عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-28-2021, 09:53 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين السُّنَّة والرافضة وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدَّولة، وعطّلت الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين، فسكنت الفتنة.
وفيها حشد سيف الدَّولة، ودخل الروم، فأغار وقتل وسبي، فزحفت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم فكر في ثلاثمائة وذهبت خزانته، وقتل جماعة من أمرائه، والله المستعان.
وفيها كان إسلام الترك، قال ابن الجوزي: أسلم من الترك مائتا ألف خركاه.
وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي ببغداد، في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعباس الدُّوري، والكبار.
وفيها أبو الفوارس الصابوني، بن محمد بن حسين ابن السِّندي، الثّقة المعمَّر،، مسند ديار مصر، في شوال، وله مائة وخمس سنين. روى عن يونس بن عبد الأعلى، والمزني والكبار. وآخر من روى عنه ابن نظيف.
وفيها العلامة أبو الوليد، حسّان بن محمد القرشي الأموي النَّيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج،، صنّف
(2/80)
________________________________________
التصانيف، وكان بصيراً بالحديث وعلله، خرّج كتاباً على صحيح مسلم، ورى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، وهو صاحب وجهٍ في المذهب.
وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، أزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم، توفي في ربيع الأول، عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها أبو علي النيسابوري الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النَّيسابوري، أحد الأعلام، في جمادى الأولى، نيسابور وله اثنتان وسبعون سنة.
قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف، سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته. وفي الرحلة، من النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما، وكان في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه.
وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد العدل، وكان إسحاق، ابن عم أبي القاسم البغوي، سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهما. قال الدّارقطني: ليِّن.
وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم شيخ القرّاء بالعراق، وهو عبد الواحد ابن عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد بن جعفر القتّات، وطائفة. ومات في شوال، عن سبعين سنة.
(2/81)
________________________________________
وفيها أبو أحمد العسّال القاضي، واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر بن أبي عاصم، وطبقتهما. ورحل وجمع وصنّف، وكان من أئمة هذا الشأن.
قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ.
وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسّال.
قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة، أو أكثر.
وفيها ابن علم الصفّار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، صاحب الجزء المشهور.
قال الخطيب: جميع ما عنده جزء، ولم أسمع أحداً يقول فيه. إلاّ خيراً.
قلت: سمع محمد بن إسحاق الصغّاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال إنه جاوز المائة.
سنة خمسين وثلاثمئة
فيها بنى معزّ الدولة ببغداد، دار السلطنة، في غاية الحسن والكبر، غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف دينار وقد درست آثارها في حدود الستمئة، وبقي مكانها دحلة، يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في الأساسات نيّفا وثلاثين ذراعاً.
(2/82)
________________________________________
وفيها تمت أخلوقة قبيحة، وهي أن أبا العباس عبد الله بن أبي الشوارب ولي قضاء القضاة، وركب بالخلع الحرير المحترمة، من دار معز الدَّولة بالدبادب والبوقات، وفي خدمته الأمراء، وشرط على نفسه بمكتوب أن يحمل في العام مائتي ألف درهم، إلى خزانة الدولة، وتألّم المطيع، وأبى أن لا يدخل عليه، وامتنع من تقليده، وضمّن آخر الحسبة، وآخر الشرطة.
وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر، سمع أبا عيسى المروزي، وأبا حاتم الرازي، وطبقتهما.
قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح، لكان أولى به، لكنه حدّث عن جماعة، أشهد بالله، أنه لم يسمع منهم.
وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء الكوفة، وحدّث عن محمد بن سعد العوفي، وطائفة. وعاش تسعين سنة، توفي في المحرم.
قال الدارقطني: ربما حدّث من حفظه، بما ليس في كتابه، أهلكه العجب، وكان يختار لنفسه، ولا يقلّد أحداً.
وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله.
(2/83)
________________________________________
وفيها أبو سهل القطّان، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي، المحدّث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق. وفيه تشيُّع قليل، وكان يديم التهجّد والتلاوة والتعبُّد، وكان كثير الدعابة.
قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق، توفي في شعبان، وله إحدى وتسعون سنة.
وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وطائفة وكان يرتجل الخطب، ولا يتقدّمه فيها أحد.
وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درّس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنّف التصانيف، كالمحرر، والإفصاح، والعدّة، وهو صاحب وجه.
وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور أبي جعفر، في صفر، وله سبع وثمانون سنة، وهو ذو قعدد في النسب في طبقة الواثق. روى عن العطاردي، وابن أبي الدنيا.
وفيها توفي خليفة الأندلس، وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء
(2/84)
________________________________________
الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني، وكانت دولته خمسين سنة، وقام بعده ولده المستنصر بالله، وكان كبير القدر كثير المحاسن، أنشأ مدينة الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال ما لا يحصى، ولما بلغه ضعف أحوال الخلافة بالعراق، ورأى أنه أمكن منهم، وأولى تلقّب بذلك.
وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي، تزهَّد أولاً، وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه والحديث والتفسير، وتوصَّل، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد، ونوّه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، فكان أوّل من ولي قضاء القضاة من الشافعية.
وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرومي، الإخشيذي، رفيق الأستاذ كافور، أجلّ أمراء الدولة، وكان كافور يخافه ويداريه، وقد مدحه المتنبي، فوصله فاتك بألف دينار.
وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدِّهقان الفقيه المحدّث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي طالب، وابن أبي الدنيا والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.
(2/85)
________________________________________
سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة
فيها نازل الدُّمستق لعنه الله مدينة عين زربة، في مئة ألف وستين ألفاً، فأخذها بالأمان، ثم نكث في آخر القصة، وقتل خلق لا يحصون، وأحرقها ومات أهلها في الطرقات جوعاً وعطشاً، إلا من نجا بأسوأ حال، وهدم حولها نحواً من خمسين حصناً، أخذ بعضها بالأمان رجع، فجاء سيف الدولة، فنزل على عين زربة، وأخذ يتلافى الأمر، ويلم شعثها، واعتقد أن الطاغية لا يعود، فدهمه الملعون، ونازل حلب بجيوشه، فلم يفوته سيف الدولة، ونجا في نفرٍ يسير، وكانت داره بظاهر حلب، فدخلها الدُّمستق، ونزل بها، واحتوى على ما فيها من الخزائن، وحاصر أهل حلب إلى أن انهدمت ثلمة من السور، فدخلت الروم منها، فدفعهم المسلمون وبنوها في الليل، ونزلت أعوان الوالي إلى بيوت العوام فنهبوها، فوقع الصائح في الأسوار: الحقوا منازلكم، فنزلت الناس حتى خلت الأسوار، فبادرت الروم وتسلقوا، وملكوا البلد، وبذلوا السيف حتى كلّوا وملّوا، واستباحوا حلب، ولم ينجح إلا من عد القلة.
وأما بغداد، فرفعت المنافقون رؤوسها، وقامت الدولة الرافضية، وكتبوا على أبواب المساجد: لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقّها من فدك ولعنة من أخرج العباس من الشورى ولعنة من نفى أبا ذر، فمحته أهل السنَّة في الليل، فأمر معز الدَّولة بإعادته: فأشار عليه الوزير المهلَّبي، أن يكتب: ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد، ولعنة معاوية فقط.
وأسرت الروم من منبج، الأمير أبا فراس بن سعيد بن حمدان
(2/86)
________________________________________
الأمير وبقي في أسرهم سنوات.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكَّري بمصر، روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وطائفة.
وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكّي. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأبي يزيد القراطيسي، وطائفة وعاش تسعين سنة.
وأحمد بن محمد، أبو الحسين النَّيسابوري، قاضي الحرمين، وشيخ الحنفية في عصره، ولي قضاء الحجاز مدّة، ثم قدم نيسابور، وولي القضاء بها، تفقّه على أبي الحسين الكرخي، وبرع في الفقه، وعاش سبعين سنة.
وروى عن أبي خليفة الجمحي، وكان القاضي أبو بكر الأبهري، شيخ المالكية، يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من ابن أبي الحسين.
وفيها أبو إسحاق الهجيمي، إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة، وقد قارب المائة، روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي، وطائفة.
وفيها المهلَّبي الوزير، في قول، وسيأتي في العام الآتي.
وفيها دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو محمد السِّجزي المعدّل، وله نيف وتسعون سنة، رحل وطوف وأكثر، وسمع من هشام السِّيرافي، وعليّ البغوي، وطبقتهما.
(2/87)
________________________________________
قال الحاكم: أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بمذهبه. وقال الدَّارقطني: لم أر في مشايخنا، أثبت من دعلج. وقال الحاكم: يقال لم يكن في الدنيا أيسر منه، اشترى بمكة دار العباسيّة، بثلاثين ألف دينار، وقيل كان الذّهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصِّلات، توفي جمادى الآخرة.
وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادي بمصر، راوي السِّرة عن ابن البرقي في رمضان.
وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد، في شوال، وله ست وثمانون سنة. سمع الحارث بن أبي أسامة، إبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما. وصنّف التصانيف.
قال الدَّارقطني: كان يخطئ ويصرّ على الخطأ.
وفيها الحبِّيني أبو أحمد علي بن محمد المروزي، سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته. وكان صاحب حديث قال الحاكم: كان يكتب مثل السكر.
وفيها أبو بكر النقّاش، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي المقرئ، صاحب التصانيف في التفسير والقراءات. روى عن أبي مسلم الكجِّي وطائفة، وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزّي، ورحل
(2/88)
________________________________________
ما بين مصر، إلى ما وراء النهر، وعاش خمساً وثمانين سنة، ومع جلالته في العلم ونبله، فهو ضعيف متروك الحديث.
وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشَّيباني الكوفي، مسند الكوفة في زمانه، أو في العام الآتي.
روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار وأحمد بن أبي غرزة، وجماعة.
وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النَّيسابوري، ولي قضاء نيسابور، بضع عشرة سنة، روى عن علي بن عبد العزيز البغويّ وأحمد بن سلمة، وطبقتهما.
سنة اثنتين وخمسين وثلاثمئة
فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة، أهل بغداد بالنَّوح والمآتم، على الحسين بن علي رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة، منشّرات الشعور، مضخّمات الوجوه، يلطمن، ويفتنّ الناس، وهذا أول ما نيح عليه، اللهم ثبت علينا عقولنا.
وفيها عزل عن قضاء العراق، ابن أبي الشوارب، الذي ضمن القضاء، وولِّي عمر بن أكثر، على أن لا يأخذ جامكيّة.
وفيها قتل ملك الروم، وولى الملك: الدُّمستق، واسمه نقفور
(2/89)
________________________________________
وفيها يوم ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرّافضة عيد الغدير، غدير خمّ، ودقت الكوسات وصلّوا بالصحراء صلاة العيد.
وفيها، أو في التي قبلها، الوزير المهلَّبي، أبو محمّد الحسن بن محمد الأزدي، من ذريّة المهلّب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه، كان من رجال الدهر، حزماً وعزماً وسؤدداً، وعقلاً وشهامةً ورأياً، توفي في شعبان، وقد نيّف على الستين، وكان فاضلاً شاعراً فصيحاً حليماً جواداً، صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل العباس بن الحسن الشرازي.
وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الحافظ، أحد أركان الحديث بالأندلس، سمع بعد سنة ثلاثمئة، من جماعة، وصنّف التصانيف، وكان عجباً في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرّة. وورد أن المستنصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق، بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد.
وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة، روى عن موسى بن سهل الوشّاء وجماعة، وله جزء مشهور وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس البغدادي الرقا أبو الحسن روى عن زوج أمه، أبي بكر بن أبي الدِّنيا، وهو ضعيف جدّاً.
سنة ثلاث وخمسين وثلاثمئة
فيها نازل الدُّمستق المصيِّصة وحاصرها وغلت الأسعار بها، ثم
(2/90)
________________________________________
ترحّل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه، ثم جاء إلى طرسوس، وأهدى تقادم إلى سيف الدولة.
وفيها تحارب معزّ الدولة، وأمير الموصل، ناصر الدولة، وانهزم أوّلاً ناصر الدولة، ثم انتصر، وأخذ حواصل معز الدولة وثقله، أسر عدة من الأتراك.
وفيها توفي الحافظ البارع، أبو سعيد أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيريّ النَّيسابوري، شهيداً بطرسوس، وله خمس وستون سنة، روى عن الحسن بن سفيان وطبقته، وصنّف التفسير الكبير، والصحيح على رسم مسلم، وغيره ذلك وفيها أبو إسحاق بن حمزة الحافظ، وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة ابن عمارة، بأصبهان، في رمضان، وهو في عشر الثمانين.
قال أبو نعيم: لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله، جمع الشيوخ والمسند وقال أب عبد الله بن منده الحافظ لم أر أحفظ منه.
وقال ابن عقدة: قلّ من رأيت مثله.
قلت: روى عن مطيّن وأبي شعيب الحراّني.
وفيها أبو عيسى بكّار بن أحمد البغدادي، شيخ المقرئين في زمانه،
(2/91)
________________________________________
قرأ على جماعة من أصحاب الدُّوري، وسمع من عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وتوفي في ربيع الأوّل، وقد قارب الثمانين.
وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدِّب، روى عن الكديمي وطبقته.
وفيها أبو علي بن السَّكن، الحافظ سعيد بن عثمان بن سعيد بن السَّكن المصري، صاحب التصانيف، وأحد الأئمة، سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر، من أبي القاسم البغوي وطبقته، توفي في المحرم، وله تسع وخمسون سنة.
وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الورّاق الواعظ ببغداد، وقد قارب المئة، روى عن العطاردي، وأبي جعفر بن المنادي وطائفة، وكان أسند من بقي.
وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني الأصبهاني، سمع أسيد بن عاصم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وجماعة.
وفيها أبو محمد الفاكهي، عبد الله بن محمد بن العباس المكي، صاحب أبي يحيى بن أبي مسرّة، وكان أسند من بقي بمكة.
(2/92)
________________________________________
وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي، المحدّث المقرئ، روى عن أبي زرعة الدمشقي، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وتسعين سنة.
وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ، أحد الرحالة، سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان. وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وطبقتهما.
قال عبد العزيز الكتاني: كان يتهم.
قلت: عاش سبعاً وثمانين سنة.
سنة أربع وخمسين وثلاثمئة
فيها بنى الدُّمستق نقفور مدينة الروم وسمّاها قيسارية وقيل قيصرية، وسكنا ليغير كل وقت، وجعل أباه بالقسطنطينية، فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له، ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة، وينفذ إليهم نائباً له عليهم فأجابهم، ثم علم ضعفهم، وشدّة القحط عليهم، وأن أحداً لا ينجدهم، وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلاثمئة جنازة، فرجع عن الإجابة، وخاف إن تركهم حتى تستقيم أحوالهم، أن يمتنعوا عليه، فأحرق الكتاب على رأس الرسول، فأحترقت لحيته، وقال: إمض، ما عندي إلاّ السيّف، ثم نازل المصيِّصة، فأخذها بالسيف واستباحها، ثم افتتح طرسوس بالأمان، وجعل جامعها اصطبلاً لخيله، وحض البلد وشحنها بالرجال.
وفيها توفي أبو بكر بن الحدّاد، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن
(2/93)
________________________________________
عطية البغدادي، بديار مصر، روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل الدمياطي، وطبقتهما.
وفيها المتنبي شاعر العصر، أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي، في رمضان، بين شيراز والعراق، وله إحدى وخمسون سنة، قتلته قطاع الطريق، وأخذوا المال الذي معه، وقد مدح عدّة ملوك، وقيل إنه وصل إليه من ابن العميد، ثلاثون ألف دينار. ومن عضد الدولة صاحب شيراز مثلها، وليس في العالم أحد أشعر منه أبداً وأمَّا مثله فقليل.
وفيها الحبر العلامة، أبو حاتم، محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان بن معاذ التَّميمي البستي الحافظ، صاحب التصانيف، سمع أبا خليفة الجمحي وطبقته، بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة، وكان من أوعية العلم، في الحديث والفقه واللّغة والوعظ وغير ذلك، حتّى الطب والنجوم والكلام، ولي قضاء سمرقند، ثم قضاء نسا وغاب دهراً عن وطنه، ثم ردّ إلى بست. وتوفي في شوال بها، وهو في عشر الثمانين.
وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ، محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطّار، وله تسع وثمانون سنة، قرأ على إدريس الحدّاد، وسمع من أبي مسلم الكجَّي وطائفة، وتصدّر للإقراء دهراً، وكان علامة في نحو الكوفيين، سمع من ثعلب أماليه وصنّف عدّة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة، خالف فيها الإجماع. وقد وثّقه الخطيب.
(2/94)
________________________________________
وفيها أبو بكر الشافعي، محّمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزّاز المحدّث، في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وهو صاحب الغيلانيات، وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء، التي هي في السماء علواًّ. روى عن موسى بن سهل الوشّاء، ومحمد بن الجهم السمَّري، ومحمد بن شدّاد المسمعي، وطبقتهم.
قال الخطيب: ثقة. كان ثبتاً حسن التصنيف، جمع أبواباً وشيوخاً قال: ولما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة، وكتبوا السَّبَّ على أبواب المساجد، كان يتعمّد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع رحمه الله
سنة خمس وخمسين وثلاثمئة
فيها أخذ ركب مصر والشام، وهلك الناس، وتمزقوا في البراري، فلا قوة إلا بالله، أخذتهم بنو سليم.
وفيها توفي الجعابي الحافظ أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي البغدادي، سمع يوسف بن يعقوب القاضي، ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما، وصنف الكتب وتوفي في رجب، وله اثنتان وسبعون سنة، وكان عديم المثل في حفظه.
(2/95)
________________________________________
قال القاضي أبو عمر الهاشمي: سمعت ابن الجعابي يقول: أحفظ أربعمئة ألف حديث، وأذاكر بستمئة ألف حديث.
قال الدارقطني: خلط: ثم ذكر أنه كان شيعياً، وقيل كان يترك الصلاة، نسأل الله العفو.
وفيها أبو الحكم منذر بن سعيد البلّوطي، قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من عبيد الله بن يحيى اللَّيثي، وكان ظاهريّ المذهب، فطناً مناظراً، ذكياً بليغاً، مفوهاً شاعراً كثير التصانيف، قوّالاً بالحق، ناصحاً للخلق، عزيز المثل، رحمه الله، عاش اثنتين وثمانين سنة.
وفيها محمد بن معمر بن ناصح، أبو مسلم الذُّهلي الأديب، بأصبهان، روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وأبي شعيب الحراني، وطائفة.
سنة ست وخمسين وثلاثمئة
فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين، على العادة المارّة، في هذه السّنوات.
وفيها مات السّلطان معز الدَّولة، أحمد بن بويه الدَّيلمي، وكان في صباه يحتطب، وأبوه يصيد السمك، فما زال إلى أن ملك بغداد، نيّفاً وعشرين سنة، ومات بالإسهال، عن ثلاث وخمسين سنة، وكان من ملوك الجور والرَّفض، ولكنه كان حازماً سائساً مهيباً وقيل إنه رجع في مرضه على الرفض، وندم على الظلم، وقيل إن سابور ذا الأكتاف أحد ملوك
(2/96)
________________________________________
الفرس من أجداده، وكان أقطع، طارت يده في بعض الحروب، وتملّك بعده ابنه عز الدولة بختيار.
وفيها توفي أبو محمد المعقلي، أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة.
قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة، سمع أحمد بن نجدة، وإبراهيم بن أبي طالب، ومطيّناً وطبقتهم، وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدون عن رأيه.
والقالي أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي االلغوي النحوي الأخباري، صاحب التصانيف، ونزيل الأندلس بقرطبة، في ربيع الآخر، وله ست وسبعون سنة، أخذ الآداب عن ابن دريد، وابن الأنباري، وسمع من أبي يعلى الموصلي، والبغويّ، وطبقتهما، وألّف كتاب البارع في اللُّغة في خمسة آلاف ورقة، ولكن لم يتمّه.
والرفّاء، أبو علي حامد بن محمد الهروي الواعظ المحدّث بهراة، في رمضان، روى عن عثمان الدّارمي، والكديمي، وطبقتهما. وكان ثقة، صاحب حديث.
والرّافقي، أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السَّريِّ. روى عن هلال بن العلاء وجماعة. وتوفي بمصر.
قال يحيى بن علي الطحان: تكلّموا فيه.
(2/97)
________________________________________
وعبد الخالق بن أبي الحسن بن علي أبو محمد السَّقطي المعدَّل، ببغداد، روى عن محمد بن غالب تمتام، وجماعة.
وسنقة، أبو عمرو عثمان بن محمد البغدادي بن السَّقطي، سمع الكديمي، وإسماعيل القاضي، ومات في آخر السنة، وله سبع وثمانون سنة.
وصاحب الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني، الكاتب الأخباري، روى عن مطيّن فمن بعده، وكان أديباً نسّابة علامة شاعراً، كثير التصانيف، ومن العجائب أنه مرواني يتشيع، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها سيف الدولة، على بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التَّغلبي الجزري، صاحب الشام، بحلب، في صفر، وله بضع وخمسون سنة، وكان بطلاً شجاعاتً كثير الجهاد، جيد الرأي، عارفاً بالأدب والشعر جواداً ممدّحاً، مات بالفالج، وقيل بعسر البول، وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات، ما جاء منه لبنةً بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خدّه إذا دفن عليهما، وتملَّك حلب بعده، ابنه سعد الدَّولة خمساً وعشرين سنة.
وفيها في جمادى الأولى، وقيل في العام الآتي، كافور أبو المسك
(2/98)
________________________________________
الحبشي الأسود، الخادم الإخشيدي، صاحب الديار المصرية، اشتراه الإخشيد، وتقدّم عنده حتى صار من أكبر قوّاده، لعقله ورأيه وشجاعته، ثم صار أتابك ولده من بعده، وكان صبيّاً، فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور، والدَّست لكافور، فأحسن سياسته، إلى أن مات أنوجور ومعناه بالعربي محمود في سنة تسع وأربعين، عن ثلاثين سنة، وأقام كافور في الملك بعده، أخاه عليّا، إلى أن مات في أوّل سنة خمس وخمسين، وله إحدى وثلاثون سنة، فتسلطن كافور، واستوزر أبا الفضل جعفر بن حنزابة، وعاش بضعاً وستين سنة.
وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سليم الختَّلي، الرجل الصّالح، ببغداد، وله خمس وثمانون سنة، روى عن الكديمي وطبقته.
سنة سبع وخمسين وثلاثمئة
لم يحجّ الرّكب لفساد الوقت، وموت السلاطين في الشهور الماضية.
وفيها توفي أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرّازي ثم المصري المحدث أبو العباس، في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة، سمع مقدام ابن داود الرُّعيني وطبقته.
(2/99)
________________________________________
وأحمد بن محمد بن رميح، أبو سعيد النّخعي النَّسوي الحافظ، صاحب التصانيف، طوّف الكثير، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته، والصحيح أنه ثقة، سكن اليمن مدّة.
وفيها المتّقي لله أبو إسحاق بن إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع، وقد ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين، أنهم خلعوه، وسلموا عينيه، وبقي في السجن إلى هذا العام كالميّت، ومات في شعبا ن، وله ستون سنة، وكانت خلافته أربع سنين، وكان أبيض مليحاً مشرب حمرة، أشهل أشقر، كثّ اللحية، وكان فيه صلاح وكثر صلاة وصيام، ولم يكن يشرب، في خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية، التي كانت فخر بني العباس.
وحمزة بن محمد بن علي بن العباس، أبو القاسم الكناني المصري الحافظ، أحد أئمة هذا الشأن. روى عن النَّسائي وطبقته، وأكثر التَّطواف بعد الثلاثمئة، وجمع وصنّف، وكان صالحاً ديناً، بصيراً بالحديث وعلله، مقدّماً فيه، وهو صاحب مجلس البطاقة، توفي في ذي الحجة، ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه.
(2/100)
________________________________________
وفيها القاضي أبو العبّاس، عبد الله بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن النَّضر البصري المروزي، محدّث مرو، في شعبان، وله سبع وتسعون سنة، رحل به أبوه، وسمع من الحارث بن أبي أسامة، وأبي إسماعيل التِّرمذي وطائفة، وانتهى إليه علوّ الإسناد بخراسان.
وعبد الرحمن بن العباس، أبو القا سم البغدادي، والد أبي طاهر المخلِّص، سمع الكديمي، وإبراهيم الحربي، وجماعة. وثّقة ابن أبي الفوارس وكان أطروشاً.
وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري، المحدّث أبو حفص، خرّج لخلق كثير، ولم يكن بالمتقن، وقد روى عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما، وعاش سبعاً وسبعين سنة.
وأبو إسحاق القراريطي الوزير، وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب، وزر لمحمد بن رائق، ثم وزر للمتقي لله مرتين، وصودر، وصار إلى الشام، وكتب لسيف الدولة، وكان ظلوماً غشوماً، عاش ستاً وسبعين سنة.
وابن مخرم، وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري، الفقيه المحتسب، تلميذ محمد بن جرير
(2/101)
________________________________________
الطبري، روى عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة. وقال البرقاني: لا بأس به. توفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو سليمان الحرّاني، محمد بن الحسين، ببغداد، في رمضان، روى عن أبي خليفة، وعبدان، وأبي يعلى، وكان ثقة صاحب حديث ومعرفة.
وأبو علي بن آدم الفزاري، محمد بن محمد بن عبد الحميد القاضي العدل، بدمشق في جمادى الآخرة، روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته.
سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة
فيها كان خروج الروم من الثغور، فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص، وعظم المصاب، وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي، فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدَّعوة لبني عبيد الرافضة، مع أن دولة معز الدولة بالعراق هذه المدة، رافضية. والشعار الجاهلي، يقام يوم عاشوراء يوم الغدير.
وتوفي فيها ناصر الدولة، الحسين بن أبي الهيجاء، عبد الله ابن حمدان التَّغلبي، صاحب الموصل، وكان أخوه سيف الدولة يتأدّب معه، لسنّه ومنزلته عند الحلفاء، وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة، فلما توفي، حزن عليه ناصر الدولة، وتغيّرت أحواله، وتسودن وضعف عقله، فبادر ولده أبو تغلب الغضفي، ومنعه من التصرّف وقام بالمملكة، فلم يزل معتقلاً، حتى توفي في ربيع الأول، عن نحو ستين سنة.
(2/102)
________________________________________
وفيها الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان، أبو محمد الحربي، أخو علي، وهو ثقة، روى عن إسماعيل القاضي والكبار، ومات في شوال.
وفيها أبو القاسم زيد بن علي أبي بلال العجلي الكوفي، شيخ الإقراء ببغداد، قرأ على أحمد بن فرج، وابن مجاهد، وجماعة، وحدّث عن مطيّن وطائفة، توفي في جمادى الأولى.
ومحدث دمشق، محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، أبو عبد الله القرشي الدّمشقي، روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا، خيّاط السُّنّة وطبقتهما. وكان ثقة مأموناً جواداً مفضلاً، خرّج له ابن مندة الحافظ، ثلاثين جزءاً، وأملى مدّة.
وفيها محدث الأندلس، محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، أبو بكر الأموي المرواني القرطبي، المعروف بابن الأحمر. روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق، وفي الرِّحلة عن النَّسائي والفريابي، وأبي خليفة الجمحي، ودخل الهند للتجارة، فغرق له ما قيمته، ثلاثون ألف دينار، ورجع فقيراً، وكان ثقة. توفي في رجب، وكان عنه السنن الكبير للنسائي.
سنة تسع وخمسين وثلاثمئة
في أولها، أخذ نقفور أنطاكية، بنوع أمان، فأسر الشباب،
(2/103)
________________________________________
وأطلق الشيوخ والعجائز، وكان قد طغى وتجبّر، وقهر البلاد، وتمرَّد على الله، وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرهاً، وهمّ بإخصاء ولديها، لئلا يملكها، فعملت عليه الامرأة، وراسلت الدُّمستق، فجاء إليها في زيّ النساء، هو وطائفة، فباتوا عندها ليلة الميلاد، فبيّتوا نقفور، وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر.
وفيها توفي أبو عبد الله، أحمد بن بندار إسحاق الشَّعَّار الفقيه، مسند أصبهان. روى عن إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم، وطائفة، وكان ثقة ظاهريّ المذهب.
وأحمد بن السِّندي، أبو بكر البغدادي الحدّاد، روى عن الحسن بن علويه وغيره. قال أبو نعيم: كان يعدّ من الأبدال.
وأحمد بن يوسف بن خلاّد، أبو بكر النَّصيبي العطّار، ببغداد، في صفر وكان عريّاً من العلم، وسماعه صحيح، روى عن الحارث بن أبي أسامة وتمتام، وطائفة.
وحبيب بن الحسن القزاز، أبو القاسم الرجل الصالح، وثقة جماعة، وليّنة بعضهم، روى عن أبي مسلم الكجِّي وجماعة.
وأبو علي بن الصوّاف، محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي، المحدّث الحجّة. روى عن محمد بن إسماعيل التِّرمزي، وإسحاق الحربي
(2/104)
________________________________________
وطبقتهما. قال الدَّارقطني: ما رأت عيناي مثله، ومثل آخر بمصر.
قلت: قد مات في شعبان، وله تسع وثمانون سنة.
وأبو الحسن محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد، روى عن أبي شعيب الحرّاني، ومطيّن.
سنة ستين وثلاثمئة
فيها لحق المطيع لله فالج، بطل نصفه وثقل لسانه، وأقامت الشَّيعة عاشوراء باللطم والعويل، وعيد الغدير بالفرح والكوسات.
وفيها جعفر بن فلاح، الذي ولي إمرة دمشق للباطنية، وهو أول نائب وليها لبني عبيد، وكان قد سار إلى الشام،، فأخذ الرَّملة، ثم دمشق، بعد أن حاصر أهلها أياماً، ثم قدم لحربه، الحسن بن أحمد القرمطي، الذي تغلّب قبله على دمشق، وكان جعفر مريضاً على نهر يزيد، فأسره القرمطي وقتله.
وفيها زيري بن مناد الحميري الصَّنهاجي، جدّ المعزّ بن باديس وصاحب تاهرت، وهو الذي بنى مدينة أشير وحصّنها، قتل في مصاف بينه وبين أهل الأندلس في رمضان.
وفيها الطَّبراني، الحافظ العلم، ومسند العصر، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللَّخمي، في ذي القعدة، بأصبهان، وله مائة سنة وعشرة
(2/105)
________________________________________
أشهر، وكان ثقة صدوقاً، واسع الحفظ، بصيراً بالعلل والرّجال والأبواب، كثير التصانيف، وأوَّل سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبريّة، ورحل أوّلاً، إلى القدس، سنة أربع وسبعين، ثم رحل إلى قيسارية، سنة خمس وسبعين، سمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى مصر وجبلة، ومدائن الشام، وحج ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق وأصبهان وفارس. روى عن أبي زرعة الدمشقي، وإسحاق الدَّبري وطبقتهما.
وفيها الطُّوماري، أبو علي عيسى بن محمد البغدادي، في صفر، وله ثمان وتسعون سنة، وليس بالقويّ، يروي عن الحارث بن أبي أسامة، وابن أبي الدنيا، والكديمي وطبقتهم.
وفيها أبو بكر بن جعفر بن الهيثم الأنباري البندار، روى عن أحمد بن الخليل البرجلاني، ومحمد بن أحمد بن أبي العوّام، وتفرّد بالرواية عن جماعة، وتوفي يوم عاشوراء، وله ثلاث وتسعون سنة، وأصوله حسنة، بخط أبيه.
وفيها أبو عمرو بن مطر النَّيسابوري الزاهد الحافظ، شيخ السنّة، محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدَّل. روى عن أبي عمرو أحمد بن المبارك المستملي، ومحمد بن أيوب الرّازي، وطبقتهما. وكان متعففاً
(2/106)
________________________________________
قانعاً باليسير، يحيى الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويجتهد في متابعة السُّنّة. توفي في جمادى الآخرة، وله خمس وتسعون سنة.
ومحمد بن جعفر بن محمد بن كنانة، أبو بكر البغدادي المؤدب، روى عن الكديمي، وأبي مسلم الكجِّي. قال ابن أبي الفوارس: فيه تساهل، قلت: توفي عن أربع وتسعين سنة.
ومن غرائب الاتفاقات، موت هؤلاء الثلاثة، في سنة واحدة، وهم في عشر المائة، وأسماؤهم وآباؤهم وأجدادهم، شيء واحد.
وابن العميد، الوزير العلامة، أبو الفضل محمد بن الحسين ابن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة، الحسن بن بويه، صاحب الرَّيّ، كان آية في التَّرسُل والإنشاء، فيلسوفاً، متَّهماً برأي الحكماء، حتى كان ينظر بالجاحظ، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد، وكان الصاحب إسماعيل بن عباد، تلميذه وخصيصه وصاحبه، ولذلك قالوا الصاحب، ثم صار لقباً.
وفيها الآجرِّي، الإمام أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدث، صاحب التصانيف، سمع أبا مسلم الكجِّي، وأبا شعيب الحرّاني، وطائفة، وجاور بمكة، وبها توفي في المحرم كان ثقة ديّنا، صاحب سنّة.
(2/107)
________________________________________
وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكِّي المؤدِّب، محمد بن سليمان، نزيل صيدا ومحدّثها، قرأ القرآن على هارون الأخفش، وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا بن يحيى خيّاط السنّة، وطبقتهما. وعاش بضعاً وتسعين سنة. روى عن السَّكن بن جميع، وصالح بن أحمد الميانجي، وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين، شيخ أبي الفتح بن فارس.
وأبو القاسم بن أبي يعلي الهاشمي الشريف، لما أخذت العبيديون دمشق، قام الشريف بدمشق، وقام معه أهل الغوطة والشباب، واستفحل أمره في ذي الحجة، سنة تسع وخمسين، وطرد عن دمشق متولِّيها، ولبس السواد، وأعاد الخطبة لبني العباس، فلم يلبث إلا أيّاماً، حتى جاء عسكر المغاربة، وحاربوا أهل دمشق، وقتل بين الفريقين جماعة، ثم هرب الشريف في الليل، وصالح أهل البلد العسكر، ثم أسر الشريف عند تدمر، فشهره جعفر بن فلاح على جمل، في المحرم، سنة ستين، وبعث به إلى مصر فضَّل.
وقد توفي في عشر الستّين وثلاثمائة خلق، منهم: أحمد بن القاسم بن كثير بن الريان، أبو الحسن المصري الملكي، نزيل البصرة، روى عن الكديمي، وإسحاق الدَّبري وطبقتهما.
قال ابن ماكولا: فيه ضعف، وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري:
(2/108)
________________________________________
سمعت منه وليس بالمرضي.
وأحمد بن طاهر بن النجم، الحافظ أبو عبد الله الميانجي، محدّث أذربيجان. قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه. وقال الخليل: توفي بعد الخمسين، سمع أبا مسلم الكجِّي، وعبد الله بن أحمد.
وأبو الحسن بن سالم الزاهد، أحمد بن محمد بن سالم البصري، شيخ السالميّة، وكان له أحوال ومجاهدات وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت، وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة، وقد خالف أصول السنَّة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمر دهراً، وبقي إلى سنة بضع وخمسين.
وأبو حامد أحمد بن محمد بن شارك الفقيه الشافعي، مفتي هراة ومحدثها، ومفسرها وأديبها، رحل الكثير وعني بالحديث، وروى عن محمد بن عبد الرحمن السَّامي، والحسن بن سفيان، وطبقتهما. توفي سنة خمس وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين.
وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزايم، أبو إسحاق الكوفي، صاحب أبي عمرو أحمد بن أبي غرزة الغفاري.
وأبو علي النجّاد الصغير، وهو الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي، تلميذ أبي محمد البربهاري، صنّف في الأصول والفروع.
وفيها أبو محمد الرَّامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد
(2/109)
________________________________________
الحافظ القاضي، صاحب " المحدِّث الفاضل " روى عن مطيّن، ومحمد بن حيّان المازني وطبقتهما. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن منده: عاش إلى قريب الستين وثلاثمئة.
والجابري، عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلِّي، صاحب الجزء المشهور به، وشيخ أبي نعيم الحافظ، روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنّى وغيره.
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علَّك المروزي الجوهري المحدث، محدث مرو ومسندها، روى عن الفضل الشَّعراني، ومحمد بن أيوب بن الضريس.
وكشاجم، أحد فحول الشعراء، واسمه محمود بن حسين.
وأبو حفص العتكي الأنطاكي، عمر بن علي، روى عن ابن جوصا، والحسن بن أحمد بن قيل، وطبقتهما.
وأبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد، أخو أبي عمرو بن حمدان، نزل خوارزم، وحدّث بها، عن محمد بن أيوب بن الضُّريس، ومحمد ابن عمرو قشمرد، وطبقتهما أكثر عنه البرقاني.
ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القمّاط، روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وغيره.
(2/110)
________________________________________
وفيها أبو جعفر الروذراوري، محمد بن عبد الله بن برزة، حدّث بهمذان، سنة سبع وخمسين، عن تمتام، وإسماعيل القاضي، وإبراهيم بن ديزيل. قال صالح بن أحمد الحافظ: هو شيخ حضرته، ولم أحمد أمره، والحمد لله.
والنقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصَّنعاني، آخر من روى في الدنيا عن إسحاق الدَّبري، وبقي إلى سنة سبع وستين وثلاثمئة، ورحل المحدثون إليه.
والنَّجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدّث في سنة خمس وستين، عن أبي مسلم الكجِّي، ومحمد بن حبّان المازني، وعدّة
سنة إحدى وستين وثلاثمئة
فيها أخذ ركب العراق، اعترضته بنو سليم وبنو هلال، وقتلوا خلقاً، وبطل الحجّ، إلا طائفة نجت ومضت مع أمير الركب، الشريف أبي أحمد الموسوي، والد الشريف المرتضي.
وفيها مات الأسيوطي، أبو علي الحسن بن الخضر، في ربيع الأول، روى عن النَّسائي والمنجنيقي.
وفيها الخيّام، خلف بن محمد بن إسماعيل، أبو صالح البخاري، محدّث ما وراء النَّهر، روى عن صالح جزرة، وطبقته. ولم يرحل. ليَّنه
(2/111)
________________________________________
أبو سعيد الإدريسي، وعاش ستّا وثمانين سنة.
وفيها الدرّاج، أبو عمر وعثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ، روى عن ابن المجدَّر وطائفة. قال البرقاني: كان بدلاً من الأبدال.
وفيها محمد بن الحارث بن أسد المحاسبي القيرواني، أبو عبد الله الحافظ، نزيل قرطبة، صنّف كتاب الاختلاف والافتراق في مذهب مالك، وكتاب الفتيا، وكتاب تاريخ الأندلس، وكتاب تاريخ أفريقية، وكتاب النَّسب.
سنة اثنتين وستين وثلاثمئة
فيها أخذت الروم نصيبين واستباحوها، وتوصّل من نجا إلى بغداد، وقام معهم المطوّعة، واستنفروا الناس، ومنعوا من الخطبة، وحاولوا الهجوم على المطيع، وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيّع لأمر المسلمين، فسار العسكر من جهة الملك م، عز الدولة بختيار، فالتقوا الروم، فنصروا عليهم، وأسروا جماعة من البطارقة، ففرح المسلمون.
وفي رمضان، قتل ببغداد رجل من أعوان الوالي، فبعث الوزير الشرازي - قبّحه الله - من طرح النار، من النحاسين إلى السماكين فاحترق ببغداد حريق لم يسمع بمثله، واحترق فيه جماعة كثيرة في البيوت، فأحصي ذلك، فكان ثلاثمئة وسبعة عشر دكاناً، وثلاثمائة وعشرين داراً، وثلاثة وثلاثين مسجداً فاستغاث رجل: أيها الوزير: أريتنا قدرتك، ونرجو من
(2/112)
________________________________________
الله أن يرينا قدرته فيك. ثم إن الملك عز الدولة، قبض عليه وسلمه إلى الشريف أبي الحسن. فبعث به إلى الكوفة، وسقي ذراريح، فهلك في آخر السنة.
وفي رمضان قدم المعزُّ أبو تميم العبيدي مصر، ومعه توابيت آبائه، ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية، التي بناها مولاه جوهر، لما افتتح الإقليم، وقويت شوكة الرَّفض شرقاً وغرباً، وخفيت السُّنن، وأظهرت البدع، نسأل الله العافية.
وفيها توفي عالم البصرة، أبو حامد المروروذي، أحمد بن عامر الشافعي، صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي، وكان إماماً لا يشق غباره، تفقه به أهل البصرة.
وأحمد بن محمد بن عمارة، أبو الحارث اللَّيثي الدّمشقي. روى عن زكريا، خيّاط السنّة، وطائفة. وعمّر دهراً.
وأبو إسحاق المزكِّي، إبراهيم بن محمد بن يحيى النَّيسابوري. قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العبّاد المجتهدين الحجّاجين، المنفقين على العلماء والفقراء. سمع ابن خزيمة، وأبا العباس السّراج، وخلقاً كثيراً. وأملى عدة سنين، وكان يحضر مجلسه، أبو العباس الأصم فمن دونه.
قلت: كان مثرياً متموّلاً، عاش سبعاً وستين سنة، توفي بعد خروجه من بغداد، ونقل إلى نيسابور، فدفن بها.
وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكاييل، الأمير أبو
(2/113)
________________________________________
العباس، الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد، وتلميذ ابن دريد، وكان أبوه إذّاك متولّي الأهواز للمقتدر، فسمّعه من عبدان الجواليقي.
وفيها أبو بحر البربهاري، محمد بن الحسن بن كوثر، في جمادى الأولى، وله ست وتسعون سنة، وهو ضعيف. روى عن الكديمي، ومحمد بن الفرج الأزرق، وطبقتهما. قال الدّارقطني: اقتصروا من حديثه على ما انتخبته فحسب.
وفيها أبو جعفر البلخي الهندواني، الذي كان من براعته في الفقه، يقال له: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه، واسمه محمد بن عبد الله بن محمد، وقد روى الحديث عن محمد بن عويل البلخي وغيره.
وفيها ابن فضالة المحدث أبو عمر، محمد بن موسى بن فضالة الأُّموي مولاهم الدمشقي، في ربيع الآخر، روى عن الحسن بن الفرج الغزّي، وابن قصيّ العذري. قال عبد العزيز الغزّي، وابن قصيّ العذري. قال عبد العزيز الكتّاني: تكلموا فيه.
وابن هاني، حامل لواء الشعر بالأندلس، وهو أبو الحسن وأبو القاسم، محمد بن هاني الأزدي الأندلسي الإشبيلي، وكان منغمساً في اللذات والمحرمات، متهماً بدين الفلاسفة، ولقد همّوا بقتله، فهرب إلى القيروان،
(2/114)
________________________________________
ومدح المعزّ واتصل به، وقد تفضي به المبالغة في المدح إلى الكفر، وشرب ليلةً عند ناس، فأصبح مخنوقاً، وهو في عشر الخمسين، وله ديوان كبير.
سنة ثلاث وستين وثلاثمئة
فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، وثقل لسانه، فدعه الحاجب سبكتكين وهو صاحب السلطان عز الدولة إلى خلع نفسه، وتسليم الخلافة لولده الطائع لله، ففعل ذلك في ذي القعدة، وأثبت خلعه على قاضي القضاة، أبي الحسن بن أم شيبان.
وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعزّ العبيدي، وقطعت خطبة بني العباس، ولم يحجّ ركب العراق، لأنهم وصلوا إلى سميراء، فرأوا هلال ذي الحجة، وعلموا أن لا ماء في الطريق فعدّلوا إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرّفوا بها، ثم قدموا الكوفة، في أوّل المحرم.
وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرّة الصابي الحراني، الطبيب المؤرخ، صاحب التصانيف.
وجمح بن القاسم، أبو العباس المؤذن بدمشق، روى عن عبد الرحمن بن الرواس، وطائفة.
(2/115)
________________________________________
وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلاّل، وشيخ الحنابلة، وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون، وأبي خليفة الجمحي وجماعة وتوفي في شوال، وله ثمان وسبعون سنة، وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع رحمه الله.
وفيها أبو بكر النابلسي، محمد بن أحمد بن سهل الرَّملي الشهيد، سلخه صاحب مصر، المعزّ لدين الله وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم، لرميت الروم سهماً، ورميت بني عبيد تسعة، فبلغت القائد جوهر، فلما قرَّره، اعترف وأغلظ لهم، فقتلوه. وكان عابداً صالحاً زاهداً، قوّالاً بالحق.
وفيها أبو الحسن الأبري، محمد بن الحسين السِّجستاني، مؤلف كتاب " مناقب الشافعي ". وآبر من عمل سجستان روى عن ابن خزيمة، وطبقته ورحل إلى الشام وخراسان والجزيرة.
وفيها محدث الشام الحافظ أبو العباس، محمد بن موسى بن الحسين ابن السمسار الدمشقي، روى عن محمد بن خريم، وابن جوصاء، وطبقتهما.
قال الكتّاني: كان حافظاً نبيلاً، كتب القناطير، وحدّث باليسير.
قلت: ارتحل إلى مصر، وإلى بغداد.
والمظفَّر بن حاجب بن أرَّكين الفرغاني، أبو القاسم. توفي بدمشق في
(2/116)
________________________________________
هذا العام أو بعده، رحل به أبوه، وسمع من جعفر الفريابي والنسائي، وطبقته.
والنُّعمان بن محمد بن منصور القيرواني، القاضي أبو حنيفة الشِّيعي ظاهراً، الزنديق باطناً، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنّف كتاب: " ابتداء الدعوة ". وكتاباً في فقه الشيعة، وكتباً كثيرة، تدل على انسلاخه من الدين، يبدّل فيها معاني القرآن ويحرقها، مات بمصر في رجب، وولي بعده ابنه.
سنة أربع وستين وثلاثمئة
فيها أو بعدها، ظهرت العيّارون واللصوص ببغداد، واستفحل شرّهم، حتى ركبوا الخيل، وتلقّبوا بالقوّاد، وأخذوا الضريبة من الأسواق. والدُّروب، وعمّ البلاء.
وفيها قطعت خطبة الطائع له ببغداد خمسين يوماً، فلم تخطب لأحدٍ، لأجل شغبٍ وقع بينه وبين عضد الدولة، عند قدومه العراق، فإن عضد الدولة، قدم من شيراز، فأعجبه مملكة العراق، فاستمال الأمراء، فشغبوا على ابن عمه عز الدَّولة، فخاف وأغلق بابه، ثم كتب العضد على لسان الطائع لله، باستقرار السلطنة لعضد الدولة، وخلع على الوزير محمد بن بقية، ثم اضطربت الأمور عليه، وكتب أبوه ركن الدولة إليه يزجره، ويقول: أنت خرجت في نصرة ابن أخي، أو في أخذ مملكته منه؟ فرجع إلى إقليم فارس، وتزوج الطائع بابنة عزّ الدَّولة وكان القحط ببغداد شديداً، والتمر ثلاثة أرطال بدرهم.
وفيها توفي أبو بكر بن السنّي، الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق بن
(2/117)
________________________________________
إبراهيم الدِّينوري، صاحب كتاب " عمل يوم وليلة " رحل وكتب الكثير، وروى عن النّسائي، وأبي خليفة، وطبقتهما. وكان يكتب، فوضع القلم، ورفع يديه يدعو الله فمات في آخر يوم من السنة.
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري، في رجب، وله ست وتسعون سنة، طوّف الكثير، وعني بالحديث، وروى عن مسدّد بن قطن، والحسن بن سفيان، وإنما رحل على كبر.
وفيها سبكتكين حاجب معزّ الدولة، كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك، وطوّقه وسوّره، ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، وسقط من الفرس، فانكسرت رجله، وتوفي في المحرم، وخلّف ألف دينار، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين جواهر، وثلاثة ألاف فرس، إلى نحو ذلك من الحواصل.
وفيها أبو هاشم، عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السُّلمي الدمشقي المؤدِّب، قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان، وروى عن محمد بن المعفى الصيّداوي، وأبي شيبة داود بن إبراهيم، وطبقتهما.
ورحل وتعب وجمع، وكان ثقة.
(2/118)
________________________________________
وفيها علي بن أحمد بن علي المصيَّصي، روى عن أحمد بن خليد الحلبي، وغيره.
وفيها المطيع لله، أبو القاسم الفضل بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، ولد في أول سنة إحدى وثلاثمئة، وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي بالله.
قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره، فيما صحّ عندي، في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم، توفي في المحرم، وله أربع وستون سنة.
وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولون، أمير بعض بلاد فارس. قال أبو نعيم: ثقة وقال ابن الفرات: كان له مذهب في الرَّفض.
قلت: روى عن بكر بن سهل الدمياطي والنَّسائي.
وفيها أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي السَّليطي النَّيسابوري روى عن محمد بن إبراهيم البوشجني، وإبراهيم بن علي الذُّهلي وجماعة. وعاش اثنتين وتسعين سنة خمس وستين وثلاثمئة.
سنة خمس وستين وثلاثمئة
فيها طلب السلطان ركن الدولة، الحسن بن بويه، ولده عضد الدَّولة، فسار إليه، وقسم الملك على أولاده، فأعطي لمؤيد الدولة الريّ
(2/119)
________________________________________
وأصبهان، ولفخر الدولة، همذان والدِّينور، وأقرّ عضد الدولة على فارس وكرمان وأرجَّان.
وفيها توفي أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم، أبو بكر الختَّلي، المحدّث المقرئ المفسر، وله سبع وثمانون سنة، وكان ثقة ثبتا صالحاً. روى عن أبي مسلم الكجِّي وطبقته.
والذّارع أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي، أحد الضعفاء والمتروكين. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وطائفة، حدّث في هذه السنة، ومات فيها أو بعدها.
وإسماعيل بن نجيد، الإمام أبو عمرو السُّلمي النَّيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، أنفق أمواله على الزّهاد والعلماء، وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا مسلم الكجِّي، وطبقتهما. وكان صاحب أحوال ومناقب. قال أبو عبد الرحمن السُّلمي سبطه: سمعت جدي يقول: كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جلّ فإن ضرره على صاحبه، أكبر من نفعه.
وأبو علي الماسرجسي الحافظ، أحد أركان الحديث بنيسابور،
(2/120)
________________________________________
الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين، توفي في رجب، وله ثمان وستون سنة، وروى عن جدّه، وابن خزيمة، وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر والشام.
قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، صنّف المسند الكبير، مهذّباً معلّلاً في ألف وثلاثمئة جزء، وجمع حديث الزُّهري جمعاً لم يسبقه إليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنّف كتاباً على البخاري، وآخر على مسلم، ودفن علم كثيرٌ بموته.
وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو محمد الأصبهاني، والد أبي نعيم الحافظ، وله أربع وثمانون سنة، رحل وعني بالحديث، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته. وكانت رحلته في سنة ثلاثمئة.
وفيها ابن عدي، الحافظ الكبير، أبو أحمد عبد الله بن عديّ بن عبد الله بن محمد ويعرف بابن القطّان الجرجاني، مصنّف " الكامل في الجرح " وله ثمان وثمانون سنة، كتب الكثير سنة تسعين ومئتين، ورحل في سنة سبع وتسعين، وسمع أبا خليفة، وعبد الرحمن بن الروّاس، وبهلول بن إسحاق، وطبقتهم. قال ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه. وقال حمزة السَّهمي: كان حافظاً متقناً، لم يكن في زمانه مثله، توفي في جمادى الآخرة.
(2/121)
________________________________________
وفيها أبو أحمد بن النَّاصح، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع ابن المفسرالدمشقي الفقيه الشافعي، في رجب بمصر، روى عن عبد الرحمن بن الروّاس، وأبي بكر بن علي المروزي، وطائفة.
وفيها القاضي ابن سليم، وهو أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر بن السَّليم الأندلسي، مولى بني أميَّة، كان رأساً في الفقه، رأساً في الزهد والعبادة. سمع أحمد بن خالد، وأبا سعيد بن الأعرابي، لقيه بمكة، توفي في رمضان سنة سبع وستين.
وفيها الشَّاشي القفال الكبير، أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الشافعي، صاحب المصنّفات، رحل إلى العراق والشام وخراسان. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في الحديث، سمع ابن جرير الطبري وابن خزيمة، وطبقتهما: قلت: هو صاحب وجه في المذهب. قال الحليمي: كان شيخنا القفّال، أعلم من لقيته من علماء عصره.
وفيها المعزّ لدين الله، أبو تميم سعد بن المنصور إسماعيل بن القائم ابن المهدي العبيدي، صاحب المغرب، الذي ملك الدّيار المصرية، ولي الأمر بعد أبيه، سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة، ولما افتتح له مولاه جوهر
(2/122)
________________________________________
سجلماسة وفاس، وسبتة، وإلى البحر المحيط، جهّزه بالجيوش والأموال، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المعزّية، وكان مظهراً للتَّشيُّع، معظماً لحرمات الإسلام، حليماً كريماً، وقوراً حازماً سرياً، يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة، توفي في ربيع الآخر، وله ست وأربعون سنة.
سنة ست وستين وثلاثمائة
فيها كان الحرب بين عضد الدَّولة، وابن عمه الدَّولة بختيار، أسر فيها غلام لعز الدَّولة، فكاد يموت من جزعه لفراقه، وامتنع من الأكل، وأخذ في البكاء، وبقي ضحكة بين الناس، وبعث يتذلّل بكل ممكن لعضد الدَّولة، وبعث له جاريتين بمائة ألف، فردّه عليه.
وفيها حجّت جميلة بنت الملك ناصر الدَّولة ابن حمدان، وصار حجُّها يضرب به المثل، فإنها أغنت المجاورين، وقيل كان معها أربعمائة كجاوية، لا يدرى في أيّها هي، لكونهنّ كلهنّ في الحسن والرتبة نسبة، ونثرت على الكعبة لما دخلتها، عشرة آلاف دينار.
وفيها مات ملك القرامطة، الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنّابي القرمطي، الذي استولى على أكثر الشام، وهزم جيش المعزّ، وقتل قائدهم جعفر بن فلاح، وذهب إلى مصر وحاصرها شهوراً، قبل مجيء المعز، وكان يظهر طاعة الطايع لله، وله شعر وفضيلة، ولد بالحساء، ومات بالرّملة.
(2/123)
________________________________________
وركن الدَّولة أبو علي الحسن بن بويه، أخو معزّ الدولة أحمد، وعماد الدَّولة علي، الدَّيلمي العجمي، صاحب أصبهان والرَّي، وعراق العجم، وكان ملكاً جليلاً عاقلاً، بقي في الملك خمساً وأربعين سنة، وزر له ابن العميد، ومات بالقولنج في المحرم، وقد نيَّف على الثمانين.
والمستنصر بالله، أبو مروان الحكم، صاحب الأندلس، وابن صاحبها الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ولي ستّ عشر ة سنة، وعاش ثلاثاً وستين سنة، وكان حسن السيرة، محبّا للعلم، مشغوفاً بجمع الكتب والنظر فيها، بحيث إنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده، حتى ضاقت خزائنه عنها، وسمع من قاسم بن أصبغ، وطائفة.
وكان بصيراً بالأدب والشعر، وأيّام الناس، وأنساب العرب، متّسع الدائرة، كثير المحفوظ، ثقة فيما ينقله، توفي في صفر بالفالج.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النّيسابوري المعدَّل سمع من مسدّد بن قطن، وابن شيرويه، وفي الرحلة من الهيثم بن خلف، وهذه الطبقة. حدّث بمسند إسحاق بن راهويه، وعاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وأبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النَّيسابوري السَّراج المقرئ، الرجل الصالح. رحل وكتب عن مطيّن، وأبي شعيب الحرّاني،
(2/124)
________________________________________
وطبقتهما. قال الحاكم: قلّ من رأيت أكثر اجتهاداً وعبادةً منه، وكان يقرئ القر آن، توفي يوم عاشوراء.
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله زكريا بن حيويه النَّيسابوري، ثم المصري القاضي، سمع بكر بن سهل الدمياطي، والنَّسائي وطائفة. توفي في رجب، وهو في عشر التسعين أو جاوزها.
سنة سبع وستين وثلاثمئة
لما مات ركن الدولة، قصد ولده عضد الدولة العراق، ووازر القرامطة، وهرب منه عزّ الدولة بختيار صاحب بغداد، وتفرقت عنه الدَّيلم، وخرج الطائع لله يتلقى عضد الدولة، وعملت القباب، ودخل الباب، ثم خرج لحرب عزّ الدولة فالتقوا، فظفر بعز الدولة أسيراً، ثم قتله.
وفيها هلك صاحب هجر، أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنّابي القرمطي.
وفيها توفي أبو القاسم النَّصراباذيّ، إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ، شيخ الصوفية، والمحدثين، سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصاء بالشام، وأحمد العسّال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية، ثم حجّ وجاور سنتين، ومات بمكة، في ذي الحجة.
(2/125)
________________________________________
وفيها توفي عزّ الدولة الملك أبو منصور بختيار الملك معزّ الدولة، أحمد بن بويه الدَّيلمي، وكان شديد القوى، قيل إنه كان يمسك بقرني الثور فيصرعه، التقى هو وابن عمه عضد الدَّولة في شوال، فقتل في المعركة، وحمل رأسه إلى بين يدي عضد الدولة، فبكى ورقّ له، وعاش ستّاً وثلاثين سنة.
والغضنفر عدّة الدولة، أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان، ولي الموصل بعد أبيه مدّة، ثم قصده عضد الدولة، فعجز وهرب إلى الشام، واستولى عضد الدولة على مملكته، ومرَّ الغضنفر بظاهر دمشق، وقد غلب عليها قسّام العيّار، ثم كتب إلى العزيز العبيدي، أن يوليّه نيابة الشام، ثم نزل إلى الرملة في سنة سبع، فالتقاه مفرّج الطائي، فأسره وقتل كهلاً.
والذُّهلي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الديار المصرية، فاستناب على دمشق، وحدّث عن بشر بن موسى، وأبي مسلم الكجِّي وطبقتهما. وكان مالكيّ المذهب، فصيحاً مفوّهاً، شاعراً
(2/126)
________________________________________
أخبارياً، حاضر الجواب، غزير الحفظ، توفي وقد قارب التسعين.
وابن السَّلم، قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر الأندلسي، وله خمس وستون سنة كان رأساً في الزهد والعبادة وسمع أحمد بن خالد وأبا سعيد بن الأعرابي منه بمكة توفي في رمضان، وقد ذكر سهواً سنة خمس.
وابن قريعة، القاضي البغدادي، أبو بكر محمد بن عبد الرحمن، أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره، وكان ظريفاً مزّاحاً، صاحب نوادر وسرعة جواب، وكان نديماً للوزير المهلّبي، ولي قضاء بعض الأعمال، وقد نيّف على الستين.
وابن القوطيّة، أبو بكر محمد بن عمر القرطبي النحوي، كان رأساً في اللغة والنحو، حافظاً للأخبار وأيام الناس، فقيهاً محدثاً متقناً، كثير التصانيف، صاحب عبادة ونسك، كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه. توفي في ربيع الأول، وقد روى عن سعيد بن جابر، وظاهر بن عبد العزيز وطبقتهما.
وابن بقيّة، الوزير نصر الدولة أبو الطاهر، محمد بن محمد بن بقيّة بن علي، أحد الرؤساء والأجواد، تنقلت به الأحوال، ووزر لعز الدولة بختيار، وقد كان أبوه فلاحاً بأوانا، ثم عزل وسمل، ولما تملَّك عضد الدَّولة، قتله وصلبه في شوال، ورثاه محمد بن عمر الأنباري بكلمته السايرة البديعة:
(2/127)
________________________________________
*علوّ في الحياة وفي الممات * وعاش سبعاً وخمسين سنة.
ويحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى اللَّيثي القرطبي، أبو عيسى الفقيه المالكي، راوي الموطأ عالياً.
سنة ثمان وستين وثلاثمئة
تمّن عضد الدَّولة، وضربت له ثلاثة أوقات في النهار، وهذه رتبة لم تعمل لمعز الدَّولة، ولا لابنه.
وفيها توفي القطيعي، أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي، مسند العراق، وكان يسكن بقطيعة الدقيق. روى عن عبد الله بن الإمام أحمد، المسند، وسمع من الكديمي، وإبراهيم الحربي، والكبار. توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وكان شيخاً صالحاً.
والسِّيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، صاحب العربية، كان أبوه مجوسيّاً فأسلم، وسمِّي عبد الله، تصدَّر أبو سعيد لإقراء القراءات والنحو واللغة والعروض والفقه والحساب، وكان رأساً في النحو، بصيراً بمذهب أبي حنيفة، قرأ القرآن على
(2/128)
________________________________________
ابن مجاهد، وأخذ اللغة عن ابن دريد، والنحو عن ابن السَّراج، وكان ورعاً يأكل من النَّسخ، وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم، لبراعة خطه، ذكر عنه الاعتزال، ولم يظهر منه، ومات في رجب، عن أربع وثمانين سنة.
وفيها أبو القاسم الآبندوني، عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الحافظ، سكن بغداد، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن سفيان وطبقتهما. قال الحاكم: كان أحد أركان الحديث. وقال البرقاني. كان محدّثاً زاهداً متقللاً من الدنيا، لم يكن يحدّث غزو أحد، لسوء أدب الطلبة، وحديثهم وقت السماع، عاش خمساً وتسعين سنة.
والرخَّجي، القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي الفقيه، أحد تلامذة ابن جرير. روى عن محمد بن جعفر القتّات وطبقته، ومات في ذي الحجة عن سن عالية.
والجلودي الزاهد، أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه النَّيسابوري، راوية صحيح مسلم، عن أبي سفيان الفقيه، سمع من جماعة، ولم يرحل.
قال الحاكم: هو من كبار عبّاد الصوفية، وكان ينسخ بالأجرة، ويعرف مذهب سفيان وينتحله، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وثمانين سنة، قرأ على ابن مجاهد.
(2/129)
________________________________________
والحجّاجي، أبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري، الحافظ الثقة المقرئ العبد الصالح الصدوق. في ذي الحجة عن ثلاث وثمانين سنة قرأ على ابن مجاهد، وسمع م عمر بن أبي غيلان، وابن خزيمة، وهذه الطبقة، بمصر والشام والعراق وخراسان، وصنّف العلل والشيوخ والأبواب. قال الحاكم: صحبته نيِّفاً وعشرين سنة، فما أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة، وسمعت أبا علي الحافظ يقول: ما في أصحابنا، أفهم ولا أثبت منه، وأنا ألقِّبه بعفّان لثبته رحمه الله تعالى.
وهفتكين التركي الشرّابي، خرج عن بغداد، خوفاً من عضد الدولة، ونزل الشام، فتملّك دمشق بإعانة أهلها، في سن أربع وستين، وردَّ الدعوة العباسية، ثم سار إلى صيدا، وحارب المصريين، فقدم لحربه القائد جوهر، وحاصره بدمشق، سبعة أشهر، ثم ترحل عنه، فساق وراء جوهر، فالتقوا بعسقلان، فهزم جوهراً، وتحصّن جوهر بعسقلان، فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهراً، ثم أمَّنه، فنزل وذهب إلى مصر، فصادف العزيز صاحب مصر، قد جاء في نجدته، فردّ معه، فكانوا سبعين ألفاً، فالتقاهم هفتكين، فأخذوه أسيراً، في أول سنة ثمان هذه، ثم منّ عليه العزيز، وأعطاه إمرةً، فخاف منه ابن كلِّس الوزير وقتله، وسقاه سماً، وكان يضرب بشجاعته المثل.
(2/130)
________________________________________
سنة تسع وستين وثلاثمئة
فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام، إلى عضد الدولة، ثم ورد رسول آخر، فأجابه بما مضمونه، صدق الطوّية وحسن النية.
وفيها توفي أحمد بن عطاء الرُّوذباري، أبو عبد الله الزاهد، شيخ الصوفية نزيل صور. روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته. قال القشيري: كان شيخ الشام في وقته، وضعَّفه بعضهم، فإنه روى عن إسماعيل الصفّار، مناكير تفرّد بها.
وابن شاقلاً، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزّار، شيخ الحنابلة، وتلميذ أبي بكر عبد العزيز، توفي كهلاً في رجب، وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور.
والجعل، واسمه ال حسين بن علي البصري الحنفي العلامة، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة، وكان رأس المعتزلة، قاله أبو إسحاق في طبقات الفقهاء.
وابن ماسي المحدّث، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن ماسي البزار ببغداد، في رجب، وله خمس وتسعون سنة. قال البرقاني وغيره: ثقة ثبت، روى عن أبي مسلم الكجِّي وطائفة.
(2/131)
________________________________________
وأبو الشيخ، الحافظ أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبّان الأصبهاني، صاحب التصانيف، في سلخ المحرم، وله خمس وتسعون سنة، وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين، من إبراهيم بن سعدان؛ وابن أبي عاصم؛ وطبقتهما. ورحل في حدود الثلاثمئة، وروى عن أبي خليفة وأمثاله، بالموصل وحرّان والحجاز والعراق. قال أبو بكر بن مردويه: ثقة مأمون، صنّف التفسير، والكتب الكثيرة في الأحكام، وغير ذلك. وقال الخطيب: كان حافظاً ثبتاً متقناً. وقال غيره: كان صالحاً عابداً قانتاً لله تعالى، ثقة كبير القدر.
والصعلوكي، الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الحنفي النَّيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان. قال فيه الحاكم: أبو سهل الصُّعلوكي، الشافعي اللُّغوي المفسّر النحوي المتكلّم المفتي الصوفي، حبر زمانه، وبقية أقرانه، ولد سنة تسعين ومئتين، واختلف إلى ابن خزيمة، ثم إلى أبي علي الثَّقفي، وناظر، وبرع وسمع من أبي العباس السرّاج وطبقته. وقال الصاحب ابن عباد: ما رأى أبو سهل مثل نفسه، ولا رأينا مثله.
قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، ومن غرائبه وجوه وجوب النيّة لإزالة النجاسة، وأن من نوى غسل الجنابة والجمعة معاً لا يجزئه لواحد منهما، توفي في ذي القعدة.
وابن أم شيبان، قاضي القضاة، أبو الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمّي العباسيّ العيسوي الكوفي. روى عن عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة. وقدم بغداد مع أبيه، فقرأ على ابن مجاهد، وتزوّج بابنة قاضي القضاة، أبي عمر محمد بن يوسف قال طلحة الشاهد: وهو رجل عظيم
(2/132)
________________________________________
القدر، واسع العلم، كثير الطَّلب، حسن التصنيف، متوسط في مذهب مالك، متفنِّن.
قال ابن أبي الفوارس: نهاية في الصدق، نبيل فاضل، ما رأينا في معناه مثله توفي فجأة في جمادى الأولى، وله بضع وسبعون سنةً.
والنقّاش المحدث، لا المقرئ، أبو بكر محمد بن علي بن الحسن المصري الحافظ، نزيل تنِّيس، وله سبع وثمانون سنة. روى عن شيخ النّسائي محمد بن جعفر الإمام، ورحل، فسمع من النسائي، وأبي يعلي، وعبدان وخلائق. رحل إليه الدَّراقطني وغيره.
وأبو عمرو، محمد بن محمد بن صابر البخاري، المؤذِّن، صاحب صالح جزرة، الحافظ ومسند أهل بخارى.
والباقرحي، صاحب المشيخة، أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقّاق ببغداد، في ذي الحجة، روى عن يوسف بن يعقوب القاضي، وطبقته.
ولم يكن يعرف شيئاً من الحديث، فأدخلوا عليه وأفسدوه.
سنة سبعين وثلاثمائة
فيها رجع عضد الدولة من همذان، فلما وصل بغداد، بعث إلى الطائع لله ليتلقاه فما وسعه التخلُّف، ولم تجر عادة بذلك أبداً، وأمر قبل دخوله، أن من تكلم أو دعا له قتل، فما نطق مخلوق، فأعجبه ذلك.
وكان عظيم الهيبة، شديد العقوبة على الذنب الصغير.
وفيها توفي أبو بكر الرّازي، أحمد بن علي الفقيه، شيخ
(2/133)
________________________________________
الحنفية ببغداد، وصاحب أبي الحسن الكرخي في ذي الحجة، وله خمس وستون سنة، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان مشهوراً بالزهد والدين، عرض عليه قضاء القضاة، فامتنع. وله عدّة تصانيف، روى فيها عن الأصم وغيره.
واليشكري، أحمد بن منصور الدِّينوري الأخباريّ، مؤدِّب الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، روى عن ابن دريد، وطائفة، وله أجزاء منسوبة إليه، رواها الأمير حسن.
وبشر بن أحمد بن بشر، أبو سهل الإسفراييني الدُّهقان، المحدّث الجوّال، روى ع إبراهيم بن علي الذُّهلي، وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده، ورحل إلى بغداد والموصل، وأملى زماناً، وتوفي في شوال، عن نيّف وتسعين سنة.
والسَّبيعي، الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي. روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته. ومات في آخر السنة، وكان شرس الأخلاق، وقيل توفي في العام الآتي.
والحسن بن رشيق العسكري، أبو محمد المصري الحافظ، في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال يحيى بن الطحّان: روى عن النَّسائي، وأحمد بن حمّاد زغبة، وخلق لا أستطيع ذكرهم، ما رأيت عالماً أكثر حديثاً منه.
(2/134)
________________________________________
وابن خالويه، الأستاذ أبو عبيد الله الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغويّ، صاحب التصانيف، وشيخ أهل حلب، أخذ عن ابن مجاهد، وأبي بكر بن الأنباري، وأبي عمر الزّاهد.
والقبّاب، وهو الذي يعمل المحابر، أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد ابن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ، وله بضع وتسعون سنة، قرأ على ابن شنَّبوذ. وروى عن محمد بن إبراهيم الجيراني وعبد الله بن محمد بن النُّعمان والكبار. وصار شيخ ناحيته، توفي في ذي القعدة.
والأزهري، العلامة أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي، صاحب " تهذيب اللغة " وغيره من المصنفات الكبار، الجليلة المقدار، بهراة، في ربيع الآخر، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن البغوي ونفطويه، وأبي بكر بن السرّاج، وترك الأخذ عن ابن دريد تورعاً لأنه رآه سكران، وقد بقيّ الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة.
وغندر، الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر البغدادي الورّاق، رحّال جوّال، توفي بأطراف خراسان غريباً، سمع بالشام والعراق ومصر والجزيرة.
وروى عن الحسن بن شبيب المعمري، ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما. قال الحاكم: دخل إلى أرض الترك، وكتب من الحديث، ما لم يتقدمه فيه أحد كثرةً.
(2/135)
________________________________________
وممن توفي بعد الستين وثلاثمائة
الرفّا الشاعر، أبو الحسن السَّري بن أحمد الكندي الموصلي، صاحب الديوان المشهور، مدح سيف الدولة، والوزير المهلَّبي والكبار.
وفاروق بن عبد الكبير، أبو حفص الخطابي البصري، محدّث البصرة ومسندها، روى عن الكجيِّ، وهشام بن علي السِّيرافي، ومحمد بن يحيى القزاز، وكان حياً في سنة إحدى وستين.
وابن مجاهد، المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ابن مجاهد الطائي، صاحب الأشعري، وذو التصانيف الكثيرة في الأصول، قدم من البصرة، فسكن بغداد، وعنه أخذ القاضي أبو بكر ابن الباقلاّني، وكان ديناً صيِّناً خيِّراً.
والنَّقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصَّنعاني، أخر من روى في الدُّنيا عن إسحاق بن إبراهيم الدَّبري، رحل المحدّثون إليه، في سنة سبع وستين وثلثمئة.
والنَّجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدّث في سنة خمس وستين، عن أبي مسلم والكجِّي، ومحمد بن حيّان المازني.
(2/136)
________________________________________
سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة
فيها توفي الإسماعيلي، الإمام الحبر الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف الكبار، في الحديث وفي الفقه، بجرجان، في غرّة رجب، وله أربع وتسعون سنة، أوّل سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين ومئتين، إلى الحسن بن سفيان، ثم خرج إلى العراق، سنة ست وتسعين، وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي، إبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما. وكان ثقة حجة كثير العلم.
والمطَّوعي، أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العبَّاداني المقرئ، نزيل إصطخر، أسند من في الدنيا في القراءات، قرأ القراءات على أصحاب الدُّوري، وخلف، وابن ذكوان والبزِّي، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن المثنّى، ضعّفه ابن مردويه. وقال أبو نعيم، ليس به بأس في روايته.
قلت: عاش مئة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبو سعيد، واعظاً محدّثاً.
والزيدي، عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي البزار، في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علوية القطّان، والفريابي وطائفة.
(2/137)
________________________________________
وابن التبّان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار، وكان عابداً، بعيداً من التصنُّع والرّياء، فصيحاً.
وأبو زيد المروزي الإمام، الشافعي، محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد، حدّث بالعراق ودمشق ومكة. وروى الصحيح عن الفربري، ومات بمرو، في رجب، وله سبعون سنة.
قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظراً، وأزهدهم في الدنيا. قال أبو إسحاق الشيرازي: هو صاحب أبي إسحاق المروزي، أخذ عنه أبو بكر القفال المروزي، وفقهاء مرو.
ومحمد بن خفيف الزاهد، أبو عبد الله الشّيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب الأحوال والمقامات، روى عن حمّاد بن مدرك وجماعة.
قال السُّلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه سنّاً، ولا أتم حالاً، متمسك بالكتاب والسنّة، فقيه على مذهب الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهّد، توفي في ثالث رمضان، عن خمس وتسعين سنة، وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين.
سنة اثنتين وسبعين وثلاثمئة
فيها أدير المارستان العضدي، الذي أنشأه السلطان عضد الدولة ببغداد، وأنفق عليه أموالاً لا تحصى.
(2/138)
________________________________________
وفي شوال، مات عضد الدولة فنّاخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن ابن بويه، ولي سلطنة بلاد فارس، بعد عمه عماد الدولة عليّ، ثم حارب ابن عمه عزّ الدولة، واستولى على العراق أيضاً وعلى الجزيرة، ودانت له الأمم، وهو من خوطب شاهنشاه في الإسلام، وكان أديباً مشاركاً في فنون من العلم، وله صنف أبو علي " الإيضاح " و " التكملة ". وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السُّلامي، ومات بعلّة الصرع، في شوال ببغداد، وله ثمان وأربعون سنة، دفنوه بمشهد عليّ رضي الله عنه، وكان شيعيّاً غالياً، وهو الذي أظهر قبر عليّ بزعمه، وبنى عليه المشهد، وكان شهماً مطاعاً سجاعاً حازماً ذكيا، متيقظاً مهيباً، سفاكاً للدماء، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني بويه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام، فإذا هو ثلاثمئة ألف ألف، وعشرون ألف ألف درهم، وجددّ مكوسا ومظالم، ولما نزل به الموت، كان يقول: ما أعنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيه.
والنَّصروي، أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة مسند هراة، روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد
(2/139)
________________________________________
الرحمن السَّامي، وطائفة، وثّقة الخطيب، ومات في شعبان.
والغزّي، أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، الذي يروي الموطأ عن الحسن بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير، ورّخه أبو القاسم بن منده.
وابن بخيت العدل، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقّاق ببغداد، في ذي القعدة، روى عن خلف العكبري، والفريابي.
وابن خميرويه العدل، أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه بن سيّار الهروي، محدّث هراة، روى عن علي الحيكاني، وأحمد بن نجدة وجماعة.
سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة
في المحرم، أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت، حتى أحضروا ولده صمصام الدولة فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياماً في الأسواق، وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزّاه، ثم ولاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس الدولة، وبعد أيام، جاء الخبر بموت مؤيّد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان، وولي مملكته، أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عبّاد.
وفيها كان القحط العظيم ببغداد، وبلغ حساب الغرارة.
(2/140)
________________________________________
أربعمئة وفيها توفي أبو بكر الشَّذائي، أحمد بن نصر البصري المقرئ، أحد القرّاء الكبار، تلا على عمر بن محمد الكاغدي، وابن شنَّبوذ، وجماعة وتصدّر وأقرأ.
وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل، المعروف بالقصّار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه والسرّاج، وغيره. وكان ممن جاوز المائة.
وبلكِّين بن زيري بن مناد، الأمير أبو الفتوح الصَّنهاجي، نائب المعز العبيدي على المغرب، وكان حسن السيرة، جيدّ السياسة، بقي على القيروان، اثنتي عشرة سنة، وكانت له أربعمئة سريّة، يقال إنه ولد له في فرد يوم، بضعة عشر ولداً ذكراً.
وأبو علي، الحسين بن محمد بن حبش الدِّينوري المقرئ، صاحب موسى ابن جرير الرقّي.
وأبو عثمان المغربي، سعيد بن سالم الصوفي العارف، نزيل نيسابور.
قال السُّلمي: لم ير مثله في علو الحال، وصون الوقت.
وأبو محمد بن السقّا، الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي.
روى عن أبي خليفة، وعبدان، وطبقتهما. وما حدّث إلا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان من كبراء أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه.
(2/141)
________________________________________
وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي، أخو محمد، وكانا توأمين، روى عن يوسف القاضي، وعاش نيِّفاً وتسعين سنة، فاحتيج إليه، وكان جاهلاً.
قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدثنا من لفظة، فلم يدر ما يقول. فقلت له: سبحان الله، حدّثكم يوسف القاضي. فقال: سبحان الله، حدّثكم يوسف القاضي.
قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث.
قلت: لم يؤرخه الخطيب ولا غيره.
والفضل بن جعفر، أبو القاسم التّميمي، المؤذِّن الرجل الصالح بدمشق، وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الروّاس، وكان ثقة.
ومحمد بن حيويه بن المؤمّل بن أبي روضة، أبو بكر الكرخي النحوي بهمذان، أحد المتروكين، ذكر أنّه بلغ مائة سنة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم الدَّبري.
ومحمد بن محمد بن يوسف بن مكي، أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي وطبقته. وحدّث بصحيح البخاري عن البغوي، وتنقّل في
(2/142)
________________________________________
النواحي. قال أبو نعيم: ضعّفوه، سمعت منه الصحيح.
سنة أربع وسبعين وثلاثمئة
فيها توفي إسحاق بن سعد بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النَّسوي. روى عن جدّه، وفي الرِّحلة عن محمد بن المجدّر وطبقتهما.
وعبد الرحمن بن محمد بن حيكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور، في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة، روى عن أبي يعلى الموصلي، والبغداديين، وولي قضاء ترمذ.
وابن نباتة، خطيب الخطباء، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباته الفارقي، مصنّف الخطب المشهورة، وليّ خطابة حلب لسيف الدولة فيما قيل، ومات في الكهولة.
وعلي بن النعمان بن محمد، قاضي القضاة بالديار المصرية، ولي بعد أبيه، وكان شيعيّاً غالياً، وشاعراً مجوداً.
وأبو الفتح الأزدي، الحافظ محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل بغداد، صنّف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدّث عن أبي يعلى، ومحمد بن جرير الطبريّ، وطبقتهما. ضعّفه البرقاني.
(2/143)
________________________________________
والرَّبعي، أبو بكر محمد بن سليمان الدمشقي البندار، روى عن أحمد ابن عامر، ومحمد بن الفيض الغسّاني، وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.
سنة خمس وسبعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو زرعة، أحمد بن الحسين الرازي الصغير الحافظ، رحل وطوّف، وجمع وصنّف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي، وطبقتهما. قال الخطيب: كان حافظاً متقناً، جمع الأبواب والتراجم.
والبحيري، أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النّيسابوري، سمع ابن خزيمة، ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهما. واستملى عليه الحاكم.
وحسينك، الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التّميمي النّيسابوري، روى عن ابن خزيمة، والسرّاج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله بن زيدان، والكبار. وكان رئيساً محتشماً حجة، توفي في ربيع الآخر. قال الحاكم: صحبته حضراً وسفراً، نحو ثلاثين سنة، فما رأيته ترك قيام الليل، وكان يقرأ كل ليلة سبعاً، وأخرج مرّة عن نفسه عشرة إلى الغزو.
والعسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقّاق.
(2/144)
________________________________________
روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما.
وأبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن مهران البغدادي، روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما.
ورحل إلى خراسان والشام والجزيرة، ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار، نحواً من ثلاثين سنة، وصنّف المسند، ثم نزهّد وانقبض عن الناس، وجاور بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدّثين ولا لغيرهم. قال ابن أبي الفوارس: صنّف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهداً، ما رأينا مثله.
والخرقي، أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي، روى عن أحمد ابن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدُّوري، وجماعة. وكان ثقةً.
والدّاركي أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الشافعي، نزيل نيسابور، ثم بغداد. انتهى إليه معرفة المذهب، قال أبو حامد الاسفراييني: ما رأيت أفقه منه. وقال ابن أبي الفوارس: كان يتهم بالاعتزال.
قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، تفقه على أبي إسحاق المروزي، وحدّث عن جدّه لأمه الحسن بن محمد الدَّاركي ودارك من قرى أصبهان توفي في شوال وهو في عشر الثَّمانين.
وأبو حفص بن الزّيات، عمر بن محمد بن علي البغدادي، قال ابن أبي الفوارس: كان ثقةً متقناً، جمع أبواباً وشيوخاً.
(2/145)
________________________________________
وقال البرقاني: ثقة مصدّق.
قلت: روى عن إبراهيم بن شريك والفريابي، وطبقتهما. ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة.
والأبهري، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التّميمي، شيخ المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف، توفي في شوال، وهو في عشر السَّبعين، وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة، وروى عن الباغندي، وعبد الله ابن زيدان البجلي، وطبقتهما، وسئل أن يلي قضاء القضاة، فامتنع.
والميانجي، القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي، المحدّث، نزيل دمشق، ناب في القضاء مدة، عن قاضي قضاة بني عبيد، أبي الحسن عليّ بن النعمان، وحدّث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان، وطبقتهما. ورحل إلى الشام والجزيرة وخراسان والعراق، وتوفي في شعبان، وقد قارب التسعين.
سنة ست وسبعين وثلاثمئة
شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدَّولة، إلى أخيه شرف الدولة، فذلّ الصمصام، وسافر إلي أخيه، راضياً بما يعامله به، فدخل وقبّل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت، أوحشتنا. ثم اعتقله، فوقع بين الدَّيلم وكانوا تسعة عشر ألفاً وبين
(2/146)
________________________________________
الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا، فاننهزمت الدَّيلم، وقتل منهم نحو ثلاثة آلاف، وحفّت الترك بشرف الدولة، وقدموا به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة ثم أمسك وأكحل، فلم تطل للشرف مدّة.
وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي الحافظ، سمع الكثير، وخرّج لنفسه معجماً، وحدّث بصحيح البخاري مراتٍ عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث.
وأبو سعيد السمسار، الحسن بن جعفر بن الوضّاح البغدادي الحربي الخرقي، حدّث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحرّاني، وطبقتهما.
قال العتيقي: فيه تساهل.
وأبو الحسن الجراحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدّث.
روى عن حامد بن شعيب والباغندي. قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد.
وأبو الحسن البكّائي، علي بن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفي روى عن مطيّن، وأبي حصين الوادعي، وطائفة. وعاش أكثر من تسعين سنة.
وابن سبنك، أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي. روى عن محمد بن حبّان، والباغندي، وجماعة. وعاش خمساً
(2/147)
________________________________________
وثمانين سنة.
وقسّام الحارثي، من أهل تلفيتا بجبل سنِّير، كان ترّاباً ثم تنقلت الأحوال به، وصار مقدّم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه حتى غلب على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر، لقصده ولمحاربته، فضعف أمر قسّام، واختفى، ثم استأمن فقيّدوه، وبعث إلى مصر في هذا العام، فعفي عنه وخمل أمره.
وأبو عمر بن حمدان الجيري وهو، محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحويّ، مسند خراسان، توفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة، سمع بنيسابور ولسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة. وروى عن الحسن بن سفيان، وزكريا السّاجي، وعبدان، وخلائق.
وكان مقرئاً عارفاً بالعربية، له بصرٌ بالحديث، وقدم في العبادة، كان المسجد فراشه ثلاثين سنة، ثم لما ضعف وعمي، حوّلوه.
وأبو بكر الرّازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الصوفي الواعظ، والد المحدّث أبي مسعود، أحمد بن محمد البجلي الرازي.
روى عن يوسف بن الحسين الرازي، وابن عقدة وطائفة، وهو صاحب مناكير وغرايب، ولا سيّما في حكايات الصوفية.
(2/148)
________________________________________
سنة سبع وسبعين وثلاثمئة
رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك، أنه ردّ على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر، جميع أملاكه، وكان مغلُّها في العام، ألفي ألف وخمسمئة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف.
وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصريّ، روى عن النّسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه.
وإسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة، وصلّى عليه ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع.
وأمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.
وأبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف، ببغداد في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة، وكان متّ؟ هماً بالاعتزال، وقد فضّله بعضهم على المبرّد، وكان عدّيم المثل.
وابن لولو الورّاق، أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثّقفي
(2/149)
________________________________________
البغدادي الشِّيعي. روى عن علي بن إبراهيم بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست وتسعون سنة، وكان ثقة، يحدّث بالأجرة.
وأبو الحسن الأنطاكي، علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي، قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي بالروايات، ودخل الأندلس، ونشر بها العلم. قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علماً جمّاً. وكان رأساً في القراءات، لا يتقدّمه فيها أحد، مات بقرطبة، في ربيع الأول، وله ثمان وسبعون سنة.
ومن طبقته: ابو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق، قال أبو عمرو الداني، هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وأضبطهم. روى عنه القراءة، جماعة من نظرائه، كابن غلبون، توفي قبل الثمانين بيسير.
والغطريفي، أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السريّ بن الغطريف الجرجاني الرِّباطي الحافظ، توفي في رجب عن سنّ عالية روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة وطبقتهم. وكان صوّاماً متقناً، صنَّف المسند الصحيح، وغيره ذلك.
ومحمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة، روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.
(2/150)
________________________________________
سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة
فيها أمر الملك شرف الدولة، برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها هيكلاً بدار السلطنة.
وفيها توفي بشر بن محمد بن ياسين القاضي، ابو القاسم الباهلي النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السرّاج، وابن خزيمة.
وتبوك بن الحسن بن الوليد، أبو بكر الكلابي المعدَّل، أخو عبد الوهاب، روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته.
والخليل بن أحمد بن محمد، أبو سعيد السِّجزي، القاضي الفقيه الحنفي الواعظ، قاضي سمرقند، وبها مات، عن تسع وثمانين سنة. روى عن السرّاج، وأبي القاسم البغويّ، وخلق.
وأبو نصر السرّاج، عبد الله بن علي الطُّوسي الزاهد، شيخ الصوفية، وصاحب كتاب " اللُّمع في التصوف "، روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن داود الدُّقّي توفي في رجب.
وابن الباجي، الحافظ المحقق، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللَّخمي الإشبيلي، سمع محمد بن عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز، وطبقتهما.
ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
قال ابن الفرضي: لم ألق أحداً فضِّله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين.
(2/151)
________________________________________
وأبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن مسرور البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة، روى عن الحسين بن محمد المطبقي، وأحمد بن سليمان بن زبّان الكندي، وطبقتهما.
وأبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا وكان يفهم ويحفظ ويذاكر، وهو بيّن الضعف، روى عن أبي شعيب الحرّاني، وأقرانه، وعاش أربعاً وتسعين سنة.
وأبو بكر الورّاق، محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي، اعتنى به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيّب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما وعاش خمساً وثمانين سنة وكان صاحب حديث.
ومحمد بن بشر، أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكرابيسي، المحدّث، رحل وروى عن أبي لبيد السامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقةً صالحاً.
ومحمد بن العباس بن محمد، أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبِّي الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلاته، تبلغ ألف حمل، وقيل: كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويموِّنهم، وعرضت
(2/152)
________________________________________
عليه ولاياتٌ جليلة فامتنع، وكان ملك هراة من تحت أوامره، سمّوه قميص، فمات شهيداً في صفر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى ابن صاعد، وأقرانه رحمه الله تعالى.
وابو بكر، محمد بن عبد الله بن الشخِّير الصيرفي، ببغداد. روى عن عبد الله بن إسحاق المدايني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون سنةً.
وأبو أحمد، الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النَّيسابوري الكرابيسي الحافظ، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة، والباغندي، ومحمد بن المجدَّر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد ابن الفيض الغسّاني، وطبقتهم.
وأكثر الترحال، وكتب مالا يوصف، قال الحاكم ابن البيِّع: أبو أحمد الحافظ، إمام عصره في الصنعة، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، صنّف على الصحيحين، وعلى التِّرمذي، وألّف كتاب " الكنى ": وكتاب " العلل "، وكتاب " الشروط " و " المخرج " على كتاب المزني. وولي قضاء الشّاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتصنيف، وكفَّ بصره قبل موته بسنتين رحمه الله تعالى.
وأبو القاسم بن الجلاّب، الفقيه المالكي، صاحب القاضي أبي بكر الأبهري ألف كتاب " التفريع " وهو مشهور، وكتاب " مسائل الخلاف " وفي اسمه أقوال.
(2/153)
________________________________________
سنة تسع وسبعين وثلاثمئة
فيها وفي التي تليها، استفحل البلاء، وعظم الخطب ببغداد، بأمر العيّارين، وصاروا حزبين، ووقعت بينهم حروب، واتصل القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة وقتل طائفة، ونهبت أموال الناس، وتواترت العملات، وأحرق بعضهم دروب بعض، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري، سمع محمد بن شاذل، والسرّاج، وجماعة. وهو صدوق، توفي في شعبان.
وشرف الدولة سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الدَّيلمي، كان فيه خير وقلّة ظلم، مرض بالاستقساء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون سنة، وتملّك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر.
ومحمد بن أحمد بن العباس، أبو جعفر الجوهري البغدادي، نقاش الفضّة، كان من كبار المتكلِّمين، وهو عالم الأشعر ية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة، روى عن محمد بن مسلم الباغندي وجماعة.
وأبو بكر الزبيدي، محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج
(2/154)
________________________________________
الأندلسي، شيخ العربية بالأندلس، وصاحب التصانيف، ولي قضاء إشبيليّة وأدَّب المؤيَّد بالله، ولد المستنصر، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، ومات في جمادى الآخرة، عن ثلاث وستين سنة.
وأبو سليمان بن زبر، المحدّث الحافظ، محمد بن القاضي عبد الله ابن أحمد بن ربيعة الرَّبعي الدمشقي الثقة، في جمادة الأولى. روى عن أبي القاسم البغوي، وجماهر الزَّملكاني، ومحمد بن الربيع الجيزي، وخلق.
وصنّف التصانيف.
ومحمد بن المظفّر، الحافظ أبو الحسن البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة، توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفّاظ، سمع من أحمد بن الحسن الصُّوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خزيم، وعليّ ابن أحمد علان، وطبقتهم، بالعراق والجزيرة والشام ومصر، وكان يقول: عندي عن الباغندي مائة ألف حديث.
ومحمد بن النضر، أبو الحسين الموصلي النحاس، الذي روى ببغداد، معجم أبي يعلى عنه. قال البرقاني: واهٍ، لم يكن ثقة.
سنة ثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبِّي المرواني النيسابوري، في شعبان، روى عن السرّاج، وابن خزيمة.
(2/155)
________________________________________
وابو العباس الصندوقي، أحمد بن محمد بن أحمد النيسبوري، روى عن محمد بن شاذان، وابن خزيمة، وشاخ، وتفرّد بالرواية عن بضعة عشر شيخاً.
وسهل بن أحمد الدِّيباجي، روى عن أبي خليفة وغيره، لكنه رافضيّ يكذب.
وطلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الشاهد المعدَّل المقرئ، تلميذ ابن مجاهد. روى عن عمر بن أبي غيلان وطبقته، لكنه معتزلي.
وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرِّج الأموي مولاهم القرطبي الحافظ، محدّث الأندلس، رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وخيثمة، وقاسم بن أصبغ وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس، صنّف له عدة كتب، فولاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. قال الحميدي: فمن تصانيفه: " فقه الحسن البصري " في سبع مجلدات، و " فقه الزُّهري " في أجزاء عديدة.
ويعقوب بن يوسف بن كلِّس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر العزيز بالله، وكان يهودياً بغدادياً، عجباً في الدهاء والفطنة والمكر، وكان يتوكّل للتجار بالرَّملة، فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم، ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة، وكان عظيم الهيبة، وافر الحشمة، عالي الهمة. وكان معلومه على مخدومه في السنة، مائة ألف دينار، وقيل: إنه خلّف أربعة آلاف مملوك، بيض وسود، ويقال إنه حسن إسلامه.
(2/156)
________________________________________
سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة
تمّ فيها أمور هائلة، وكان أبو نصر الذي ولي مملكة بغداد، شاباً جريئاً، وكان الطائع لله ضعيفاً، ولاه السلطنة ولقَّبه بهاء الدَّولة، فلما كان في شعبان، وأمر الخليفة الطائع، بحبس أبي الحسين بن المعلِّم، وكان من خواصّ بهاء الدولة أبي نصر، فعظم على بهاء الدولة ذلك، ثم دخل على الطائع للخدمة، فلما قرب، قبّل الأرض وجلس على كرسي، وتقدّم أصحابه، فشحطوا الطائع بحمائل سيفه من السرير، ولفّوه في كيس، وأخذ إلى دار السلطنة، فاختبطت بغداد، وظنّ الأجناد، أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع، فوقعوا في النهب، ثم إن بهاء الدولة، أمر بالنداء بخلافة القادر بالله، وأكره الطائع على خلع نفسه، وعمل ما في دار الخلافة، حتى الرخام والأبواب، ثم أبيحت للرعاع، فقلعوا الشبابيك، وأقبل القادر بالله، أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، وله يومئذ أربع وأربعون سنة، وكان أبيض، كثّ اللحية، كثير التهجّد والخير والبر، صاحب سنّة وجماعة.
وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران، الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ، العبد الصالح، مصنّف كتاب " الغاية في
(2/157)
________________________________________
القراءات " قرأ بدمشق، على أبي النَّضر الأخرم، وببغداد على النقاش، وأبي الحسين بن ثوبان، وطائفة. وسمع من السرّاج، وابن خزيمة، وطبقتهما. قال الحاكم، كان إمام عصره في القراءات، وأعبد ن رأينا من القرّاء، وكان مجاب الدعوة، توفي في شوال، وله ست وثمانون سنة، وله كتاب " الشامل " في القراءات، كبير.
وجوهر القائد، أبو الحسن الرّومي، مولى المعزّ بالله وأتابك جيشه، وظهيره ومؤيد دولته، وموطئ الممالك له، وكان عاقلاً سائساً، حسن السيرة في الرعية، على دين مواليه، ولم يزل عالي الرتبة، نافذ الكلمة، إلى أن مات.
وسعد الدولة، أبو العباس شريف بن سيف الدولة عليّ بن عبد الله بن حمدان التغلبيّ، صاحب حلب، توفي في رمضان، وقد نيّف على الأربعين، وولي بعده ابنه سعد، فلما مات ابنه، انقرض ملك سيف الدولة، من ذريته.
وعبد الله بن أحمد بن حمَّويه بن يوسف بن أعين، أبو محمد السَّرخسي، المحدّث الثقة، روى عن الفربري، " صحيح البخاري "، وروى عن عيسى بن عمير السَّمرقندي " كتاب الدارمي "، وروى عن إبراهيم ابن خزيم " مسند عبد بن حميد " و " تفسيره "، توفي ذي الحجة، وله ثمان وثمانون سنة.
والجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري، الفقيه
(2/158)
________________________________________
المالكي، الذي صنّف " مسند الموطَّأ " توفي في رمضان.
وأبو عدي، عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري، المقرئ الحاذق، المعروف بابن الإمام، قرأ على أبي بكر بن سيف، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان محققاً ضابطاً لقراءاة ورش، توفي في ربيع الأول، وقد حدّث عن محمد بن زبّان، وابن قديد.
وأبو محمد بن معروف، قاضي القضاة، عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي، قال الخطيب: كان من أجواد الرجال وألبّائهم مع تجربة وحنكة، وفطنة وعزيمة ماضية، وكان يجمع وسامةً في منظره، وظرفاً في ملبسه، وطلاقة في مجلسه، وبلاغة في خطابه، ونهضةً بأعباء الأحكام، وهيبة في القلوب. وقال العتيقي: كان مجرداً في الاعتزال.
قلت: ولد سنة ست وثلاثمئة، وسمع من يحيى بن صاعد، وأبي حامد الحضرمي، وجماعة. وتوفي في صفر.
وأبو الفضل الزُّهري، عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العوفي البغدادي، سمع إبراهيم بن سريك الأسدي، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني، وطائفة. ومات في أحد الربيعين، وله إحدى وتسعون سنة. قال عبد العزيز الأزجي: هو شيخ ثقة، مجاب الدعاء.
وأبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ،
(2/159)
________________________________________
صاحب الرحلة الواسعة، توفي في شوال، عن ست وتسعين سنة، أول سماعه بعد الثلاثمئة، فأدرك محمد بن نصر المديني، ومحمد بن علي الفرقدي، صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي، ثم رحل، ولقي أبا يعلى، وعبدان، وطبقتهما. قال أبو نعيم الحافظ: محدّث كبير ثقة، صاحب مسانيد، سمع مالا يحصى كثرة.
وقاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي، صاحب التصانيف، وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك. سمع قاسم بن أصبغ، وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمئة، وإلى أن مات. وكان المنصور بن أبي عامر، يعظمه ويجلسه معه.
وابن دوست العلاّف، أبو بكر محمد بن يوسف، ببغداد، روى عن البغوي، وجماعة.
سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة
كان أبو الحسن ابن المعلِّم الكوكبي، قد استولى على أمور السلطان بهاء الدَّولة كلها، فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء، الذي كان يعمل من نحو ثلاثين سنة، وأسقط طائفة من كبار الشهود، الذين ولُّو بالشفاعات.
وفيها شغب الجند وعسكروا، وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلِّم، وصمّموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك،
(2/160)
________________________________________
اختر بقاءه أبو بقاءك، فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه، فما زالوا به، حتى قتله رحمه الله.
وكان القحط شديداً في هذه الأعصر ببغداد.
وفيها توفي أبو أحمد العسكري، الحسن بن عبد الله بن سعيد، الأديب العلامة الأخباري، صاحب التصانيف، روى عن عبدان الأهوازي، وأبي القاسم البغوي، وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.
وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد النَّسائي، الفقيه الشافعي، الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده، وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحاق. قال الحاكم: كان شيخ العدالة والعلم بنسا، وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان، عاش بضعاً وتسعين سنة.
وأبو سعيد الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرّازي الصوفي، الرَّوي عن محمد بن أيوب بن الضريس، خرج في آخر عمره إلى بخارى، فتوّفي بها، وله أربع وتسعون سنة. قاله الحاكم، وقال: لم يزل كالرَّيحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا.
قلت: ولم يذكر فيه جرحاً، ولا ابن عساكر.
وأبو عمر بن حيَّويه، المحدّث الحجة، محمد بن العباس بن محمد
(2/161)
________________________________________
ابن زكريا البغدادي الخزَّاز، في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة، روى عن الباغندي، وعبد الله بن إسحاق المدايني، وطبقتهما. قال الخطيب: ثقو: كتب طول عمره، وروى المصنّفات الكبار.
ومحمد بن محمد بن سمعان، أبو منصور النيسابوري المذكِّر، نزيل هراة، وشيخ أبي عمر المليحي، روى عن السرّاج، ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الريّاني.
سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة
فيها تزوج القادر بالله، بابنة السلطان بهاء الدولة.
وفيها أنشأ الوزير أبو نصر سابور، داراً بالكرخ، ووقفها على العلماء، ونقل إليها الكتب، وسمّاها: دار العلم.
وفيها توفي أبو بكر بن شاذان، والد أبي علي، وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزّار، المحدِّث المتقن، وكان يتَّجر في البزّر إلى مصر وغيرها، توفي في شوال، عن ست وثمانين سنة، روى عن البغوي، وطبقته.
وإسحاق بن حمشاد الزاهد الواعظ، شيخ الكراميّة ورأسهم بنيسابور. قال الحاكم: كان من العبّاد المجتهدين، يقال: أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف، ولم أر بنيسابور جمعاً مثل جنازته.
(2/162)
________________________________________
وجعفر بن عبد الله بن فناكي، أبو القاسم الرّازي، الرّاوي عن محمد بن هارون الرُّوياني مسنده.
وأبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد، أحد الأعلام واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم، رحل إلى الشام والعراق، وسمع أبا القاسم بن أبي العقب وإبراهيم بن علي الهجيمي وطبقتهما. قال ابن الفرضي: كان جليلاً زاهداً شجاعاً مجاهداً، ولاه المستنصر بالله القضاء، فاستعفاه فأعفاه، وكان فقيهاً صلباً ورعاً، وكانوا يشبهونه بسفيان الثَّوري في زمانه، سمعت عليه علماء كثير، وعاش ثلاثاً وستين سنة.
وعلي بن حسّان، أبو الحسن الجدلي الدممي - ودمما - قرية دون الفرات، روى عن مطيِّن، وبه ختم حديثه.
سنة أربع وثمانين وثلاثمئة
فيها اشتد البلاء بالعيّارين ببغداد، قووا على الدولة، وكان رأسهم عزيز البابصري، التفّ عليه خلق من المؤذين، وطالبوا بضرائب الأمتعة، وجبوا الأموال، فنهض السلطان، وتفرّغ لهم، فهربوا في الظاهر. ولم يحجّ أحد، إلاّ الرّكب المصري فقط.
(2/163)
________________________________________
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصَّابي المشرك الحرّاني الأديب، صاحب الترسُّل، وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار، ألحّ عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع، وكان يصوم رمضان، ويحفظ القرآن، وله النظم والنثر والترسُّل الفحل، وما ملك عضد الدولة، همّ بقتله، لأجل المكاتبات الفجّة، التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه، إلى عضد الدولة، توفي في شوال، عن سبعين سنة.
وصالح الهمذاني بن أحمد، الحافظ أبو الفضل التَّميمي الأحنفي ابن السمسار، ويعرف أيضاً بابن الكوملاذ محدث همذان. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته، وهو الذي لما أملى الحديث، باع طاحوناً له، بسبعمائة دينار، ونثرها على المحدِّثين. قال شيرويه: كان ركناً من أركان الحديث، ديّنا ورعاً، لا يخاف في الله لومة لائم وله عدّة مصنفات توفي في شعبان، والدعاء عند قبره مستجاب، ولد سنة ثلاث وثلاثمئة.
والرُّمّاني، شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي، ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة، له قريب من مئة مصنف، أخذ عن ابن دريد، وأبي بكر بن السّراج، وكان متقناً في علوم كثيرة، من القرآن والفقه والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة، والتفسير واللغة.
وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل، مسند أصبهان في عصره. روى عن إسحاق بن إبراهيم بن جميل،
(2/164)
________________________________________
ويحيى بن صاعد وطبقتهما.
ومحدّث الكوفة، أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ، أدرك أصحاب أبي كريب، وأبي سعيد الأشجّ، وجمع وألف.
وأبو الحسن محمد بن أبي العباس، أحمد بن الفرات البغدادي، ابن الحافظ، سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب: بلغني أنه كان عنده، عن عليّ بن محمد المصري وحده، ألف جزء، وأنه كتب مائة تفسير، ومائة تاريخ، وهو حجة ثقة.
وأبو الحسن الماسرجسي، شيخ الشافعية، محمد بن علي بن سهل النيسابوري، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس. روى عن أبي حامد الشَّرقي وطبقته، ورحل بعد الثلاثين، وكتب الكثير بالحجاز والعراق ومصر. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، صحب أبا إسحاق المروزي مدة، وصار ببغداد معيداً لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستّاً وسبعين سنة.
قلت: وعليه تفقّه القاضي أبو الطيّب الطبري، وهو صاحب وجهٍ في المذهب.
وأبو عبد الله المرزباني، محمد بن عمران البغدادي، الكاتب
(2/165)
________________________________________
الأخباري، العلامة المعتزلي، مات في شوال، وله ثمان وثمانون سنة، صنّف " أخبار المعتزلة " وغير ذلك،، حدّث عن البغوي وابن دريد.
والتَّنوخي، القاضي أبو علي الحسن بن علي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف، ولد بالبصرة، وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة، وببغداد من الصُّولي، وعاش سبعاً وخمسين سنة.
سنة خمس وثمانين وثلثمائة
فيها توفي أبو بكر بن المهندس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، محدّث ديار مصر، وكان ثقة تقياً. روى عن البغوي، ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما.
والصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن عبّاد بن العباس، وزير مؤيّد الدولة ابن بويه بن ركن الدولة، وفخر الدولة. صحب الوزير أبا الفضل بن العميد، وأخذ ونبلا، وسخاء وحشمة، وأفضالاً وعدلاً، توفي بالريّ، ونقل ودفن بأصبهان.
وأبو الحسن الأذني القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدّث، نزيل مصر. روى الكثير عن ابن قيل، وأبي عروبة، ومحمد بن الفيض المشقي، وعلي الغضائري، توفي في ربيع الأول.
(2/166)
________________________________________
والدَّارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، الحافظ المشهور، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. ذكره الحاكم فقال: صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القرّاء والنحاة، صادفته فوق ما وصف لي. وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، مع الصدق وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم - سوى علم الحديث - منها: القراءات. وقد صنّف فيها مصنّفة ومنها، المعرفة بمذاهب الفقهاء. وبلغني أنه درس فقه الشافعي، على أبي سعيد الإصطخريّ. ومنها، المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة. وقال أبو ذرّ الهروي: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدَّارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟؟ وقال البرقاني: كان الدَّارقطني، يملي عليَّ العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيّب الطبري الدارقطني، أمير المؤمنين في الحديث.
وأبو حفص ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغداديّ، الواعظ المفسّر الحافظ، صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم، توفي بعد الدَّارقطني بشهر، وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين، فسمع من الباغندي. ومحمد بن المجدَّر والكبار، ورحل إلى الشام والبصرة وفارس. قال أبو الحسين بن المهتدي بالله: قال لنا ابن شاهين: صنّفت ثلاثمئة وثلاثين مصنّفاً، منها: التفسير الكبير، ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء والتاريخ مائة
(2/167)
________________________________________
وخمسون جزءاً. قال ابن أبي الفوارس، ابن شاهين ثقة مأمون، جمع وصنّف ما لم يصنّفه أحد. وقال محمد بن عمر الداودي: كان ثقةً لحاناً، وكان لا يعرف الفقه، ويقول: أنا محمدي المذهب.
وأبو بكر الكسائي محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب، الذي روى صحيح مسلم، عن إبراهيم بن سفيان الفقيه، توفي ليلة عيد الفطر، ضعّفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله: من غير أصل.
وأبو الحسن بن سكرة، محمد بن عبد الله الهاشمي، العباسي، الأديب البغدادي، الشاعر المفلق، ولا سيّما في المجون والمزاح، وكان هو وابن الحجّاج يشبّهان في وقتهما، بجرير والفرزدق. ويقال إن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت.
وأبو بكر الأودني شيخ الشافعية ببخارى وما وراء النهر، محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير - وأودن: بضم الهمزة وقيل بفتحها، ومن قرى بخارى - وكان علامة زاهداً، ورعاً خاشعاً، بكاء متواضعاً، ومن غرايب وجوهه في المذهب: أن الربا حرام في كل شيء، فلا يجوز بيع شيء بجنسه متفاضلاً، روى عن الهيثم بن كليب الشّاشي وطائفة، ومات في ربيع الآخر، وقد دخل في سن الشيخوخة، والمستغفري من تلامذته.
(2/168)
________________________________________
وأبو الفتح القوَّاس، يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد، المجاب الدعوة، في ربيع الآخرة، وله خمس وثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. قال البرقاني: كان من الأبدال.
سنة ست وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو حامد النعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السَّرخسي، نزيل هراة، في ربيع الأول، روى الصحيح عن الفربري، وسمع من الدَّغولي وجماعة.
وأبو أحمد السامرِّي، عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء بالديار المصرية، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة.
قرأ القر آن في الصّغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرقّي، وابن شنَّبوذ، وابن مجاهد. وحدّث عن أبي العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقبه وقال: لا أسلّم على من يكذب في الحديث، وفي " العنوان " أن السامرِّي، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي، وهذا الوهم من صاحب العنوان، لأن محمد بن يحيى، توفي قبل مولد السامرِّي بخمس عشرة سنة، أو هو محمد بن السامرّي، ويدلّ عليه قول محمد بن الصوري: قد ذكر أبو أحمد، أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيداً.
قلت: ثم إن أبا أحمد، أمسك عن هذا القول. وروى عن ابن مجاهد، عن الكسائي قلت وثقه أبو عمر الداني وأقره الحافظ محمد بن الجزري كما قاله
(2/169)
________________________________________
في النشر.
وعبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جدّه، ومات في شعبان.
والحربي: أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضاً بالسكرى وبالصيرفي والكيّال. روى عن أحمد بن الحسن الصوفي، وعباد بن علي السِّريني، والباغندي وطبقتهم، ولد سنة ست وتسعين ومئتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمئة، باعتناء أخيه، وتوفي في شوال.
وأبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي، ختن أبي بكر الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنّفات، عاش خمساً وسبعين سنة، وكان أديباً بارعاً مفسراً مناظراً. روى عن أبي نعيم عبد الملك ابن عديّ الجرجاني، توفي يوم عرفة.
وأبو طالب، صاحب " القوت "، محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي، ثم المكّي، نشأ بمكة، وتزهد وسلك، ولقي الصوفية، وصنّف ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم، البصري، شيخ السالمية. روى عن عليّ بن أحمد المصيِّصي، وغيره.
والعزيز بالله، أبو منصور نزار بن المعزّ بالله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر والمغرب والشام، ولي الأمر بعد أبيه، وعاش اثنتين وأربعين سنة، وكان شجاعاً جواداً
(2/170)
________________________________________
حليماً، قريباً من الناس، لا يحبّ سفك الدّماء، له أدب وشعر، وكان مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم.
سنة سبع وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو القاسم بن الثلاّج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد، في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتُّهم بالوضع.
وأبو القاسم، عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار، ويعرف بابن أبي غالب، روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي ابن أحمد بن علان، وطائفة. وكان من كبراء المصريين ومتموِّليهم.
وابن بطّة، الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري، الفقيه الحنبلي العبد الصالح، في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه. روى عن البغوي، وأبي ذرّ بن الباغندي، وخلق. وصنّف كتاباً كبيراً في السنة. قال العتيقي: كان مستجاب الدّعوة.
وابن مردك، أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البردعي البزاز، ببغداد، حدّث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. ووثّقه الخطيب، توفي في المحرم، وكان عبداً صالحاً.
(2/171)
________________________________________
وفخر الدولة علي بن أبي زكريا الحسن بن بويه الدَّيلمي سلطان الرّي وبلاد الجبل، وزر له الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وكان ملكاً شجاعاً مطاعاً، جمّاعاً للأموال، واسع الممالك، عاش ستّاً وأربعين سنة، وكانت أيامه أربع عشرة سنة، لقّبه الطائع: ملك الأمّة، وكان أجلّ من بقي من ملوك بني بويه، كان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم، خمس عشرة سنة، خلّف من الذهب عيناً وأواني وحلية، قريباً من أربعة آلاف ألف دينار، ومن الذخائر والمتعة على هذا النحو، ولما مات، ضمّت الخزائن، واشتروا له ثوباً كفنوه فيه، من قيّم الجامع.
وأبو ذرّ عمّار بن محمد بن مخلد التميمي البغداديّ، نزيل بخارى، روى عن يحيى بن صاعد وطائفة، ومات في صفر، روى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش بعده، مئة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير.
وأبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة الناطق بالحكمة، محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات. روى عن أبي بكر بن داود، وجماعة، وأملى عدّة مجالس، ولد سنة ثلاثمئة، ومات في نصف ذي القعدة، ولم يخلف ببغداد بعده مثله.
وأبو الطيّب السُّلمي، محمد بن الحسين الكوفي، سمع عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة، وكان ثقة.
(2/172)
________________________________________
وأبو الفضل الشَّيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدّث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة، فترك.
وأبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلمي النيسابوري، روى الكثير عن جدّه، وأبي العباس السرّاج، وخلق. واختلط قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنَّبوعه.
ومحمد بن المسيّب، الأمير أبو الذّواد العقيلي، من أجلاء أمراء العرب، تملكَّ الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني بويه، وتمَّلك بعده أخوه حسام الدولة مقلَّد بن المسيّب.
وأبو القاسم السرّاج، موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيّف على التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، وثّقه عبيد الله الأزهري.
ونوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل الساماني، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وولي بعده ابنه المنصور، ثم بعد عامين، توثّب عليه أخوه، عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمود بن سبكتين، وانقرضت الدولة السّامانيّة.
سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو بكر، أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج
(2/173)
________________________________________
الشّيرازيّ الحافظ، وكان من كبار المحدّثين، سأله حمزة السَّهمي، عن الجرح ولتعديل، وعمّر دهراً، روى عن الباغندي والبغوي والكبار. وأوّل سماعه، سنة أربع وثلاثمئة، توفي في صفر بالأهواز، وكان يقال له الباز الأبيض.
وأبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيَّرفي الحافظ، روى عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكان عجباً في حفظ الحديث وسرده. روى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدُّمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة، وكان ثقة، غمزه بعضهم.
وأبو سليمان الخطّابي، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب البستي الفقيه الأديب، صاحب " معالم السنن " و " غريب الحديث " و " الغنية عن الكلام " و " شرح الأسماء الحسنى " وغير ذلك. رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وإسماعيل الصفّار والأصم، وطبقتهم، وسكن بنيسابور مدّة، توفي ببست في ربيع الآخر، وكان علامة محققاً.
وأبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي العباس السرّاج وغيره.
وأبو العلا بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري، راوي صحيح مسلم، عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر، سوى ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب، يرويها عن الجلوديّ.
وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ
(2/174)
________________________________________
المجوّد القيِّم بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، قر أعلى أصحاب إسماعيل النّحاس.
وأبو الفرج الشَّنَّبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن شنَّبوذ، قرأ عليه القراءات، وعلى ابن مجاهد وجماعة. واعتنى بهذا الشأن، وتصدّر للإقراء، وكان عارفاً بالتفسير، وكان يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن، تكلم فيه الدَّارقطني.
وأبو بكر الإشتيخني محمد بن أحمد بن متّ، الراوي صحيح البخاري، عن الفربري، توفي في رجب، بما وراء النهر.
وأبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفَّر البغدادي اللغويّ الكاتب، أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وكان بصيراً بالآداب.
وأبو بكر الجوزقي، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدَّل، شيخ نيسابور ومحدّثها، مصنف الصحيح، روى عن السرّاج، وأبي حامد بن الشَّرقي وطبقتهما. ورحل إلى أبي العباس الدُّغولي، وإلى ابن الأعرابي، وإلى وإسماعيل الصفّار. قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءاً، ثم ظهر بعدها سماعه من السرّاج.
قلت: اعتنى به خاله أبو إسحاق المزكَّي، توفي في شوال، عن اثنتين وثمانين سنة.
وأبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسّر النحوي، وأدفو بقرب أسوان، وكان خشاباً، أخذ عن أبي جعفر
(2/175)
________________________________________
النّحاس فأكثر، وأتقن ورش، على أبي غانم المظفَّر بن أحمد، وألف " التفسير " في مائة وعشرين مجلداً، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة للعلم، توفي في ربيع الأول.
سنة تسع وثمانين وثلاثمئة
تمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيِّهم، بعمل عاشوراء باللطم والعويل، وبنصب القباب والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير، فعمدت جاهلية السنة، وأحدثوا في مقابلة يوم عيد الغدير، يوم الغار، وجعوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، اختفيا حينئذ في الغار، وهذا جهل وغلط، فإن أيام الغار، إنما كانت بيقين، في شهر صفر، وفي أول ربيع الأول، وجعلوا بإزاء عاشوراء وبعده بثمانية أيام، يوم مصرع مصعب بن الزبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن، وبكوا عليه، ونظروه بالحسين، لكونه صبر وقاتل حتى قتل، ولأن أباه ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحواريّة وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وفارس الإسلام، فنعوذ بالله من الهوى والفتن. ودامت السُّنّة على هذا الشِّعار القبيح مدّة عشر سنين.
وفيها توفي أبو محمد المخلدي، الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن مخلد النيسابوري المحدِّث، شيخ العدالة، وبقيّة أهل البيوتات، في رجب، روى عن السرّاج، وزنجويه اللبّاد، وطبقتهما.
وأبو علي، زاهر بن أحمد السَّرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة،
(2/176)
________________________________________
في ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السامي، والبغويّ، وطبقتهما.
قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقّه وطبقتهما.
على أبي إسحاق المروزي، وتأدب على ابن الأنباري.
قلت: وأخذ علم الكلام عن الأشعريّ، وعمّر دهراً.
وأبو محمد بن عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، شيخ المغرب، وإليه انتهت رئاسة المذهب.
قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخّص المذهب، وملأ البلاد في تواليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكاً الصغير. قال الحبّال: توفي للنصف في شعبان.
وأبو الطيّب بن غلبون، عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقري الشافعي، صاحب الكتب في القراءات، قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققاً. بعيد الصّيت، توفي بمصر، في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة، أخذ عنه خلق.
وأبو القاسم بن حبابة المحدّث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي المتُّوثي البذار، رواي الجعديات عن البغويّ، في ربيع الآخر.
وأبو الهيثم الكشميهني محمد بن مكّي المروزي، راوية البخاري،
(2/177)
________________________________________
عن الفربري، توفي عرفة، وكان ثقة.
وقاضي القضاة لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد بن منصور الشِّيعي في الظاهر، الباطني فيما أحسب، ولد قاضي القوم، وأخو قاضيهم.
قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك من قاضٍ بالعراق، ووافق ذلك، استحقاقاً لما فيه من العلم والصيّانة، والهيبة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته، حتى إن العزيز، أجلسه معه يوم الأضحى على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلّل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع وأربعون سنة، وولي القضاء بعده، ابن أخيه، الحسين بن علي، الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين.
سنة تسعين وثلاثمئة
فيها عظم أمر الشطار، وأتوا بيوت الناس نهاراً جهاراً، وواصلوا العملات، وقتلوا وبدّعوا، وأشرف الناس بهم على أمر عظيم، وقويت شوكتهم، وصار فيهم علويّون وعباسيون، حتى جاء عميد الجيوش وولاه بهاء الدولة تدبير العراق، فغرّق وقتّل وقلّ المفسد.
وفيها توفيت أمة السّلام، بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية وكانت ديّنة فاضلة. روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره.
وحنش بن محمد بن صمصامة القائد، أبو الفتح الكناني، ولي إمرة دمشق
(2/178)
________________________________________
ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جباراً ظلوماً غشوماً سفاكاً للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى دمشق في هلاكه، حتى هلك بالجذام في هذه السنة.
وأبو حفص الكتّاني بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد، قرأ عليه، وسمع منه، كتابه في القراءات، وحدّث عن البغويّ وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة، وكان ثقة.
وابن أخي ميمي الدقّاق، أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغويّ وجماعة، وله أجزاء مشهورة، توفي في رجب..
وأبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسنيّ الزّيدي الكوفي، رئيس العلويّ بالعراق، ولد سنة عشرة وثلاثمئة، وروى عن هنّاد بن السريّ الصغير، صادرة عضد الدولة، وحبسه وأخذ أمواله، ثم أخرجه شرف الدولة لما تملّك، وعظم شأنه في دولته، فيقال إنه كان من أكثر العلويين مالاً، وقد أخذ منه عضد الدولة، ألف ألف دينار.
وأبو زرعة الكشِّي، محمد بن يوسف الجرجاني الحافظ - وكشّ قرية قريبة من جرجان - سمع إبراهيم بن عديّ، وأبي العباس الدَّغولي
(2/179)
________________________________________
وطبقتهما، بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز، وصنّف وحمع الأبواب والمشايخ، جاور بمكة سنوات، وبها توفي.
والمعافى بن زكريا، القاضي أبو الفرج النَّهرواني الجريري، ويعرف أيضاً بابن طرار تفقّه على مذهب محمد بن جرير الطبري، وسمع من البغويّ، وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدّة علوم. قال الخطيب: كان من أعلم الناس في وقته، بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب، ووليّ القضاء بباب الطَّاق، وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي، أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج، لوجب أن يدفع إليه. قال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس، توفي المعافى بالنَّهروان، في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة، وكان قانعاً باليسير متعفّفاً.
سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي، أوب الحسن، نزيل مصر، ثقة. يروي عن المحاملي، ومحمد بن مخلد، وجماعة. وكان صاحب حديث، رحل إلى دمشق والرّقَّة.
وأحمد بن يوسف الخشّاب أبو بكر الثَّقفي، المؤذِّن بأصبهان. روى عن الحسن بن دلويه، وجماعة كثيرة.
(2/180)
________________________________________
وجعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات، أبو الفضل بن جنزابة البغدادي، وزير الديار المصرية، ابن وزير المقتدر أبي الفتح، حدّث عن محمد بن هارون الحضرمي، والحسن بن محمد الداركي وخلق. وكان صاحب حديث، ولد سنة ثمان وثلاثمئة، ومات في ربيع الأول.
قال السلفي: كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات، يملي في حال وزارته، لا يختار على العلم وصحبة أهله شيئاً، وقال غيره: كان له عبادة وتهّد، وصداقات عظيمة إلى الغاية، توفي بمصر، ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة، من أقرب شيء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابن الحجاج الأديب، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي الشِّيعي المحتسب، الشاعر المشهور، وديوانه في عدّة مجلدات في عصره، أخذ عن القاضي بشر بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل عليه فقهاء بغداد. قال أبو عبد الله الصيمري: ما رأيت فقيهاً أنظر منه، ومن أبي حامد الإسفراييني الشافعي.
وأبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي، الكاتب المنشئ، ولد سنة اثنتين وثلاثمئة، ومات في أول ربيع الأول.
(2/181)
________________________________________
قال ابن أبي الفوارس: كان بشيء من مذهب الفلاسفة.
قلت: روى عن البغوي وطبقته، وله أمالٍ سمعت منها.
وحسام الدولة، مقلَّد بن رافع العقيلي، صاحب الموصل، تملَّكها بعد أخيه أبي الذَّوّاد، في إحدى عشرة سنة، مدّة الأخوين، وقد بعث القادر بالله إلى مقلَّد، خلع السلطنة، واستخدم هو ثلاثة آلاف من الترك والدَّيلم، ودانت له عرب خفاجة، وله شعر، وهو رافضي، قتله غلام له، ورثاء الشريف الرضيّ، وتملّك بعده ابنه، معتمد الدولة قرواش، خمسين سنة.
والمؤمَّل بن أحمد أبو القاسم الشيباني البزّاز، بغداديّ، ثقة، نزل مصر، وحدّث عن البغوي، وابن صاعد، وجماعة، وعمّر دهراً.
سنة اثنتين وتسعين وثلاثمئة
فيها زاد أمر الشطَّار، وأخذوا الناس ببغداد، مهاراً جهاراً، وقتلوا وبدّعوا، وواصلوا أخذ العملات، وكثروا، وصار فيهم هاشميّون، فسيَّر بهاء الدولة - كان غائباً - عميد الجيوش، إلى العراق ليسوسها، فقطّع وغرّق، ومنع السنَّة والشّيعة من إظهار مذهبهم، وقامت الهيبة.
وفيها توفي الحاجبي، أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشّاني السمرقندي، سمع الصحيح من الفربري، ومات في هذه السنة، وقيل في التي قبلها.
(2/182)
________________________________________
والضرّاب، أبو محمد الحسن بن إسماعيل المصري المحدّث، راوي المجالسة عن الدِّينوريّ، توفي في ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة.
والأصيلي الفقيه، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي، أخذ عن وهب بن أبي مسر ة، وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته، وبمكة عن الآجرِّي، وببغداد عن أبي علي بن الصواف، وكان عالماً بالحديث، رأساً في الفقه. قال الدارقطني: لم أر مثله. وقال غيره: كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وكان على طريقته وهديه وكان علي السوري بقرطبة.
وعبد الرحمن بن أبي شريح، أبو محمد الأنصاري، محدث هراة، روى عن البغوي والكبار، ورحل إليه الطلبة، وآخر من روى حديثه عالياً، أبو المنجَّا بن اللتِّي، توفي في صفر.
وأبو الفتح عثمان بن جنّي الموصلي النحوي، صاحب التصانيف، وكان أبوه مملوكاً رومياً، توفي في صفر، في عشر السبعين. قرأ على المتنبي ديوانه، ولازم أبا عليّ الفارسي.
والوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي الحافظ، رحل بعد الستين وثلاثمئة، وروى عن الحسن بن رشيق، وعلي بن الخصيب
(2/183)
________________________________________
وخلق. قال ابن الفرضي: كان إماماً في الفقه والحديث، عالماً باللغة والعربية، لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ. وقال غيره: له شعرٌ فائق، توفي بالدِّينور.
سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري - أبهر أصبهان - سمع جزء لوين، من محمد بن إبراهيم الحزورَّي، سنة خمس وثلاثمئة، وكان ديّناً فاضلاً.
وأبو إسحاق الطبري، إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدَّل، أحد الرؤساء والعلماء ببغداد، قرأ القرآن على ابن ثوبان، وأبي عيسى بكّار، وطبقتهما. وحدّث عن إسماعيل الصفّار، وطبقته. وكانت داره، مجمع أهل القرآن والحديث، وإفضاله زائد على أهل العلم، وهو ثقة.
والجوهري، صاحب الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد التركي اللُّغوي، أحد أئمة اللسان، وكان في جودة الخط كابن مقلة ومهلهل، وأكثر التَّرحال، ثم سكن نيسابور. قال القفطي: إنه مات متردِّياً من سطح داره بنيسابور في هذا العام، قال: وقيل مات في حدود الأربعمائة، وقيل، إنه تسودن، وعمل له شبه جناحين وقال: أريد أن أطير، وطفر، فأهلك نفسه، رحمه الله تعالى.
(2/184)
________________________________________
والطائع لله، أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر بالله بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي، كانت دولته أربعاً وعشرين سنة، وكان مربوعاً أبيض أشقر كبير الأنف شديد القوى، في خلقه حدّة خلع من الخلافة في شعبان، سنة إحدى وثمانين، وبالقادر بالله، ولم يؤذره، بل بقى مكرماً محترماً في دارٍ عند القادر بالله، إلى أن مات، ليلة عيد الفطر، وله ثلاث وسبعون سنة، وصلّى عليه القادر بالله، وشيّعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضيّ.
والمنصور الحاجب أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني المعافري الأندلسي، مدبّر دولة المؤيد بالله، هشام بن المستنصر بالله، الحكم بن الناصر عبد الرحمن الأموي، لأن المؤيد، بايعوه بعد أبيه، وله تسع سنين، وبقي صورة، وأبو عامر هو الكل، وكان حازماً بطلاً شجاعاً غزّاء عادلاً سائساً، افتتح فتوحات كثيرة وأثر آثاراً حميدة، وكان لا يمكّن المؤيد من الركوب، ولا من الاجتماع بأحد، إلا بجواريه.
والمخلِّص أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي ابن الذَّهبي، مسند وقته، سمع أبا القاسم البغوي، وطبقته. وكان ثقة.
توفي في رمضان، وله ثمان وثمانون سنة.
(2/185)
________________________________________
سنة أربع وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السُّلمي الأصبهاني المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزُّهري، ابن أخي رستةَ وجماعة، وكتب الكثير، توفي في ذي القعدة.
وأبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البغدادي، نزل مصر، وحدّث عن البغوي، وأبي بكر بن أبي داود. قال الخطيب: كان شيء الحال في الرواية، توفي بمصر.
ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون، أبو عبد الله اللَّخمي القرطي الحداد، سمع عبد الله بن يونس القبري، وقاسم أصبغ، وبمكة من أبي سعيد ابن الأعرابي. قال ابن الفرضي: لم يكن ضابطاً، اضطر في أشياء.
ويحيى بن إسماعيل الحربي المزكّى، أبو زكريا، بنيسابور، في ذي الحجة، وكان رئيساً أدبياً أخبارياً متقناً، سمع من مكي بن عبدان وجماعة.
سنة خمس وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس الرّازي اللغوي، صاحب المجمل، نزيل همذان. روى عن أبي الحسن القطّان وطائفة، ومات بالريّ.
والتاهرتي، أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي
(2/186)
________________________________________
البزاز، العبد الصالح، سمع بالأندلس من قاسم بن، أصبخ، وطبقته. وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر.
والخفَّاف، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري، مسند خراسان، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، وهو آخر من حدَّث عن أبي العباس السَّراج.
والإخميمي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري. روى عن محمد بن ريان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علان، وطائفة.
وأبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، رواي كتاب " القراءة خلف الإمام " و " كتاب رفع اليدين " تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن إسحاق، وكان ثقة، يحفظ ويفهم، عاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وعبد الوارث بن سفيان، أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف ب******، أكثر عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق الناس فيه، توفي لخمس بقين من ذي الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكثير.
وأبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني الجوّال، صاحب التصانيف، طوّف الدنيا، وجمع وكتب مالا ينحصر، وسمع من ألف وسبعمئة شيخ، وأول سماعه ببلده، في سنة ثمان عشرة وثلاثمئة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعاً وثلاثين سنة.
(2/187)
________________________________________
قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ ما رأيت مثله. وقال عبد الرحمن ابن منده: كتب أبي عن أبي سعيد الأعرابي، ألف جزء، وعن خيثمة ألف جزء. وع الأصمّ ألف جزء، وعن الهيثم الشاشي ألف جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة، سيّد أهل زمانه.
سنة ست وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللَّخمي الإشبيلي، الحافظ العلم، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة، وكان يحفظ عدة مصنّفات، وكان إماماً في الأصول والفروع.
وأبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي، وله سنة ست وثلاثمئة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعيّ.
وأبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية بجرجان، وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه. وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة، وهو يقرأ في صلاة المغرب " إياك نعبد وإياك نستعين " ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة.
وأبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق، ويعرف بأخي تبوك، ولد سنة ست وثلاثمئة وروى عن محمد بن
(2/188)
________________________________________
حريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتَّاني: كان ثقة نبيلاً مأموناً، توفي في ربيع الأول.
وأبو الحسن الحلبي، علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي نزيل مصر، روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد ب إبراهيم بن نيروز، وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر، وعاش مائة سنة.
والبختري، صاحب الأربعين المرويّة، أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكّي الحافظ. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرَّزين في المذاكرة. توفي في شعبان، وله ثلاث وستون سنة.
أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل وابن المأمون العباسي، ثقة مشهور، يروي عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، وطائفة. وهو جدّ جد أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون.
وابن زنبور، أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق، ببغداد في صفر، روى عن البغوي، وابن صاعد وطبقتهما، وابن أبي داود. قال الخطيب: ضعيف جدَّاً.
(2/189)
________________________________________
سنة سبع وتسعين وثلاثمئة
فيها كان خروج أبي ركوة، وهو أمويَّ من ذرية هشام بن عبد الملك، كان يحمل الركوة في السفر، ويتزهّد، وقد لقي المشائخ، وكتب الحديث، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ويأخذ البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدّباً، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى على عقولهم وأسرّ إليهم أنه الإمام، ولقّب نفسه الثائر بأمر الله، وكان يخبرهم بالمغيّبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولّي تلك الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بم حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ من يهودي بها مئتي ألف دينار، وجمع له أهلها، مئتي ألف دينار، وضرب السِّكة باسمه، ولعن الحاكم، فجهّز الحاكم لحربه ستة عشر ألفاً، فظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل الجيش الذين ظفروا به.
وفيها أصاب ركب العراق عطشّ شديد، واعتقلهم ابن الجرّاح على ما طلبه، وضاق القوم، وخافوا فوات الحج، فردُّوا ودخلوا بغداد يوم عرفة.
وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلس المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي بطليوس، وأخو حامد الزاهد.
وأبو الحسن بن القصّار، علي بن عمر البغدادي، الفقيه المالكي صاحب كتاب " مسائل الخلاف ". قال أبو إسحاق الشيرازي: لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه
(2/190)
________________________________________
من رأيت من المالكية. ومن طبقته: أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرّازي، الفقيه الشافعي. قال الخليل: هو أفضل من لقيناه بالريّ، كان مفتيها قريباً من ستين سنة، أكثر من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. وكان له في كل علم حظ، وعاش قريباً من مئة سنة.
وابن واصل، الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك سيراف والبصرة، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متولّيها مهذب الدولة، فسار لحربه فخر الملك، أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسّان الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.
سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة
فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجلٌ شيخ الشِّيعة ابن المعلّم، وهو الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره، فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة، أبي محمد بن الأكفاني، والشيخ أبي حامد بن الأسفراييني، فسبّوهما، وحميت الفتنة.
ثم إن السُّنّة أخذوا مصحفاً، قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف
(2/191)
________________________________________
كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل، فثارت الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين السنة، واختفى أوب حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلاً لمعاونة السنة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم وذلُّوا، وأمر عميد الجيوش، بإخراج ابن المعلِّم من بغداد، فأخرج. وحبس جماعة، ومنع القصّاص مدّة.
وفيها زلزلت الدِّينور، فهلك تحت الردم، أزيد من عشرة آلاف.
وزلزلت سيراف، السيب وغرق عدّة مراكب، ووقع بردٌ عظيم، وزن أكبر ما وجد منه، فكانت مئة وستة دراهم.
وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة قمامة بالقدس، لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلا فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما آمر، ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة مثل المكمدة، وزنها ستة أرطال، في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل، وبقي هذا سنوات، ثم رخّص لهم في الردَّة، لكونهم مكرهين، وقال: ننزّه مساجدنا عمن لا نيّة في الإسلام.
(2/192)
________________________________________
وفيها توفي البديع، أبو الفضل أحمد بن الحسن الهمذاني، الأديب العلامة، بديع الزمان، صاحب المقامات المشهورة، وصاحب الرسائل، وكان فصيحاً مفوّهاً، وشاعراً مفلقاً، توفي بهراة، في جمادى الآخرة.
وابن لآل، الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير انه كان مشهوراً بالفقه، له كتاب " السنن " و " معجم الصحابة ". عاش تسعين سنة، والدعاء عند قبره مستجاب.
قلت: سمع الكثير، وأكثر الترحال، وروى عن محمد بن حمدويه المروزي، وأبي سعيد بن الأعرابي، وطبقتهما.
وأبو نصر الكلاباذي، الحافظ أحمد بن محمد بن الحسين - وكلاباذ محلّة ببخارى - صنّف رجال صحيح البخارى، وغير ذلك. وعاش خمساً وسبعين سنة. قال جعفر المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم.
قلت: روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد الله الحسن بن هارون البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة، وأملى الكثير عن المحاملي، وابن
(2/193)
________________________________________
عقدة، وطبقتهما. قال الدَّارقطني: هو في غاية الفضل والدين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والترسُّل، موفق في أحواله كلها، رحمه الله.
والبافي، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الفقيه الشافعي، ببغداد في المحرم، تفقّه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من أصحاب الوجوه.
والببَّغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النَّصيبي، مدح سيف الدولة ابن حمدان والكبار، ولقّبوه الببغاء، لفصاحته، وقيل للثغة في لسانه.
وأبو القاسم بن الصيدني، عبد الله بن أحمد بن علي، روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات في أصحابه، وروى عن جماعة، توفي في رجب، ببغداد.
سنة تسع وتسعين وثلاثمئة
فيها رجع الركب العراقي، خوفاً من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد، وأما ركب البصرة، فأخذه بنو زغب الهلاليون، قال ابن الجوزي في منتظمه: يأخذون للركب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة، روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزيّ، وخيثمة
(2/194)
________________________________________
الأطرابلسي، وطائفة، وصحب محمد بن داود الرّقي، روى عنه خلق كثير من الحجاج.
وأبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الأعمى الحافظ، روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم واستملى عليه، وسمع بنيسابور، من أبي حامد بن بلال وطائفة. وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى.
والنامي، الشاعر البليغ، أبو العباس أحمد بن محمد، كان تلو المتنبي في الرتبة عند سيف الدولة، وكان مقدّماً في اللغة، وله مع المتنبي معارضات ووقائع، وطال عمره، وصار شيخ الأدب بالشام، روى عن علي ابن سليمان الأخفش، والصُّولي، وعاش تسعين سنة.
وأبو الرقعمق الشاعر، صاحب المجون والنوادر، أبو حامد أحمد بن محمد النطاكي، دخل مصر، ومدح المعزّ وأولاده، والوزير ابن كلِّس.
وخلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث البخاري، صاحب بخارى ةابن صاحبها، كان عالماً جليلاً، مفضلاً على العلماء وطبقته. ومات شهيداً في الحبس ببلاد الهند.
وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي، ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف التذكرة، رحل إلى
(2/195)
________________________________________
البصرة، وقرأ بها على صاحب أبي العباس الأشناني. وبمصر على أبيه، وأبي عدي عبد العزيز، وغيره واحد.
وأبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر، في ذي القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وروى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة والشام والقيروان، وكان سماعه صحيحاً من البغوي في جزء واحد، وما عداه مفسود.
وابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المرِّي الأندلس الألبيري، نزيل قرطبة، وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد، سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية القرشي، وطائفة، وكان راسخاً في العلم مفنناً في الآداب، مقتفياً لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمساً وسبعين سنة، وتوفي في ربيع الآخر. ومن كتبه " اختصار المدونة " ليس لأحد مثله.
سنة أربعمئة
فيها أقبل الحاكم - قاتله الله - على التألُّه والدين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل الكثير من الخير.
وفيها توفي ابن خرشيذ قوله، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله
(2/196)
________________________________________
ابن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة، دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله.
وأبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلف " أطراف الصحيحين " روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر المقرئ وطبقتهما، وكان عارفاً بهذا الشأن، ومات كهلاً، فلم ينتشر حديثه، توفي في رجب.
وأبو نعيم الإسفراييني، عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح، عن خال أبيه، أبي عوانة الحافظ، وكان صالحاً ثقة، ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمئة، واعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمّر، وازدحم عليه الطلبة، وأحضروه إلى نيسابور.
سنة إحدى وأربعمئة
فيها أقام صاحب الموصل، الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنيّة، لأن ر سل الحاكم، تكرّرت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلَّد فأفسدوه، ثم سار قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب الأنبار بذلك، فهرب وأبدى قرواش بن مقلَّد صفحة
(2/197)
________________________________________
الخلاف، وعاش وأفسد، فقلق القادر بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة، مع ابن الباقلاني المتكلم، فقال: قد كاتبنا أبا علي إلى عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار، وإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن مقلَّد، خاف الغلبة، فأرسل يعتذر، وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ّ ركب العراق، لفساد الوقت.
وفيها توفي عميد الجيوش، أبو علي الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى وخمسون سنة، كان أبوه من حجّاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة، وترقرقت حاله، فولاه بهاء الدولة نائباً عنه بالعراق، فأحسن سياستها، وحمدت أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطار، وقد جاء في عدله وهيبته حكايات.
وأبو عمر بن المكوى، أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه، مع الورع وال*****، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنّف كتاب " الاستيعاب " في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة.
وأبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي. روى عن قاسم بن أصبغ وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر شيخ لابن حزم.
(2/198)
________________________________________
وأبو عبيد الهروي، أحمد بن محمد المؤدب، صاحب الغريبين، أخذ عن الأزهري وغيره، توفي في رجب.
وأبو بكر الحنّائي، عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب، نزيل دمشق، روى عن يعقوب الجصّاص وجماعةو، وكان ثقة.
وعبد العزيز بن محمد بن النُّعمان بن محمد بن منصور، قاضي القضاة للعبيدين، وابن قاضيهم، وحفيد قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القّواد حسين، ابن القائد جوهر، وبعث من حمل إليه برأس قاضي طرابلس، أبي الحسين علي بن عبد الواحد البرّي، لكونه سلم عزاز. إلى متولّي حلب.
وأبو الفتح البستي، علي بن محمد الكاتب، شاعر وقته وأديب ناحيته.
وأبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود، شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي، صاحب علي بن حجر، وطبقتهما. وكان سيّداً نبيلاً صالحاً. قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث، وكان يعدّ في مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله.
وأبو علي الخالدي الذهلي، منور بن عبد الله الهروي. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة، قال أبو سعد الإدريسي: كذَّاب روى عنه
(2/199)
________________________________________
أبو قادم الغنودي وعبد الرحمن بن عبيد وكان ابن ميمون والحديث والصحيح أنه مات سراً.
سنة اثنتين وأربعمئة
فيها أذن فخر الملك أبو غالب، الذي وليّ العراق بعد عميد الجيوش، بعمل المأتم يوم عاشوراء.
وفيها كتب محضر ببغداد، في قدح النسب الذي تدّعيه خلفاء مصر، والقدح في عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرَّمي إخوان الكافرين، شهادة يتقرَّب بها إلى الله، شهدوا جميعاً أن الناجم بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار. إلى أن قال: فانه لما صار - يعني المهدي - إلى المغرب، وتسمى بعبيد الله، وتلقّب بالمهدي، وهو مع من تقدّمه من سلفه الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد عليّ رضي الله عنه، ولا يعلمون أن أحداً من الطالبيين، توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعاً بالحرمين، وأن هذا الناجم بمصر وسلفه، كفّار وفسّاق، لمذهب الثَّنويّة والمجوسية معتقدون، قد عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء وسبُّوا الأنبياء، ولعنوا السَّلف، وادّعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمئة، وكتب خلقٌ في المحضر، منهم: الشريف المرتضي، وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين
(2/200)
________________________________________
القدوري، وخلق.
وفيها عمل يوم الغدير، ويوم الغار، لكن بسكينة.
وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر الأندلس، والد العلامة أبي محمد، كان كاتباً منشئاً لغوياً، وتبحر في علم البيان.
وأبو الحسين السوسنجردي، أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي، المعدَّل. روى عن ابن البختري وجماعة، وكان ثقةً، صاحب سنة.
وقاضي الجماعة، أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله أربع وخمسون سنة، سمع من أحمد ب عون الله وطبقته. وكان من جهابذة المحدثين وحفاظهم، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسميّة، ولي القضاء والخطابة، سنة أربع وتسعين وثلاثمئة، وعزل بعد تسعة أشهر، وله كتاب " أسباب النزول " في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتي جزء وخمسين جزءاً، وقد ولي الوزارة أيضاً.
وعثمان الباقلاني، أبو عمرو البغدادي الزاهد، وكان عابداً أهل بغداد في زمانه، رحمه الله.
(2/201)
________________________________________
وأبو الحسن السامرِّي الرفّاء علي بن أحمد صالح، ثقة. روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي.
وأبو الحسن الدَّاراني، علي بن دادو القطّان المقرئ، حدّث عن خيثمة، وقرأ علي ابن النضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق. قال رشا بن نظيف: لم ألق مثله حذقاً وإتقاناً في رواية ابن عامر، وهو الذي طلع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة الجامع، فوثب أهل داريا بالسلاح ومانعوهم، وقالوا لا ندع لكم إمامنا، حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر، فقالوا: أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدّمت له بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة الشرقية، وكان لا يأخذ على الصلاة ولا اٌراء أجراً، ويقتات من أرضٍ له رحمه الله تعالى.
وأبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير، أحد أعلام القرآن، أقرأ بمصر عن عبد الباقي ابن السقا، والسامري وجماعة، وصنّف " المنشأ في القراءات " وعاش ثمانياً وستين سنة.
وابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغسّاني الصيداوي، صاحب " المعجم " المرويّ. رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس. روى عن أبي روق الهزَّاني والمحاملي وطبقتهما، ومات في
(2/202)
________________________________________
رجب، وله سبع وتسعون سنة، وسرد الصوم، وله ثماني عشرة سنة، إلى أن مات. وثّقه الخطيب.
وابن النجّار، أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي النحوي المقرئ، آخر من حدَّث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني، وابن دريد قال العتيقي هو ثقة، توفي بالكوفة في جمادى الأولى. وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمئة في المحرم.
وابن اللّبان الفرضي، العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري، روى سنن أبي داود عن ابن داسة، وسمعها منه القاضي أبو الطيّب الطبري. قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض. وصنّف فيها كتباً، ومات في ربيع الأول.
وأبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي، المعروف بالهرواني، أحد الأئمة الأعلام في مذهب أبي حنيفة، روى عن محمد بن القاسم المحاربي وجماعة. قال الخطيب: قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه، إلى وقته، أحد أفقه منه. وقال لي العتيقي: ما رأيت مثله بالكوفة.
قلت: ولد سنة خمس وثلاثمئة، وقد قرأ عليه غلام الهراس.
وأبو علي منتجب الدولة، لولو السمراوي، ولي نيابة دمشق
(2/203)
________________________________________
للحاكم، وعزل بعد ستة أشهر، ولما همّوا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلاً بها، عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة، ثم طلع لولو من سطح واختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به، فله ألف دينار، فدلّ عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل.
وابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز، شيخ ابن حزم، روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلاً صالحاً.
سنة ثلاث وأربعمئة
فيها أخذ الركب العراقي وتسمى نوبة واقصة، نزل فليتة الخفاجي - قبحه الله - في ستمئة بواقصة، فغوّر المياه، وطرح الحنظل في الآبار، فلما جاء الركب إلى العقبة، حبسهم ومنهم العبور، إلا بخمسين ألف دينار، فخافوا وضعفوا وعطشوا، فهجم الملعون عليهم، فلم يكن عدهم منعة، وسلّموا أنفسهم، فاحتوى على الجمال بالأحمال واستاقها، وهلك الركب إلا القليل، فقيل إنه هلك خمسة عشر ألف إنسان، فأمر فخر الملك الوزير علي بن مزيد، فصار فأدركهم بناحية البصرة، فظفر بهم، وقتل طائفة كبيرة، وأسر والد فليتة والأشتر، وأربعة عشر رجلاً، ووجدوا أموال الناس قد تمزقت، فانتزع ما أمكنه، فعطشوا الأسرى على جانب دجلة، يرون الماء ولا يسقون، حتى هلكوا.
وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصرصري البغدادي،
(2/204)
________________________________________
سمع أبا عبد الله المحاملي، وابن عقدة. قال البرقاني: ثقة صدوق وفيها ولي على أبو حامد الإسفراييني.
وبهاء الدولة، السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة بن بزيه الدَّيلمي، صاحب العراق وفارس، توفي بأرَّجان، في جمادى الأولى، وله اثنتان وأربعون سنة، وكانت أيامه بضعاً وعشرين سنة، ومات بعلَّة الصرع، وولي بعده ابنه سلطان الدولة، فبقي في الملك اثني عشر عاماً.
والحسن بن حامد، أبو عبد الله البغدادي، شيخ الحنابلة قال القاضي أبو يعلي: كان ابن حامد، مدرّس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه، وله المصنفات العظيمة، منها الكتاب الجامع، نحو أربعمئة جزء، في اختلاف العلماء، وكان معظَّماً مقدّماً عند الدولة والعامة.
وقال غيره: روى عن النجاد وغيره، وتفقّه على أبي بكر عبد العزيز، وكان قانعاً، يأكل من النَّسخ، ويكثر الحجّ، فلما كان في هذا العام، حجّ وعدم فيمن عدم، إذ أخذ الركب.
والقاضي أبو عبد الله الحليمي، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي علي القفّال، والشاشي، وسمع من محمد بن أحمد بن خنب، وجماعة. وهو صاحب وجه في المذهب، توفي في ربيع الأول، وله مخمس وستون سنة، وكان إماماً متقناً.
(2/205)
________________________________________
وأبو علي الروذباري، الحسين بن محمد الطوسي، راوي السنن عن ابن داسة، توفي في ربيع الأول، أكثر عنه البيهقي ولي الحاكم وجده حسن.
وأبو الوليد بن الفرضي، عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ، مؤلف تاريخ الأندلس. قال ابن عبد البرّ: كان فقيهاً عالماً في جميع فنون العلم، في الحديث والرجال، قتلته البربر في داره.
وقال أبو مروان بن حيان: وممن قتل يوم فتح قرطبة: الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث، والافتنان في العلوم، والأدب البارع، ولي قضاء بلنسية، وكان حسن البلاغة والخط.
قلت عاش اثنتين وخمسين سنة.
وأبو الحسن القابسي، علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه، شيخ المالكية، أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرِّحلة عن حمزة الكناني، وطائفة، وصنّف تصانيف فائقة في الأصول والفروع، وكان مع تقدمه في العلوم، صالحاً تقياً ورعاً، حافظاً للحديث وعلله، منقطع القرين، وكان ضريراً.
(2/206)
________________________________________
وابن الباقلاني، القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب بن محمد بن جعفر البصري المالكي الأصولي المتكلم، صاحب المصنّفات، وأوحد وقته في فنه، روى عن أبي بكر القطيعي، وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة.
قال الخطيب: كان ورده في الليل عشرين ترويحة، في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمساً وثلاثين ورقة من تصنيفه. توفي في ذي القعدة ببغداد.
وأبو بكر الخوارزمي، محمد بن موسى، شيخ الحنفية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب في الآفاق، أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي الرازي، وسمع من أبي بكر الشافعي.
قال البرقاني: يقول سمعته يقول: ديننا دين العجائز، ولسنا من الكلام في شيء.
وقال القاضي الصَّيمري: ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي، من حسن الفتوى وحسن التدريس، دعي إلى القضاء مراراً فامتنع، وتوفي في جمادى الأولى.
وأبو رماد الرَّمادي، شاعر الأندلس، يوسف بن هارون القرطبي الأديب، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، وكان فقيراً معدماً، ومنهم من يلقبه بأبي حنيش.
(2/207)
________________________________________
سنة أربع وأربعمئة
فيها توفي أبو الفضل السليماني الحافظ، وهو أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري، محدّث تلك الديار، طوَّف وسمع الكثير، وحدّث عن عليّ بن إسحاق المادرائي والأصمّ وطبقتهما، وجمع وصنّف، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة.
وأبو الطيّب الصعلوكي، سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي، مفتي خراسان، روى عن الأصم وجماعة.
قال الحاكم: هو أنظر من رأينا، تخرّج به جماعة.
وأبو الفرج النَّهرواني، مقرئ بغداد، عبد الملك بن بكران، أخذ القراءات عن زيد بن أبي بلال، وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة، وسمع من أبي بكر النجّاد وجماعة، وصنّف في القراءات، وتصدّر مدّة يحيى بن عبد الرحمن بن واقد القاضي القرطبي الأرج فيسر المعسر.
سنة خمس وأربعمئة
فيها منع الحاكم بمصر، النساء من الخروج من بيوتهنّ أبداً، ومن دخول الحمامات، وأبطل صنعة الخفاف لهن، وقتل عدة نسوة خالفهن أمره، وغرّق جماعة عجائز.
(2/208)
________________________________________
وفيها توفي أبو الحسن العبقسي، أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكّي العطّار، مسند الحجاز في وقته، وله ثلاث وتسعون سنة، تفرَّد بالسماع من محمد بن إبراهيم الديبلي وغيره.
وأبو علي بن حكمان، الحسن بن الحسين الهمذاني، الفقيه الشافعي نزيل بغداد، روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وجعفر الخلدي، وطبقتهما، وعني بالحديث والفقه، ضعَّفه الأزهري وأبو الحسن.
والمجبِّر أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصَّلت البغدادي روى، عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وجماعة كثيرة، ضعّفه البرقاني وغيره، وتوفي في رجب، وله إحدى وتسعون سنة.
وبكر بن شاذان، أبو القاسم البغدادي الواعظ الزاهد. قرأ على زيد ابن أبي بلال الكوفي، وجماعة. وحدّث عن ابن قانع وجماعة.
قال الخطيب: كان عبداً صالحاً ثقةً. توفي في شوال. قلت: قرأ عليه جماعة.
وأبو محمد بن الأكفاني، قاضي القضاة، عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي، حدّث عن المحاملي وابن عقدة وخلق. قال أبو إسحاق إبراهيم ابن أحمد الطبري: من قال إن أحداً أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار فقد
(2/209)
________________________________________
كذب، غير أبي محمد بن الأكفاني.
قلت: ولي القضاء بالعراق، سنة ست وتسعين، وعاش تسعاً وثمانين سنة.
والإدريسي الحافظ، أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي، نزيل سمرقند ومحدثها ومؤرخها، سمع الأصمّ فمن بعد، وألّف الأبواب والشيوخ.
وأبو نصر بن نباتة عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة، أحد شعراء العصر ببغداد، ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، ومدح الملوك والوزراء، وله ديوان كبير. قال رئيس الرؤساء: ما شاهد ابن نباتة الشاعر، أشعر منه، وكان يعاب بكبر فيه.
وأبو القاسم عبد الواحد بن الحسين شيخ الشافعية بالبصرة وهو صاحب وجه في المذهب وعليه تفقه أقضى القضاة الماوردي ولا أعلم متى توفي.
وأبو بكر بن أبي الحديد، محدث دمشق، محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد السُّلمي الدمشقي المعدَّل. روى عن أبي الدَّحداح أحمد بن محمد، وأبي بكر الخرائطي، وطائفة. وكان ثقة نبيلاً جليل القدر، عاش ستّاً وتسعين سنة.
والحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبِّي الطهمان النيسابوري، الحافظ الكبير، ويعرف أيضاً بابن البيِّع، ولد
(2/210)
________________________________________
سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، واعتنى به أبوه، فسمّع في صغره، ثم هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، وحدّث عن الأصمّ، وعثمان بن السمك، وطبقتهما، وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيُّع وحطّ على معاوية. وهو ثقة حجة. توفي في صفر.
وابن كجّ، القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الدِّينوريّ، صاحب الإمام أبي الحسن بن القطّان. صنّف التصانيف، وكان بعض الفقهاء يفضله على أبي حامد الإسفراييني، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي، وكان أيضاً محتشماً جواداً ممدّحاً، وهو صاحب وجه. وقد قال له هه: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد والعلم لك، قال: ذاك رفعته بغداد، وحطتني الدِّينور، قتل ليلة السابع والعشرين من رمضان، رحمه الله تعالى.
سنة ست وأربعمئة
فيها توفي الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد، الفقيه، شيخ العراق، وإمام الشافعية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب. قدم بغداد صبياً، وتفقه على ابن المرزبان، وأبي القاسم الداركي، وصنّف التصانيف، وطبّق الأرض بالأصحاب، وتعليقته في نحو خمسين مجلداً، وكان يحضر درسه سبعمئة فقيه. توفي في شوال، وله اثنتان وستون سنة. وقد حدّث عن أبي أحمد بن عديّ وجماعة.
والملك باديس بن المنصور بن بلَّكين بن زيري الصِّنهاجي المغربي،
(2/211)
________________________________________
متولّي أفريقية، نصير الدولة، واي للحاكم، وعاش بضعاً وثلاثين سنة، وكان ملكاً حازماً شديد البأس، إذا هزّ رمحاً كسره، ومات فجأة، وقام بعده، ولده المعزّ.
وأبو علي الدقّاق، الحسن بن علي النيسابوري، الزاهد العارف شيخ الصوفية، توفي في ذي الحجة. وقد روى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره.
وأبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسّر، صنّف في علوم القرآن والآداب، وله كتاب " عقلاء المجانين " سمع من الأصم وجماعة.
وتوفي في ذي الحجة.
وأبو يعلى المهلَّبي، حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابوري الطبيب، روى عن محمد بن أحمد بن ددويه، صاحب البخاري، وأبي حامد ابن بلال، وجماعة. وتفرّد بالسماع من غير واحد، توفي يوم النَّحر عن سنّ عالية.
وأبو أحمد الفرضي عبيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقرئ، شيخ بغداد. قرأ على أحمد بن بويان، وسمع من يوسف بن البهلول الأزرق، والمحاملي. قال الخطيب: كان ثقة ديّنا ورعاً. وقال العتيقي: ما رأينا في معناه مثله. وقال الأزهري: إمام من الأئمة.
قلت: عاش اثنتين وثمانين سنة.
وأبو الهيثم عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم التميمي
(2/212)
________________________________________
النيسابوري، شيخ الحنفية بخراسان، كان عديم النظير في الفقه والفتوى. نفقه على أبي الحسين قاضي الحرمين، وأبي العباس التبان، وسمع لما حجّ من أبي بكر الشافعي، وجماعة. وولي قضاء نيسابور تسع سنين روى عنه ابن خلف.
وابن فورك، الإمام المتكلم، أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم، صاحب التصانيف في الأصول والعلم. روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس، وتصدّر للإفادة بنيسابور، وكان ذا زهد وعبادة، وتوسّع في الأدب والكلام والوعظ والنحو.
والشريف الرَّضي، نقيب العلويين، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، الشاعر المفلق، الذي يقال إنه أشعر قريش، ولد تسع وخمسين وثلاثمئة، وابتدأ بنظم الشعر، وله تسع سنين، وكان مفرط الذكاء، له ديوان في أربعة مجلدات، وقيل إنه أحضر في مجلس أبي سعيد السِّيرافي. فسأله ما علامة النصب في عمر، فقال: بغض عليّ، فعجبوا من حدة ذهنه، ومات أبوه في سنة أربعمئة، أو بعدها، وقد نيَّف على التسعين، وأما أخوه الشريف المرتضي فتأخر.
سنة سبع وأربعمئة
فيها سقطت القبة العظيمة التي على صخرة بيت المقدس.
وفيها هاجت فتنة مهولة بواسط، بين الشَّيعة والسنّة. ونهبت دور الشيعة، وأحرقت، وهربوا وقصدوا علي بن مزيد، واستنصروا به.
(2/213)
________________________________________
وفيها توفي أبو بكر الشيرازي، أحمد بن عبد الرحمن الحافظ، مصنّف كتاب " الألقاب " كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطَّبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة: مات في شوال.
وعبد الملك بن أبي عثمان، أبو سعيد النيسابوري، الواعظ القدوة، المعروف بالخركوشي، صنّف كتاب " الزهد " وكتاب " دلائل النبوة " وغير ذلك. قال الحاكم: لم أرَ أجمع منه علماً وتواضعاً، وإرشاداً إلى الله، زاده الله توفيقاً، وأسعدنا بأيامه. روى عن حامد الرفّا وطبقته، وتوفي في جمادى الأولى.
ومحمد بن أحمد بن شاكر القطّان، أبو عبد الله البصري، مؤلف " فضائل الشافعي " في المحرم، روى عن عبد الله بن جعفر بن الورد، وطائفة.
وأبو الحسين المحاملي، محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبِّي البغدادي، الفقيه الشافعي الفرضي شيخ سليم الرازي. روى عن إسماعيل الصفّار، وطائفة.
والوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي، الذي صنف " الفخري " في الجبر والمقابلة باسمه، وكان جواداً ممدّحاً كبير القدر، كامل السؤدد، قتله مخدومه سلطان الدولة صاحب العراق ظلماً، وله ثلاث وخمسون سنة. وقد كانت بغداد انغمرت بعدله وحسن سياسته، وكان أبوه صيرفيّاً بواسط.
(2/214)
________________________________________
سنة ثمان وأربعمئة
فيها وقعت فتنة عظيمة، بين السنّة والشيعة وتفاقمت، وقتل طائفة من الفريقين، وعجز صاحب الشرطة عنهم وقاتلوه، فأطلق النيران في سوق نهر الدجاج.
وفيها استتاب القادر بالله - وكان صاحب ستة - طائفة من المعتزلة والرافضة، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين، يأمره ببثّ السنة بخراسان، ففعل ذلك وبالغ، وقتل جماعة، ونفى خلقاً كثيراً من المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والجهمية والمشبّهة، وأمر بلعنهم على المنبر.
وفيها قتل الدُّرزي وقطِّع، لكونه ادعى ربوبية الحاكم.
وفيها توفي ابن ثرثال، أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التميمي البغدادي، في ذي القعدة بمصر، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن المحاملي، ومحمد بن مخلد. وله جزء واحد، رواه عنه الصوري والحبّال.
وابن البيِّع، أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي المؤدِّب، صاحب المحاملي. وثّقه الخطيب، ومات في رجب.
واليزدي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني، محدِّث أصبهان. روى عن محمد بن الحسين القطان، والأصم، وطبقتهما. وتوفي في رجب.
(2/215)
________________________________________
وأبو الفضل الخزاعي، محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني المقرئ، مصنف كتاب " الواضح " وكان كثير التطواف في طلب القراءات، أخذ عن الحسن بن سعيد المطوِّعي وطبقته، وكان غير صادق، ولا ثقة.
وأبو عمر البسطامي، محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم، الفقيه الشافعي، قاضي نيسابور، وشيخ الشافعية بها، رحل وسمع الكثير، ودرّس المذهب، وأملى عن الطَّبراني وطبقته، توفي في ذي القعدة.
سنة تسع وأربعمئة
فيها توفي أبو الحسين بن المتيم، أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي الواعظ، في جمادى الآخرة. له جزء شهور. روى عن المحاملي وجماعة.
وابن الصَّلت الأهوازي، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت، ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمئة، وسمع من المحاملي وابن عقدة، وجماعة. وهو ثقة.
وعبد الله بن يوسف بن مامويه، الشيخ أبو محمد، المعروف بالأصبهاني، وإنما هو أردستاني، نزل نيسابور، وكان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين الرحّالة، روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن الحسين القطّان، وجماعة. توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.
وعبد الغني بن سعيد بن علي، الحافظ الكبير النسابة، أبو محمد
(2/216)
________________________________________
الأزدي المصري، صاحب التصانيف، في سابع صفر، وله سبع وسبعون سنة.
روى عن عثمان بن محمد السمرقندي، وإسماعيل بن الجراب، وطبقتهما. ورحل إل الشام، فسمع من الميانجي وطبقته. وكان الدَّراقطني يفخم أمره، ويرفع ذكره، ويقول: كأنه شعلة نار.
وقال منصور الطوسي: خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا، فقال: تبكون وعندكم عبد الغني وفيه الخلف. وقال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني، أحفظ من عبد الغني.
والقاسم بن أبي المنذر الخطيب، أبو طلحة القزويني. راوي سنن ابن ماجة، عن أبي الحسن القطان، عنه. توفي في هذا العام، أو في الذي بعده.
سنة عشرة وأربعمئة
فيها افتتح ابن سبكتكين الهند، وقهر عبّاد البد، وأسلم نحو من عشرين ألفاً، وقتل من الكفار نحو خمسين ألفاً، وهدم مدينة الأصنام.
وبلغ الخمس من الرقيق فقط ثلاثة وخمسين ألفاً، واستولى على عدّة قلاع وحصون، ومما حصل من الورق، عشرون ألف ألف درهم، إلى أمثال ذلك.
وكان جيشه ثلاثين ألف فارس، سوى الرجّالة والمطوِّعة.
وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصنيف، لست بقين
(2/217)
________________________________________
من رمضان، وقد قارب التسعين، سمع بأصبهان والعراق. وروى عن أبي سهل ابن زياد القطّان، وطبقته.
وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، أبو القاسم الشيباني الدمشقي المؤدب، في رجب، روى عن خيثمة وطبقته، واتهموه في لقي أبي إسحاق ابن أبي ثابت، ويذكر عنه الاعتزال.
وابن بالويه المزكَّي، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه النيسابوري، آخر من روى عن محمد بن الحسين القطّان. وكان ثقة نبيلاً وجيهاً، توفي فجأة في شعبان، وكان يملي في داره.
وابن بابك الشاعر المشهور، واسمه عبد الصمد بن منصور بن بابك ديوانه في ثلاث مجلدات. وقد قال له الصاحب إسماعيل بن عبَّاد: أنت ابن بابك؟ فقال له: ابن بابك. فأعجبه قوله كثيراً.
وابو عمر بن مهدي، عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزاز، آخر أصحاب المحاملي، وابن مخلد، وابن عقدة. قال الخطيب: ثقة. توفي في رجب، وله اثنتان وتسعون سنة.
والقاضي أبو منصور محمد بن محمد بن عبد الله الأزدي الهروي، شيخ الشافعية بهراة، ومسند البلد، رحل وسمع ببغداد من أحمد بنىعثمان الأدمي، وبالكوفة من ابن دحيم وطائفة، توفي فجأة في المحرم.
وأبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، الفقيه الشافعي، عالم نيسابور ومسندها. ولد سنة سبع عشرة وثلاثمئة، وسمع سنة خمس
(2/218)
________________________________________
وعشرين، من أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطّان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وخلق. وأملى ودرَّس، وكان قانعاً متعففاً، له مصنف في علم الشروط، توفي في شعبان، وقد روى عنه الحاكم مع تقدُّمه.
وهبة الله بن سلامة، أبو القاسم البغدادي المفسر، مؤلف كتاب " الناسخ والمنسوخ "، وهو جدّ رزق الله التميمي لأمه، كان من أحفظ الأئمة للتفسير، وكان ضريراً، له حلقة بجامع المنصور.
سنة إحدى عشرة وأربعمئة
فيها كان الغلاء المفرط بالعراق، حتى أكلوا الكلاب والحمر.
وفيها أبو نصر النرسي، أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي، الصدوق العبد الصالح. روى عن ابن البختري، وعلي بن إدريس الستوري.
والحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن عبد العزيز بن نزار بن المعزّ العبيدي، صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب، فقد في شوال، وله ست وثلاثون سنة، جهزت أخته ست الملك، عليه من قتله، وكان شيطاناً مريداً، خبيث النفس، متلوَّن الاعتقاد، سمحاً جواداً، سفاكاً للدماء، قتل خلقاً كثيراً من كبراء دولته صبراً، وأمر بشتم الصحابة، وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب، حتى لم يبق بمملكته منها إلا القليل، وأبطل الفقَّاع والملوخيّة، والسمك الذي لا فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سرً فقتلهم، ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئاً عظيماً فأحرقه، وأباد أكثر
(2/219)
________________________________________
الكروم، وشدّد في الخمر، وألزم أهل الذمّة بحمل الصُّلبان والقرامي في أعناقهم كما تقدم، وأمرهم بلبس العمائم السود، وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه، وأمر بالسلام فقط، وبعث إليه باديس عامله على المغرب، ينكر عليه، فأخذ في استمالته، وحمل في كمّه الدفاتر، ولزم التفقُّه، وأمر الفقهاء ببثّ مذهب مالك، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم ذبهما صبراً، ثم نفى المنجمين من بلاده، وحرَّم على النساء الخروج، فما زلن ممنوعات، سبع سنين وسبعة أشهر، حتى قتل ثم تزهَد وتألَّه ولبس الصوف، وبقي يركب حماراً، ويمرُّ وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه، ويقال إنه أراد أن يدّعي الإلهية كفرعون، وشرع في ذلك، فخوّفه خواص دولته، من زوال دولته فانتهى، وكان المسلمون والذمَّة في ويل وبلاء شديد معه، حتى إنه أوحش أخنه بمراسلات قبيحة، وأنها تزني بطليب بن دوّاس القائد، وكان خائفاً من الحاكم، فاتفقت معه على قتل الحاكم وسيرته طويلة عجيبة.
وأقامت أخته بعده، ولده الظاهر علي بن منصور، وقتلت ابن دواس وسائر من اطلع على سرّها، وأعدمت جيفة الحاكم، ولم يجدوا إلاَّ جبّته الصوف بالدماء، وضربات السكاكين، وحماره معرقباً.
والقاضي أبو القاسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي، قاضي ميافارقين، ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة، وكان صدوقاً، علامة بالفرائض، روى عن ابن البختري، وإسماعيل الصفار، وجماعة.
وأبو القاسم الخزاعي، عليّ بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم بن كليب الشاشي عنه، وقد روى عنه جماعة كثيرة، وحدَّث ببلخ وبخارى وسمرقند، ومات في صفر، ببخارى، عن بضع وثمانين سنة.
(2/220)
________________________________________
سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
توفي أبو سعد الماليني، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ. قال الخطيب: كان ثقة متقناً صالحاً. وقال غيره: سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، وحدَّث عن أبي أحمد بن عدي وإسماعيل بن محمد، وطبقتهما. وكتب الكتب الطوال، وأكثر التطواف، إلى أن مات. توفي بمصر في سابع عشر شوال.
والحسين بن عمر بن برهان الغزال، أبو عبد الله بن أبي الجرّاح المرزباني المروزي، راوي جامع التِّرمذي عن المحبوبي، سكن هراة، وروى بها الكتاب، قال أبو سعد السمعاني: وهو ثقة صالح، توفي - إن شاء الله - سنة اثنتي عشرة.
غنجار الحافظ، صاحب تاريخ بخارى، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل، أبو عبد الله البخاري، روى عن خلف الخيام وطبقته.
وابن رزقويه الحافظ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزق البغدادي البزار. روى عن ابن البختري، ومحمد بن يحيى الطائي، وطبقتهما.
قال الخطيب: كان كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد مديماً للتلاوة،
(2/221)
________________________________________
أملى بجامع المدينة مدة سنين وكفّ بصره بأخرة، ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمئة. وقال الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال، فردّه تورعاً.
وأبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي الحافظ المصنف، في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة.
سمع من جعفر الخلدي وطبقته، قال الخطيب: كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة، مشهوراً بالصلاح، والانتخاب على المشايخ، وكان يملي في جامع الرُّصافة.
وأبو عبد الرحمن السُّلميّ، محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ، شيخ الصوفية. صحب جدّه: أبا عمرو بن نجيد، وسمع الأصم وطبقته، وصنّف التفسير والتاريخ وغير ذلك، وبلغت تصانيفه مئة.
قال محمد بن يوسف النيسابوري القطّان: كان يضع للصوفية. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك، مجردا صاحب حديث، وله بنيسابور دويرة للصوفية، توفي في شعبان.
وصريع الدِّلاء، قتيل الغواشي واسمه محمد بن عبد الواحد البصري، الشاعر الماجن، صاحب المقصورة المشهورة: قلقل أحشائي تباريح الجوى وقد أجاد في قوله فيها:
من فاته العلم وأخطأه الغنى ... فذاك والكلب على حدّ سوا
(2/222)
________________________________________
ومنير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخشاب، أبو العباس المصري المعدَّل، شيخ الخلعي. روى عن علي ابن عبد الله بن أبي مطر وجماعة. قال الحبّال: " كان ثقة لا يجوز عليه تدليس ". توفي في ذي القعدة.
سنة ثلاث عشرة وأربعمئة
فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين، فضرب الأسود بدبوس، فقتلوه في الحال. قال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي: قام فضرب الحجر ثلاث ضربات، وقال: إلى متى يعبد هذا الحجر، ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله، فإني اليوم أهدم أكثر هذا البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وكاد أن يفلت، وكان أحمر أشقر جسيماً طويلاً، وكان على باب المسجد، عشرة فوارس ينصرونه، فاحتسب رجل ورماه بخنجر، ثم تكاثروا عليه، فهلك وأحرق، وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته، واختبط الوفد، ومال الناس على ركب المصريين بالنهب، وتخشَّن وجه الحجر، وتساقط منه شظايا يسيرة، وتشقق، وظهر مكسّره أسمر يضرب إلى الصفرة، محبباً مثل حب الخشخاش معمر، فعجن بالمسك واللَّك الفتات، وحشيت الشقوق وطليت، فهو يبين لمن يتأمله.
وفيها توفي بشيراز، سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي، صاحب العراق وفارس، ولي السلطنة، وهو صبي بعد أبيه، وأرسل إليه القادر بالله، خلع الملك إلى شيراز، وقد قدم إلى بغداد في وسط مملكته، ورجع، وكانت دولته ضعيفة متماسكة، وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر.
(2/223)
________________________________________
وصدقة بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم بن الدلم القرشي الدمشقي، الثقة الأمين، محدث دمشق ومسندها. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي الطّيّب بن عبادل، وطائفة، ومات في جمادى الآخرة.
وأبو المطرِّف القنازعي، القيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي. ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة، وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته، وقرأ القراءات على جماعة، منهم: علي بن محمد الأنطاكي. ورحل، فأكثر عن الحسن بن رشيق، وعن أبي محمد بن أبي زيد، ورجع، فأقبل على الزهد والانقباض، ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف، فشرح الموطّأ، وصنّف كتاباً في الشروط، وكان أقرأ من بقي بالأندلس.
وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي، أبو القا سم الفارسي ثم البغدادي، المقرئ المحدّث، مسند أهل الأندلس في زمانه، ولد سنة عشرين وثلاثمئة، وسمع من إسماعيل الصفّار، وابن داسة وطبقتهما، وقرأ الروايات على أبي بكر النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وكان تاجراً، توفي في ربيع الأول، وقد أكثر عنه أبو عمرو الدَّاني.
وعلي بن هلال، أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المنسوب، كتب على محمد بن أسد، وأخذ العربية عن ابن جني، وكان في شبيبة مزوّقاً دهاناً في السقف، ثم صار يذهِّب الختم وغيرها، وبرع في ذلك، ثم عني بالكتابة، ففاق فيها الأوائل والأواخر، ووعظ وعبَّر الرؤيا، وقال النظم
(2/224)
________________________________________
والنثر، ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير، ولم يعرف الناس قدر خطّه إلا بعد موته، لأنه كتب ورقة إلى كبير، يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وقد بسط القول فيها، فلما كان بعد موته بمدة، بيعت تلك الورقة بسبعة عشر ديناراً. قال الخطيب: كان رجلاً ديّناً، لا أعلمه روى شيئاً. وقال ابن خيرون: كان من أهل السنّة، رحمه الله تعالى وتوفي في جمادى الأول.
والجارودي، أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، في شوال. روى عن حامد الرفّا، والطبراني وابن نجيد، وطبقتهما. وكان شيخ الإسلام، إذا روى نه قال، حدّثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل الجارودي.
وقال أبو النصر الفامي: كان عديم النظير في العلم، خصوصاً في علم الحفظ والتحديث، وفي التقلل من الدنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيداً في الورع، رحمه الله.
والشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً: بابن المعلِّم، عالم الشيعة وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طيّ في تاريخه - تاريخ الأمة - هو شيخ مشائخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة، مع الجلالة العظيمة، في الدولة البويهية. قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس. وقال غيره: كان عضد الدولة، ربما زار الشيخ المفيد. وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مئتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة والخوارج، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان رحمه الله.
(2/225)
________________________________________
سنة أربع عشرة وأربعمئة
فيها سار السلطان مشرِّف الدولة أبو علي بن السلطان بهاء الدولة، إلى بغداد، وتلقاه القادر بالله.
وفيها جاء كتاب محمود بن سبكتكين ملك المشرق، بأنه أوغل في بلاد الهند، فأتى لقلعة عظيمة فأخذها بالأمان، وضرب عليهم الخراج.
وفيها توفي أبو القاسم، تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي، الحافظ ابن الحافظ أبي الحسين، في ثالث المحرم، وله أربع وثمانون سنة، روى عن خيثمة، وأبي علي الحصائري وطبقتهما، قال الكناني: كان ثقة، لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين، وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه. وقال أبو بكر الحداد، ما رأينا مثل تمام، في الحفظ والخير.
والغضائري، أبو عبد الله الحسين بين الحسن بن محمد بن جليس المخزومي البغدادي، روى عن الصولي والصفار وجماعة. قال الخيطب: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلاً، مات في المحرم.
والحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي العدل. روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة، بدمشق ومصر.
(2/226)
________________________________________
وابن فتحويه، الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري أبو عبد الله، بنسابور، في ربيع الأخر، وكان ثقة مصنفاً، روى عن أبي بكر بن السني، عيسى بن حامد الرخجي، وطبقتهما، وحصل له حشمة ومال.
وابن جهضم، أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني، شيخ الصوفية بالحرم، ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف. روى عن أبي سلمة القطان، وأحمد بن عثمان الأدمي، وعلي بن أبي العقب وطبقتهم، وأكثر الناس عنه، وطال عمره. قال أبو الفضل ابن خيرون: قبل إنه كان يكذب، وقال غيره: اتهموه بوضع الحديث.
وابن ماشاذه، الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن ميلة الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد، روي عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، وأبي علي المصاحفي، وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة، وأملى عدة مجالس، قال أبو نعيم، وبه ختم كتاب الحلية: وختم التحقيق في طريقة الصوفية، بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة، وكان عارفاً بالله، فقيهاً عاملاً، له الحظ الجزيل من الأدب. وقال أبو نعيم أيضاً: كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على المشبهة من الصوفية وغيرهم، فساد مقالتهم في الحلو والإباحة والتشبيه.
وأبو عمر الهاشمي، القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي
(2/227)
________________________________________
البصري القاضي، من ولد الأمير جعفر بن سليمان. ولد اثنتين وعشرين وثلاثمئة، وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود، ومن أبي العباس الأثرم، وعلي ابن إسحاق المادرائي، وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة أميناً، ولي قضاء البصرة، ومات بها في ذي القعدة.
وأبو سعيد النقّاش، محمد بن علي عمرو بن مهدي الأصبهاني الحنبلي الحافظ، صاحب التصانيف، في رمضان. روى عن ابن فارس، وإبراهيم الهجيمي، وأبي بكر الشافعي وطبقتهم، وكان ثقة صالحاً.
وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفّار، ببغداد في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن ابن عيّش القطان، وابن البختري، وطائفة. قال الخطيب: صدوق كتبنا عنه.
والمزكِّي أبو زكريا بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، شيخ العدالة ببلده، وكان صالحاً زاهداً ورعاً، صاحب حديث كأبيه أبي إسحاق المزكِّي، روى عن الأصمّ وأقرانه، ولقي ببغداد النجّاد وطبقته.
وأملى عدة مجالس. ومات في ذي الحجة.
سنة خمس عشرة وأربعمئة
فيها توفي أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، أحمد بن محمد ابن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، تفقّه على والده أبي الحسين، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفرييني، ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة، من ابن أبي السريّ البكائي، ومات في ربيع الآخر، عن سبع وأربعينن سنة، وكان عديم
(2/228)
________________________________________
النظير في الذكاء والفطنة، صنّف عدة كتب. قال الشيخ أبو حامد: هو اليوم أحفظ مني: وأحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى أبو العباس الإشبيلي المعدَّل بمصر، في صفر، سمع عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا الفوارس بن الصابوني، وطبقتهما بمصر والشام، انتقى عليه أبو نصر السجزيّ.
والقاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاسد آبادي المعتزلي، صاحب التصانيف، عمَّر دهراً في غير السنَّة. وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطّان، والجلاب، وعبد الله بن جعفر بن فارس.
والعيسوي، أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي، قاضي مدينة المنصور، مات في رجب، وحدّث عن أبي جعفر بن البختري وطائفة.
وأبو الحسين بن بشران، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدّل، سمع ابن البختري وطبقته. قال الخطيب: كان صدوقاً ثبتاً تامّ المروءة ظاهر الديانة، ولد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة، وتوفي في شعبان، كتبنا عنه.
وأبو الحسين القطان، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطّان الأزرق البغدادي الثقة، ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة، توفي في رمضان.
روى عن إسماعيل الصفّار، ومحمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب وطبقتهما، وكان مكثراً.
(2/229)
________________________________________
ومحد بن سفيان أبو عبد الله القيرواني، صاحب كتاب " الهادي " في القراءات. تفقه على أبي الحسن القابسي، ورحل فأخذ القراءات عن أبي الطيّب بن غلبون وغيره. قال أبو عمرو الداني: كان ذا فهمٍ وحفظ وعفاف.
سنة ست عشرة وأربعمئة
فيها انتشر العيّارون ببغداد، وخرقوا الهيبة، وواصلوا العملات والقتل.
وفيها مات السلطان مشرّف الدولة، ونهبت خزائنه، وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر، ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة، وهو يومئذ بالبصرة، فخلع على وزيره، علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا.
ثم إن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار، ونوهوا باسمه، وكان وليّ عهد أبيه، سلطان الدولة، فخطب لهذا ببغداد، واختبط الناس، وأخذت العيارون الناس نهاراً جهاراً، وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل، ويكبسون البين، ويأخذون صاحبه يعذبونه، إلى أن يقرّ لهم بذخائره، وأحرقوا دار الشريف المرتضي. ولم يخرج ركبٌ من بغداد.
وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب، أبو الخير، القاضي المصري، حدّث عن أبيه، وعثمان بن السمرقندي وطائفة.
وأبو محمد بن النحاس، عبد الرحمن بن عمر المصري البزار، في عاشر صفر، وكان مسند الديار المصرية ومحدّثها، عاش بضعاً وتسعين سنة،
(2/230)
________________________________________
وسمع بمكة من ابن الأعرابي، وبمصر من أبي الطاهر المديني، وعلي بن عبد الله بن أبي مطر، وطبقتهما. وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة.
وأبو الحسن التِّهامي، علي بن محمد الشاعر، له ديوان مشهور، دخل مصر بكتب من حسّان بن مفرج، فظفروا به وقتلوه سراً، في جمادى الأولى.
وأبو بكر القطّان، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الطائي الدارني، المعروف أيضاً: بابن الخلاّل. صالح ثقة. روى عن خيثمة وجماعة كثيرة.
وأبو عبد الله بن الحذّاء القرطبي، محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدّث، عاش ثمانين سنة. وروى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن ثابت، وطبقتهما، وحجّ، فأخذ عن أبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر المهندس، وطبقتهما. وتفقه على أبي محمد الأصيلي، وألف في تعبير الرؤيا كتاب " البشرى " في عشرة أسفار، وولي قضاء إشبيلية وغيرها.
ومشرِّف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة الدَّيلمي، ولي مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء، عاش ثلاثاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان مدة ملكه خمسة أعوام، وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه، ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار.
(2/231)
________________________________________
سنة سبع عشرة وأربعمئة
فيها قدمت الاسفهسلارية بغداد، فراسلوا العيّارين بالكف عن الناس، فلم يفكروا فيهم، وخرجوا إلى خيمهم وسبوهم، وتحاربوا واستعرت الفتنة، ولبسوا السلاح، ودقّت الدبادب، وحمي الطويس، ثم هجمت الجند على الكرخ فنهبوه، وأحرقوا الأسواق، ووقعت الرعاع والدعّار في النهب، وأشرف الناس على التلف فقام المرتضي وطلع إلى الخليفة واجتمع به، فخلع عليه، ثم ضبطت محال بغداد، لكن شرعوا في المصادرات.
وفيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي.
قال الخطيب: كان رئيساً نزهاً عفيفاً، سمع من عبد الباقي بن قانع، ولم يحدّث، وعاش ثمانياً وثمانين سنة. وقد ولي القضاء أربعة وعشرون نفساً، من أولاد محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب. منهم ثمانية ولّوا قضاء القضاة، هذا آخرهم.
وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب، نزيل الأندلس. صنّف الكتب، وروى عن القطيعي وطائفة. قال ابن بشكوال: كان يتَّهم بالكذب.
وأبو بكر القفّال المروزي، عبد الله بن أحمد، شيخ الشافعية بخراسان، حذق في صنعته، حتى عمل قفلاً ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة، أحسّ من نفسه ذكاء، وحبّب إليه الفقه، فبرع فيه، وصار إلى ما صار، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه، عاش تسعين
(2/232)
________________________________________
سنة، ومات في جمادى الأولى. قال ناصر العمري: لم يكن في زمانه أفقه منه، ولا يكون بعده مثله. كنّا نقول: إنه ملك في صورة آدمي.
وأبو محمد عبد الله بن يحيى السكري البغدادي، صدوق مشهور روى عن إسماعيل الصفّار وجماعة، توفي في صفر.
وأبو الحسن الحمامي، مقرئ العراق، علي بن أحمد بن عمر البغدادي. قرأ القراءات على النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وبكّار، وزيد بن أبي بلال وطائفة، وبرع فيها. وسمع من عثمان بن السماك وطبقته.
وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن، وعاش تسعاً وثمانين سنة، توفي في شعبان.
وأبو حازم العبدوي الجاولي، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه الهذلي المسعودي النيسابوري الأعرج، يوم عيد الفطر.
روى عن إسماعيل بن نجيد وطبقته. قال الخطيب: كان ثقة صادقاً حافظاً عارفاً ويقال إنه كتب عن عشرة أنفس، عشرة آلاف جزء.
وأبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن عثمان العكبري البزاز.
روى عن محمد بن يحيى الطائي وجماعة، وعاش سبعاً وتسعين سنة. ووثقه الخطيب.
وأبو نصر بن الجندي، محمد بن أحمد بن هارون الغسّاني الدمشقي،
(2/233)
________________________________________
إمام الجامع، ونائب الحكم، ومحدّث البلد. روى عن خيثمة، وعلي بن أبي العقب. وجماعة. قال الكتّاني: كان ثقة مأنوناً، توفي في صفر.
سنة ثماني عشرة وأربعمئة
فيها اجتمعت الحاشية ببغداد، وصمموا على الخليفة، حتى عزل أبا كاليجار، وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر.
وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين، بما فتحه من بلاد الهند، وكسره صنم سومنات، وأنهم فتنوا به، وكانوا يأتون إليه من كل فج عميق، يقرّبون له القرابين، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانة الصنم بالأموال، وله ألف نفس يخدمونه، وثلاثمئة يحلقون رؤوس حجابه. وثلاثمئة رجل وخمسمئة امرأة يغنون، فاستخار العبد الله في الانتداب له، ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمئة، في ثلاثين ألف فارس، سوى المطوِّعة، ووصلنا بلد الصنم، وملكنا البلد، وأوقدت النيران على الصنم، حتى تقطع، وقتلنا خمسين ألفاً من أهل البلد.
وفيها قدم جلال الدولة ببغداد، وتلقّاه الخليفة، ونزل بدار السلطنة. ولم يسر من بغداد ركبٌ.
وفيها توفي أبو إسحاق الاسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي المتكلم الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف. روى عن دعلج وطبقته، وأملى مجالس، وكان شيخ خراسان في زمانه. توفي يوم عاشوراء، وقد نيَّف على الثمانين.
(2/234)
________________________________________
وأبو القاسم بن المغربي الوزير، واسمه حسين بن علي الشِّيعي، لمّا قتل الحاكم بمصر، أباه وعمه وأخوته، هرب هو وقصد حسّان بن مفرَّج الطائي ومدحه، فأكرم مورده، ثم وزر لصاحب ميافارقين: أحمد بن مروان الكردي. وله شعر رائق، وعدّة تواليف، عاش ثمانياً وأربعين سنة، وكان من أدهى البشر وأذكاهم.
وأبو القاسم السراج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه. روى عن الأصم وجماعة، وكان من جلَّة العلماء توفي في صفر.
وعبد الوهاب بن الميداني، محدّث دمشق، وهو أبو الحسين بن جعفر بن علي. روى عن أبي علي بن هارون، واتهم في روايته عنه. وروى عن أبي عبد الله بن جروان وخلق. قال الكتّاني: ذكر أبو الحسين، أنه كتب بقنطار حبر، وكان فيه تساهل.
ومحمد بن زهير، أبو بكر النَّسائي، شيخ الشافعية بنسا، وخطيب البلد. روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطّان وطبقتهما.
ومحمد بن محمد بن أحمد الروزبهان، أبو الحسن البغدادي. روى عن علي السُّتوري، وابن السماك، وجماعة. وتوفي في رجب، قال الخطيب: صدوق.
ومعمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني الزاهد،
(2/235)
________________________________________
شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني، وأبي الشيخ. ومات في رمضان.
ومكِّي بن محمد بن الغمر، أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدِّب، مستملي القاضي الميّانجي، أكثر عنه وعن أحمد بن البراثي، وهذه الطبقة.
ورحل إلى بغداد، فلقي القطيعي، وكان ثقة.
وأبو القاسم اللالكائي، هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ، الفقيه الشافعي. تفقّه على الشيخ أبي حامد، وسمع من المخلص وطبقته، وأكثر من جعفر بن فنَّاكي. قال الخطيب: كان يحفظ ويغهم، صنّف كتاباً في السنة، وكتاب رجال الصحيحين، وكتاباً في السُّنن. ثم خرج في آخر أيامه إلى الدِّينور، فمات بها في رمضان كهلاً رحمه الله.
سنة تسع عشرة وأربعمئة
كان جلال الدَّولة السلطان ببغداد، فتخالفت عليه الأمراء وكرهوه، لتوفره على اللعب، وطالبوه، فأخرج لهم من المصاغ والفضيات، ما قيمته أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، ونهبوا دار الوزير، وسقطت الهيبة، ودبّ النهب في الرعيّة، وحصروا الملك، فقال: مكنوني من الانحدار، فأجابوه، ثم وقعت صيحة، فوثب وبيده طبرٌ، وصاح فيهم، فلانوا له، وقبّلوا الأرض، وقالوا: اثبت، فأنت السلطان، ونادوا بشعاره، فأخرج لهم متاعاً كثيراً، فبيع، فلم تف بمقصودهم، ولم يحجّ ركبٌ من بغداد.
وفيها توفي ابن العالي، أبو الحسين أحمد بن محمد بن منصور
(2/236)
________________________________________
البوشنجي خطيب بوشنج. روى عن محمد بن أحمد بن ديسم، وأبي أحمد بن عديّ، وطبقتهم. بهراة وجرجان ونيسابور. توفي في رمضان.
وعبد المحسن بن محمد الصُّوري، شاع محسن، يدرج القول، وله:
بالذي ألهم تعذ ... يبي ثناياك العذابا
ما الذي قالته عي ... ناك لقبي فأجابا
وعلي بن أحمد بن محمد بن داود الرزّاز، أبو الحسن البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن السمّاك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مغنم، قال الخطيب: كان كثير السماع والشيوخ، وإلى الصدق ما هو.
والذكواني، أبو بكر محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدّل، المحدّث الصدَّوق، عاش ستاً وثمانين سنة، ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والريّ والنواحي. وروى عن أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد القاضي العسال، وفاروق الخطّاب وطبقتهم، وله معجم، توفي في شعبان.
وأبو عبد الله بن الفخار، محمد عمر بن يوسف القرطبي الحافظ،
(2/237)
________________________________________
شيخ المالكية، وعالم أهل الأندلس. روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة، وكان زاهداً عابداً ورعاً متألهاً، عارفاً بمذاهب العلماء، واسع الدائرة، حافظاً للمدوَّنة عن ظهر قلب، والنوادر لابن أبي زيد، مجاب الدعوة. قال القاضي عياض: كان أحفظ الناس، وأحضرهم علماً، وأسرعهم جواباً، وأوقفهم على اختلاف العلماء، وترجيح المذاهب، حافظاً للأثر، مائلاً إلى الحجة والنظر.
قلت: عاش ستاً وسبعين سنة.
وابو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز، ببغداد، في ربيع الأول، وله تسعون سنةً. وهو آخر من حدَّث عن الصّفار، وابن البختري، وعمر الأشناني. قال الخطيب: كان صدوقاً، جميل الطريقة، له أنسة بالعلم والفقه، على مذهب أبي حنيفة.
سنة عشرين وأربعمئة
فيها وقع برد عظام إلى الغاية، في الواحدة أرطال بالبغدادي، حتى قيل: إن بردةً وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع، وذلك بالنعمانيَّة من العراق، وهبّت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل.
وفيها جمع القادر بالله كتاباً فيه وعظ، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصّة ما تمّ لعبد العزيز صاحب الحيرة مع بشر المريسي، والردّ على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك.
وجمع له العلماء والأعيان ببغداد، فقرئ على الخلق ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا، وهو مأوى الرافضة، من أقام الخطبة على السنّة، فخطب وقصرّ
(2/238)
________________________________________
عما كانوا يفعلونه في ذكر عليّ رضي الله عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل وحماه جماعة، حتى أسرع بالصلاة، فتألَّم القادر بالله، وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى، شيخ الرافضة، وكاتب السلطان ووزيره ابن ماكولا، يستجيش على الشيعة، ويتضوّر من ذلك، وإذا بلغ الأمير - أطال الله بقاه - إلى الجرأة على الدين، وعدم سياسة المملكة من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بهما توجبه الحميَّة، وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا، الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرّأ الله منه، فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيباً كان فيه، يقول مالا يخرج به عن الزندقة، فإنه كان يقول، بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشريّ الآلهيّ، مكلم أهل الكهف. فأنفذ الخطيب ابن تمام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجرّ المطر، فكسر أنفه، وخلع كتفه، ودمى وجهه، وأسيط بدمه، لولا أربعة من الأتراك حموه، وإلاّ كان هلك، والضرورة ماسّة إلى الانتقام.
ونزل ثلاثون بالمشاعل، على دار ذلك الخطيب، فنهبوا الدار، وعرّوا الحريم، فخاف أولوا الأمر من فتنة تكثر، فلم يخطب أحد ببراثا، وكثرت العملات والكبسات، وفتحت الحوانيت جهاراً، وعمّ البلاء إلى آخر السنة، حتى صلب جماعة.
وفيها قدم المصريون مع أنوشتكين البربري، فالتقاهم صالح بن مرداس على نهر الأردنّ، فقتل صالح وابنه، وحمل رأساهما إلى مصر، فقام نصر ولد صالح، وتملك حلب بعد أبيه.
وفيها توفي أبو بكر المنقَّى، أحمد بن طلحة البغدادي، في ذي
(2/239)
________________________________________
الحجة، وكان ثقة، يروي عن النجّاد، وعبد الصمد الطَّستي.
وابو الحسن بن الباذا، أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، في ذي الحجة. روى عن أبي سهل بن زياد، وابن قانع، وطائفة. قال الخيب: كان ثقة من أهل القرآن والأدب، والفقه على مذهب مالك.
والأمير صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي، كان م أمراء العرب، فقصد حلب، وبها نائب الظاهر، صاحب مصر، فانتزعها منه، وتملكها ثلاثة أعوام، ثم حارب جيش الظاهر فقتل.
وعبد الجبار بن أحمد أبو القاسم الطرطوسي، شيخ اٌلإقراء بالديار المصرية، وأستاذ مصنف " العنوان " قرأ على أبي أحمد السامري، وجماعة. وألّف كتاب " المجتبى " في القراءات. توفي في ربيع الآخر.
وعبد الرحمن بن أبي نصر، عثمان بن القاسم بن معروف أبو محمد التميمي الدمشقي، رئيس البلد، ويعرف بالشيخ العفيف. روى عن إبراهيم بن أبي ثابت، وخيثمة وطبقتهما، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة. قال أبو الوليد الدربندي كان خيراً من ألف مثله، إسناداً وإتقاناً وزهداً، مع تقدمه. وقال رشا بن نظيف: شاهدت سادات، فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر، كان قرة عين. وقال عبد العزيز الكتّاني: توفي في جمادى الآخرة فلم أر أعظم من جنازته، حضرها جميع أهل البلد، حتى اليهود والنصارى، وكان عدلاً مأموناً ثقة، لم ألق شيخاً مثله، زهداً وورعاً وعبادة ورياسة، رحمه الله.
(2/240)
________________________________________
وابن العجوز، الفقيه عبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي. قال القاضي عياض: كان من كبار قومه، وإليه كانت الرحلة بالمغرب، وعليه دارت الفتوى، وفي عقبه أئمة نجباء، أخذ عن ابن أبي زيد، وأبي محمد الأصيلي وغيرهما.
وعلي بن عيسى الربعي، أبو الحسن البغدادي، شيخ النحو ببغداد، أخذ عن أبي سعيد السِّيرافي، وأبي علي الفارسي، وصنّف " شرح الإيضاح "، لأبي علي، و " شرح مختصر الجرمي " ونيّف على التسعين، وقيل: إن أبا عليّ قال: قولوا لعلي البغدادي، لو سرتّ من الشرق إلى الغرب، لم تجد أحداً أنحا منك، وكان قد لازمه بضع عشرة سنة.
وأبو نصر العكبري، محمد بن أحمد بن الحسين البقّال، والد أبي منصور محمد بن محمد. روى عن أبي علي بن الصوّاف وجماعة، وهو ثقة.
وأبو بكر الرباطي، محمد بن عبد الله بن أحمد. روى عن أبي أحمد العسّال، والجعابي وطائفة، وأملى مجالس، توفي في شعبان.
والمسبِّحي، الأمير المختار، عزّ الملك، محمد بن عبد الله ابن أحمد الحرّاني، الأديب العلامة، صاحب التواليف، وكان رافضياً جاهلاً، له كتاب " القضايا الصائبة " في التنجيم، في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وكتاب " التلويح والتصريح " في الشعر، ثلاث مجلدات وكتاب " تاريخ
(2/241)
________________________________________
مصر "، وكتاب " أنواع الجماع " في أربع مجلدات. وعاش أربعاً وخمسين سنة.
سنة إحدى وعشرين وأربعمئة
فيها أقيم مأتم عاشوراء، بالنوح والحداد، فثارت العامّة، ووقع القتال بين الفريقين، حتى قتل جماعة، وأخربت عدّة دكاكين.
وفيها قدم الملك جلال الدَّولة، إلى الأهواز، فنهبتها الأتراك، وبدّعوا، وأحرقت عدة أماكن، وذهبت أموال لا توصف، فيقال: زاد الذي أخذ منها، على خمسة آلاف ألف دينار.
وفيها غزا مطلوب الكردي بلاد الخزر، فقتل وسبى وغنم، فثارت الخزر وكسروه، واستنقذوا الغنيمة، وقتلوا من العسكر والمطوِّعة فوق العشرة آلاف، وكانت الروم قد أقبلت في ثلاثمائة ألف، على قصد الشام، فأشرف على معسكرهم، سريّة من العرب، نحو مائة فارس، وألف راجل، فظنّ ملكهم أنها كبسة، فتخفّى ولبس خفّاً أسود وهرب، فوقعت الخبطة فيهم، واستحكمت الهزيمة، فطمع أولئك العرب فيهم، ووضعوا السيف، حتى قتلوا مقتلة عظيمة، وغنموا خزائن الملك، واستغنوا بها.
وأمّا بغداد، فكاد يستولي عليها الخراب، لضعف الهيبة، وتتابع السنين الخدَّاعة، فاجتمع الهاشميون في شوال، بجامع المنصور، ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، فاجتمع إليهم الفقهاء، وخلق من الإمامية والرافضة، وضجُّوا بأن يعفوا من الترك، فعمدت الترك - قبّحهم الله - ورفعوا صليباً على رمح، وترامى الفريقان بالنشاب والآجرّ، وقتل طائفة، ثم تحاجزوا، وكثرت العملات والكبسات من البرجمي ورجاله، وأخذ المخازن الكبار
(2/242)
________________________________________
والدُّور، وتجدَّد دخول الأكراد اللصوص إلى بغداد، فأخذوا خيول الأتراك من الاصطبلات.
وفيها توفي الحيري، القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة، وكان رئيساً محتشماً، إماماً في الفقه، وانتهى إليه علوّ الإسناد، فروى عن أبي علي الميداني، والأصمّ، وطبقتهما. وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطّان. وبمكة عن الفاكهي، وبالكوفة وجرجان. وتفقّه على أبي الوليد الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في تاريخه مع تقدمه وآخر من حدّث عنه، الشِّيروي، وقد صمّ بآخرة، حتى بقي لا يسمع شيئاً، ووافق شيخه الأصم، صنّف في الأصول والحديث.
وأبو الحسن السَّلطي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي، في جمادى الأولى. روى عن الأصم وغيره.
وابن درّاج، أبو عمر أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد القسطلّي، الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم: لو لم يكن لنا من فحول الشعراء، إلا أحمد بن درّاج، لما تأخر عن شأو " حبيب " و " المتنبي "، وكان من كتّاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر. وقال
(2/243)
________________________________________
الثعالبي: كان بصقع الأندلس، كالمتنبي بصقع الشام.
قلت: له ديوان مشهور، وتوفي في جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة.
وإسماعيل بن ينال أبو إبراهيم المروزي المحبوبي، سمع جامع الترمذي من أستاذهم، محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدَّث عنه، توفي في صفر، عن سبع وثمانين سنة. قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالماً، أدركت نفراً من أصحابه.
والمعاذي، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري الأصم، سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى، ووقع لنا حديثه، من طريق شيخ الإسلام الأنصاري.
والجمال أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الأصبهاني، روى عن أبي محمد بن فارس وجماعة. ومات في ربيع الأول، له جزء معروف.
وأبو محمد البجّاني - بجّانة الأندلس - الحسين بن عبد الله ابن الحسين بن يعقوب المالكي، وله خمس وتسعون سنة، حمل عنه ابن عبد البر، وأبو العباس العذري والكبار. وكان أسند من بقي بالمغرب، في رواية " الواضحة " لعبد الملك بن حبيب، سمعها من سعيد بن فحلون، في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، عن يوسف المغامي، عن المؤلف.
وحمام بن أحمد القاضي ابو بكر القرطبي، قال ابن حزم: كان
(2/244)
________________________________________
واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطاً لما قيّده، أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرّج، وولي قضاء يابرة، توفي في رجب، وله أربع وستون سنةً.
وابو سعيد الصيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري، كان أبوه ينفق على الأصم، ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصم، وسمَّعه الكثير، وسمع أيضاً من جماعة، وكان ثقة، مات في ذي الحجة.
والسلطان محمود بن سبكتكين، سيف الدَّولة أبو القاسم ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور. كان أبو أمير الغزاة، الذين يغيرون من بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدّة قلاع، وافتتح ناحية بست وكان كرّامياً وأما محمود، فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل عام، فافتتح منه بلاداً واسعة، وكان على عزم وصدق في الجهاد. قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النيّة في إعلاء كلمة الله تعالى مظفّراً في غزواته، ما خلت سنة من سني ملكه، عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيّاً، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، يدعى عنده، قال وقد صنَّف في أيامه تواريخ، وحفظت حركاته وسكناته وأحواله، لحظةً لحظةً، رحمه الله، توفي في جمادى الأولى.
سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة
فيها تفاقم أمر العيّارين، وتعثّر أهل بغداد، وأقام التجار على المبيت في الأسواق، ثم نقبوا دار السلطنة، وأخذوا منها قماشاً.
وفيها عزم الصوفي، الملقب المذكور على الغزو، وكتب له السلطان
(2/245)
________________________________________
منشوراً، وأعطي منجوقاً، وقصد الجامع لقراءة المنشور، فمزقوا على رأسه المنجوق، وبين يديه الرجال بالسلاح، يترضَّون عن الشيخين، ويقولون: هذا يوم معاويّ، فحصبهم أهل الكرخ، فثارت الفتنة واضطرمت، ونهبت العامة دار الشريف المرتضى، ودافع عنه جيرانه الأتراك، واحترقت له سرية، وبات الناس في ليلة صعبة، وتأهّبوا للحرب، واجتمعت العامة وخلق من الترك، وقصدو الكرخ، فرموا الناس في أسواقه، وأشرف أهل الكرخ على التلف، فركب الوزير والجند، فوقعت آجرة، في صدر الوزير، وسقطت عمامته، وقتل جماعة من الشيعة، وزاد أمر النهب فيهم، وأحرق في هذه الثائرة، سوق العروس، وسوق الصفارين وسوق الأنماط، وسوق الزيت، ولم يجر من السلطان إنكار، لضعفه وعجزه وتبسطت العامّة واثروا الفتن، فالنهار فتن ومحن، والليل عملات ونهب.
وأما الجند، فقامت على السلطان جلال الدولة، لاطّراحه مصالحهم، وراموا قطع خطبته، فأرضاهم بالمال، فثاروا بعد أيام عليه، وآخر القصّة، مات القادر بالله، واستخلف ابنه القائم بأمر الله، وله إحدى وثلاثون سنة، فبايعه الشر يف المرتضى، ثم الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، وقامت الأتراك على القائم بأمر الله بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم يخلف مالاً، وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء، ثم صالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلاّ، وعرض القائم خاناً وبستاناً للبيع، وصغر دست الخلافة إلى هذا الحدّ. وأما دست السلطنة بالعراق، فكان لجلال الدَّولة: بغداد وواسط والبطائح، وبعض السَّواد، وليس له من ذلك أيضاً إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال، فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأتراك، مع ضعف ارتفاع
(2/246)
________________________________________
الخراج، والوزارة خالية من كبس، والوقت هرج ومرج، والناس بلا رأس.
ومات القادر بالله، أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان أبيض كثّ اللحية طويلها، مخضب شيبه. قال الخطيب: كان من الديانة وإدامة التهجد وكثرة الصدقات، على صفة اشتهرت عنه، صنّف كتاباً في الأصول، فيه فضل الصحابة، وتكفير المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، فكان يقرأ كل جمعة، ويحضره الناس مدّة.
وطلحة بن علي بن الصقر، أبو القاسم البغدادي الكتّاني، ثقة صالح مشهور، عاش ستّاً ثمانين سنة، ومات في ذي القعدة، روى عن النّجاد، وأجمد بن عثمان الأدمي، ودعلج وجماعة.
وأبو المطرّف بن الحصّار، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن غرسيّة، مات في آخر الكهولة، وكان عالماً بارعاً ذكياً متفنّناً، فقيه النفس، حاضر الحجة، صاحب سنة رحمه الله توفي في شعبان.
(2/247)
________________________________________
والقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر، أبو محمد البغدادي المالكي، أحد الأعلام، سمع من عمر بن سنبك وجماعة، وتفقه على ابن القصّار، وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب. قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه، ولي قضاء بادرايا ونحوها، وتحوّل في آخر أيامه إلى مصر، فمات بها في شعبان، وقد ساق القاضي ابن خلكان، نسب القاضي عبد الوهاب، إلى مالك بن طوق التغلبي، صاحب الرَّحبة. قال أبو إسحاق الشيرازي: سمعت كلامه في النظر، وكان فقيهاً متأدباً شاعراً، له كتب كثيرة، في كل فن.
قلت: عاش ستين سنة.
وأبو الحسن الطرازي، علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي، ثم النيسابوري الأديب. روى عن الأصمّ، وأبي حامد بن حسنويه وجماعة، وبه ختم حديث الأصم، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة.
وابن عبد كويه، أبو الحسن علب بن يحيى بن جعفر، إمام جامع أصبهان، في المحرم، حجّ وسمع بأصبهان والعراق والحجاز، وحدّث عن أحمد بن بندار الشعّار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس.
ومحمد بم مروان بن زهر، أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي، أحد أركان المذهب، وكان واسع الرواية، عالي الإسناد، عاش ستاً وثمانين سنة، وحدّث عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي علي القالي وطائفة، وهو والد الطبيب عبد الملك، وجدّ الطبيب العلامة الرئيس، أبي العلا زهر.
(2/248)
________________________________________
ومحمد بن يوسف القطّان، الحافظ أبو أحمد الأعرج النيسابوري، مات كهلاً، ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله الحاكم، وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر.
ومنصور بن الحسين، أبو نصر المفسّر بنيسابور، مات قبل الطرازي، وحدّث عن الأصم وغيره.
ويحيى بن عمّار، الإمام أبو زكريا الشيباني السجستاني الواعظ، نزيل هراة، روى عن حامد الرّفا وطبقته، وكان له القبول التام بتلك الديار، لفصاحته وحسن موعظته، وبراعته في التفسير والسنة، وخلّف أموالاً كثيرة، ومات في ذي القعدة، وله تسعون سنة.
سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة
فيها ثارت الغلمان، بالسلطان جلال الدَّولة، وصمّموا على عزله وطرده، فهرب في الليل مع جماعة من غلمانه، إلى عكبرا ونهبت داره من الغد، ونادوا بشعار الملك أبي كاليجار، واحتاج جلال الدولة، حتى باع ثيابه في الشوق، وامتنع أبو كاليجار، أن يجيئ إلا بشروط، ثم إن كمال الدولة أبا سنان الأمير، أتى جلال الدَّولة، وقبّل الأرض وقال: خزائني بحكمك وأنا أتوسط بينك وبين الجند، وزوّجه بابنته، وأعيدت خطبته.
وفيها كبس البرجميّ خاناً للتجار فقاتلوه، فقتل جماعة.
وفيها سار الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، ونهب وقتل عالماً لا يحصون، وفعل مالا يفعله الكفرة.
(2/249)
________________________________________
وفيها توفي الحرفي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي المحدّث. قال الخطيب: كان صدوقاً، غير أن سماعه في بعض ما وراء عن النّجتد، كان مضطرباً، مات في شوال، وله سبع وثمانون سنة. د والنعيمي أبو الحسن علي بن أحمد البصري الحافظ، روى عن طائفة، ومات كهلاً. قال الخطيب: كان حافظاً عارفاً متكلماً شاعراً.
والكاغدي، أبو الفضل منصور بن نصر السمرقندي، مسند ما وراء النهر. روى عن الهيثم الشاشي، ومحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة، توفي بسمرقند، في ذي القعدة، وقد قارب المئة.
سنة أربع وعشرين وأربعمئة
فيها اشتد الخطب ببغداد، بأمر الحراميّة، وأخذوا أموال الناس عياناً، وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وبقي الناس لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي، خوفاً منه، بل يقولون عنه، القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرض لامرأة، ولا يدع أحداً يأخذ شيئاً عليها، فلما زاد وأسرف، انتدب له جماعة أمراء وتطلّبوه، وجاءوا إلى الأجمة التي يأوي إليها، فبرز لهم وقال: من العجب خروجكم إليّ وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم فارجعوا، وأنا أجيء إليكم، وإن شئتم فادخلوا، فلم يتجاسروا عليه، ثم زادت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين، واحترقت أماكن وأسواق ومساجد، واستفحل الشرّ، وثارت الجند بالسلطان جلال الدولة، وقبضوا عليه ليرسلوه إلى واسط والبصرة، وأنزلوه في مركب، وابتلّت ثيابه وأهين، ثم رحموه، فأخرجوه وأركبوه فرساً ضعيفة
(2/250)
________________________________________
وشتموه فانتصر له أبو الوفاء القائد في طائفة، وأخذوه من أيدي أولئك، وردّوه إلى داره، ثم عبر في الليل إلى الكرخ، فدعا له أهلها، ونزل في دار الشريف المرتضى، فأصبح العسكر، وهمّوا به، فاختلفوا، وقال بعضهم: ما بقي من بني بويه إلا هذا، وابن أخيه أبو كاليجار، وقد سلَّم الأمر ومضى إلى بلاد فارس، ثم كتبوا له ورقة بالطاعة والاعتذار، ثم ركب معهم إلى دار السلطنة، وأما العملات، فازداد أمرها، وعظم البلاء فوثب الناس على أبي الحسين بن الغريق، وقالوا: إن خطبت للبرجمي، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك، فأقيم في الشرطة أبو الغنائم، فركب وقتل جماعة.
وفيها توفي الفشيديزجي، قاضي بخارى، وشيخ الحنفية في عصره، أبو علي الحسن بن الخضر البخاري، روى عن محمد بن محمد بن جابر وجماعة، توفي في شعبان، وقد خرَّج له عدة أصحاب.
وحمزة بن محمد بن طاهر، الحافظ أبو طاهر الدقّاق، أحد صحاب الدَّراقطني، وكان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.
وابن دنين، الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي. روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وعن أبي بكر المهندس، وأبي الطّيب بن غليون بمصر، وكان زاهداً عابداً خاشعاً، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير، مقبلاً على الأثر والسنة، أمَّاراً بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم، مع الهيبة والعزّة، وكان يعمل في كرمه بنفسه، رحمه الله.
(2/251)
________________________________________
وأبو بكر الأردستاني، محمد بن إبراهيم، الحافظ العبد الصالح، روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن أبي حفص بن شاهين، وهذه الطبقة.
سنة خمس وعشرين وأربعمئة
فيها قتل البرجمي ويقال البرجمي، وهو مقدّم العيارين اللصوص ببغداد، واشتغل الناس بالوباء المفرط ببغداد، فيقال مات بها سبعون ألفاً منه.
وفيها توفي البرقاني، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد اب غالب الخوارزمي الفقيه الشافعي، مولده بخوارزم سنة ستٍ وثلاثين وثلاثمئة، وسمع بها بعد الخمسين، من أبي العباس بن حمدان وجماعة، وببغداد من أبي علي بن الصوّاف وطبقته، وبهراة ونيسابور وجراجان ودمشق ومصر.
قال الخطيب: كان ثبتاً ورعاً لم ير في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه، كثير التّصنيف، ذا حظٍ من علم العربية، صنّف مسنداً ضمَّنه ما اشتمل عليه الصَّحيحان، وجمع حديث الثوري، وحديث شعبة وطائفة، وكان حريصاً على العلم، منصرف الهمة إليه. وقال أبو محمد الخلال: كان البرقاني نسيج وحده.
وأبو علي بن شاذان البزّاز، الحسن بن أبي بكر أحمد بن
(2/252)
________________________________________
إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي، ولد سنة وثلاثين وثلاثمئة، وسمّعه أبوه من أبي عمرو بن السماك، وأبي سهل بن زياد، والعبَّاداني وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره، وصار مسند العراق. قال الخطيب: كان صدوقاً صحيح السماع، يفهم الكلام على مذهب الأشعري، سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث، تفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد، في أول سنة ست وعشرين.
وابن شبانة العدل، أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني. روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان صدوقاً.
وأبو الحسن الجوبري عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي، كان أبوه محدّثاً، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة، توفي في صفر، وكان أمّياً لا يكتب.
وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر، بن فضالة وطبقته، وصنّف كتباً كثيرة. قال الكتَّاني: مات في شوال.
وعمر بن إبراهيم، أبو الفضل الهروي الزاهد. روى عن أبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفرييني وطبقتهما، وكان فقيهاً عالماً، ذا صدق وورع وتبتُّل.
وأبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني.
(2/253)
________________________________________
روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وجماعة، توفي في ربيع الأول.
سنة ست وعشرين وأربعمئة
البلاء بحاله ببغداد، من جهة الحرامية بل أشد، ووكثر القتل، وعظم النهب، وخذل السلطان والأمراء، حتى لو حالوا دفع فسادٍ لزاد، وتملّك العيّارون ببغداد في المعنى.
وفيها غزا مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فوصل كتابه، بأنه قتل من القوم خمسين ألفاً، وسبى منهم سبعين ألفاً، وبلغت الغنيمة ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، ولكن رجع، وقد استولت الغزُّ على بلاده، فحاربهم وجرت لهم أمور طويلة.
وفيها توفي ابن شهيد، الأديب أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين، أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي الشاعر، حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس. قال ابن حزم: توفي في جمادى الأولى، وصلّى عليه أبو الحزم جهور، ولم يخلف له نظيراً في الشعر والبلاغة، وكان سمحاً جواداً، عاش بضعاً وأربعين سنة.
وأبو محمد بن الشقَّاق عبد الله بن سعيد، كبير المالكية بقرطبة، ورأس القرَّاء، توفي في رمضان، وله ثمانون سنة، أخذ عن أبي عمر بن المكوي وطائفة.
(2/254)
________________________________________
وأبو بكر المنيني، محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود، خطيب منين. روى عن علي بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت وجماعة. قال الوليد الدربندي:، لم يكن بالشام من يكتني بأبي بكر غيره، وكان ثقة. وقال الكتَّاني: توفي في جمادى الأولى، وله أربع وثمانون سنة، وكان يحفظ القرآن بأحرفٍ.
وأبو عمر الرزجاهي، محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب المحدث، تفقه على أبي سهل الصَّعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، ومات في ربيع الأول، وله خمس وثمانون سنة، ورزجاه من قرى بسطام، وقد تضم راؤها، وكان يقرئ العربية.
سنة سبع وعشرين وأربعمئة
فيها دخل العيّارون - وهم مئة من الأكراد والأعراب - وأحرقوا دار صاحب الشرطة، أبي محمد بن النسوي، وفتحوا خاناً، وأخذوا ما فيه. وأخذوا بالكارات، والناس لا ينطقون.
وفيها شغبت الجند على الملك جلال الدَّولة، وقالوا له اخرج عنّا. فقال: أمهلوني ثلاثة أيام، وجرت فصول طويلة، ثم تركوه لضعفهم، وردّوه إلى السلطنة.
وفيها توفي أبو إسحاق الثَّعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري
(2/255)
________________________________________
المفسّر. روى عن أبي محمد المخلدي، وطبقته من أصحاب السرّاج، وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، مت ين الديانة، توفي في المحرم.
وأبو النعمان، تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب، روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة، توفي في ربيع الآخر بمصر، وله خمس وثمانون سنة.
وأبو القاسم حمزة بن يوسف السَّهمي الجرجاني الحافظ، من ذرّية هشام ابن العاص، سمع سنة أربع وخمسين، من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرَّام صاحب محمد بن الضريس، ورحل إلى العراق، سنة ثمان وستين، فأدرك ابن ماسي، وهو مكثر عن ابن عديّ والإسماعيلي، وكان من أئمة الحديث، حفظاً ومعرفة وإتقاناً.
والفلكي، أبو الفضل علي بن الحسين الهمذاني الحافظ، رحل الكثير، وروى عن أبي الحسين بن بشران، وأبي بكر الحيري وطبقتهما، ومات شاباً قبل أوان الرواية، ولو عاش لما تقدّمه أحد في الحفظ والمعرفة، لفرط ذكائه وشدة اعتنائه، وقد صنّف كتاب " المنتهى في الكمال في معرفة الرجال " في ألف جزء، لم يبيضه.
وقال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأيت أحداً أحفظ من أبي الفضل بن الفلكي، قلت مات بنيسابور، وكان جدّه يلقب بالفلكي، براعته في الهيئة والحساب، وغير ذلك.
والظاهر لإعزاز دين الله، عليّ بن الحاكم منصور بن العزيز نزاز بن
(2/256)
________________________________________
المعز العبيدي المصري، صاحب مصر والشام، بويع بعد أبيه، وشرعت دولتهم في انحطاط، منذ ولي، وتغلب حسّان بن مفرِّج الطائي، على أكثر الشام، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم على القيروان، وقد وزر للظاهر، الوزير نجيب الدولة، علي بن أحمد الجرجائي، وكان هذا أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم، في سنة أربع وأربعمئة، فكان يكتب العلامة عنه، القاضي القضاعي. ولما توفي الظاهر، فبايعوا بعده لولده المستنصر، وهو صبيّ.
ومحمد بن المزكِّي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري، مسند نيسابور في زمانه، روى عن أبيه، وحامد الرفّا، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهي ثم الأنباري وطبقتهم، سمع منه الشِّيروي.
سنة ثمان وعشرين وأربعمئة
فيها أيضاً شغب العسكر على المعتز جلال الدولة وآخر الأمر، قطعت خطبته من العراق، وأقيمت لأبي كاليجار، ثم تابوا، فخطبوا لهما معاً، ثم مشى حال جلال الدولة، وشدَّ منه القائم بأمر الله.
وأما أمر العيارين، فكما تعهد في السنن الماضية بل أشد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(2/257)
________________________________________
وفيها توفي أحمد بن محمد بن علي بن منجويه الحافظ، أبو بكر الأصبهاني اليزدي، نزيل نيسابور ومحدّثها، صنّف التصانيف الكثيرة، ورحل ووصل إلى بخارى، وحدَّث عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر بن المقري وطبقتهما. روى عنه شيخ الإسلام وقال: هو أحفظ من رأيت من البشر.
قلت: توفي في المحرم، وله إحدى وثمانون سنة، صنّف على البخاري ومسلم والترمذي، وكان عديم المثل.
وأبو بكر بن النَّمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة ومسلم ةالترمذي، وكان عديم المثل.
وابو بكر بن النَّمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة عابد، روى عن أبي بكر الشافعي، وفاروق وطبقتهما.
وأبو الحسين القدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه، شيخ الحنفية بالعراق، انتهت إليه رئاسة المذهب وعظم جاهه وبعد صيته، توفي في رجب، وله ست وستون سنة، رحمه الله.
وفيها أبو علي بن سينا، الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا صاحب التصانيف الكثيرة، في الفلسفة والطب، ومن له الذكاء الخارق، والذهن الثاقب، أصله بلخيّ، ومولده
(2/258)
________________________________________
ببخارى، وكان أبوه من دعاء الإسماعيلية، فأشغله في الصغر، وحصَّل عدة علوم قبل أن يحتلم، وتنقل في مدائن خراسان والجبال وجرجان، ونال حشمة وجاهاً، وعاش ثلاثاً وخمس ين سنة. قال ابن خلّكان في ترجمة ابن سينا: اغتسل وتاب وتصدّق بم معه على الفقراء، وردّ المظالم وأعتق مماليكه، وجعل كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، في شهر رمضان.
وذو القرنين، أبو المطاع بن السحن بن عبد الله بن حمدان، وجيه الدَّولة بن الملك ناصر الدولة الموصلي، الأديب الشاعر الأمير، وليّ إمرة دمشق، سنة إحدى وأربعمئة، وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم، ثم وليها للظاهر، سنة اثنتي عشرة، وعزل، ثم وليها ثالثاً، سنة خمس عشرة، فبقي إلى سنة تسع عشرة، وله شعرٌ فائق، توفي في صفر.
وعبد الغفار بن محمد المؤدِّب، أبو طاهر البغدادي، روى عن أبي بكر الشافعي، وأبي علي بن الصواف، وعاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وعثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف، أبو عمرو البغدادي، صدوق. روى عن النجّاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني توفي في صفر.
وأبو الحسن الحنائي، علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، المقري المحدث الحافظ الزاهد. روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق، ورحل إلى مصر، وخرّج لنفسه معجماً كبيراً. قال الكتَّاني: توفي شيخنا وأستاذزنا أبو الحسن، في ربيع الأول، وكان من العبّاد، وكانت له جنازة عظيمة، ما رأيت مثلها، وعاش ثمانياً وخمسين سنة.
(2/259)
________________________________________
وأبو علي، محمد بن أحمد بن أبي موسى العاشمي البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف، ومن إليه انتهت رئاسة المذهب، أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدَّث عن ابن المظفّر، وكان رئيساً رفيع القدر، بعيد الصيت.
وابن باكويه، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازي الصوفي، أحد المشايخ الكبار، وصاحب محمد بن خفيف، رحل وعني بالحديث، وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخارى ودمشق والكوفة وأصبهان فأكثر، وحدَّث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما.
قال أبو صالح المؤذِّن: نظرت في أجزائه فم أجد عليها آثار السماع، وأحسن ما سمعت عليه الحكايات.
ومهيار بن مرزويه الدَّيلمي، أبو الحسن الكاتب الشاعر المشهور، كان مجوسياً، فأسلم على يد أستاذه في الأدب، الشر يف الرضي، فطلع رافضياً جلداً، وديوانه في ثلاثة مجلدات، وكان مقدّماً على شعراء العصر.
سنة تسع وعشرين وأربعمئة
فيها توفي أبو عمر الطلمنكي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى المعافري الأندلسي المقري المحدّث الحافظ، عالم أهل قرطبة صاحب التصانيف، وله تسعون سنة. روى عن أبي عيسى اللَّيثي، وأحمد بن عون الله، وحجّ، فأخذ بمصر عن أبي بكر الأرموي وأبي بكر
(2/260)
________________________________________
المهندس، وخلق كثير. وكان خبيراً في علوم القر آن، تفسيره وقراءاته وإعرابه وأحكامه ومعانيه، وكان ثقة، صاحب سنّة واتباع، ومعرفة بأصول الديانة.
قال ابن بشكوال: كان سيفاً مجرَّداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً لهم، غيوراً على الشريعة، شديداً في ذات الله تعالى رحمه الله.
وأبو يعقوب القرّاب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي، ثم الهروي الحافظ، محدّث هراة، وله سبع وسبعون سنة. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير، وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس، وصنّف تصانيف كثيرة، وكان زاهداً صالحاً، مقلاًّ من الدنيا.
ويونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد، ويعرف بابن الصفّار، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي عيسى اللّيثي والكبار. وتفقه على أبي بكر ابن زرب، وولي القضاء مع الخطابة والوزارة، ونال رئاسة الدين والدنيا. وكان فقيهاً صالحاً عدلاً، حجّة علامة في اللغة والعربية والشعر، فصيحاً مفوهاً، كثير المحاسن، له مصنفات في الزهد وغيره، توفي في رجب.
سنة ثلاثين وأربعمئة
فيها قويت شوكة الغزّ، وتملك بنو سلجون خراسان، وأخذوا البلاد من السلطان مسعود.
وفيها لقِّب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة، بالملك العزيز، وهو أول من لقِّب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا.
(2/261)
________________________________________
وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف بن البنا، بأصبهان، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. اعتنى به أبوه، وسمّه في سنة أربع وأربعين وثلاثمئة، وبعدها استجار له خيثمة الأطرابلسي والأصم وطبقتهما، وتفرّد في الدنيا بعلّو الإسناد، مع الحفظ والاستجاؤ من الحديث وفنونه. روى عن ابن فارس والعسّال، وأحمد بن معبد السمسار، وأبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم، بالعراق والحجاز وخراسان، وصنَّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار.
وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي، أبو بكر الأصبهاني المقري النحوي، سكن نيسابور، وتصدَّر للحديث والإقراء العربيّة، وروى عن أبي الشيخ وجماعة، ورى السُّنن عن الدارقطني، توفي في ربيع الأول، وله إحدى وثمانون سنة.
والحيري، أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسّر.
روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وطبقته، وصنّف التصانيف في القراءات والتفسير والوعظ والحديث، وكان أحد الأئمة.
قال الخطيب: قدم علينا حاجّاً، ونعم الشيخ كان علماً وأمانة وصدقاً وخلقاً. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمئة، وكان معه صحيح البخاري، فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس
(2/262)
________________________________________
وقال عبد الغافر: كان من العلماء العاملين، نفّاعاً للخلق مباركاً.
والدَّبوسي، القاضي العالامة أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي - ودبوسة: بليدة بين بخاري وسمرقند - كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك الديار، توفي ببخارى.
وابن بشران، المحدّث أب القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله ابن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ، مسند وقته ببغداد، في ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة، سمع النجّاد، وأبا سهل القطّان، وحمزة الدهان وطبقتهم.
قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً صالحاً، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحدّ، ويفوت الإحصاء، رحمه الله.
وأبو منصور الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الأديب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، عاش ثمانين سنة.
والحوفي، مؤلف " الاعراب للقرآن " في عشرة مجلدات وتلميذ الأدفوي، انتفع به أهل مصر، وتخرّجوا به في النحو، واسمه أبو الحسن علي بن إبراهيم.
وأبو عمران الفاسي، موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري
(2/263)
________________________________________
الغفجومي - وغفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب - شيخ المالكية بالقيروان، وتلميذ أبي الحسن القابسي. دخل الأندلس، وأخذ عن عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وحجّ مرات، وأخذ علم الكلام ببغداد، عن ابن الباقلاَّني، وقرأ على الحمامي، وكان إماماً في القراءات، بصيراً في الحديث، رأساً في الفقه، تخرج به خلق في المذهب، ومات في رمضان، وله اثنتان وستون سنة.
سنة إحدى وثلاثين وأربعمئة
فيها توفي أبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي الفاتني، ببغداد، يوم الفطر، وكان صالحاً صدوقاً، روى عن أبي بكر بن الهيثم الأنباري، وخلق.
وابن دوما، أبو علي الحسن بن الحسين النعالي، بغداد ضعيف، ألحق نفسه في طباق. روى عن أبي بكر الشافعي وطائفة.
وصاعد بن محمد بن أحمد القاضي أبو العلاء الأستوائي النيسابوري الحنفي، قاضي نيسابور، ورئيس الحنفية وعالمهم، توفي في آخر السنة روى عن إسماعيل بن نجيد وجماعة، وعاش سبعاً وثمانين سنة.
وابن الطبيز، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي، نزيل دمشق، وله مئة سنة. روى عن محمد بن عيسى العلاف، وابن الجعابي، وجماعة. تفرّد في الدنيا عنهم، وهو ثقة. توفي في جمادى الأولى، وفيه تشيُّع، آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي.
(2/264)
________________________________________
وعثمان بن أحمد، أبو عمرو القسطاني القرطبي، نزيل إشبيليّة، سمّعه أبوه " الموطأ " من أبي عيسى اللَّيثي، وسمع من أبي بكر بن السَّلم، وابن القوطيّة، وجماعة. وكان ثقة خيَّراً، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.
وأبو العلاء الواسطي، محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن يعقوب، القاضي المقرئ المحدِّث، قرأ بالروايات على جماعة كثير ة، وجرَّد العناية لها، وأخذ بالدِّينور عن الحسين بن محمد بن حبش، وروى عن القطيعي ونحوه، حكى عنه الخطيب أشياء توجب ضعفه، ومات في جمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة.
وأبو الحسن محمد بن عوف المزِّي الدمشقي، وكانت كنيته الأصلية أبا بكر، فلما منعت الدولة الباطنية، من التكنِّي بأبي بكر، تكنَّي بأبي الحسن. روى عن أبي علي الحسن بن منير والميانجي وطائفة.
قال الكتَّاني: كان ثقة نبيلاً مأموناً، توفي في ربيع الآخر.
ومحمد بن الفضل بن نظيف، أبو عبد الله المصري الفرّاء، مسند الديار المصرية، سمع أبا الفوارس الصابوني، والعباس بن محمد الرافقي وطبقتهما، وأمَّ
(2/265)
________________________________________
بمسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعياً، عمّر تسعين سنة وشهرين، توفي في ربيع الآخر.
والمسدَّد بن علي، أبو المعمَّر الأملوكي، خطيب حمص، سمع الميانجي وجماعة، ثم سكن دمشق، وأمَّ بمسجد سوق الأحد، قال الكتَّاني: فيه تساهل.
والمفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو معمَّر الشافعي، مفتي جرجان ورئيسها ومسندها، وكان من أذكياء زمانه.
روى عن جدّه، وطائفة كثيرة، توفي في ذي الحجة.
سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة
فيها استولت السلجوقية على جميع خراسان، وكرّ مسعود إلى غزنة وبدا منهم من القتل والنهب والمصادرة، ما يتجاوز الوصف، وأما البغاددة، فالهوى قائم بين الرافضة والسنّة، وكل وقت تستعر الفتنة، ويقتل جماعة.
وفيها توفي المستغفري، الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز ابن محمد بن المستغفر بن الفتح النسفي، صاحب التصانيف الكثيرة. روى عن زاهر السرخسي، وطبقته، وعاش ثمانياً سنة. وكان محدِّث ما وراء النهر في زمانه.
وعبد الباقي بن محمد، أبو القاسم الطحّان، بغدادي ثقة، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وروى عن الشافعي، وابن الصواف وغيرهما.
(2/266)
________________________________________
وأبو حسّان المزكِّي، محمد بن أحمد بن جعفر، شيخ التزكية والحشمة بنيسابور، وكان فقيهاً ثقة صالحاً خيِّراً، حدّث عن محمد بن إسحاق الضبعي، وابن نجيد وطبقتهما.
ومحمد بن عمر بن بكير النجار، أبو بكر البغدادي المقري، عن ست وثمانين سنة. روى عن أبي بحر البربهاري، وأبن النّصبي وطائفة.
سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
فيها عسكر الملك أبو كاليجار، ودفع عسكر الغزّ عن همذان.
وفيها بغداد على حالها من الضعف والرفض والنهب والفتن.
وفيها توفي أبو نصر الكسَّار، القاضي أحمد بن الحسين الدِّينوريّ. سمع النَّسائي من ابن السُّنّي، وحدّث به، في شوال من السنة.
وأبو الحسن بن فاذشاه، الرئيس أحمد بن محمد الحسين الأصبهاني الثاني الرئيس، راوي " المعجم الكبير " عن الَّبراني، توفي في صفر، وقد رمي بالتشيُّع والاعتزال.
وابو عثمان القرشي، سعيد بن العباس الهرويّ المزكِّي الرئيس، في المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن حامد الرفّا، وأبي الفضل بن خميرويه وطائفة. وتفرّد بالرواية عن جماعة.
(2/267)
________________________________________
وأبو سعيد النضروي، عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري، مسند وقته، وراوي مسند إسحاق بن راهويه عن السمذي. روى عن ابن نجيد، وأبي بكر القطيعي، وهذه الطبقة. توفي في صفر، وهو منسوب إلى جدّه، نضرويه.
وأبو القاسم الزَّيدي الحرَّاني، علي بن أحمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقري، في شوال، بحرّان، وهو آخر من روى عن النقاش القراءات والتفسير، وهو ضعيف.
قال عبد العزيز الكتَّاني وقد سئل عن شيء: ما يكفي علي بن أحمد الزيدي أن يكذب، حتى يكذب عليه.
قلت: وكان رجلاً صالحاً ربانياً.
وأبو الحسن بن السمسار، علي بن موسى الدمشقي، حدّث عن أبيه وأخويه: محمد وأحمد، وعليّ بن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان والكبار.
وروى البخاري عن أبي زيد المروزيّ، وانتهى إليه علوّ الإسناد بالشام.
قال الكتّاني: كان فيه تساهل، ويذهب إلى التشيُّع، توفي في صفر، وقد كمَّل التسعين.
وابن عبّاد المعتمد على الله القاضي، وهو أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عبّاد بن قريش اللَّخمي الإشبيلي، الذي ملّكه أهل إشبيلية عليهم، عندما قصدهم الظالم، يحيى بن علي الإدريسي، الملقّب بالمستعلي، وله أخبار ومناقب وسيرة عادلة، توفي في جمادى الأولى، وتملَّك بعده، ولده المعتضد بن عبّاد، فامتدت أيامه.
(2/268)
________________________________________
والسلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، تملَّك بعد أبيه، خراسان والهند وغزنة، وجرت له حروب وخطوب، مع بني سلجوق، وظهروا على ممالكه، وضعف أمره، فقتله أمراؤه.
سنة أربع وثلاثين وأربعمئة
فيها كانت الزلزلة العظمى بتبريز، فهدمت أسوارها، وأحصي من هلك تحت الهدم، فكانوا أكثر من أربعين ألفاً، نسأل الله العفو.
وفيها توفي أبو ذرّ عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الهروي، الحافظ الفقيه المالكي، نزيل مكة، روى عن أبي الفضل بن خميرويه، وأبي عمر بن حيويه وطبقتهما، وروى الصحيح عن ثلاثة من أصحاب الفربري، وجمع لنفسه " معجماً " وعاش ثمانياً وسبعين سنة، وكان ثقة متقناً، ديِّناً عابداً، ورعاً حافظاً، بصيراً بالفقه والأصول. أخذ علم الكلام عن ابن الباقلاّني، وصنّف مستخرجاً على الصحيحين، وكان شيخ الحرم في عصره، ثم إنه تزوج بالسروات، وبقي يحج كل عام ويرجع.
وعبد الله بن غالب بن تمام، أبو محمد الهمداني الماكي، مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعلمهم، دخل الأندلس، وأخذ عن أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، ورحل إلى القيروان، فأخذ عن أبي محمد بن أبي زيد، وبمصر عن أبي بكر المهندس، وكان علامة متيقظاً ذكيّاً، مستبحراً من العلوم،
(2/269)
________________________________________
فصيحاً مفوّهاً قليل النظير، توفي في صفر، عن سّنٍ عالية.
سنة خمس وثلاثين وأربعمئة
فيها استولى طغرلبك السلجوقي على الريّ، وخرّبها عسكره بالقتل والنهب، حتى لم يبق بها إلا نحو ثلاثة آلاف نفس، وجاءت رسل طغرلبلك إلى بغداد، فأرسل القاضي الماوردي إليه، يذمُّ ما صنع في البلاد، ويأمره بالاحسان إلى الرعية، فتلقّاه طغرلبك، واحترمه إجلالاً لرسالة الخليفة.
واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق، وكان ابنه الملك العزيز بواسط.
وفيها وصلت عساكر السلجوقية إلى الموصل، فعاثوا وبدّعوا، وأخذوا حرم قرواش، فاتفق قرواش ودبيس بن علي الأسدي على لقاء الغزّ، فهزموهم. وقتل من الغزّ مقتلة عظيمة.
وفيها خطب ببغداد، لأبي كاليجار، مع الملك العزيز، بعد موت جلال الدولة. وكان جلال الدولة، ملكاً جليلاً سليم الباطن، ضعيف السلطنة مصرّاً على اللهو والشراب، مهملاً لأمر الرعية، عاش اثنتين وخمسين سنة، وكانت دلته سبع عشرة سنة، وخلف عشرين ولداً، بنين وبنات، ودفن بدار السلطان ببغداد، ثم نقل.
وفيها توفي أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور، أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها، ساس البلد أحسن سياسة، وكان من رجال الدهر حزماً وعزماً،
(2/270)
________________________________________
ودهاءً، ورأياً، ولم يتَّسم بالملك، وقال: أنا أدبر الناس، إلى أن يقوم لهم من يصلح. فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الأكابر وديعة، وصيّر العوام جنداً وأعطاهم أموالاً مضاربة، وقرر عليهم السلاح والعدّة. وكان يشهد الجنائز، ويعود المرضى، وهو بزيّ الصالحين، لم يتحول من داره. إلى دار السلطنة، توفي في المحرم، عن إحدى وسبعين سنة، وولي بعده ابنه أبو الوليد.
وأبو القاسم الأزهري، عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ، كتب الكثير، وعني بالحديث. وروى عن القطيعي وطبقته، توفي في صفر، عن ثمانين سنة.
وجلال الدولة، سلطان بغداد، أبو طاهر فيوزجرد بن الملك بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الديلمي، وولي بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فضعف وخاف، وكاتب ابن عمه، أبا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة، فوعده بالجميل، وخطب للاثنين معاً.
وأبو بكر الميماسي، محمد بن جعفر بن علي، الذي روى " موطأ " يحيى ابن بكبر عن ابن وصيف، توفي في شوال، وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي.
ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة أبو الحسين البغدادي البزاز، روى عن أبي بكر خلاّد وجماعة.
(2/271)
________________________________________
قال الخطيب: صدوق كثير السماع، مات في جمادى الأولى.
وابو القاسم المهلَّب، بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، قاضي المريَّة، أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وأبي الحسن القابسي، وطائفة، وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم، وقد شرح صحيح البخاري، وتوفي في شوال في سنّ الشيخوخة.
سنة ست وثلاثين وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضرب له الطبل في أوقات الصلوات الخمس، ولم يضرب لأحد قبله إلا ثلاث مرات.
وفيها توفي تمام بن غالب، أبو غالب بن التيَّاني القرطبي، لغويّ الأندلس بمرسية. له مصنف بديع في اللغة، وكان علامة ثقة في نقله، ولقد أرسل إليه صاحب مرسية، الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألفه لأجله، فامتنع تورعاً، وقال: ما صنفته إلا مطلقاً.
وأبو عبد الله الصميري، الحسن بن علي الفقيه، أحد أئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفض الزهري وطبقته، وولي قضاء ربع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله خمس وثمانون سنة.
والشريف المرتضى، نقيب الطالبين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو طالب علي بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي، وله إحدى
(2/272)
________________________________________
وثمانون سنة، وكان إماماً في التشيع والكلام والشعر والبلاغة، كثير التصانيف، متبحراً في فنون العلم، أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرضي.
ومحمد بن عبد العزيز، أبو عبد الرحمن النِّيلي، شيخ الشافعية بخراسان وله ثمانون سنة، كان صالحاً ورعاً، كبير القدر. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة.؟ وله ديوان شعر.
وأبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطيّب، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد، في ربيع الآخر، وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة.
سنة سبع وثلاثين وأربعمئة
فيها توفي أبو نصر المنازي، وزير أحمد بن مروان، صاحب ميافارقين، وهو من منازجرد، واسمه أحمد بن يوسف، وكان فصيحاً بليغاً شاعراً، كثير المعارف.
ومكي بن أبي طالب: أبو محمد القيسي، شيخ الأندلس وعالما ومقرئها وخطيبها. قرأ القراءات على ابن غلبون وابنه، وسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وطائفة. وكان من أهل التبحر في العلوم، كثير الت صانيف، عاش اثنتين وثمانين سنة. رحل عن بلده غير مرة، وحج وجاور، توسع في الرواية، وبعد صيته، وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه، وولي خطابة قرطبة لأبي الحزم جهور، وكان مشهوراً بالصلاح، وإجابة الدعوة، توفي في ثاني المحرم.
(2/273)
________________________________________
سنة ثمان وثلاثين وأربعمئة
فيها حاصر طغرلبك السَّلجوفي أصبهن، وضيّق على أهلها، وعلى أميرها فراموز، ولد علاء الدولة، صم صالحه على مال يحمله، وأن يخطب له بأصبهان.
وفيها توفي أبو علي البغدادي، مصنّف " الروضة في القراءات العشر "، الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي.
وأبو محمد الجويني، عبد الله بن يوسف، شيخ الشافعية، والد إمام الحرمين، تفقه بنيسابور، على أبي الطيّب الصعلوكي، وبمرو على أبي بكر القفال، وتصدّر بنيسابور للفتوى والتدريس والتصنيف، وكان مجتهداً في العبادة، صاحب جدّ وصدق وهيبة ووقار. روى عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد الأسفراييني وجماعة. وتوفي في ذي القعدة.
سنة تسع وثلاثين وأربعمئة
فيها توفي أبو محمد الخلال، الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ، في جمادى الأولى، وله سبع وثمانون سنة. روى عن القطيعي وأبي سعيد الحرقي وطبقتهما.
قال الخطيب: كان ثقة، له معرفة، خرّج المسند على الصحيحين، وجمع أبواباً وتراجم كثيرة.
قلت: آخر من روى عنه، أبو سعد أحمد بن الطُّيوري.
(2/274)
________________________________________
وعلي بن منير بن أحمد الخلال، أبو الحسن المصري الشاهد، في ذي القعدة، روى عن أبي الطار الذهلي، وأبي أحمد بن الناصح.
والنذير الواعظ، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي. روى عن إسماعيل بن حاجب الكشاني، وجماعة، ووعظ ببغداد، فازدحموا عليه، وشغفوا به، ورزق قبولاً لم يرزقه أحد، وصار يظهر الزهد، ثم إنه تنعّم وقبل الصلات، من الأقطار، واستجمع له جيش من المطوِّعة، فعسكر بظاهر بغداد، وضرب له الطبل، وسار بهم إلى الموصل، واستفحل أمره، فصار إلى أذربيجان، وضاهى أمير تلك الناحية، ثم خمد سوقه، وتراجع عامّة أصحابه، ثم مات.
ومحمد بن عبد الله بن عابد، أبو عبد الله المعافري، حدّث قرطبة.
روى عن أبي عبد الله بن مفرج وطبقته، ورحل، فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وأبي بكر بن المهندس، وطائفة. وكان ثقة عالماً جيّد المشاركة في الفضائ، توفي في جمادى الأولى، عن بضع وثمانين سنة، وهو آخر من حدّث عن الأصيلي.
سنة أربعين وأربعمئة
فيها مات السلطان أبو كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة البويهي الديلمي، مات بطريق كرمان، فصدوه في يوم ثلاث مرّات، وكان معه نحو أربعة آلاف من الترك والديلم، فنهبت خزائنه وحريمه وجواريه، وطلبوا شيراز، فلسطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر، وكان مدة سلطنة
(2/275)
________________________________________
أبي كاليجار أربع سنين، وكان مولده بالبصرة، سنة تسع وتسعين وثلاثمئة، سامحه الله.
وفيها أقدم المعز بن باديس بالمغرب، الدعوة للقائم بالله العباسي، وخلع طاعة المستنصر العبيدي، فبعث المستنصر جيشاً من العرب يحاربونه، فذلك أول أول دخول العربان إلى إفريقية، وهم بنو رياح، وبنو زغبة، وتمت لهم أمور يطول شرحها.
وفيها قدم خراسان خلائق من الترك الغزّ، فسار بهم الملك ينال، فدخل الروم، فقتل وسبى وغنم وسار حتى قارب القسطنطينية، وحصل لهم من السبي، فوق المائة ألف نفس، والتقى الروم وهزمهم غير مرة، وكسروه أيضاً، ثم ثبت المسلمون، ونزل النصر، وقيل إنهم جرُّوا الغنائم على عشرة آلاف عجلة، فلله الحمد.
وفيها توفي الحكيمي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الورّاق، يوم الأضحى، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الطاهر الذهلي وغيره.
والحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد، الأمير أبو محمد العباسي. روى عن مؤدِّبه أحمد اليشكري، وكان رئيساً ديِّناً حافظاً لأخبار الخلفاء، توفي في شعبان، وله نيِّف وتسعون سنة.
وأبو القاسم عبيد الله بن أبي حفص، عمر بن شاهين. روى عن أبيه، وأبي بحر البربهاري، والقطيعي، وكان صدوقاً عالي الإسناد، توفي في ربيع الأول.
(2/276)
________________________________________
وعلي بن ربيعة، أبو الحسن التميمي المصري البزاز، راوية الحسن ابن رشيق، توفي في صفر.
وأبو ذرّ، محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني الأصبهاني الواعظ. روى عن أبي الشيخ، ومات في ربيع الأول.
وأبو عبد الله الكارزيني، محمد بن الحسين الفارسي المقرئ، نزيل الحرم، ومسند القراء، توفي فيها أو بعدها، وقد قرأ القرءات على المطوِّعي، قرأ عليه جماعة كثيرة، وكان من أبناء التسعين، وما علمت فيه جرحاً.
وابن ريذة مسند أصبهان، أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطّبراني، توفي في رمضان، وله أربع وتسعون سنة. قال يحيى بن مندة: كان ثقة أميناً، كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل، مكرماً لأهل العلم، حسن الخط، يعرف طرفاً من النحو واللغة.
وابن غيلان، مسند العراق، أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزاز، سمع من أبي بكر الشافعي، أحد عشر جزءاً، وتعرف بالغيلانيّات، لتفرده بهها. قال الخطيب: كان صدوقاً صالحاً ديّناً.
قلت: مات في شوال، وله أربع وتسعون سنة.
(2/277)
________________________________________
وأبو منصور السّوّاق، محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار، وثّقه الخطيب، ومات في آخر العام، عن ثمانين سنة. روى عن القطيعي ومخلد بن جعفر.
سنة إحدى وأربعين وأربعمئة
فيها أمرت الرافضة ببغداد، أن لا يعملوا مأتم عاشوراء، فخالفوا، فثارت غوغاء السنُّة، وحميت الفتنة، وجرى مالا يعبّر عنه، وقتل جماعة، وجرح خلق، فاهتم أهل الكرخ، وعلموا عليهم سوراً منيعاً، غرموا عليه أموالاً عظيمة، وكذا فعل أهل نهر القلائين، وصار مع كل فرقة طائفة من الأتراك على نحلتهم، تشدّ منهم، وتمّت لهم فتنة هائلة، يوم عيد الفطر.
وفيها توفي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي، أبو علي المعدَّل، أحد الأكابر بدمشق. روى عن يوسف الميانجي وجماعة.
والعتيقي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفّار المحدِّث. روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزاز، وإسحاق بن سعد النسوي وطبقتهما، وجمع وخرّج على الصحيحين، وكان ثقة فهماً، توفي في صفر.
وأحمد بن المظفر بن أحمد بن يزداد الواسطي العطار، أبو الحسن. را وي مسند مسدَّد، عن ابن السقا، توفي في شعبان.
وابو القاسم الأفليلي - وأفليل قرية بالشام - ثم القرطبي، إبراهيم
(2/278)
________________________________________
ابن محمد بن زكريا الزهري الوقّاصي، توفي في ذي القعدة بقرطبة، وله تسع وثمانون سنة. روى عن أبي عيسى اللّيثي، وأبي بكر الزبيدي وطائفة، ووليّ الوزارة لبعض أمراء الأندلس. وكان رأساً في اللغة والشعر، أخبارياً علامة.
وابن سختام، الفقيه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة الغزني السمرقندي الحنفي المفتي، رحل إلى الحج، وحدَّث ببغداد ودومشق عن أبيه، ومحمد بن أحمد بن متّ الإشتيخني، وجماعة، وحدَّث في هذا العام، وتوفي فيه أو بعده، في عشر الثمانين.
وابن حمُّصة، أبو الحسن علي بن عمر الحرّاني ثم المصري الصواف، عنده مجلس واحد عن حمزة الكتَّاني، يعرف بمجلس البطاقة، توفي في رجب.
وقراوش بن مقلَّد بن المسيَّب، الأمير أبو المنيع، معتمد الدولة العقيلي صاحب الموصل، وابن صاحبها، وكانت دولته خمسين سنة، وكان أديباً شاعراً ممدّحاً فارساً نهاباً وهاباً، على دين الأعراف وجاهليتهم، يقال إنه جمع بين أختين فلاموه، فقال: وأيّ شيء نستعمل من الشرع، حتى تتكلموا في هذا. وقال مرة: ما في رقبتي غير دم خمسة أو ستة من العرب، فأما الحضر، فلا يعبأ الله بهم؛ وثب على قرواش ابن أخيه بركة، وقبض عليه وسجنه في هذه السنة، وتملك. فمات في سنة ثلاث، فملك بعده أبو المعالي قريش ابن بدران، ابن مقلَّد بن المسيّب فذبح قرواش بن مقلَّد صبراً، وقيل بن مات في سجنه.
وأبو الفضل السعدي، محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي، الفقيه الشافعي، تلميذ أبي حامد الإسفراييني، وراوي " معجم الصحابة، للبغوي عن
(2/279)
________________________________________
ابن بطّة، توفي في شعبان، وقد روى عن جماعة كثير ة بالعراق والشام ومصر.
وأبو عبد الله الصوُّري، محمد بن علي الحافظ، أحد أركان الحديث، توفي ببغداد، في جمادى الآخرة، وقد نيّف على الستين. روى عن ابن جميع، والحافظ عبد الغ ني المصري، ولزمه مدة، وأكثر عن المصريين والشاميين، ثم رحل إلى بغداد، ولقي بها ابن مخلد، صاحب الصفّار، وهذه الطبقة.
قال الخطيب: كان من أحرص الناس على الحديث، وأكثرهم كتباً، وأحسنهم معرفة به، لم يقدم علينا أفهم منه، وكان دقيق الخط، يكتب ثمانين سطراً في ثمن الكاغد الخراساني، وكان يسرد الصوم. وقال أبو الوليد الباجي: هو أحفظ من رأيناه. وقال أبو الحسين بن الطيوري: ما رأيت أحفظ من الصوري. وكان بفرد عين، وكان متفنناً، يعرف من كل علم، وقوله حجَّة، وعنه أخذ الخطيب علم الحديث.
قلت: وله شعر فائق.
والسلطان مودود، صاحب غزنة ابن السلطان مسعود بن محمود ابن سبكتكين، وكانت دولته عشر سنين، ومات في رجب، وله تسع وعشرون سنة، وأقاموا بعده ولده وهو صبي صغير، ثم خلعوه.
سنة اثنتين وأربعين وأربعمئة
فيها عيّن ابن النسوي لشرطة بغداد، فاتفقت الكلمة في السنَّة والشّيعة، أنه متى ولي، نزحوا عن البلد، ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين، وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة، وصلّوا في مساجد السنّة،
(2/280)
________________________________________
وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد، وتحابّوا وتوادّوا، وهذا شيء لم يعهد من دهرٍ.
وفيها توفي أبو الحسين التوَّزي، أحمد بن علي البغدادي المحتسب.
روى عن علي بن للؤل وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث.
والملك العزيز، أبو منصور بن الملك جلال الدولة، بن بويه، توفي بظاهر ميّافارقين، وكانت مدته سنتين، وكان أديباً فاضلاً له شعر حسن.
وأبو الحسن بن القزويني، عل بن عمر الحربي، الزاهد القدوة، شيخ العراق. روى عن أبي عمر بن جيّويه وطبقته. قال الخطيب: كان أحد الزهاد، ومن عباد الله الصالحين، يقرئ ويحدّث، ولا يخرج إلاّ لصلاةٍ، وعاش اثنتين وثمانين سنة، توفي في شعبان، وغلقت جميع بغداد يوم دفنه، ولم أر جمعاً أعظم من ذلك الجمع، رحمه الله تعالى.
وأبو القاسم الثمانيني الموصلي الضرير النحويّ، أحد أئمة العربية بالعراق، أخذ عن ابن جنِّي، وتصدّر للإفادة، وصنّف شرحاً للُّمع وكتاب في النحو وشرحاً للتصريف الملوكي، واسمه: عمر بن ثابت.
ومحمد بن عبد الواحد بن زوج الحرّة، أبو الحسن، أخو أبي يعلى، وأبي عبد الله، وكان أوسط الثلاثة. روى عن علي بن لؤلؤ وطائفة.
(2/281)
________________________________________
وأبو طاهر بن العلاف، محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ. روى عن القطيعي، وجماعة. وكان نبيلاً وقواً له حلقة للعلم بجامع المنصور.
سنة ثلاث وأربعين وأربعمئة
فيها في صفر، زال الأنس بين السنّة والشّيعة، وعادوا إلى أشدّ ما كانوا عليه، وأحكم الرافضة سوق الكرخ، وكتبوا على الأبراج: محمد وعليّ خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر، فاضطرمت نار الفتنة، وأخذت ثياب الناس في الطرق، وغلِّقت الأسواق، واجتمع للسنّة جمع لم ير مثله، وهجموا على دار الخلافة، فوعدوا بالخير، فثار أهل الكرخ، والتقى الجمعان، وقتل جماعة، ونهب باب التبن ونبشت عدّة قبور للشّيعة وأحرقوا، مثل العوني والناشي والجذوعي، وطرحوا النيران في التُّرب، وتمَّ على الرافضة خزي عظيم، فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه، وقتلوا مدرّسهم أبا سعد السرخسيّ، رحمه الله. وقال الوزير: إن وأخذنا الكّل خرب البلد.
وفيها أخذ طغرلبك أصبهان، بعد حصار سنة، فجعلها دار ملكه، ونقل خزائنه من الريِّ إليها.
وفيها هجمت الغزّ على الأهواز، وقتلوا ونهبوا، وعلموا كل قبيح.
وفيها كانت وقعة عظيمة، بين المعزّ بن باديس، وبين المصريين، قتل فيها من المغاربة نحو ثلاثين ألفاً.
وفيها توفي أبو علي الشاموخي المقرئ، الحسن بن علي، بالبصرة، وله جزء مشهور، روى فيه عن أحمد بن محمد بن العباس، صاحب أبي خليفة.
(2/282)
________________________________________
وعلي بن شجاع الشيباني المصقلي، أبو الحسن الأصبهاني الصوفي، توفي في ربيع الأول. روى عن الدَّارقطني وطبقته، وأسمع ولديه كثيراً.
وأوب القاسم الفارسي، عليّ بن محمد بن علي، مسند الديار المصرية، أكثر عن أبي أحمد بن الناصح، والذهلي، وابن رشيق توفي في شوال.
ومحمد بن عبد السلام بن سعدان، أبو عبد الله الدمشقي. روى عن جمح ابن القاسم، وأبي عمر بن فضالة، وجماعة. توفي في يوم عرفة، وعنده ستة أجزاء.
وأبو الحسن بن صخر الأزدي، القاضي محمد بن علي بن محمد البصري، بزبيد، في جمادى الآخرة، عن سنّ عالية، أملى مجالس كثيرة، عن أحمد بن جعفر السَّقطي، ويوسف النَّجيرمي، وخلق.
سنة أربع وأربعين وأربعمئة
فيها هاجت الفتنة ببغداد، واستعرت نيرانها، وأحرقت عدّة حوانيت، وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم: محمد وعلي خير البشر، وأذَّوا بحيّ على خير العمل، فاجتمع غوغاء السنّة، وحملوا حملة حربية على الرافضة، فهرب النظّارة، وازدحموا في درب ضيّق، فهلك ستّ وثلاثون امرأة، وستة رجال، وصبيان، وطرحت النيران في الكرخ، وأخذوا في تحصين الأبواب والقتال، والتقوا في سادس ذي الحجة، فجمع الطقطقي طائفة من الأعوان، وكنس نهر طابق من الكرخ، وقتل رجلين، ونصب رأسيهما على مسجد القلايين.
(2/283)
________________________________________
وفيها جرت حروب هائلة، بين الغزّ السلجوقية، وبين صاحب غزنة على الملك، وقتل عدد كير من الفريقين قتله جاهلية.
وفيها جهّز الملك الرحيم الديلمي، عسكراً لحرب أخيه، واقتتلوا في السفن أياماً.
وفيها عمل محضر كبير ببغداد، يتضمن القدح في نسب بني عبيد، الخارجين بالمغرب ومصر، وأن أصلهم من اليهود، وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فكتب فيه خلق من الأشراف والشِّيعة والسنّة وأولي الخبرة.
وفيها انتشرت جيوش الغزّ، وعاثوا ونهبوا ببلاد الجبل.
وفيها قدم عسكر الغزّ، فأغاروا على أطراف العراق، وقتلوا وسبوا وفتكوا.
وفيها بعث الملك الرحيم، وزيره والبساسيري فحاصر أخاه بالبصرة، وجرت لهما أمور طويلة، ثم هرب إلى طغرلبك، فأكرمه وزوّجه بابنته.
وفيها توفي أبو غانم الكراعي، أحمد بن علي بن الحسين المروزي.
روى عن أبي العباس عبد الملك بن الحسين النضري، صاحب الحرث بن أبي أسامة، وكان مسند خراسان في وقته، وآخر من روى عنه حفيده.
(2/284)
________________________________________
وأبو علي بن المذهب، راوية لأحمد، وهو الحسن ابن علي بن التميمي البغدادي الواعظ. قال الخطيب: كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحاً، إلا في أجزاء، فإنه ألحق اسمه فيها، وعاش تسعاً وثمانين سنة.
قلت: توفي في تاسع عشري ربيع الآخر. قال ابن نقطة: لو بين الخطيب في أي مسند هي، لأتى بالفائدة.
ورشأ بن نظيف بن ما شاء الله، أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدّ؟ ث، قرأ بدمشق ومصر وبغداد بالروايات. وروى عن أبي مسلم الكاتب. وعبد الوهاب الكلابي وطبقتهما. قال الكتّاني: توفي في المحرم، وكان ثقةً مأموناً، وانتهت إليه الرئاسة في قراءة ابن عامر.
وأبو القاسم الأزجي المحدِّث، عبد العزيز بن علي الخياط. روى عن ابن عبيد العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهما فأكثر، توفي في شعبان، وله ثمان وثمانون سنة، وكان صاحب حديث وسنة.
وأبو نصر السجزي الحافظ، عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري، نزيل مصر. توفي بمكة في المحرم، وكان متقناً مكثراً بصيراً بالحديث والسنّة، واسع الرحلة، رحل بعد الأربعمئة، فسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر، وروى عن الحاكم، وأبي أحمد الفرضي وطبقتهما. قال الحافظ ابن طاهر: سألت الحبّال عن الصوري والسجزي، أيّهما أحفظ؟ فقال: السجري أحفظ من
(2/285)
________________________________________
خمسين مثل الصوري، ثم ذكر حكاية في زهده.
وأبو عمرو الدَّاني، عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي، الحافظ المقرئ، أحد الأعلام، صاحب المصنفات الكثيرة المتقنة، توفي بدانية، في شوال، وله ثلاث وسبعون سنة. قال: ابتدأت بطلب العلم، سنة ست وثمانين وثلاثمئة، ورحلت إلى المشرق، سنة سبع وتسعين، فكتبت بالقيروان ومصر.
قلت: سمع من أبي مسلم الكاتب، وبمكة من أحمد بن فراس، وبالمغرب من أبي الحسن القابسي، وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي، وخلف ابن خاقان، وظاهر بن غلبون وجماعة.
قال ابن بشكوال: كان أحد الأئمة في علم القرآن، رواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه، وله معرفة بالحديث وطرقه ورجاله، وكان جيّد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، ديّناً ورعاً سنّياً. وقال غيره: كان مجاب الدعوة، مالكّي المذهب.
وناصر بن الحسين، أبو الفتح القرضي العمري المروزي الشافعي، مفتي أهل مرو، تفقه على أبي بكر القفّال، وأبي الطّيب الصعلوكي، وروى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي، صاحب ابن الضريس، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وعليه تفقه البيهقي، وكان فقيراً متعففاً متواضعاً.
(2/286)
________________________________________
سنة خمس وأربعين وأربعمئة
فيها انجفل الناس ببغداد، ووصلت السلجوقية إلى حلوان، يريدون العراق.
وفيها توفي تاج الأئمة، مقرئ الديار المصرية، أبو العباس أحمد بن علي ابن هاشم المصري، قر أعلى عمر بن عراك، وأبي عديّ، وجماعة. ثم رحل وقرأ على أبي الحسن الحمامي. توفي في شوال، في عشر السبعين.
وأبو إسحاق البرمكي، إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي. روى عن القطيعي، وابن ماسي، وطائفة. قال الخطيب: كان صدوقاً ديّناً فقيهاً، على مذهب أحمد، وله حلقة للفتوى، توفي يوم التروية، وله أربع وثمانون سنة.
قلت تفقه على ابن بطة، وابن حامد.
وأبو سعيد السمَّان، إسماعيل بن علي الرازي الحافظ، سمع بالعراق ومكة ومصر والشام، وروى عن المخلّص وطبقته. قال الكتّاني: كان من الحفاظ الكبار، زاهداً عابداً يذهب إلى الاعتزال.
قلت: كان متبحراً في العلوم، وهو القائل: من لم يكتب الحديث، لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وله تصانيف كثيرة، يقال إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، وكان رأساً في القراءات والحديث والفقه، بصيراً بمذهبي أبي حنيفة والشافعي، لكنه من رؤوس المعتزلة، وكان يقال أنه ما رأى مثل نفسه.
(2/287)
________________________________________
وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الكاتب، مسند أصبهان، وراوية أبي الشيخ، توفي في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين، وكان ثقة، صاحب رحلة إلى أبي الفضل الزهري، وطبقته.
وأبو عبد الله العلوي، محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكةفي، م سند الكوفة، في ربيع الأول، روى عن البكائي وطائفة.
سنة ست وأربعين وأربعمئة
فيها كانت الحرب الهائلة بالمغرب، بين ابن باديس، والعرب الذين دخلوا القيروان، من جهة صاحب مصر وجاهر العرب القيروان واليهم المؤامرات وعم البلاء بالعرب وانتقل المتعز إلى الهندية.
وفيها ملك طغرلبك إقليم أذربيجان صلحاً، ثم سار بجيوشه، فغزا الروم وسبى وغنم.
وفيه توفي أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ المحدِّث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف، ولد سنة اثنتين وستين وثلالاثمئة، وعني بالقراءات، ولقي الكبار، كأبي الفرج الشنَّبوذي، وعليّ بن الحسين الغضائري. وقرأ بالأهواز لقالون، في سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة، وروى الحديث عن نصر المرجي، والمعافى الجريري وطبقتهما، وهو ضعيف، اتهم في لقاء بعض الشيوخ، توفي في ذي الحجة.
(2/288)
________________________________________
وأبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ، أحد أئمة الحديث. روى عن عليّ بن أحمد بن صالح القزويني، وأبي حفص الكتّاني وطبقتهما، وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث.
وأبو محمد بن اللّبان التيمي، عبد الله بن محمد الأصبهاني. قال الخطيب: كان أحد أوعية العلم، سمع أبا بكر بن المقرئ، وأبا طاهر المخلّص وطبقتهما، وكان ثقة، صحب ابن الباقلاني، ودرس عليه الأصول، وتفقّه علي أبي حامد الإسفراييني، وقرأ القراءات، وله مصنفات كثيرة، سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، مات بأصبهان، في جمادى الآخرة.
ومحمد بن عبد الرحمن بن ع ثمان بن أبي نصر، أبو الحسين التميمي المعدَّل الرئيس، مسند دمشق وابن مسندها، سمع أبا بكر الميانجي، وأبا سليمان بن زبر، توفي في رجب.
سنة سبع وأربع ين وأربعمئة
فيها تملّك طغرلبك العراق، باستدعاء الخليفة ومكاتبته، لأن أرسلان البساسيري، كان قد عظم ببغداد، ولم يبق للملك الرحيم، ولا للخليفة معه، إلا الاسم. ثم بلغ الخليفة أنه عازم على نهب دار الخلافة، فاستنجد عليه بطغرلبك، وكان البساسيري غائباً بواسط، فنهبت داره ببغداد، برأي رئيس الرؤساء، فأقبل طغرلبك على الملك الرحيم، وفرغت دولة بني بويه، وعاثت العز بسواد العراق، وعفّروا الناس ونهبوهم، حتى أبيع الثور بعشرة دراهم.
(2/289)
________________________________________
وفيها توفي أبو عبد الله القادسي، الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزاز، روى عن أبي بكر القطيعي وغيره، ضعَّفه الخطيب، وفيه أيضاً رفضٌ توفي في ذي القعدة.
وابن ماكولا، قاضي القضاة، أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني الشافعي، توفي في شوال، وله ثمانون سنة. قال الخطيب: لم ير قاضٍ أعظم نزاهة منه.
وحكم بن محمد بن حكم، أبو العاص الجذامي القرطبي، مسند الأندلس، حجّ فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وإبراهيم بن علي التمّار، وأبي بكر المهندس، وقرأ على عبد المنعم بن غلبون، وكان صالحاً ثقة ورعاً صليباً في السنّة، مقلاّ زاهداً، توفي في ربيع الآخر، عن بضع وتسعين سنة.
وسليم بن أيوب، أبو الفتح الرازي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف والتفسير، وتلميذ أبي حامد الإسفراييني. روى عن أحمد بن محمد البصير، وطائفة كثيرة، وكان رأساً في العلم والعمل، غرق في بحر القلزم، في صفر، بعد قضاء حجّة.
وعبد الوهاب بن الحسين بن برهان، أبو الفرج البغدادي الغزّال، روى عن أبي عبد الله العسكري، وإسحاق بن سعد وخلق، وسكن صور، وبها مات في شوال، عن خمسٍ وثمانين سنة.
(2/290)
________________________________________
وأبو أحمد الغندجاني، عبد الوهاب بن محمد بن موسى. روى تاريخ البخاري، عن أحمد بن عبدان الشيرازي.
وأبو القاسم التنوخي، علي بن أبي علي المحسِّن بن علي البغدادي. روى عن علي بنن محمد بن كيسان، والحسين بن محمد العسكري، وخلق كثير، وأول سماعه في سنة سبعين. قال الخطيب: صدوق متحفظ في الشهادة، ولي قضاء المدائن ونحوها. وقال ابن خيرون: قيل كان رأيه الترفض والاعزال، مات في ثاني المحرم.
وذخيرة الدين ولي العهد، محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد، توفي في ذي القعدة، وله ست عشرة سنة، وكان قد ختم القرآن، وحفظ الفقه والنحو والفرائض، وخلف سريَّة حاملاً، فولدت ولداً سماه جدّه عبد الله، فهو المقتدي الذي ولي الخلافة بعد جدّه.
ومحمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها، توفي في ذي الحجة، وهو ثقة.
سنة ثمان وأربعين وأربعمئة
فيها تزوج القائم بأمر الله، بأخت طغرلبك، وتمكّن القائم، وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك.
وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط، وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب، من عسكر طغرلبك، ومن الأعراب، ومن
(2/291)
________________________________________
البساسيري، وخطب بالكوفة وواسط والموصل للمستنصر المصري، وفرحت الرافضة بذلك، واستفحل أمر البساسيري، وجاءته الخلع والتقليد من مصر، له ولقريش صاحب الموصل، ولدبيس صاحب الفرات، وأقاموا شعار الرفض.
وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد، أبو محمد الأنصاري الأندلسي الفقيه المالكي، حمل عن أبي محمد بن أبي زيد، وخلق، وعاش ثمانياً وثمانين سنة، وسكن مصر، وتوفي بالشام، في رمضان.
وابو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري راوي " صحيح مسلم " عن أبي عمرويه و " غريب الخطابي " عن المؤلف، كمَّل خمساً وتسعين سنة، ومات في خامس شوال، وكان عدلاً جليل القدر.
وأبو الحسن الفالي، علي بن أحمد بن علي المؤدِّب، ثقة. روى عن أحمد ابن خربان، وأبي عمر الهاشمي.
وأبو الحسن الباقلاني، علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي. روى عن القطيعي وغيره. قال الخطيب: لا بأس به.
وابن مسرور أبو حفص، عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد روى عن ابن نجيد وبشر بن أحمد الإسفراييني، وأبي سهل الصعلوكي وطائفة.
قال عبد الغافر: هو أبو حفص الفامي الماوردي الزاهد الفقيه، كان كثير العبادة والمجاهدة، كانوا يتبركون بدعائه، وعاش تسعين سنة، ومات في ذي القعدة.
وابن الطفّال، أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرء البزاز التاجر، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمئة. وروى عن ابن
(2/292)
________________________________________
حيويه، وأبي الطاهر الذهلي وابن رشيق.
وابن حيويه، وأبي الطاهر الذهلي وابن رشيق.
وابن الترجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزّي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الجندري، وعبد الواهب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأول بمصر، وله خمس وتسعون سنة، وكان صدوقاً.
وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، رواي السنن عن الدارقطني، وروى أيضاً عن أبي عمر بن حيَّويه وطائفة، توفي في جمادى الأولى، وكان ثقة حسن الأصول.
سنة تسع وأربعين وأربعمئة
فيها خلع القائم بأمر الله، على السلطان طغرلبك السلجوقي، سبع خلع، وطوّقه وسوّره وتوجه، وكتب له تقليداً بها وراء بابه وشافهه بملك المشرق والمغرب، فقدّم للقائم تحفاً، منها خمسون مملوكاً بخيلهم وسرحهم، وخمسون ألف دينار.
وفيها عجز ثمال بن صالح بن مرداس عن حلب للقحط، وسلمها بالأمان للمصريين.
وفيها كان الوباء المفرط بما وراء النهر، حتى قيل إنه مات فيه ألف ألف إنسان وستمائة ألف.
وفيها توفي أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر، صاحب التصانيف المشهورة، والزندقة المأثورة، والذكاء المفرط،
(2/293)
________________________________________
والزهد الفلسفي، وله ست وثمانون سنة. جدَّر وهو ابن ثلاث سنين، فذهب بصره، ولعله مات على الإسلام، وتاب من كفرياته، وزال عنه الشك.
وأبو مسعود البجلي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي الحافظ، وله سبع وثمانون سنة، توفي في المحرم ببخارى، وكان كثير الترحال، طوّف وجمع وصنَّف الأبواب، وروى عن أبي عمرو بن حمدان وحسينك التميمي وطبقتهما، وهو ثقة.
وأبو عثمان الصابوني، شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الواعظ المفسّر المصنف، أحد الأعلام. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وتوفي في صفر، وله سبع وسبعون سنة، وأول ما جلس للوعظ، وهو ابن عشر سنين، وكان شيخ خراسان في زمانه.
وابن بطّال، مؤلف " شرح البخاري " أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطّال القرطبي. روى عن أبي المطرف القنازعي، ويونس بن عبد الله القاضي، توفي في صفر.
وأبو عبد الله الخبّازي، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ، عن سبع وسبعين سنة. روى عن أبيه القراءات، وتصدّر وصنّف فيها، وحدَّث عن أبي محمد المخلدي وطبقته، وكان كبير الشأن وافر الحرمة، مجاب الدعوة، آخر من روى عنه الفراوي.
وأبو الفتح الكراجكي. والكراجكي الخيمي، رأس الشيّعة،
(2/294)
________________________________________
وصاحب التصانيف، محمد بن علي، مات بصور، في ربيع الآخر، وكان نحوياً لغوياً منجماً طبيباً متكلماً متفنِّناً، من كبار أصحاب الشريف المرتضى، وهو مؤلف كتاب " تلقين أولاد المؤمنين ".
سنة خمسين وأربعمئة
فيها سار طغرلبك ليأخذ الجزيرة، فنازل الموصل، وعمد ارسلان البساسيري، فكانت إبراهيم ينال يعده ويمنَّيه ويطعمه في الملك، فأصغى إليه وخالف على أخيه طغرلبك، وساق بفرقة من الجيش، وقصد الريّ، فانزعج طغرلبك، وساق وراءه ببعض الجيش، وترك بعض الجيش مع زوجته، ووزيره عميد الملك الكندري، وقامت الفتنة على ساقٍ، وتمّ للبساسيري ما دبَّر من المكر، وقدم بغداد، فدخلها في ذي القعدة بالرايات المستنصرية، واستبشرت الرافضة، وشمخوا وأذَّنوا بحيّ على خير العمل، وقاتلت السنّة دون القائم بأمر الله، ودامت الحرب في السفن أربعة أيام، وأقيمت الخطبة لصاحب مصر، ثم ضعف القائم، وخندق على داره، ثم تفرَّق جمعه، واستجار بقريش أمير العرب، فأجاره وأخرجه إلى مخيَّمه، وقبض البساسيري على الوزير رئيس الرؤساء، علي بن المسلمة، وشهره بطرطور على جمل، ثم صلبه، ونهبت دور الخلافة، وزالت الدولة العباسية، وحبس القائم بحديثه عانة، عند مهارش، وجمع البساسيري الأعيان كلهم، وبايعوه للمستنصر العبيدي قهراً، ثم أحسن إلى الناس ولم يتعصب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة داراً وراتباً، وقيل إنّ المستنصر أمدَّ البساسيري بأموال عظيمة، فوق الألف ألف دينار.
وفيها توفي الونّي صاحب الفرائض، استشهد في فتنة البساسيري، وهو
(2/295)
________________________________________
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي.
وأبو الطّيب الطبري، طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي، أحد الأعلام. روى عن أبي أحمد الغطريفي وجماعة، وتفقه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي، وسكن بغداد، وعمرّ مئة وسنتين: قال الخطيب: كان عارفاً بالأصول والفروع، محققاً صحيح المذهب.
قلت: سقنا أخباره في التاريخ الكبير، ومات في ربيع الأول، ولم يتغّير له ذهن.
وابو الفتح بن شيطا، مقرئ العراق ومصنف " التذكار في القراءات العشر "، عبد الواحد بن الحسين بن أحمد، أخذ عن الحمامي وطائفة، وحدّث عن محمد بن إسماعيل الوّراق وجماعة، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.
وعلي بن بقا، أبو الحسن المصري الوراق الناسخ محدّث ديار مصر.
روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي، وطائفة، وكتب الكثير.
والماوردي أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنف " الحاوي " و " الاقناع " و " أدب الدنيا والدين " وغير ذلك، وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستاً وثمانين سنة. تفقّه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وحدّث عن الحسن الجيلي، صاحب أبي خليفة
(2/296)
________________________________________
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59