#1  
قديم 02-06-2016, 08:42 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
5 المسيحيَّة..من شيفرة دافينشي إلى Zealot


المسيحيَّة .. من شيفرة دافينشي إلى Zealot
ـــــــــــــــــــــ

( د. عايض سعد آل تميم الدوسري)
ــــــــــــــــ

27 / 4 / 1437 هــ
6 / 2 / 2016 م
ــــــــــ

المسيحيَّة..من Zealot 408.jpg



"إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ قادرة على إبادة حضارة بكاملها". هاينه

هل يُمكن لدراسةٍ رصينةٍ ما أو لكتابٍ ما أن يُحدث هزةً عنيفةً في دين ما أو مذهب ما بحيث يُهدد كيانه ووجوده ويُزعزع قناعات أتباعه ويُفقدهم الإيمان؟

في عام 1979م أثناء اندلاع الثورة الإيرانية هاجر طفلٌ إيرانيٌ مع عائلته من إيران نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ليستقر فيها ويترعرع في أحضانها ,وينهل من معارفها ويدرس في مؤسساتها الأكاديمية. هذا الطفل –الذي تلمح في عينيه النجابة والذكاء- ربما لم يكن يتوقع ما سيكون عليه مستقبله في أمريكا وما ستؤول إليه بعض أفكاره هناك.

لم تكن الأجواء حين وصل إلى أمريكا بالجيدة والحميميَّة لشخصٍ مثله، حيث نُظِرَ إليه كمسلمٍ إيرانيٍ بريبةٍ وتوجسٍ. ولم تمض بضع سنوات حتى أعجب المراهق الإيراني، رضا أصلان، بشخصيَّة "يسوع الناصري"، وحين بلغ (15) عامًا اعتنق المسيحيَّة بنسختها الإنجليكانيَّة، وأصبح مبشرًا بمعتقده الجديد بين الناس لما يُقارب خمس سنوات، واستطاع أن يقنع أمه باعتناق المسيحيّة. لكنَّه لاحقًا ترك المسيحيَّة ورجع لـ "إسلامٍ" خاصٍ يتصوره هو ويُخالف في نظر معظم المسلمين الإسلام الحقيقي. والسبب الأساس في تركه المسيحيَّة أنه صُدِمَ بعد اكتشافه اختلاف النسخة التاريخيَّة ليسوع الناصري عن النسخة المسيحيَّة.

حصل رضا أصلان على العديد من الدرجات العلمية، فقد حاصل على درجة البكالوريوس في الآداب في تخصص الأديان من جامعة سانتا كلارا، وعلى درجة الماجستير في الدراسات اللاهوتية من كلية اللاهوت في جامعة هارفارد، وعلى درجة ماجستير أخرى في الفنون الجميلة من جامعة أيوا. كذلك حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، مُركزًا على الدين، من جامعة كاليفورنيا. وفي نهايات عام 2000، عُيَّنَ أستاذًا زائرًا للدراسات الإسلامية في جامعة أيوا، ليصبح –كما قيل- أول أستاذٍ متفرغٍ في تخصص الإسلام في تاريخ الولاية. وهو يعيش حاليًا في كاليفورنيا، ومتزوج من فتاة أمريكيَّة مسيحيَّة مشهورة، وأمه لا تزال مسيحيَّة.

الذي يُتابع حوارات وجدال رضا أصلان في وسائل الإعلام الغربيَّة والأمريكيَّة على وجه الخصوص -والتي تتناول في أغلبها قضايا الإسلام والإرهاب وموقف الغرب من الإسلام بشكل يُخل في كثيرٍ من الأحيان بمبدأ المهنيَّة والحياديَّة- يُدرك أننا أمام ظاهرةٍ لافتةٍ للنظر، بذكائه الحاد وقدرته الباهرة على الحوار والجدل، في أدبٍ ومنهجيةٍ وعلميةٍ صارمةٍ وقدرةٍ عجيبةٍ على الاستحضار وتبكيت الخصوم، ثم فوق ذلك قدرته الاستيعابية على محاورة ثلاثة خصوم في آن واحدٍ، بمن فيهم مقدم البرنامج!، لتنتهي المحاورة وهؤلاء الثلاثة في حالة يُرثى لها بحق.

الذي يَهمنا حقيقةً هنا هو الكتاب المهم والخطير الذي ألفه رضا أصلان باللغة الإنجليزية، وهو بعنوان: Zealot: The Life and Times of Jesus of Nazareth

أو "المتعصب: حياة وأوقات يسوع الناصري". هذا الكتاب، والذي ربما سيكون له ما بعده وقد يكون علامةً فارقةً في الدراسات الجادة في مقارنة الأديان، صدر عام 2013م من Random House، وأثار ضجةً مُلفتةً للنظر في أمريكا، وصدرت على إثره قراءات ومراجعات عديدة، وتناولته الصحف بين مؤيدٍ ومعارض، بل إن بعض الدوائر الكنسيَّة نفسها عقدت حلقات علميَّة في أماكن تجمع المؤمنين المختصين لتدارس الكتاب وما فيه.

ورغم أن رضا أصلان من الأكاديميين المتخصصين في دراسة الأديان وعلى وجه الخصوص المسيحية المبكرة والعهد الجديد، فقد اعتبر المسيحيون أن الكتاب دراسة صادمة عن حياة يسوع الناصري. وبحسب مجلة نيويورك تايمز فقد صُنِفَ الكتاب كأحد أفضل كتب العام 2013م، وحقق أعلى المبيعات بعد صدوره. ويُعتقد أنَّ الكتاب، أو سمه إن شئت "كرة الثلج" لا تزال في بداية تدحرجها ولم تستقر بعد في بطن الوادي، فربما يكون لهذا الكتاب شأنٌ كبيرٌ، قد يفصل المرحلة الحاليَّة عن المرحلة السابقة له.

وقبل الدخول في تقييمٍ سريع لكتاب "Zealot" أود أن أقدم لفتةً سريعةً عن أهم فكرة لدى هذا الرجل، أي رضا أصلان. تتمحور أهم فكرة لديه في أن هناك فرقًا مفصليًا بين شخصيَّة يسوع التاريخي، والتي تقوم -كما يؤكد هو- على الأدلة التاريخية والوثائق، وبين شخصيَّة يسوع الديني أو الكنَسّي. حيث خضعت –كما يُقرر أصلان- شخصيَّة يسوع للبيئة الاجتماعيَّة الدينيَّة للشعوب التي آمنت به، فهناك يسوع الصيني ويسوع الياباني ويسوع الهندي ويسوع المصري ويسوع الغربي، يأخذ أشكالاً مختلفة حسب البيئة التي نشأ فيها الإيمان به، فهو في الغرب -مثلاً- صاحب شعرٍ ذهبيٍ وعيونٍ زرقاءٍ وبشرةٍ بيضاءٍ، وهو في الصين شخصية ذات ملامح صينية تمامًا، وهكذا. فتماثيل يسوع وصوره في كل بيئةٍ ومجتمعٍ تعكس تصورات المجتمع نفسه عنه وليس يسوع الأصلي، كما يُقرر أصلان.

ويؤكد رضا أصلان أن يسوع التاريخي، أي الشخصيَّة الحقيقيَّة في نظره، تقوم على ثلاثة أركان:

1- أنه كان يهوديًا ويُبشر بالدين اليهودي، وهذا هو مفتاح اللغز، وعليه فهو لم يستحدث دينًا جديدًا كما تزعم المسيحيَّة. حيث كان في فقرٍ مدقعٍ، وكان ينتمي إلى الطبقات الاجتماعيَّة الدنيا في الوسط اليهودي الذي كان يخضع في ذلك الوقت للاحتلال الروماني. ويسوع كان في الحقيقة يهوديًا إصلاحيًا ثائرًا ومتمردًا ولم يكن إلهًا ولا ابن إلهٍ، أراد أن يقوم بحركةِ تمردٍ داخل المجتمع اليهودي الذي كان خاضعًا للاحتلال.

2- أسس يسوع الناصري حركة جوهر تعاليمها هو التبشير بـ "مملكة الله"، وليست هي المملكة التي تُؤمن بها الكنيسة، بل هي –من وجهة نظر أصلان- تمثل حركة سياسية اجتماعية تسعى للعدالة في المجتمع اليهودي، وتنتصر للفقراء والمعدومين على جشع الأثرياء والأغنياء، فهي مملكة خاصة بالمعدومين والبؤساء!

3- ويعتقد أصلان أنه بسبب تمرد يسوع الاجتماعي-السياسي فقد أعدمه وصلبه الرومان، وليس لسببٍ آخر كما تزعم الكنيسة.

والكتاب تناول، في نظر المؤلف، الكثير من التفاصيل التصحيحيَّة عن حياة يسوع –وليس هذا مجال استعراضها الآن- والتي نقض فيها روايات الإنجيل وما يعتقد النصارى فيه، وأثبت فيها أن شاؤول أو بولس اليهودي شخصيَّة دخيلة على حركة يسوع، حيث قام بتدميرها من داخلها وحَرَفَ سيرها، وجعلها دينًا مختلفًا عن الدين الذي نشأت فيه وتنتمي إليه، وهو اليهوديَّة.

وتتمثل خطورة أطروحة رضا أصلان على المسيحيين، في أنها تعتمد على فهم شخصيَّة يسوع التاريخي من خلال قراءتها في سياق محيطها التاريخي، الاجتماعي، السياسي والثقافي، بناء على الوثائق الماديَّة التي فصلت حال مجتمع فلسطين ذلك الوقت أثناء احتلال الرومان. وهذه القراءة هي منهج غربي في دراسة الأديان المقارنة. وأصلان يعتمد بشكلٍ كليٍ على المصادر الغربية وكتب المسيحيين وتاريخ روما وفلسطين والوثائق القديمة الخاصة بتلك البيئة في تلك الفترة.

ولذلك، يُمكن فهم الصدمة العميقة التي أصابت المسيحيين والكنيسة بسبب هذا الكتاب، بل بعضهم ذهب إلى ما هو أبعد من الخيال، حيث اعتقد أن هناك مؤامرة إسلامية سريَّة لتدمير المسيحيّة من الداخل!

والحقيقة أن المسيحيين أبعدوا النجعة، فرضا أصلان -الذي اعتنق المسيحيَّة سابقًا ويبدو أنه لا يحمل نوايا عدائية تجاهها- لا يُمكن أن يُحسب نقده نقدًا خارجيًا كشخصٍ مسلم يمارس النقد الديني للمسيحيَّة، وفوق ذلك فإنه لم يتبن الاعتقاد الإسلامي في المسيح عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم، بل من الواضح أنَّ ما قرره يتصادم مع أصول اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام. وهذا أمرٌ هو يعترف به ويصرح به علانيَّة، ويقول إن ما قررتُه يُصادم بعض أصول المسلمين في المسيح وأمه [عليهما السلام].

ومن المهم إدراك حقيقة مهمة ,وهي أن رضا أصلان درس الكتاب المقدس وتاريخه كمتخصصٍ فيه، ومارس نقدًا ذاتيًا ودحضًا داخليًا للمسيحية، لأنه اعتمد دراسة الروايات الإنجيليَّة كأساسٍ وقاعدة لأطروحته، وجمع إليها وعضدها بالوثائق المسيحيَّة التاريخيَّة وتاريخ الرومان أنفسهم، ولذلك فهو في الحقيقة قد حاكم الديانة المسيحية لمصادرها ووثائقها وبيئتها ومحيطها، ومن الطبيعي أن يتفق مع بعض رؤى الكنيسة الأساسيَّة ويُخالف الإسلام.

وعودة إلى السؤال الذي في بداية المقالة، وهو: هل يُمكن لدراسةٍ رصينةٍ ما أو لكتابٍ ما أن يُحدث هزةً عنيفةً في دين ما أو مذهب ما بحيث يُهدد كيانه ووجوده ويُزعزع قناعات أتباعه ويُفقدهم الإيمان؟

أحبُّ أن أشير إلى ما قاله الشاعر الألماني هاينه من"أن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ قادرة على إبادة حضارة بكاملها". ومع أنه من المبالغة نسبة انقلابٍ تامٍ في دين ما لكتاب ما أو شخصيٍ ما، فمن الخطأ أن يتم التقليل من شأن بعض الكلمات فضلاً عن دراسة رصينة وما يُمكن أن تُحدثه من أثرٍ لا يُستهان به على مستوى العقائد والديانات. وتاريخ مقارنة الأديان لا يبخل بتقديم النماذج والأمثلة العديدة لما يُمكن أن يُحدثه شخصٌ أو كتابٌ في مذهب ما أو ديانة ما. ولذا، لا يستبعد المراقب المتخصص أن يحصل من التأثير العميق بسبب هذا الكتاب في المسيحيين والديانة المسيحية ما يكون محل اعتبار الجميع، أما مُنتهى هذا التأثير فالمستقبل وحده يتكفل بكشفه.

ويُمكن افتراض ذلك بقوةٍ إذا أخذنا في الحسبان التآكل الداخلي الرهيب الذي يُعاني منه الإيمان المسيحي في الغرب خصوصًا. فالمختصون بمراقبة الحالة الدينيَّة والإيمانيَّة في الغرب، من أمثال "غيرد غيركن" و"ميشائيل كونيستر"، يؤكدون أن هناك انسحابات رهيبة في الغرب من الكنيسة ومن الإيمان المسيحي وأنها تزداد يومًا بعد يوم بشكل غير عادي. وأنَّ الشباب بشكل خاص، وهم أهم طبقة في المجتمع، يودعون الإيمان المسيحي. يقولان: "على المرء كإنسان شابٍ أن يبرر لنفسه الانتساب إلى الكنيسة أكثر من أن يبرر الانسحاب منها". أما عالم الاجتماع "هاينر بارتس"، والذي كُلِفَ من قِبَلِ رابطة الشبيبة الإنجيلية بدراسةٍ حول الشبيبة والدين في ألمانيا، فقد أكد عمق الغربة التي يعيشها الشبان الألمان عن الدين والكنيسة، وأن تعاليم الإيمان المسيحي تنحط في أعينهم.

وحتى لا يكون الكلام عاريًا عن الواقعيَّة أو المثال، أود أن أقدم مقارنة خاطفة بين الدراسة الأكاديمية القويَّة لرضا أصلان وبين الرواية الخيالية الشهيرة "شيفرة دافينشي" التي كتبها Dan Brown، مُركزًا على ما أحدثته الرواية من تأثير. فمع الفارق الواضح بين الأسس الأكاديميَّة التي أقام عليها أصلان دراسته للكتاب المقدس وتاريخ وشخصية يسوع الناصري بناء على مصادر المسيحيَّة، وبين الرواية الخيالية والتي تضمنت فحوى بعض الدراسات الدينية الحديثة، نجد أنَّ "شيفرة دافينشي" -مع اتفاقها مع كتاب أصلان في مخالفة رؤية الإسلام للمسيح- قد أحدثت دويًا هائلاً وتأثيرًا صادمًا داخل المجتمع المسيحي، وفجرت دوائر شكٍ لا تزال تتوسع حتى يومنا هذا، مما أثار استغراب المراقبين والباحثين أنفسهم!
المسيحيَّة..من Zealot


فمنذ أن ظهرت رواية "شيفرة دافينشي" على هيئة كتابٍ، وهي تثير الكثير من الجدل ليس بين عامة الناس فحسب، بل بين الأكاديميين والمتخصصين في فن الرواية وتاريخ الأديان، وقد بلغت شهرتها حداً كبيراً، حيث طُبع منها عشرات الملايين من النسخ وبأكثر من 50 لغة مختلفة، ثم أنتج بوحيها الفيلم السينمائي الشهير الذي يحمل الاسم نفسه. وطبقاً لما ذكرته The Telegraph Daily بتاريخ 3/10/ 2004م، فإن كتاب "شيفرة دافينشي" هو أكثر الروايات الخيالية مبيعاً على الإطلاق. ولشهرة هذه الرواية تحولت قصتها –كما ذُكر- إلى فيلم سينمائي بلغت تكاليفه حوالي (100) مليون دولار أمريكي، وقام بتمثيله: توم هانكس، وإيان ماك كيلين، وعرض عام 2006م وحصل مؤلف الرواية من وراء روايته على عشرات الملايين!

والعجيب في هذه الرواية تأثيرها القوي في الناس، وكيف استطاعت أن تغير بل تقلب قناعات كثيرٍ من المؤمنين وطريقة تفكيرهم، وهي ليست إلا رواية فحسب! فهذه الرواية كانت سبباً أساساً في تدفق الزوار -وهم يمسكون بنسخة من الرواية- إلى متحف "اللوفر" وكنيسة "سان سولبايس"، وكأن هذه الرواية تحولت إلى كتابٍ مقدسٍ للسياحة يسير وفق معطياته هؤلاء السياح!

تقول "إيلين مكبرين" المؤرخة الفنية في جامعة هارفارد ومؤسسة شركة باريس ميوز للسياحة: "عندما وصل العدد إلى 30 ممن سألوني: هل هذا هو المكان الذي قُتل فيه أمين المتحف؟ أو هل صحيح ما قيل عن لوحة دافنشي عذراء الصخور؟ وتصورت كيف بدأ الناس يقتربون من اللوفر وتساءلت لماذا لا نستفيد من ذلك؟". وعندها بدأت "إيلين مكبرين" بتنظيم رحلات مكثفة تحت عنوان "حل شيفرة دافنشي في اللوفر" ووصلت هذا الرحلات إلى 100 جولة في الشهر لسياح قادمين من أمريكا الشمالية فقط!

وتقول "ليديا سانفيتو" المرشدة السياحية بروما: "لم أسمع حديثاً إلا عن رواية شيفرة دافينشي بعد أن نشرها المؤلف الأميركي دون بروان في مارس آذار 2003م، وكان الاهتمام أولاً من قارئين أمريكيين ثم من إيطاليين وجنسيات أخرى، ابتداء من أواخر العام الماضي بعد نشر ترجمات بلغات أخرى في جميع أنحاء العالم".

وقد أشار الأب "بول روماني" من كنسية سان سولبايس إلى أن رواية "شيفرة دافينشي" دفعت عشرات الآلاف من المعجبين بالرواية لزيارة الكنيسة للبحث عن مفاتيح الشفرة!

وتقول السائحة "فيكتوريا سينـتون" من جوهانسبرج: "اعتقد أن الكتاب يمكن تصديقه بصورة كبيرة". ويقول "جوسيبي نبوليون" المدير المسؤول عن لوحة دافنشي: "شهد المتحف اهتماماً متجدداً من الناس جاءوا لرؤية هذه التحفة الفنية بعد أن حقق الكتاب شهرة واسعة". ثم يقول "نبوليون": "للعمل عند لوحة العشاء الأخير وشرحها للزائرين؛ أصبحت قراءة الكتاب مطلوبة من جانب كل العاملين تقريباً، أصبحوا أكثر من أي وقت مضى يسألون أي الشخصيات تمثل يوحنا، ويسألون عن شكل الحرف "V" الذي تشكل بين جسمه وجسم المسيح".

والرواية في جانبها الديني والتاريخي مثلتْ صدمة للاعتقاد السائد في المسيحية، فقد كان لها التأثير العميق الذي لا يمكن أن يُوصف، وقد يصعب فهم: كيف لرواية خيالية أن تزعزع عقائد الناس؟!
يقول الأب "بول روماني": "أدركُ أن كثيراً من الناس يتعاملون في الواقع مع الرواية على أنها حقيقة راسخة". ويقول الكاردينال "جورج" رئيس أساقفة شيكاغو: "إنه كتاب مقنع بالنسبة لكثيرين".

ويهمنا هنا كثيرًا ما قامت به إحدى عضوات كنيسة الثالوث المقدس بلندن (Holy Trinity) حيث تابعت مواقف الناس تجاه المسيحية بعد رواية "شيفرة دافينشي" فوجدت أن هناك تأثيراً قوياً أحدثته تلك الرواية في قناعات الناس. ومن تلك الشهادات، شهادة رجل قال لها: "إن الرواية تبين أن الكتاب المقدس لا يمكن أن يكون صحيحاً، وأنه حدث تغيير في النص". وتقول فتاة مؤمنة مسيحية: "هذا الكتاب كاد يفقدني إيماني". وتقول فتاة أخرى مسيحية متدينة: "هذا الكتاب جعلني أعتقد أنه ليس لديَّ حقائق واقعية تدعم إيماني".

وتقول "ليديا سانفيتو" المرشدة السياحية بروما: "إنهم يعذبونني، لم أفاجأ من الأمريكيين، ولكن أذهلني بالفعل أن الايطاليين يطرحون أيضاً مثل هذه الأسئلة بالرغم من تقاليدهم الكاثوليكية الراسخة".

وبسبب ما أحدثته تلك الرواية من زعزعة وبلبلة في عقائد وفي عقول المسيحيين –وهذا ما يُعتقد أنه يحدث الآن بسبب كتاب أصلان ولا زلنا في البدايات- فإن الكنيسة لم تقف مكتوفة اليد، بل حرمت قراءة تلك الرواية ورؤية الفيلم، وأصدرت عشرات البيانات الاستنكارية، وأصدرت الكتب والمقالات الكثيرة للرد على رواية "شيفرة دافينشي"!

يقول "تارسيزيو بيرتوني" كاردينال الفاتيكان: "لا تقرأوا ولا تشتروا شيفرة دافنشي"!. ويقول الأنبا "يوحنا قلته" النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك: "شاهدتُ الفيلم مع مجموعة من أهل العلم والنقد لفنون السينما، وأعلن بصراحة وأمانة أنه فيلم شيطاني ملعون بكل المقاييس، الفيلم يحاول هدم العقيدة المسيحية من أساسها، أي شيطان وراء هذا العمل؟ وأي فكرة جهنمية تريد أن تغزو العقول البريئة والبسيطة؟".

وقد أُلفت كتبٌ مسيحيةٌ كثيرةٌ للرد والتصدي لرواية دون بروان، ومنها ما ألفه القس الشهير "نكي جمبل" بعنوان: (THE DA VINCI CODE A RESPONSE) وقدم لهذا الكتاب وقرظه كل من: الدكتور "منير حنا أنيس"، مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، والأنبا "يوحنا قلته"، النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك، والأنبا "مرقس"، مطران الأقباط الأرثوذكس. وغيره من الردود الكثيرة والعنيفة للكنسية ورجال الدين المسيحيين.

فإذا كان هذا الأثر العقائدي المُدمر كله حصل بسبب رواية خيالية، فكيف يكمن توقع الأثر من أطروحة علميَّة ألقى بها رضا أصلان في البحيرة المسيحية؟ خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك فيلمًا سينمائيًا ربما يصدر قريبًا من وحي كتاب "Zealot".

وهنا أود أن أشير إلى نقطة في غاية الأهميَّة، وهي: هل نحن أمام حالة عادية ستمر مرور الكرام، أم إن هذه الأطروحة ستلقي بحجرٍ آخر في بحيرة الدراسات الدينية المقارنة في الشرق كبداية جادة لحركةِ استغرابٍ رصينة، تُقابل حركة الاستشراق، تدرس الدين والفكر الفلسفي في الغرب وتحلله وتنقده وتفككه وفق منهج الدراسات الأكاديمية الغربية؟

كتاب "Zealot"، مع عدم الاتفاق مع كثير من نتائجه المخالفة للعقيدة الاسلامية، مثال على القدرة البارعة للشرقيين على إنتاج أبحاثٍ بمعايير الغرب الأكاديميَّة نفسها، يُمكن أن تُشكلَّ نواة حركة استغرابيَّة قويَّة وعلميَّة وأكاديميَّة تدرس الفكر الديني والفلسفي في الغرب بإنصافٍ وجديَّة وبالأدوات نفسها التي يستخدمها الغرب، متجاوزين مرحلة الرد التقليدي على الاستشراق.

-----------------------------





---------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المسيحيَّة..من, دافينشي, شيفرة, Zealot


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:39 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59