حكايتك
تتماوج الحروف الأبجدية أمامك على سطح المكتب , وأوراقك البيضاء المنضودة تعلوها سكينة من ينتظر خطبا ما , قلمك المتحفز بين أصابعك ينتظر أمرا بخلق جديد. تنقر برأسه الصغير على الورق فيترك نمشا يزعجها لأنها تعودت أن تكون هذه الطرقات الخفيفة علامة الاضطراب و الحيرة , الورق خلق ليحمل حشو العقول و النفوس , و سعادته في تلك الانزلاقات التي تقضم بياضه , أنت الآن تعتصر تعرجات مخك , و تحاول أن تصل إلى عمق نفسك , عمق لم تلامسه و لم ترى تضاريسه , تدخل مناطقا لم يطأها إحساسك من قبل , لا تريد أن تعيد رسم وجودك بنفس الطريقة , نعم لك وجود واحد و لكنك تستطيع أن تشكله في صور لا حصر لها , فأنت و إن كنت أصلا واحد فالكتابة تعطيك لهذا الأصل نسخا كثيرة , نسخا قد تغيب عنها فلا تكاد تعرف , و قد تطفو فتلتقط بأدنى الجهود , و قد تمازجها فتكون لغزا يتدحرج بين الوجود و العدم , وبين القمة و السفح , و بين الضمور و الظهور . حكايتك الأولى هي شوق إلى الكمال , شوق إلى خروج من نفسك لمقابلة الأخريين , تريد بشكل ما أن تمارس طغيانا جميلا على غيرك , و أن تجره ليراقب حركة داخلية تسكنك , تريد أن تشع بما فيك فلا تترك أحدا خارج حماك , الكتابة لحظة في طول عمر الإنسان , هي لفتة تختصر آلاف الصور المختزنة , هي ببساطة الثانية التي تحمل دهرا كاملا . حكايتك الثانية نظرة تمسح الورق ثم تنزلق إلى عمقه , النظرة التي تدقق في الفراغات , فللفراغ قراءة تخصه , أنت لا ترى بعينك الآن , أنت تصارع الخواء بالإمتلأ الذي تشعربه , صرت ترفض مرور الهواء بصفيره الطائش في ساحاتك , فقد أرواك الحرف . حكايتك الثالثة الحرف إن طال في جوفك تعفن , و الكلمة إن لزمت مكانها ذبلت , أرضك تصغر , و الامتداد بداخلك يسرب حرفك إلى أرض جديدة . حكايتك الرابعة ...في لحظة ...تخلق توأمة الحضور و الغياب ...فتغيب عن نفسك لتحضر على ورقة برفقة حرفك ...لتكون قد دخلت في ملايين النفوس . |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:08 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع