عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-27-2012, 10:25 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

الفصل الخامس في رسائل الملامة والعتاب
"كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398 ه?"
لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ

لقد سرني أني خطرتُ ببالكِ

(1/71)
الأمير أطال الله بقاءه في حالي بره وجفائه متفضل وفي يومي إدنائه وإبعاده متطول وهنيئاً له من حمانا ما يحله ومن عرانا ما يحله ومن أعراضنا ما يستحله: بلغني انه أدام الله عزه استزاد صنيعه فكنت أظنني معجباً عليه مساء إليه فإذا أنا في قرارة الذنب ومثارة العتب وليت شعري أي محظور في العشرة حضرته أو مفروض من الخدمة رفضته أو واجب في الزيارة أهملته وهل كنت إلا ضيفاً أهداه منزع شاسع وأداه أمل واسع وحداه فضل وإن قل وهداه رأي وإن ضل ثم لم يلق إلا في آل ميكال رحله ولم يصل إلا بهم حبله ولم ينظم إلا فيهم شعره ولم يقف إلا عليهم شكره: ثم ما بعدت صحبة إلا دنت مهانة ولا زادت مرمة إلا نقصت ***** ولا تضاعفت منة إلا تراجعت منزلة ولم تزل الصفة بنا حتى صار وابل الأعظام قطرة وعاد قميص القيام صدره ودخلت مجلسه وحوله من الأعداء كتيبه فصار ذلك التقريب ازورارا وذلك السلام اختصاراً والاهتزاز إيماء والعبارة إشارة وحين عاتبته آمل إعتابه وكاتبته أنتظر جوابه وسألته أرجو إيجابه أجاب بالسكوت فما ازددت له إلا ولاء وعليه ثناء ولا جرم إني اليوم أبيض وجه العهد واضح حجة الود طويل لسان القول رفيع حكم العذر وقد حملت فلاناً من الرسالة ما تجافى القلم عنه والأمير الرئيس أطال الله بقاءه ينعم بالإصغاء لما يورده موفقاً إن شاء الله عز وجل.
"وكتب أيضاً إلى القاسم الكرجي المتوفى سنة 440 ه?"

(1/72)
بالتحمل أحاسب مولاي أيده الله على أخلاقه ضناً بما عقدت يدي عليه من الظن به والتقدير في مذهبه: لولا ذلك لقلت في الأرض مجال إن ضاقت ظلالك وفي الناس واصل إن رثت حبالك واأخذه بأفعاله: فإن أعارني أذناً واعية ونفساً مراعية وقلباً متعظاً ورجوعاً عن ذهابه ونزوعاً عن هذا الباب الذي يقرعه ونزولاً عن الصعود الذي يفرعه فرشت لمودته خوان صدري وعقدت عليه جوامع خصري ومجامع عمري وغن ركب من التعالي غير مركبه وذهب من التغالي في غير مذهبه أقطعته خطة أخلاقه ووليته جانب إعراضه.
ولا أذودُ الطير عن شجرٍ

قد بلوت المرّ من ثمره
فإني وإن كنت في مقتبل السن والعمر قد حلبت شطري الدهر وركبت ظهري البر والبحر ولقيت وفدي الخير والشر وصافحت يدي النفع والضر وضربت إبطي العسر واليسر وبلوت طعمي الحلو والمر ورضعت ضرعي العرف والنكر فما تكاد الأيام تريني من أفعالها غريباً وتسمعني من أحوالها عجيباً ولقيت الأفراد وطرحت الآحاد فما رأيت أحداً إلا ملأت حافتي سمعه وبصره وشغلت حيزي فكره وأثقلت كتفه في الحزن وكتفه في الوزن وود لو بادر القرن صحيفتي أو لقي صفيحتي فما لي صغرت هذا الصغر في عينه وما الذي أزرى بي عنده حتى احتجت وقد قصدته ولزم وقد حضرته.
أنا أحاشيه أن يجهل قدر الفضل أو يجحد فضل العلم أو يمتطي ظهر التيه على أهليه وأسأله أن يختصني من بينهم بفضل إعظام إن زلت بي مرة قدم في قصده وكأني به وقد غضب لهذه المخاطبة المجحفة والرتبة المتحيفة وهو في جنب جفائه يسير فإن أقلع عن عادته ونزع عن شيمته في الجفاء فأطال الله بقاء الأستاذ الفاضل وأدام عزه وتأييده.
"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى بالبصرة سنة 255 ه?"

(1/73)
والله يا قليب لولا أن كبدي في هواك مقروحة وروحي مجروحة لساجلتك هذه القطيعة وماددتك حبل المصارمة وأرجو أن الله تعالى يديل صبري من جفائك فيردك إلى مودتي وأنف القلى راغم فقد طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند الالتقاء والسلام.
"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفى سنة 740 ه?"
كتابي وقد خرجت من البلاد خروج السيف من الجلاء وبروز البلد من الظلماء وقد فارقتني المحنة وهي مفارق لا يشتاق إليه وودعتني وهي مودع لا يبكي عليه والحمد لله تعالى على محنة يجليها ونعمة ينيلها ويواليها كنت أتوقع أمس كتاب مولاي بالتسلية واليوم بالتهنية فلم يكاتبني في أيام البرحاء بأنها غمته ولا في أيام الرخاء بأنها سرته وقد اعتذرت عنه إلى نفسي وجادلت عنه قلبي فقلت أما إخلاله بالأولى فلأنه شغله الاهتمام بها عن الكلام فيها وأما تغافله عن الأخرى فلأنه أحب أن يوفر علي مرتبة السابق إلى الابتداء ويقتصر بنفسه على محل الاقتداء لتكون نعم الله سبحانه علي موفورة من كل جهة ومحفوفة بي من كل رتبة فإن كنت أحسنت الاعتذار عن سيدي فليعرف لي حق الإحسان وليكتب إلي بالاستحسان وإن كنت أسأت فليخبرني بعذره فإنه أعرف مني بسره وليرض مني بأني حاربت عنه قلبي واعتذرت عن ذنبه حتى كأنه ذنبي وقلت يا نفس اعذري أخاك وخذي منه ما أعطاك فمع اليوم والعود أحمد.
"وكتب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر المتوفى سنة 80 ه?"
أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك وذلك أنك ابتدأتني بلطف عن غير حبرة ثم أعقبته جفاء من غير ذنب فأطمعتني أولك في إخائك وأيأسني آخرك من وفائك فسبحان من لو شاء لكشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الشك فيك فاجتمعنا على ائتلاف وافترقنا على اختلاف والسلام.
"وكتب صديقي الأوفى زعيم الوطنية الشيخ عبد العزيز جاويش"

(1/74)
سيدي: مالي أراك كمن نسي الخليط وتجرد في الصحبة عن المحيط والمحيط فإذا ما صادفتك صدفت أو أنصفتك ما نصفت أتظن أني قعيدة بيتك أو رهين كيتك وذيتك فوحقك إذا آنست من يدي مللا أو من قدمي كللا لنجزتها البتات وكلت بنقصها الذات ولو أني آنست من الزاد فترة أو من الشراب عسرة لطعمت الطوى وأستقيت الجوى فكيف أداعب وتصاعب وأحالف وتخالف وأواصل وتفاصل وأجالب وتجانب لبئست مطيتك التي اقتدعت وشرعتك التي شرعت فوالله لولا أن الحب حادث لا يتقي بالتروس ومعنى لا يدب إلا في النفوس وسهام لا ترمى إلا من قسي الحواجب ونحو أوله المعية وآخره الجوازم لما افترست الظباء الصيد الأسود ولا ملكت الأحرار العبيد ولولا أني كرعت من صابه والتحفت ببردة أوصابه لتعوذت منك (بسورة الفلق) ونبذتك نبذ الرداء الخلق ولهان علي أن أدعك أو أسمعك.
تمرَّون الديارَ ولن تعوجو

كلامكمو عليّ إذاً حرامُ
غير أن لي نفساً شبت على الحب فلم أفطمها وتقادعت على ناره فلم أعصمها حتى بلغ السيل الزبى وتبددت النفس أيدي سبا إلا حشاشة غفل عنها الوجد وبقية رمق ألفيتها من بعد وكلما رأيت منك الشطط واعتساف الخطط عمدت إلى أن اثني من رسنها وأذود عن عطنها وشخصت إلى المكافحة والمكافأة وأن لا أكليك إلا مثلاً ولا أسقيك إلا وشلا ولا أزيدك إلا فشلا.
ولست أجزيك الجزاء الذي

على وفاءِ الصنع لا يخسه
وليس يبكي صاحباً من إذا

أهين لا يبكي على نفسه

على أني بالرغم أصبح في نهار أحلك من ليل وأمسي في ليل أشق على النفس من ويل.
وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

(1/75)
فإن تخلصت من لقائك فإلى الشقاء وإذا لجأت من عسفك فإلى العناء وإذا استجرت بفراقك فقد استجرت بالنار من الرمضاء وكأنك لم تدر أن دولة الحسن سريعة التقويض وأنه لابد من هبوط القمر إلى الحضيض ولسوف تبلى بعارض بيد أنه غير ممطر وبساعة مقبلك فيها مدبر وستصبح عما قريب قد عفت رسومك ولم تجد في سوق الصحبة من يسومك والعاقل من لا يختال بنفسه ولا يبني على غير أسه فإنك ما نضت لؤلؤة مبسمك ولا نضرت صورة معصمك ولا شئت فخلقت كما تشاء ولا اتخذت عند الله عهداً وهذا الوفاء ولكن مثلك من أفرغه الله في القالب الذي اختار وجعله مرتع النفوس ومسرح الأبصار وغني أبها العزيز قد تقدمت إليك.
ولي أملق قطعتُ به الليالي

أراني قد فنيت به وداما

فلا تحرمني من سائغ العفو وسابغه ولا تجعلني (كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ) [الرعد: 14].
فأشدُ ما لقيتُ من ألم الجوى

قربُ ****** وما إليه وصولُ
كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما

والماءُ فوق ظهورها محمولُ

(1/76)
فاعمل في يومك لغدك واستجز غيرك ببسط يدك ولا تأخذني بجرم الجاني المتلبس ولا تبتغ مني صحيفة المتلمس بيد أني أنشدك الذي بلى العاشق بالمعشوق وكلفه في الحب بيض الأنوق وسهد طرفه بنواعس العيون وخول للحسن (إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس: 82] كما قرن الهوى بالنوى والقلب بالجوى وقضى على المحب ونشر العشق فلم يحتجب ما الذي أغرى إلى الإعتكاف وعدم الإنصاف ألين الأعطاف أم فتور الأجفان أم تكسر الكلام أم هيف القوام؟ لقد شددت أزرك والله بضعاف واستمنت تلك العجاف وهل حدا إلى قطيعتي بك أني خشن الملمس رث الملبس ولم أمنح كما منحت نضرة ولم ألبس برقع البياض والحمرة فأعلم أنك إن تظرتني بعين الرضا ورحمت فؤاداً يتقلب منك على جمر الغضا فستجدني صديقك الذي لا يبطره الوفاء ولا يثنيه الجفاء املك لك من لسان وأطوع لأمرك من بنان: أكتب فأين لعبد الحميد الكاتب قلمي وأشعر فأين الشعراء إلا تحت علمي وأبذل فأين حاتم من كرمي وأحلم فأين أحنف من حلمي.
وحسبك فخراً أن يجود بنفسه

على رغب منْ ليس يأملُ في الشكر
ومن يحتمل في الحب ما فوق كاهلي

فحسبك حلماً أن يقيمَ على الهجرِ

فإن أصخت إلى الداعية ووعيت كلمات لا تسمع فيها لاغية فإليك الجزاء وعلي الوفاء وإلا فالفرار إلى الموت أمرٌ يسير والقبر للعشاق قليلٌ من كثير.
"وكتب المرحوم حفني بك ناصف إلى سماحة السيد توفيق البكري"
كتابي إلى السيد السند ولا أجشمه الجواب عنه فذلك ما لا انتظره منه وإنما أسأله أن ينشط إلى قراءته ويتنزل إلى مطالعته وله الرأي بعد ذلك أن يحاسب نفسه أو يزكيها ويحكم عليها أو لها.
فقد تنفعُ الذكرى إذا كان هجرُ همو

دلالا فأما إن ملالاَ فلا نفعاً

(1/77)
زرت السيد ويعلم الله أن شوقي إلى لقائه كحرصي على بقائه وكلفي بشهوده كشغفي بوجوده فقد بعد والله عهد هذا التلاق وطال أمد الفراق وتصرم الزمان وأنا من رؤيته في حرمان فسألت عنه فقيل لي أنه خرج لتشييع زائر وهو عما قليل حاضر فانتظرت رجوعه وترقبت طلوعه ولم أزل أعد اللحظات وأستطيل الأوقات حتى بزغت الأنوار وارتج صحن الدار وظهر الاستبشار على وجوه الزوار وجاء السيد في مركبه وجلالة محتده ومنصبه فقمنا لاستقباله وهينمنا بكماله فمر يتعرف وجوه القوم حتى حازاني وكبر على عينه أن يراني فغادرني ومن على يساري وأخذ في السلام على جاري وجر السلام الكلام وتكرر القعود والقيام وأنا في هذه الحال أوهم جاري أني في داري وأظهر للناس أن شدة الألفة تسقط الكلفة ومر السيد بعد ذلك من أمامي ثلاث مرات ومن الغريب أنه لم يستدرك ما فات.
تمرّون الديارَ ولن تعرجوا

كلامكمو عليَّ إذنْ حرام
وكنت أظن أن مكانتي عند السيد لا تنكر أن عهدي لديه لا يحفر فإذا أنا لست في العير ولا في النفير وغيري عند السيد كثير وذهاب صاحب أو أكثر عليه يسير.
ومن مدتِ العليا إليه يمينها

فأكبر إنسان لديه صغيرُ

ولا أدعي أني أوازي السيد صانه الله في علو حسبه أو أدانيه في علمه وأدبه أو أقاربه في مناصبه ورتبه أو أكاثره في فضته وذهبه وإنما أقول ينبغي للسيد أن يميز بين من يزوره لسماع الأغاني والأذكار وشهود الأواني على مائدة الإفطار وبين من يزوره للسلام وتأييد جامعة الإسلام وأن يفرق بين من يتردد عليه استخلاصاً للخلاص ومن يتردد إجابة لدعوة الإخلاص وأن لا يشتبه عليه طلاب الفوائد بطلاب العوائد وقناص الشوارد بنقاء الموالد ورواد الطرف بأرباب الحرف.
فما كلُ منْ لقيتَ صاحبُ حاجةٍ

ولا كل من قابلت سائلك العرفا

(1/78)
فإن حسن عند السيد أن يغضي عن بعض الجناس فلا يحسن أن يغضي عن جميع الناس وإلا فلماذا يطوف على بعض الضيوف ويحييهم بصنوف من المعروف ويتخطى الرقاب "لصروف" ويخترق لأجله الصفوف فإن زعم السيد أنه اعلم بتصريف الأقلام فليس بأقدم هجرة في الإسلام وإن رأى أنه أقدر مني على إطرائه فليس بممكن أن يتخذه من أوليائه.
ولا أرومُ بحمد الله منزلة

غيري أحقُ بها مني إذا راما

وإنما أصونُ نفسي عن المهانة والضعة

ولا اعرّضها للضيق وفي الدنيا سعة

وأكرم نفسي أنني إن أهنتها

وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فلا يصعر السيد من خده فقد رضيت بما ألزمني من بعده ولا يغض من عينه فهذا فراقٌ بيني وبينه وليتخذني صاحباً من بعيد ولا يكلمني إلى يوم الوعيد.
كلانا غنيّ عن أخيه حياتهُ

ونحن إذا متنا أشدُ تغانيا

ومن يعلى السيد السلام على الدوام ومبارك إذا لبس جديداً وكل عام وهو بخير إذا استقبل عيداً ومرحى إذا أصاب وشيعته السلامة إذا غاب وقدوماً مباركاً إذا آب وبالرفاء والبنين إذا أعرس وبالطالع المسعود إذا أنجب ورحمه الله إذا عطس ونوم العافية إذا نعس وصح نومه إذا استيقظ وهنيئاً إذا شرب وما شاء الله كان إذا ركب ونعم صاحبه إذا انفجر الفجر وسعد مساؤه إذا أذن العصر وبخ بخ إذا نثر ولا فض فوه إذا شعر وأجاد وأفاد إذا خطب وأطرب واغرب إذا كتب وإذا حج البيت فحجاً مبروراً وإذا شيع جنازتي فسعياً مشكوراً: والسلام.
الفصل السادس في رسائل الشكوى
"كتب الأمير أبو الفضل الميكالي المتوفى سنة 436 ه?"

(1/79)
إنما أشكو إليك زماناً سلب ضعف ما وهب وفجع بأكبر مما متع وأوحش فوق ما آنس وعنف في نزع ما البس فإنه لم يذقنا حلاوة الاجتماع حتى جرعنا مرارة الفراق ولم يمتعنا بأنس الالتقاء حتى غادرنا رهن التلهف والاشتياق والحمد الله تعالى على كل حال يسوء ويسر ويحلو ويمر ولا أيأس من روح الله في إباحة صنع يجعل ربعه مناخي ويقصر مدة البعاد والتراخي فألاحظ الزمان بعين راض ويقبل إلي حظي يعد إعراض وأستأنف بعزته عيشاً عذب الموارد والمناهل مأمون الآفات والغوائل.
"وكتب عبد الحميد بن يحيى المقتول سنة 132 إلى أهله
وهو مهزم مع مروان" أما بعد، فإن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها ومن عضته بناتها ذمها ساخطاً عليها وشكاها مستزيداً لها وقد كانت أذاقتنا أفاويق اسحليناها ثم جمحت بنا نافرة ورمحتنا مولية فملح عذبها وخشن لينها فأبعدتنا من الأوطان وفرقتنا عن الإخوان فالدار نازحة والطير بارحة وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بعداً وإليكم وجدا فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكن آخر العهد بكم وبنا وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار من يليكم نرجع إليكم بذل الإسار والذل شر جاز نسأل الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يهب لنا ولكم ألفة جامعة في دار آمنة تجمع سلامة الأبدان والأديان فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين.

"وكتب أستاذي الحكيم الشيخ محمد عبده وهو مسجون
بسبب الحوادث العرابية"
تقلّدتني اللّيالي وهي مدبرةٌ

كأنني صارمٌ في كفّ منهزم

(1/80)
عزيزي (هذه حالتي) اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر فأخذت صخوره من مركز الأرض إلى المحيط الأعلى واعترضت ما بين المشرق والمغرب وامتدت إلى القطبين فاستحجرت في طبقاتها طباع الناس إذ تغلبت طبيعتها على المواد الحيوانية أو الإنسانية فأصبحت قلوب الثقلين (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً) [البقرة: 74] فتبارك الله أقدر الخالقين انتثرت نجوم الهدى وتدهورت الشموس والأقمار وتغيبت الثوابت النيرة وفر كل مضيء منهزماً من عالم الظلام ودارت الأفلاك دورة العكس ذاهبة بنيراتها إلى عوالم غير عالمنا هذا فولى معه آلهة الخير أجمعين وتمحضت السلطة لآلهة الشر فقلبوا الطباع وبدلوا الخلق وغيروا خلق الله وكانوا على ذلك قادرين.
رأيت نفسي اليوم في مهمة لا يأتي البصر على أطرافه في ليلة داجية غطي فيها وجه السماء بغمام سوء فتكاثف ركاماً ركاماً لا أرى إنساناً ولا أسمع ناطقاً ولا أتوهم مجيباً أسمع ذئاباً تعوي وسباعاً تزأر وكلاباً تنبح كلها يطلب فريسة واحدة هي ذات الكاتب والتف على رجلي تنينان عظيمان وقد خويت بطون الكل وتحكم فيها سلطان الجوع ومن كانت هذه حاله فهو لا ريب من الهالكين.
تقطع الأمل وانفصمت عروة الرجاء وانحلت الثقة بالأولياء وضل الاعتقاد بالأصفياء وبطل القول بإجابة الدعاء وانفطر من صدمة الباطل كبد السماء وحقت على أهل الأرض لعنة الله والملائكة والأنبياء وجميع العالمين.

(1/81)
سقطت الهمم وخربت الذمم وغاض ماء الوفاء وطمست معالم الحق وحرقت الشرائع وبدلت القوانين ولم يبق إلا هوى يتحكم وشهوات تقضى وغيظ يحتدم وخشونة تنفذ "تملك سنة القدر" و(اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف: 52].
ذهب ذوو السلطة في بحور الحوادث الماضية يغوصون لطلب أصداف من الشبه ومقذوفات من التهم وسواقط من اللمم ليموهوها بمياه السفسطة ويغشوها بأغشية من معادن القوة ليبرزوها في معرض السطوة ويغشوا بها أعين الناظرين لا يطلبون ذلك لغامض يبينونه أو لمستور يكشفونه أو لحق خفي فيهرونه أو خرق بدا فيرقعونه أو نظام فاسد فيصلحونه كلا: بل ليثبتوا أنهم في حبس من حبسوا غير مخطئين، وقد وجدوا لذلك أعواناً من حلفاء الدناءة وأعداء المروءة وفاسدي الأخلاق وخبثاء الأعراق رضوا لأنفسهم قول الزور وافتراء البهتان واختلاق الإفك وقد تقدموا إلى مجلس التحقيق بتقارير محشوة من الأباطيل ليكونوا بها علينا من الشاهدين، كل ذلك لم تأخذني فيه دهشة ولم تحل قلبي وحشة بل أنا على أتم أوصافي التي تعلمها غير مبالٍ بما يصدر به الحكم أو يبرمه القضاء، عالماً بأن كل ما يسوقه القدر وما ساقه من البلاء فهو نتيجة ظلم لا شبهة للحق فيه، لأن الله تعالى يعلم كما أنت تعلم أنني بريء من كل ما رموني به، ولو أطلعت عليه لوليت منه رعباً وكنت من الضاحكين.
نعم حنقني الغم وأحمى فؤادي الهم وفارقني النوم ليلة كاملة عند ما رأيت اسمك الكريم واسم بقية الأبناء والأخوان المساكين تنسب إليهم أعمال لم تكن وأقوال لم تصدر عنهم لقصد زجهم في المسجونين.
لكن اطمأن قلبي وسمن جأشي عندما رأيت تواريخ التقارير متقادمة ومع ذلك لم يصلكم شرر الشر فرجوت أن الحكومة لم ترد أن تفتح باباً لا يذر الأحياء ولا الميتين.
قدم فلان وفلان تقريرين جعلا تبعات الحوادث الماضية على عنقي ولم يتركا شيئاً من التخريف إلا قالاه وذكرا أسماءكم في أمور أنتم جميعاً أبعد الناس عنها، لكن لا

(1/82)
حرج عليهما فإني لأراهما من المجانين، ولم أتعجب من هذين الشخصين إذ يعملان مثل هذا الذنب القبيح ويرتكبان هذا الجرم، الشنيع ولكن أخذني العجب "كل العجب غاية العجب بالغ ما شئت في عجبي"، إذ أخبرني المدافع عني بتقرير قدمه فلان الذي أرسلت إله السلام وأبلغته سروري عندما سمعت باستخدامه، وأنا في هذا السجن رهين.

إلى هذا الوقت لم يصلني التقرير ولكن سيصل إلي إنما فيما بلغني أنه شهادة بأقبح شيء لا يشهد به إلا عدو مبين: هذا اللئيم الذي كنت أظن أنه يألم لألمي ويأخذه الأسف لحالي ويبذل وسعه إن أمكنه في المدافعة عني فكم قدمت له نفعاً ورفعت له ذكراً وجعلت له منزلة في قلوب الحاكمين: كم سمعني أقاوم هجاء الجرائد وأوسع محرريها لوماً وتقريعاً وأهزأ بتلك الحركات الجنونية وكان هو علي في بعض أفكاري هذه من اللائمين: كان ينسب فلاناً لسوء القصد اتباعاً لرأي فلان وأعارضه أشد المعارضة، ثم لم أنقض له عهداً ولم أبخس له ودا وحقيقة كنت مسروراً لوجوده موظفاً فما باله أصبح من الناكثين: آه ما أطيب هذا القلب الذي يملي هذه الأحرف، ما أشد حفظه للولاء، ما أغيره على حقوق الأولياء، ما أثبته على الوفاء، ما أرقه على الضعفاء، ما أشد اهتمامه بشؤون الأصدقاء، ما أعظم أسفه لمصائب من بينهم وبينه أدنى مودة، وإن كانوا فيها غير صادقين، ما أبعد هذا القلب من الإيذاء ولو للأعداء، ما أشده رعاية للود، ما أشده محافظة على العهد ما أعظم حذره من كل ما توبخ عليه الذمم الظاهرة، ما أقواه على العمل الحق، والقول الحق، لا يطلب عليه جزاء، وكم اهتم بمصالح قوم وكانوا عنها غافلين، هذا القلب الذي يؤلمونه بأكاذيبهم هو الذي سر قلوبهم بالترقية وملأها فرحاً بالتقدم ولطف خواطرهم بحسن المعاملة وشرح صدورهم بلطيف المجاملة ودافع عنهم أزماناً "خصوصاً هذا اللئيم" أفنشرح الصدور وهم يحرجون ونشفي القلوب وهم يؤلمون ونفرحها وهم يحزنون؟ تالله (قَدْ ضَلّواْ وَمَا

(1/83)
كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [الأنعام: 140] هذا القلب ذاب معظمه من الأسف على ما يلم بالهيئة العمومية من مصائب هذه التقلبات وما ينشأ عنها من فساد الطباع الذي يجعل العموم في قلق مستديم، وما بقي من هذا القلب فهو في خوف على من يعرفهم على عهد مودته، فإن تسللوا جميعاً بمثل هذه العمال اصبحوا من مودته خالين واتخذوه وقاية لهم من المضرة وجعلوه ترساً يعرضونه لتلقى سهام النوائب التي يتوهمون تفويقها إليهم كما اتخذوه قبل ذلك سهماً يصيبون به أغراضهم فينالون منها حظوظهم فقد أراحوا تلك البقية من الفكر فيهم، والله يتولى حسابهم (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام: 62]، آه ما أظن أن تلك البقية تستريح من شاغل الفكر في شؤون الأحبة وإن جاروا في تصرفهم.
إن طبيعة هذا القلب لطبيعة ناعم الخز إذا اتصل بذي الود وإن كان خشناً فصعب أن ينفصل ولو مزقته خشونته، وإن هذا القلب في علاقة مع الأوداء كالضياء مع الحرارة أيما حادث يحدث وأيما كيماوي يدقق لا يجد للتحليل بينهما سبيلاً، وأظنك في العلم بثبوت تلك الطبيعة فيه كنت من المتحققين.
"وكتب حافظ بك ابراهيم إلى الأستاذ الإمام الحكيم الشيخ محمد عبده"
كتابي إلى سيدي وأنا من وعده بين الجنة والسلسبيل ومن تيهي به فوق النثرة والإكليل وقد تعجلت السرور وتسلقت الحبور وقطعت ما بيني وبين النوائب.
وبشّرتُ أهلي بالذي قد سمعتهُ

فما منحتي إلاّ ليالٍ قلائل

وقلت لهم للشيخ فينا مشيئةٌ

فليس لنا من دهرنا ما ننازلُ
وجمعت فيه بين ثقة الزبيدي بالصمصامة والحارث بالنعامة فلم أقل ما قال الهذلي لصاحبه حين نسي وعده وحجب رفده.
"يا دار عاتكة التي أتغزل" بل أناديه نداء الأخيذة في عمورية شجاع الدولة العباسية وأمد صوتي بذكر إحسانه مد المؤذن صوته في آذانه واعتمد عليه في البعد والقرب اعتماد الملاح على نجمة القطب.
وقال أصيحابي وقد هالني النَّوى

وهالهمُ أمري متى أنتَ قافل

(1/84)
فقلت إذا شاء الإمامُ فأوبتي

قريبٌ وربعي بالسَّعادة آهلُ

وهأنا متماسك حتى تنحسر هذه الغمرة وينطوي أجل تلك الفترة وينظر لي سيدي نظرة ترفعني من (ذَاتِ الصّدْعِ) [الطارق: 12] إلى (ذَاتِ الرّجْعِ)[الطارق: 11] وتردني إلى وكري الذي فيه درجت رد الشمس قطرة المزن إلى أصلها ورد الوفي الأمانات إلى أهلها.
فإن شاءَ فالقربُ الذي قد رجوته

وإن شاءَ فالعزُّ الذي أنا آملُ

وإلاَّ فإني قافُ رؤبةَ لم أزل=بقيد النَّوى حتى تغولَ الغوائلُ
فلقد حللت السودان حلول الكليم في التابوت والمغاضب في جوف الحوت بين الضيق والشدة والوحشة والوحدة: لا، بل حلول الوزير في تنور العذاب والكافر في موقف الحساب بين نارين نار القيظ ونار الغيظ.
فناديت باسم الشيخ والقيظ جمرهُ

يذيب دماغ الضّب والعقل ذاهل
فصرت كأني بينَ روضٍ ومنهلٍ

تدبُّ الصّبا فيه وتشدو البلابل

واليوم أكتب إليه وقد قعدت همة النجمين وقصرت يد الجديدين. عن إزالة ما في نفس ذلك الجبار العنيد فلقد نما ضب ضغنه علي وبدرت بوادر السوء منه إلي فأصبحت كما سر العدو وساء الحميم وآلامي كأنها جلود أهل الجحيم كلما نضج منها أديم تجدد أديم وأمسيت وملك آمالي إلى الزوال أسرع من أثر الشهاب في السماء ودولة صبري إلى الاضمحلال أحث من حباب الماء فنظرت في وجوه تلك العباد وإني لفارس العين والفؤاد فلم تقف فراستي على غير بابك.
وإني أهديك سلاماً لو امتزج بالسحاب واختلط منه باللعاب لأصبحت تتهادى بقطرة الأكاسرة وأمست تدخر منه الرهبان في الأديرة ولأغنى ذات الحجاب عن الغالية والملاب ولابدع إذا جاد السيد بالرد فقد يرى وجه المليك في المرآة وخيال القمر في الإضاءة وإن حال حائل دون أمنية هذا السائل فهو لا يذم يومك ولا ييأس من غدك فأنت خير ما تكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً: والسلام.
الفصل السابع في رسائل العيادة
"كتب ابن الرمي المتوفي سنة 284ه? إلى بعضهم"

(1/85)
لأذن الله في شفائك وتلقى داءك بدوائك ومسح بيد العافية عليك ووجه وفد السلامة إليك وجعل علتك ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك.

"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 383ه?"
وصل كتابك يا سيدي فسرني نظري إليه ثم غمني اطلاعي عليه لما تضمنه من ذكر علتك جعل الله أولها كفارة وآخرها عافية ولا أعدمك على الأولى أجراً وعلى الأخرى شكراً: وبودي لو قرب علي متناول عيادتك فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك ومرض قلبي فيك لمرض جسمك.. وأظن أني لو لقيتك عليلاً لانصرفت عنك وأنا أعل منك فإني بحمد الله تعالى جلد على أوجاع أعضائي غير جلد على أوجاع أصدقائي شفاك الله وعافاك.
الفصل الثامن في رسائل التهاني
"كتب في التهنئة بالأولاد أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
أهلاً وسهلاً بعقلية النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار.
ولو كانَ النّساء كمثل هذي

لفضّلتِ النّساءُ على الرّجالِ
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ

ولا التّذكيرُ فخرٌ للهلالِ

والله يعرفك البركة في مطلعها والسعادة بموقعها فالدنيا مؤنثة والناس يهدمونها والذكور يعبدونها والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية وفيها كثرت الذرية والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحليت بالنجوم الثواقب والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان وملاك الحيوان والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام ولا تحرك الأنام والجنة مؤنثة وبها وعد المقتون وفيها تنعم المرسلون فهنيئاً هنيئاً ما أوليت وأوزعك الله شكر ما أعطيت وأطال بقاءك ما عرف النسل وما بقي الأبد.
"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه? إلى الدواردي يهنيه بمولود"

(1/86)
حقاً لقد أنجز الإقبال وعده ووافق الطالع سعده وإن الشأن لفيما بعده وحبذا الأصل وفرعه وبورك الغيث وصوبه وأينع الروض ونوره وحبذا سماء أطلعت فرقداً وغابة أبرزت أسداً وظهر وافق سنداً وذكر يبقى أبداً ومجد يسمى ولداً وشرف لحمة وسدى.
أنجب كلٌّ منْ والديه به

إذْ نجلاه فنعمَ ما نجلا
فألفياه شهاب ذكاء وبدر علاء.
ووجداهُ ابنْ جلا

أبيضَ يدَّعى الجفلى
لمثلهِ أولى فلا

إذا النَّديُّ احتفلا

"وكتب في التهنئة بالقدوم أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
أهنيء سيدي ونفسي تطيب بما يسر الله من قدومه سالماً وأشكر الله على ذلك شكراً دائماً جعل الله قدومك بالخيرة التامة العامة والكفاية الشاملة الكاملة.

غيبة المكارم مقرونة بغيبتك وأوبة النعم موصولة بأوبتك: فوصل الله قدومك من الكرامة بأضعاف ما قرن به مسيرك من السلامة وهناك بإيابك وبلغك غاية محابك مازلت بالنية معك مسافراً وباتصال الذكر والفكر ملاقياً إلى أن جمع شمل سروري بأوبتك وسكن نافر قلبي بعودتك.
"وكتب أيضاً في التهنئة برمضان"
ساق الله إليك سعادة إهلاله وعرفك بركة كماله لقاك الله فيه ما ترجوه ورقاك إلى ما تحب في ما تتلوه جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقروناً بأفضل القبول مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول ولا أخلاك من بر مرفوع ودعاء مسموع قابل الله بالقبول صاميك وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك أعاد الله إلى مولاي أمثاله وتقبل فيه أعماله وأصلح في الدين والدنيا أحواله وبلغه منها آماله سعد الله مولاي بهذا الشهر ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر.
"وكتب أبو الفرج الببغاء المتوفي سنة 398ه? تهنئة"

(1/87)
سيدي: أيده الله، أرفع قدراً. وأنبه ذكراً وأعظم نبلاً وأشهر فضلاً من أن نهنئه بولاية وإن جل خطرها وعظم قدرها. لأن الواجب تهنئه الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله والأقاليم بآثار رياسته والولايات بسمات سياسته فعرفه الله بمن ما تولاه ورعاه في سائر ما استرعاه ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه والتسديد فيما يبرمه ويمضيه.
"وكتب رشيد الدين الوطواط المتوفي سنة 573ه? تهنئة بالقدوم من سفر"
بلغني إياب سيدي زانه الله بصنوف المعالي وصانه من صروف الليالي من سفرته الميمونة التي أسفرت عن نيل المراد وتسهيل البغية إلى دار أقامته ومستقر كرامته لم يؤثر فيه نصب السير وعناؤه وكلال السفر وعثاؤه فبلغ سروري بذلك مبلغاً يضاهي ما كنت بصدده من الجزع لغيبته فحمدت الله تعالى على ما يسر له من الرجوع إلى مغانيه والطلوع على بلدة جر فيها ذيول أمانيه فسألته عظمت هيبته أن يجعل ما أنعم به عليه من قرب الدار ودنو المزار موصولاً بطول العمر والبقاء مقروناً بدوام العز والعلاء أنه سميع الدعاء.
"كتب المرحوم الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
أي جهابذة الكنانة نبال الجنابة مياه الأجانة أبناء تلك اللغى صناديد هذه الوغى إليكم يساق الحديث في القديم والحديث عن هذا النبأ العظيم والمجد الصميم مالي أرى في لغتنا الشريفة "ويعلم أولو النهي آية هي من اللغات أحق بهذا النبر أن يصرف إليها عند الإطلاق" هبوباً غب خمول وترة بعد تحول ونوراً عقيب أفول ونوراً إثر ذبول وصبا وراء قبول وعدلاً ولا حيف وقوة ولا ضعف وما يشاء المطري في هذا القبيل من العطف.
آمنت بالقدر المقدور والبعث والنشور كذلك يحيي الله الموتى.
أليس رجل واحد أسفرت عنه عناية التوفيق فألقت إليه المقاليد بلى ولكنه الواحد الذي يقول في مثله صاحب بني ميكال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ

وواحدٌ كالألف إن أمرٌ عنا

(1/88)
إي ورب تلك البنية باريء نسم البرية إنه لرجل البلاد رجل الحزم والسداد ألم تر جنابه وحنانه وبنانه وبيانه عوامل رفع لهذه اللغة لغة الفرقان لغة الأوطان لا بل أمضى من العوامل حتى ظلت آدابها فرائض وقد كانت وما بالعهد من قدم نوافل ومن حليها أجياد اللهجات عواطل اللهم إلا بقية ثمد قد منيت صحفها الأود ففقدت الجلد والجلد وبعد أن راج سوق الرطانة ونضب ماء الإبانة وخبت أنوار البلاغة وزوت أنوار النباعة وكسد البيان وقوض منه البنيان وأصبحت العربية لقى ملقاه وبضاعة مزجاه فأي هذا اليراع لا أقل من نفثات في صوغ كليمات تقدر هذه النعمة قدرها ويمنحها شكرها.
ويحك هب من سنتك في حلية مقتك وانض حسامك واشحذ كهامك وانشل كنانتك وأعمل بنانتك وصغ إن استطعت تهانئ غرا بل عقوداً درا بل أنجماً زهراً مشتاراً منن خلايا ذلك الأري الشهي الندي الذكي ما جرست نحلة الشيح والخزامى وأطايب الثمار وأزاهي الأزهار تهديهن أولئك المصاقع شكراناً لتلك النعم تجميعاًُ لشواردها وتقييداً لأوابدها كما شبهها رسول الله ( وهو الصادق المصدوق وإشفاقاً عليها من الجماح بعد ذلك الارتياح.
فإليكم بني هذه اللغة كتابي هذا تهنئة بتلك النهضة العربية في إبان كما تعلمون وجهه مكفهر وبدنه مقشعر وثناء على العناية التوفيقية والعزمة الرباضية.

على أن لهذا المولى الوزير سوى ذلك أيادي مبرورة ومساعي مشكورة أكسبت الوطن وأهلية نهضات وأقالته كثيراً من العثرات لكنني آثرت تلكم النهضة العربية بتهنئتكم بها، أي بني جلدتي وإخوان حرفتي لكونها فيما إخال لا بل فيما أتيقن ويتيقن أولو الحجا أعظم النهضات وأيمن ما اجتازه الوطن من العقبات ولو كان في نطاق الإمكان زيادة البيان في هذا الشأن لأسهبت وأوسعت وأطريت وأظنبت ولو لم يكن في تلك النهضة إلا أن حياة الأمة حياة لغتها فحسب لكفاك وشفاك وأغناك وكان ذلك قصاراك وحماداك.
"وكتب الأستاذ محمود بك أو النصر"

(1/89)
إنسان عين الفضائل عزيزي فلان المحترم.
نور على نور وشفاء لما في الصدور شفاؤك أيها العزيز من ذلك الرمد: قد أنجز الإقبال ما وعد وابتهجت النفوس الطروس واهتزت الأقلام وأعلنت بالسلام.
ولاح فجرُ التّهاني بالبشائر إذ

حيّتْ فأحيتْ ربوعَ الفضل والأدب
وكيف لا وأنت واحد الكتاب وإنسان عين الآداب رمدت فرمدت وشفيت فاهتزت وربت وقد كان طرفها كليلً وفؤادها عليلاً واليوم زال العناء وحق الهناء ووافى الشفاء فكان برداً وسلاماً على القلوب وقميص يوسف في أجفان يعقوب.
فلك الهناء بصحّةٍ ميمونةٍ

أبداً على مرّ الدُّهور وتدوم
وإن الله ما قضى بما قد مضى إلا ليعرف سيدي مكانته من القلوب ومنزلته من الفضل وهذه حلل العافية قد خلعت عليك وثياب السلامة سيقت إليك فوافى السرور وعم الحبور والله يبلغك بالصحة والأعمال منتهى الآمال والسلام.

"وكتب الوزير عبد الله باشا فكري المتوفي سنة 1307ه? في تهنئة العيد"
هذا يوم نشر البشر فيه أعلامه وأضاءت الدنيا وازدانت الآفاق ببهجة هذا العيد السعيد وأخذ الأحبة يتهادون رسائل البشائر فيما بينهم وكل حزب فرحون بما لديهم بما أودع فيهم من روابط المحبة وعوامل الاتحاد السارية في النفوس: أما أنا فعيدي وبهجة نفسي وسرور فؤادي دوام إقبال الزمان عليك بوجه النصر وعود أعياد السرور على جبانك الرفيع فمثلك تشرق الدنيا بطلعته وتفرح الأعياد برؤيته.
وأرى الحياةَ لذيذةً بحياته

وأرى الوجودَ مشرفاً بوجودهِ

لو أنني خيرتُ من دهري المنى

لاخترتُ طولَ بقائه وخلودهِ

أعاد الله عليك أيها الأخ أمثاله وأمثال أمثاله في صفاء وهناء.
الفصل التاسع في رسائل التعازي
"كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"

(1/90)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59