبي، ليت ليلى تشعل المصباح
الناس تشكو الضنى والخائن المرتاح
وفي هذا البناء يبدو المقطع كثيف القافية، كأنه قافية للقصيدة كلها، اذ يحدث الانتقال الوزني الى البحر البسيط انتقالة في طريقة استخدام القافية، وهذا النمط من الانتقال، يتكرر في القصيدة (5) مرات، ليظهر بمثابة قافية للمقاطع الاخرى.
6ـ الاستخدام المنوع للقافية باعتماد قافية رئيسة وقواف ثانية تظهر في النص بين الحين والاخر:
واستخدم الشاعر هذا النمط من البناء في قصيدة (حانة على البحر المتوسط)(1) التي يقول فيها:
اعتم البحر
منذ الظهيرة
كان يعتم ، شيئا ، فشيئا ، وكان بريق الثياب القصيرة
يختفي في العيون
يلتقي والعيون
يرتقي في ضباب الزوايا سواد العيون
والمرايا ـ النبيذ
المرايا ـ الدخان
المرايا ـ المرايا
في غموض الزوايا
اعتم النهر
منذ الظهيرة
كان يعتم ، شيئا ، فشيئا ، وكان نخل الجزيرة
يختفي في سماء من القطن مبتلة
هل تريدين شيئا من الثلج
ـ لا ..
فندق قرب باب المعظم
غرفة قرب باب المعظم
ليلة قرب باب المعظم
كنت منكشفا للرصاص الذي جاءني من وراء الفرات
لليالي السياسية المثقلات
للبساتين
حين تئن البنادق
ـ وهي مدهونة ـ في الصناديق
غدارة ((استن)) او بورسعيد
ـ انت لا ترقصين
ـ ربما بعد كأسين
ـ شيئا من الملح
ـ لا
اعتم الوجه
منذ الظهيرة
كان يعتم ، شيئا ، فشيئا، وكان سواد العيون الصغيرة
يختفي في سواد القماش
ان كفيه مشدودتان
ان عينيه معصوبتان
انه، فوق كرسيه
سوف يعدم
هل تريدين شيئا من النار
ـ لا
...
انت لاتفهمين
وفي هذه القصيدة هناك قافية رئيسة تمتد من بداية القصيدة حتى السطر الذي يسبق السطرين الاخيرين، وهذه القافية قوية من حيث التناسب الصوتي لانها تتفق بالحروف الثلاثة الاخيرة من المفردة وهي: (الظهيرة ، القصيرة، الجزيرة، الصغيرة)، وتعد مفردة الظهيرة، مرتكزا لتحولات القصيدة لانها تتكرر ثلاث مرات ، وتحدث الانتقال من حالة اخرى تعميقا لرسالة القصيدة ودلالاتها، اذ تبدأ القصيدة بـ(اعتم البحر منذ الظهيرة)، وتنتقل الى، (اعتم النهر منذ الظهيرة)، ثم تنتقل الى (اعتم الوجه منذ الظهيرة)، لتبدو العلاقة بين السطور المعتمدة على القافية الرئيسة علاقة انحسار وتقهقر نحو الذات.
(فالبحر يضيق الى النهر، والنهر يضيق الى الوجه)، أي الى الذات وفي هذا الانحسار هناك نهاية تشي بالموت، (انه فوق كرسيه سوف يعدم).
وكانت هذه القافية الرئيسة في القصيدة تلحق معها مفردات تناسب استمرارها معتمدة على الصوت المناسب لاصوات حروفها، ففي المرة الاولى تلحق (الظهيرة) مفردة (القصيرة)، وفي المرة الثانية أُلحقت (الجزيرة)، وفي الثالثة أُلحقت (الصغيرة)، وكان هذا الالحاق يعتمد على انسجام صوتي يعتمد حروفا ثلاثة، الامر الذي جعلها اكثر بروزا من القوافي الاخرى التي لا تتكرر الا مرة واحدة ولا تتحول الا في المقاطع التي تبدأ (بالظهيرة) فهناك مفردة (العيون) التي تتكرر ثلاث مرات في القصيدة لكنها لا تلحق بمفردات تناسبها صوتيا، وهناك مفردة (المرايا) التي لا تلحق الا بمفردة واحدة تناسبها صوتيا وهي (الزوايا)، وهناك تكرار لـ(الباب المعظم) لكنه لم يلحق بمفردة تناسبه صوتيا، وهناك مفردة (الفرات) التي لا تتكرر، ولم يلحق بها الا مفردة واحدة هي (المثقلات)، وهناك تناسب صوتي اخر بين (بساتين وكأسين وترقصين) لكن هذه التناسبات لا يلحق بها ما يناسبها صوتيا ليجعلها قافية رئيسة، وهناك مفردة (مشدودتان) التي لم تتكرر ولم يلحق بها ما يناسبها صوتيا الا مفردة (معصوبتان)، ويشير هذا الجرد الى وجود بنية بارزة في قافية من القوافي وبنية اخرى غير بارزة، الامر الذي جعل البنية البارزة رئيسة في حين تنسحب البنى الاخرى الى الموقع الثانوي. ان القوافي الثانوية التي مرت اعتمد بعضها على المماثلة الصوتية الكاملة (يختفي في العيون، يلتقي في العيون) وكذلك (المرايا – المرايا)، وهذا النمط من المماثلة اضعف المعنى في هذه المفردات لان التناسبات الصوتية كاملة التماثل لا تنتج دلالة جديدة الا بحدود ارتباطها في السياق(1)، وبذلك يصبح التلقي مهددا بالالتباس(2) لانه لاتوجد دلالة جديدة تطرحها البنية المكررة للقافية، لذلك عمد الشاعر الى تكرار واحد في هذه القوافي، لكي يجعل عملية التلقي اكثر انسيابية. ويذهب كوهن في الصدد الى ان المماثلة الصوتية تعرف كيف تتوقف عندما يصبح الفهم مهددا باحتفاء لارجعة معه(3).
ان هذا الاستخدام الخاص للقافية في قصيدة سعدي يوسف، لم يمنع اظهار بصماته الشخصية في الاستخدام العام لها، ويتلخص الاستخدام العام للقافية عنده في اظهارها داخل القصيدة تارة عدم اظهارها تارة، وهذا الامر يعبر عن حرية الشاعر في استخدام القافية بالطريقة التي يراها مناسبة لدلالة وايقاع القصيدة(4).
7ـ القافية وانماط البناء
تحدد القافية اربعة انماط من بناء قصيدة التفعيلة، وهي ((الدائري، المدور ، الحلزوني، المداوم)) اذ تلعب دورا رئيسا في تحديد هذه الانماط ، الامر الذي يجعل بنية القافية عنصرا رئيسا من عناصر بناء النمط في قصيدة التفعيلة.
واستثمر سعدي يوسف هذه الميزة الخاصة للقافية في بناء الانماط ، فنوّع بها في قصائده على وفق الدور الذي تلعبه القافية فيها وهي على النحو الاتي:
أـ النمط الدائري: وفي هذا النمط من بناء القصيدة ، تلعب القافية دورا مهما في انتاج اطار بنائي محكم يجعل القصيدة كانها دائرة مغلقة تنتهي حيث تبدأ(5) وفي
قصيدة (السكون)(6) استخدم سعدي يوسف هذا النمط البنائي، اذ بدأ قصيدته بالقول:
الرياح التي لاتهب العشية
والرياح التي لا تهب الصباح
حملتني كتاب الغصون
ان ارى صيحتي في السكون
وينتهي بالسطور الاتية:
الرياح التي لاتهب العشية
والرياح التي لاتهب الصباح
حملتني كتاب الغصون
ان ارى صيحتي في العيون
وفي هذه القصيدة حدد تكرار القافية في بدايتها ونهايتها نمط بنائها الدائري، لكن الشاعر لم يعمد الى اتمام البناء الدائري بشكل متماثل (متطابق) بل ذهب الى الانزياح في المفردة الاخيرة من القصيدة مبدلا، (السكون) بمفردة (العيون)، ولكن الانزياح لم يؤثر في ايقاع القافية، لان الاولى والثانية تنتهيان بالايقاع نفسه، والذي تأثر هو التحول الذي انتجته القصيدة في حالة الشاعر من (ان يرى صحيته في السكون) الى (ان يرى صحيته في العيون). ان التحول من السكون الى العيون يعني محاولة الشاعر إيجاد صدى لموقفه في الحياة ، ولكن في الحالتين، (السكون والعيون)، ظلت الرغبة لدى الشاعر تتمحور في ايجاد صدى لصيحته، وفي هذا الصدد يذهب (ابو اصبع) الى القول ان هذا النمط يعني ((الابتداء بموقف معين او لحظة نفسية ثم العودة الى الموقف نفسه ليختم به الشاعر قصيدته ، وقد يلجأ الشاعر من اجل تحقيق ذلك الى تكرار الابيات التي ابتدأ فيها))(1) ، لهذا يرى الباحث ان الموقف ظل متشابها سواء في بداية القصيدة ام في نهايتها، والذي تبدل هو حالة (الانتظار)، فالسكون يعكس عبث المحاولة، في تحويل الصوت الى حياة، ولكن العيون تعكس جدوى المحاولة وعلى هذا الاساس فان حالة الانتظار ربما تكون منتجة في المقطع الاخير.
درس جاكوبسن هذا النمط من البناء فرأى انه يمتاز باطراد وجود الرابط بين بداية القصيدة ونهايتها من خلال التناسب الصوتي والدلالي(2) وفي هذه القصيدة حققت القافية المكررة دائرية النمط فيها من خلال التناسب الصوتي والدلالي في بدايتها ونهايتها.
ب ـ النمط المدوَّر: وفي هذا النمط من البناء تكون القافية بنية معارضة للقصيدة،اذ لا يتحقق هذا النمط الا بانتفاء وجودها، وهذا التعارض يحدث بسبب عدم وجود سطر شعري في القصيدة ليصبح بالامكان ورود قافية فيه، اذ ان القصيدة تبدأ ولا تنتهي سطورها المتصلة الا في نهايتها(1)، كما في قصيدة (ليلة) (2)، التي يقول فيها الشاعر:
في شارع ضاعت ملامحه،ستخمد اخر الشعل الصغيرة، تغلق
الابواب سرا بالسلاسل، أي نجم في المساء يغيب دوما؟أي
اغنية نكتمها؟
الشموع تقطر البستان حيث الطفل كان يسف طين النهر..
طيري يا حمامة.. برهة ويغيب غصنك، شمعة سقطت. تعبتُ
من ارتداء ملامحي، وجه من الصخريج كان يدور.. يبهت
شارع ضاعت ملامحه ، ويبهت .. يختفي في غبرة، ويغيم في
عينيَّ، ارصف فوق ذاكرتي حجارته الهشيمة.
لم يحظ هذا النمط من البناء باهتمام رواد قصيدة التفعيلة بسبب الغائه للقافية التقليدية في الشعر الحر، لهذا ذهبت نازك الملائكة الى القول: ((ان التدوير يمتنع امتناعا تاما في الشعر الحر))(3)، معللة ذلك بعاملين رئيسين: الاول ان السطر الشعري في هذا النمط يبدأ ولا ينتهي الا في نهاية القصيدة، والثاني عدم وجود القافية(4)، الا ان حركة التطور في قصيدة التفعيلة اثبتت تمسك الشعراء بهذا النمط من البناء بعد ان تطورت وظيفة القافية في الشعر الحر واصبحت عنصر حرية وليس عنصر اجبار للشاعر، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور شكري عياد الى القول: ((اذا كانت قيمة القافية في الايقاع هي (ضبط خطواتنا في القراءة) أي مساعدتنا على تحديد الاجزاء او المقاطع التي تكون وحدة البناء ، فطبيعي ان لا تكون لها هذه القيمة اذا اختلفت الوحدات او الاسطر في الطول))(1).
ولاحظ الباحث ان الشاعر سعدي يوسف استخدم النمط المدور في حقبة السبعينات، اذ كتب (6) قصائد على هذا النمط(2)، واستمر استخدامه لهذا النمط في الحقب اللاحقة ولكن بنسبة اقل من، (4الى 5)، في كل حقبة(3).
وكانت قضية خلو هذا النمط من القافية قد شكلت مدار بحث لعدد من النقاد والباحثين ، فمنهم من ذهب الى ان النمط المدور يرتبط بملامح الفن القصصي في القصيدة بقوله ((ان سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر كرسا القصة في اشعارهم تكريسا واضحا، وتبنوها مجموعة اثر اخرى فاذا لم تكن القصيدة عندهما قصة، فانها تحمل من ملامح فن القصة الشيء الكثير، ولهذا فان قصائدهما المدورة هي قصائد تنحو منحى قصصيا))(4)، وذهب اخرون إلى ان هذا النمط مرتبط بالدفقات الشعورية للشاعر(5).
ان هذه الاراء والتحليلات جاءت بسبب خلو القصيدة المدورة من القافية، نتجت اصلا عن عدم وجود سطر شعري محدد، الامر الذي يؤكد دور القافية في تحديد هذا النمط من البناء.
ت ـ النمط الحلزوني: وفي هذا النمط تكون الرؤية الشعورية الاولى مركزا على الدوام لكل انطلاقة الى آفاق جديدة في القصيدة، من هنا تتحدد الطبيعة الحلزونية لمعمارية هذا الشكل(6). واستخدم سعدي يوسف هذا النمط من البناء منطلقا من رؤية شعورية بدأت بها القصيدة، مكرسا الرؤيا ذاتها مرتين، منتهيا باللحظة ذاتها، وهنا ابتدأ الشاعر بالمقطع الاتي من قصيدة (روبرتو):(7)
قيثار مقطوع في الحانة
كان يرن، يرن، يرن
ثم ينتهي هذا المقطع ليعود الشاعر الى تكراره في المقطع الاتي:
انتبه التاريخ
وقيثار مقطوع في الحانة
كان يرن يرن يرن
ويعزز الشاعر قافية هذا المقطع بالسطر الشعري الذي يقول فيه:
ذو دكتين طويلتين واربعة كراسي، دكان تدخله بعد ان
وفي مقطع اخر يقول:
امي تسأل في الحانة
امي تسهر في الحانة
قيثار مقطوع في الحانة
وفي نهاية القصيدة، يعيد الشاعر التشكيلة الصوتية ذاتها فيقول :
قيثار مقطوع في الحانة
كان يرن، يرن، يرن
امرأة تنتظر، انتبه المارون
انتبه النارنج
وقيثار في الحانة
كان يرن، يرن، يرن
يرن ، يرن
يرن
ان تكرار التشكيلة الصوتية للقافية جعل كل دفقة من دفقاتها تبدأ من نقطة الانطلاق الاولى، وبهذا اصبحت القصيدة تشبه السلك الحلزوني الذي يبدو لنا، بحسب ما يذهب اليه الدكتورعزالدين اسماعيل في النظرة الافقية اليه مجموعة من الحلقات المستقلة ، ولكنها في الحقيقة مترابطة يربط بينها الموقف الشعوري الاول(1).
ان القافية في هذه القصيدة هي التي حددت السطور الشعرية التي تنطلق منها الدفقات الشعورية للشاعر التي يعيدها في اللحظات التي يحس فيها انه بحاجة الى الدفقة الشعورية الاولى، وعملية التكرار الصوتي في المقاطع المكررة هي عملية تشكيل للقافية، لان الدفقة الشعورية تعيد نفسها بطريقة مستمرة مشكلة اقوى تناسب صوتي في القصيدة، وهذا ما يجعل القافية عنصرا رئيسا من عناصر تشكيل هذا النمط من البناء.
ث ـ النمط المداوم: وهذا النمط شبيه بالنمط الحلزوني، الا انه يفترق عنه باللحظة الشعورية التي يبدأ بها الشاعر ثم يعيد تكرارها ، ففي هذا النمط لايعيد الشاعر لحظة البداية، بل ينطلق من مقطع آخر يجده مناسبا للتكرار في قصيدته، ومرتكزا للانطلاق الى مقاطع اخرى، ومن شروط هذا النمط البنائي ان يكون المقطع المكرر مقفى لكي يبقى الايقاع منسجما في تكراراته مع المقاطع التي ينتقل الشاعر اليها، وهنا تعاون القافية الواحدة في إحكام الربط بين مقاطع القصيدة(1)، واستخدم الشاعر سعدي يوسف هذا النمط من البناء في قصيدة (اعلان سياحي عن حاج عمران)(2)، ويبدأ هذه القصيدة بالقول:
مقدونيون في منعطف النسيم
او خيالة روس يجرون بغالا
وبعد مقطعين من القصيدة، يرد مقطع الارتكاز فيها وهو
يا بلادا بين نهرين
يا بلادا بين سيفين
مكررا هذا المقطع الشعري بعد (6) اسطر شعرية.. ثم ينتقل الى ايقاع النثر الذي يقول فيه: في سنة (320هـ) قتل المقتدر اذ اشتدت ثورة عارمة في بغداد..
ثم يعود لتكرار المقطع ذاته: يا بلادا بين نهرين
يا بلادا بين سيفين
ويستمر تكرار هذا المقطع في قصيدته (7) مرات ، وهذه القصيدة من القصائد الطوال يستخدم فيها الشاعر (النثر، والتدوير)، ويعود سبب هذا الاستخدام المتعدد لان القصيدة الطويلة تتطلب مرتكزا بنائيا لشد انتباه القارىء لاجوائها، وحمله على الاستمرار بقراءتها(1)، لذلك كان تكرار مقطع (يا بلادا بين نهرين ، يا بلادا بين سيفين)، العنصر الرابط للقصيدة، اذ اصبح قافية لبداية المقاطع الشعرية ونهايتها.. وكان التماثل الصوتي في مفردات (يابلادا بين) في السطرين الشعريين له الاثر الكبير في إغناء القافية فيهما (نهرين ، سيفين) لان التماثل كرر الايقاع، في حين كسر الاختلاف في مفردتي (نهرين، سيفين) رتابته، وبذلك اصبحت عبارة (يابلادا بين نهرين، يا بلادا بين سيفين) قافية داخلية (ذاتية) من خلال الاختلاف بين (نهرين وسيفين) وقافية خارجية للمقطع الشعري كله من خلال تكرارها المستمر. يذهب كوهين في تحلليه لهذه المسألة قائلا: ((تكون القافية عاملا صوتيا بالمقابلة مع الاستعارة التي هي عامل دلالي، وتتقابل داخل مستواها الخاص مع الوزن باعتبارها عاملا مميزا)) (2).
وكانت التكرارات الصوتية لمفردات (يابلادا بين) قد مثلت المستوى الخاص في هذا المقطع الذي كرر مع تكراره الذاتي بنية الوزن نفسها المستمرة في (نهرين وسيفين)، ولكن مع اختلاف في الدلالة في نهاية المفردتين، ((فاذا قارنا ما بين القوافي التي تعتمد على التكرار لفظا ومعنى ، والقوافي التي تشترك لفظا وتختلف معنى، نجد في كلتا الحالتين تطابقا صوتيا وايقاعيا، غير ان اختلاف المعاني، يجعل القافية تبدو اكثر غنى، اما في حالة تكرار القوافي لفظا ومعنى فانها تترك في النفس انطباعا ضئيلا)) (3).
وعلى وفق هذا التحليل فان بنية الاختلاف في مفردتي (نهرين وسيفين) ، هما اللتان حققتا في تكرارهما بنية القافية، داخليا، (في السطر الشعري)، وخارجيا في ربط مقاطع القصيدة. ويصف الدكتور صلاح فضل هذا النمط من بناء القافية بقوله: ((انه يعتمد على تكرار النماذج الجزئية والمركبة بشكل متتابع او متراوح بغية الوصول الى درجة عالية من الوجد الموسيقي)) (4)، وهنا تصبح مداومة القافية في النص الشعري عملية شبيهة باللازمة الموسيقية في الانغام، تلعب دور اغناء الايقاع والدلالة والفاصلة الخارجية في القصيدة كلها.


المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-12-2013, 07:17 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

البناء الفني



في شعر سعدي يوسف





الجزء الثاني من

رسالة ماجستير تقدم بها

عبد القادر جبار طه



إلى مجلس كلية الآداب بجامعة بغداد

وهي جزء من متطلبات نيل درجة ماجستير آداب في اللغة العربية



بأشراف

الأستاذ الدكتور فليح كريم الركابي



ربيع الأول 1428 هــ نيسان2007 م







الفصل الثاني



البنية الشاركة



تمهيد



وتتمحور هذه البنية في عناصر الشعر التي تدفع باتجاه اقامة حوار بين القارىء والنص، فهي ليست بنية ظاهرة ظهورا واضحا، ولا هي بنية مضمرة اضمارا عميقا، ويذهب بعض النقاد والشعراء الى وصف هذه البنية بمرتكز القصيدة او القصيدة ذاتها، ومنهم اليوت الذي يرى ((ان القصيدة تقع في مكان ما بين الكاتب والقارىء))(1).



ويعزو ناقد آخر عّد هذه البنية عنصرا مشتركا بين الكاتب والقارىء الى الحوار المتبادل بين الموضوعية والذاتية من خلال الوسيط اللغوي المشترك بينهما(2)، وعلى هذا الاساس ميزت نظرية التلقي بين التوصيل بوصفه يمثل العناصر الاكثر بروزا في القصيدة(3)، التي اطلق عليها الباحث تسمية (البنية الظاهرة)، والتلقي الذي يدفع القارىء لاكتشاف العناصر الجمالية غير الظاهرة بشكل مباشر في النص، ويعد هذا النوع من تلقي البنية المستوى الثاني الذي يبدأ من خلاله القارىء بسبر اغوار النص باتجاه اكتشاف المعنى المضمر او الرسالة ، او ماتعرف (بالبنية العميقة)، وهذا الاكتشاف لا يتحقق الا بعد المرور بالبنية الظاهرة والبنية الشاركة ، اي (التوصيل ثم التلقي)، ويمثل التلقي الجانب الجمالي المكتشف الذي يلي التوصيل ، ويكون القارىء هو المعول عليه في ابراز عناصره(4)، وهو كما يقول الشاعر صلاح عبدالصبور: ((العنصر الرئيس في الشعر الذي يعني فن اكتشاف الجانب الجمالي والوجداني من الحياة))(5). ويعد الايقاع الداخلي العنصر الموسيقي الاقل ظهورا من ايقاع الوزن، فهو يمتلك قابلية شد انتباه القارىء الى جمالية القصيدة ويسحب المتلقي الى العناصر غير الظاهرة ظهورا واضحا في النص بحسب ما يذهب الى ذلك. الدكتور فليح كريم الركابي واصفا اياه بأنه ((عنصر شد قوي يربط الشاعر بالقارىء))(1)، وهذا العنصر يعد مكونا رئيسا من مكونات البنية الشاركة، وهو بنية قريبة من بنية اخرى هي (التوازي) العنصر الثاني في بنية اشتراك القارىء بالنص، فالتوازي، كما يذهب الناقد عدنان بن ذريل: ((بنية يشترك فيها الايقاع مع الدلالة تشد انتباه القارىء الى النص، وتقوم على التجنيس والمطابقة، جرسهما ودلالتهما))(2)، اما العنصر الثالث في بنية الاشتراك فهو (التنغيم)، الذي يعد اساس الانشاد في الشعر(3)، ولما كان الانشاد العنصر المشترك بين المبدع والمتلقي فهذه البنية لها من خصائص اشراك النص مع المتلقي بما يجعلها بنية تتوسط البنية السطحية والعميقة وهي كما يذهب آيرز، ليست نصا تماما وليست ذاتية القارىء تماما، ولكنها تشملهما مجتمعين او مندمجين(4)، وبهذا اصبحت البنية الشاركة مكونة من العناصر الاتية:

1ـ الايقاع الداخلي

2ـ التوازي

3ـ التنغيم





المبحث الاول

الايقاع الداخلي



يعد مفهوم الايقاع الداخلي من المفاهيم التي ماتزال في طور التحديد والاستقرار، اذ لم يتفق الباحثون والنقاد على تعريف جامع مانع له، ولم يعط حتى يومنا هذا التفسير والتفصيل الكافيين(1) لجعله مفهوما مستقرا، فهناك من يذهب الى رفض وجوده اصلا لان القول عنده ((بان الوزن نظم وان موسيقاه (خارجية.. هراء) لان موسيقى الشعر تجري فيه مجرى الدم، وان الشعر لايتدفق فيه الا مموسقا موزونا))(2)، وهذا الرأي ينطلق اساسا من اعتماد الوزن في القصيدة بوصفه مشكلا لبنية الايقاع الكلية، ويذهب آخرون الى الاقرار بوجود الايقاع الداخلي وان الوزن يعد احد عناصر الايقاع الداخلي. ويذهب الدكتور محسن اطيمش الى ان دراسة الايقاع الداخلي تتم من خلال مستويين ((الاول يتعلق بمدى التغيير الحاصل في التفعيلة الاصلية، اي بما يطرأ عليها من زحافات وعلل، والثاني يتعلق بحروف المد ملتفتين الى مدى شيوعها ، كثرة او قلة))(3)، وبذلك ادخل الدكتور اطيمش عنصرا من عناصر الوزن في الايقاع الداخلي.

وعلى الرغم من هذه الاجتهادات في تعريف الايقاع الداخلي ، واثبات وجوده من عدمه الا ان بعض النقاد والباحثين اجتهدوا في دراسته من زوايا مختلفة، فمنهم من نظر اليه على انه التوافق بين الرمز والمعنى ، الملازم للذات الباطنية وما توحي به من قدرتها الدلالية على اعطاء صورة التلاحم بين مكر الذات المبدعة وما تشعر به(4).

ذهب آخرون الى ان مفهوم الايقاع الداخلي يرتبط بالعلاقات المفردة داخل النسق الشعري، فالكلمة تحمل ايقاعها في تلاحمها وتباعدها وفي تناسقها وتنافرها، فالايقاع ليس قيمة بحد ذاته وانما هو قيمة بما ينفرد به من اثر(5).

نظرت باحثة اخرى الى الايقاع الداخلي من خلال علاقته بالمعنى، ورأت انه التدفق او الانسياب المعتمد على المعنى اكثر من اعتماده على الوزن، وعلى الاحساس اكثر من التفعيلات(1)، ونظر اخرون الى انه ((شمل الوزن والموسيقى الخارجية المتحققة في البيت الشعري والقافية فهو خط عمودي يخترق النص وينتظمه))(2).

وعرف اخرون الايقاع الداخلي بأنه الخط العمودي الذي يخترق النص، مقابل خط افقي هو الايقاع الخارجي، وتنبع افقية الايقاع الخارجي من صفته الكمية(3)، ويرى الباحث انه يمكن الانطلاق من التعريفات السابقة للاقتراب من تعريف الايقاع الداخلي بوصفه مفهوما غير مقنون ولا تحدده عناصر خارجة عنه، لذلك يقترح الباحث تعريف الايقاع الداخلي على انه الاحساس المنعكس من القصيدة الى المتلقي المعتمد على تحطيم القوانين الاصلية في الوزن، والمتحقق في علاقات المفردات داخل النص، وموسيقى حروفها ، بما يجعل التلقي غير رتيب ومقنون ، عبر ما يحدث فيها من تموجات وتوترات تفضي الى اشراك القارىء جدليا بالنص، محققة دلالات جديدة غير تلك التي استقبلها من الايقاع الخارجي.

ان افتراض الباحث لمفهوم الايقاع الداخلي انطلق من العناصر الاتية:

أ ـ ان الايقاع في قصيدة التفعيلة لم يتحرر من تفعيلات البحور الشعرية على الرغم من انفتاحه على تنويعات متغييرة في عددها وزحافاتها وعللها(4).

ب ـ ان استمرار التفعيلة في الشعر الحر بوصفها وحدة صوتية ، نغمية، افضت الى سيادة العنصر الموسيقي على العنصر الدلالي فيها.

ت ـ ان الايقاع الخارجي بنية محسوسة، في حين ان الايقاع الداخلي بنية مكتشفة، منتجة، تشترك فيها علاقات المفردات ودلالتها بايقاع خاص.

ث ـ الايقاع الخارجي بنية موسيقية تتصف بالتحديد والحصر، اما الايقاع الداخلي فانه بنية غير قابلة للتحديد والحصر حتى داخل السطر الشعري الواحد، وفي ضوء ما تقدم يقترح الباحث دراسة الايقاع الداخلي في قصيدة سعدي يوسف على النحو الاتي:



1ـ التناوب الفونيمي في القصيدة

ويرتبط التناوب الفونيمي في القصيدة بعملية التشاكل الايقاعي الذي يضعهُ الدكتور محمد مفتاح في اطار تشاكل الصوت المنتج للقيمة التعبيرية(1)، وهذه القيمة التعبيرية تتحقق من خلال عنصري التكثيف والافتراق الفونيمي، ففي عنصر التكثيف تظهر هذه المسألة بشكل واضح في قصيدة سعدي يوسف: (في تلك الايام)(2) التي يقول فيها الشاعر:

احتفل الليلة بالقمر الزائر من خلف

القضبان، لقد رقد الشرطي ، وانفاس

((السيبة)) مثقلة برطوبة شط العرب

التفت القمر الزائر ناحيتي، كنت ادندن

في ركن الموقف ... ماذا تحمل لي في

عينيك؟ هواء ألمسه ، وسلاما منها؟

كان القمر الزائر يدخل من بين القضبان

ويجلس في ركن الموقف.. مفترشا بطانيتي

السوداء، تناول كفي: محظوظ انت

وغادرني.. ابصرت بكفي مفتاحا من

فضة

* * *

وفي هذه القصيدة لاحظ الباحث وجود كثافة فونيمية في سطور شعرية لاصوات حرف او حرفين او ثلاثة مقابل ضعف في اصوات حروف اخرى، اذ ارتكز السطر الشعري الاول، على انتقالات حرف (اللام) بين المفردات ، ليشكل ايقاعا خاصا به

احتفـ ل ـ الليـ ـ لة ـ بال ـ قمر ـ از زائر ـ من ـ خلـ ـ ف، وفي مفردتي احتفل الليلة هناك (4) تكرارات لحرف اللام من اصل (10) حروف منها (3) تتابع فيها حرف (اللام) احتفـ(ل الليـ). يليها ظهور حرف اللام في بداية المقطع الاخير من مفردة (الليلة)، يعقبها ظهوره حرفا ثانيا في مفردة (بالقمر).

(لة-بالـ) ـ وفي هذا التشكيل ظهر (اللام) بشكل متناوب مع الحروف الاخرى، اما في مفردة (خلـ_ف). فانه يظهر بين حرفين، وفي السطر الثاني يظهر (اللام) في بدايته، ويفرض الانشاد الشعري ان يكون، (اللام) في مفردة (القضبان) صوتا واضحا مثل وضوحه في مفردة (الليلة) بسبب استعمال الحرف القمري (القاف)، وينتقل التشكيل الصوتي في السطر الثاني من سيادة حرف اللام الى تكرار لمركب من حرفي (القاف والدال)، ويتضح ذلك في مفردتي.. (لقد ـ رقد)، وتشترك المفردتان بحرفين وتفترق بحرفين ل ـ ر / قد ـ قد ، وجرى هذا الانتقال بوساطة الحرف السائد في السطر الاول، وهو (اللام) لان صوت الحرف غير معنى الكلمة، والفارزة التي شكلت وقفة قصيرة، هي التي هيأت لهذا الانتقال الايقاعي الذي يختفي فيه (اللام)، اذ لا يلفظ الحرف في / اش ـ شرطي ، وفي نهاية السطر الثاني يتفق (السين) الذي تنتهي به مفردة (انفاس)، مع تكرارت (السين) في مفردة (السيبة)، لانه من الحروف الشمسية ليهيىء بذلك تناسبا صوتيا لثلاثة حروف اخرى كما في مقطع (برطوبة شط العرب) وهي (الباء، الطاء ، الراء)، بعدها يعود اللام في (التفت القمر)، ليهيىء لبروز حرف اخر هو (النون) كما في مقطع/ (ناحيتي كنت ادندن في ركن)، وهذا الظهور لحرف (النون) يتبعه ظهورا لحرف آخر هو الياء كما في مقطع / ماذا تحمل لي في عينيك، ثم الهمزة كما في (هواء ألمسه) ثم السين كما في (المسه وسلاما)، ليعود النون ثانية ليظهر في الانشاد الشعري على النحو الاتي (سلاما منها كان)، ثم يعود (اللام) مع حرف اخر مرة اخرى في مقطع (القمر الزائر يدخل من بين القضبان)، وكانت الكثافة في هذا المقطع ترتكز على (اللام والنون) معا، وهما الحرفان اللذان دخلا في نمطية الظهور والاختفاء في القصيدة.

ودرس الدكتور فليح كريم الركابي الكثافة الفونيمية من خلال تكرارها في الشعر وتوصل الى ان هذا النوع من التكرارات يعد من ركائز البناء الايقاعي للعبارة الشعرية لما تستلزمه من وجود تناسب في الانغام التي يحدثها تساوق الحروف مثل، الترصيع والتصريع والتجنيس(1) وفي هذا التحليل وضع الدكتور فليح الركابي اسس احدى ركائز الايقاع الداخلي في القصيدة المعاصرة، لكنه لم يقرر ان كانت هذه القصيدة (موزونة ام غير موزونة)، ولم يحدد طريقة اشتغال الفونيم في القصيدة وانتاجه للايقاع الداخلي، ويرى الباحث ان التكرارات الصوتية للحروف لاتحدث وحدها الايقاع الداخلي في القصيدة الموزونة من شعر التفعيلة، لان العروض فيها تقوم بدور عنصر الممانعة للايقاع الخارجي، اذ يفرض انتظامها انسجاما نغميا خارجيا، ففي هذه القصيدة مثلا يقطع السطر الشعري على النحو الاتي:

احتفل الليلة بالقمر الزائر من خلف

احتفـ/ ل الليـ/ لة بالـ/قمر از/ زائر/ من خل/فـ/

فاعل فعْلن فعِلن فعِلن فاعل فعْلن فـ

وفي التقطيع هناك علاقة بين (السكون والحركة)، فرضت نمطا خاصا من الموسيقى امتازت بالانتظام والتردد الصوتي، ولكن هذه (الحركات والسكنات)، تظهر من خلال اصوات الحروف، وكثافة صوت معين لحرف واحد يتوالى في الترديد يكون (ساكنا مرة ومتحركا في اخرى) يحدث تغييرات في الوظيفة الايقاعية والانشادية للحرف في السطر الشعري، وهذه التغييرات في السكون والحركة في صوت الحرف، تقطع انسجام مفردة (احتفلُ)، اذ جاء اللام (متحركا)، وفي مفردة (اللّيلة) جاء ساكنا ثم متحركا، وهذه التغييرات قطعت التكرار الممل لانشاد الحرف وهو تحول تحبذه الاذن العربية، لان العرب على ما تذهب الدكتورة مي فاضل الجبوري كانت تكره التكرار(1)، وقطع التكرار هنا يعني قطع الانتظام، لان (اللام الثالثة في مفردة الليلة جاءت متحركة ايضا) وبعدها جاءت (ساكنة) في (القمر)، ثم ساكنة ايضا في (خلف) ثم ساكنة في (القضبان)، ثم متحركة في لقد، اذا لا يوجد انتظام في تكرار الصوت من حيث سكونه وحركته ، وعدم الانتظام هذا هو الذي ادى الى وجود علاقات داخلية غير محددة داخل اصوات النسق المعتمد على صوت الحرف، مكونا بنية معارضة للبنية المنتظمة المنسجمة في الايقاع الخارجي، فظهور (اللام) يأتي متتاليا (3) مرات احيانا ولم يظهر في احيان اخرى الا بعد (5) حروف وربما بعد (10) حروف. ان هذا الظهور والضمور في صوت الحرف اعطى للقصيدة ايقاعا داخليا غير ظاهر لكنه بنية يمكن الشعور بها ، وقد درس الباحث ظهور وضمور هذا الحرف في قصيدة سعدي يوسف لانه الحرف الاكثر ظهورا في عموم الشعر العربي فقد احصى الدكتور ابراهيم أنيس نسبة شيوع (اللام) في اللغة العربية فوجد انها الاكثر شيوعا، اذ تبلغ نسبة ظهورها (127) مرة في كل الف من الاصوات الساكنة(1).

2ـ ما يحققه إيقاع الالفاظ من موسيقى داخلية

وينتج هذا الايقاع من منظومة الفونيمات في المفردة الواحدة، والعلاقة التي تحدث بين المفردة والاخرى في السطر الشعري،كما في المقطع الاتي من قصيدة (العقبة):

سنوقر سمعنا عما يقول البحر

سوف نشيح عن شمس الغروب

وملعب الامواج

سوف نكون اتباعا لهذا او لهذا

نكتفي من كل قافلة

بخبزة ملّة

وبتمرتين

وسوف ننسى كيف ترسم فجاءة الصحراء

والطرق التي لا تنتهي(2) .

وفي هذا المقطع هناك تناغم داخلي بين الالفاظ تبدأ من (سنوقر) المكونة من اصوات (السين والنون والواو والقاف والراء)، ولا تنتهي الا بنهاية القصيدة، فمفردة (سنوقر) ترتبط ايقاعيا بمفردات السطر الاخرى (سنوقر/سمعنا)، اذ يوجد هناك بين المفردتين علاقة ايقاعية غير ظاهرة من خلال مكون مفردة (سمعنا)، الذي يبدأ بصوت (السين) ايضا المتبوعة بحرف النون الموجود ايضا في التشكيل قبل الاخير من كلمة (سمعنا)، وهذه العلاقة تنتقل الى المفردة الثالثة (عما) التي تتناسب ايقاعيا مع (سمعنا) بعد اجتزاء مقطعها الثاني (عنا)، لتتحول الى (عما) ، الامر الذي يحدث تناغما بين المفردتين المتواليتين اذ لايتبدل في هذين المقطعين المتواليين (عنا)، (عما) غير حرف (النون)، مستبدلا (بالميم) وفي مفردة (عما)، ينتهي التناسب المقطعي ليتحول الى علاقة اخرى بين مفردتي (يقول البحر) المتحقق في ابتداء البحر بصوت الحرف الذي ينتهي به الفعل، (يقول) وهو (اللام).

ان هذه العلاقات تمثل العنصر الثاني الاوسع من صوت الحرف في الايقاع الداخلي والمتحقق من خلال اصوات المقاطع والمفردات، ويذهب (الجاحظ ت ـ255هـ ) الى ان ((الصوت آلة اللفظ، والجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف))(1).

ان هذه الالة ليست محددة في الشعر بنظام مقنن شأنها في ذلك شأن اصوات الحروف المكونة للمفردات، ولكن هذه اللامحدودية لاتعني عدم وجود مزية في ايقاع بعض الالفاظ عن غيرها عند ارتباطها بالفاظ اخرى كما ذهب ابن الاثير (ت ـ 637هـ) بقوله: ((والذي يدرك بالسمع انما هو اللفظ لانه صوت يأتلف من مخارج الحروف، فما استلذه السمع منه فهو الحسن وما كرهه فهو القبيح)) (2)

يلاحظ مما تقدم ان النقد العربي القديم وجد لكل لفظة من الالفاظ نغمة خاصة لكنه لم يحدد طبيعة تلقي هذه النغمة، الامر الذي دفع النقد الحديث الى دراسة طبيعة تلقي هذه الانغام، ورأى انها تحدث من العلاقات التي تنتج من سياق المفردات، التي يحسها المتلقي، فالاحساسات المرئية للكلمات يندر ان تحدث بمفردها ، لانه تصحبها اشياء ذات علاقة وثيقة بها، بحيث لا يمكن فصلها عنها بسهولة، وأهم هذه الاشياء (الصورة السمعية)، اي وقع جرس الكلمة على الاذن الباطنية او اذن العقل(3).

في ضوء ما تقدم فان السياق الشعري للسطر او المقطع يمتاز بخاصيتين ايقاعيتين متغيرتين ، الاولى ان تلقيه في الاذن الباطنية غير ثابت فهو مختلف من متلق الى اخر بحكم طبيعة الفروق الفردية بين الناس، والثاني ان اي تغير في مفردة واحدة من مفردات السطر الشعري سيؤدي بالضرورة الى تغير ايقاع السطر الشعري كله ، لان العلاقات بين اصوات الالفاظ ستتغير ايضا، فلو تغيرت مفردة (سنوقر) الى مفردة قريبة منها في الايقاع، مثل مفردة (سندمر)، فان النتيجة ستكون على النحو الاتي:

سندمر سمعنا عما يقول البحر

وهذه العلاقة تختلف من حيث الايقاع مع السطر الشعري الاصلي، فـ(سندمر) في علاقتها مع (يقول) تختلف اختلافا كبيرا عن علاقة (سنوقر) بـ(يقول)، لان التناسب بين (الواو والقاف) في (سنوقر) واضحة مع (القاف والواو) في (يقول)، وان نغمة (سنوقر سمعنا عما يقول البحر) تختلف عن نغمة السطر الشعري (سندمر سمعنا عما يقول البحر)، وهذا التناسب النغمي يعد عنصرا مهما من عناصر الايقاع الداخلي في القصيدة، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور ابراهيم انيس الى ان، ((للشعر نواح عدة اسرعها الى نفوسنا ما فيه من جرس وانسجام في توالي المقاطع))(1).

على وفق هذه الرؤية امتازت قصيدة سعدي يوسف بهندسة خاصة في انسجام مفرداتها، وما تحققه من جرس ايقاع داخلي غير الجرس الايقاعي الذي يحققه الوزن، فالشاعر كما ذكر الباحث في تمهيده يعي ما يقوله وانه يهندس قصيدته بطريقة واعية في منطقة تقع بين الوعي واللاوعي، كما يقول الشاعر، لهذا كان اختيار مفرداته في القصيدة اختيارا ينم عن مقدرة شعرية خاصة، ويتضح ذلك من خلال المقاطع الاتية:

لا المتاع القليل

لا المتاعب

لا الجندب المتشبث بالسرو

لا غيضة السلسبيل

فلمن انت؟

لست عليها

ولست لها

ايها الصقلي المضلَّلُ

يازان رمحي الضليل(2)

وفي هذه القصيدة لاحظ الباحث وجود انسجام بين مفردات القصيدة، ويتحقق ذلك في العلاقة بين (المتاع والمتاعب)، فالمفردتان مختلفتان في الدلالة ومنسجمتان في الايقاع، وبين (لست عليها، ولست لها) وبين (المضلل والضليل). ان هذه الانسجامات خلقت في القصيدة ايقاعا داخليا خاصا نتجت عن العلاقة بين مفرداتها التي اتصفت بقدر عال من التوافق معززة بتكرارات (لا)، التي تنقطع في السطر الرابع منوعة الايقاع بين السطور الشعرية، اذ تتحول من تنغيم الى اخرالامر الذي اعطى السطور الشعرية موسيقى متعددة الايقاعات، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور ابراهيم انيس الى القول: ((ينتقي الشاعر من الالفاظ ويتخير ويفاضل بينها، ويميز بعضها على بعض متخذا في نظمه البيت من الشعر، لفظا خاصا يأبى غيره، لان اصواته توحي اليه ما لا توحي اصوات غيره))(1).

وتمتاز قصيدة سعدي يوسف بمحاولات الانزياح عن التناغم الصوتي احيانا من خلال ادخال مفردات اجنبية في القصيدة، ويتضح ذلك في قصيدة (القيامة)(2) حيث يقول:



من الـ b52 تأتي القنابل ، ثم تفرغ بيضها

من انفنا المجدوع، نحن سلالة الاحباش والزط

السباخ كعهدها من الف عام

نحن نكسحها،

ونحن الزط



في هذا المقطع يضع الشاعر الـ (b-52) في بداية القصيدة محدثا صدمة التلقي التي تحدثها لفظتها الانكليزية، (بي ـ فيفتي تو)، وجرس هذا اللفظ خاص لانه يؤدي الى الانتقال من السياق اللغوي للعربية الى سياق اخر سرعان ما ينقطع في، (تأتي القنابل) ولكن انقطاع الانسجام الذي احدثته (b-52) في هذا المقطع له قيمته الجمالية والايقاعية والدلالية، فهو تغيير في سلسة ابنية الحروف، وهو ايقاع يختلف عن ايقاع الكلمات الاخرى، وهو من الناحية الدلالية يعد مرتكز القصيدة ايضا، اذ ان الـ(b-52)، هي التي تلقي القنابل، وهي التي تفرغ بيضها، وهي السبب في المأسآة كما يرى الشاعر، وهنا اضفى هذا الاستخدام الخاص للحرف والرقم الانكليزي دلالة على ايقاع القصيدة الداخلي وتحولاته من نسق الى نسق آخر مثلما اضفى قيمة دلالية وجمالية وبصرية، مع احتفاظه بتناسق النغم حتى مع استخدام التركيب الانكليزي، وهذا التناسق النغمي يعد ميزة لامكانات الشاعر على تكييف المتناقضات مع روح الايقاع الداخلي، وهو، على ما يذهب الدكتور عثمان موافي، ((لا يتهيأ الا لمن وهب مع هذه الحاسة الفنية ، طبعا صافيا، واذنا موسيقية، يحسان معا الجمال الصوتي والتناسب النغمي))(1).

وفي هذا المقطع لاحظ الباحث ان التناسب النغمي يتحقق في علاقة لفظة (بي، ففتي تو) و(تأتي)، فالمقطع الثاني من، (ففتي) يطابق المقطع الثاني من (تأتي) في (التاء والياء)، وان مفردة (تأتي) مكونة من تكرار حرف التاء في المفردة، وهذا التكرار موجود في مفردة (ففتي تو) فضلا عن وجود تكرار لحرف (التاء) المرتبطة (بالتاء)، وهو الحرف نفسه الذي يتكرر في مفردة (تأتي).



3ـ التعارض بين المفردة والوزن:

ويحدث هذا التعارض بين اعتماد الوزن التفعيلة اساسا لتقطيع الشعر من دون الالتفات الى بنية المفردة كاملة، في حين يعتمد الايقاع الداخلي على المفردة كاملة ومكوناتها الصوتية، وفي قصيدة سعدي يوسف يمتاز الوزن بالتدوير، اذ ان السطر الشعري غالبا ما يعتمد على السطر الذي يليه لاكمال التفعيلة ، في حين يرفض الايقاع الداخلي تقطيع الكلمة على اساس تفعيلتها، ففي قصيدة (ملابس)(2) يتم تدوير التفعيلة من سطر الى سطر شعري آخر:

فكرت يوما بالملابس

قلت: اني مثل كل الناس ، ذو عينين

ابصر فيهما شيئا

واخطىء فيهما شيئا

ولكن مثل كل الناس لست اريد اربع اعين

عيناي كافيتان لي

وهذه القصيدة من بحر الكامل على وزن (متفاعلن او متْفاعلن)، واذا تم تقطيعها على اساس التفعيلات تصبح نهايات السطور جزءا من بدايات السطور التي تليها كما يأتي

فكرت يو/ما بالملا/بس متْفاعلن ـ متْفاعلن / متـ

قلت ان/ني مثل كل /ل الناس ذو/عينين فاعلن /متْفاعلن / متْفاعلن / متْفاع

آب/صرفيهما/شيئا لن/متفاعلن / متفا

ولا/كن مثل كل/ ل الناس لس/ت اريد ار/بع اعين/ـ علن/ متْفاعلن/ مَْفاعلن / متفاعلن/ متفاعلن ـ عيناي كا/فيتان لي/ متْفاعلن/ متْفاعلن

في هذا المقطع لا يتنهي السطر الشعري بتفعيلة كاملة، وعدم اكمال التفعيلة في السطر الشعري ينتج تعارضا بين الوزن والايقاع ، اذ يعمد الشاعر في الانشاد والقارىء في القراءة الى قراءة المفردة كاملة لادراك دلالتها في نسقها ولايقطعها على اساس التفعيلة، الامر الذي يحدث تعارضا بين تقطيع الانشاد، من خلال التوقف والقراءة على اساس المفردات، وبين تقطيع التفعيلات التي تتوقف وتستمر على اساس العروض. وهنا يكون الوزن قد اعتمد على التقطيع العروضي لاحداث موسيقاه الخارجية بوصفة آلة قانونية صارمة ومحددة في ضوء تفعيلات الوزن نفسه، في حين اعتمد الايقاع الداخلي على الدلالة المتحققة من علاقات الالفاظ داخل السطر الشعري او القصيدة وبذلك تكون بنيته معارضة للايقاع الخارجي، وعلى اساس هذا التعارض تتبلور جمالية القصيدة الحرة.

ودرس الدكتور محسن اطيمش الايقاع الداخلي لقصيدة سعدي يوسف، معتمدا على موسيقى الالفاظ ذاتها داخل النسق الشعري، متناولا قصيدة (اشارة) (1) التي يقول الشاعر فيها:

ايها المقبلون على ارض (دارين)

ان لنا اخوة

حينما يخطئون نموت

وحين نراهم يصيبون نشتم

ياوطني: صفقة

نتبادل فيك المواقع

كن مرة حكما، ولا تكن حاكما، هاهم المقبلون على ارض دارين

بين الحقائب والقبعات يديرون اعناقهم

وحين حلل الدكتور اطيمش هذا المقطع ذهب الى انه يتسم بغنى موسيقاه الداخلية، من خلال تكرار الصيغ والالفاظ بشكل اخاذ: مقبلون ، يخطئون، يصيبون، مقبلون، يديرون(1). وعد الدكتور اطيمش التناسب الصوتي بين المفردات واحدة من بنى الايقاع الداخلي في حين يذهب آخرون الى ان هذا التناسب الصوتي هو بنية (التوازي) في النص وان جزءا محددا منها فقط يدخل في بنية الايقاع الداخلي(2) وعلى هذا الاساس يرى الباحث ان جعل الايقاع الداخلي مرتبطا بالتناسبات الصوتية يحوله الى قيمة ايقاعية محددة لاتصلح من حيث المعالجة الا على النصوص التي تعتمد هذه التناسبات، خاصة ان جزءا من هذه التناسبات محسوس خارجيا شأنه شأن الوزن والقافية.

4ـ الزحافات والعلل:

والزحاف هو التغيير الذي يقع في ثاني السبب ، كتسكين التاء من متفاعلن وحذف الالف من فاعلن، اما العلة فهو التغيير الذي اصاب السبب برمته ، واصاب الوتد كحذف التاء من (فاعلاتن) ، وتسكين التاء (مفعولات)(3).

ويعد التغيير الذي يصيب التفعيلة جزءا من الايقاع الداخلي كما يذهب الى ذلك الدكتور محسن اطيمش، وعلى هذا الاساس درس التغييرات التي تحدث في التفعيلة الاصلية عند عدد من شعراء قصيدة التفعيلة ومنهم الشاعر سعدي يوسف، فحلل قصيدة (الاخصر بن يوسف ومشاغله)(4) التي يقول فيها الشاعر:

نبي يقاسمني شقتي

يسكن الغرفة المستطيلة

وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب وسر الليالي الطويلة

وحين يجالسني وهو يبحث عن موضع الكوب في المائدة.

لاحظ الدكتور اطيمش الزحافات في هذا المقطع ووجد انها على النحو الاتي:

ت/ز/ت

ت/ت/ت

ز/ت/ز/ت/ت/زت/ت/ت

ز/ز/ت/ز/ت/ت/ت ع

وحرف (ز) هو الزحاف، و(ت) تفعيلة كاملة و(ع) هو العلة.

فوجد ان عدد التفعيلات فيها (60) والتام منها (41) أي بنسبة (33ر68%)، والزاحف (16) اي بنسبة (66ر26%)، والمعتل (3) اي بنسبة (5%)، ويظهر من هذه النسب ان ما يحدث من زحاف في التفعيلات، اكثر من بـ(5) اضعاف العلل، ويرى الباحث ان السبب في هذا التفاوت في النسب بين الزحاف والعلة في القصيدة يعود الى امرين.

أـ ان الزحاف لا يمس جوهر الايقاع الصاعد الامر الذي يجعل الانحراف عن التفعيلة الاصلية ذا تأثير اقل من الانحراف الذي يقع في العلة، ولكن هذا الانحراف القليل لايعني ان الايقاع الخارجي في القصيدة لا يتأثر، ففي (فعولن) وهي من البحر المتقارب تتحول التفعيلة الى (فعول)، ، وان الشاعر اذا ما اعتمد الزحافات اساسا لقصيدته فان تغيرا وزنيا واضحا سيحدث فيها، وتبدو وكأنها تنتقل الى ايقاع اخر، ولكن هذا الانتقال لا يعبر عن ضعف في بنية الايقاع الكلي للقصيدة، اذ يتحول تأثير الايقاع الخارجي المعتمد على الوزن الى الايقاع الداخلي، ويصبح النغم المبني على التفعيلات اكثر تنوعا. ويذهب الدكتور محمد النويهي قائلا ((اذا كثر الزحاف في قصيدة ما فاننا لا ينبغي ان نسارع ونعد ذلك عليها ركاكة وضعف بناء وننسبه الى التهاون او عدم الاحساس بالايقاع، بل لننظر اولا في الافكار التي تحملها القصيدة والعواطف التي تؤديها ولنتأمل في مدى مواءمة موسيقاها الفردية لمضمونها(1).

ب ـ ان العلة في التفعيلة لا تنحرف بالوزن نحو وزن آخر بل تحطم التفعيلة الاصلية ذاتها ليبدو الايقاع الخارجي للقصيدة في توالي العلل وكأنه غير مستقر ، ففي هذه القصيدة على بحر المتقارب تكون التفعيلة الاصلية على النحو الاتي(فعولن، فعولن) وفي العلة تتحول (فعولن) الى (فعو) وتنتقل الى (فعلْ) بالحذف، وتتحول بالبتر الى (فع) (1) وهذه التحولات في حالة تواليها تنقل البنية الوزنية الى بنى وزنية اخرى، ففي حالة تكرار (فعلْ) مرتين تصبح التفعيلة (مفاعلن) وهو زحاف (مستفعلن)، اما اذا تكررت (فع) فتتحول الى الخبب (فعلن)، او مستفعلْ كما في القطع الذي يحدث في (الرجز) (2).

حاول الباحث تحليل الالية التي يتحول فيها الزحاف من ايقاع منتظم الى ايقاع داخلي في موسيقى القصيدة، ويستند هذا التحليل الى ان التفعيلة وحدة موسيقية تطابق النوتة في الفن الموسيقي واساس صوتي لوحدة النظام الايقاعي(3)، ففي قصيدة سعدي يوسف (التنفيذ)(4) يقول الشاعر:

تستقيم المشنقةْ

أبدا في آخر الحجرة

وتفعيلة هذين السطرين الشعريين على النحو الاتي:

فاعلاتن/فاعلن

فعلاتن/فاعلاتن/..الخ

وهذه لتفعيلة في النظام الموسيقي تتحول على النحو الاتي:

فا/تن

علا/تتن

تن/تن

فيصبح في ضوء هذا التقسيم الايقاع الموسيقي لتفعيلة (فاعلاتن) على النحو الاتي:

تن تتن تن / ومجموع الوحدات الايقاعية في هذه التفعيلة ثلاثة انصاف وربع الدرجة(5) وتكتب موسيقيا على النحو الاتي:

وهذه الانصاف والارباع الموسيقية هي التي تحدث الايقاع في الوزن فـ

= نصف درجة ايقاعية

= ربع درجة ايقاعية

وفي حالة الزحاف تتحول (فاعلاتن) الى (فعلاتن) وهي في النظام الموسيقي على النحو الاتي:

فعلاتن = تتتن ، وفي ضوء هذا التحول يكون ايقاع السطرين الشعريين السابقين = تن تتن تن، تن تتن / تستقيم المشنقة

تتتن ، تن تتن تن / ابدا في اخر الحج

ولاحظ الباحث ان الزحاف في تفعيلة (ابدا في) ، حوَّل الايقاع من (فاعلاتن الى فعلاتن) أي من (تن تتن تن) الى (تتتن تن) لتصبح النغمة المكونة من (3) انصاف وربع، الى ربعين ونصف وعلى النحو الاتي:

= فاعلاتن



= فعلاتن



ان هذا التحول في نغمة الايقاع يعد تحولا جوهريا في الموسيقى لان الاداء يتحول من طابعه الرتيب الى طابع يتم فيه انزياح الرتابة عبر التحوّل الى ايقاع مختلف، فلو كانت القصيدة مكونة من تفعيلات كاملة من دون زحاف يكون السطر الشعري على النحو الاتي:

فاعلاتن ، فاعلاتن ، فاعلاتن

تن تتن تن، تن تتن تن، تن تتن تن

اما اذا دخل الزحاف واحدة من التفعيلات فتكون على النحو الاتي

فاعلاتن ، فعلاتن ، فاعلاتن

تن تتن تن، تتتن تن ، تن تتن تن

وهنا قطع الزحاف ارتباط (تن في نهاية تفعيلة (فاعلاتن) مع (تن) في بداية التفعيلة التي تليها. ان قطع الارتباط هذا وتحول النغمة من ايقاع الى اخر هو الذي يُحدث الايقاع الداخلي في القصيدة في الزحافات والعلل، فالنظم المطرد، كما يذهب كوهن، لايعني الاستمرار بوتيرة واحدة في قانون الوزن، بل هناك انزياحات تحدث في المعنى والصوت معا في القصيدة(1)، ولكن ليس بشكل مطلق، فالانزياح التام يؤدي الى انحراف تام في الوظيفة والدلالة والصوت. وبذلك يفقد النص جنسه الادبي، ولأن الانحراف في دورية العروض الزمنية لاتدركه الاذن اذ كان لا يشكل وجودا مطلقا في النص(2)، ولكن يتم الاحساس به بوصفه عنصرا داخليا في القصيدة.



المبحث الثاني



التوازي

يعد التوازي عنصرا من عناصر الايقاع في القصيدة(1)، وهو فضلا عن قيمته الايقاعية في النص الشعري يحمل قيمة دلالية، ولهذا ذهب رومان جاكوبسن الى القول: ((ان موضوع التوازي لايستنفد.. وهو عنصر هام قد يحتل المنزلة الاولى بالنسبة للفن الادبي)) (2).

ودرس النقد العربي القديم بنية التوازي من خلال الدراسات البلاغية التي اهتمت بالمساواة والطباق والموازنة والتكرار والتناسب والمقابلة والمشاكلة(3)، ولكن ظهور المنهج الشكلاني في روسيا كثف هذه الدراسات البلاغية باتجاه دراسة اشمل لبنية التوازي، اذ عرفته هذه المدرسة بانه ((نسق التقريب والمقابلة بين محتويين او سردين يهدف الى البرهنة على تشابههما او اختلافهما، حيث يتم التشديد على تطابق او تعارض الطرفين بواسطة معاودات ايقاعية او تركيبية)) (4).

ودرست المناهج النقدية الغربية التوازي من اتجاهات مختلفة، فالدراسات الاسلوبية ترى في مفهوم التوازي ((انه تناظر بين جمل العبارة ، يقوم على استعادة (مخطط اسنادي واحد، اسمي او فعلي في جملتين متتاليتين، او اكثر) ويقصد الى تأكيد الدلالة، استنادا او بواسطة التجنيس والمطابقة)) (5).

اما الدراسات المعاصرة فلم تقصر التوازي على الجملة فقط، بل اتسعت في دراستها ليشمل التوازي عندها تركيب المفردة وعلاقتها مع المفردات الاخرى ليصبح التوازي في ضوء هذه الدراسات مشتملا على ستة عناصر، هي على النحو الاتي:

أـ المستوى الفونولوجي (الصوتي): ويدرس ظواهر التجنيس والايقاع والوزن وتكرار صوت معين.

ب ـ المستوى المورفولوجي (الصرفي): ويدس التشابه في البناء الصرفي للكلمات

ت ـ المستوى النحوي: ويدرس مواضع الكلمات ضمن انساق الجمل الاساسية والتحويلية وتحديد اشكال الانزياح او العدول في النسق اللغوي

ث ـ المستوى التركيبي: ويدرس العلاقات السياقية بين الجمل وتراتبها الاساسي والثانوي

ج ـ المستوى البلاغي: ويدرس المظاهر الجمالية والادائية وتراتبها الاساسي والثانوي

ح ـ المستوى الدلالي: ويدرس القيمة المعنوية والدلالية والسوسيولوجية(1).

وشكلت هذه العناصر بنية التوازي بتفصيلاتها المختلفة، لكن عددا من النقاد لاحظ وجود تداخل بين بعض البنى الفرعية، مشكّلة مستوى واحداً بدل المستويين فالمستوى الصوتي يرتكز على التكرار الفونيمي الذي يعمل على ازاحة الدلالة من خلال التغيير او التأكيد المرتبط بالتكرار، ولذلك سمي هذا التوازي (بالصوتي)، وهذا التوازي يرتبط بالايقاع والدلالة، اما المستوى الصرفي فانه يدرس العلاقات السياقية والمظاهر الجمالية والادائية وتراتبها الاساسي والثانوي، في حين يدرس المستوى النحوي، مواضع الكلمات ضمن انساق الجمل الاساسية والتحويلية ، والقيمة المعنوية والدلالية والسوسيولوجية(2)، وعلى هذا الاساس درست بنية التوازي على مستويات ثلاثة، هي على النحو الاتي:



1ـ التوازي الفونيمي:

يرتكز هذا التوازي على تكرار الحروف في النص الشعري، وهذا لايعني ان هذا النمط يماثل التناسب الفونيمي في الايقاع الداخلي، لان التوازي الصوتي يعتمد على تكرارات الفونيم في النص كله(3) ، في حين يعتمد التناسب الفونيمي في الايقاع الداخلي على ظهور واختفاء الفونيمات في السطر الشعري، ومع هذا الافتراق بين الاثنين، الا ان التوازي يمثل ايضا سمة ايقاعية في النص بوصفه معتمدا على تصويت الحروف، مثلما يمثل قيمة دلالية وجمالية.

ويعد الشاعر سعدي يوسف من اكثر الشعراء تميزا في بنية التوازي بأنواعه المختلفة في قصائده(1) اذ يظهر هذا الاستخدام بشكل واضح في معظم قصائده، وتكاد تكون القصيدة عند سعدي يوسف بنية تواز، ففي المجال الصوتي غالبا ما يعمد الشاعر الى تغليب صوت معين في القصيدة يكون حاضرا دائما في ايقاعها، ولاسيما ان قصائده تزخر بالتكرارات الفونيمية، كما في قصيدة (اصداف)(2) ، التي يقول فيها:



قالت لي سهام: اريد قواقع واصدافا

قالت مريم: سوارا من الاصداف

وقالت شيراز: قلاده

اما انا..

فكيف لي ان اجد اللؤلؤ

كيف أجمع الأصداف؟



في هذه القصيدة هناك تكرار لحرف القاف في الجزء الاول منها من خلال (قالت) التي يكررها الشاعر ثلاث مرات، واقرانها بمفردتي (القواقع وقلاده)، وفي القسم الثاني من هذه القصيدة تسيطر الهمزة حيث تتكرر في (اما، أنا ، أن ، أجد، اللؤلؤ، أجمع الاصداف) وهذا التكرار يشكل معظم مفردات الجزء الثاني من القصيدة، ويعد هذا التكرار جزءا من بنية الشعر لانه يرتبط بجدليات العلاقة مع البنى الاخرى، (الوزنية، الايقاعية) المنتجتين لموسيقى الشعر، ويرى يوري لوتمان في هذا الصدد ((ان التكرار الصوتي في الشعر يخضع لقوانين تختلف الى حد ما عن تلك التي يخضع لها الكلام غير الفني ، فاذا كان الكلام العادي ينظر اليه باعتباره كلاما غير منتظم، بمعنى انه لايؤخذ في الحسبان تميز بنائه بوضع لغوي خاص، فان اللغة الشعرية تتجلى كلغة قد رتبت على نحو خاص بما في ذلك المستوى الصوتي))(3). وتلعب بنية التوازي الصوتي دورا مهما في هذا المستوى من خلال علاقتها مع الايقاع الداخلي المعتمد على صوت الحرف في المفردة الشعرية. وهذه العلاقة ليست مقننة ايضا فلكل قصيدة ايقاعها الخاص، لان خصائص النص الايقاعية تنتمي لكل نص على حدة(1)، وعلى وفق هذه الرؤية فان القصائد الاخرى تمتاز بسيطرة صوت خاص بها، وهذه السيطرة تقوم باضعاف الاصوات الاخرى، وهذا النموذج في الضعف والقوة في صوت الحروف يمنح القصيدة ايقاعا ينسجم مع حالة التوتر والاسترخاء، فلكل حرف من الحروف جرسه الخاص، ونغمته الخاصة(2)، وفي هذه القصيدة تعد سيادة (القاف) في جزئها الاول تعبيرا عن الجانب الحواري فيها اذ تتكرر (قالت) ثلاث مرات، وهذا التكرار في مفردة (قالت) جعلها تؤكد الحاجة للاخر، فالقول صفة اما للحوار، او للتعبير عن الحاجة والمشاعر ، واختيار صوت القاف في مفردة (قالت) عائد الى سببين: الاول، الى بعد مخرجه، (فهو يخرج من اقصى اللسان وما فوقه من الحنك الاعلى)(3)، والى وجود مفردة (القواقع) التي يتكرر فيها (القاف) مرتين، (وقلادة) التي تبدأ بالقاف ايضا وبُعد مخرج القاف في النطق جعله صوتا انفجاريا شديدا، لايخرج في النطق الا بعد انحباس الهواء في (الحلق والفم)(4)، الامر الذي منحه قوة تعبيرية تناسب شدته، ولاحظ الباحث ان المفردات الثلاثة (قالت، قلادة، قواقع) تبدأ بصوت (القاف)، ولكن هذا الصوت يرتبط تارة (بالالف) وهو من الاصوات الرخوة(5)، وتارة (باللام) وهو صوت واضح في السمع، وعند نطقه لايسمع صوت الانفجار، ولهذا شبه باصوات اللين، وتارة اخرى (بالواو)، وهو من الاصوات متوسطة الشدة والرخاوة(6)، وهذا الارتباط المتعدد للحرف نفسه منح المفردة نغمة متغيرة وأدى الى تصويت متعدد النغمات، وبحسب ما يذهب اليه لوتمان فان الشعر يتشكل من تعاقب وحدات صوتية، تتجلى كما لو كانت موزعة بشكل مستقل بعضها عن بعض، وفي الوقت ذاته من تعاقب الكلمات التي تتجلى باعتبارها وحدات متماسكة تتكون بدورها من التأليف بين الوحدات الصوتية، ومع ذلك فان هاتين الصورتين من صور التعاقب لاتوجدان الا في وحدة، أي من حيث هما وجهان لذات الواقع (البيت الشعري)، ثم من حيث هما ثنائية بنائية متلاحمة(1).

اما الجزء الثاني من القصيدة فان تكرار الفونيمات ينسجم فيه مع التكرار في الجزء الاول، ففي الجزء الاول هناك صوت القاف في قالت الذي يجري تأكيده في مفردة (قواقع) التي تكرر القاف (مرتين)،

قالت ــــ قواقع

وفي الجزء الثاني هناك تكرار للهمزة في (أما ، أنا ، أجد.. الخ) ويتعزز هذا التكرار في مفردة اللؤلؤ التي تكرر الهمزة مرتين.

اجد أنا ـــ اللؤلؤ

ان هذه العلاقة بين الحروف وطريقة تكرارها بالطريقة نفسها تمثل بنية تواز منتظم في النص ذاته، وهذا التوازي الصوتي ربما لا ينطبق على أي نص اخر، في خصائصه كما سبق ذكره، وهذه الخصائص الذاتية التي ينتمي اليها كل نص على حدة هي التي تجعل بنية التوازي بنية صوتية حركية متغيرة. ودرس الدكتور محمد مفتاح علاقة الصوت بالمعنى، فذهب الى ان الاصوات بذاتها توحي بمدلولات لايفصح عنها الخطاب مباشرة، فتتابع الهمزة مثلا يدل على التألم والرثاء(2)، وهذا التألم يظهر في المقطع الشعري من خلال سؤال الشاعر لنفسه :

أما أنا

فكيف لي ان أجد اللؤلؤ

كيف أجمع الاصداف؟

وفي قصائد اخرى هناك غلبة لصوت معين، يطبع القصيدة بطابعه من بدايتها الى نهايتها، كما في قصيدة (لاتقلب سترتك الاولى حتى لو بليت) (3) التي يقول الشاعر فيها:



في الدكان

البسة مستعملة

وفتاة تدخل في الدكان

ناحلة كانت

عيناها تتسعان

كما تتسع التنورة في الريح

وتتسعان

كي تريا سترة عاشقها المقلوبة

سترته الحمراء ـ السوداء

وازرار الصدر المثقوبة

في هذه القصيدة يغلب تصويت حرف (التاء)، على سطورها باستثناء السطر الاول، وتولدت هذه الغلبة من تردد الحرف بشكل مستمر، الامر الذي اعطى القصيدة تصويتا خاصا في الانشاد، وهذا التصويت الخاص جعل ايقاع القصيدة يستند إلى عدد تكرارات حرف (التاء)، فهو يرد في السطر الثاني مرتين، وفي السطر الثالث ثلاث مرات، وفي الرابع مرتين، وفي الخامس اربع مرات، وغالبا ما يرتبط حرف التاء في القصيدة بحرف (السين) من خلال المفردات، (مستعملة)، (تتسعان)، (تتسع)، (سترة)، (سترته)، وهذا الارتباط الصوتي الذي يتأخر فيه التاء مع السين تارة، ويتقدم فيه تارة اخرى خلق ايقاعا داخليا خاصا في هذه القصيدة، وتنبع خصوصيته من خاصية تصويت حرف (التاء) وارتباطه (بالسين)، ((ومثل هذا الحضور اللافت لحروف محددة لا يأتي عفو الخاطر غالبا، لكنه تراكم مقصود اراده الشاعر هادفا ان يحقق لنصه اكبر قدر من الايقاع))(1). فالتكرار كما يذهب لوتمان يخلق لذة خاصة(2).

ويرى الباحث ان قضية القصد في ايراد حروف معينة في القصيدة من قبل الشاعر ربما تكون مسألة مبالغ فيها، اذ ليس من المعقول ان يرتب الشاعر حتى حروف القصيدة ويعمد الى جعلها غالبة في النص، والمرجح ان يكون تكرار حرف معين في النص مسألة تخص اللحظة الشعورية التي تتملك الشاعر عند كتابته القصيدة، فالقصيدة، كما يذهب الدكتور عز الدين اسماعيل، تنسيقا موسيقيا بالغ الحساسية، بالغ الصعوبة، فكل حركة فيها بميزان دقيق، وكل حركة لها ايقاعها بارتباطها مع سائر الحركات تولد نغما، لايحكمه سوى الحالة الشعورية التي يخضع لها الشاعر(1).

وهذه اللحظة الشعورية هي التي تدفع الشاعر لنسج قصيدته على وفق ايقاع خاص ينتظم القصيدة فيردد هذا الحرف او ذاك، ضمن الايقاع الذي يجسد حالة الشاعر لحظة كتابة القصيدة.

ان التوازي الصوتي لايشمل تكرارات الفونيمات في المفردة او السطر الشعري بل يشمل ايضا اثر اصوات الحروف الموجودة في القصيدة ودورها بتغيير الدلالة.

ويستخدم سعدي يوسف هذا الاسلوب من خلال تغير صوتي واحد في بنية المفردة للصعود بحركية القصيدة باتجاه التناقض او التعارض في عملية الصراع داخلها، ويظهر هذا الصراع في التحول الفونيمي الذي اجراه الشاعر في قصيدة (ثلاث قصائد عن الاشجار) (2) اذ يقول فيها:

كن مرة من كنت

للاوراق ملتمسا

وللقطرات ملتمسا

وفي الطرقات ملتبسا

في هذا المقطع يكرر الشاعر مفردة (ملتمسا) لكنه في المرة الثالثة يستخدم الحروف نفسها باستثناء تغيير حرف واحد هو (الميم)، الذي يتكرر في المرتين السابقتين، لكنه في المرة الثالثة يتغيرالى (الباء)، الامر الذي احدث تغييرا في الدلالة، وفي هذا التغير ينتقل الشاعر من حالة الالتماس (اي تقرير الاخر لما تريده الانا)، الى حالة الالتباس التي تعني الشك في الموقف من الاخر وعدم المقدرة على اتخاذ القرار، وفي هذا التحول الصوتي، اضحى الصراع داخل القصيدة اكثر وضوحا.

وتتعزز هذه الجدلية في العلاقة داخل النص من خلال تصويت مفردتي (قطرات وطرقات)، فالتكوين الفونيمي واحد بين المفردتين لكن اختلاف التشكيل هو الذي ادى الى اختلاف الدلالة ليصبح منسجما مع الالتماس عند ايراد مفردة (قطرات)، ومنسجما مع الالتباس عند ايراد مفردة (الطرقات) فالقطرات محدودة ضيقة الدلالة لذلك كان الالتماس منسجما معها من حيث تعبيرها عن محدودية العلاقة بين (الانا والاخر)، في حين تفتح مفردة (الطرقات)، افاقا اوسع من (القطرات)، لذلك يصبح الالتباس المبني على الشك اكثر انسجاما معها، لان قضية الالتباس واسعة تحتمل وجود الضدين في آن واحد والطرقات هي الاخرى تحتمل وجود الضدين ايضا، لتصبح العلاقة بين سطور المقطع الشعري على النحو الاتي:



للقطرات ملتمسا // في الطرقات ملتبسا

هذه العلاقة المتوازية تسمى من وجهة النظر الفلسفية بعلاقة (التضايف)، وتحتوي على علاقة العكس بوجود متضايفين لايمكن ان يتصور احدهما، كما لا يوجد من دون الاخر(1)، فالالتباس متعلق بالالتماس في الصوت الدلالة، والقطرات متعلقة بالطرقات بالصوت والدلالة ايضا، وهذا التركيب الثنائي التضاد منح المقطع الشعري دلالة اوسع واكثر عمقا من خلال تصور حالة الشاعر الذاتية في لحظة الصراع من اجل اختيار الموقف الذي يتجه به نحو الاستقرار، ان العلاقة الصوتية والدلالية بين (الالتماس والالتباس)، (الطرقات) (القطرات)، هي التي انتجت بنية التوازي الصوتي في هذا المقطع وفرقته عن بنية الايقاع الداخلي التي تعنى بكل علاقة من العلاقتين على نحو منفرد.

وفي قصيدة (خطوات)(2) يتضح الصراع بصورة اكثر بروزا في علاقة التوازي الصوتي، اذ يقول الشاعر في هذه القصيدة:

اكتفي من مرايا الحدائق بالمرأة الناحلة

والغليل الذي كان عندي

والقليل الذي صار عندي

وبين مفردة (الغليل) ومفردة (القليل) هناك تجانس فونيمي واضح بين حروف المفردتين، لكن تغيير (الغين) الى (قاف) هو الذي احدث التعارض داخل القصيدة.

وأكد الشاعر هذا التعارض من خلال استخدام الافعال الماضية الناقصة، فالغليل/ كان ، اي انه لم يستمر مع الشاعر لان هذا الغليل الموصوف (بالكثرة)، تحول الى (قليل) وهو المآل الذي (صار)، انتهى اليه.

اما في قصيدة (تنويعات استوائية)(1)، فان الصراع يدخل مرحلة التناقض في اجواء القصيدة عندما يتحول الفعل من التقدم الى التراجع، وبموازة دلالة الصراع هناك علاقة صوتية بين السطور الشعرية تتراوح بين التماثل والتشابه، محدثة توازيا صوتيا يتناسب مع التناقض الدلالي، اذ يقول الشاعر في هذه القصيدة:

كان العدو الذي يرتدي كل اسماء من قاتلوا تحت راياتك

المعلنة

كل اسماء من قاتلوا ضد راياتك المعلنة

كل اسماء من قاتلوا

كل اسماء من خاتلوا

وبين الفعل، (قاتلوا) والفعل (خاتلوا) هناك تناقض، اوضحه الشاعر في السطرين السابقين:

(كل اسماء من قاتلوا تحت راياتك)

(كل اسماء من قاتلوا ضد راياتك)

ان التناقض الاصطراعي واضح في هذين السطرين، لكن الشاعر لم يكتف بهذا التعبير عن التناقض في الموقف، الامر الذي جعله يلجأ الى استيعابه بعبارة اكثر تقريرا وتحديدا للحالة التي يريد ايصالها ، فكان ابدال صوت (القاف)، (خاء)، اكثر دلالة واوسع من الحالة السابقة، وذلك من خلال الفعلين (قاتلوا، خاتلوا)، ان هذا التوازي الصوتي المنسجم عمق دلالة الصراع في حركيته المتجهة الى التناقض المبني على نفي الاخر.

واستخدم الشاعر صوت الحركة في العلاقة بين المفردات المتماثلة صوتيا لاحداث انزياح في الدلالة داخل القصيدة كما في المقطع الاتي من قصيدة (الحالم)(2) اذ يقول :

لكن علي بن محمد

بكتائبه الزنجية

ينهض بين العَرق وبين العِرْق

قرنفلة مشتعلة

وابدل الشاعر الفتحة في مفردة (العِرْق)، بالكسرة لتتحول الدلالة من (العَرَق) الدال على الكد والتعب الى (العِرْق)، أي الجذور، وأحدث تحول صوت الفتحة في (العَرَق) تحولا دلاليا في القصيدة (فالعَرق) ظاهر واضح في حين مفردة (العِرْق) تدل على ما هو غير واضح او غير ظاهر وهي دلالة متعاكسة.

وكان لهذا التحول الدلالي تأثيره في البنية الكلية للقصيدة (فالنهوض بدأ عند علي بن محمد من الجذور الاولى للزنج نحو حالة اثبات الوجود بالتعب والكفاح، في ثورتهم في العصر العباسي). ان بنية التوازي في (العَرَق) والعِرْق)، اعتمدت مبدأ المشابهة الصوتية الكلية، ولكن الحركة في اللغة غالبا ما تنتج دلالة مغايرة لدلالة صورة المفردة في حالة ابدالها، لانها تمثل صيغة(1) معينة في اللغة تختلف باختلاف موقعها.

وفي قصيدة اخرى يلعب صوت الحركة دورا اكثر وضوحا في عكس الدلالة كما في قصيدة (صباح الخير ايها الفاكهاني)(2) اذ يقول فيها الشاعر:

يا صباح الخير للاطفال في زيّ المدارس

للصبايا يَشتهِينَ

ويُشتهَينَ

في هذا المقطع الشعري عبر الشاعر عن صورتين متناقضتين لكنهما متكاملتان فالصبايا يشتهين الاخر، وفي الوقت نفسه فان الاخر يشتهيهن، لتصبح حالة الاشتهاء بين الجنسين متكاملة، لكن الحالة متناقضة لانهن، اي الصبايا، يشتهين الرجال، وهذا الاشتهاء يقابله اشتهاء آخر يحاول كل طرف فيه اثبات وجوده من خلال الاخر، وهو تحول احدثته الدلالة في الحالة العامة للحياة الانسانية، تحول من تحقيق الانا في الاخر، الى تحقيق الاخر في الانا، وقد احدث تغيير الحركة في مفردة (يشتهين) كل هذه الجدلية في اجواء القصيدة أي علاقة الاخر بالانا.

ويلجأ الشاعر احيانا الى ادخال حرف معين لتحويل الدلالة من حالة الى اخرى كما في قصيدة (سيدة النهر)(1) اذ يقول:

توهمت انك زاويتي، والمدار الذي يقف النجم فيه

توهمت نخل السماوة، نخل السماوات

حتى حسبتك عاشقة

وفي هذه القصيدة هناك فاصل مكاني بين (السماوة) المدينة الارضية (والسماوات)، اذ ميز الشاعر بينهما بحرف (الالف) ، وملأه بالنخل، الذي يصل بين الارض والسماء كما توحي القصيدة بذلك ، فما بين (السماوة والسماوات)، فضاء وهذا الفضاء موصول بالنخلة، الامر الذي فتح دلالة النخلة على صورة اسطورية من حيث المقدرة على الصعود الى الاعلى والتجذر في الارض، فضلا عن التناسب الصوتي الذي احدثته مفردة (نخل) في علاقتها مع مفردتي (السماوة والسماوات)، وذلك من خلال تماثل الصوت السابق للمفردتين.

2 ـ التوازي النحوي:

يعني تلك البنى المتكئة على التركيب النحوي(2) وهذا التوازي لا يعتمد بشكل رئيس على الفونيم وتأثيره في بنية المفردة، بل يعتمد على العلاقات النحوية التي ترتكز عليها مكونات اللغة وانظمتها، ولكن من دون اغفال العلاقات الصوتية والايقاعية في هذه البنية.

استخدم الشاعر سعدي يوسف هذه البنى لتعزيز القيمة الدلالية والايقاعية في القصيدة، كما في مقطع من قصيدة (فلتبحث بين تراب الوطن الغالب عن خاتمك المغلوب)(3)، اذ يقول الشاعر فيها:

لاغالب في اخرة الليل ولا مغلوب

الكل يغالب عثرته

والكل يعاتب سكرته

والكل يسير الى مسلخه، احمق كاليعسوب

في هذا المقطع هناك تكرار لصيغة (الكل)، في ثلاث من الاسطر الشعرية، وهناك بعد صيغة الكل (صيغة فعلية) وهي، (يعاتب ، يغالب، يسير)، ثم تعقبها صيغة مصدرية كما في (عثرته، سكرته)، وصيغة حرفية كما في (يسيرالى)، وهذا النمط من التوازي انتج انسجاما ايقاعيا من خلال ترادفات الفعل المضارع الصوتية، (يعاتب، يغالب)، عززه الانسجام الايقاعي بين الصيغة المصدرية، (سكرته ، عثرته)، اذ يشترك الفعلين المضارعين، (يغالب، يعاتب) بثلاثة حروف ويفترقان بحرفين، ويشترك المصدرين (سكرته وعثرته)، بثلاثة حروف ويفترقان بحرفين، وهذا النمط من التوازي يسمى التوازي الترادفي(1)، اذ تعزز فيه الصيغة الاولى الصيغة الثانية ايقاعيا ودلاليا لذلك يعد هذا النمط من التشاكل النحوي نمطا مساعدا في تنمية النواة المعنوية للنص، وذلك عبر تكرار صيغة نحوية معينة في العناصر الصوتية والتركيبية والنحوية من اجل تعزيز انسجام النص(2)، وفي هذا المقطع تتضح العلاقات الاتية:

ـ اشتراك صيغة (الكل) في السطور الثلاثة الاخيرة

ـ تكرار الفونيمات المتشابهة في صيغتي الفعلين (يعاتب ، يغالب)

ـ اشتراك الصيغتين المصدريتين (عثرته ، سكرته) في الحروف الثلاثة الاخيرة.

ان هذه الاشتراكات تمنح صيغة، (الكل يغالب عثرته، الكل يعاتب سكرته) تناغما ايقاعيا في القصيدة لكن هذا التناغم غير متماثل الامر الذي نتج عنه موسيقى خاصة بالحروف التي لاتشترك في هاتين الصيغتين، وهذه الخصوصية تمنح القصيدة ايقاعات متنوعة تؤثر في عملية التلقي، وتمنحها تنوعا ايقاعيا. لكن هذا الانسجام الايقاعي والدلالي سرعان ما يتحول في السطر الرابع الى علاقة اخرى، تنهي التراكم في السطرين (الثاني والثاث)، ولكن هذا التحول الدلالي يستند الى الصيغة ذاتها التي ابتدأ بها السطران المذكوران.

الكل... يسير الى مسلخه احمق كاليعسوب، لينتج من هذه الصيغة انسجاما ايقاعيا ودلاليا مع السطر الاول..

لاغالب في آخرة الليل ولا مغلوب

الكل يسير الى مسلخه احمق كاليعسوب

وهنا يعزز السطر الاخير من هذا المقطع الشعري السطر الاول في الدلالة ، لان كلا السطرين عبرا عن نتائج تجربة مر بها الشاعر، فالسطر الاول هونتاج تجربة من الناحية الدلالية، والسطر الاخير نتاج تجربة من حيث الدلالة ايضا، وحدث هذا التأكيد الدلالي، على الرغم من اختلاف الصيغ النحوية، بين السطرين، وهذا التوازي الترادفي حدث من اختلاف الصيغ النحوية وليس اتفاقها كما حدث في السطرين الثاني والثالث، ففي السطر الاول هناك علاقة بين مفردتي (لاغالب، ولامغلوب) اما في السطر الرابع فان العلاقة فيه تنتج من الانسجام مع السطرين الثاني والثالث (الكل يسير)، (الكل يغالب)، (الكل يعاتب)، ولكن من حيث الدلالة فان السطر الاول عبر عن خلاصة تجربة الشاعر مثلما عبر عنها السطر الرابع، ولهذا يعرف التوازي النحوي على انه الاليات التي يستعين بها الشاعر لتحقيق وظيفة دلالية، ومن ابرزها ذلك النمط من التوازي الذي يقوم فيه سطر شعري بعرض فكرة ما يعززها سطر آخر او يخالفها من اجل احداث تأثير مباشر في المتلقي(1)، وهذا النمط من التوازي درسه جاكوبسن وعالج فيه قضية الانسجام الايقاعي والدلالي التي تخدم رسالة القصيدة فذهب الى ((ان انساق التوازيات في الفن اللفظي تخبرنا بشكل مباشر عن الفكرة التي تتكون لدى المتكلم عن التماثلات النحوية))(2)، وتتضح هذه التماثلات النحوية في قصيدة سعدي يوسف في علاقات الترادف والتضاد الدلالي، الذي تنتجه التوازيات النحوية.

ففي قصيدة (محاولة استيطان)(3)، تلعب التوازيات النحوية دورا مهما في انتاج الدلالة وتعزيزها او تضادها ، اذ يقول الشاعر:

فتاة النعاس

اتت.. يقرع الشارع الحجري جناحا الحمامة

دارت قليلا، وحطت

فتاة النعاس

تحاور كرسيها، تحت اشجار مقهى

فتاة النعاس

تغادر كرسيها، تحت اشجار مقهى.

في هذا المقطع هناك تكرار للتركيب الاسمي (فتاة النعاس)، ثلاث مرات ومع كل واحد من هذه التراكيب المتماثلة، هناك بداية لسطر شعري جديد، يتناسب فيه فعلان في زمنهما ، ففي السطر الثاني



(فتاة النعاس ، اتت ..) وزمن الفعل هنا الماضي

وفي السطر الثالث هناك ، تكرار لزمن الفعل في، (دارت).

لتصبح العلاقة بين الصيغة الاسمية والفعلية (فتاة النعاس، أتت ، دارت ، حطت)

وهذا الترادف في زمن الفعل، حقق تعزيزا للدلالة المستندة إلى الانتهاء من حركة حدثت في الزمن الماضي، وهيأ لحركة جديدة ستحدث الان، اما من الناحية الايقاعية، فان صوت، (التاء) (في، دارت، واتت، حطت) حقق انسجاما صوتيا بين الافعال، اذ تتكرر (التاء) مرتين في (اتت، وينتهي بها الفعل ـ دارت مثلما ينتهي به الفعل، حطت)، وهذا الانسجام في حرف التاء في الصيغة الفعلية، انسجم مع الحرف نفسه في الصيغة الاسمية (فتاة النعاس) اذ تتكرر التاء في مفردة (فتاة) مرتين ولكن بتشكيل غير متتابع بل متناوب، ولكن الصيغة الفعلية التي يبتدىء فيها السطر الخامس تتغير الى الزمن الحاضر، من خلال الفعل المضارع (تحاور)، بعدها تتكرر صيغة (فتاة النعاس) مرة ثالثة تتبعها صيغة فعلية مضارعة (تغادر)، ويرتبط الفعلان (تحاور، تغادر)، بصيغة ظرفية متماثلة.. لتصبح العلاقة على النحو الاتي:

فتاة النعاس / تحاور / تحت اشجار المقهى

فتاة النعاس/ تغادر / تحت اشجار المقهى

صيغة اسمية / صيغة فعلية/ صيغة ظرفية



ان هذا التكرار لصيغ الخطاب يحمل في داخله ثنائية تنبني على الترادف والتضاد، فالسطر الشعري الاول ثبت وجود (فتاة النعاس)، والسطر الثاني عززه، ولكن هذا التعزيز ازاحه الفعل، (تغادر)، الذي عزز ونفى الوجود في صيغة الحاضر، لان لحظة المغادرة (نفت وجود الفتاة في المكان نفسه)، وهذه الحركية هي التي جعلت القصيدة تنطوي على الصراع الوجودي (لفتاة النعاس)، وفي الجانب الايقاعي ، حتمت الصيغة المؤنثة وجود التاء في بداية الفعل المضارع (تحاور تغادر)، مثلما حتمت وجودها في نهاية الفعل الماضي اما الصيغة الاسمية فكررت (التاء) في مفردة (فتاة)، كما تكررت التاء في الصيغة الظرفية، (تحت)، الامر الذي جعل الانسجام واضحا بين الصيغ الاسمية والفعلية والظرفية في الصوت من خلال تردد الحرف، كما عزز تكرار (فتاة النعاس)ــــ تحت اشجار المقهى، الانسجام الايقاعي المتماثل، الذي كسره الفعلان (تحاور وتغادر)، من خلال تناوب التشابه في تصويت الحروف، فالفعلان يتماثلان في صوت التاء، ويفترقان في الحرف الذي يليه، ثم يتماثلان في الحرف الثالث (الالف)، ويفترقان في الصوت الرابع، ليعودا للتماثل في الصوت الخامس. اما من الناحية الدلالية فالفعل (تحاور) اثبات للوجود مع الاخر، اما الفعل (تغادر) فانه نفي هذا الوجود. وفي هذا المقطع هناك انسجام بين ثلاثة انواع من صيغ الكلام وهي على النحو الاتي:

أـ الانسجام في الصيغة الاسمية / فتاة النعاس/ مكررة.

ب ـ الانسجام في الصيغة الفعلية / تحاور ، تغادر ، اتت، حطت، دارت.

ت ـ الانسجام في الصيغة الظرفية/ تحت اشجار مقهى /مكررة.

وهذا النمط من الانسجام ناتج عن بنية التوازي النحوي الذي يؤدي وظيفتين في آن واحد، الاولى تتعلق بالايقاع المنتظم من خلال التكرار ، والايقاع المنوع من خلال الافتراق الجزئي وليس الافتراق الكامل، اما الثانية فهي تعميق الدلالة التي يريد الشاعر من خلالها ايصال رسالة (ما)، فهذه التراكيب ، ذات طبيعة جمالية تأثيرية الى جانب طبيعتها المعنوية والعلاقية(1) كما يذهب الى ذلك الدكتور محمد مفتاح.

ولا ينحصر التوازي النحوي في قصيدة سعدي يوسف على نمط واحد او نمطين، اذ تحفل قصائده بأنماط اخرى، ففي قصيدة (الوردة المستحيلة)(2) يقول الشاعر:

مدن في دمشق

انتسبت الى بعضها

وتناسبت في بعضها

وتناسيت بعضا

في هذا المقطع هناك علاقة صوتية منسجمة في الافعال المضارعة في بداية كل سطر شعري.. فالعلاقة بين الفعل (انتسبت)، والفعل (تناسبت)، من حيث الصوت علاقة قريبة جدا، وذلك من خلال الفونيمات المكونة لصوت الفعلين، وان التباين او الافتراق بينهما يحدث في ترتيب اصوات الحروف فيهما ، اذ يتكون الفعل (انتسبت)، من الحروف نفسها المكونة للفعل (تناسبت)، ولاحظ الباحث هنا ان الفعلين يشتركان في الحروف الثلاثة الاولى مع اختلاف في الترتيب، اما في الحروف الثلاثة الثانية فتتماثل فيهما، وهذه الوحدة الصوتية التي تتفق تارة وتتغير تارة توحي بايقاع منسجم في نهاية صوت الفعل في الحروف الثلاثة الاخيرة، وباتفاق نغمي في الحروف الثلاثة الاولى خاصة ان صوت الحروف هو نفسه ولكنه يتغيرفي الموقع فقط..

وفي السطر الاخير هناك انسجام صوتي بين الفعل (تناسبت) والفعل (تناسيت)، اذ لايفترقان الا في صوت حرف الياء في (تناسيت)، وشكل الانسجام في الحروف الاخرى ظهورا ايقاعيا بين الفعلين شبه موحد، ولكن هذا الايقاع يعبر من حيث الدلالة عن افتراق كبير بين الفعلين فـ(تناسبت) لايتفق من حيث الدلالة مع الفعل (تناسيت)، فالاول يعني الاقتراب والانصهار بالاخر، والثاني يعني الابتعاد والافتراق عن الاخر، ان هذا الانزياح الذي يسببه صوت حرف واحد في الدلالة بين الفعلين يظهر تأثيره الكبير في جمالية التلقي ، فهذا النوع من التوازي يقترب من نمط الاليات التي يستعين بها الشاعر لتحقيق وظيفة دلالية من خلال علاقة ايقاعية، ابرزها ذلك النمط الذي يقوم فيه السطر الاول، مثلا، بعرض فكرة ما، ثم يكرر السطر الثاني تلك الفكرة ، او يخالفها من اجل احداث تأثير في المتلقي واقناعه بوجهة نظر الشاعر(1).

3 ـ التوازي الصرفي:

وهو التوازي المعتمد على انتظام الترادفات المعجمية في النص الشعري(2).

وتزخر قصيدة سعدي يوسف بأكثر من نمط لهذا التوازي، منها ما يعتمد على اشتقاق الصيغ من مفردة ما، كما يتضح ذلك في قصيدة، (العام الثالث عشر)(3)، المقطع الثالث التي يقول فيه الشاعر:



بعد ان متنا، عرفنا الارض

سمينا الذي لم يكن الهجس يسميه

دعونا الشجر الطالع (بيسان)

وصدر الام (بيسان)

وعنقود الخريف الشهد (بيسان)

وسمينا ضريح الطفل (بيسان)

وقلنا للرصاصات التي تصدأ في اليافنا

تبدأ بيسان

انتهى البدء

ومن كل الخلايا نهضت بيسان

من كل الدهاليز التي تكتظ بواباتها

بالزخرف الموروث

من كل المرايا

هكذا نقرأ بيسان على الصخر الذي علَّمنا

كيف نغدو الماء، او نعدو سرايا

وهي (بيسان) قرأناها طويلا

في القرى تمحى

وفي الفانوس يهتز ضئيلا

وقرأناها بعين المنشد الاعمى

قرأناها سقوفا من صفيح

وقرأناها صفوفا

وترتكز هذه القصيدة من حيث الايقاع والدلالة على مفردة، (بيسان) ، التي يتكرر ذكرها في مواضع مختلفة، سواء أكان ذلك في نهايات السطور الشعرية، أم في بداياتها، أم في منتصفها، وهذا التكرار في ايراد مفردة بيسان قرن بتوازيات صرفية لافعال واسماء وردت في القصيدة فهناك الفعل الماضي (سمى)، والمتحول الى المضارع (يسميه)، في السطر الشعري نفسه، وتكرار الصيغة (سمينا) ، في السطر السادس، لتصبح العلاقة التي احدثها الفعل (سمى) على النحو الاتي:

سمينا الذي لم يكن الهجس يسميه/ سمينا ضريح الطفل بيسان

وفي المرة الاولى لم يعلن الشاعر الاسم الذي تمت تسميته من جديد، فهناك هواجس وظنون بشأن هذا المسمى، بوصفه ذاتا ستوجد في عالم مضطرب، ولكن بعد ان اعتاد الشاعر على تسمية الاشياء المحيطة به باسم (بيسان)، من اجل ان يدفعها نحو الاستقرار الذي يريده، تجرأ واطلق تسمية (بيسان) على ضريح الطفل، وعلى هذا الاساس فان على الرصاصات التي كانت تقتل كل شيء ان تهدأ وان لا تبدأ الا من بيسان، (الطفل)، لتعيد دورتها او لتهدأ الى الابد مثل ضريح الطفل (بيسان) فان عادت فان الضريح لابد ان يتحول الى حياة جديدة ، وان يبعث الطفل من جديد، وبعد ذلك ينتقل الشاعر الى صيغة اشتقاقية اخرى في سطرين متتاليين من المقطع الشعري حيث يقول:

تبدأ بيسان

انتهى البدء

في هذين السطرين هناك علاقة اصطراعية تتصاعد حدتها في حالة عودة، (بيسان)، الى البداية الجديدة فالفعل (تبدأ) اشارة الى القرية او المدينة التي ينتمي اليها الطفل او الضريح، واختار الشاعر عودة، (بيسان)، من جديد الى (القرية) لانها ما ان تبدأ حتى يستمر العطاء فيها بدلالة السطر الذي يلي البدء، (ومن كل الخلايا نهضت بيسان).

هنا يعمد الشاعر الى اقامة صراع داخلي بين البداية والنهاية (فبيسان) تبدأ /بدأ، وهذا البدء سرعان ما ينتهي، لا بوصفه نهوضا بل بوصفه حركة اختصرها التفجر الداخلي في (بيسان) لتعاود الاستمرار بسرعة من جديد، فالنهاية ليست توقفا عند الشاعر (انتهى البدء) تمثل استمرارا قويا، ومع هذه القيمة الدلالية التي اراد الشاعر تأكيدها من خلال (تبدأ والبدء) هناك تناسب ايقاعي بين بداية السطر الشعري لـ(تبدأ بيسان) ونهاية السطر الذي يليه، فتركيب كلمة (تبدأ) لا يختلف عن تركيب (البدء) الا بحرف (التاء) ، الذي عوضه الشاعر ايقاعيا بمفرد (انتهى) ليصبح التركيب اللغوي (انتهى البدء) تعويضا عن قوله (تبدأ وتستمر). وهذا التعويض حافظ على انسجام الايقاع بين السطرين لانه لم يكرر (صيغة واحدة بعينها)، بل نوَّعها بصيغة مشتقة من صيغة الفعل (تبدأ)، ليبدو الصوت في مفردة البدء مناسبا لمعناه من حيث اختصار المدة لتلفظ المفردة، الامر الذي جعل (البدء) يوازي المدة القصيرة للاستمرار بعد نهاية (البدء). فالصوت كما يذهب جاكوبسن يجب ان يكون صدى للمعنى(1).

وفي القصيدة نفسها، في مقطعها السادس، هناك تنوع في الاشتقاق، اذ يقول الشاعر:

وبيسان الفتى الغائب، في غيبته..

أيان يأتي

اي وعد في السماوات التي تنهد بالرعد

وأنى موضع الغيبة

(بيسان) الفتى غاب

تتكرر (الغيبة) في هذا المقطع مرتين في نهايات السطرين الشعريين، الاول والرابع والغيبة الاولى مرتبطة بالفاعل (بيسان غائب)، اما الغيبة الثانية فمرتبطة بالفعل (غاب) وهي دلالة على الزمن الماضي.

ان تكرار المصدر (غيبة)، اكد دلاليا غياب بيسان ، لانه في السطر الشعري الاول (بيسان غائب في غيبته) ، ويحتمل هذا الغياب الانتهاء وعودة (بيسان) كما عبر الشاعر (ايان يأتي)، ولكن هذا الاحتمال يضعف في السطرين الرابع والخامس، ويتأكد استمرار الغيبة من خلال ربط الغيبة بفعل ماض (غاب)..

وأحدث تكرار الغيبة في هذا المقطع انسجاما ايقاعيا مع مفردتي (الغائب) الفاعل والفعل (غاب)، وذلك من خلال التشابه الصوتي في المفردتين اللتين تنتميان للحقل الدلالي نفسه.

وفي قصيدة (اليقظة)(2)، هناك نمط اخر من التوازي الصرفي، يعتمد على الحقول الدلالية التي تنتمي اليها مفردات القصيدة، اذ يقول الشاعر فيها:

لن تعودَ الحمامة

لن يخطىء الديك موعدهُ

والمؤذن ـ حتى وان قمت ليللك ـ لن يذكركْ

فلتنم يا صديقي

ولتدع للتي قاسمتك سريرك

ما نسيت في السريرة

مرآتها

مشطها

والسوار الذي فضضتهُ نصارى الكرك..

في هذا المقطع هناك مفردات تنتمي الى حقول دلالية خاصة، وذلك من خلال الصفات المشتركة التي تجمع المفردات، وهي على النحو الاتي: (الحمامة، الديك)، (مرآتها ، مشطها ، السوار)، وفي الحقل الاول جمعت صفة الطير بين (الحمامة، والديك)، في حين جمعت الادوات الشخصية للمرأة الحقل الدلالي الثاني، وهناك حقل ايقاعي اخر تمحور في تجانس الصوت وهو (سريرك، السريرة)، واشتغلت هذه الحقول الثلاثة في القصيدة من خلال ما يأتي:

أـ في السطرين الشعريين الاول والثاني، استخدم الشاعر ادوات النصب مع الافعال المضارعة

لن تعود الحمامة/

لن يخطىء الديك:

واستخدمت (لن) في هذين السطرين مع الطيور، اما (اللام) فاستخدمت مع الاخر (الرجل، والمرأة)

فلتنم يا صديقي

ولتدع للتي قاسمتك السرير

ب ـ استخدام التجانس بين (السرير، والسريرة)، اظهر علاقة ايقاعية ودلالية منفختة على العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة، وهذا النوع من الاستخدام ساعد على تقوية ايقاع الفكرة، ودعم الدلالة التي يعبر عنها النص(1)، فهناك ثنائية في تركيب العلاقة بين الرجل والمرأة ـ (الرجُلْ في هذا المقطع يبدو متمردا على واجباته الدينية) بقول الشاعر:

(المؤذن ـ حتى وان قمت ليلك ـ لن يذكرك)، اما المرأة فانها لن تقوم ليلها اصلا، بعد ان قاسمت الرجل السرير، لذلك كان على الرجل ان ينسى المؤذن ويتذكر اشياءها التي (فضضتها نصارى الكرك)..

ان هذه الثنائية في العلاقة اعتمدت على تكرار (لن) المرتبطة (بالحمامة) الانثى، (والديك) الذكر، وكان استخدام اداة النصب (لن) ممهدا للتمرد عند الرجل، (لن يذكرك)، لذلك لم يعد تركيب الجملة المبتدىء بـ(لن) الى الظهور ثانية، وهذا الانقطاع حمل دلالة التجاوز في هذا المقطع:

فلتنم ياصديقي

ولتدع للتي قاسمتك السرير،

في هذين السطرين الشعريين، هناك (زوج من الافعال)، مشابهة (لزوج الافعال) في السطرين الاول والثاني، وهذان الزوجان ينقطعان ولكن بطريقة توحي باتصال احدهما بالاخر، فالزوج الاول يرتبط بالزوج الثاني بصيغة (لن)، في نهاية السطر الثالث (لن يذكرك)، اما الزوج الثاني فيرتبط بالتجانس بين (سريرك والسريرة)، وهناك علاقة اخرى بين (مرآتها ، مشطها) ثم ينقطع هذا التناسب الايقاعي في السوار، على الرغم من انه ضمن الحقل الدلالي نفسه، ويذهب (دي سوسير) بشأن هذا التناسب والانقطاع الى القول: ((انه من المسلم به مسبقا انه يمكن استئناف زوج ما في البيت الشعري ، او في حيز عدد من الابيات والاكثر من هذا انه يمكن في ظل هذه الشروط ان تعارض الوحدات المؤتلفة بتلك التي لاتنتظم بالفعل في أي زوج والتي بفعل توحدها تشير بفضل تميزها عن كتلة الازواج))(1). وفي هذا المقطع ينقطع تناظر الازواج في موقعين: الاول

والمؤذن ـ حتى وان قمت ليلك ـ لن يذكرك

اما الانقطاع الثاني

والسوار الذي فضضته نصارى الكرك

وفي هذين السطرين اللذين يقطعان استمرارية الازواج المتناظرة هناك انسجام ايقاعي ودلالي يزيد من وضوح الثنائية في العلاقة بين (الانا والاخر)، فايقاعيا هناك قافية قوية بين (الكرك، يذكرك)، يرتكز على ثلاثة حروف، (أما) في الدلالة، فالعلاقة بين الرجل والمرأة تتضح اكثر في ثنائيتها من خلال (المؤذن،نصارى)، ان هذا التركيب المنسجم في ايقاعه ودلالته من خلال الاوزاج في القصيدة، لم يحقق طاقة ايقاعية صوتية حسب، بل رسخ الدلالة في ذهن المتلقي من خلال تكرار انموذج العلاقة بين (الرجل، المرأة)، ويذهب الدكتور محمد مفتاح في هذا الصدد الى القول: انه ينبغي صياغة الشعر في تراكيب لتكتشف اسراره(1).



المبحث الثالث

التنغيم

تمهيد

وهو ما يطلق عليه جان كوهين (قطب الانشاد التعبيري)(1)، وعلى وفق هذا الرأي فان التنغيم يرتبط ارتباطا عضويا بالانشاد، وقضية الانشاد عرفها النقد العربي القديم واولاها اهمية شأنها شأن البنى الايقاعية الاخرى في القصيدة، ولاسيما انها تتصل بالدلالة التي يريد الشاعر ايصالها من خلال الشعر، وكيفية استقبال النص من قبل المتلقي، وفي هذا الصدد ذهب ابن رشيق الى انه ((ليس بين العرب اختلاف اذا ارادوا الترنم ومد الصوت في الغناء والحداء في اتباع القافية المطلقة، مثلها من حروف المد واللين في حال الرفع والنصب والخفض كانت مما ينَّون او مما لا ينَّون، فاذا لم يقصدوا ذلك اختلفوا، فمنهم من يصنع في حال الغناء والترنم ليفصل بين الشعر والكلام المنثور، وهم اهل الحجاز ومنهم من ينَّون ما ينَّون وما لا ينون اذا وصل الانشاد اتي بنون خفيفة مكان الوصل فجعل ذلك فصلا بين كل بيتين))(2).

وفي ضوء هذا الطرح فان الانشاد عنصر تأكيد لعنصر الايقاع لانه يمنح الشاعر حرية اكبر في التصرف بمفردات القصيدة مثلما يمنحه حرية في التعبير عن مشاعره ليتمكن من الوصول الى التماثل بين رسالة النص وطريقة توصيلها انشادا ، وقد تنبه النقد الحديث الى هذه الحقيقة فرآى جان كوهين ان، ((النظم يحاول ان يقترب من قطب المشابهة))(3)، وذلك من خلال وصول الانشاد الى مطابقة او مشابهة الرسالة او المعنى وهذه المشابهة ترتبط جدليا بالتنغيم وسبق للنقد العربي ان نظر الى هذه المشابهة من خلال انشاد القافية التي تعد عنصرا ايقاعيا مهما في تنغيم القصيدة لذلك ذهب ابن رشيق الى القول: ((ومنهم من يجري القوافي مجراها ولو لم تكن قوافي فيقف على المرفوع والمكسور موقفين ويعوض المنصوب الفا على كل حال، وهم ناس كثير من قيس واسد فينشدون:

لايبعد الله جيرانا لنا ظعنوا لم ادربعد غداة البين ما صنع

يريد (ماصنعوا)، وكذلك ينشدون:

ففاضت دموع العين منّي صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي

فاذا وصلوا جعلوه كالكلام ، وتركوا المدة لعلمهم انها في اصل البناء))(1).

وفي قصيدة التفعيلة سمحت التشكيلة المكانية المتغيرة للقصيدة باستخدام ادوات تنغيمية اكثر كثافة من القصيدة التقليدية للتعبير عن رسالتها، فاستخدمت ادوات الوقف والترقيم والعلامات الاخرى التي تتعلق بالاستفهام والتعجب والسؤال والجواب، وهذه العلامات هي البنية الاساسية في التنغيم، فضلا على طريقة استخدام تفعيلات الوزن الشعري في انشاد الشعر.



التنغيم في قصيدة سعدي يوسف :

استخدم سعدي يوسف علامات الترقيم والعلامات الاخرى المتعلقة بالاستفهام والتعجب ليعطي للقصيدة تنغيما خاصا يعبر عن رسالتها في حالتي الانشاد والتلقي، كما في قصيدة (عبور الوادي الكبير)(1) التي يقول فيها:

دورة شاي . وفي شفتي من احب: الشقائق

والرجفه المستسرة.. كن يا جناح الليالي

الطويلة نجمي .. لقد ضيع القطب

نجم الهداة.. ولكن اهلي البعيدين ما برحوا

بانتظاري...

· الى اين تذهب يا فارس الليل!

· اهلي بعيدون سيدتي

· اني بانتظارك منذ ليال ثلاث... علمت بانك ات..

اتنزل ؟

· سيدتي .. حين انزل اقتل

· تقتل في منزلي؟

· آه سيدتي ... انني متعب .. غير اني..

وداعا

وداعا

ونجد في هذا المقطع كثافة نغمية خاصة، اذ استخدم الشاعر معظم علامات الترقيموالعلامات الاخرى، (النقطة، النقطتان، النقاط الثلاث، علامة التفسير، علامة التعجب، علامة الاستفهام، النجمة)، وقد منحت هذه العلامات القصيدة تعبيرا انشاديا خاصا، اقترن مع الايقاع مكونا وحدة موسيقية جمالية وهذه الوحدة الايقاعية بحثها عدد من النقاد وخاصة في علاقتها بالتشكيل البصري للقصيدة)، فذهب جوليوس برونتري الى ان النغم والقالب (أي التشكيل الخارجي للقصيدة، وسيلتان للاتصال، وانموذج ينبغي له ان يتغير وفقا لحاجات التعبير(2)، وعلى وفق هذا الرأي فان التنغيم بنية ايقاعية وبصرية في ان واحد ترتبط بالمتلقي، والايقاع فيه، يعد محاولة لتمثل الكثافة الوجدانية واستلهام مشاعر المتلقي([1]) في حين يمثل التشكيل البصري مجالات الترابط والانتظام لكل كلمة في النص(2) بحيث تتيح للمنشد والمتلقي الاحساس بايقاع القصيدة ورسالتها وعلى النحو الاتي:



/ دورة شاي / توقف قصير

/ وفي شفتي من احب:/ ، وعلامة التفسير هنا لها وظيفتان ، التوقف وطلب الاجابة، وهاتان الوظيفتان تفرضان نمطا قرائيا خاصا لهذا المقطع يعبر عن الاثنين معا.

فيأتي الجواب، / الشقائق/ وينتهي السطر الشعري، لكن الشقائق ليست وحدها التي يحب الشاعر ان تكون في شفتيه ، فهناك الرجفة المستسرة، وهذه، (الرجفة) لم تكمل السطر الشعري بل جاءت في بداية السطر الذي يلي (الشقائق) مسبوقة بحرف العطف (و) وهذا التقديم والتأخير في المفردتين وموقعهما في السطر الشعري اوحى باهمية قرائية خاصة (للشقائق)، على حساب، (الرجفة المستسرة) بسبب وجودها في بداية الاجابة، فضلا على انتهاء السطر الشعري بها. ثم يعقب ذلك توقف قصير بنقطتين(..).

/كن ياجناح الليالي/ ، وينتهي السطر الشعري ، ولكن (الليالي) لها صفة ملازمة هي، (الطويلة)، وقد احال الشاعر هذه الصفة الى بداية السطر التالي ، وهذا التأخير في ايراد الصفة الى السطر التالي، ربط السطرين ايقاعيا ودلاليا، اذ اعطى لصفة الليل التي اراد الشاعر حضورها في اجواء القصيدة تفاصيل اخرى، مثل (النجم)، وهذه العلاقة الموضوعية بين النجم والمساء عبر عنها السطر الشعري، الثاني من خلال عدم وجود اية علامة تجعل الشاعر او القارىء يتوقف عندها، لكن هذه العلاقة الموضوعية علاقة مثالية من خلال اختصار الليل كله بالنجم، وكانت دلالة اختصار الشاعر لصفة الليل المثالية نابعة من حالة معاكسة وردت في السطر الشعري الثالث (لقد ضيع القطب نجم الهداة)، وهذا المقطع الشعري (موجود) في سطرين متتاليين، وهو مسبوق بتوقف قصير ومتبوع بالتوقف نفسه في القصيدة،الامرالذي جعل انشاد هذا المقطع متوازنا مع السطر الذي يسبقه والسطر الذي يليه، ولهذا التوقف دلالته في رسالة القصيدة لانه ينم عن اعتراض على ضياع نجم الشاعر الذي يريد الاحساس بوجوده، وتذهب خيرة خمر العين في هذا الصدد الى القول: ((ان الاحساس بالشيء وادراكه في صورته المثالية ناشىء عن سياق الخبرات الذوقية، ودمج التصور الذهني بالفعلي في صورة المدرك للخبرة الجمالية)([2]) وعلى وفق هذا الرأي فان اعطاء الليل اجنحة واختصاره بالنجم صورة اراد لها الشاعر ان تكون ذات قيمة جمالية خاصة للوجود الموضوعي (لليل) الذي يعد مرتكز السطور الشعرية الثلاثة.

بعد هذه الصورة هناك وقفة قصيرة عبر عنها الشاعر (بنقطتين)، واتاحت هذه الوقفة انتقال الشاعر الى موضوع اخر في القصيدة يختلف عن موضوع الليل، وهذا التوقف فرض على انشاد الشعر تنغيما مختلفا عن التنغيم الذي كان موجودا في السطور الشعرية السابقة، اذ تحدث الشاعر هذه المرة عن بعده عن الاهل..

.. ولكن اهلي البعيدين ما برحوا

بانتظاري

في هذين السطرين هناك وقفة قصيرة جديدة تسبق لفظة، (بانتظاري) وهذه الوقفة عمقت دلالة الانتظار ، واحساس الشاعر بآلامه، ولو كانت مفردة (بانتظاري) في السطر الشعري نفسه لما احدثت هذا التاثير الخاص الذي اعقب التوقف القصير، لان انشادها سيكون ضمن استمرارية السطر الشعري نفسه.

وفي المقطع الذي يلي السطرين الشعريين السابقين استخدام الشاعر، الدائرة الصغيرة، للدلالة على انتقالة جديدة في اجواء القصيدة، ومحاولة احداث تنغيم جديد فيها يتواءم مع دلالة السطور الشعرية، اذ تبدأ مع الدوائر الصغيرة صيغة الحوار،

* الى اين تذهب يا فارس الليل!

وهذه الصيغة مبنية في تركيبها على الاستفهام من الاخر، ولم ينته السطر الشعري على الرغم من صيغة السؤال (بعلامة الاستفهام) بل انتهى (بعلامة التعجب)، وهذا الانتهاء فرض تنغيما خاصا للسطر الشعري لايشبه من حيث الانشاد (الاستفهام) المحض، بل ينبغي ان يدخل في صيغته ما يشير الى (التعجب والاستفهام معا) لكي توضح صيغة الانشاد الاسباب الدافعة لمثل هذا السؤال ، والاجابة هنا كانت مبتدئة بالدائرة الصغيرة نفسها، ليشير من خلالها الشاعر الى استمرار اجواء الحوار في القصيدة.

* اهلي بعيدون سيدتي، وهي اجابة تنم عن رفض الشاعر التوقف او الانتظار.

ويستمر الحوار وصولا الى استخدام الاستفهام بصيغة التعجب

* تقتل في منزلي؟

وهذا الابدال في العلامات اعطى للقصيدة اجواء تنغيمية خاصة، فحين يكون السؤال محضا ينتهي بالتعجب، وحين يكون السطر الشعري دالا على التعجب ينتهي بعلامة السؤال، وكل ذلك من اجل ان يتواءم تنغيم القصيدة مع رسالتها. وعلى وفق العلاقات الاتية:

/كن يا جناح الليالي/ وهنا ينتهي السطر الشعري من دون علامة معينة يعقبه السطر الشعري

/ الطويلة نجمي../ توقف قصير (نقطتان)، يعقبه انتقال الى موضوع اخر، ولكنه مرتبط داخليا بالمقطع الذي سبقه

/لقد ضيع القطب/ وينتهي السطر الشعري، لتبدو النهاية في هذا السطر بحثا عن الذي ضيعه (القطب)، فيأتي الجواب في بداية السطر اللاحق

/نجم الهداة/.. توقف قصير (نقطتان)، وبعد هذا التوقف هناك استدراك..

/ولكن اهلي البعيدين ما برحوا/، ينتهي السطر الشعري بحثا عن حالة (مابرحوا)، فيأتي السطر اللاحق ليدلي القارىء على ضالته، /بانتظاري/ ثلاث نقاط، توقف طويل نسبيا.

(*) نجمة، انتقال الى موضوع جديد بصيغة السؤال /الى اين تذهب يا فارس الليل/! علامة تعجب، على الرغم من ان السطر الشعري جاء بصيغة الاستفهام ، ولكن الشاعر وضع علامة التعجب، الامر الذي فرض قراءة خاصة تعبر عن صيغتي الاستفهام والتعجب في وقت واحد، وبتنغيم يدل على الأنكار.

(*) نجمة، وصوت اخر، يدلل على (الجواب)

/اهلي بعيدون سيدتي/... توقف طويل نسبيا (ثلاث نقاط)

صوت اخر/ انني بانتظارك منذ ليال ثلاث/... ثلاث نقاط (توقف طويل نسبيا)، /علمت بانك آت / نقطتان توقف قصير ينتهي السطر الشعري ، ولكن هذا السطر الشعري شرح حال الاخر، ولم يشر الى ما يريد ، فيأتي الطلب في السطر اللاحق بكلمة واحدة بصيغة الاستفهام.

/اتنزل/؟

/ سيدتي/... توقف طويل نسبيا يشير الى تردد في الاستجابة / حين انزل اقتل/.

* تحول في الصوت، يأتي الجواب فيه على صيغة استفهام انكاري / تقتل في منزلي/؟

* تحول في الصوت / اه سيدتي/... توقف طويل نسبيا /انني متعب/ توقف قصير../

/غير انني/ .. توقف قصير

وداعا

وداعا



ان تحول الاصوات في هذا المقطع الشعري، من (الانا) الى (الاخر)، فرض على القصيدة تنغيما خاصا، فقراءة السؤال لا تشبه قراءة الجواب، والتوقف القصير لايوحي بدلالته مثل التوقف الطويل ، والتعجب لا يشبه السياق الاعتيادي، وطلب التفسير ، لا يشبه الاسترسال العادي في الخطاب الشعري.

ان التنغيم يضفي على القصيدة جمالية صوتية خاصة من التناغم والجرس، وهذه الجمالية في الانشاد ليست غريبة عن روح الشاعر([3]) لذلك نراه يستخدمها بكثافة في القصائد ذات الاجواء الحوارية، وذلك لتقوية ايقاعها الموسيقي الذي يضعفه الحوار، ففي التنغيم هناك صعود للصوت في جملة الاستفهام، وهناك انحدار في جملة النفي، وفي الحالتين (صعود الصوت وهبوطه) لابد من وجود وقفة لكي يتم الانتقال بشكل سلس بين اجواء القصيدة(2) ويذهب لوتمان في تفسيره للوقفة بقوله: ((ان الوقفة في الاصل هي حبس ضروري للصوت حتى يسترجع المتكلم نفسه))(3).

لقد اعطى هذا التحليل قيمة ايقاعية للوقفة،مثلما اعطى القيمة نفسها للاستفهام والنفي والعلامات الاخرى، وهذه القيمة الايقاعية ترتبط بالقيمة الدلالية او برسالة النص لان الشاعر في هذه القصيدة استخدم الوسائل المتيسرة من اجل تعزيز رسالة القصيدة بقيمة جمالية ودلالية عبر الوقفات والارتباطات بين السطور الشعرية، وهذه الوقفات والارتباطات تعزز من تشاكل الخطاب الداخلي في الموسيقى والمعنى على الرغم من تعارضها مع الوزن. ويذهب الباحث عبدالملك مرتاض في هذا الصدد الى القول: ((ان الشعر بنية قائمة على ملاحظة اللغة الفنية المستخدمة في النص والحركة التي تتحكم في هذه اللغة فتفضي بها نحو غايتها، ثم على نظام العلاقة الحميمية التي تربط هذه الشبكة من المظاهر الخارجية والداخلية معا في النص، ثم على الرؤية الفنية التي يطرحها هذا النص الشعري))([4]).

وفي هذه القصيدة عارض التنغيم الوزن، فالقصيدة من بحر المتقارب اذ تسبق هذا المقطع الشعري كلمة (المحبين)، ولو تم قراءة المقطع على وفق تفعيلات الوزن، لما اتضحت دلالة القصيدة بالطريقة التي اعتمدت التنغيم، لان التوقف في السطر الاول لايحدث في مفردة (احب) فهي مرتبطة وزنيا (بالالف واللام) في مفردة الشقائق، وفي السطر الثاني فان (الليالي) تعد تكملة لتفعيلة (فعولن) وتستلزم التوقف في حين ترتبط الليالي بمفردة (الطويلة) بشكل كامل وتستدعي التوقف القصير جدا او الاستمرار.

ويتضح التعارض بين الوزن والانشاد في صيغة السؤال (الى اين تذهب يا فارس الليل!) وينتهي هذا المقطع بـ(فـ) الحرف الاول من تفعيلة، (فعولن)، ويرتبط بـ(اهلي) لتكتمل صيغة، (فعولن)، أي ان التفعيلة منقسمة بين السؤال والجواب، واذ اراد الشاعر اكمال التفعيلة في الانشاد فعليه ان يربط السؤال والجواب معا بقراءة مستمرة ، لكن مضمون القصيدة يفرض عليه التوقف للتعبير عن اجوائها وعلاقاتها الداخلية، الامر الذي يفرض تجزئة التفعيلة في لحظات التوقف التي يستلزمها (التنغيم).

ويتضح هذا التعارض في قصيدة اخرى لسعدي يوسف من خلال نمط اخر غير النمط الحواري والعلاماتي، اذ يبدو الوزن معارضا للانشاد، كما في قصيدة (السيارة)(2) اذ يقول الشاعر:

كنت تعالج سيارة موسكو فيتش قديمة

وتدور بها في طرقات الناس

هل تصل السيارة؟

لم يخطئك الاحساس

يوما...

لكن السيارة ظلت موسكوفيتش قديمة

فمضيت وحيدا في طرقات الناس

وقتلت وحيدا

وفي هذه القصيدة يلعب الوزن دورا معارضا للانشاد، فكلمة (موسكوفيتش)، لا ترتبط ايقاعيا مع قديمة، الامر الذي يجعل المتلقي يتوقف عند نهاية مفردة، (موسكوفيتش).

وهذا التوقف يحول ايقاع القصيدة الى وزن آخر أي من وزن (الخبب الى المتقارب)، في مفردة (قديمة)، الامر الذي يجعل تنغيم القصيدة مرتكزا لاصلاح الاضطراب الوزني من خلال استمرار القراءة التي تجعل وجود مفردة، (موسكوفيتش) طبيعية في سياق النص، خاصة ان الشاعر لم ينه السطر الشعري بمفردة (موسكو فيتش) بل ربطها بمفردة (قديمة) مع سكون التاء.

وفي موضع آخر يصلح تنغيم القصيدة مشكلة الوزن، حين يقول الشاعر (لم يخطئك الاحساس) ، والسكون في نهاية السطر علامة التوقف، ولكن مفردة (الاحساس) مرتبطة بالمفردة التي تليها عضويا ودلاليا (يوما) وعملية التوقف لضرورات الوزن تجعل القصيدة مفككة من حيث الايقاع، الامر الذي حمَّل الانشاد مسؤولية اصلاح هذا التفكك في القصيدة، فيعمد المتلقي او المنشد الى تحريك مفردة (الاحساس) لربطها بالمفردة التي تليها ، وعملية التحريك عملية معارضة للوزن، وفي حالة التوقف فان خللا بائنا سيحدث في الدلالة تبدو من خلالها القصيدة وكانها غير مترابطة الاجزاء او فاقدة لوحدتها العضوية.

وفي هذه القصيدة لم يستخدم الشاعر الا توقفا طويلا نسبيا، (النقاط الافقية الثلاث) مع مفردة (يوما)، وهذا التوقف الطويل نسبيا يمتلك دلالة تختلف عن التوقفات الاخرى، فلكل توقف وظيفته في القصيدة، وهذا ما حدث في هذه القصيدة، اذ ان الاجواء التي سادت قبل علامات التوقف كانت اجواء شك وعدم استقرار وذلك من خلال السؤال الذي طرحه الشاعر (هل تصل السيارة؟)، اما اجواء القصيدة بعد هذه الوقفة فتشير الى الاستقرار، فالتعب الذي احدثته (السيارة) انتهى بمقتل الاخر، بعد صراع معها من اجل ان تستمر بالحركة.

واستخدم سعدي يوسف الارقام، لاحداث انعطاف في التنغيم الذي تحدثه العلاقات الايقاعية والصوتية في القصيدة، ويتضح ذلك في قصيدة (المسافر)(1)، التي يقول فيها:

معي كان في 5/6

لقد كنت اشرب صوته

وانباءه واغترابي وصمته

وفرض السطر الاول من هذا المقاطع وقفة في نهاية السطر الاول، لان الرقم (5/6) امتاز بطابع انشادي مختلف عن انشاد المفردات الاخرى في القصيدة وذلك من خلال الطابع المجرد للرقم وطريقة تركيبه الذاتية، وهذا التغيير في الانشاد في الانتقال من المفردات ذات الطابع اللغوي، الى المجردات ذات الطابع الرياضي اسهم بتغيير التنغيم الذي احدثه المقطع الشعري(2)، خاصة اذا كان استخدام الارقام في القصيدة مستندا في طريقة الانشاد الى الاستخدام العامي، ويذهب الناقد محمد مبارك، معلقا على طريقة استخدام الشاعر سعدي يوسف للارقام قائلا: (( ان استخدام الارقام والتواريخ بالنبر العامي الشائع كما في (كان معي في 5/6 او الساعة 3 مثلا)، محاولة من الشاعر لتقديم نموذجه بما يجمعه بالسواد من الناس نمطا سلوكيا ومشاعر وافكار ومواقف))(3).

ويعد التنغيم الذي يفرضه الانشاد العامي للرقم عنصر الايقاع الشارك للمتلقي في هذا المقطع، لانه انحرف بالانشاد من نمط يلتزم بعناصر الوزن الخارجية والعلاقات المنتجة عن هذه العناصر في التعارض والتماثل، الى نمط اخر لا يلتزم بالقوانين الصارمة لعلاقة المفردات داخل السطر الشعري، وهذا الانحراف يعد واحدا من اساليب التنغيم المتغيرة في قصيدة سعدي يوسف.

وفي قصائد اخر يستخدم الشاعر سعدي يوسف بنية الفراغ (العمودية)، لتنظيم البنية الوزنية المعتمدة على التفعيلة، كما في قصيدة (القصيدة الثامنة)(1) التي يقول فيها:

لو كانت سماؤك غير هذي

لاغتذت من شمسها عيناي

وانتفضت مع النعمى يداي

كانني أنا ؛

. . . . . .

. . . . . .

. . . . . .

لا سبيل

فهل سيمسي السلسبيل

المنبع الليلي (اعني المشرب السفلي) ايضا؟

وفي هذه القصيدة، هناك اكثر من علامة تنغيم ، وهذه العلامات عملت على مواءمة العنصر الايقاعي مع العنصر الدلالي، فالقصيدة من البحر الكامل (متفاعلن أو مستفعلن) وفي السطر الشعري (كأنني أنا) ، هناك بنيتان للتوقف، الاولى (الفارزة المنقوطة)، والثانية (بنية الفراع العمودية)، والبنيتان تدعوان الى التوقف في الانشاد(2)، كما يذهب الى ذلك لوتمان، وللتوقف في هذه القصيدة ضرورته فلو كانت قراءة السطر على وفق القراءة الاعتيادية لظهر كسر عروضي في مفردة (انا) ، لان الوزن بعدها سيضطرب (أنا لا سبيل)، وقراءة هاتين المفردتين الموجودتين بعد الفراغ وقبلة، بهذه الطريقة سينجم عنه كسرا عروضيا في تفعيلة متفاعلن، الامر الذي يفرض قراءة اخرى، تجعل بنية الوزن منتظمة في المقاطع التي تلي بنية الفراغ، وهذه القراءة تفرض جعل (الالف) حركة هي، (الفتحة) (3) فتقرأ على النحو الاتي (أنَ)، وليس (انا) ليستمر الوزن صحيحا في القصيدة لان مفردة، (أنَ) تجعل الوزن بعد الارتباط بـ(لا سبيل) يستمر في انتظام التفعيلة (متفاعلن)، ويرى الباحث ان هذا التأكيد على التوقف بعلامتين او بنيتيين كان مقصودا من الشعر للتنبيه على طريقة قراءة مفردة ، (أنا).

وهناك في هذه القصيدة بنية تاكيد اخرى، وهي المفردات الموجودة داخل الاقواس واستخدم الشاعر الاقواس (للتوضيح) ايضا، فالمعنى الذي يسبق القوس، يكرر نفسه في المعنى داخل القوس، ولكن بطريقة اخرى، وهذا التاكيد يفرض نمطا انشاديا خاصا على الجملتين (المنبع الليلي)، (اعني المشرب السفلي)، وادخال مفردة (اعني) داخل القوس هي التي جعلت للانشاد الخاص بالجملة التي بعدها قيمة اخرى، لان الشاعر في هذه المفردة يواجه المتلقي بشكل مباشر، ويحاول ايصال رسالة السطر الشعري اليه بوسائل مختلفة بما فيها توضح العبارات الشعرية، لهذا اقام بنية تواز بين العبارتين،

المنبع الليلي / المشرب السفلي.

واذا كانت الدلالة متقاربة في العبارتين، فان الانشاد هو الذي قام بتوضيح وظيفة كل منهما من خلال تنغيم كل واحدة بطريقة خاصة تناسب الدلالة.



الفصل الثالث



البنية المضمرة



تمهيد

وهي البنية الحاملة للرسالة او (المعنى) الذي يريد الشاعر ايصاله الى المتلقي، وهي المسؤولة عن انتاج الصورة الشعرية، وذلك من خلال علاقات الانساق والمفردات في النص، ولهذا فان هذه البنية تمتاز بشموليتها، (أي ارتكازها على البنى الاخرى في انتاج المعنى والصورة معاً) لذلك فان عناصر هذه البنية تمتاز بقدرتها على بعث الدينامية في العناصر المؤثرة في انتاج النص، (الواقع الموضوعي، والاحاسيس والمشاعر كما يذهب الى ذلك كوهين) (1)، كما تمتاز بتكثيفها للغة لتعطي للنص طابعه الشعري(2)، وعملية تحول النص الى الشعرية تستلزم وجود اسرار خاصة في نظام لغته المكون، التي تفرقه عن النص النثري(3)، وتعود اسرار النص الشعري الى انعطاف اللغة عن معناها الظاهر الى معنى آخر ينتهك السياقات المألوفة(4)، الامر الذي يجعل المعنى في الشعر يكتسي بطبقات اخرى غير اللغة، (صوتية وبصرية وموسيقية)، تحجب ظهوره المباشر للمتلقي، وكان النقد العربي القديم قد درس هذه الظاهرة في الشعر من خلال مفهوم (معنى المعنى)، الذي طرحه عبدالقاهر الجرجاني والذي اشار فيه الى ان ((المعنى: المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل اليه بغير واسطة، ومعنى المعنى: ان نعقل من اللفظ معنى ، ثم يفضي بك ذلك المعنى الى معنى اخر))(5).

ولاينتج المعنى الاخر او (معنى المعنى)، الا من خلال العلاقات التي تنظم المفردات في السياق الشعري، وهذا التنظيم شكلي في جانبه البصري والايقاعي ، وباطني في قدرته على انتاج الصورة الشعرية(6).

وعلى وفق هذه الرؤية ، فان الصورة الشعرية هي نتاج العلاقات الداخلية في النص الشعري، وهذه العلاقات لا تكتشف الا بالتلقي، أي بوجود الطرف الثاني في انتاج النص وهو المتلقي، لان النص الشعري لايبوح بأسراره دفعة واحدة وانما بشكل تدريجي(1)، معتمد على الحساسية الجمالية في التفاعل بين طرفي الابداع، (النص، المتلقي).

ان هذه الطروحات بشأن البنية العميقة للنص، تشير الى اهمية العلاقات المنظمة للكلمات والانساق في تكوين المعنى وفي انتاج الصورة الشعرية، ولتسليط الضوء على عناصر هذه البنية لاحظ الباحث، وجود ثلاثة انماط من العلاقات فيها، وهي على النحو الاتي:



1ـ البناء التوافقي

2ـ البناء التعارضي

3ـ البناء التوالدي



المبحث الأول

البناء التوافقي



وفي هذا النوع من البناء، تتوافق الصورة الكلية للقصيدة مع منعكسات الواقع الموضوعي وموقف الذات الشاعرة من الموضوع، ولكن من دون ان تتطابق وتحيل اللغة إلى سياقاتها المألوفة، لان التطابق يفقد البناء شعريته، أو كما يذهب كوهين الى، ان الشعرية لاتتحقق في السياقات التقليدية للغة(1)، وعلى وفق تصور كوهين فان البناء التوافقي لا يستنسخ الواقع بل يقيم معه حوارا او صراعا على مستويات مختلفة، على النحو الأتي:

1ـ جدلية العلاقة بين المحسوسات المادية المتوافقة:

وفي هذا البناء هناك اقتران بين المحسوس الذاتي والمحسوس الاخر، سواء أكان ذلك على الصعيد الزمني المكاني او التشبيهي، ويحدث ذلك من خلال التلاؤم الذي يقيمه الشاعر بين عناصر البناء المعتمدة على علاقة الذات مع الاخر، وهي علاقة تسبب الانفعالات والاحساسات المنتجة للقصيدة، لان الانفعالات التي تعكسها الحواس في هذا البناء قد تتوافق من حيث وقعها النفسي مع الذات على الرغم من اختلاف المستقبلات لها، اذ يمكن أن يترك الصوت اثرا شبيها بذلك الذي يتركه اللون او تخلقه الرائحة ومن ثم يصبح طبيعيا ان تتبادل المحسوسات التأثير فتوصف معطيات حاسة بأوصاف حاسة اخرى(2)، وقد افاد سعدي يوسف من هذه الخصائص في المحسوسات، فأقام علاقة بين الذات الشاعرة والاخر ، على اساس الوجود المحسوس في عنصري العلاقة، (الذات والاخر)، كما في قصيدة (بار الانتيل) (3) التي يقول فيها:

كيف لم ادخل البهو

قد كنت ، منذ حللت المدينة هذي، ادور به

وامر به ، دون قصد

كاني في غفلتي لا اراه . . .

ولكن نمنمة خلف عنقي تهاجسني انه قد يراني

أكان يراني في رحلة اليوم

ما بين اسواق بلفيل والمطعم المغربي؟

شهورا امر به

لا اميل بوجهي اليه، ولا اتجاهله

كنت من طرف العين اشتاقه

ربما، كصديق قديم يداري ارتباك يدي

فيصفح لو لم اصافحه..

كنا غريبين في طرقات المدينة

كان لنا، انا والبهو

ان نتعارف

او نلتقي مثلما يفعل الغرباء ولو لحظة

غير انا ظللنا بعيدين

وفي هذا المقطع من القصيدة هناك علاقة بين (الشاعر، والبهو)، والاثنان وجود مادي محسوس ، لكن الاول انسان بكل مشاعره واحاسيسه، والاخر (حجر)، (اي وجود جامد)، ولكي يقيم الشاعر علاقة توافقية مع البهو أنسنه لتصبح اللغة المشتركة بينهما ممكنة ، وتزخر القصيدة بهذه العلاقات وهي على النحو الاتي:

1ـ حاسة البصر ــــ أكان يراني في رحلة اليوم

2ـ المشاعر الانسانية ــــ ربما كصديق قديم يداري ارتباك يدي

3ـ الحركة ــــــ غير انا ظللنا بعيدين

4ـ عدم الانسجام مع الواقع ـــــــــ كنا غريبين في طرقات المدينة..

ويصف الدكتور نعيم اليافي نمط هذه العلاقات بالقول انها ((تقوم على مبدأ الاقتران او الترابط عن طريق التداعي بأنواعه الثلاثة المكاني والزماني والتشابهي))(1).

ان هذا التوافق حققته الذات الشاعرة في القصيدة لكي تسبغ على محاكاة البهو طابعا مقبولا يؤدي بها الى الافصاح عما يجول في خاطرها، وهنا اصبح البهو معادلا موضوعيا للذات، فغربة البهو هي في حقيقتها، (الغربة) التي يعيشها الشاعر نفسه، و(البعد) عن المدينة هو بعد الشاعر نفسه و (رؤية) الاخر هي رؤية الشاعر نفسه، وكل (المشاعر والاحاسيس) التي يمتلىء بها البهو هي مشاعر واحاسيس الشاعر نفسه.

ولاحظ الباحث ان بناء هذه القصيدة اعتمد بشكل رئيس على الوقائع المادية التي تحدث بين اثنين مثل (الصداقة، الارتباط الروحي.. الخ)، ولم تكن هناك علاقات اخرى عارضت المعنى المألوف الواقعي، وهي كما يسميها ابو ديب، تدفق من الذات في مسار لا يتغير(2)، لذلك يعد هذا النوع من البناء بسيطا وغير معقد، وان الصورة التي ينتجها هذا البناء بسيطة ايضا(3)، لانه يعتمد بشكل رئيس على علاقة منفردة بين طرفين فقط ومحددة بواقعة معينة من دون ان تأخذ ابعادا اخرى، وهذه الصورة كما يقول جنكتو: ((تظهر قدرا غير عادي من الاكتمال الفردي والتحديد، وقدرة تدعو الى الدهشة في اختيار مادة منتقاه ومحددة))(4). وفي هذه القصيدة استطاع سعدي يوسف ان يجعل الذات عنصرا متحركا في الحياة اليومية، الى الحد الذي يقترب من انصارها في الموضوع، خاصة ان الجماد عنده مؤنسن، وهذه الحركة اعطت لمحدودية الموضوع اتساعا شمل الموقف من العالم بكل سعته من خلال الاغتراب الشامل عن مجمل حركة الحياة.





2ـ جدلية العلاقة بين المحسوسات المادية وغير المادية:

ويتجلى هذه النمط من البناء في اتجاهين: الاول سياقي، اذ يرتبط المحسوس بمعادله الواقعي، والثاني منحرف، وفيه لا يرتبط المحسوس بمعادله الواقعي، وهذا النمط من البناء يرتكز في قصيدة سعدي يوسف على اللون بشكل رئيس، كما في المقطع الاتي من قصيدة (السياج)(1) التي يقول فيها:

بيته ، كان منكشفا للشوارع

كانت حديقته وهي مزهرة بالقرنفل الاحمر

مفتوحة للكلاب

وتتكرر هذه العلاقة مع لون اخر كما في قصيدة (الجيكولو العجوز)(2)، التي يقول فيها الشاعر:

احيانا ينظر من غرفته

فيرى الكالبتوسة في الشارع

كم كانت خضراء

وفي هذين المقطعين يرتبط اللون بعلاقة سياقية (واقعية) مع الموصوف:

القرنفل/احمر

الكالبتوسة/خضراء

وهذا النمط من العلاقة يضعف التلقي لانه لا يعتمد الدهشة التي يحققها انحراف اللون عن وظيفته المألوفة السياقية. فهي تقع في المجال الدلالي المألوف نفسه(3)، أي انها تتعلق باللون الواقعي للبنات، وهذه الصلة القوية بين النبات ولونه افقدت هذه السطور الشعرية عنصر الدهشة الذي يحققه الانزياح عن المعنى الواقعي.



وفي مرحلة اخرى من البناء التوافقي، يقيم الشاعر سعدي يوسف علاقة بين لونين، يسمي احد اطرافه فيصبح محسوسا ، ولا يصرّح بالآخر، بل يتحسسه عبر عنصر حسي مادي ملازم له، كما في قصيدة (خريف)(1) التي يقول فيها:

بعد حين تتعب الاوراق من خضرتها

يأتي النعاس

حاملا قهوته

تندلق القهوة، والاوراق بالقهوة تبتل

صباح البن

يا غصنا خريفيا

صباح البن ياكرما واس.

ويرتكز هذا البناء على وجود تأثير وتأثر بين عناصر القصيدة المكونة للصورة الشعرية (أي انها تحوي على عنصر مؤثر وآخر متأثر)، وتندرج تحت هذين العنصرين مجموعة من العلائم التي تؤكد وجودهما (الزمني واللوني والمكاني)، فمن حيث الزمن هناك (الربيع) في صراعه مع (الخريف) ومن حيث اللون هناك (الخضرة) في صراعها مع اللون (القهوائي) الناتج عن تجرد الاشجار من اوراقها وتيبس اغصانها ومن حيث المكان هناك الاشجار التي تغير لونها، وفي هذا المقطع هناك توافق بين اللون والزمن، على النحو الاتي:

1ـ الربيع ـــ خضرة ـــــ استمرار الحياة في اوراق الشجر

2ـ الخريف ــ لون القهوة ــــ سقوط الاوراق من الشجر

واشتغل الشاعر في هذه القصيدة على ثنائية (التصريح والتلميح) فهو يصرح باللون من دون ان يصرح بالزمن، الامر الذي جعل دلالة اللون منفتحة على دلالات متعددة، وفي موقع اخر يصرح بالزمن من دون ان يصرح بشكل مباشر باللون، بل يعطيه لونا محسوسا ماديا قريبا منه، (فالخضرة مصرح بها من دون وجود الربيع في القصيدة)، (والخريف مصرح به من دون لون يحدده مباشرة) وبهذا اصبحت القهوة، في القصيدة، المعادل اللوني للخريف، لذلك كانت صباحاته، صباحات البن، وهو لون يوافق فصل الخريف، وبالتالي يصبح الخريف العنصر المؤثر في القصيدة بعد ازاحته للربيع الذي تعبت خضرة اوراقه واخذها النعاس، وعلى وفق هذه العلاقة فان (الربيع هنا هو المتأثر) ، وان المؤثر في هذه القصيدة هو السائد بعد ان ازاح الاخر من المشهد، وهذا التوافق الحسي جعل التلقي ذا طابع جمالي ، استند إلى لعبة التصريح والتلميح بين العناصر الفاعلة في صورة القصيدة.

ولكن الاستخدام الموائم للواقع يتحول في قصائد اخرى للشاعر الى استخدام منحرف عن الواقع نفسه، اذ يتخذ اللون في قصائد اخرى دلالات لا تطابق وجوده الواقعي، وهذا الانحراف يفتح للتلقي وللنص معا آفاقا اوسع من تلك الافاق التي استخدم فيها الشاعر الواقعية في العلاقة مع اللون، الامر الذي جعل شعرية النص تزداد وضوحا(1)، كما في قصيدة (حوار مع الاخضر بن يوسف)(2)، التي يقول الشاعر فيها:

سيدي الاخضر المر

يا سيدي يا بن يوسف

وفي القصيدة ذاتها يرد اللون الاخضر في سطرين شعريين آخرين، يقول الشاعر فيهما:

لم نأكل القمح اخضر

والورد اخضر

وفي هذين المقطعين لم يعد اللون الاخضر مطابقا لواقعه، (فاللون يتأنسن)، ويصبح تعبيرا عن (ذات) الشاعر، فهو (ابن يوسف المر)، وفي المقطع الثاني يستمر الاخضر مرا (القمح اخضر، الورد اخضر)، وفي التشبيهات الثلاثة يعبر اللون الاخضر، عن مرحلة من مراحل الوجود ، وهي مرحلة (الشباب والقوة) وبقدر ما تكون هذه المرحلة ضرورية (للذات) ، تكون مرفوضة من قبل الاخر في اطار جدلية الصراع بين الانا والاخر، فالشباب/مر، ولكن للاخرين (سيدي الاخضر المر)، وهذا الطعم يتوافق مع طعم السنابل في مرحلة شبابها، لم نأكل القمح اخضر، والورد اخضر، واخضرار الورد مرحلة وجودية تسبق النضوج الكامل وفيها تتفتح عن ألوان مختلفة.

ان اللون في هذه المقاطع نقل صورة (الانا) الى الاخر، وانتج انسجاما بين الاثنين، فالصورة الاولى كانت خلفية للصورة الثانية (الاخضر المر) ــــ لم نأكل القمح اخضر والورد اخضر، وفي هذه العلاقة كانت قيمة الصورة الاولى متضمنة في الثانية، موضحة لها ، وهي، كما يقول ماكليش: ((ان الصورة الواحدة ترسم وتوطد بالكلمات التي تجعلها حسية وجلية للعين او للاذن او اللمس او لاي من الاحاسيس ، ثم توضح بصورة اخرى قربها فينبلج المعنى ليس هو معنى الصورة الواحدة منهما ، ولا هو معنى الصورة الثانية ، ولا هو مجموع المعنيين معا، بل هو نتيجة لهما، نتيجة للمعنيين في اتصالهما، وفي علاقتهما الواحد بالاخر))(1).

وفي هذين المقطعين ، هناك علاقة اتصال بالمعنى، اذ تؤدي استعارة كل معنى من الاخر الى تحقيق الصورة التي يريدها الشاعر، فحين يقول (لم نأكل القمح اخضر، والورد اخضر)، فان ذلك يعود الى طعمها المر، (كما في طعم الاخضر المر)، ان هذا التداخل بين الصورتين انتج صورة ثالثة ترتبط بهما ولكن هذه الصورة ليست جمعهما جمعا ميكانيكيا بل صورة وجودية للانسان في مرحلة الشباب وتأثيرها على الاخر.

وهذا النمط من البناء يعد مستوى متقدما على المستويات السابقة من البناء التوافقي لانه يكوّن صورة فيها من التركيب اكثر من الفرادة، اذ تتضح الصورة في المقطعين من خلال عامل ذاتي/سيدي الاخضر المر بن يوسف، وعامل موضوعي /القمح اخضر والورد اخضر، ولعب هذان العاملان دورا في تقديم المعنى بصورته التي يريدها الشاعر او يسعى اليها من خلال ربط كل لون اخضر بالمرارة والشباب وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: ((ان على الشاعر ان يبحث في الوسيلة التي يتوصل بها الى نقطة تلاقي حلمه الشعري بالحقيقة، الى جلاء الصلة بين فكره والواقع ليوحي في شعره بالحقيقة المطلقة))(2).

واراد الشاعر في هذين المقطعين الوصول الى حقيقة مفادها ان كل اخضر /مر، وكل مرْ/ شباب.

3ـ جدلية العلاقة التوافقية المركبة للمحسوسات:

وتنقل هذه الجدلية علاقة التوافق بين المحسوسات في قصيدة سعدي يوسف الى مستوى آخر، يتمثل في تجرد المحسوس من صفته المادية الملموسة، ليشكل من خلال هذا التجرد علاقة بين اكثر من طرف محسوس منه المادي ومنه غير المادي، وهذه العلاقة تجعل البناء اكثر تعقيدا من الابنية السابقة سواء، من حيث تعدد الارتباطات او من حيث وظيفة كل عنصر في النسق الشعري، ففي هذا النمط من البناء يستخدم الشاعر العناصر المحسوسة في وظائف متناقضة محققا تعدد الدلالة في طرف بعينه ولكن بسياقات مختلفة، ويتجلى هذا النمط في قصيدة (القصيدة الرابعة والعشرون)(1) التي يقول فيها :

وليكن

لن يغمر، الليلة ، ثلج ، هذه الاشجار

لن يبيض سور

وسيبقى السقف في لون النبيذ

الريح ترتاح على الارصفة المبتلة

النافذة الزجاج غامت بالرذاذ

الليل يهوي في اقاصي الليل

والصرخة تلتم عميقا

وتئن

في هذه القصيدة لا تحضر الذات في السطور الشعرية، اذ يستند البناء الى رؤية الاخر، وما ينتجه من علاقات مع الاخر ايضا، والاخر هو المحسوس، المرتبط بعلاقة مع محسوسات اخرى، كما يتضح فيما يأتي:

1ـ الليل ــــــــ الليل

(الليل يهوي في اقاصي الليل) وهي العلاقة الذاتية للاخر

2ـ الثلج (لن يغمر) ـــــ الليل عنصر محسوس ـــ عنصر محسوس

وفي العلاقة الثانية هناك ارتباط بين مادي محسوس (الثلج)، ومحسوس غير مادي (الليل)، وفي السطر الثالث تتضح العلاقة بين الليل والثلج من خلال اللون اذ يقول الشاعر: (لن يبيض السور)، وهنا تتوافق العلاقة بين محسوس غير مادي مع محسوس مادي، الليل ــــ بياض السور.

وفي السطر الرابع، هناك تحول باتجاه بنية لونية اخرى، (وسيبقى السقف في لون النبيذ)، وهنا يشير الايحاء المباشر لهذا السطر الشعري الى اللون الاحمر للسقف، اذ يستند السياق الدلالي لعلاقة النبيذ مع اللون الى (الاحمر)، عندئذ تصبح الصورة المنتجة عن اللون (الاحمر) ذات دلالات مختلفة، فربما تكون الغرفة في بار لاحتساء النبيذ، او غرفة للاعدام، او غرفة للمتعة، ومع هذا الانفتاح الدلالي تبقى علاقة اللون مع السياق الشعري علاقة مستقرة، وان الذي عزز هذا الاستقرار، تقديم الفعل على الاسم، (لن يغمر)، (لن يبقى) ، (سيبقى) ان هذه الصيغة الفعلية تعزز الاستقرار في بنية القصيدة، خاصة اذا كانت مقترنة بادوات تنفي حركية الفعل وتؤكد ثباته (لن) وحرف الاستقبال (السين) في (سيبقى)، وهذا الثبات حرم الصورة الشعرية من الدينامية والتطور(1) في سياق السطور الشعرية الاولى، ولكن هذا الثبات لن يستمر في القصيدة، عندما (يهوي الليل في اقاصي الليل)، فالليل اصبح في هذا المقطع (جزء وكل) في آن واحد، وسقوط الجزء في الكل اعطى الليل اطلاقا توافق مع اطلاقه في السطور الشعرية الاولى حينما لم يستطع الثلج (الابيض) ان يغمره ، لتبدو الصورة الحسية في هذا المقطع الشعري صورة حركية، (فالاخر) نسبي ومطلق، جزء وكل، وعلاقاته مع الاخر، (غيره)، علاقة طغيان، لان البياض لم يستطع تحقيق وجوده في الليل، وحتى الليل نفسه اصبح جزءا من ليل مطلق فهوى فيه، وحلل ناقد عربي مواصفات (الليل) في حالته المطلقة بقوله انه يعني الوصول الى أي مكان(2).

ان الصور التي انتجتها علاقة الاطلاق مع النسبية منحت الليل حركية خالفت ثباته الاول واصبح شيئا حسيا متغيرا يختلف عن كينونته الثابتة، الامر االذي انتج صورة حسية متوافقة مع الوجود الواقعي، لان الانتقال من الاطلاق الى النسبية ظلت عملية حسية ولم تتحول الى مجردات، ويذهب الدكتور عبدالسلام المساوي في هذا الصدد الى القول: ((تتحقق الصورة الحسية بانتقال الكائن الحسي الى الشيء الحسي))(1).

ان هذه العلاقات المركبة بين الليل بوصفه ممثلا للون (الاسود) والعناصر الاخرى في القصيدة تستند إلى علاقات الثبات، على النحو الاتي:

الليل ـــــ لايتأثر بلون الثلج

سقف الغرفة ـــ لا يتأثر بلون الليل

وفي هذه العلاقة (يبقى الليل اسود)، (الثلج ابيض ولكن في حدوده)، (سقف الغرفة احمر وفي حدوده)، وكل هذه العناصر نسبية في حدود وجودها، وهي علاقة تقوم على التوافق بين اللون الواقعي والرمز وبمحدودية خاصة، وهي ما يسميها كوهين بعلاقة الملاءمة(2)، أي انها لا تنتج تجاوزا في الدلالة، ولكن هذا الاستقرار لم ينف محاولة الشاعر لاحداث حركية معينة في مدلول الليل عندما جعل الليل يهوي في اقاصي الليل، معطيا اياه علاقة المطلق بالنسبي.

ولاحظ الباحث ان هذا النمط التوافقي استند الى ارتباط احد العناصر، (الليل) بأكثر من عنصر في القصيدة (الاشجار، السور ، سقف الغرفة، والليل نفسه)، الامر الذي جعل الصورة الشعرية التي ينتجها الليل ذات صفة مركبة، اذ حوت اكثر من علاقة، وهذه الصورة الشعرية المركبة حملت في طياتها صورا اخرى بعضها متوافق مع الواقع الذي انتجه الليل الماطر ثلجا، كما في السطر الشعري الذي يقول: النافذة الزجاج غامت بالرذاذ، وهنا أصبحت العلاقة واقعية واتخذت واقعيتها من التوافق، فالنافذة ترتبط واقعيا بالزجاج، وتشوش الرؤيا فيها ينتج عن رذاذ المطر او الثلج، الامر الذي أضعف الجانب الجمالي وجعلها تقترب من سياق النثر في حالة تجريدها من الايقاع ، لان الصورة الشعرية في هذا السطر الشعري لم تخرج عن واقعها المألوف او سياقها الطبيعي، ولم تبدل الوظائف الطبيعية المألوفة فيها بوظائف اخرى ليصبح هناك في العلاقات داخل القصيدة ما عرف في النقد القديم بالعدول(1)، وفي النقد الحديث (بالانزياح)، كما عند الشكلاتيين (والتجاوز) كما عند الاسلوبيين، (والانتهاك) كما عند تيارات مابعد الحداثة، وهذه المفاهيم تعني ((تصرف الاديب بالعلاقات اللغوية المستعملة واعادة تركيبها بما يغير وظائفها الاعتيادية))(2)، اذ ظلت هذه السطور الشعرية في هذا المقطع مألوفة وطبيعية ولا تحدث (خيبة انتظار) لتصدم المتلقي كما يذهب الى ذلك جاكوبسن(3) ولكن هذا الضعف في الصورة الشعرية لايبدو فاضحا في القصيدة لان الشاعر ادخل سطرا شعريا في هذا المقطع ذا قيمة جمالية عالية، ابدل فيه الوظائف الطبيعية للاشياء بوظائف جديدة حين قال:

الريح ترتاح على الارصفة المبتلة

وهنا كانت استعارة الراحة للريح، والجلوس على الارصفة المبتلة عملية انزياح انتجت شعرية خاصة تحققت في علاقة (الريح) المحسوسة غير الملموسة، بالراحة (المجردة)، ثم بالارصفة المحسوسة الملموسة ، وحقق هذا السطر الشعري علاقة ثلاثية بين المحسوس الملموس وغير الملموس والمجرد، الامر الذ نقل النص الى الشعرية العالية في الخلق والانشاء(4).

وفي قصيدة اخرى يعبر اللون عن موقف سياسي وايديولوجي، راسما في علاقته مع المحسوس المادي صورة تنحرف به عن سياقه المألوف ووظيفته الواقعية، كما في هذا المقطع من قصيدة (المسافة)(5) التي يقول فيها سعدي يوسف:

تعلّمْت ان الحقيقة ابعد من منزلي

بين مسجد (حمدان) والجسر، ان الحقيقة قادمة

في المناشير زرقاء مستنسخات بايدي الذين

يظلون لا يحملون من الارض الا ثراها الثقيل

وفي هذا المقطع لا يعبر الازرق عن لون المنشور الواقعي، بل يتجاوز(1) دلالته الواقعية محولا اياه الى موقف، ايديولوجي، سياسي ، فكري، فالمنشور من وجهة نظر الشاعر يحمل فكر الفقراء، (الذين لايحملون من الارض الا ثراها الثقيل)، أي ما ثقل وزنه وقل سعره، بعكس الحاملين من الارض ما خف وزنه وزاد سعره، ويريد الشاعر في هذا السطر الشعري الاشارة الى العمال والفلاحين، وأقامة تناسب بين الموقف الايديولوجي من الطبقة العاملة ، وفكرها، اذ انسجم لون المناشير مع لون البدلات العمالية، (الازرق)، وبذلك حقق اللون في هذا المقطع توافقا بين الايديولوجية والواقع ـ توافقا بين الايديولوجية بوصفها حاملة للموقف، والواقع بوصفه محسوسا ماديا واضحا في بدلات العمال - ان هذا النمط من التوافق يعد توافقا حسيا في علاقته المباشرة (ازرق ـ حسي) ــ بدلات (العمال)، ولكن المعنى العميق لهذه العلاقة يتحقق في ارتباط المحسوس بالمجرد، (فالايديولوجيا) مجرد، واللون الازرق، محسوس ، وتعد هذه البنية اشد تعقيدا من بنية المحسوسات السابقة.

لقد عبر الشاعر من خلال اللون الازرق، (الذين يحملون من الارض الثرى الثقيل) عن طبيعة الصراع الايديولوجي او الطبقي بين العمال (الفقراء)، والاغنياء وهم (المالكون لادوات الانتاج)، الذين يعرفون في الادب السياسي بـ(البرجوازية)(2). وهذا الصراع مبني على موقف فكري للشاعر من العمال الذين لايحصلون من جهدهم الا على قوتهم اليومي، ومن البرجوازيين الحاصلين على ريع الانتاج وارباحه، وفائض قيمته المتحقق من كد العمال انفسهم.



4ـ جدلية التوافق بين المحسوس والمجرد:

وفي هذه العلاقة يرتبط المحسوس بالمجرد لانتاج الصورة الشعرية، ويلعب تفاعل العنصرين المتناقضين من خلال توافقهما دورا مهما في اغناء الصورة الشعرية، ومنحها حركة خاصة في سياق النص، وتتضح هذه العلاقة في قصيدة (افتتاح)(3)، التي يقول فيها الشاعر سعدي يوسف:

يأتيك هذا البحر باليومي

بالنبأ الذي لم يعد نبأ

وتأتي الطائرات من اختناق البحر

تطوي في متاهات المبادىء حاجزا

وتدق للاطفال عنقودا من البارود

واللحم المشظّى

ايها البحر المغادر في الهدير المدفعي

ويا مهادا للبوارج وهي تخلط بالرصاص

الماء والصاروخ

يا بحرا عرفناه ولم نعرفه

تهنا فيه حتى ضاعت الاغصان عنا

فانتبهنا ليلة

لنكون خلف الساتر المتواضع

انتبهت لنا بيروت ، فانتفضت

وأرخت شعرها الوحشي

مشرعة ذوائبها الى الافق الملبد

ويستند البناء التوافقي في هذه القصيدة على كلية العلاقة بين البحر (المحسوس) وما ينتجه من متغيرات، فالبحر هو الذي يأتي، بـ(اليومي)، في السطر الاول، وهو الذي يأتي بـ(النبأ)، وهي علاقة بين محسوس ومجرد ، وهذه العلاقة تتحول في السطر الثالث الى علاقة محسوس بمحسوس (تأتي بالطائرات)، ثم تعود الى علاقة محسوس بمجرد (تطوي في متاهات المبادىء حاجزا)، ان هذا التحول من المحسوس الى المجرد اسهم باغناء الصورة الكلية للقصيدة، بسبب دخول العنصرين في جدلية التوافق الكلي، اذ منح هذا التوافق الصورة الشعرية بعدين بدل البعد الواحد (حسي ومجرد)، أي (ذهني وواقعي)، وهذان البعدان انتجا متقابلات في القصيدة بعضها، مجرد والاخر محسوس، وكما يأتي:



المجرد


المحسوس

النبأ


البحر

اليومي


الطائرات

متاهات


حاجز

مبادىء


مدافع

تاريخ


رصاص

افق


اغصان

مهاد


ساتر





ومن علاقة هذه المجردات بالمحسوسات تنتج الصور الاتية

البحر ـــــ يأتي (باليومي والنبأ)

البحر ـــــ الطائرات ـــــ تطوي حاجزا (في متاهات المبادىء)

البحر ـــــ مهادا

البحر ـــــ عرفناه ولم نعرفه

البحر ـــــ بيروت ــــ تاريخ

البحر ـــــ بيروت ــــ الافق

وتؤكد هذه العلاقات ان بنية النص ترتكز على البحر، بوصفه منتجا للانباء، واليوميات التي تعيشها بيروت، وأصبحت من جراء الحرب المستمرة وكأن المدينة اعتادت او توافقت مع حالة البحر، (النبأ الذي لم يعد نبأ)، ولكن هذا الاعتياد على الحرب طرح على الشاعر سؤالا مفاده ان كان هذا البحر هو نفسه الذي عرفه اهله في زمن السلم، (يا بحرا عرفناه ولم نعرفه)، وقدم الشاعر الجواب على هذا السؤال في موقفه من البحر، (ايها البحر المغادر في الهدير المدفعي)، وهنا يريد الشاعر ان يقول ان البحر غادر من بيروت (أي لم يعد هو بحر بيروت الذي عرفته)، بسبب هدير المدافع التي تدمر المدينة والمنطلقة من البحر نفسه.

وتعد هذه البنية اكثر تعقيدا من العلاقات السابقة، بسبب وجود عنصرين متناقضين في تركيب الجمل الشعرية،فالمجرد في هذا النص حاول ان ينفي كل خاصية ملموسة حسية فيه، مقابل وجود المحسوسات المادية، ولكن على الرغم من هذا التناقض احدثت علاقات اللغة في النص توافقا بينهما، نتجت عن طبيعة احساس الشاعر بهذه المتناقضات.



5ـ التوافق النصي والاسطوري:

في هذا النمط من التوافق استخدم الشاعر سعدي يوسف الاسطورة في قصائده وحاول توظيف تراكمها في الوعي او اللاوعي باتجاهين، الاول متوافق مع بناء الاسطورة والثاني معارض لها، ويبرز التوافق مع الاسطورة في قصيدة (قصة الخليقة)(1) التي يقول فيها:

عندما في الاعالي

لم تكن زرقة او سماء

عندما في الدواني

لم تكن لمسة الارض

كان العماء

العماء

العماء

لم يكن غير ماء

غير تهويلة من ضباب وماء

لم تكن غير تلك الالهة

تلك التي هي ماء ضباب

وماء ضباب

وماء وماء وماء

وهذا النص يحيل المتلقي الى اكثر من مرجع ، ففي سفر (التكوين) في الكتاب المقدس (العهد القديم)، تبدأ الخليقة بقصة تتوافق تماما مع ما طرحته هذه القصيدة، اذ تضمن سفر التكوين القصة الاتية:

((في البدء خلق الله السماوات والارض، وكانت الارض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرف على وجه المياه))(1)، وفي مقطع اخر يقول سفر (التكوين): ((ليكن في وسط المياه جلد يفصل بين مياه ومياه فكان كذلك صنع الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد، والمياه التي فوق الجلد، وسمى الله الجلد سماء))(2). وفي هذا النص لاحظ الباحث ان القصيدة لم تنتج جديدا من العلاقات التي تعطي للاسطورة اطارها المعاصر، كما انها ليست تفاعلا نصيا، لان التفاعل النصي لايطابق الاصل ولا الانموذج ولا الحكم القيمي(3)، وعلى هذا الاساس فان هذا التوافق التام بين النص والاسطورة ليس الا اعادة او تكرارا لما جاء في الكتاب المقدس، الامر الذي افقد النص شعريته, أي ان اللغة فيه لم تشكل انزياحا عن المعنى الاسطوري.





المبحث الثاني

(البناء التعارضي)



ويرتكز هذا النوع من البناء، على عدم الانسجام بين الانا والاخر، او على التعارض الخارجي بين عناصر الموضوع وما تؤثر به على الذات (الانا) عند الشاعر وتجربته، بوصف التجربة عنصر ترسيخ لقناعات معينة، (انسانية، ايديولوجية، فكرية، ثقافية)، وهذا البناء التعارضي يتخذ اطارا كليا في القصيدة ولكنه في الوقت نفسه يتضمن مستويات اخرى يمكن ان تترشح عن التعارض الرئيس، سواء أكان ذلك في لغة القصيدة التي تنتج صورا شعرية متعارضة داخل السياق الشعري، ام في العلاقة بين الانا والاخر، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور نعيم اليافي الى ان ((البناء التعارضي يحكم مبدأ التعارض او التناقض ما بين بعدين لابعاد التجربة الشعورية ، يعكسان توظيفين متقابلين لسيرورة التجربة الجمالية يتمثل اولها بمستوى المفردات اللغوية ، ويتمثل ثانيهما بمستوى الصور الفنية، ويتداخل المستويان في نهاية القصيدة ليؤلفا وحدة الرؤيا للانا الشاعرة)) (1).

ويبرز هذا النوع من البناء في قصائد سعدي يوسف منتجا صورا شعرية تتفاعل فيها التعارضات والتناقضات، مشكلة وحدة على صعيد كلية الصورة التي تثرى بالصراع ، خاصة ان الصراع هو الذي يعبر عن التوتر القائم بين الشاعر والاخر، او توتر (الانا) عند الشاعر نفسه، وصولا الى حدوث تحولات في اجواء القصيدة تحسم الصراع باتجاه معين، وفي هذا النوع من البناء هناك جدليات يمكن تلخيصها على النحو الاتي:





1ـ جدلية المحسوسات المادية المتعارضة:

وتتضح هذه الجدلية من خلال التعارضات الذاتية والموضوعية داخل النص، وتتجلى في شعر سعدي يوسف في قصيدة (اكثر من شخص واحد) (1)، التي يقول فيها الشاعر:

امس

في الغروب

كانت شمسان تطفوان على البحر

وغلالة غيم ابيض

تدنو منها لتصطبغ

....

اين الشمس التي نعرفها

شمس الهاجرة

قرص الفولاذ السائل

لو كان الامر بيدي

او بيد الطفل

اما كنا سنطلق من جيوبنا الشموس

لتطفو على البحر كله

طوافات نجاة

وفي هذا البناء، هناك عناصر مادية محسوسة ترتبط فيما بينها بعلاقات تبدو منسجمة على الرغم من تعارضها الواقعي، وهذه العناصر هي:

( الشمس ، البحر، الغيم ، الفولاذ) وهنا تتكيف العناصر التي تعارض بعضها واقعيا بطريقة منسجمة ، وهذا النوع من البناء يختلف عن البناء التوافقي، لان عناصره لا تؤدي احدها الى الاخر بشكل واقعي.. ، فالغروب ينتج شمسين، وموقع الشمسين ليس السماء، بل البحر، ومع وجود الشمسين، هناك غلالة غيم ابيض، في لحظة الغروب نفسها، ومن خلال هذه العلاقات فان الشاعر من حيث المظهر وصف منظر الغروب قرب البحر، حيث تنعكس الشمس في المياه، وتبدو وكأنها تطفو فيه لحظة نزولها في الافق البحري، وهذه الصورة وصفت حالة واقعية لاتناقض فيها،لكن الشاعر في هذه القصيدة لا يريد بالشمسين ان تكونا (الشمس الموجودة في الواقع)، بل شمسا اخرى ربما تكون (الصديق ، الرفيق، الابن، ******ة، الزوجة)، اذ اقام علاقة بين العالم الخارجي وعالمه الخاص الذي يعارض الواقع ، ويؤكد الشاعر تعارض عالمه الخاص مع الواقع بسؤاله عن الشمس الحقيقية (اين الشمس التي نعرفها/ شمس الهاجرة/ قرص الفولاذ السائل).

في هذا السؤال اوضح الشاعر التعارض بين شمسه الخاصة وشمس الواقع ، فالاولى تطفو على البحر مصحوبة بغلالة غيم وتظهر في الغروب، اما الثانية فهي ليست كذلك لانها، عالية وساخنة كانها قرص فولاذ سائل، وهذه الاجواء نقلت المتلقي الى زمن ومكان آخر غير غروب الشمس في افق البحر، اذ تبدو الصورة الثانية للشمس كأنها في مكان غير البحر وفي زمن غير الغروب وهو الظهيرة.

وهنا أراد الشاعر ان يتصور الشمس في قوتها، وقت الظهيرة لكي تؤدي وظيفة طوق النجاة للغرقى الذين يتلاشون في لحظة الغرق مثلما تتلاشى الشمسان الأخريان في افق البحر عند الغروب ، الامر الذي جعل الشاعر يعارض وجود الشمس وقت الغروب وارادها ان تظهر مثلما تظهر في الظهيرة، عالية لاتغرق كما يغرق الاحبة، ويعد هذا النمط من البناء التعارضي من الانماط البسيطة لانه يعتمد على علاقات محددة بين عناصر محددة.



2ـ جدلية التعارض الداخلي بين المحسوسات :

وفي هذا البناء يستند التعارض ألى العلاقات بين المحسوسات غير المادية في السطور الشعرية التي تكون في النهاية صورة للتعارض الكلي بين (الانا والموضوع)، وتتضح هذه العلاقة في قصيدة (الرسائل)(1)، التي يقول سعدي يوسف فيها:

من الصخر تأتي الرسائل، في الليل تاتي ، تدور

على لمسات الاصابع، حاملة ملمس الحجر الخشن

والبهجة الناعمة

ابقيت لي ما لايخون الرأي ، ابقيت التفرس

ثم ماذا ارتجي لو قلت لي يوما: منعتك

نظرة اولى، ولو اسررتني يوما: منحتك

ان تقر العين راضية؟ هي الاعشاب تحفر

في عروق الصخر، تحضر في سماء كلما

استترت ارت، يا بضعة من وردة الشهداء

شمس انت: بارقة وظل

من اول الريح تاتي الرسائل، في الفجر تاتي

لتحمل لي لهفة من عيون احب استداراتها، لهجة

للعواصف اذ تتكور..

وفي هذا المقطع هناك علاقات متعارضة داخل السطور الشعرية، وعلاقات متعارضة اخرى بين السطور الشعرية نفسها. والطابع الغالب على هذه التعارضات جانبها الحسي المادي وغير المادي، وهذا التعارض اكثر عمقا من التعارض المادي المحسوس، لانه يقيم علاقة بين عناصر غير متماثلة في مواصفاتها، وعدم التماثل يمنح الصورة الشعرية قدرا اكثر اتساعا في الرؤيا من العناصر المتماثلة(1)، اما عناصر التعارض في السطور الشعرية فهي على النحو الاتي:

استترت × ارت /حسي

شمس × ظل / حسي

عروق الصخر × سماء / حسي

في حين تتمحور عناصر التعارض بين السطور الشعرية على النحو الاتي:

من الصخر تأتي الرسائل، في الليل تأتي / محسوس

×

من اول الريح تأتي الرسائل ، في الفجر تأتي/ محسوس

ملمس الحجر الخشن × البهجة الناعمة/ محسوس

وفي هذا البناء هناك صورة مركزية تحرك علاقات النص الشعري، (مجيء الرسائل)، ولكل زمن لمجيئها هناك حالة شعورية خاصة تمر بها (الذات)، فان وصلت الرسائل في الليل، فلها صفتان متعارضتان (ملمس الحجر الخشن، والبهجة الناعمة) وهذا تعارض داخلي في الاحساس بوصول الرسائل، اما اذا وصلت الرسائل في الفجر، فانها تحمل اللهفة ولهجة العواصف اذ تتكور، والعلاقة بين العواصف والتكور علاقة تعارضية لان العاصفة امتداد بطبيعتها في حين التكور انحسار، وهذا تعارض آخر في الموضوع انتجته الذات، بوصف العالم الخارجي، كما يذهب نوفالس، تجليا للعالم الداخلي(1)، لذلك فان التعارض الداخلي المحسوس هو الذي انتج التعارض الخارجي، المتمثل بالزمن المختلف لوصول الرسائل، فكان للفجر مشاعره التي يمنحها لوصول الرسائل، ولليل مشاعره التي يمنحها لوصول الرسائل، ومن هذه الصورة المركزية تتفرع التعارضات الاخرى، فالنظرة التي تطالع الرسائل، تتخذ في هذا المقطع وظيفتين: الاولى تشبيهها بالاعشاب التي تحفر في عروق الصخر، أي الاتجاه نحو العمق، والثانية الحضور في سماء كلما استترت، ارت أي الاتجاه نحو الاعلى، وهنا يصبح التشبيه الاول متعارضا مع التشبيه الثاني، كما ان التشبيه الثاني يحوي تعارضا داخليا خاصا في وجود السماء التي (كلما استترت، ارت).



3ـ جدلية التعارض الخارجي المحسوس:

وفي هذا النمط من البناء لا يعتمد النص على صورة مركزية متعارضة تتفرع منها الصور الاخرى او المستويات الاخرى، بل يعتمد على التعارضات الخارجية المتنوعة التي تشكل بتفاعلها صورة مركزية، وهذا هو اختلاف التعارض الخارجي المحسوس عن التعارض الداخلي المحسوس، ويتضح هذا النمط من البناء في قصيدة (النهر) (2)، التي يصور فيها الشاعر سعدي يوسف حالة الاخر في صراعه مع عناصر الطبيعة اذ يقول:

كان عريان في الفجر، مستوحدا تحت نخلة

كل ما كان يملكه يسكن الجذع: اثوابه

والتراب الذي في النسيج

والتراب الذي في النشيج

والتراب الذي في عيون المذلة

كان عريان في الفجر، مستوحدا والمياه

حاملا ليله في يديه

حاملا صبحه في يديه

عكرا، صافيا، كالمياه

أي غصن شبيه

ينزل الماء في الفجر، او يرتديه

أي صوت شبيه

كان يدعوه ، او كان يرتد فيه

انه الماء.. هل يتشربه جلده

مثل تلك الوريقات؟

هل ينتهي

مثلما جاء؟

ماء الصباح، العذوبة.. تلك الطراوة

في ان يعود الى المهد.. في ان يراقب

اطرافه تستكين، السماء على الماء مخضلة

وهو في الماء: مضطرب ساكن، وهو في الماء

مضطرب ساكن

ويعتمد نمط بناء هذا المقطع الشعري على العلاقات المتعارضة في حالة الاخر، اما (الذات) الشاعرة فتكتفي بالمراقبة والوصف من دون ان تتدخل في اعلان موقف معين لما يحدث في الخارج، ولكن عدم اعلان الموقف بشكل صريح لما يحدث لايعني حيادية الذات من الحدث (وهو الغرق) ، بل هناك رفض داخلي غير معلن شكل موقفا انسانيا تجاه (الغريق)، وليس موقفا ذاتيا محضا، أي ان الصورة هنا لم تخلق لذاتها، بل لتكون جزءا من التجربة(1)

(كل ما كان يملكه يسكن الجذع: اثوابه

والتراب الذي في النسيج

والتراب الذي في النشيج..

والتراب الذي في عيون المذلة).

وفي هذا المقطع اشارة واضحة لحالة الفقر التي يعيشها الاخر.. عبر الاشارة الى ما يمتلكه الغريق وما يتركه بعد موته، وأضفى التوازي الصوتي لمفردتي (النشيج والنسيج) ايقاعا منسجما مع الحالة التي ارادها الشاعر وهي (الفقر)، فالتراب الذي في النسيج يعني العودة الى الاصل الذي خلق منه الانسان، اما النشيج فهو ما يخلفه الاخر بعد مماته للاهل والاحبة، وهذا هو كل ما كان يمتلكه مع ثيابه في هذه الحياة، واذا كان التراب عنصر تكوينيا في وجود الحياة، فان هذا الامتلاك في حقيقته ليس امتلاكا حقيقيا بل وجود طبيعي تشترك فيه المخلوقات جميعا، وفي هذه الدلالات تتعارض صورة الامتلاك مع عدم الامتلاك، فالتراب موجود في تكوين الانسان، ولكنه ليس ملكية يمكن التصرف فيها.. وعلى وفق هذا التعارض، تكون حالة الاخر قد مرّت بتعارضات اخرى تتكشف من خلال العلاقات الاتية:

الفجر× الليل

الصبح × الليل

صافيا × عكرا

يدعوه × يرتد

ساكن × مضطرب

السماء × التراب

المياه × التراب

عريان × يرتدي

كل ما يملكه × ليس عنده

ان هذه التعارضات رسمت صورة صراع الاخر مع الاخر (الانسان × النهر) فالعلاقة بين الاثنين تمتاز بحالة من التناقض، فبقدر حاجة الانسان للنهر لاستمرار حياته، الاّ انه يمكن ان يكون عنصر موت، اذا اغرقه، وفي ضوء جدلية الموت والحياة، رسمت القصيدة جدلية موقف الاخر من النهر، التي تمتاز بالتعارض ايضا، كما في الصورة الاتية:

كان عريان في الفجر ، مستوحدا في المياه

حاملا ليله في يديه

حاملا صبحه في يديه

وفي هذه الصورة استعار الشاعر وجودا ماديا للصبح والليل، فأصبح المتناقضان منسجمين في وجودهما في يدي الغريق، وهذه الاستعارة تعارض السياق التقليدي للوجود المألوف لليل والنهار، ولكي يعزز الشاعر هذا التعارض المنسجم يردفها بصورة تعارض منسجما اخر ويقول:

عكرا، صافيا ، كالمياه..

وهنا يبدو الاخر منسجما مع النهر في تناقض حالاته، حين يكون عكرا وحين يكون صافيا، وهي لحظة توحي ان الغريق ما يزال بين الحياة والموت ويبلغ التعارض ذروته في هذا النص في لحظة (الغرق)، حين يقول الشاعر:

وهو في الماء: مضطرب ساكن

وهو في الماء

مضطرب ساكن

وتكرار هذا المقطع يؤكد اهميته الخاصة في التعبير عن ذروة الصراع ولحظة حسمه في القصيدة، لانه كما تقول نازك الملائكة: ((ان التكرار ، في حقيقته ، الحاح على جهة هامة في العبارة يعنى بها الشاعر اكثر من عنايته بسواها)) (1).

ان هذه العلاقة بين المحسوسات في تعارضاتها المستمرة داخل القصيدة شكلت صورة شاملة من خلال منظومة الاجزاء الموزعة بين السطور الشعرية، الامر الذي جعل الصورة ذات تنوعات تشكيلية تؤكد العمق الدلالي للصورة الكلية في القصيدة..



4ـ جدلية التعارض بين المجرد والمحسوس:

في هذا النمط من البناء تستند العلاقة بين عناصر القصيدة إلى ارتباط المحسوس بالمجرد، ولكن على اساس التعارض بينهما، لتتشكل صورة شعرية ذات بعدين ، الاول محسوس مادي يمكن التعامل معه واقعيا والثاني مجرد يتصوره الذهن، وهذان العنصران المختلفان في اصل الوجود يشكلان جدلية داخل الصورة الشعرية، ويتضح هذا النمط من البناء في قصيدة (ثلاثية الحاضرة) (1)، التي يتداخل فيها المحسوس مع المجرد كما في المقطع الاتي:

اني احبك

لكن بيني وبينك كل الدروب التي قد تؤدي وقد لا تؤدي

المسايل تنبت ازهارا حجرية

والماء ينشف في العين

امس بلغنا الجبال وقد غابت الشمس

قلنا: نخيم

لكن وجها تراءى لنا في اضطراب الظلال

وفي هذا المقطع هناك تعارض بين المحسوس والمجرد، في (كل الدروب التي قد تؤدي وقد لا تؤدي)، فالدروب (محسوس)، والمؤداة (مجرد) لتنتج الصورة في هذا السطر الشعري عن علاقة مركبة للدرب، على النحو الاتي:



تؤدي

دروب ×

لا تؤدي

ان هذا التعارض بين المحسوس والمجرد اعقبه الشاعر بتعارض آخر محسوس ، من خلال علاقة المسايل بالحجر، فكل مفردة من هاتين المفردتين تمثل حالة وجودية تختلف عن الاخرى، فالمسايل نقيض الحجر، (المسايل تنبت ازهارا حجرية)، وبهذا يصور الشاعر ان المنتج (بفتح التاء) يعارض المنتج (بكسر التاء)، وهو ايحاء الى عملية التغيير المستمرة في الوجود، وفي السطر الشعري الاخير من هذا المقطع يترأى الوجه من (اضطراب الظلال)، وهنا، الوجه محسوس، والاضطراب في الظلال (مجاز) تم التعبير عنه بعلاقة المجرد، (اضطراب) مع (الظلال)، المحسوس.



5ـ جدلية التعارضات الشاملة:

ويتضمن هذا النمط من البناء تعارضات متنوعة بين المحسوسات نفسها، وبين المجرد والمحسوس، وبين المجرد نفسه، وهذا التنوع في بنية التعارض ينتج تنوعا في الصورة الشعرية المنتجة ، وساد هذا النمط في قصيدة سعدي يوسف في مرحلة التسعينيات(1) وما تلاها، كما في قصيدة، (المقاهي الثلاثة) (2) التي يقول الشاعر فيها:

يا انت، العابر كل دوائر هذي العتمة، دائرة دائرة

لتطوق عنقي كالانشوطة، من مسد وحرير حينا

من فخار وتهاويل جداريات حينا، من اهداب خيطت احيانا

يا ارضا كانت ماء، يا ماء كانت ارضا، هنا ترتفع الصلوات

نشيدا باسمك، او تنفرع الفلوات... احييك واحييك

واسألك الغفران اليوم، واسألك النسيان غدا، ستمر

الدبابات على ساقيك مجلجلة في كتمان من سرفات طين

وسيمتد رقيم (تشويه شموس ثابتة)، من رمل الفاو واوراق

الحناء الى الصخر المقدود ربايا وطرائد من اشور، انا اسألك

المغفرة ، الهدأة، شكلت جبيني بالوسم، وعلقت ذراعي

اليسرى بالكلاّب، وقلت احمِّلك الان دمي

ماكنت صغيرا لتكون كبيرا، انت الاسم الاول والموئل

انت عدوّي مذ كنت صديقي ، مذ كنت... ستأتي اسراب

الطيران الحربي مجلجلة تحت سماء من صهد

سيكون هواؤك محتقنا بالبارود ومختنقا، لكنك تبحث عني

انا، اسمك، كي تقتلني، الدبابات تبدد جلدك، والطيران

الحربي يمزق اهدابك ، لكنك ملدوغا تتبعني كي تسلخ اجفاني



وفي هذا النمط من البناء تعتري القصيدة تحولات في صفات (الاخر)، الرمز الذي ينتج الصور الشعرية من خلال علاقات التعارض بين المحسوسات والمجردات وبين الانا والاخر، وهذه التعارضات المنوعة تجعل الرمز غير قابل للتحديد والحصر، ليبدو وكأنه مطلق الوجود، فهو مع وجود المجرد في صفاته شبيه به، الا انه، في الوقت نفسه، يحتمل العلائم الواقعية والمادية والمحسوسة وغير الواقعية وغير المحسوسة ايضا، ان هذه اللامحدودية في الرمز كانت منتجة وناتجة للتعارضات في صور القصيدة، ليكون الرمز هنا العنصر الرئيس في اضاءة القصيدة، وذلك عبر تحولاته المستمرة، ويذهب الدكتور مصطفى ناصف في هذا الصدد الى القول: ((يجب ان نتذكر ان الحد الفاصل بين الرمز واية صورة اخرى لا وجود له، وان المهمة الدقيقة هي كشف قدرة الصورة على تنوير العمل الادبي من حيث هو كل وذلك من خلال ثرائها في المدلول))(1)،ولاحظ الباحث ان الرمز في هذه القصيدة مؤثر في الانا، ومتأثر في الوقت نفسه، بالانا، وهي ثنائية اعتمدها الشاعر بعد خروجه من العراق في النصف الثاني من السبيعينيات في معظم قصائده، وتبدأ هذه القصيدة بـ(انت) محاكاة الاخر وهذه المحاكاة انتجت العلاقات المتعارضة الاتية في نسيج القصيدة:





انت ــــــ (الارض) × (الماء)

انت ــــــ (ترتفع) الصلوات باسمك × (تنفرع) الفلوات

انت ــــــ اليوم × غدا

انت ــــــ تمر الدبابات على ساقيك (مجلجلة) × في (كتمان) من سرفات طين

انت ــــــ من (رمل) الفاو × الى (الصخر) المقدود ربايا

وبهذه العلاقات رسمت صور القصيدة التحولات عند (الاخر) باطارها المتعارض، ولكن هذه التحولات لا تكتفي بوجودها المتحول فقط بل تؤثر في الذات الشاعرة من خلال العلاقتين الاتيتين:

انت ــــــ شكلت جبيني بالوسم × تبحث عني كي تقتلني

انت ــــــ عدوّي × مذ كنت صديقي

ومع هذه التحولات المتعارضة في الرمز هناك حالة تشبه السرمدية في وجوده كما يصور الشاعر ذلك، (فالرمز) في رؤية (الانا) شبه مطلق، يغير ولا يتغير، كما في السطرين الشعريين الاتيين: (ما كنت صغيرا لتكون كبيرا)، (انت الاسم الاول والموئل).

وهذه اللامحدودية والسرمدية في (الرمز) جعلت الشاعر يعيش حالة صراع وتناقض معه ويتضح ذلك من خلال العلاقة الاتية:

الدبابات تبدد جلدك، والطيران الحربي يمزق اهدابك

×

(تتبعني كي تسلخ اجفاني)، (تطوق عنقي.. بأهداب خيطت)

ان هذه التشكيلة المتعارضة في صور (الرمز والانا) شكلت منظومة الصورة الشعرية الكلية للقصيدة، وفتحت آفاقا للتلقي من خلال التصور ، اذ ليس هناك صورة محدودة ومؤطرة في هذه العلاقات، لان الرمز غير محدود ومؤطر ويمتاز بكونه مجردا ومحسوسا في الوقت نفسه، وهذا الامر اثرى شعرية الصورة في هذه القصيدة عبر لعبة التناقض، واكد كولن ولسن اهمية هذه العلاقات في اثراء الصورة الشعرية بقوله: ((احد الامور التي تسترعي انتباهنا هي ان قطب الرحى في الشعر هو التناقض)) (1) وفي ضوء هذا التقويم امتاز الرمز بتحولاته المتعارضة داخل القصيدة، فهو يمكن ان يكون (الوطن، ******ة، الصديق ، الحزب، الايديولوجيا ، الرفيق..، العدو، الكبير، الصغير.. الخ).

6ـ جدلية التعارض مع الاسطورة والتراث:

في هذا البناء تعارض القصيدة الموروث في الوعي الجمعي ، والذي تحقق في التاريخ فعلا ، وهذا النمط من البناء يظهر في المقطع الاتي من قصيدة (ثلاثية الصباح) (2)، الذي يقول فيه الشاعر سعدي يوسف:

نتناهش المطر في الحلم كانه زند غزال. الحلاج رئيس جمهورية

وبيننا كنوز الارض والغيمة غير العابرة

ايها الوطن الذي ضاق ، ايها الوطن الذي مضى

نحن مانحوك الهوية وحضور المائدة:

يعتمد هذا المقطع الشعري على جدلية الحلم والحقيقة، وتتجسد هذه الجدلية بالموروث المقرر في التاريخ، الذي اخبرنا ان الحلاج لم يكن يطمح الى سلطة بل كان رجل فكر واجتهاد ، ودفع حياته ثمنا لهذا الموقف، وان خير المطر لم يوزع بشكل عادل بين الناس بل كان من حصة الحاكمين الذين يوزعون خيره بين الناس على وفق ما يشتهون ، وقول الشاعر: (بيننا كنوز الارض والغمية غير العابرة)، اشارة الى مقولة الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي وجد ان مطر الغيمة عائد الى خزائنه، وبهذا المقطع يصبح الحلم معادلا ذاتيا لحركة التاريخ الواقعية، على النحو الاتي:

(المطر) خير منقسم بين الفقراء/حلم

(المطر) من حصة السلطان/واقع

(الحلاج) رئيس جمهورية/حلم

الحلاج قتيل فكره/واقع

كنوز الارض من حصة الفقراء/حلم

كنوز الارض من حصة السلطان/واقع

ان هذا التعارض في اجواء القصيدة خلقه حلم الشاعر ، الذي عارض فيه وقائع التاريخ كما يتمناها هو، ليعبر من خلاله عن الصراع بين الفقراء والاغنياء (المستلبون) بفتح اللام، و(المستلبون) بكسر اللام ، وارتكز في هذا الصراع على ما يشكله المطر من قيمة اسطورية بوصفه منبعا للخير، وتذكر قصص الانبياء ان (النبي الياس) طلب من الله ان يسلمه خزائن السماء فأجابه ((اجعل خزائن المطر بيدك، ولا انشر عليهم سحابة الا بدعوتك ولا انزل عليهم قطرة الا بشفاعتك))(1)، وهنا اصبح التعارض بين الاسطورة والنص مبنيا على (مكان الثروة).

ففي الاسطورة هناك خزائن السماء ـــ المطر

وفي النص (كنوز الارض)

وهذا التعارض اشتغل في ضوء علاقة (الحلم بالواقع)، الذي عبر عنه الشاعر بالوطن الذي لم يعد يتسع للفقراء، (ايها الوطن الذي ضاق)، واصبح الوطن كذلك على الرغم من كل تلك الخزائن والكنوز

وطن غني × فقراء محرومون منه

وطن واسع × يضيق بالفقراء

وعبر الشاعر في هذا المقطع عن وسع الوطن بالغيمة التي لايمكن ان تجتاز حدوده (الغيمة غير العابرة)، واثرى هذا النمط من التعارض القيمة الدلالية للسطور الشعرية الاخرى، ففي قول الشاعر، (نحن مانحوك الهوية)، فان الدلالة لا تذهب الى (مَنْ يسُمي مَنْ)، لان الوطن هو الذي يسمي ابناءه ، ولكن الهوية هنا تعني الفقراء الذي بنوا هذا الوطن عبر التاريخ، وكان ارتكاز هذا النمط في صورته الكلية على الحلم اثرهُ الرئيس لانتاج علاقات النص، فالحلم، كما يصفه هسلر، لايعترف بالتنسيق المنطقي للزمان .. ويتيح للصورة الشعرية الخصوبة النفسية(2).





المبحث الثالث

البناء التوالدي



ويستند هذا البناء إلى وجود بنية مركزية شاملة تحرك علاقات البنى الاخرى في مستويات النص المتفاعلة، وهذا النوع من البناء يتضمن انماطا مختلفة، منها البناء العنقودي، الذي يكرر الحالة الشعورية في بداية القصيدة، والبناء الاسطوري الذي يعارض او يوافق المخزون المعرفي او الشعوري تجاه الاسطورة، ويذهب الدكتور نعيم اليافي الى ان هذا البناء ((يقوم على وجود صور كلية ، عنقودية او اسطورية، تنبثق عنها او تصدر معظم صور النص، وان الصور الجزئية تتوالد من الصورة الكلية))(1).

1ـ جدلية البناء التعارضي المولد

استخدم الشاعر سعدي يوسف هذا النوع من البناء بأنماطه المختلفة، ففي قصيدة (اغنية الاعمى)(2)، هناك بناء مستند إلى النمط العنقودي او الحلزوني، اذ يبدأ الشاعر بلحظة شعورية معينة ثم ينطلق منها لتوليد صور جديدة مرتكزة على الصورة الكلية للقصيدة، وهذا التوليد للصور الجزئية، يعزز من القيمة الجمالية والدلالية للصورة الكلية ، سواء أكان ذلك عن طريق التوافق او التعارض، اذ يقول الشاعر:

انا احمد الاعمى

انا الطوّاف في الطرقات

والساري مع النجم الذي في جبهتي

انا سيد الاصوات

اعرفها

اعزفها

عصاي جوادي الابهى

ومركبتي خطاي

ورحلتي أوبات

انا احمد الاعمى

ادق سدى على ابوابكم

لاتفتحوا

...

انا احمد الاعمى

ظلامي واضح

وترتكز بنى النص الجزئية في هذه القصيدة، على البناء الكلي المرتكز على (العمى)، وهذا العمى يولد حالة شعورية خاصة في العلاقة بين الاعمى ومحيطه الخارجي.. فالعمى هو الذي دفع صاحبه الى ان يكون:

ـ الطوّاف في الطرقات/ بحثا عن شيء يفتقده

ـ يسري في الليل / لان الليل والنهار سيان عنده

ـ معرفة الاصوات ليصبح سيدها/فالسمع عند الاعمى حالة تعويض عن حاسة البصر المفقودة - ولتعزيز مقدرة الاعمى في التعامل مع الاصوات ، اقام الشاعر بنية التوازي بين الاصوات الاخرى داخل القصيدة، وميّزها عبر السطور الاتية:

انا سيد الاصوات

اعزفها

اعرفها

ان التناسب الايقاعي الذي احدثه الشاعر بين (اعزفها ، اعرفها)، عزز من ايقاع التعامل بين الاعمى والصوت ، خاصة ان هذا التعامل يكتسب طابعا خاصا لايمتلكه المبصرون، فمعرفة الصوت تتجه نحو الطابع التمييزي للاعمى، اما عزفه فيتجه نحو الطابع التجسيمي لان الاعمى يجد في عملية تجسيم الصوت عنصرا يساعده على الاقتراب من حالة المبصر الذي يرى الاجسام ويسمع صوتها.

ـ عصاي جوادي الابهى/ وهنا عوض الاعمى عن حاسة البصر بالعصى مستخدما الاحساس واللمس في تحسس الطريق، وهي محاولة اخرى لتعويض ما فقده.

مركبتي خطاي/ وفي هذه الصورة يؤكد الاعمى طبيعة طوافه في الطرقات ، اذ ان قدميه هي التي تطوف ولا توجد وسيلة اخرى للطواف، لانه لايستطيع ان يستخدم الوسائل الحديثة في التنقل منفردا، الامر الذي جعل القدم والعصا والحواس الاخرى هي التي تقوده في طريقه المظلم

وبانتهاء الشاعر من هذا المقطع يعود الى مرتكز البناء الكلي الذي ابتدأ به القصيدة

(انا احمد الاعمى).، لتنبثق من هذا التكرار صور اخرى:

اعمى ـــــ ادق سدى على ابوابكم

اعمى ـــــ لاتفتحوا..

وفي هذه العلاقة يريد الاعمى ان يقول ان كل شيء امامي موصد، فان فتحتم الباب وان لم تفتحوا فالامر لا يهم ، لانني لا اراكم..

ويكرر الشاعر (انا احمد الاعمى)، مؤكدا هذه المرة الصورة الكلية للقصيدة بصورة جزئية فيقول:

ظلامي واضح

ان هذا النوع التوالدي من البناء انتج انماطا فرعية، اذ لاحظ الباحث ان النمط في هذه القصيدة يعتمد البناء الحلزوني او العنقودي، ومنه يبدأ الشاعر بحالة الاعمى ويستمر في تكرارها خلال مقاطع القصيدة، ويصف د. مرشد الزبيدي هذا النمط بقوله ((ان الدفقة الشعورية الاولى في القصيدة محاولة للتعرف على الدافع الداخلي لهذا الشعور))(1)، لهذا كانت عملية تكرار الصور الجزئية في هذا المقطع هي المحاولة التي عوّل عليها الشاعر لاكتشاف المشاعر والاحاسيس التي انتابت الاعمى.





2ـ جدلية البناء التناقضي المولّد:

ويعتمد هذا البناء على الصراع بين العناصر الخارجية والداخلية لتوليد الصور الشعرية المعتمدة على صورة مركزية تنبثق منها مجمل الصراعات الجزئية الاخرى، ويتضح ذلك في قصيدة (تحت جدارية فائق حسن)(1) التي يقول الشاعر فيها:

تطير الحمامات في ساحة الطيران. البنادق تتبعها

وتطير الحمامات. تسقط دافئة فوق اذرع من جلسوا

في الرصيف يبيعون اذرعهم. للحمامة وجهان

وجه الصبي الذي ليس يؤكل ميتا، ووجه النبي

الذي تتأكله خطوة في السماء الغريبة

واذ يقف الناس في ساحة الطيران جلوسا، يبيعون

اذرعهم : سيدي قد بنيت العمارات... اعرف...

كل مداخلها، وصبغت الملاهي

اعرف مايجذب الراقصين اليها. ورممت مستشفيات المدينة..اعرف

حتى مشارحها، سيدي .. لم لا تشتري؟ انّ كفي

غريبة

ـ اجس ذراعك

ـ يا سيدي جسها

ـ امس.. اين اشتغلت

تطير الحمامات في ساحة الطيران.. وعينا المقاول

تتجهان الى الاذرع المستفزة. يدخل شخصان

سيارة النقل.. ثم يدور المحرك، ينفث في ساحة

الطيران دخانا ثقيلا.. ويترك بين الحمائم والشجر

المتيبس رائحة من شواء غريب.

* * *

يقول المقاول: نرجع بعد الغروب

تقول الحمامة: اهجع بعد الغروب

يقول المغني: بلادي.. لماذا يظل الغروب

وهذه القصيدة من قصائد الشاعر سعدي يوسف الطوال، وهي ترتكز على بنية مركزية هي، العلاقات المشكِّلة لـ(جدارية فائق حسن) الموجودة في ساحة الطيران.

واورد الباحث هذا المقطع الطويل منها، لبيان العلاقة بين الجدارية، وما يجري من تفاصيل يومية في الحياة، اذ استخدم الشاعر في هذه القصيدة اساليب مختلفة محاولا الالمام بشكل بانورامي بالتفاصيل اليومية للعمال في تلك الساحة ، فاستخدم الحوار، التقطيع الصوري والربط، (المونتاج)، واستخدم التداعي، واللوحة التشكيلية والاسلوب القصصي، وتعد هذه الاستخدامات واحدة من الجوانب الفنية التي اعتمدتها قصيدة التفعيلة في بنائها، ويذهب الشاعر يوسف الصائغ في هذا الصدد الى القول: ((ان قصيدة التفعيلة افادت من منجزات الفنون الاخرى وتطورها، منها اتضاح مهمات الانشاء الفني لعدد من الرسامين الشباب واغتناء الالحان العربية الجديدة بالامكانات الحديثة في التأليف والهاروموني، وتطور بناء القصص الحديثة، والانفتاح على نماذج المسرح والسينما))(1)...

ويتجسد الجانب التشكيلي في هذه القصيدة من خلال استعارة اللوحة وعلاقاتها في جدارية فائق حسن، واحالة موضوعها على الواقع لتتبع المتغيرات الحياتية والانسانية في (ساحة الطيران) التي تنتصب فيها الجدارية، ويبدأ الشاعر من نواة موضوع اللوحة (طيران الحمائم) في سماء بغداد، لينتقل بعد ذلك من اللوحة الى الواقع (البنادق تتبعها)، محدثا جدلية بين المتصور المتخيل والواقع ، ومن خلال هذه الجدلية يمتد الصراع الى شؤون الحياة الاخرى، وتحلل الناقدة يمنى العيد السطر الاول من هذه القصيدة بقولها: ((تبدو بنية النص ثنائية التركيب على مستوى الفعل، (تطير ، تتبع) وعلى مستوى الفاعل (الحمامات ، البنادق)، وهذه العلاقة تتبنين على التناقض التناحري او العلاقة الصدامية التي تشكل الحد الذي يلتقي عنده عالم حركتين، فينتج هذا الالتقاء صداما، وتنمو الحركة ، وهي المحور الذي تتبنين فيه عناصر القصيدة فتنهض بنيتها وتتكامل))(1).

وفي هذا التحليل ركزت الباحثة على مستوى التركيب اللغوي من دون ان تعاين العناصر الفنية الاخرى التي افضت الى هذا المستوى، والمتمثلة بالتصادم بين المتخيل والواقع، (اللوحة والحياة).. فالتصادم هو الذي خلق متغييرات الصراع داخل القصيدة ، وهو الذي افضى الى استعارة مختلف الفنون في بنائها، على النحو الاتي:



ـ لوحة تشكيلية / تطير الحمامات في ساحة الطيران

ـ واقع / البنادق تتبعها

ـ حوار / سيدي لم لا تشتري؟ ان كفي غريبة

ـ اجس ذراعك

ـ تقطيع صوري وتركيب، (مونتاج)/ تطير الحمامات في ساحة الطيران/صورة

وعينا المقاول تتجهان الى الاذرع المستفزة / صورة

يدخل شخصان / صورة

سيارة النقل / صورة

ـ التداعي / يقول المقاول : نرجع بعد الغروب

تقول الحمامة : اهجع بعد الغروب

يقول المغني : بلادي..لماذا يظل الغروب

وترتكز هذه الفنون المستخدمة في القصيدة جميعها على (نواة موضوع جدارية فائق حسن)، التي تمثل الصراع من اجل الحرية، وهذا الصراع يمتد الى (ساحة الطيران)، حيث يعرض العمال قوة عملهم، وحيث يشتري او يطلب (المقاولون) جهدهم في سوق العرض والطلب، وهذه العلاقة اليومية المتكررة اصبحت وكأنها خارج الزمن، (متوقفة) غير متحركة او متغيرة لان الحال نفسه يتكرر في كل يوم.. كما في قول الشاعر:

واذ يقف الناس في ساحة الطيران جلوسا، يبيعون

اذرعهم...

كما يتكرر الصراع في التداعي الذي ينهي يوم العمل بطريقة شبيهة لليوم السابق وعلى النحو الاتي:

المقاول: نرجع بعد الغروب / استمرار الفعالية.

الحمامة: اهجع بعد الغروب/ توقف الفعالية.

المغني: بلادي... لماذا يظل الغروب/ ، حلم بالحياة الخالية من التناحر.

لقد احدثت هذه الصور الجزئية تعددا في معنى الصراع الذي تتبنين علاقاته على العلاقة المركزية في (جدارية فائق حسن)، لذلك فان ملاحقة تعددية المعنى هي التي ستكشف الجدليات الجزئية المنطلقة من الجدلية الكلية(1) .

وعلى وفق هذا التنوع في الصور، لاحظ الباحث ان المقطع الثاني من هذه القصيدة افصح عن طبيعة الصراع بشكل اوضح من السابق، اذ يقول الشاعر:

تطير الحمامات في ساحة الطيران. تريد جدارا لها

ليس تبلغ منه البنادق، او شجرا للهديل القديم

وفي هذين السطرين الشعريين، تنتقل العلاقة داخل النص من المواجهة، الى محاولة احد الاطراف تأجيل الصراع، فالحمامات/تريد جدارا، او شجرا للهديل / ليس تبلغ منه البنادق..

واستخدم الشاعر (ليس تبلغ منه البنادق)، قبل (شجرا للهديل القديم)، على الرغم من ان السياق الطبيعي هو ان يكون الترابط بين سطري القصيدة على النحو الذي اورده الباحث، لكن موضع البنادق الذي اختاره الشاعر (بين الجدار والشجر)، اشارة الى مقدرة البندقية على تتبع الحمائم اينما ذهبت، في تواصل تركيبي مع المقطع الاول، (تطير الحمامات في ساحة الطيران. البنادق تتبعها) ، وبذلك اصبح حضور الصورة المركزية في القصيدة مستمرا في مقاطعها المختلفة، وهذا الحضور جعلها تشي بمخزونها وطاقتها المتجددة في القصيدة(1)، اذ يقول الشاعر في المقطع الثاني:

ولكننا يا بلاد البنادق كنا صغارا،فلم نلتفت

لإله الجنود، ولم نلتفت للحقائب مثقلة.. نحن

كنا صغارا.. اقمنا جدارا ونمنا على مضض

والحمامات خافقة في الهزيع الاخير..

ـ وفي هذا المقطع جدد الشاعر علاقات العناصر نفسها في الصورة الاولى، الامر الذي يجعله جزءا من صورة النص المركزية المولدة.

3ـ الايديولوجيا المولدة:

اثرت الايديولوجيا في قصيدة سعدي يوسف بشكل ملحوظ، وكانت هذه التأثيرات اكثر بروزا في قصائده الاولى، فمنها ما اعتمد المباشرة في الطرح كما في قصيدة (يوميات السفينة جروزيا)(2)، التي يعنون مقطعها الثاني (اغنية للبحارة السوفيت) ويقول فيها:

في الليل اضواء النجوم

زرقاء خافتة وانتم تنشدون

والبحر اهدأ ما يكون

والقلب اصفى ما يكون

يا اخوتي.. غنوا معي شيئا عن الانهار

فالماء في الفولغا يلونه النهار.,.

لكن هذه المباشرة في طرح الايديولوجيا تبدأ بالضعف، مقابل شعرية اكثر قوة ووضوحا في النص بعد نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وقوة الشعرية تتأتى من خلال التلميح عن الموقف الايديولوجي، او استخدام الرمز ، كما في قصيدة (نحن لم نحتكم)(3)، التي يقول فيها الشاعر:

لم تضعْ، او تضيّع ، فانت الحقيقة منثورة في التراب الذي

نتنفس او نجتلي، انت عبر العراق: المسافة، تاريخه القرمزي

واطفاله القادمون.

وفي هذه القصيدة يستخدم الشاعر (التاريخ القرمزي) للدلالة على موقفه الايديولوجي والعقائدي الذي يمثله اللون (الاحمر) شعار الشيوعيين ، وفي مرحلة بعد منتصف الستينيات يغلب الرمز على الموقف الايديولوجي، وتنسحب المباشرة من القصيدة، يتطور هذا الانسحاب بشكل اوضح من مرحلة السبعينيات كما في قصيدة (الرماة) (1) التي يقول فيها الشاعر:

رأيت كتّاب الامير، سألتهم ، وخرجتُ. هل امضي

الى (قيثارة العميان)؟ ريثما سمعت قصيدة وشربت

كأسا، لم تكن (قيثارة العميان) قد فتحت، طرقت

الباب ، قالت لي فتاة:

ـ غادر الشعراء

اين

ـ الى الوليمة

كلهم

ـ كل الذين عرفتهم

ودّعتها قبل انطباق الباب، ثم مضيت عبر ازقة

الفقراء، نحو النهر مغتما، جلست ونخلة قربي.

ان الاتجاه نحو استخدام الرمز في القصيدة المعبرة عن الموقف الايديولوجي لم يلغ وجود قصائد اخرى في حقب زمنية متقاربة تصرح بعقيدة الشاعر، وهذا الاستخدام المزدوج في السبيعينات وما بعدها، للايديولوجيا في القصيدة يشير بشكل واضح الى التأثيرات المباشرة للموقف الايديولوجي في حياة الشاعر، فمن جراء هذا الموقف، طاردته الانظمة ، ودخل السجون وشرد في البلدان ، وعانى من التعسف والاحباط ، لكن هذه المعاناة لم تكن هي نفسها قصيدة سعدي يوسف، بل كانت موقفا جعله يتمييز بقدرته على تفجير طاقاته الروحية واعطائها طابعا حركيا مولدا لبنى شعرية، امتازت هذه البنى بطابعها الانساني من دون ان يؤثر ذلك على الجانب الجمالي الذي يرتقي بالشعرية ويزيد من عمقها(1) ،فالايديولوجيا عند سعدي يوسف تجربة انسانية شأنها شان بقية التجارب الاخرى وليست موقفا دعائيا او اعلاميا(2) ولخص هذه التجربة في قصيدة (الفصول ـ 2)(3)، التي كتبها الشاعر في عام (2002م) ويقول فيها:

لكأنني في صر موسكو، اكسح الثلج الذي غطّى ممرّ الباب

لكني هنا، في لندن الكبرى، اقطر ما تبقى من رماد الصيف

في قنينة

لما يزل ايلول في كتب الاغاني ناعسا، عيناي متعبتان مما اشتطت

امرأة طوال الليل قلت: أُلامس الاوراق في النبت الذي ذاق الندى

وتسلقّ الاعماق. قلت: سأهتدي من نبض انملة ونسغ

قلت: التجيء الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (الوركا) او الى

هذا النبات المعتلي بابي...

في هذه القصيدة هناك بناء يعتمد الذاكرة والتصور والواقع، وهو بناء منوع يتيح للشاعر تشكيل صور ذات ابعاد متعددة من خلال، الصورة الرئيسة، او الموقف المركزي، اذ يبتدىء الشاعر بذاكرته المرتكزة على موقفه العقائدي..

(لكأنني في صر موسكو، اكسح الثلج).,.

وهذه البداية تشي بوجود الشاعر في مكان غير موسكو، وذلك من خلال الحرف المشبه بالفعل (كأن)، ويعزز الشاعر هذه الدلالة من خلال (لكني هنا، في لندن الكبرى) ليتأسس في هذين السطرين الشعريين بناء يبدأ من الذاكرة وينتهي بالواقع

موسكو ـــــ ذاكرة ايديولوجية تعارض الرأسمالية.

لندن ــــــ حاضر (واقع)، موقف ايديولوجي مؤيد للرأسمالية.

ومن خلال هذا التعارض بين الذاكرة والواقع ، تتعاقب الصور الشعرية المتولدة عن الموقف الايديولوجي في السطرين الشعريين (الاول والثاني)، ففي لندن (يقطر) الشاعر ما تبقى من رماد الصيف في قنينة، وهذه الصورة الجزئية المبنية على الاستعاره تسبق صورا اخرى تنبني على علاقات محسوسة ومجردة.

ايلول/ في كتب الاغاني ناعسا.

ايلول / ناعسا مجرد ــــ محسوس.

أُلامس الاوراق في النبت الذي ذاق الندي

الامس الاوراق ــــ ذاق الندى محسوس ــــ محسوس.

اهتدى من نبض انملة ونسغ اهتدى/مجرد ــــ نبض انملة/ محسوس.

التجىء: الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (لوركا).

التجىء / مجرد ـ قميص الخضر / محسوس

او الى النبات المعتلي بابي/ النبات (محسوس) ـــ الباب (محسوس).

شكلت الذاكرة في هذا المقطع محاولة من لدن الشاعر للعودة الى الجذور، والجذر عند الشاعر يتحقق في موقفين الاول عقائدي وقد عبر عنه الشاعر باللجوء الى (لوركا)، الشاعر الاسباني الذي قتل في الحرب الاهلية الاسبانية بعد منتصف الثلاثينيات (وموقف لوركا، الفكري والايديولوجي قريب من موقف الشاعر)، وهذا القرب جعله متأثرا بلوركا، اما الموقف الثاني فهو النبات، الذي يعبر عن استمرار وجوده من خلال الشاعر نفسه، (فالنبات المعتلي) يستمر في وجود الشاعر في المكان نفسه.

وهذان الموقفان المعبران عن ذاكرة واحدة يشيران الى الصراع الداخلي الذي يجتاح الشاعر بين (انا) ذات موقف ايديولوجي عقائدي (خاسر)، بعد ان اصبحت لندن بديل موسكو، و(انا) ذات وجود انساني متحرك ومتغير في الزمان والمكان، وفي هذا النمط من الصراع كانت عناية الشاعر بالجانب العقائدي واضحة من خلال رموزه التي استخدمها في النص، من دون ان يستند الى شعاراته ومواقفه الايديولوجية(1)، الامر الذي جعل البعد الايديولوجي في القصيدة بعدا غائرا في النص مكتشفا في صراع الذات الداخلي.

ان هذا الصراع (الذاتي) في الموقف الايديولوجي هو الذي ولد الصور الجزئية في القصيدة، والعلاقات بين عناصر بعضها متفقة، واخرى متعارضة، اذ كان وجود (الذات) في مكان مناقض لها في الايديولوجيا سببا لهذا التدفق الشعوري في القصيدة.



4ـ الجدلية المولدة للرمز والاسطورة:

يلعب استثمار الاسطورة ورمزها دورا مهما في قصيدة سعدي يوسف، وينبع هذا الدور من دوافع متعددة لعل اهمها الجوانب الثقافية والنفسية والايديولوجية والسياسية والفنية، اذ اتيح للشاعر الاطلاع على الفكر الانساني العالمي ضمن ثقافته الاممية(1) ويعد رمز الاخضر بن يوسف من ابرز الرموز التي استخدمها الشاعر، وتقنع بها، ففي ديوان (الليالي كلها)(2)، يستخدم الشاعر قناع الاخضر في قصيدة بعنوان (حوار مع الاخضر بن يوسف) (3) ، يقول فيها:

سيدي

سيدي الاخضر المرْ

ياسيدي يا بن يوسف

من لي سواك اذا اغلقت حانة بالرباط؟

ومن لي سواك اذا اغلقت بالعراق النوافذ؟

وفي مقطع اخر يقول:

ويا سيدي الاخضر المر

يا سيدي بن يوسف

من قال انا شقينا

ومن قال انّا لقينا

ومن قال انا حكمنا معا... بالتداخل

وفي قصيدة بعنوان (الاخضر ايضا) (1) يقول الشاعر:

حين يضغط هذا الحديد الثقيل

على موضع العقدة الناتئة

خلف عنقي

ايها الاخضر المتطاول

اين تكون المدينة؟

كما اصدر الشاعر ديوانا بعنوان (الاخضر بن يوسف ومشاغله)(2)، ومن القصائد الاخرى التي كتبها الشاعر عن الاخضر قصيدة، (كيف كتب الاخضر بن يوسف قصائده)(3)، يطرح فيها معاناته في كتابة الشعر، ويقول في مقطع منها: (وعندما يبتعد الاخضر بن يوسف عن الارض يفقد قواه هكذا يظل جناحه مشدودا بخيط سائب.. خيط يمسح وجه الارض)، وهذا مقطع نثري ضمن قصيدة من الشعر الحر.

وفي القصائد الاخيرة اوضح الشاعر ما يريده من الرمز اذ يقول:

قلت: التجىء الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (لوركا) او الى هذا النبات المعتلي بابي..

ويحمّل سعدي يوسف في هذه المقاطع صورة الخضر رمزها واسطوريتها، جاعلا اياها معادلا موضوعيا لذاته، واحيانا قناعا لوجوده الذي يتحرك في الموضوع، فالخضر شخصية اسطورية متحولة في رمزها سواء أكان ذلك في الاساطير القديمة ام في الاديان،ففي الدين الاسلامي يتفق المفسرون لايات القران الكريم على ان العبد الذي التقاه النبي موسى وفتاه هو الخضر(4)، في قوله تعالى ((فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلَّمناه من لدنا علما))(5).

وتقع حكاية الخضر في القسم الاوثق في تفسير الاسرائيليات بالنسبة لمفسري القرآن الكريم(1)، اما في الاسطورة البابلية فهو مصدر الحياة، وفي الثقافة الهندية اصبح الخضر إلها نهريا يصور جالسا على سمكه(2) وفي الديانة المسيحية قيل ((انما سمي الخضر لانه اينما صلى اخضر حوله))(3). ان هذا الاطار الانساني لرمز الخضر يتوافق مع الاتجاه الفكري والعقائدي للشاعر، لذلك استخدم العلائم التي ترتبط بالخضر للتعبير عن موقفه في النضال السياسي ضد الطغيان والظلم، ففي قصيدة (حوار مع الاخضر بن يوسف)(4)، يكون المغرب العربي هو المشكِّل لموقف الشاعر مكانيا، ولكن زمانيا، يستدرج الشاعر الاسطورة في الصورة الشعرية لتوليد صور ذات طابع معاصر بروح اسطورية اذ يقول:

وبين الجبال ـ القبيلة... كنّا غريبين

لم نأكل القمح اخضر

والورد اخضر

لم نعرف الورد المتساقط

هذا البذار البعيد ، وتلك النجوم القليلة

غريبين كنا عن الصخر تحت المياه

عن الماء تحت الصخور.

وفي هذا المقطع اشارات اخرى غير الخصب تومىء الى شخصية الخضر، (الصخرة، المياه، موقع الصخرة)، وهذه الاشارات جاءت في قصص الثعلبي حين قال: ((سأل موسى الله اين يطلب الخضر فقال على الساحل عند الصخرة)) (5).

وتمثل هذه القصيدة الصراع السياسي في المغرب العربي ففي هذا المكان يلتقي، الماء المالح بالماء العذب حيث يرتبط بهما اسم (الخضر) في الاساطير، ويتضح ذلك من التفاصيل اليومية لحياة السياسيين في القصيدة اذ يقول الشاعر فيها:

في ان تكون الرباط الحياد،

في ان يكون المحيط الخليج...

بأطراف تطوان ادركنا الليل والبندقية

عبداللطيف الذي لم يكن بعد في السجن ادركنا

والجبال الشقية بالماء ما ادركتنا

وتقع تطوان في اقصى المغرب العربي وهي الموقع الدقيق لالتقاء الماء المالح بالماء العذب.

ولاحظ الباحث ان اللون (الاخضر) هو اللون الطاغي في قصائد الشاعر، الامر الذي يؤكد حركة الرمز الاسطورية المتعلقة بـ(الخضر) داخل القصيدة، فالعلاقات المتولدة في قصائد الشاعر تستند إلى هذه الشخصية ورمزها الاسطوري ،ففي القصائد السياسية غالبا، ما يكون (الاخضر بن يوسف) حاضرا برموزه فيها ويتضح ذلك في قصيدته (دائرة المثلث)(1) ، التي يتناول فيها الشاعر الصراع السياسي في التاريخ العربي اذ يقول:

(سومريون يخفون تحت السماوات اسماكهم)

وفي مقطع آخر يقول:

(فلنعترف الليلة ان الماء يحاصرنا.. والصحراء بعيدة).

وفي هذه القصيدة هناك اشارتان لرمز (الخضر)، وهما (السمكة والماء) اللذان يؤكدان ان الخضر هو رمز الخصب، وتذهب الناقدة ريتا عوض في هذا الصدد قائلة ((يتأكد من رمزي الماء والسمكة ان الخضر رمز الخصب والحياة))(2).

واستخدم الشاعر الاسطورة والرمز في قصائد اخرى ولكن ليس بالكثافة نفسها التي استخدم فيها رمز (الخضر)، ومنها اسطورة الخلق في الثقافة الاغريقية، وتتضح هذه الاسطورة في قصيدة (خماسية الروح)(3)، التي يقول فيها الشاعر:

يوم عالجتها بالتراب

هذه الروح ـ قال التراب ـ

بالضياء احترقت

* * *

حين عالجتها بالهواء

ـ هذه الروح ـ قال الهواء

يومها ما هببت

* * *

يوم عالجتها بالحجر

ـ هذه الروح ـ قال الحجر

هل اكون انتهيت

* * *

يوم عالجتها بالشجر

هذه الروح ـ قال الشجر

كالتراب احترقت

* * *

يوم اطعمتها نارها

قالت الروح... اني استرحت.



وفي هذه القصيدة تولد اسطورة الوجود الاول في الثقافة الاغريقية العلاقات بين الذات والاخر داخل القصيدة، فالشاعر يبدأ كل مقطع فيها بمكِّون من مكونات الوجود الاسطوري، ((التراب ، الهواء ، النار ، الماء،))، وهذه المكونات يحيلها الدكتور سعدالدين كليب الى حجر الفلاسفة الاغريق بوصفه رمزا للعبث واللاجدوى(1)، ومن خلال هذه المكونات تنسج القصيدة علاقاتها عبر سؤال فلسفي كوني كبير يطرحه الشاعر بشأن مكون الروح وحقيقة فعالية وجودها في الحياة المعاصرة، ويذهب محمد مبارك الى ان هذه (العناصر) المكونة للوجود في الاسطورة الاغريقية تكون مشهدا شعريا يتوفر فيه الشاعر على طرف من مجريات حياته الروحية واليومية عبر تساؤلات وجودية منطوية في ذاتها على لعبة التساؤل ذاتها(1).

وفي هذا الاستخدام الاسطوري ربط الشاعر بين القدم والحداثة في رؤية متغيرات ما يعيشه اليوم، وبهذا انتج الرمز الاسطوري علاقات القصيدة المتولدة من فهم الشاعر للحياة، ذلك الفهم المستند الى (السيزيفية)، في عدم جدوى المحاولة وبالتالي عدم جدوى الوجود ذاته بقول الشاعر بشأن الحجر: (كي نطوف به دهرا)، وفي هذا السطر هناك تناص مع حجر سيزيف(2).

5ـ الرمز المولد للتعارض

وفي هذا النمط تتشكل علاقات النسيج الشعري على تعارض مع حركة الرمز الموروث، لينتج هذا التعارض صورة كلية تنتج بدورها صورا جزئية تستند الى المعارضة الكلية للرمز، ويتضح ذلك في قصيدة (الرماة)(3)، التي يقدمها الشاعر باهداء الى (ابن خلدون)، ويقول فيها:

بعد ان داروا على رحلتهمْ

شققوا اقدامهم فارتحلوا

الاقانيم على احداقهم

والاقاليم تراها الابل

في السماء التي تجفّ، رأينا العشب، نحن الموكّلين

ويرتبط الرمز، (ابن خلدون)، هنا، بموقف الشاعر من تكوّن الدولة في الوطن العربي في العصر الحديث، محاكيا آراء ابن خلدون التي تحدد الاطوار التي تمر بها الدولة في التاريخ، وهذه الاطوار عند ابن خلدون تتلخص بما يأتي:

ـ طور السعي الى الملك والظفر به

ـ طور الاستبداد والانفراد بالملك

ـ طور الفراغ والدعة

ـ طور القنوع بالملك ومسالمة الاعداء

ـ طور الاسراف والتبذير(1)

ويتبنين نسيج القصيدة بأطوار مخالفة للاطوار التي ذكرها ابن خلدون في تكون الدولة العربية، فالدولة العربية عند الشاعر تبدأ بقمع المعارضين ولا تنتهي، لانها دولة بدأت بمسالمة الاعداء، وهم الذين اوجدوها ، كما في المقطع الاتي:

لم نعرف بلادا ، خيوطنا الغزل نرميها فنثوي

وهذا الحمى كالسراب، الليل خطت عصا بلادا

وفي الصبح انتهى الرمل من تهاويل اهراماته

وفي السطر الثاني من هذا المقطع اشارة الى تكون الدول العربية في ضوء اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، التي حددها الاستعماران الانكليزي والفرنسي في الوطن العربي، وفي هذا التكوين المشوه، تعارض الصور الشعرية في القصيدة التراث التكويني للدولة (العربية الاسلامية) التي بذل المحاربون من اجلها ارواحهم، اذ يقول الشاعر في قصيدته:

ربما مرّت على اهدابنا

خفقة خرساء ممن قتلوا

ينبت العشب على اجسادهم

حين تشتو الريح او تنتقل

ربما مّرت بنا، لكننا

كل عام، به نحتفل

ويحاكي الشاعر في مقاطع اخرى اراء ابن خلدون في الحضارة، مانحا الرمز طاقة معاصرة في العلاقة بين الدولة المشوهة، والانسان فيها بوصفه صاحب الارث الحضاري العميق، وهذه العلاقة بين الارث التاريخي والتشوه الحديث ادت الى الانقسام والتشرذم بقوله:

من نحن؟ بداة دخلو القرية بالسيف

اقاموا خيمة... وبعد الابل

العجفاء، صاروا يحلبون البقر الفاقع، نيرانهمو والروث

واضيافهمو اهل الربابات، يمر الصبية الايتام

آباؤهم نحن قتلناهم... نحن البدو مرميون

في خيماتنا الطين.

وهذه الصورة تعارض منطق ابن خلدون في التطور ، لان الانسان الحديث في البلاد العربية يتقهقر ولا يفهم معنى الحياة المعاصرة، كما اوضح ذلك المقطع الشعري، ويعلق محمد مبارك على هذا المقطع بقوله: ((اذن نحن بدو مرميون في مهب عواصف هوجاء نقتل بعضنا ونجتاح بشراسة انفسنا ونقيم في خيمات نتوهم انها العالم بأطرافه))(1).

ان هذه التعارضات التي اقامها الشاعر مع الرمز منحته طاقة متجددة في الحياة، الامر الذي جعله رمزا معاصرا في صوره المعارضة لصورة الواقع، فالهرم عند ابن خلدون، هو الدولة المكتملة البناء التي تبدأ بالانهيار، اذ يقول في هذا الصدد: ((اعلم ان اول ما يقع من اثار الهرم في الدولة انقسامها))(2) في حين يشكل الهرم في قصيدة سعدي يوسف بداية تكوين الدولة الحديثة بطابعه المادي بقوله:

اهراماتنا التي قد بناها الرمل؟ احجارنا التي

قد عبدناها، النساء المعذبات؟ الرجال الجائعين

انتهت مضاربنا يوم رأينا السماء سدرة

.......

.......

اذن فلنكن حضرا.. هل تكون البداية ان

نرتدي ما نشاء

وهنا اقام الشاعر علاقة تواز ايقاعي ودلالي بين (الهرم) الشيخوخة، و(الهرم)، شكل البناء المادي.

وتحلل الناقدة ريتا عوض هذه الجدلية في علاقة التراث بالحداثة بقولها ((كان التحدي الغربي والصراع بين القديم والمحدث، وبين التراث العربي من ناحية والتراث الغربي من ناحية اخرى هي الطابع الغالب على هذه المنطقة في القرن الاخير (وتقصد القرن العشرين)، وقد غدا هذا الصراع من القضايا الاساسية التي تشغل ضمير كل مثقف عربي، ومن البديهي ان تفرض قضية الحضارة العربية في هذا العصر ذاتها على ضمير الشاعر)) (1).

وهذه الحقيقة هي التي جعلت طاقة الرمز متجددة في جدلية القديم والحديث، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور عزالدين اسماعيل الى ان صورة التعامل غير المباشر مع الرمز القديم، تضفي على الشعر قوة تعبيرية لها وزنها وقيمتها(2)، ويرى الباحث ان هذه القيمة التعبيرية تتحقق في العلاقات الزمانية والمكانية التي تولد طاقات مضافة لما هو معاصر من خلال امتداده التاريخي في الوعي الجمعي الانساني الذي استند اليه الشاعر في معارضته للرمز في القصيدة.





الخـــاتمـــــة





اتخذ البناء الفني للقصيدة أطرا مختلفة في النقد الحديث، اذ عالجه الباحثون والنقاد على وفق بنى تختلف من واحد الى اخر، فمنهم من رأى انه اتحاد المعنى بالايقاع ، ومنهم من ذهب الى انه الايقاع والصورة الشعرية. ولم يكن هذا الموضوع جديدا من حيث اتجاهات الدراسة او موضوعاتها، فقد درس النقد العربي القديم هذا الموضوع على وفق التطورات التي اصابت القصيدة العربية آنذاك، ومنها ظهور الموشح في الاندلس، الذي نقل بناء القصيدة التقليدية الى مرحلة جديدة في التشكيل البصري والايقاع واللغة.



ولهذا عمدت دراسة البناء الفني في قصيدة سعدي يوسف الى اتخاذ التطورات القديمة والحديثة والمعاصرة في مجال النقد والبحث سبيلا لها، وكانت البنية الظاهرة هي البنية التي درستها الاتجاهات النقدية القديمة والحديثة على انها البنية السطحية، أي انها البنية التي تمثل العناصر الاكثر بروزا في النص، ووجد الباحث، من خلال دراسته، ان هذه البنية تمتاز بعلاقة جدلية مع البنى الاخرى، مثلما تمتاز بعلاقات داخلية يؤثر كل عنصر فيها على العناصر الاخرى، فالبنية التشكيلية ترتبط ارتباطا وثيقا بالوزن، والقافية ، وان القافية عنصر من عناصر الوزن وهي جزء من حركة عناصر القصيدة التي تحدد انماط البناء ، وقد لاحظ الباحث ان (اربعة من انماط البناء الفني في القصيدة) تعتمد بشكل رئيس على القافية، فضلا عن الجانب الايقاعي الذي تحدثه في قصيدة التفعيلة.



وحاول الباحث في هذا الصدد ان يلاحظ العلاقة التي تربط البنية الظاهرة بالمتلقي ، واستنتج ان هذه البنية هي العنصر الرئيس الذي يتحدد في ضوئه الجنس الادبي. ويعد سعدي يوسف من اكثر الشعراء عناية بهذه البنية بسبب وجود عدد من القصائد التي تعتمد التشكيل المكاني اطارا للمعنى. كما لاحظ الباحث ان عنصر البنية التشكيلية تمثَّل بانزياحات متعددة في قصيدة سعدي يوسف، وان هذه الانزياحات حملت معنى مغايرا للمعنى السياقي في القصيدة التقليدية من شعر التفعيلة، ولاحظ ايضا ان الوزن غالبا ما يتعرض للانزياح عن تفعيلته الاصلية من خلال الزحافات والعلل، الامر الذي يفسر حرص الشاعر على تنويع الايقاع الذي تسمح به قصيدة التفعيلة، كما كان للقافية دورها في اغناء الايقاع من خلال سلسلة ارتباطات دلالية وموسيقية مع السطر الشعري، امتازت بالتنوع في الظهور والاختفاء.

اما البنية الشاركة فهي البنية التي يبدأ فيها المتلقي باكتشاف العناصر الجمالية في القصيدة، وهي بنية تمثل حلقة وصل بين البنية الظاهرة، والبنية المضمرة، وتعتمد بشكل رئيس على عنصر الايقاع الداخلي الذي يمتاز بالتغيير وعدم الخضوع لنظام خارجي صارم مثل الوزن، وهذه البنية، على ما استنتجه الباحث، ما تزال مدار بحث ونقاش واجتهاد، لهذا قدم الباحث فرضية بشأن هذه البنية ودرس الايقاع الداخلي في قصيدة سعدي يوسف في ضوء هذه الفرضية محاولا اثبات صحة ما طرحه، ومع هذه البنية وجد الباحث ان التوازي بنية ايقاعية ودلالية اخرى، وهي ماتزال، شأن الايقاع الداخلي، محل اجتهاد وبحث وتحليل، فالتوازي يمكن ان يشمل الشعر كله، ولو ان الرسالة استندت إلى هذه الفرضية لكان عنوانها (التوازي في شعر سعدي يوسف)، ولكن الباحث وجد في علاقات التوازي مسألتين: الاولى تتعلق بالايقاع من خلال التأثيرات الصوتية للحرف والمفردة والسطر الشعري، والثانية المعنى الذي يحققه الصوت وتغييره في القصيدة، وهاتان المسألتان لاتشكلان بنية التوازي كلها ولكنهما العنصر الطاغي في بنية التوازي، الامر الذي جعل الباحث يفرد له مبحثا كاملا.



ولعل اهم قضية ركز الباحث عليها في بحثه، العلاقات المتداخلة بين البنى، ولكي لا يخلط الوظائف والتحولات في هذه البنى درس العنصر الطاغي في البنية وجعله اساسا للدراسة مع علمه المسبق ان هناك مباحث يمكن ان تتداخل مع مباحث اخرى لكنه اعتمد على علاقة الخاص بالعام في البنى المدروسة، لهذا وجد التنغيم والانشاد عنصرين متداخلين لكن الذي يفرقهما هو ان الاول خاص والثاني عام، وكانت علاقة الخاص بالعام قد جعلت بنية التنغيم والانشاد العنصر المشترك الابرز بين الشاعر والمتلقي ،وان عناصر القصيدة في هذه البنية من علامات ترقيم وعلامات تعجب واستفهام هي التي تحدد طريقة انشاد الشعر وتعزز ايقاعه ومعناه. اما البنية الثالثة، وهي البنية المضمرة فتعد، بحسب ما يرى الباحث، نتاج البنيتين السابقتين اللتين تجعلان القارىء يستحضر طاقاته الذهنية والجمالية لاكتشاف رسالة القصيدة، وان هذه الرسالة لاتبنى على الصور المجردة بل تعتمد بشكل رئيس على العلاقات الداخلية للمفردات في السطر الشعري او الجملة الشعرية او المقطع او القصيدة كلها، لهذا كان هناك في هذه البنية ما يطلق عليه المعنى الجزئي والمعنى العام وان كلا المعنيين يؤثر في الاخر ضمن الوحدة العضوية التي تمتاز بها قصيدة سعدي يوسف.



وعلى وفق ماتقدم فان الباحث يرى ان الاستغناء عن اية بنية من هذه البنى يعد نقصا علميا ومنهجيا في دراسة البناء الفني للقصيدة ، خاصة اذا كانت الدراسة تخص شاعرا مثل سعدي يوسف، فقصيدته امتازت بالتنوع من حيث موقفها الانساني ورسالتها،ومن حيث جانبها الايقاعي والموسيقي، فضلا عن عنصر الابداع والخلق الذي امتاز به الشاعر، فايقاع قصيدته لا يميل الى العنف والتصعيد، وهذا الميل ناتج عن استخدامه للبحور ذات التفعيلات القصيرة الخبب (فعلن، فعلن)، المتدارك (فاعلن) والمتقارب (فعولن) وتكاد تكون هذه البحور هي الطاغية في الوزن الذي استخدمه الشاعر، اما العلاقات الداخلية الاخرى، المتعلقة بالايقاع. فقد امتاز سعدي يوسف بمقدرة خاصة على ايجاد تناسبات صوتية في علاقات القصيدة الايقاعية وان هذه التناسبات مثلت عنصرا جماليا خاصا ومميزا في قصيدة الشاعر، واضاف لهذه المميزات استخدامه الخاص للقافية كما حدث في استخدامها في بداية السطر الشعري ، لتشكل انسجاما جديدا مع الانسجام الذي تحدثه القافية في نهاية السطر الشعري، ولاحظ الباحث ان التناسبات الصوتية لاتشمل المفردات فقط بل تشمل الحروف ايضا فهناك قصائد، كما بين الباحث، يسيطر عليها تصويت حرف معين ليجعل القصيدة كلها تصطبغ بلون ايقاعه.

كما امتاز الشاعر سعدي يوسف بمقدرة خاصة على استخدام التراثين العربي والغربي، والتطورات الحديثة التي طرأت في الوطن العربي والغرب ايضا، فكان محاكيا للتطورات في شتى انحاء العالم، في امريكا، وامريكا اللاتينية، واوربا، مثلما كان محاكيا للتطورات التي حدثت في الوطن العربي، وبهذا يكون الشاعر قد عبر عن موقفه الانساني المنطلق من اسس ايديولوجية تعتمد الاممية معيارا لها في علاقاتها مع الاخر بشكل صادق، ولهذا اغتنت قصيدته بالرمز والاسطورة عن البابليين والاغريق والهنود والعرب، وكان التراث الاممي والانساني حاضرا في قصائده.

لقد منح هذا التنوع الفكري والاطلاع الواسع للشاعر نكهة خاصة للقصيدة ربما لم يجدها الباحث عند شاعر آخر، وكان التنوع ممتدا في عناصر القصيدة كلها ابتداء من الايقاع حتى المعنى العميق للقصيدة.

ان هذا التنوع الذي عرضه الباحث على وفق منهج تحليلي استخدم فيه التفوهات النظرية والبحوث والدراسات التي لها علاقة بالبناء الفني في الوطن العربي والغرب، محاولا تأصيل بعض المفاهيم والمصطلحات التي تناولها النقاد العرب في حقبة ازدهار النقد العربي بعد المئة الاولى للهجرة، وساعد هذا المنهج الباحث على استخدام آلية لتحليل النصوص تنطلق من النص ذاته ومتغيراته التي تحدثها عناصر البناء فيه، وذلك من اجل الوصول الى شبكة العلاقات التي تربط عناصر النص وبنيته لبيان جماليته وثراه، وقد افاد منهج التحليل هذا في استبعاد كل العناصر الذوقية الانطباعية التي اعتمدت في السابق في تقويم شاعر مهم مثل سعدي يوسف.



المصــادر والمراجع



اولا ـ المصادر والمراجع العربية



ـ القرآن الكريم.

ـ الكتاب المقدس.

( أ )

ـ ابن الاثير، ضياء الدين: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تح أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مكتبة نهضة مصر. ط1، 1960.

ـ ابن بسام، أبو الحسن علي الشنتريني: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تح احسان عباس، دار الثقافة ، بيروت، 1979.

ـ ابن جعفر، ابو الفتح قدامة: نقد الشعر، تح محمد عبدالمنعم خفاجي، دار الكتب العلمية ، بيروت، د.ت.

ـ ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد: مقدمة ابن خلدون، تح علي عبدالواحد وافي، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984.

ـ ابن ذريل، عدنان: النقد والاسلوبية، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 1989.

ـ ابن رشد، أبو الوليد محمد بن احمد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر، تح محمد سليم سالم، المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، القاهرة، 1971.

ـ ابن رشيق، أبو علي الحسن القيرواني الازدي: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح محمد محي الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، 1955.

ـ أبن سلام, ابو عبدالله محمد الجمحي : طبقات الشعراء , نشر جوزف هل , دار الكتب العلمية , 1982

ـ ابن سناء، هبة الله الملك: دار الطراز في عمل الموشحات، تح جودة الركابي، دمشق 1949.

ـ ابن سنان، أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد الخفاجي: سر الفصاحة، تحقيق عبد المتعال الصعيدي، مطبعة محمد علي صبيح ، القاهرة 1969.

ـ ابن طباطبا، ابو الحسن محمد بن أحمد العلوي: عيار الشعر، شرح وتحقيق عباس عبدالساتر مراجعة نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت 1982.

ـ ابن قتيبة، ابو محمد عبدالله: الشعر والشعراء، تح وشرح أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة 1958.

ـ ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل القرشي: تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة ، بيروت 1987.

ـ ابن المعتز، عبدالله بن المتوكل بن المعتصم: البديع ، تح كراتشكوفسكي، دار الحكمة، دمشق د.ت.

ـ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب المحيط، اعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي، دار لسان العرب، بيروت د.ت.

ـ أبو اصبع، صالح: الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1979.

ـ أبو ديب، كمال: الرؤى المقنعة، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1968.

ـ أحمد ، محمد فتوح: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر، دار المعارف، القاهرة 1977.

ـ أحمد، نهلة فيصل: التفاعل النصي، مؤسسة اليمامة، الرياض 2001،

ـ الاخفش، ابو الحسن سعيد بن مسعدة: القوافي، تح عزة حسن، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1970.

ـ اسماعيل، عز الدين: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، ط3، دار العودة، بيروت، 1981.

ـ اطيمش، محسن: تحولات الشجرة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 2006.

ـ دير الملاك، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982.

ـ الاعرجي، محمد حسين: الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1978.

ـ أنيس، ابراهيم: الاصوات اللغوية، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، د.ت.

ـ من اسرار اللغة، ط2، مطبعة لجنة البيان العربي، 1958.

ـ موسيقى الشعر، دار القلم، بيروت 1972.

( ب )

ـ بدوي، عبدالرحمن: المنطق الصوري، دار الصورة، بيروت، 1976.

( ت)

ـ التوتنجي، محمد: الاتجاهات الشعرية في بلاد الشام، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1991.

(ث)

ـ ثامر، فاضل: مدارات نقدية، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1978.

ـ ثامر فاضل، وآخرون: نازك الملائكة، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1992.

ـ الثعلبي، ابن اسحق احمد بن محمد بن ابراهيم: قصص الانبياء (عرائس المجالس)، مطبعة عاطف، القاهرة د.ت.

(ج)

ـ الجاحظ، ابو عثمان عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ط3 تح عبدالسلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة 1968.

ـ الجبوري، مي فاضل: القراءات القرآنية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1996.

ـ الجرجاني، عبدالقاهر: دلائل الاعجاز، تح محمد عبدالمنعم خفاجي، مكتبة القاهرة، القاهرة، 1969.

ـ الجوهري، اسماعيل بن حماد: الصحاح في اللغة والعلوم،اعداد وتصنيف نديم مرعشلي واسامة مرعشلي، دار الحضارة العربية ، بيروت 1974.

ـ الجيوسي، سلمى الخضراء: موسوعة الادب الفلسطيني، المجلد الاول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997.

(ح)

ـ حسين، عدنان قاسم: الاصول التراثية في نقد الشعر العربي المعاصر، المنشأة الشعبية للنشر، ليبيا، 1981.

ـ الحلي، صفي الدين: شرح الكافية البديعية، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1983.

(خ)

ـ الخطيب ، محمد كامل: نظرية الشعرة مرحلة الاحياء والديوان، ق1، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق، 1997.

ـ خمر العين، خيرة: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1996.

ـ خير بيك، كمال: حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، دار المشرق، بيروت 1982.

(د)

ـ د ك الباب، جعفر: النظرية اللغوية العربية الحديثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996.

ـ الدماميني، بدر الدين ابو محمد بن أبي بكر: العيون الغامزة على خبايا الرامزة، تح الحساني حسن عبدالله، دار المعارف، القاهرة، 1973.

(ر)

ـ الراضي عبدالحميد: شرح تحفة الخليل في العروض والقافية ، ط2، مؤسسة الرسالة، بغداد، 1975.

ـ الرندي، أبو البقاء: الوافي في نظم القوافي، الرباط، 1989.

(ز)

ـ زايد، علي عشري: موسيقى الشعر الحر، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة، 1989.

ـ الزبيدي، مرشد: البناء الفني للقصيدة في النقد العربي المعاصر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1992.

(س)

ـ السامرائي، فاضل: معاني الابنية في اللغة العربية، جامعة بغداد، بغداد 1981.

ـ سعيد ، خالدة: حركية الابداع، دار العودة ، بيروت 1979.

ـ السكاكي، ابو يعقوب يوسف بن ابي بكر: مفتاح العلوم ، ط2، مطبعة الحلبي، مصر، 1937.

ـ سيبويه، ابو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب ، تح عبدالسلام هارون، مطابع الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1975.





(ش)

ـ شقير , شاكر: مصباح الافكار ـ ضمن كتاب نظرية الشعر , محمد كامل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة السورية ـ دمشق 1997.

ـ الشيبي , مصطفى كامل : فن القوما , دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 1996.

(ص)

ـ الصائغ، يوسف: الشعر العراقي الحر منذ نشأته حتى عام 1982 ، مطبعة الاديب ، بغداد 1978.

ـ صالح، بشرى موسى: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد 1987.

ـ الصفدي، صلاح الدين بن خليل بن ايبك: الغيث المسجم في شرح لامية العجم، مطبعة الخانجي، القاهرة 1951.

ـ الصكر، حاتم: مالا تؤديه الصفة، دار كتابات، بيروت 1993.

(ع)

ـ عبدالرؤوف، محمد عوني: بدايات الشعر العربي بين الكم والكيف، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1976.

ـ عبدالصبور، صلاح: قراءة جديدة لشعرنا القديم، دار العودة، بيروت، 1972.

ـ عبدالمطلب، محمد: البلاغة والاسلوبية، مطابع الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1984.

ـ العبطة ، محمود: بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق، مطبعة المعارف ، بغداد، 1965.

ـ العزاوي، فاضل : الروح الحية، جيل الستينيات في العراق، دار المدى، دمشق، 1997.

ـ علوش، سعيد: معجم المصطلحات الادبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985.

ـ عمر، احمد مختار: علم الدلالة، دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت 1982.

ـ عوض، ريتا: اسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.

ـ عياد شكر: موسيقى الشعر العربي، دار المعرفة، القاهرة، 1987.

ـ العيد، يمنى: في معرفة النص، دراسات في النقد الادبي، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1983.

(غ)

ـ غزوان، عناد: الشكل والمضمون في الشعر العربي المعاصر، مقالة ضمن كتاب (الشعر والفكر المعاصر) ، دار الحرية للطباعة ، بغداد، 1974.

(ف)

ـ الفارابي أبو نصر: جوامع الشعر، تح محمد سليم سالم، القاهرة، 1971 (ضمن كتاب تلخيص كتاب ارسطو طاليس في الشعر لابن رشد).

ـ الفراهيدي، الخليل بن احمد : العين، تح مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي، وزارة الاعلام العراقية ، بغداد، 1981.

ـ فضل ، صلاح : نظرية البنائية في النقد الادبي، ط3، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1987.

ـ فيدوح، عبدالقادر: الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992.

(ق)

ـ القرطاجني، ابو الحسن حازم: منهاج البلغاء وسراج الادباء، تح محمد ****** بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس 1966.

(ك)

ـ الكبيسي، طراد: الغابة والفصول ، دار الرشيد للنشر، بغداد 1979.

ـ كتاب المنزلات، ج1 ، منزلة الحداثة، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد، 1992.

ـ النقطة والدائرة: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، 1987.

ـ الكفوي، ابو البقاء أيوب بن موسى الحسيني: الكليات ، تح عدنان درويش ومحمد المصري، وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، ط1، 1976.

ـ كليب، سعد الدين: وعي الحداثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1997.

ـ كليطو، عبدالفتاح: الغائب،دراسة في مقامات الحريري، توبقال الدار البيضاء، 1982.

(ل)

ـ لازم، عربية توفيق: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث، مطبعة الايمان بغداد، 1971.

ـ اللجمي، نبيلة الرزاز: اصول قديمة في شعر جديد، وزارة الثقافة السورية، دمشق، 1995.

(م)

ـ الماكري، محمد: الشكل والخطاب، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991.

ـ مبارك، محمد: دراسات نقدية في النظرية والتطبيق، دار الحرية ، بغداد 1976.

ـ الوعي الشعري، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2004.

ـ المجذوب، عبدالله الطيب: المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة 1955.

ـ المحجوبي، علي : النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر، سراس للنشر، تونس، 1999.

ـ المحسن، فاطمة: سعدي يوسف النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث، دار المدى ، دمشق 2000.

ـ مرتاض، عبدالملك: بنية الخطاب الشعري، دار الحداثة ، بيروت 1986.

ـ المرزوقي، احمد بن محمد الحسن: شرح ديوان الحماسة، نشره احمد امين، مطبعة لجنة التاليف والترجمة، القاهرة، 1952.

ـ المساوي، عبدالسلام: البنيات الدالة في شعر امل دنقل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1994.

ـ المسدي، عبدالسلام: الاسلوبية والاسلوب، الدار العربية للكتاب ، تونس، 1982.

ـ المسدي، عبدالسلام واخرون: الشعر ومتغيرات المرحلة، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1987.

ـ مطلوب، احمد : معجم النقد العربي القديم، جزءان، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1989.

ـ النقد الادبي الحديث في العراق، مطبعة الجيلاوي، القاهرة 1968.

ـ المعداوي، احمد: البنية الايقاعية الجديدة في الشعر العربي، مجلة الوحدة، 82، 83 الرباط 1991.

ـ مفتاح ، محمد : تحليل الخطاب الشعري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1985.

ـ الملائكة، نازك:

ـ قضايا الشعر المعاصر، ط6، دار العلم للملايين ، بيروت 1981.

ـ المجموعة الشعرية الكاملة، ج1 دار العودة، بيروت 1979.

ـ الموجة الصاخبة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1994.

(ن)

ـ ناصف، مصطفى: مشكلة المعنى في النقد الحديث، مكتبة الشباب، القاهرة 1965.

ـ النويهي، محمد : قضية الشعر الجديد، دار الفكر مكتبة الخانجي، القاهرة 1971.

(هـ)

ـ هلال ، ماهر مهدي: جرس الالفاظ، دار الحرية للطباعة، بغداد 1980.

ـ هلال ، محمد غنيمي: النقد الادبي الحديث، دار النهضة، القاهرة 1965.

(و)

ـ الواد، حسين: مناهج الدراسة الادبية، دار العودة ، بيروت 1971.

ـ الورقي سعيد: لغة الشعر العربي الحديث، دار المعارف، القاهرة 1983.

(ي)

ـ اليافي، نعيم: اوهاج الحداثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1992.

ـ يوسف سعدي:

ـ خطوات الكنغر، دار المدى ، دمشق 1997.

ـ المجموعة الشعرية، ج1، الليالي كلها، دار المدى، دمشق، ط4، 1995.

ـ المجموعة الشعرية، ج2، من يعرف الوردة، دار المدى، دمشق، ط4، 1995.

ـ المجموعة الشعرية، ج3، جنة المنسيات، دار المدى ، دمشق، ط4 1995.

ـ المجموعة الشعرية، ج4، حياة صريحة، دار المدى ، دمشق، ط4 1995.

ـ المجموعة الشعرية، ج5، الخطوة الخامسة، دار المدى ، دمشق، ط4، 1995.

ـ يوميات المنفى الاخير: دار الهمداني، عدن، 1983.

ثانيا : المصادر المترجمة الى اللغة العربية

ـ ارسطو: فن الشعر، ط2، ترجمة عبدالرحمن بدوي، دار الثقافة بيروت 1973.

ـ افاناسييف: اسس الفلسفة الماركسية، ترجمة عبدالرزاق الصافي، مكتبة الطريق الجديد، بغداد 1974.

ـ اليوت، ت س: المدخل الى النقد الادبي، ترجمة لطيفة الزيات، مكتبة الانجلو المصرية القاهرة، د.ت.

ـ ايزر، ولفغانغ: القارىء الضمني، ترجمة هناء خليف علي، دار الشؤون الثقافية، بغداد ، 2006.

ـ باشلار، غاستون: جدلية الزمن، ترجمة خليل احمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988.

ـ برونتوي، جوليوس: الفيلسوف وفن الموسيقى، ترجمة فؤاد زكريا، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 1969.

ـ بياجيه، جان: البنيوية، ترجمة عارف ميمنة وتيسير اوبري، دار عويدات ، بيروت 1972.

ـ تيودوروف، تزفيتان:

ـ الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، ط2 الدار البيضاء، 1990.

ـ نقد النقد، ترجمة سامي سويدان، دار المأمون، بغداد 1986.

ـ جاكوبسن، رومان: قضايا الشعرية، ترجمة محمد الولي، مبارك حنون، دار توبقال ط1 الدار البيضاء 1988.

ـ جاكوبسن، رومان واخرون: نظرية المنهج الشكلاني، ترجمة ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط 1982,

ـ جفرسون، آن وديفيدروبي: النظرية الادبية الحديثة، ترجمة سمير مسعود، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق، 1992.

ـ جنكتو، ايردل: الفن والحياة، ترجمة احمد حمدي محمود، القاهرة، د.ت.

ـ جينيت، جيرار: مدخل لجامع النص، ترجمة عبدالرحمن أيوب، دار توبقال، الدار البيضاء 1986.

(د)

ـ دورو، اليزابيت: الشعر كيف نفهمه، ترجمة ابراهيم الشوش، مكتبة منيمنة، بيروت، 1961.

ـ دي سوسير، فرديناند: علم اللغة العام : ترجمة يوئيل يوسف عزيز، بيت الموصل، الموصل ، 1988.

(ر)

ـ راي، وليم: المعنى الادبي من الظاهراتية الى التفكيكية: ترجمة يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون، بغداد، 1988.

ـ ريتشاردز، أ أ : مبادىء النقد الادبي، ترجمة مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية للتأليف ، القاهرة، 1963.

(ك)

ـ كوهين، جان: بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، توبقال، الدار البيضاء، 1986.

ـ كيرزويل، اديث: عصر البنيوية، ترجمة جابر عصفور، دار افاق عربية ، بغداد، 1985.

ـ اللغة العليا: ترجمة احمد درويش، المجلس الاعلى للثقافة، 1995.

(ل)

ـ لوتمان، يوري: تحليل النص الشعري، ترجمة محمد فتوح، النادي الادبي الثقافي، جدة، 1999.

ـ ليتش، فنست ب: النقد الادبي الامريكي من الثلاثينيات الى الثمانينيات، ترجمة محمد يحيى، المجلس الاعلى للثقافة 2000.

(م)

ـ ماكليش، ارشيبالد: الشعر والتجربة، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1963.

(هـ)

ـ هاف، غراهام: الاسلوب والاسلوبية، ترجمة كاظم سعد الدين، دار افاق عربية، بغداد 1985.

ـ هولب، روبرت: نظرية التلقي : ترجمة عزالدين اسماعيل، النادي الثقافي، جدة، 1994.

ـ هيغل، جورج ويليهايم: فكرة الجمال ، ت جورج طرابيشي، دار الطليعة ، بيروت، 1966.

(و)

ـ وارين اوستن، رينيه ويلك: النظرية الادبية ترجمة محي الدين صبحي، المجلس الاعلى لرعاية الفنون، دمشق، 1972.

ـ ولسن، كولن: الشعر والصوفية: ترجمة عمر ابو حجلة ، دار الاداب بيروت، 1972.



ثالثا : الرسائل الجامعية

ـ الآلوسي، ثابت عبدالرزاق: ظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصر، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد، 1985.

ـ صالح ، بشرى موسى: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد، 1987.

ـ محمود، عبدالمطلب: التراث والحداثة في الشعر العراقي الحديث 1950-1980، رسالة ماجستير مطبوعة بالرونية، كلية الاداب ، جامعة بغداد، 1997.



رابعا : الدوريات

ـ انيس، ابراهيم: عناصر الموسيقى في الشعر العربي، مجلة شعر، بيروت، ابريل، 1976.

ـ ايكو، امبرتو: المرسلة الشعرية، مجلة اوراق ، ترجمة محمد درويش، ع 7-8، عمان 1998.

ـ جعفر ، عبدالكريم راضي: نصف قرن من الشعر العربي الحديث، بحث مقدم لمهرجان المربد الخامس عشر، بغداد 1999.

ـ الركابي، فليح كريم: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة، مجلة كلية الاداب، جامعة بغداد، ع 62، بغداد 2006.

ـ ترنيمة الاسى وسلطة فاعلاتن في القصيدة العربية، مجلة البيان ع 430 الكويت ، 2006.

ـ الرواشدة، سامح: بنية التوازي في شعر يوسف الصائغ واثره في الايقاع والدلالة مجلة ابحاث اليرموك، ع2، عمان ، 1998.

ـ فضل ، صلاح : ظواهر اسلوبية في شعر شوقي، مجلة فصول، ع2، يوليو، القاهرة، 1981.

ـ القط، عبدالقادر: حركة الديوان والحداثة الشعرية، بحث مقدم لمهران المربد التاسع، بغداد 1989.

ـ مجهول ، كاتب: ملامح وخطوط، مجلة الكلمة، ع6، بغداد، 1973.

ـ مظلوم، محمد جاسم: امكنة منسية في عراء الارض، ملحق جريدة الاهرام الادبي القاهرة، 11/4/2006.

ـ المعداوي , أحمد : البنية الايقاعية الجديدة للشعر العربي ـ مجلة الوحدةـ ع 82 الرباط 1991.

ـ الملائكة، نازك: سيكولوجيا القافية، مجلة شعر، ع3، يوليو 1976.

ـ مهدي، سامي: الاعماق الخضر، مجلة الاقلام، ع7-8، بغداد 1997.

ـ وعي التجديد والريادة الشعرية، مجلة الاقلام، ع8، بغداد، 1978.

ـ مهدي، سامي وأخرون : الطليعة الادبية ـ ع7-8 بغداد 1990 .

ـ نوفالس: فن الشعر ، ترجمة رشيد حبشي، مجلة مواقف ، ع24-25، بيروت 1989.

ـ يوسف، سعدي: الموازنة الواعية، مجلة الطريق، ع5، بيروت ، 1971.



1. ينظر الجوهري: الصحاح في اللغة والعلوم ـ المجلد الاول ـ مادة (بنى).

2. ينظر ابن منظور: اللسان - مادة (بنى).

3. ينظر صلاح فضل: نظرية البنائية في النقد الادبي ـ ص175.

4.ارسطو طاليس: فن الشعر ـ ص26.

5. ينظر عزالدين اسماعيل :الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ـ ص248 .

1. ابن قتيبة : الشعر والشعراء ـ ج1 ـ ص94.

2. المصدر نفسه : ص74-75.

3. ابن طباطبا : عيار الشعر ـ ص131.

4. المصدر نفسه : ص 11.

1. قدامة بن جعفر : نقد الشعر ـ ص60.

2. المصدر نفسه:ص174.

3. ابن رشيق القيرواني: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ـ ج1ـ ص129.

4. عبد القاهر الجرجاني : دلائل الاعجازـ ص97.

5. حازم القرطاجني :منهاج البلغاء وسراج الادباء ـ ص143.

6. ينظر المصدر نفسه ـ ص109.

1. القرطاجني: مصدر سابق ـ ص201.

2. ينظر طراد الكبيسي: الغابة والفصول ـ ص29.

1. ابن خلدون : المقدمة ـ ص 583.

2. ينظر ابن رشد: تلخيص كتاب ارسطو طاليس في الشعر ـ ص60.

3. ينظر ابن سناء الملك : دار الطراز في عمل الموشحات ـ ص44.

4. ينظر ابن بسام: الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة ـ ج1 ـ ص468.

5. طراد الكبيسي: مصدر سابق ـ ص29.

6. نبيلة الرزاز اللجمي: اصول قديمة في شعر جديد ـ ص10.

1. بنظر الرندي: الوافي في نظم القوافي ـ ص.198

2. ينظر عبد السلام المساوي: البنيات الدالة في شعر أمل دنقل ـ ص64.

3. ينظر عبدالقادر فيدوح: الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي ـ ص283.

4. عربية توفيق لازم : حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث ـ ص30.

5. ينظر محمد حسين الاعرجي: الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي ـ ص29.

6. احمد مطلوب: النقد الادبي الحديث في العراق ـ ص20.



1. ينظر محمد التوتنجي: الاتجاهات الشعرية في بلاد الشام ـ ص73.

2. ينظر صفي الدين الحلي: شرح الكافية البديعية الصادرفي دمشق سنة 1983.

3. علي المحجوبي: النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر ـ ص18.

4. مرشد الزبيدي ـ بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر ـ ص73.

5. محمد كامل الخطيب: نظرية الشعر، مرحلة الاحياء والديوان ـ ق1ـ ص185.

1. محمد حسين الاعرجي: مصدر سابق ـ ص3.

2. ينظر عبدالسلام المسدي واخرون: الشعر ومتغيرات المرحلة ـ ص108.

3. ينظر نبيلة الرزاز اللجمي: مصدر سابق ـ ص258

· اوراق الشعب: مجموعة شعرية للشاعر الامريكي والت ويتمان ترجمها الشاعر سعدي يوسف بكتاب صدر عن وزارة الاعلام في بغداد سنة 1976.

4. عبدالسلام المسدي واخرون: مصدر سابق ـ ص108.

5. ينظر محمد حسين الاعرجي: مصدر سابق ـ ص36.

6. عبدالقادر القط: حركة الديوان ـ بحث مقدم لمهرجان المربد التاسع ـ ص1.

1. عبدالقادر القط: مصدر سابق ـ ص11.

2. ينظر نبيلة الزراز اللجمي: مصدر سابق ـ ص34 .

3. ينظر عناد غزوان: الشكل والمضمون في الشعر العربي المعاصر ـ ص14-15.

4. المصدر نفسه: ص15.

5. ينظر عدنان قاسم حسين: الاصول التراثية في نقد الشعر العربي المعاصر في مصرـ ص47.

6. يوسف الصائغ : الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى عام 1958 ـص 64 .











1. عبد السلام المسدي واخرون: مصدر سابق ـ ص104

2. فاضل ثامر واخرون: نازك الملائكة ـ ص33.

3. المصدر نفسه: ص37.



1. نازك الملائكة: الديوان ـ ج1ـ ص6.

2. ينظر سامي مهدي : وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق ـ مجلة الاقلام- ص10.

3. فاضل ثامر واخرون : مصدر سابق ـ ص39.

4. محمود العبطة: بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق ـ ص37.

5. خيرة خمر العين: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي ـ ص46.

1. ينظر سعدي يوسف :المجموعة الشعرية ـ الليالي كلها ـ ج1ـ ص620ـ636.

2. المصدر نفسه: ص617.

3. المصدر نفسه :ص4.

4. ينظر فاطمة المحسن: سعدي يوسف النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث ـ ص6.

5. كاتب مجهول: مجلة الكلمة ـ ص43.

1. ينظر يوسف الصائغ: مصدر سابق ـ ص200.

2. المصدر نفسه: ص198.

3. ينظر سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص546.

4. المصدر نفسه: ـ ص565.

5. المصدر نفسه: ـ ص559.

6. المصدر نفسه: ـ ص575.

1. ينظر عبد المطلب محمود: التراث والحداثة في الشعر العراقي الحديث 1950ـ1980 ـ رسالة ماجستيرمقدمة الى كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـ ص102.

2. محمد مبارك: دراسات نقدية ـ ص189.

3. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصرـ ص97.

4. ينظر عبد المطلب محمود: مصدر سابق ـص84ـ95

5. ينظر يوسف الصائغ: مصدر سابق ـص47.

· صدر هذا الديوان عن مطبعة الاديب في بغداد سنة (1972م).

6. محسن اطيمش: دير الملاك ـ ص47-48.

1. محسن اطيمش: مصدر سابق ـ ص47ـ48.

· يقصد الاتجاه الشعري في الستينيات.

2. سامي مهدي: الموجة الصاخبة ـ ص255.

3. ينظر سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص498.

4. ينظر محسن اطيمش: مصدر سابق ـ ص49.

1. محسن اطيمش: مصدر سابق ـ ص48.

2. ينظر سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص567.

3. يوسف الصائغ: مصدر سابق ـ ص216.

4. سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص563.

1. سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص566.

2. المصدر نفسه ـ ص550.

3. المصدر نفسه ـ ص 559.

4. المصدر نفسه ـ ص557.

5. المصدر نفسه ـ ص417.

1. سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص556.

2. ينظر سامي مهدي:الموجة الصاخبة ـ ص136.

3. فاطمة المحسن ـ مصدر سابق ـ ص6.

4. يوسف الصائغ ـ مصدر سابق ـ ص154.

1. سامي مهدي ـ الموجة الصاخبة ـ ص221.

2. سعدي يوسف: يوميات المنفى الاخير ـ ص192.

3. محمد مبارك :الوعي الشعري ـ ص280.

4. طراد الكبيسي : كتاب المنزلات ـ ج1 ـص164 .

1. ينظر فاطمة المحسن : مصدر سابق ـ ص7.

2. ينظر فاضل العزاوي: الروح الحية ،جيل الستينيات في العراق ـ ص213.

· بيان اصدره سامي مهدي وفاضل العزاوي وخالد علي مصطفى وفوزي كريم، ينظر مجلة الطليعة الادبية ـ العدد 7-8، 1990 ـ ص 47-49.

3. ينظر سامي مهدي: الموجة الصاخبة ـ ص355.

4. ينظر طراد الكبيسي : النقطة والدائرة ـ ص66.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ج1ـ ص403.

2. محمد مبارك: الوعي الشعري ـ ص281.

3. ينظر سامي مهدي: الموجة الصاخبة ـ ص358.

4. المصدر نفسه : ص358.

5. سعدي يوسف : خطوات الكنغر ـ ص170.

1. سعدي يوسف: ـ المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص534.

2. ثابت عبد الرزاق الالوسي: ظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصرـ اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـص159.

3. فاطمة المحسن:مصدر سابق ـ ص11.

· مجموعة شعرية للشاعر سعدي يوسف صدرت في بغداد عن مطبة الاديب عام 1972 .

4. محسن اطيمش : مصدر سابق ـ ص48.

5. ينظر فاطمة المحسن: مصدر سابق ـ ص12.

6. ينظر سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج1ـ ص107.

1. يمنى العيد: في معرفة النص، دراسات في النقد الادبي ـ ص14.

2. ينظر سلمى الخضراء الجيوسي: موسوعة الادب الفلسطيني المعاصر ـ ص82.

3. ينظر سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـج3 ـج4ـج5.

4. المصدر نفسه: ج4 ، ج5.

5. فاطمة المحسن: ـ مصدر سابق ـص169.

1. ينظر محمد مبارك: الوعي الشعري ـ ص274.

2. صدرت هذه المجموعة عن دار نينوى في دمشق عام 2005م.

3. محمد جاسم مظلوم: ملحق جريدة الاهرام الادبي ـ في 11/4/2006

1. سعد الدين كليب: وعي الحداثة ـ ص48.

2. ينظر آن جيفرسون وديفيد روبي: النظرية الادبية الحديثة ـ ص20.

3. ينظر فرديناند دي سوسير: علم اللغة العامة ـ ص12.

4. ينظر رومان جاكوبسن وآخرون: نظرية المنهج الشكلاني ـ ص41-42.

5. ينظر عدنان بن ذريل: النقد والاسلوبية بين النظرية والتطبيق ـ ص40.

6. ينظر تيودوروف: نقد النقد ـ ص39.

1. ينظر محمد عبدالمطلب: البلاغة والاسلوبية ـ ص49.

2. ينظر تيودوروف: الشعرية ـ ص58.

3. ينظر اديث كيرزويل: عصر البنيوية ـ ص189.

4. ينظر عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص40.

5. ينظر غراهام هاف: الاسلوب والاسلوبية ـ ص67.

6. ينظر ولفغانغ ايزر : القارىء الضمني ـ ص241.

7. ينظر روبرت هولب ـ نظرية التلقي ـ ص339.

1. ينظر فنسنت ب. ليتش: النقد الادبي الامريكي من الثلاثينيات الى الثمانينيات ـ ص207.

2. ينظر جان بياجيه: البنيوية ـ ص9.

3. ينظر روبرت هولب ـ مصدر سابق ـ ص97.

1. ينظر جاكوبسن وآخرون ـ مصدر سابق ـ ص52.

2. نعيم اليافي: اوهاج الحداثة ـ ص24.

3. ينظر جان كوهين ـ بنية اللغة الشعرية ـ ص212.

4. ينظر محمد الماكري : الشكل والخطاب ـ ص180.

5. تيودوروف ـ نقد النقد ـ ص93.

6. ينظر سعيد علوش: معجم المصطلحات الادبية المعاصرة ـ ص53.

1. ينظر صلاح فضل ـ مصدر سابق ـ ص73.

2. ينظر محمد عبدالمطلب : مصدر سابق ـ ص49.

1. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص37.

2. ينظر هيغل: فكرة الجمال ـ ج2 ـ ص251.

3. ينظر طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ج1 ـ ص109.

4. احمد مختار عمر ـ علم الدلالة ـ ص77.

5. ينظر عبدالسلام المسدي ـ الاسلوبية والاسلوب ـ ص163.

6. ينظر يوري لوتمان ـ تحليل النص الشعري ـ ص147.

1. سعدي يوسف: مجلة الطريق ـ ص77.

2. طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ج1ـ ص100-111.

3. سعدي يوسف: مجلة الطريق ـ ص78.

4. ينظر بشرى موسى صالح: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث ـ رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الاداب/جامعة بغداد ـ ص54.

5. ينظر طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ـ ج1 ـ ص151.

6. ينظر جوليوس بروتنوي: الفيلسوف وفن الموسيقى ـ 296.

7. سعدي يوسف: المجموعة الشعريةـ ج 4 ـ ص131.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1ـص10.

2. سعدي يوسف: المصدر نفسه ـ ج5ـ ص129.

1. صلاح فضل ـ مصدر سابق ـ ص382.

1. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها ـ ج2 ـ ص145.

2. طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ـ ج1 ـ ص154.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعريةـ ج 5 ـ ص 191.

4. ينظر عبد الكريم راضي جعفر: نصف قرن من الشعر الحديث، بحث مقدم لمهرجان المربد الخامس عشرـ ص21.

1. ينظر عبدالكريم راضي جعفر: مصدر سابق ـ ص164.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج3 ـص370.

1. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص107.

2. جان كوهين ـ اللغة العليا ـ ص126.

3. نعيم اليافي ـ مصدر سابق ـ ص225.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص349.

2. ينظر جاستون باشلار: جدلية الزمن ـ ص175 .

1. ينظر الخليل بن احمد الفراهيدي: العين ـ ص64.

2. ينظر ابراهيم انيس: الاصوات اللغوية ـ ص60.

3. ينظر جان كوهين: اللغة العليا ـ ص122.

4. ينظر وليم راي: المعنى الادبي ـ ص148.

1. ينظر وليم راي: مصدر سابق ـ ص149.

2. ينظر الكتاب المقدس ـ العهد القديم سفر التكوين ـ الاصحاح الثالث.

3. ينظر عبد السلام المسدي واخرون: مصدر سابق ـ ص125.

4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3ـ ص334.

1. ينظر عبدالسلام المساوي: مصدر سابق ـ ص41.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج5 ـ ص109.

1. ينظر عبد الفتاح كليطو: الغائب، دراسة في مقامات الحريري ـ ص68.

1. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص132.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص451.

1. امبرتو ايكو: المرسلة الشعرية ـ مجلة الفكر العربي المعاصر ـ ص102.

2. تيودروف: الشعرية ـ ص64.

1. ينظر ماكليش: الشعر والتجربة ـ ص7.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج5 ـ ص169.

1. ينظر خالدة سعيد: حركية الابداع ـ ص13.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ، ج5 ـ ص183.

1. ابن المعتز: البديع ـ ص58.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج5 ـ ص133.

3. ينظر لوتمان : مصدر سابق ـ ص58.



1. ينظر ابن رشيق القيرواني: مصدر سابق ـ ج1 ـ ص134.

2. قدامه بن جعفر: مصدر سابق ـ ص15.

3. ينظر المرزوقي: شرح ديوان الحماسة ـ ج1 ـ ص9.

4. ينظر ابن طباطبا العلوي: مصدر سابق ـ ص21.

5. ينظر حازم القرطاجي: مصدر سابق ـ ص268.

6. ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة ـ ص339.

1. ينظر الكفوي: الكليات ـ ج3 ـ ص361.

2. نبيلة الرزاز: مصدر سابق ـ ص53.

3. المصدر نفسه ـ ص 55

4. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص66.

5. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص35.

1. ينظر عبدالحميد الراضي ـ شرح تحفة الخليل في العروض والقافية ـ ص14.

2. نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـص66.

3. المصدر نفسه: ـ ص67.

1. ينظر صالح ابو اصبع: الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة ـ ص202.

2. ينظر الدماميني: العيون الغامزة ـ ص59.

3. المصدر نفسه: ص22.

4. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص46.

5. المصدر نفسه: ص10.

6. ينظر نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر ـ ص107.

7. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص52.

8. المصدر نفسه: ـ ص28.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص206

1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص295.

1. ينظر الدماميني: مصدر سابق ـ ص59.

2. عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص23.

3. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص100.

4. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص202.

5. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص94.

6. ينظر ابراهيم انيس ـ عناصر الموسيقى في الشعر العربي ـ مجلة شعر ـ ص14.

1. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص100.

2. يذهب الدكتور محمد عوني عبدالرؤوف الى ان تفعيلة الشعر العربي تتكون من جوهر الايقاع الصاعد وهو الوتد، وان الوتد هو الذي يحدد الايقاع في القصيدة العربية، ينظر بدايات الشعر العربي بين الكم والكيف ـ ص88.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج2 ـ ص31.

1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص11.

2. ينظر ابراهيم انيس: موسيقى الشعر ـ ص11.

3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص68.

4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج2 ـ ص9.

5. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص201.

1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص202.

2. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص207.

3. ينظر محمد عوني عبد الرؤوف: مصدر سابق ـ ص124.

4. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص211.

5. ينظر شاكر شقير: مصباح الافكار في نظم الاشعار ـ ص41.

6. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص13.

1. علي عشري زايد: موسيقى الشعر الحر ـ ص152.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص68.

3. ينظر فليح الركابي: ترنيمة الاسى.. وسلطة فاعلاتن في القصيدة العربية مجلة البيان ـ ص25.

4. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص133.

1. ينظر فليح كريم الركابي: مصدر سابق ـ ص25.

2. المصدر نفسه: ص31.

3. سعيد الورقي: لغة الشعر العربي الحديث ـ 209.

4. ينظر الدماميني: مصدر سابق ـ ص59.

1. ينظر محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص86.

2. سعدي يوسف: ـ المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص485.

3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص104.

4. ينظر المصدر نفسه: ـ ص138.

1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ص138.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1ـ ص113.

3. مصطفى كامل الشيبي: فن القوما ـ ص21.

4. أبن سلام:طبقات فحول الشعراء ـ ج1 ـ ص72

5. عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص250.

6. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ص33





1. ينظر عبد الحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص28.

2. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص87.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص386.

1. ينظر محمد عوني عبدالرؤوف: مصدر سابق ـ ص105.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص173.

1. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: مصدر سابق ـ ص74.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية -ج4 ـ ص391.

1. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص87.

2. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: مصدر سابق ـ ص48.

1. جان كوهين: اللغة العليا ـ ص52.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص371.

3. ينظر الدماميني: مصدر سابق ـ ص69.

4. المصدر نفسه: ص73.

1. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص183.

2. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص340.

1. الدماميني: مصدر سابق ـ ص15.

2. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص85.

3. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص144.

4. المصدر نفسه: ـ 107.

5. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص207.

1. الفارابي: جوامع الشعر ـ ص171.

2. الاخفش: القوافي ـ ص1.

3. ابن رشيق: مصدر سابق ـ ج1 ـ ص153.

4. ينظر المرزوقي: مصدر سابق ـ ص3.

5. ينظر الصفدي: الغيث المسجم ـ ج1 ـ ص13.

6. ينظر سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص40.

1. نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر ـ ص163.

2. عبدالسلام المساوي ـ مصدر سابق ـ ص69.

3. ينظر شكري عياد: موسيقى الشعر العربي ـ ص116.

4. ينظر ابراهيم انيس: موسيقى الشعر ـ ص383.

5. المصدر نفسه ـ ص246.

1. ينظر عز الدين اسماعيل:مصدر سابق ـ ص114-115.

2. ينظر د. صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص242.

3. ينظر يوري لوتمان: مصدر سابق ـ ص128.

4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص44.

5. ينظر يوري لوتمان ـ مصدر سابق ـ ص125.

6. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص125.

1. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص150.

2. ينظر جاكوبسن: قضايا الشعرية ـ ص45.

3. ينظر يوري لوتمان ـ مصدر سابق ـ ص125.

4. اوستن وارين ، رينيه ويلك: نظرية الادب ـ ص208.

1. ينظر احمد مطلوب: معجم النقد العربي القديم ـ ص173.

2. ينظر سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص261.

1. ينظر جعفر دك الباب: النظرية اللغوية العربية الحديثة ـ ص47.

2. المصدر نفسه: ص105.

3. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص96.

4. د. جعفر دك الباب: مصدر سابق ـ ص45.



1. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص87.

2. ينظر المصدر نفسه: ص88.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص489.

1. جان كوهين: اللغة العليا ـ ص73.

1. ينظر نازك الملائكة: سيكولوجيا القافية ـ مجلة شعر ـ ص16.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص106.

1. ينظر عبدالسلام المساوي: مصدر سابق ـ ص71.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص389.

* التصريع حسب ما يذهب اليه ابن رشيق (ماكانت عروض البيت تابعة لضربه تنقص بنقصه وتزيد بزيادته) ـ ينظر العمدة ـ ج1 ـ ص173.

1. ينظر قدامة بن جعفر: مصدر سابق ـ ص51.



1. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص190.

1. ينظر جان كوهين: اللغة العليا ـ ص107.

2. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق : ص211.

3. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص67.

4. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص247.

5. ينظر عز الدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص252.

6. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص489.

1. صالح ابو اصبع: مصدر سابق ص93.

2. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص87.

1. ينظر طراد الكبيسي: الغابة والفصول ـ ص82.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص51.

3. نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص93.

4. المصدر نفسه: ص94.

1. شكري عياد: مصدر سابق ـ ص104.

2. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص293.

3. ينظر سعدي يوسف: المجاميع الشعرية ـ ج3-ج4-ج5.

4. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص254.

5. عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص67.

6. المصدر نفسه: ص261.

7. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص32-33.



1. ينظر عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص261.

1. ينظر عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص143.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص323.

1. ينظر محسن اطيمش: دير الملاك ـ ص94.

2. جان كوهن: بنية اللغة الشعرية ـ ص48.

3. يوري لوتمان: مصدر سابق ـ 128.

4. صلاح فضل: ظواهر اسلوبية في شعر شوقي ـ مجلة فصول ـ ص211.

1. ينظر ت ، س اليوت ـ المدخل في النقد الادبي ـ ص163.

2. ينظر محمدعبدالمطلب ـ مصدر سابق ـ ص171.

3. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص189.

4. ينظر فاضل ثامر واخرون: مصدر سابق ـ ص65.

5. ينظر صلاح عبدالصبور: قراءة جديدة لشعرنا القديم ـ ص5.

1. فليح كريم الركابي: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة ـ مجلة كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـ ص288.

2. عدنان بن ذريل: النقد والاسلوبية ـ ص278.

3. عبد السلام المساوي: مصدر سابق ـ ص64.

4. روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص202.

1. ينظر كمال خيربك: حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر ـ ص189.

2. سامي مهدي: الاعماق الخضر ـ مجلة الاقلام ـ ص73.

3. محسن اطميش: دير الملاك ـ ص302.

4. ينظر عبدالقادر فيدوح ـ مصدر سابق ـ ص44 .

5. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص96.

1. ينظر اليزابيث درو: الشعر كيف نفهمه ونتذوقه ـ ص84.

2. ينظر حاتم الصكر ـ مالا تؤديه الصفة ـ ص63.

3. ينظر احمد المعداوي ـ البنية الايقاعية الجديدة للشعر العربي ـ مجلة الوحدة ـ ص83..

4. ينظر سعدالدين كليب: مصدر سابق ـ ص32.

1. ينظر محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري ـ ص33.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص113.

1. ينظر فليح كريم الركابي: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة ـ ص231.

1. ينظر مي فاضل الجبوري: القراءات القرانية ـ ص74.

1. ينظر ابراهيم أنيس: الاصوات اللغوية ـ ص163.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية -ج5 -ص51-52.

1. الجاحظ : البيان والتبين ـ ج1 ـ ص79.

2. ابن الاثير: المثل السائر ـ ت1ـ ص221.

3. ينظر ريتشاردز : مبادىء النقد الادبي ـ ص171.

1. ابراهيم انيس ـ موسيقى الشعر ـ ص8.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص161.

1. ابراهيم انيس ـ من اسرار اللغة ـ ص133.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص253.

1. عثمان موافي : من قضايا الشعر والنثر ـ ص74.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص31.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص170.

1. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص268.

2. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص181.

3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص44.

4. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص280.

1. ينظر محمد النويهي: قضية الشعر الجديد ـ ص134.

1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص52.

2. المصدر نفسه: ص54.

3. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص100.

4. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص13.

5. ينظر محسن اطيمش : تحولات الشجرة ـ ص170.

1. ينظر كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص23.

2. ينظر المصدر نفسه: ص87.

1. ينظر سامح الرواشدة: التوازي في شعر يوسف الصائغ واثره في الايقاع والدلالة ـ مجلة ابحاث اليرموك ـ ص9.

2. جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص104.

3. ينظر فاضل ثامر: مدارات نقدية في اشكالية النقد والحداثة ـ ص230.

4. جاكوبسن واخرون: مصدر سابق ـ ص29.

5. عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص278.

1. ينظر فاضل ثامر: مصدر سابق ـ ص243.

2. ينظر سامح رواشدة : مصدر سابق ـ ص8.

3. المصدر نفسه: ص10.

1. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص268-269

2. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص147.

3. يوري لوتمان: مصدر سابق ـص133.

1. ينظر جيرار جينيت: مدخل جامع النص ـ ص5.

2. ينظر ماهر مهدي هلال: جرس الالفاظ ـ ص16.

3. سيبويه: الكتاب ـ ج4 ـ ص433.

4. ينظر ابراهيم أنيس: الاصوات اللغوية ـ ص24-25.

5. المصدر نفسه: ص113.

6. المصدر نفسه: ص58

1. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص113.

2. ينظر محمد مفتاح : مصدر سابق ـ ص175.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعر ـ ج1 ـ ص39.

1. سامح رواشدة ـ مصدر سابق ـ ص13.

2. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص86.

1. ينظر عز الدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص98.

2. سعدي يوسف : المجموعة الشعر ـ ج1 ـ ص63.

1. ينظر عبدالرحمن بدوي: المنطق الصوري ـ ص66.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص65.



1. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص183.

2. المصدر نفسه: ص11.

1. ينظر فاضل صالح السامرائي: معاني الابنية في اللغة العربية ـ ص22.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2ـص31.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1ـ ص155.

2. ينظر سامح رواشدة: مصدر سابق ـ ص19.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص40.

1. ينظر محمد مفتاح: مصدر سابق ـ ص27.

2. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص67.

1. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص67.

2. المصدر نفسه ـ ص73.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص57.

1. ينظر محمد مفتاح:مصدر سابق ـ ص26.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص51.

1. ينظر حسن الغرفي: البنية الايقاعية في شعر حميد سعيد ـ ص11.

2. ينظر جاكسون: مصدر سابق ـ ص106.

3. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ج2 ـ ص16.

1. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص54.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص394.

1. ينظر فاضل ثامر: مصدر سابق ـ ص236.

1. جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص107.

1. ينظر محمد مفتاح: مصدر سابق ـ ص17.

1. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعريةـ ص90.

2. ابن رشيق: مصدر سابق ـص311.

3. جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص88.

1. ابن رشيق: مصدر سابق ـ ص311.

1. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـج1 ـ ص163.

2. ينظر جوليوس برونتري: مصدر سابق ـ ص296.

1. ينظر خيره خمر العين: مصدر سابق ـ ص59.

2. ينظر احمد مختارعمر: مصدر سابق ـ ص78.

1. خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص33.

1. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص29.

2. المصدر نفسه: ص78.

3. المصدر نفسه: ص35.

1. عبدالملك مرتاض: بنية الخطاب الشعري ـ ص7.

2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص356.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1ـ ص448.

2. ينظر كوهين : بنية اللغة الشعرية ـ ص70.

3. محمد مبارك: الوعي الشعرية ـ ص278.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص324.

2. ينظر لوتمان : مصدر سابق ـ ص73.

3. ينظر ابراهيم انيس: الاصوات اللغوية ـ ص21.

1. ينظر كوهين: اللغة العليا ـ ص144.

2. المصدر نفسه: ص145 .

3. ينظر تيودوروف: الشعرية ـ ص33 .

4. كوهين: اللغة العليا ـ ص146 .

5. الجرجاني: مصدر سابق ـ ص203 .

6. ينظر محمد عبدالمطلب: مصدر سابق ـ ص182 .

1. حسين الواد ـ مناهج الدراسة الادبية ـ ص113 .

1. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص49 .

2. ينظر محمد فتوح احمد: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر ـ 251 .

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص224 .

1. نعيم اليافي: مصدر سابق ـ ص238.

2. ينظر كمال ابو ديب: الرؤى المقنعة ـ ص49 .

3. ينظر نعيم اليافي: مصدر سابق ـ ص237 .

4. جنكتو: الفن والحياة ـ ص215.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص46 .

2. المصدر نفسه ـ ص25 .

3. ينظر عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص25 .

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص31.

1. ينظر جان كوهين: اللغة العليا ـ ص84.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية-ج1 ـ ص77.

1. ماكليش: مصدر سابق ـ ص77 .

2. محمد غنيمي هلال: النقد الادبي الحديث ـ ص442 .

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص351 .



1. ينظر عبدالسلام المساوي: مصدر سابق ـ ص94.

2. ينظر محمد عبدالمطلب: مصدر سابق: ص134.

1. عبدالسلام المساوي: مصدر سابق ـ ص94.

2. جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص68.

1. ينظر السكاكي: مفتاح العلوم ـ ص84.

2. عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص27.

3. المصدر نفسه: ـ ص29.

4. ينظر عبدالسلام المسدي: مصدر سابق ـ ص171.

5. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص130.

1. ينظر كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص36.

2. افانا سييف: اسس الفلسفة الماركسية ـ ص167.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية -ج2 ـ ص247.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج3 ـ ص11.

1. الكتاب المقدس: العهد القديم ، سفر التكوين ـ الاصحاح ,1.

2. المصدر نفسه: الاصحاح ,2 .

3. نهلة فيصل احمد: التفاعل النصي، النصية، النظرية والمنهج ـ ص271.

1. نعيم اليافي: مصدر سابق ـ ص236.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص404.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص97.

1. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص32.

1. نوفالس: فن الشعر ـ مجلة مواقف ـ ص207.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص222.

1. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص33.

1. نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص246.

1. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص148.

1. ينظر سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3،ج4،ج5.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج5 ـ ص73.

1. مصطفى ناصف: مشكلة المعنى في النقد الحديث ـص88.

1. كولن ولسن: الشعر والصوفية ـ ص57.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص419.

1. الثعلبي: قصص الانبياء، عرائس المجالس ـ ص258.

2. ينظر عز الدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص138.

1. نعيم اليافي: مصدر سابق ـ ص239.

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص229.

1. مرشد الزبيدي: مصدر سابق ـ ص152.

1. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص132.

1. ينظر يوسف الصائغ: مصدر سابق ـ ص200.

1. يمنى العيد: مصدر سابق ـ ص59.

1. ينظر خيره خمر العين: مصدر سابق ـ ص128.

1. ينظر يمنى العيد: مصدر سابق ـ ص148

2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص523

3. المصدر نفسه ـ ص111

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص33.

1. ينظر سعدي الدين كليب: مصدر سابق ـ ص45.

2. المصدر نفسه : ص46.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج5 ـ ص119.

1. ينظر سعد الدين كليب : مصدر سابق ـ ص149.

1. ينظر فاطمة المحسن: مصدر سابق ـ ص84.

2. ينظر سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص55-107.

3. المصدر نفسه ـ ص77.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص83.

2. المصدر نفسه: ص153-183.

3. المصدر نفسه: ص35.

4. الثعلبي: مصدر سابق ـ ص220.

5. القرآن الكريم: سورة الكهف ـ الاية 64.

1. ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ـ ج1 ـ ص29.

2. ينظر ريتا غوص: اسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي ـ ص61.

3. الثعلبي: مصدر سابق ـ ص268.

4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص77.

5. الثعلبي: مصدر سابق ـ ص321.

1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص389.

2. ريتا عوض: مصدر سابق ـ ص62.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص26-27.

1. ينظر سعدالدين كليب: مصدر سابق ـ ص92

1. ينظر محمد مبارك: الوعي الشعري ـ ص295.

2. سعد الدين كليب: مصدر سابق ـ ص92.

3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص33.

1. ابن خلدون: كتاب العبر ـ ص482-539.

1. محمد مبارك: الوعي الشعري ـ ص293.

2. ابن خلدون: كتاب العبر ـ ص303.

1. ريتا عوض: مصدر سابق ـ ص89.

2. ينظر عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص216.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
البناء, الفني, يوسف, سعيد, شعر


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع البناء الفني في شعر سعدي يوسف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شعر سعدي يوسف دراسة تحليلية Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 5 02-25-2016 05:38 AM
القمح المصري.. من يوسف الصديق إلي يوسف والي Eng.Jordan شذرات مصرية 3 01-22-2016 08:11 PM
ما نعانيه من أخطار العفن الفني... صباح الورد الملتقى العام 0 11-02-2014 07:55 AM
توظيف الحاسب الآلي والمعلوماتية في مناهج التعليم الفني بدولة البحرين Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 03-18-2012 02:27 PM
قراءة المنتوج الإبداعي الأول في ضوء مفهوم التطور الفني Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 01-29-2012 10:13 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:26 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59