مواقف من حياة
الصحابة رضي الله عنهم.
إنها معركة اليمامة، تلك المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين حيث كان تعداد جيش مسيلمة الكذاب قد قارب المائة ألف، بينما كان كان جيش المسلمين قوامه اثنا عشر ألفا فقط!! لذلك فقد سطر
الصحابة رضوان الله عليهم فيها تاريخا حافلا بمشاهد البطولة والفداء. ونكتفي هنا بمشهد عظيم للصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، حيث اشتد القتال وهجم جيش مسيلمة على المسلمين هجمة شرسة، فينادي الصحابي الجليل أبو حذيفة رضي الله عنه: يا أهل البقرة. وكان رضي الله عنه من حفاظ سورة البقرة.
فيقوم له المسلمون الحافظون لسورة البقرة، ويقاتلون قتالاً شديدًا حتى يأذن الله له بما كان يريد، فيستشهد ، ويستمر الهجوم قويًّا على المسلمين، فيحمل راية المهاجرين سالم مولى أبي حذيفة، فيقول له المسلمون وكان رجل ضعيف البنية: نخشى أن نُؤْتى من قِبَلك.
فيقول: تُؤْتوْن من قِبَلي؟! بئس حامل القرآن أنا إذًا.
وكان سالم حافظًا القرآن، ويقاتل قتالاً شديدًا وكان يقاتل بيده اليمنى، ويحمل الراية في يده اليسرى، فتقطع يده اليسرى، فيحمل الراية باليمنى، فتقطع يده اليمنى ويسقط على الأرض رضي الله عنه وأرضاه، ويأتيه عبد الله بن عمر رضي الله عنه قبل وفاته بقليل، فيجده يقول: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]. ثم يقول: أين أبو حذيفة؟ فيقول له المسلمون: إنه قد استشهد في المكان كذا وكذا، فيقول: ادفنوني في جواره.
وكان قد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي حذيفة الذي كان مولاه إلى أن أعتقه أبو حذيفة، وكان أبو حذيفة قد تبناه، فأصبح اسمه سالم بن أبي حذيفة حتى نزلت آية تحريم التبني، فأطلقه حذيفة، وكان اسمه سالم بن عبيد، ولكنه اشتهر في المسلمين بسالم مولى أبي حذيفة لأنه كان يحب هذا الرجل حبًّا شديدًا، فقال: ادفنوني بجواره.