#1  
قديم 03-22-2016, 08:14 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة عيد الأم .. عيد الألم


" عيد الأم " .. عيد الألم
ـــــــــــ

(هشام خالد)
ــــــ

13 / 6 / 1437 هــ
22 / 3 / 2016 م
ــــــــــ


326.jpg



ازدحمت الأسواق وامتلأت الأرفف بالألوان , تجارة رابحة وترويج مستغل حينما تكون المشاعر هي العملة السائدة بين الناس .


إنه يوم تشرق فيه الشمس تداعب عيون الأمهات الحيارى الحزانى , انتظار بعد غياب , وألم يزيد من الأم , ونقطة ماء تذكر الظمآن بطعم الماء , وشعاع نور يظهر ثم يختفي , وميض يخترق القلوب ليترك فيها ذكرى تعاود بعضها وتحكي الماضي الأليم والحاضر المبكي .


إن مقومات الحياة ثوابت معلومة , وركائز الدين مشبعة لا تقبل الزيادة ولا يعيبها نقص , انقياد تام واستسلام مطلق , يشبع رغبة القلب التي لطالما ظمأت لتروي شهوة النفوس الخارجة عن نطاق الإسلام ..


أعياد هي ليست معان يضفيها القلب على الحياة وليست تضيفها الأيام على القلب بل إنه تكامل بين كليهما وبين الكون بأسره , وما من يوم يقدره الإنسان ليبتدع عيدا ويوافق ما بين قلبه وأيامه ليشبع ثغره السعادة التي لطالما نقصت من ضعف الإيمان .


إن كل بدعة ضلالة وما ابتدع الإنسان شيئا أعظم مما أبدعه الخالق عز وجل وما كان لنفس أن تحيا بمنهاج أو تموت على يقين إلا كتابا يلقاه منشورا .


لكم اعتدنا ونحن صغارا أن نكتب عن عيد الأم مديحا وإعجابا , لكنني اليوم أراه من منظور آخر , منظور غير معتاد !


الآن يبين لي إن ما يسمى بعيد الأم لهو معاناة ومأساة كبيرة , وتجربة حياتية مريرة توقظ لهيب الحزن في قلوب أمهات عديدة وتدوس على لوعة الاشتياق لكل أم فقدت وليدها بينما تسمع أصوات الجيران يغنون لأم لهم وهي تبكي في صمت مرير !


لكل أم ابتلاها الله بالحرمان من البنين وقد لازم الحمد لسانها ورضت بالقضاء وصبرت على ما أصابها, يأتي صنع إنسان ليثير بداخلها المشاعر المكبوتة والروح الإنسانية الطبيعية الموقوتة في قلب كل أم ترتجي ولدا .


لكل أم كان لها ولد عاق نظرت إليه في حسرة ليهديها كل يوم صرخات تدوي في القلب الضعيف لتهز أوتار المعاناة , فنظرة إلى السماء ودمعة على الوجه كافية للتعبير.


لكل عظيمة كانت أما لشهيد تضرب بابنها المثل , تلقت التهاني والتعازي المغلفة باليقين يوم أن جاءها خبر ولدها , وأنساها الزمان بعض الألم وأعانها الله بقيمة الشهادة على الصبر , ليأتي عليها يوم دنيوي تشعر فيه بالزلزال من جديد !. جرح ينتاب القلوب ودموع لزمت مجرى الوجوه .


إن الحياة بأسرها والساعات والثواني ودقات القلوب وتعداد الأنفاس لو أنفقت ما في الأرض جميعا لتطأ به منزلة الأمومة وتضع هدايا الكون على أعتابها ما بلغتها, جل المقام وعلا القدر وسمت المنزلة.


إن ما يحدث لهو إيلام لقطاع كبير جدا من الأمهات فاقدة الابناء حقيقة أو مجازا , وتكسير للقلوب ودغدغة للأمل لدى هؤلاء الأمهات , إن الإنسانية الرفيقة والعقلانية الحكيمة – وليس الشريعة العظيمة فحسب - لتقف اعتراضا على يوم مثل عيد الألم .


ليس عيد الأم غير فكرة تاجر , حيث تتضافر كل وسائل الإعلام بكل جهودها فى إيلام هذه الفئة وتلقيهم في زنزانة الحبس الانفرادي وكذلك المتاجر والمحلات التي تصدح ليل نهار بالأغاني فتحز في نفس كل من فقد أمه وكل من فقدت وليدها .


إن الكارثة ليست كارثة أمهات فحسب , إنها كذلك كارثة أطفال يواجهون التدمير النفسي في مرحلة تنشئة الشخصية وتكوين الهيئة النفسية لديهم .


إن فاقدي الأم لهم أعداد كبيرة جدا , سواء أكانوا فاقديها حقيقة أو معنى , امتلأت الملاجئ ومؤسسات الأحداث بكارهي أمهاتهم ما دفع بهم إلى ذاك المكان , وآخرون يكرهون الأيام التي ألقت بهم في ذاك المكان , وآخرون يبكون أمهاتهم ويدعون لهم بالرحمة ..


وفي كل الحالات إنها دمعات طفل صغير لامست منديل الإنسانية فجرحته , أرادوا أن يخيطوا المنديل فأسموه - بيوم الأم – لينزلقوا من تحت عائق الدين وحكم الإسلام في الأعياد فما أغنت عنهم محاولاتهم , فلا يخاط المنديل ولا يلتئم الجراح في الصدور الصغيرة.


إن شعور الإبن حين يذهب إلى أبيه ليطلب منه نقودا لشراء هديه لأمه حيث يقتضب وجه الأب الذي لا يمتلك قوت يومه في جيبه!.. شعور بالخجل وبالتصنيف بين الناس لا يرضاه عز وجل لعباده أبدا ..


إن درء المفاسد مقدم على *** المصالح , ولا يمكن أن تتساوى لحظة ألم واحدة أو دمعة تترقرق في عين سيدة لا أبناء لها أو في عين طفل صغير أو كبير فقد أمه , أو يتيم يرى بأم عينيه صديقة يقدم لأمه الهدية لتقبله وتأخذه في أحضانها .. لا تستوي المشاعر بالدموع أبدا ..


إن القلوب الكسيرة لا تتحمل مزيدا من إنكسارها , حتى نذكرها بكل لحظة مرت عليها حرمت فيها من اعز ما في حياتها ..


إن احتكار بر الوالدين من أيام العمر المعدودة وبيعة في يوم واحد هو كبيرة بكل المقاييس , احتكار للمشاعر , احتكار للقلوب , بيع وشراء للعواطف .


المشهد يزداد مأساوية , وسائل الإعلام التي برعت في اصطياد الزبائن بالإعلانات الجذابة المروجة للسلع الكاسدة بعد تغليفها وكتابه عليها " لست الحبايب " ! , ثم يأتي الإعلان المشهور "هدية ست الحبايب عمرة رمضان " التي نظرت إليه أم عقها ابنها , ولا تعلم من سيرعاها في كبرها حيث لا راعي لها غير الله , حتى يهديها عمرة رمضان , ولد لم يطق منها طلبا لكوب ماء ! .. أم ولد قد استغل الحنان في استنزاف ثروات الأمومة .


ربما هؤلاء الإعلاميون الذين يبالغون في تزيين عيد الأم هم أبعد الناس عن برها طوال العام !

لله في خلقه شؤون, وما ميز الله عبدا عن عبد إلا بالتقوى , لقد حرم ما يبث في القلوب من مرآة التمييز الدنيوي بين الناس , والتعالي على الآخرين بنعم هو وحده – سبحانه - من أنعمها عليهم , والتفاخر بالمال والبنون اللذان زين الله بهما الحياة , ابتلى البعض بكثرتهم وابتلي البعض الآخر بالحرمان منهم .


حقا هناك ( عيد) للأم ولكنه ليس في التوقيت المزيف المشهور .. إنه يبدأ مع بداية العمر وينتهي حينما ينتقل احد الطرفين إلى الرفيق الأعلى , هذا هو عمر الأم وليس عيد الأم , إن الإحسان إلى الوالدين الذي افتقدناه في عصرنا الحالي لهو الدواء الشافي لفجوة مااسموه خطا ب (عيد ) الأم .


قبلة تضعها على جبين أمك صباح يوم ما , خير عندها من الدنيا وما فيها , وما كانت أمي خادمة ليحل بها يوما لتأخذ مني أجرها , فنحن العاملون وهي الآمرة ونحن الطائعون وهي الأميرة , ونحن المنفذون وهي القائدة والمربية , وإن الأجر أجر الآخرة .


إن (عيد ) الأم ليس إلا اختراعا قاصرا , وتقليدا أعمى للغرب الذين لطالما سعوا إلى تحديد كل شيء جميل وتحجيمه في ثوان تمضي , إن القلوب الحية التي تنبض بحب الأم تلعق تراب قدمها الثمين وتجد الحلاوة في الخضوع لها لتقبيل يدها وتتزين الحياة في ثوب جديد حينما تنزل إلى العمل بدعوات متتاليات من قلب صادق ليس بينها وبين الله حجاب .


ظاهرة عارية تتزين في ثوب مزيف يجب فضحه , فوعدا أماه , سأجعلك تنسين موعد هذا اليوم حينما يصبح عليك كل يوم شعاع الشمس الذي يطل عليك ليذكرك بجمال اليوم الذي قبلة , ولتفتحي عينيك لتتقبلي قبلتي على جبينك مرة ثانية , سأجعلك ملكة من ملوك الدنيا بـبري لك , وسيدة من سيدات أهل الجنة بعملي وإحساني فما جزاء الإحسان إلا الإحسان .


إنها قصة شاب وقف حياته لله, وسعى في إرضاء أمه, وخفض إليها جناحه , وتواضع بهامته.. وانحنى كي يضع قبلته على قلب أمه, فترفعه أمه وتضمه ضمة يتقلب لها الفؤاد سعادة في الدنيا والآخرة .. إنها قصة شاب أقسم أن ينسى أمه موعد ( عيد الألم )
-------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأم, الحياة, السعيدة, بهجة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع عيد الأم .. عيد الألم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسس تكوين الاسرة السعيدة ام زهرة البيت السعيد 0 06-25-2013 06:41 PM
حدائق ذات بهجة ام زهرة المسلمون حول العالم 0 05-22-2013 06:53 PM
المرضعةُ حليمة السعدية Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 03-03-2013 08:31 PM
بهجة العطاء تفوق لذة الأخذ... صباح الورد الملتقى العام 0 11-06-2012 09:15 AM
حلمية السعدية مرضعة الرسول جاسم داود شذرات إسلامية 2 02-13-2012 11:17 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59