عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-08-2015, 08:30 AM
الصورة الرمزية ابراهيم الرفاعي
ابراهيم الرفاعي غير متواجد حالياً
كاتب وأديب قدير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: روضة الورد
المشاركات: 526
افتراضي الأمثال في القرآن الكريم


الأمثال في القرآن الكريم

حقيقة المثل: إخراج الغامض إلى الظاهر.ولما للأمثال من فوائد ,امتن الله علينا بقوله: (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ )[إبراهيم: 45]، وبقوله وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ )[العنكبوت: 43]، وسمي مثلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا أي:
شاخص فيتأسى به ويتعظ.
والغرض من المثل: تشبيه الخفي بالحسي، والغائب بالشاهد كتشبيه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة.
الأصل في المثل إعطاء شيء منزلة شيءعن طريق التشبيه وبيان وجه الشبه، ولا يلزم في الشبيه المطابقة من كل الوجوه، بل يكفي فيه أن يُلمح منه جانبٌ فيه شبهٌ ما يحقق الغرض من التشبيه.

ويطلق المثل في القرآن ليكون نموذجا أو أكثر لقضايا أو سنن أو أعمال تتشابه مع أحوال الأفراد والجماعات، ونفهم من خلالها كيف نتعامل معها ونقيس كل ما شابهها على مر الزمان ، وبناء عليه يتم الحكم على كل المماثلات لها ذما أو مدحا.
1 - ويأتي المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى )[النحل: 60] وقوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ )[الرعد: 35].
2- ويستعمل المثل لبيان الحال كقوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ )[البقرة: 17].
3- ويستعمل للوصف وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النحل: 60] ، وكقوله تعالى ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) [الفتح: 29]، وكقوله تعالى: (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ )[البقرة: 264].
ومثل قوله تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [سورة الجمعة 5] أي وصفهم ووصف حالهم بتركهم للعمل بالعلم أنهم كمثل الحمار الذي يحمل الكتب على ظهره ولا ينتفع منها.

وقد ضرب الله أمثالا كثيرة في القرآن الكريم. فضرب للمنافقين مثلين: مثلا: بالنار، ومثلا: بالمطر فقال مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ )[البقرة:
17 - 19].

تنقسم الأمثال الى قسمين:
الأول : المثل الصريح : هو الظاهر والمصرح به مثل قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) [سورة البقرة 17] فلا يحتاج إلى دليل، كفى بلفظه الصريح دليلا.

الثاني : الكامن: وهو الذي لا يذكر في النص لفظ المثل وإنما يكون حكمه حكم الأمثال، كقوله تعالى: ((أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) [سورة التوبة 109] فالمثل هنا يؤخذ من مكنون النص ودلالاته.

وأما أنواع الأمثال فهي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : التمثيل الرمزي : وهو ما يأتي على لسان الطيور والحيوانات والنبات ، كقصة النملة مع سليمان -عليه السلام- ، وقصة آدم -عليه السلام- مع الشيطان ، فهي رموز لحقائق علوية.
النوع الثاني : التمثيل القصصي : وهو ما جاء ليبين أحوال الأمم وقصصهم للعبرة
كقوله تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [سورة التحريم 10]
النوع الثالث : التمثيل الطبيعي : وهو تشبيه غير الملموس بالملموس ، والمتوهم بالمشاهد على أن يكون ذلك في الأمور التكوينية ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [سورة يونس 24]

وتلحظ من الأقسام والأنواع، كيف أن القرآن ضرب الأمثال صريحة وغير صريحة، وبطرق وأساليب عديدة، رمزية وقصصية وطبيعية.
فوائد الأمثال:
للأمثال فوائد وثمرات يجنيها متدبرها ,فالأمثال تؤثر أكثر من الكلام المجرد لأنها تقرب الصورة وت*** الانتباه وتسخر الوهم للعقل وترفع الحجاب عن القلوب الغافلة وتؤلف المطلوب وتقربه :
• فإن كان ذمّاً : كان مسه أوجع.
• وإن كان حجاجاً : كان برهانه أنور.
• وإن كان افتخاراً : كان شرفه أجد ولسانه ألد.
• وإن كان اعتذاراً: كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب.
• وإن كان وعظاً: كان أشفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه.
ومن أهم الفوائد لأمثال القرآن الكريم:
1- التذكير والوعظ.
2- الحث والزجر.
3- الاعتبار والتذكير.
4- تقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس لتثبت في الأذهان.
5- فيه لون من ألوان الهداية لتغري النفوس بالخير والبر وتمنعها عن الشر والإثم.
6- قال إبراهيم النظام : يجتمع في المثل أربع لا تجتمع في غيره من الكلام :
إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية

والفائدة العظمى من الأمثال القرآنية التي ذكرها الله تعالى في قوله:
(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [سورة العنكبوت 43]
في الآية دلالة على أن الأمثال شواهد للمعنى المراد وهي خاصية العقل ولبّه وثمرتهمن عقلها وفهمها يكون من العلماء الربانيين والأتقياء الأنقياء .

المجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي:
1- بينت الإيمان ومثلت له
2- كشفت الكفر وردت شبهه
3- فضحت النفاق
4- نادت بالخير وردت الشر
5- صورت الخبيث والطيب
6- ميزت الصالح عن الطالح.



مثل من أمثال القرآن الكريم وتوضيحه:
قال تعالى أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ) [الرعد: 17].
في هذه الآية مثلان:
- الأول: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد: 17].

- الثاني: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ [الرعد:
17] والمثلان ضربهما الله للحق والباطل، فالباطل: وإن علا يضمحل كالزبد. والحق: كالمعدن الذي يخلص نقيا بعد اختباره بالنار.
أ- هذه الصورة حسية تجري تحت سمع الناس وبصرهم ماء ينزل من السماء فتسيل منه الأودية ويعلوه الزبد. ويطفو على سطحه ويغيب في الأرض قسم منه.
ب- فما المراد بهذه الصورة؟
ليس المقصود بهذه الصورة ظاهرها لأن الله تعالى يقول بالآية: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ويقول: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ.


لب العبرة في المثل: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد: 17] والزبد رغوة ذات فقاقيع تطفو على سطح الماء ثم لا تلبث أن تزول تاركة تحتها الماء النافع، فالباطل في تفاهته وسرعة زواله كالزبد والحق في أصالته وبقائه كالماء النافع الذي جعل منه الله تعالى كل شيء حي.
هـ- التوسع في توضيح هذا المثل:

- العنصر الأول:
الإنسان مؤلف من جسم وروح فليس من المعقول والحكمة أن ينزل الله للأجسام ما تحتاجه وتتغذى به ويهمل الروح التي هي أهم شيء في هذا الكائن الحي.
وهذا الذي أنزله الله للقلوب والأرواح مقابل الماء الذي أنزله الله للأجسام والأبدان وهو الوحي: روح القلوب وسر حياتها فإذا سرى الوحي في الأرواح عاشت كما يعيش الجسم إذا سرى فيه الماء، قال تعالى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى: 52].
والعنصر الثاني:
إن حياة النفوس بهدى الله تعالى ولا حياة لها بغيره كما أن حياة الأرض بالماء ولا حياة لها بدونه فلا حياة لها بذهب أو فضة أو مال ولا غير ذلك، فبالماء وبالماء فقط تحيا الأرض فالذين يظنون أن تحيا نفوسهم بغير ما أنزل الله من مدنيات أو علوم خالية من الروح، أو يظنونها تحيا بكثرة ما يجمعون من عرض الدنيا إذ لا موت إلا فيما يطلبون ولا حياة إلا فيما يعرضون عنه ويدعون.
قال تعالى:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122].
فهؤلاء: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل: 21].
ما داموا بعيدين عن مصدر الحق كما تموت الأرض إذا بعدت عن الماء والله ينادينا فيقول: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد: 17].
وأرض القلوب والنفوس كهذه الأرض التي نعيش عليها. - إن للماء الذي يسري في الأرض شاهدا ملموسا نراه في الزرع والزهر والشجر والثمر فهل بحياة النفوس والقلوب بالوحي من آثار؟ نعم.
ومنها:
1 - الشعور بالرضا والغبطة فليس للكم القليل أو الكثير حساب في غبطته ورضاه وإنما هو سر نبع في وجدانه من عالم غير عالم الكميات التي يحيط بها العد ويقدرها الكيل والميزان. فهو سعيد بغير سبب من أسبابنا المنظورة.
2 - أن يشعر بيسر ما يلقى عليه من أعباء الحياة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4].
لأنه لا يعمل بطاقته الظاهرة فقط بل بمدد من الطاقة الروحية أيضا.
3 - يحل في نفسه حب الفضيلة وبغض الرذيلة وتتلاشى في نظره الفوارق الاجتماعية.
4 - يجعل حب الدنيا في يده فيضمها ويقبضها متى شاء ولا يجعلها بقلبه وبذلك يسيطر على الشهوات ولا تسيطر عليه الشهوات فيكون عبدا لها، فهو سيد على ماله لا عبداً له قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14].
5 - ليست الحياة في نظر من يؤمن بالوحي صراعاً على حطام الدنيا، وليست شهوة حسية بل هي عبودية مطلقة لله تعالى، من خلق كريم وتضحية وجهاد وإيثار وشجاعة وعند ذلك يكون هذا الكائن الحي هو الزرع المبارك الكريم، الذي ينبت في أرض بشريتنا كما نبت قديما برعاية الرسول صلّى الله عليه وسلّم في بشرية الصحابة رضوان الله عليهم، حين سقيت وهي ميتة بوحي الله العظيم. فأصبحوا كما قال الله فيهم:
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ [الفتح: 29].
ز- العنصر الثالث:
إن الأودية تختلف سعة وضيقا، فأعظمها شأنا أكثرها ماء. وأبعدها عمقا واتساعا، وأصلحها لإمداد الأرض بالماء. وثمرة ذلك كثرة الثمار والأشجار على جانبيه وامتداد الحقول والبساتين من حوله. وكذلك الناس تتفاوت قلوبهم في تقبل أمر الله، فمنهم من يمتلئ ويتقبل الكثير، ومنهم من يقبل دون ذلك أو لا يتسع لما يتسع له الأول. وعلى هذا تتفاوت أقدار الناس. فأعلاهم قدرا أكثرهم إحاطة ووعيا لما أنزله الله، وأعظمهم إفاضة على العباد ونفعا لهم. ح- العنصر الرابع:
الزبد رغوة ذات فقاقيع تظهر على وجه الماء حين يخضه الجريان أو حين يضطرب لسبب ما ولا تلبث أن تذهب رغوته إلى لا شيء وموقع الزبد في هذا المثل صورة دقيقة لموقع الباطل إلى جانب الحق في قوله:
كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [الرعد: 17] فالزبد: هو الباطل، والأودية قلوب الناس والماء هو الوحي.

ط- الزبد وعناصر تكوينه:
ليس الزبد عنصرا من عناصر الماء وإن وجد على سطحه وهو ظاهرة عابرة عارضة. غازات وهباء وليونته وطراوته مستمدة من الماء، فهو لا شيء. وكذلك شأن الباطل إلى جانب الحق. فالحق جوهر الأصالة لكل شيء في الوجود. والباطل لا أصل له. ونسبته إلى الحق كنسبة فقاعة الزبد إلى الماء فهو غرور الأهواء يحاول أن يبدو للناس في أثواب الأصالة التي يبدو فيها الحق فينخدع بذلك أهل الغفلة وقصار النظر. والعقبى للحق الذي يتضمن عناصر البقاء. وإذا كانت فقاعة الزبد تستعير ليونة الماء لتستر لا شيء، وهكذا الباطل يدعم وجوده إنما يحاول دعم لا شيء. فهو هيّن كهوان الفقاعة المتطايرة الضائعة، وإذا أخذت حفنة كبيرة من هذا الزبد لا فقاعة واحدة. فانظر ماذا يبقى بكفك من هذا الهباء الذي يتألف من الزبد.

ي- الباطل في نظر أهل الحق:
ليس للباطل فائدة وليس له قوة فإزالته كزوال الزبد إذا أخذته بكفك من الماء. وإلى هذا يشير القرآن الكريم.
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 196 - 197] ..
ك- أهواء الباطل وغازات الزبد:
هذه الغازات تكونت من عفونة أجسام تحللت وفسدت ببعض عوامل التحليل والفساد. وبهذه الغازات كثر الزبد وكبرت فقاعاته. وهذه الغازات يقابلها أهواء المرء وشهواته، فإذا كانت الغازات هي العامل الأساسي في تكوين الزبد فالأهواء والشهوات هي العامل الأساسي لوجود كل باطل على ظهر هذه الأرض . ل- التقاء الزبد والباطل:
1 - كل منها ظاهرة عارضة ضائعة الأصل والنسبة.
2 - كل منها شيء لا نفع له ولا ثمرة ينتهي إليها.
3 - كل منها سريع التحول والزوال لا استقرار له ولا دوام.


المراجع:

1-المُعْجزة القرْآنيّة حَقائقٌ علميّة قاطعَة
أحمد عمر أبو شوفة
2-أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع للدكتور عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59