ملتقى شذرات - أحمد حسن الزعبي يكتب .. “بيصير يبكيني”

http://sawaleif.com/news/wp-content/...3616756144.jpg

“بيصير يبكيني”

فى: سبتمبر 26, 2018طباعةالبريد الالكترونى

مقال الخميس 27-9-2018
“بيصير يبكيني”
للشجر روزنامة من حنين ،يقلب تقويم الفصول ، يقرأ الأيام بشفة الريح الناعمة ..وعندما ينتهي النهار يشطب فوق الخضرة التاريخ..
**
كنت أغبطه على صمته الوقور،على ثبات وقوفه بساق واحدة ،وأستغرب كيف يعدُّ الثواني بأغصان عارية دون ملل ، ترى كيف لا يتعب وهو يحمل أنفاس الناس كلها وأحلام الناس كلها وأوجاع الناس كلها ،كيف لا يتأفف من ضيف تفيّأ في الوقوف تحته ،أو من صيف لم يرحم قبّعة الأوراق الرقيقة ، كيف لا يذرف دمعة كلما سقطت ورقة حضنها عاماً كاملاً ، يا لأولاد الشجر الذين لا يكبرون أبداً..

**
في شهر أيلول ، يعرف الورق نهايته،يكتب وصيته باهتزاز النسمات، بحفيف حزين على النافذة ، وبامتقاع اللون يودّع الغصن ويموت..كنت أعتقد أن أيلول وطن الخريف الأوحد ، أو مجرّد عَقد بين الورقة والغصن ينتهي كما تنتهي كل العلاقات البشرية..لاكتشف أن الخريف ينكفئ في داخلي أنا ؛ قوّتي تذبل هي الأخرى ، هتافاتي للوطن تصفّر وتذوب ، كلما رأيت ظلما يحيق بشعبي أهتزّ في مكاني، أطرح بعض الكلمات، لكنّي لا أستطيع الجري خطوة واحدة لأنقذ ما يمكن إنقاذه ، لم تعد تشجيني أناشيد الأطفال في المدارس، ولا “كركعة” تنكة الحديد آخر الليل، لم أعد أحتفي بأول قطرة مطر تنزل على شفتي أو جبهتي ، لم أعد ادقق في وجه فنجان القهوة كيف يبدو ، قلب حبّ، شفة ضاحكة ، شفة حزينة، أو غيمة بُنّ ..
شهر أيلول كان شهياً في السنوات السابقة أراقب أسراب الطيور ،وغسيل الجيران ، وتفكك الغيم في أول حارتنا..كنت أرى أن كل هذه الحياة تمّر هنا من وطني..وعندما رحلت أمي اصفرّ وطني فجأة كورقة عنب وصرت أخاف من نسمة الريح الأخيرة..شتي أيلول كان الحب ،والمريول المبلول، وربطة الخبز ، و”نحنحة” الصوبة في أول تجريب..تغير مزاج العمر كله، صار عباءة من خوف، ووطن من بلاستيك مدوّر..شهر أيلول (بيصير يبكيني)..كلما أغمض الليل جفنيه عليّ.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com