عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-03-2012, 12:45 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي علماؤنا الرواد رفعوا مشعل النهضة والتقدم


محمد مروان مراد
علماؤنا الرواد رفعوا مشعل النهضة والتقدم..
وكانوا السباقين على دروب الحضارة الإنسانية


قامت الحضارة العربية الإسلامية على جهود العلماء العرب المسلمين الذين حملوا مشاعلهم فأضاءوا ظلمات الشرق والغرب، بعلمهم الغزير ودراساتهم المفيدة، وأبحاثهم الدقيقة.


8-504a0217869de.jpg



لقد تميّز هؤلاء العلماء بسعة اطلاعهم، وتعدّد منجزاتهم، فكان أكثرهم موسوعة في المعرفة والعلم، لم يتركوا باباً في العلوم إلا برعوا فيه، اشتغل كل منهم في الطب والفلسفة والعلوم الاجتماعية والرياضيات والفلك، وأثروا الإنسانية بمحصلة أعمالهم مؤلفات قيّمة نهل الغرب منها وأقام عليها نهضته الحديثة، وما زال مفكروه يشيدون بها ويعدّونها اللبنة الأولى لمعارف العصر الحاضر.

لم يتوقف عمل هؤلاء العلماء عند الكشف والابتكار، ولا عند البحث النظري، بل تعداه إلى التطوير والتجريب والبرهان والتطبيق، وجعل أعمالهم منجزات تفيد البشرية وتحقق لها السعادة والتقدم في كل ميدان..
أن البحث يطول إذا أردنا أن نستفيض في عرض تلك المنجزات الرائعة لعلمائنا الرواد، ولذا نجد من المفيد أن نقدم مقتطفات من ثمرات جهودهم، مما كان له الأثر في تقدم ا لعلم والمعارف الإسلامية، وهذه المقتطفات تؤكد أن علماءنا الأعلام كانوا السباقين إلى حمل شعلة الحضارة، باعتراف المنصفين من مؤرخي الغرب وعلمائه على الدوام.
* من هو مبتكر آلة التصوير؟ تذكر مؤلفات الغرب أن «لويس لوميير» كان أول من توصل إلى ابتكار عملية التصوير، ولكن المنصفين الأوائل من المؤرخين يقدّمون الحقيقة، ويذكرون أن الفضل في ذلك الاختراع يعود إلى العالم العربي الشهير «الحسن بن الهيثم» 965 – 1039م أعظم علماء البصريات في تاريخ العلم..
برع مثل غيره من الرواد في الرياضيات والهندسة والفلسفة والصيدلة والنبات.. عاصَرَ كبار علماء عصره وقرأ كل ما وقع في يده من مؤلفات الهند والفرس واليونان حتى صار موسوعة شاملة لكل علم. أحبّ الأرقام والحسابات وذاع صيته في هندسة البناء، ولجأ إليه الأمراء لكتابة حساباتهم. ورحل من مدينته البصرة إلى بغداد وهو في الثلاثين من عمره، وراح يتردد على «بيت الحكمة» أكبر مكتبة في العالم الإسلامي في تلك الفترة من القرن العاشر الميلادي، وأطلع فيها على مختلف العلوم في الطب والهندسة والفلك، ثم رحل إلى مصر وتردد على المكتبات فيها، وقد بلغت شهرته مسامع الحاكم بأمر الله الذي استقبله بكل حفاوة وتكريم.
سأل الحاكم ابن الهيثم عن مشروعه في حجز مياه النيل حتى لا يضيع في البحر، وهل في إمكانه أن يقيم سداً يحجز الماء لأيام الجفاف ويؤمّن لمصر الغذاء على مدار السنين؟ فخرج ابن الهيثم مع المهندسين والبنائين، وحضّر الرسوم والبيانات، وعند الموقع المحدد لإقامة السد، تبين للعالم الكبير أن الأمر يتطلب آلات ضخمة وتجهيزات لم تكن متوفرة في ذلك العهد.. فرجع حزيناً وعكف على المطالعة والتأليف.. وخلال عمله في بحوثه في مجال البصريات توصّل إلى براهين على أن الضوء ينعكس عن الأجسام الصقيلة، وحدّد طبيعة الانعكاسات الضوئية ودرس العين وكيف تبصر، وتركيبها ووظائف طبقاتها، وكان أول من اكتشف آلة التصوير التي يقرّ الغرب بفضله فيها.
وكانت عبارته التي يرددها إلى آخر عمره: لقد قدّمت لي الحياة كل ما نفعني وجعل عيشي سعيداً وهانئاً، ويجب عليّ أن أقدم لها كل ما يفيد البشرية من بعدي..
جالينوس العرب: قبل مئات السنين كان لكلية الطب في باريس أصغر مكتبة في العالم، وليس فيها غير كتاب واحد، اعتبر أيامها من أنفس المؤلفات العلمية بدليل أن ملك فرنسا لويس الحادي عشر اضطر لدفع 12 ماركاً من الفضة ومئة «تاكر» من الذهب الخالص لقاء استعادة ذلك الكتاب، ورغبته في نسخ صورة عنه ليرجع إليها أطباؤه إذا هدّده المرض.
وقد أقام أهل باريس نصباً تذكارياً في باحة قاعة المعهد العلمي الرئيسي، كما علقوا صورته في قاعة أخرى بالمعهد.. ولم يكن ذلك الطبيب الفيلسوف غير «أبو بكر محمد بن زكريا» الرازي «864 – 932م» عبقرية الطب الإسلامي، ومؤلف كتابه الشهير «الحاوي في التداوي» الذي يقع في أكثر من 20 مجلداً.
درس الرازي الطب وكان في الثلاثين من عمره وقام بإجراء التجارب واكتسب خبرات عديدة من أساتذته في بغداد، وترأس فيما بعد مشفى الري بالقرب من طهران، وكان من أكثر العلماء تأليفاً حتى نافت مؤلفاته على 250 كتاباً ومقالة، من أشهرها «الحاوي» وتنوعت مؤلفاته بين الطب والفلسفة والكيمياء.
وقد سبق الرازي علماء الغرب إلى بحوث هامة، فكان أول من وصف أعراض مرض الحصبة والجدري التي ترجمت إلى اللغة اللاتينية ونالت شهرة واسعة، كذلك تحدث الرازي عن أهمية العلاج النفسي في العديد من الأمراض، واكتشف أنواعاً من الأحماض مثل حمض الكبريت والزاج الأخضر واستخلص الكحول، وهو الذي وضع نظام الامتحانات لمن يريد ممارسة مهنة الطب ولهذا عدّ الرازي من أعظم علماء الإنسانية وأعطِي لقب: جالينوس العرب...
الشيخ الرئيس: في محطة جديدة نتوقف عند عبقرية علمية إسلامية، ما يزال الغرب ينحني إكباراً لها، ويعترف بأن منجزاتها كانت الأساس للنهضة العلمية الحديثة في أوربا..
أن الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن سينا «980-1037م»، كان منذ حداثته قد ألمّ بكل علوم عصره، قرأ مؤلفات أرسطو الفيلسوف أكثر من 40 مرة وحفظها عن ظهر قلب، وطاف بعد ذلك في آسيا الصغرى والعراق، وارتقى مناصب وزارية تارة ثم عرف السجون تارة أخرى بسبب اتهامات ظالمة من الحاقدين.. وكان في كل الأحوال عاكفاً على التجربة والتأليف في الطب والفلسفة والرياضيات والمنطق والفلك واللغة والأدب وقد أحصى المؤرخون من مؤلفات ابن سينا مئة وخمسة كتب نقل الكثير منها إلى اللغات الأوربية لتدرس في جامعات الغرب، وبخاصة منها مؤلفه الشهير «القانون في الطب» و«الشفاء في الحكمة» وقد طبع القانون خمس عشرة مرة باللاتينية، جمع فيهما ابن سينا علوم الطب عند الأمم السابقة، ونظرياته الجديدة وملاحظاته وتجاربه، كل ذلك بلغة علمية بليغة، وتصنيف وتبويب وبرهان وبيان حتى اعتبره علماء الغرب «انجيل الطب لأطول فترة من الزمن».
كان ابن سينا أول من وصف مرض التهاب السحايا وفرّقه عن الأمراض المشابهة ووصف الأمراض المسبّبة لليرقان، وميّز بين داء ذات الجنب وألم الأعصاب ووصف السكتة الدماغية كما شرح عدوى السل الرئوي، وبيّن أثر العوامل النفسية في أعضاء الجسم، وأهميتها في علاج الأمراض.
وقد رويت حكاية عن اهتمامه بالحالة النفسية لمرضاه، فذكروا أن رجلاً ذا شهرة أصيب بمرض نفسي فعافت نفسه الأكل وامتنع عن تناول الدواء، وركبه الوهم.. فصار يعتقد إنه بقرة وليس بإنسان وراح يتصرف تصرف البقرة فيخور مثلها ويصيح اذبحوني وأطعموني للناس، جرّب أطباء عديدون معالجته دون جدوى، فلجأ أهله إلى ابن سينا فلما عرف حالته سايره في وهمه، فطلب سكيناً وراح يسنّها أمامه، ودنا يريد ذبحه.. لكنه ما لبث أن توقف وهو يجّس لحمه، ويقول: هذه البقرة هزيلة وليس بها من اللحم ما يشجع على ذبحها فاعلفوها جيداً حتى ينمو لحمها ويزيد وزنها، وعند ذلك نذبحها، فلما سمع المريض قوله أقبل على الطعام بشراهة وتناول الدواء الذي وصفه ابن سينا فما لبث أن زال ما به من اضطراب نفسي، وشفي من وهمه وعاد إلى طبيعته».
فلا عجب والحال كذلك أن يعدّ ابن سينا من الرواد السباقين في ميدان العلوم، وأن يبلغ شهرة في العالم لم يسبقه إليها أحد..
* اكتشف الساد وأتقن جراحته:
مثل كل العلوم التي اهتم بها العلماء المسلمون، مثّل طب العيون وجراحتها تخصصاً طبياً رفيعاً، وشرفاً مهنياً كبيراً وقد سمي طب العيون الكحالة، والطبيب هو الكحال الذي كان يُفترض فيه أن يلمَّ بجميع الأمراض ومعالجتها، وأن يكون ذا معرفة كبيرة بتشريح العين ووظائفها وخبرة واسعة في تركيب الكُحل والعقاقير المتنوعة، إضافة إلى دقة الملاحظة، وسعة الاطّلاع، وثقة كبيرة بالنفس..
وقد برع العديد من علماء المسلمين في الكحالة، وألّفوا فيها كتباً تعتبر مراجع هامة في هذا الميدان ومن هؤلاء الزهراوي الأندلسي، الذي وصف في كتابه «عمل اليد» 19 عملية في العين مع رسوم إيضاحية وأدوات جراحية، ويعتبر كتاب «تذكرة الكحالين» لعلي بن عيسى أول موسوعة في طب العيون جمع فيها الأعراض والتشخيص والمعالجة في وقت واحد..
وهناك كتاب ابن النفيس الدمشقي (1210 – 1288م) «المهذّب في الكحل»، وكتاب «الكافي في الكحل» لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي الذي مارس الطب والكحالة في الشام وفي كتابه رسوم لـ36 أداة جراحية عينية.
ويعتبر الطبيب الجراح «عمار بن علي الموصلي» - توفي 1010م - أشهر أطباء العيون العرب، فقد أدى دوراً كبيراً في تطوير طب العيون، ومارس هذا الفرع الإنساني في العراق وفارس وسوريا ومكة المكرمة وفلسطين ومصر، أجرى عمليات خطيرة في العيون، وحين كلفه الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي أن يؤلف كتاباً في طب العيون أنجز أهم دراسة في هذا الميدان وهي كتاب المنتخب في علم العين وعللها ومداواتها» الذي ترجم فيما بعد إلى اللاتينية وصار مقرراً على طلاب العلوم الطبية في الجامعات الأوروبية حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.
اشتمل «المنتخب» على 21 فصلاً في تشريح العين ووظائفها وذكر 51 مرضاً فيها وعلاماتها وتداويها لكن الأهم في ذلك هو أن «عمار الموصلي»، سبق أطباء العيون في الغرب إلى تشخيص مرض «الساد» «الكاتاراكت» ونعني به حدوث اختلاف في شفافية عدسة العين وإعتامها، وهو ما ندعوه المياه البيضاء وذلك جرّاء حدوث اضطرابات في حركة عدسة العين عند الشيخوخة ونقص في الأملاح والفيتأمينات، مما يؤدي إلى تسرب سائل العين إلى داخل العدسة وتأثيره في شفافيتها.
وصف «عمار الموصلي» تقنية جراحة الساد واستخدام المقدح المعدني لسحب الماء الأبيض وسجل كل ذلك بالدقة العلمية في مؤلفه الكبير: «المنتخب في علم العين».
العلماء المسلمون والنهضة العلمية الحديثة:
لقد حقق العلماء المسلمون حتى القرن الخامس عشر الميلادي العديد من الإنجازات العلمية الفذّة التي انطلق منها علماء اليوم، وذلك رغم ضيق الإمكانيات آنذاك وصعوبة النسخ والتنقل والتصنيع، وهي عوامل حدّت من حركة البحث العلمي مقارنة بإمكانيات العصر الحديث، ومع ذلك فقد توصلوا إلى نتائج ومعادلات اتخذها علماء النهضة العلمية الحديثة أساساً لتحديث وتطوير أفكارهم في نهضتهم العلمية والصناعية على حد سواء. أن حركة التأريخ للفيزياء والعلوم التجريبية الأخرى بحاجة للمزيد من الجهد العلمي المثابر لوضع الأمور في نصابها ولإنصاف الحضارة الإسلامية من أعدائها قبل كل اعتبار. ولا بد من التأكيد على الحقائق الواضحة والتي منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- حدد العلماء المسلمون في القرن الحادي عشر الميلادي الوزن النوعي للعديد من الأجسام الصلبة ومن السوائل، بدقة متناهية تقارب النتائج المعتمدة حالياً في المختبرات العالمية، بل أن المختبرات العالمية لا تزال تستعمل معادلة البيروني «973-1048م» والخازن«توفي 1155م» في تحديد الوزن النوعي للأجسام الصلبة وللسوائل على السواء وهي:
الوزن النوعي = وزن الجسم في الهواء/ وزن مقدار حجمه في الهواء.
2- أوضح ثابت بن قرة «836-901م» أن الجسم ينجذب إلى ما أعظم منه، وقد حدد عبد الرحمن الخازن العلاقة بين سرعة سقوط الأجسام، الكتلة والمسافة في كتابه «ميزان الحكمة»، إذ قال بوجود جاذبة لجزيئات الجسم وأن هناك علاقة بين سرعة الجسم المتحرك والمسافة التي قطعها والزمن اللازم لقطع هذه المسافة، وبذلك يكون هذا العالمان قد وضعا أساس قوانين الحركة التي نسبت إلى نيوتن وهي إسلامية أصلاً.
3- من الثابت تاريخياً أن العلماء المسلمين هم أول من استخدم المغناطيس في صنع البوصلة وهم أول من وضع قوانينها، وقد نقلها الصليبيون عنهم عندما احتلوا بلاد المسلمين في القرن العاشر والحادي عشر.
4- عرّف كل من عبد الرحمن الخازن والحسن بن الهيثم العديد من الظواهر الطبيعية كالموجات الصوتية والانتقال الحراري والصدى وفرّقا بين سرعة الصوت وسرعة الضوء.
وعندما وضع إينشتاين «1879 – 1955م» نظريته في النسبية ضرب المثال التالي:
أ- سفينة فضائية «س» تبتعد عن الأرض بسرعة 100.000كم/ث، هذه السرعة هي ذاتها على الأرض الفضائية، أي عندما تقاس السرعة بالأجهزة المعروفة على الأرض وعلى المركبة.
ب- سفينة فضائية «ص» تبتعد عن الأرض بسرعة 180.000 كم/ث، يبدو للوهلة الأولى أن الفرق بين السرعتين هو 80.000 كم/ث. ولكن إينشتاين أثبت أن قياسات السفينتين سجلت فرقاً قدره 100.000 كم/ث وليس 80.000 كم/ث.
ومن مثل هذا التفكير انطلق إينشتاين لبحث العلاقة بين الزمن والفراغ واعتبر الزمن البعد الرابع للأشياء، سيما وأنه راقب عن كثب ظاهرة التحدب في الفراغ (Curvature Of Space) وظاهرة كسوف الشمس (Eclipses Of The Sun) واستنتج منهما أساسيات المعادلات التي اعتمدها في فكره النسبي.
من أحق بالتكريم والحفاوة؟

لقد مُنح إينشتاين جائزة نوبل لعام 1921م عن أفكاره التي استنتجها عبر عبقريته المميزة التي عجز علماء عصره عن استيعابها قبل عشر سنوات من الدراسة والتمحيص، هذه العبقرية هي الناتج التاريخي لنظريات ومعادلات علماء الفيزياء والرياضيات عبر الأجيال، لأن العلوم سلسلة متصلة ولا يمكن لعالم من العلماء أن يقفز للاستنتاج العلمي من فراغ. والذي نؤكده أن صاحب النظرية النسبية الأول في تاريخ العلوم هو «عبد القادر بن طاهر البغدادي» الذي قال في كتابه «المعتبر في التاريخ»: (إن المحرك الأول إنما يتحرك بالقياس إلى ساكن أو إلى متحرك آخر يخالفه في حركته في مأخذ وجهة وسرعة أو بطء، ولو تحركا معاً في الجهة والمأخذ والسرعة والبطء لما افترقا، فحركتهما أن كانت فبالقياس إلى ثالث يفارقانه معاً، فإن الحركة: مفارقة بقرب وبُعد، فإذا لم توجد مفارقة ولا مفارق فلا حركة، وأحق ما كانت الحركة بالقياس إلى ساكن ولا ساكن فيما نشعر به سوى الأرض وما يليها).
فهل هناك رابط بين البغدادي وإينشتاين؟! وحتى إذا كان الرابط مجرد تصورات في عقولنا، فلماذا لا تُذكر هذه التصورات وتُفنّد؟! ولماذ لا نبدأ بذكر علمائنا أولاً ثم الامتداد لعلماء النهضة الحديثة.
* نظريات جديدة وتجارب عملية:
مثّل «عبد الرحمن الخازن» توفي 1155م، عبقرية علمية متميزة في عصره، وتمثلت جهوده في المواضيع والنظريات التي قدّمها مدعمة بالتجربة العملية ومن بين الموضوعات التي درسها الخازن وطورها وأطّرها موضوع «كتلة الهواء»، فأشار إلى أن الهواء قوة دافعة كالسوائل، وأن وزن الجسم المغمور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من وزن يتوقف على كثافة الهواء، هذه الاكتشافات مهدت لعلماء النهضة الأوروبية لوضع قياسات وأفكار الباروميتر التي نُسبت إيفان تورشيلي«1608 – 1647م» والتي بنى على أساسها طرق قياس الضغط الجوي، وهي في الأصل للخازن، وتعتبر من أهم ما توصّل إليه العلماء في القرن السابع عشر الميلادي، وقد وازن توريشللي فيها بين كتلة عمود الهواء المقام على وحدة المساحات والممتد إلى قمة الجو، وبين وزن عمود مماثل من الزئبق، فوجد أن متوسط طوله هو 76سم من الزئبق أي أن كتلته تساوي: 76×13.6=1000 جرام على السنتيميتر المربع الواحد.
* من ابتكر مقياس الضغط الجوي؟

مثل هذه الأفكار يجدها المحقق العلمي في كتاب ابن الخازن «ميزان الحكمة» ولذلك لا بد من الاعتراف بامتياز هذا العالم العربي على زميله إيفا توريشللي وجاليليو بفكرة الباروميتر. ومما لا شك فيه أن تنفيذ أفكار ابن الخازن بواسطة علماء عصر النهضة يدل على عبقرية هؤلاء العلماء الذين بدءوا من حيث انتهى زملاؤهم من ثقات العلماء العرب في الفيزياء والفلك، والجدير بالذكر إنه بعد أن عرّف لنا نيوتن الجاذبية، صار من الواضح أن كتلة الهواء ناجمة عن جذب الأرض له، أي أن هذه الكتلة هي مجموع كتل طبقات الغلاف الجوي المتراكمة إلى قمة الجو، أو إلى علو نحو 1000 كيلو مترً فوق سطح الأرض، وهذا هو السر في نقص الضغط الجوي بالارتفاع.
وبيّن الخازن كذلك أن قاعدة أرخميدس للأجسام المغمورة لا يقتصر سريانها على السوائل، بل تسري كذلك على الغازات ويبحث الخازن في الأجسام الطافية، كما اهتم بتعريف الكثافة وطريقة تعيينها بالنسبة للأجسام الصلبة والسائلة، وأورد بعض القيم لأوزان الأجسام النوعية، وخي قيم دقيقة إلى أقصى حد.
اخترع الخازن ميزاناً خاصاً لوزن الأجسام في الهواء وفي الماء، وكانت لهذا الميزان خمس كفات تتحرك إحداها على ذراع متدرّج «كأنها القبّان»، وعلى هذا النحو اخترع الخازن نوعاً من «الايرومترات» من أجل قياس الكثافات تعتمد على درجة الحرارة، فقد كانت هذه خطوة أولى نحو قياس درجة الحرارة، ومهّدت السبيل لجاليليو ليصنع «الثيرومتر» وعلى ذلك يعتبر الخازن الممهّد الأول لقياس الضغط ودرجة الحرارة، وهما المتغيران الأساسيان لأي تجربة عملية على الإطلاق، وهذه القياسات فتحت الطريق لعلماء النهضة الأوروبية لدراسة متغيرات وطبائع الغلاف الجوي.
الخازن وميزان الحكمة:
بعد أبحاثه في قياس الوزن النوعي تقدم الخازن ببحوث الجاذبية، فقد تحدث عن قوة الجاذبية في كتابه: «ميزان الحكمة»، وأجاد في بحوث تعيين مراكز الثقل، وشرح بعض الآلات المخبرية، وكيفية عملها، مثل اتزان الميزان، والقبان، ونحوهما.
وقد طُبع كتاب الخازن «ميزان الحكمة» في حيدر أباد في الهند عام 1359هـ، وفي وصف كامل وأبحاث دقيقة لكتلة الهواء، والعوامل المؤثرة فيها. ولدى مراجعة هذا الكتاب يتبين للقارئ المحقق مدى أصالة الأبحاث التي أجراها الخازن ومدى اعتماد توريشللي وجاليلو عليها، وقد ترجم ميزان الحكمة إلى اللغة الإنجليزية ونُشر في المجلة الشرقية الأمريكية في الجزء 85، ص128 وما يليها، وتم تحقيقه على يد الباحث فؤاد جميعان.
مفاتيح العلوم: أول موسوعة علمية في العالم:
بلغت الحضارة العربية أوج ازدهارها في مختلف فروع العلم والمعرفة في العصر العباسي الأول: (750 – 861م) لا سيما في عهد الخليفة العباسي المأمون: (813 – 833م) الذي حفل بأنشطة العلم والعلماء، ووجه اهتمامه إلى نقل علوم الحضارة اليونانية إلى اللغة العربية، وقام بإنشاء دار الحكمة في بغداد أول جامعة في الإسلام.
وكان محمد بن موسى المعروف بالخوارزمي «توفي 846م» - من أبرز العلماء الذين عملوا في تلك المؤسسة وأشرفوا عليها، وقد تفرغ للتأليف والترجمة ونبغ في علوم عدة أهمها: الرياضيات والفلك والتاريخ، وهو من أكبر العلماء العرب ويأتي في مقدمة العلماء في العالم، الذين كان لهم أثرهم الواضح في العلوم الرياضية والفلكية الحديثة، باعتباره مؤسس علم الجبر بشكل مستقل وأبدع في كثير من بحوث هذا العلم التي ما زالت تدرّس في المدارس والجامعات حتى وقتنا الحاضر، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام الهندية، ولم يسبقه أحد في هذا المجال.
من أبرز المؤلفات التي أنجزها الخوارزمي ولم يسبقه فيها أحد كتابه المعروف «مفاتيح العلوم»، الذي يعتبر بحق أول دائرة معارف إسلامية ويشمل العلوم الاجتماعية والعلوم ا لطبيعية التي كانت معروفة في الحضارتين العربية واليونانية، وما زالت تمثل الأصول التي تطورت عنها جل العلوم المعاصرة، وحظي هذا الكتاب باهتمام المستشرقين في أوروبا فقام بطبعه المستشرق «فان فلوتن» في مدينة ليدن بهولندا سنة 1895م وطبع في مصر سنة 1978م.
اتبع الخوارزمي في تأليفه منهجاً علمياً في اختيار العلوم وتحديد الظواهر التي تبحث فيها، وموضوعاتها والتعريف بالمصطلحات والمفردات المرتبطة بها، والفروع التي نشأت عنها، وصاغه بأسلوب سهل وبليغ، وعبارات موجزة وواضحة وكلمات منتقاة، تطابق معانيها الحقائق التي أراد أن يبينها للعام والخاص من دون تكلف أو تطويل.
وقسم الخوارزمي كتابه إلى قسمين سمى كلاً منهما مقالة، حيث يقول: «وجعلته مقالين أحدهما لعلوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية، والثانية لعلوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم».
وفي المقالة الأولى تناول العلوم التي نشأت وتفرعت عن الشريعة الإسلامية، في ستة أبواب كل منها مقسم إلى فصول عدة:
الباب الأول: الفقه في أحد عشر فصلاً، الباب الثاني: في علم الكلام وتعريفه، وما يبحث فيه من عقائد ومذاهب، الباب الثالث: في علم اللغة العربية من نحو وصرف وإعراب واشتقاق، الباب الرابع: أصول نظم الإدارة في الدولة الإسلامية، الباب الخامس: الشعر العربي وعروضه وأوزانه، الباب السادس: موجز لتاريخ الأمم والدول والملوك.
- المقالة الثانية: وجاءت في تسعة أبواب مفصلة في 41 فصلاً، استعرض فيها علوم اليونان وغيرهم من الأمم ولم يترك شيئاً من هذه العلوم إلا عرّفها وبين أهميتها.
ومن أهم هذه العلوم: الفلسفة، المنطق، الطب، الحساب، الهندسة، علم الفلك، الموسيقا، علم الحركة، الكيمياء.
.. هكذا كان «الخوارزمي» سباقاً إلى وضع أول موسوعة علمية، بقيت مرجعاً هاماً حتى العصر الحديث، ومفخرة من مفاخر التراث العلمي العربي.
* تصنيف الكتب وإنشاء المكتبات:
هناك فرع هام من فروع العلم، سبق العلماء العرب المسلمون الغرب إليه منذ عشرات السنين وهو علم المكتبات فقد عرف عن العرب عنايتهم الواسعة بالكتب والمكتبات، التي حفلت بالمؤلفات في كل ميدان، وتسابق الأغنياء والأمراء في العصرين الأموي والعباسي إلى تأسيس مكتبات خاصة بهم، تضم كل ما يمكنهم الحصول عليه من أمهات المؤلفات في سائر فنون المعرفة.. وكان «علي بن يحيى بن المنجم» (توفي 888م) أول من أنشأ مكتبة عامة كبيرة في بيته بضاحية من ضواحي بغداد، سماها «بيت الحكمة» زمن الخليفة «المتوكل» واشتملت على أنفس المخطوطات، فعمّت شهرتها وقصدها الناس من كل مكان، فلما رأى ما تحققه المكتبة من نفع لروادها قام بتوسيعها،ه وفتح أبوابها للراغبين في المطالعة، وعيّن موظفين يدفع أجورهم من ماله الخاص لإرشاد القراء إلى ما يرغبون من المؤلفات، كما بنى منازل حول المكتبة يقيم فيها طلاب العلم ويتناولون الطعام على نفقته..
وكان ابن المنجم رائداً سباقاً إلى تأسيس أول مكتبة عامة في عصر طغى الظلام فيه سائر أوربا..
* أن الحديث يطول عن أسبقية العلماء المسلمين في كل مجالات المعرفة ولا بد أننا بحاجة إلى وقت طويل وعشرات الصفحات إذا أردنا أن نستعرض منجزات العرب في ميادين العلوم المتنوعة.. وأن نعدّد أسماء الأعلام الأفذاذ أمثال الخوارزمي والكندي والفارابي والبتاني وعشرات غيرهم ممن اشتغلوا بالعلوم، وأسهموا بقسط وافر في التقدم العلمي الحديث، ولنا في دراسات المؤرخين والباحثين المنصفين في الغرب، اعتزاز وفخر كبير، إذ أشادوا بفضل العلماء العرب، وأقروا بأسبقيتهم إلى المنجزات العلمية التي جعلت الحياة البشرية أكثر رقياً، وسعادة وأمناً..
إننا ننحني تقديراً وإجلالاً لأولئك الأوفياء الذين أمضوا حياتهم في العمل من أجل خير الإنسان، ونتطلع إلى أجيالنا الشابة آملين أن تجد في المخزون العلمي الثمين للأجداد شعلة تنير الدرب أمامهم للتزود بالعلوم والمعارف، والسعي لإعادة مجد العرب وحضارتهم وتجديد مآثرهم الخالدة، وليكن معلوماً أن الابتكار والإبداع هما البوابة الرئيسية إلى التقدم في عصرنا وأن العلم هو المصباح المنير لكل خطواتنا في دروب النهضة والتطور فلنرفعه عالياً ونتقدم بخطى واثقة إلى الفجر العربي الجديد..
المصادر:

- الخالدون العرب: قدري حافظ طوقان - القاهرة
- تاريخ العلوم عند العرب: عمر فروخ – دار العلم للملايين – بيروت 1970
- أثر العرب والإسلام في النهضة الأوربية – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – القاهرة 1970.
- شمس العرب تسطع على الغرب – زيغريد هونكة -



المصدر : الباحثون العدد 63 - أيلول 2012

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59