امرأة تبعث أمة
امرأة تبعث أمة
ـــــــــــــــــــــــ *ـ المرأة اسمها ميسون ، والمكان دمشق ، والزمان يوم من أيام سنة (607) هجرية . *ـ المحنة : هجوم الصليبين الغزاة كالطوفان يدمر كل من يقف أمامه . *ـ ماذا يمكن أن تفعل امرأة عزلاء في مواجهة هذه الجحافل؟ نعم .. امرأة وحدها لا تقوى على عمل شيء، لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقاً آخر ، فقلبت الموازين ، وأدارت دفة الأمور ، وغيرت مجرى الأحداث ، نزل الإيمان قلبها فإذا بها تحس أن في عضلاتها القوة التي تهز دمشق هزاً ، وفي قلبها العزم الذي لا يكل ، والمدد الذي لا ينقطع ، والبأس الذي يفل الحديد ويدك الحصون . *ـ جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزِّينها وقالت لهم : إننا لم نخلق رجالاً نحمل السيوف ، ولكن إذا جبن الرجال لم نعجز نحن عن العمل ، هذا والله شعري ، أثمن ما أملك ، أنزل عنه أجعله قيداً لفرس تقاتل في سبيل الله ، لعلي أحرك به هؤلاء الأموات . *ـ وأخذت المقص فجزَّت شعرها ، وصنع النساء صنيعها ، ثم جلسن يضفرنه لجماً وقيوداً لخيل المعركة الفاصلة ، لا يضفرنه ليوم زفاف أو ليلة عرس ، وأرسلن هذه القيود واللجم إلى خطيب الجامع الأموي سبط بن الجوزي . *ـ فحمله إلى الجامع يوم الجمعة ، وقعد في المقصورة ، وحبس هذه اللجم والقيود بين يديه ، والدمع يترقرق من عينيه ، ووجهه ممتقع شاحب ، والناس يلحظون ذلك كله وينظر بعضهم إلى بعض ... *ـ حتى قام وخطب خطبة حروفها من نار ، تلدغ أكباد من يسمعها وكلماتها سَجرَ . *ـ فكانت إحدى المعجزات البلاغية التي يهدر بها كل عصر مرة لسان محدِّث ، أو يمشي بها قلم ملهم ، كرامة من الكرامات وواحدة من خوارق العادات ، وإنما حفظ الرواة جملاً منها نقلوها إلى لسان الأرض ، وكان مما حفظوا : *ـ ((يا من أمرهم دينهم بالجهاد حتى يفتحوا العالم ويهدوا البشر إلى دينهم ، فقعدوا حتى فتح العدو بلادهم وفتنهم عن دينهم )) . *ـ (( يا من باع أجدادهم نفوسهم من الله بأن لهم الجنة ، وباعوا هم الجنة بأطماع نفوس صغيرة ولذائذ حياة ذليلة)). *ـ يا ويحكم .. أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم ، يخطو على أرضكم التي سقاها بالدماء آباؤكم .. يذلكم ويتعبدكم .. وأنتم كنتم سادة الدنيا ؟! *ـ أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب ويخوضون النار ، وينامون على الجمر ؟ *ـ يا أيها الناس : إنها قد دارت رحى الحرب ، ونادى منادي الجهاد ، وتفتحت أبواب السماء ، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فأفسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها ، وأذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل .....!! *ـ أو لا .. فإلى الخيول ، وهاكم لجمها وقيودها ، يا ناس .. أتدون مم صنعت هذه اللجم وهذه القيود ؟ *ـ لقد صنعها النساء من شعورهن ، لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها يساعدن به فلسطين . *ـ هذه والله ضفائر المخدَّرات التي لم تكن تبصرها عين الشمس ***** وحفظاً . *ـ قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى ، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة .. الحرب في سبيل الله ... ، فإذا لم تقدروا على الخيول تقيدونها بها ، فخذوها فاجعلوها لكم ذوائب وضفائر، إنها من شعور النساء ... ألم يبق في نفوسكم شعور ؟! *ـ وألقاها من فوق المنبر على رءوس الناس وصرخ : { تصدَّعي يا قبة النسر ، وميدي يا عُمُد المسجد ، وانقضي يا رجوم ، لقد أضاع الرجال رجولتهم )) . **ـ فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها ، ووثبوا يطلبون الموت ، فجاء النصر المبين على يدي امرأة واحدة أيقظت أمة نائمة . (*) ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) صَفقات رابحة : خالد أبو شادي . ــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:55 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع