عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-28-2015, 07:19 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,036
ورقة بركة خان .. همة أنقذت أمة


بركة خان .. همة أنقذت أمة
ــــــــــــــ

(يحيي بركات)
ــــــــ


9 / 7 / 1436 هــ
28 / 4 / 2015 م
ـــــــــــ

_4167.jpg


سؤال جدير بالتوقف ولمحة جديرة بالانتباه ربما غابت عن كثيرين من عامة المسلمين ممن اطلعوا على مجمل التاريخ الإسلامي؛ وهي عن التتار تلك القوة الهائلة التي لم يكن يعرف لجنودها عدد ولم يعرف لباسها وقوتها ولا لبطشها حد، خربوا كل معمور، وقتلوا كل ساكن ديار، وما تركوا خلفهم في كل مكان مروا به إلا الدمار والخراب والدماء، ومن لم يمت من ضحاياهم بسيوفهم مات مرضا بعد أن ينتشر الوباء لكثرة عدد الجثث التي لم يدفنها احد.

في هذه الأثناء جاءت معركة فاصلة وهي معركة عين جالوت التي هزم فيها التتار على يد جند الإسلام بقيادة الأمير "سيف الدين قطز"، ورغم أن عدد المغول في معركة عين جالوت والذي فني عن آخره في معركتي عين جالوت وبيسان التي تلتها كان كبيرا جدا؛ إلا أنه من الطبيعي ألا يكون هذا العدد هو كل الجيش التتري وخاصة أن "هولاكو" لم يشهد المعركة بنفسه -وكان لم يزل حيا-، فكيف يمكن فهم هذا اللغز وهو اختفاء قوة التتار نهائيا بعد هذه المعركة؟ ولم تحدث منهم أي غزاة على دولة الإسلام بعدها؟

لاشك أن في الأمر لغزا يحير الكثيرين ممن لا يعرفون شخصية من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، رغم دوره العظيم في الذب عن أمة الإسلام، ودوره الكبير في منع أية هجمة تترية بعد ذلك على ديار المسلمين، والأمر الأعجب أنه أمير تتري وحفيد لجنكيز خان وابن عم لهولاكو، ولكنه اعتنق الإسلام وأشرق نوره في قلبه، فقرر أن يذب عنه وانتصرت عاطفته الإيمانية على عصبيته القومية، فوقف بجيش أمام قومه ليمنع عن المسلمين شر المغول، واستطاع بفضل الله سبحانه أن ينهي هذه الاعتداءات نهائيا وأمن المسلمون من شر التتار، بل استطاع ما هو أكثر من ذلك بأن يساهم في دخول التتار في الإسلام، فصاروا قوة إسلامية لا يستهان بها، وأنشئوا ممالك مسلمة ظلت حتى مشارف القرن التاسع عشر الميلادي تحكم الهند باسم الإسلام، وكان هذا البطل الذي سنذكر سيرته اليوم هو "الأمير بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان" زعيم القبيلة الذهبية التترية.

هذا البطل الكريم الذي أنشد لسان حاله نشيد سلمان الفارسي رضي الله عنه: "أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم" ، ولهذا لم نجد أفضل من كلمة نقدمه بها وتلخص سيرته العطرة إلا كلمته التي أرسلها للسلطان "ركن الدين بيبرس" والتي قال فيها: (وليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من دمي ولحمي إعلاء لكلمة الله ورسوله)، فهل بعد هذه الكلمة من مجد وفخر وعزة ورفعة حينما تخلص بركة خان من علائق الأرض وارتبط بإخوانه بوشيجة العقيدة ورباط السماء؟

بعد حياة مليئة بالكبر والغطرسة والدماء مات جنكيز خان قسمت مملكته بين أبناء أربعة له كان نصيب ابنه الأكبر "جوجي" وقبيلته الذهبية منها بلاد روسيا وبلغاريا والقوقاز ثم تولاها من بعده ابنه ثم ابن ابنه حتى تولى عرشها بطلنا "بركة خان" عام 653 هجريا قبل سقوط بغداد بقرابة أربع سنوات فورث منصب أبيه وأصبح زعيما للقبيلة الذهبية.

وتأثر بركة خان بالإسلام الذي عرفه لأول مرة من زوجة أبيه "رسالة"، ومن لقائه في مدينة بخارى بأحد علماء الإسلام واسمه "نجم الدين مختار الزاهدي"، فاخذ بركة خان في الاستفسار عن الإسلام وأحكامه فطلب بركة خان من الزاهدي أن يكتب له كتيبا أو رسالة يشرح فيها عقيدة الإسلام ويرد بها على المخالفين وعقائدهم الباطلة، فألف الزاهدي هذه الرسالة المختصرة رد فيها على وثنية التتار وتثليثهم تأثرا بالنصرانية، فقرأها بركة خان وتأثر بها ودخل الإسلام فور قراءتها سنة 650 هجرية لتبدأ مرحلة جديدة في حياة بركة خان وأيضا في حياة الأمة الإسلامية جميعها.

ولم يكن خبر إسلامه كأحد الأمراء المرموقين والمرشح لكي يكون أحد أربعة يحكمون بلاد التتار بالخبر الهين على قومه، فاغتم أمراء التتار لهذا الخبر وحاولوا صرفه عنه بشتى السبل وخاصة أن هذا الوقت كانت جيوش التتار تجتاح العالم الإسلامي، وتعجبوا من كون المنتصر يدخل في دين المهزوم، وهو بالفعل الأمر الذي كان يضع الكثيرين في حالات عجب شديدة، ولكن عزيمته على الإسلام وإيمانه به كانا أقوى من كل ترغيب أو ترهيب لترك هذا الدين، بل ازداد تمسكا به.

والأعجب في شأن هذا البطل هو فهمه العميق لقضية لم يستطع كثير ممن يعلنون إسلامهم اليوم أن يتفهموها ويؤمنوا بها فضلا عن الالتزام بأحكامها؛ وهي قضية الولاء والبراء، وأن نصرة هذا الدين مقدمة على حب القوم والأهل والبلد والوطن والعرق واللون والجنس، فكان أول فعل له بعد أن أسلم أن أرسل ببيعته إلى الخليفة العباسي في بغداد وهو الذي لم يكن ساعتها من القوة ما يمكن أن يوضع هذا التصرف تحت بند من بنود الانتفاع –من بركة خان- بل كان تصرفا إيمانيا محضا ليعلن فيه ولاءه للإسلام وللمسلمين ولخليفتهم حتى لو كان خليفة شكليا صوريا، فالخليفة العباسي والدولة العباسية كلها تحت مرمى نيران الجيوش التترية التي ستدخل بغداد وستدمرها تماما بعد فترة وجيزة من إسلام بركة خان.

وعلى الرغم من الوحدة العضوية للتتار إلا أن التقسيم الذي أحدثه جنكيز خان قبل وفاته بين أبنائه جعل منها دولا أربعة يجمعها ما يشبه الاتحاد الكونفدرالي الذي يمكن فيه عدم التزام دولة منهم بما تتصرف فيه باقي الدول من السياسات والقرارات، ويكون الاتفاق بينهم على قضايا محددة تتم سلفا، فلهذا عندما أسلم بركة خان وصار على عرش قبيلته أظهر الشعائر الدينية وجعل عاصمته مدينة سراي -وموضعها الحالي مدينة سراتوف [1] في روسيا- على السمت الإسلامي الخالص، وبنى بها عددا كبيرا من المساجد والحمامات ووسعها جدا حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها.

بين بركة خان وابن العلقمي ونصير الدين الطوسي

ولعل المفارقة الأكثر وضوحا في قضية الولاء والبراء التي لا يعرفها الشيعة ولا ينتمون إليها؛ هي الفارق الواضح بين التتري بركة خان الذي اشترى ما بينه وبين الله وباع قوميته لنصرة دينه وبين الشيعيين الرافضيين الوزير "ابن العلقمي" و"نصير الدين الطوسي" الذين خانا دينهما وناصرا هولاكو ليقضي على المسلمين السنة ولينهوا الخلافة العباسية وليهدموا بغداد، ليكون الحدث الذي خان فيه الشيعة أمة الإسلام وتعاونوا مع الغرب النصراني ضد المسلمين في العراق وأفغانستان حدثا غير جديد وغير منكر في تاريخ الشيعة المليء بالمخازي والغدر والخيانة.

ففي الوقت الذي وصلت رسالة ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي التي أرسلها إلى هولاكو ليزين له الهجوم على بغداد وليظهر له عورات المدينة ومدى ضعف الجند واستعدادتهم وغير ذلك من المعلومات، التي تغري هولاكو بفكرة الهجوم على بغداد وتهون عليه أمر المسلمين، والتي جعلته يعرض على أخيه الأكبر "مونكو خان" -خاقان التتر- في ذلك الوقت أن يأذن له بغزو بغداد، في هذا الوقت يقف بركة خان الموقف الصحيح للمسلم بحيث يطلب من أخيه الأكبر باتو الذي يتولى عرش القبيلة الذهبية أن يقف أمام هذا الاقتراح قائلا له: (إننا نحن الذين أقمنا مونكو خانا أعظما وما جازانا على ذلك إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء في أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة وهو صاحبي وبينى وبينه مكاتبات وعقود ومودة وفي هذا ما لا يخفى من القبح).

وبالفعل استطاع باتو بموقف بركة خان أن يمنع مونكو خان من الإذن لهولاكو بالمسير، إلا أنه وبعد وفاة باتو لم يستطع بركة خان منع تقدم الجيوش التترية التي انطلقت نحو بغداد لتدميرها، فهل يستوي الموقفان وهل يلتقي النقيضان؟ وهل يستوي أهل الإيمان ونصرة المؤمنين مع أهل الخيانة التي يتوارثها الكثير من قادة الشيعة من قديم الزمان؟

وبعد سقوط بغداد وتدميرها انطلقت جيوش هولاكو نحو مصر ليفعل بها كما فعل بمدن الإسلام التي قبلها، ولكن هولاكو اضطر للعودة ليكون خاقانا أعظم للتتار خلفا لأخيه وليترك قائده "كتبغا" الذي لقي هزيمة منكرة فني فيها هو وجيشه كله في معركتي عين جالوت وبيسان سنة 658 هـ ، لكنها ورغم خسارتها الموجعة لم تنه قوة هولاكو الذي كانت لديه جيوش تفوق قوة الجيش الذي هلك، ولذا كان يريد العودة مرة أخرى بجيش أكثر قوة لاستكمال إفساده في الأرض، وهنا جاء الدور الكبير لبطلنا بركة خان الذي يجهله الكثيرون الذين يظنون أن هزيمة التتار في عين جالوت كانت نهاية قوتهم.

وجاء مشهد آخر في إبراز عقيدة الولاء والبراء عند بركة خان وهو موقف لا يقل قوة عن بيعته للخليفة العباسي، إذ أن مبايعته للخليفة العباسي كانت تطبيقا للولاء والبراء من الناحية النظرية، أما موقفه الجديد مع السلطان بيبرس تطبيق عملي للعقيدة في قلب ذلك العبد التتري المؤمن، فأرسل بركة خان عدة مراسلات لبيبرس يتفق معه على أن يخوضا معا حربا شاملة على هولاكو من الاتجاهين في وقت واحد، فقال في إحداها لبيبرس: (قد علمت محبتي للإسلام وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين، فاركب أنت من ناحية حتى آتيه أنا من الناحية الأخرى؛ حتى نهزمه أو نخرجه من البلاد، وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد)، لكن الظروف لم تمكن بيبرس من ذلك لطول الطريق ولعد الاستقرار بمصر والأمة الإسلامية حينئذ، فلم يثن ذلك بركة خان على أن يستكمل الطريق بمفرده محاولا شغل هولاكو عن التفرغ والتوجه بجحافل جنده لقتل المسلمين، مضحيا بكل شيء يملكه في سبيل نصرة الإسلام والذب عن المسلمين ولمنع الشر من أن يصيبهم.

ولعله كان من الأصوب من الناحية العسكرية عدم تقدم بيبرس للقاء هولاكو وجيشه، إذ سيقطع بيبرس وجنوده مسافة طويلة جدا مما سينهك قوتهم وستقل مؤونتهم وسيدخلون أرضا لا يعرفونها، وربما تفرض عليهم ظروف تضطرهم أن يقاتلوا في مكان أو موعد غير مناسبين، هذا بالإضافة إلى أعداد المسلمين التي لن تكون مقارنة بحال من الأحوال بأعداد المغول في أرضهم، ولم تكن جيوش المسلمين في هذه الفترة قوية، ولم تكن هناك مملكة تدعمهم من خلفهم، بل كان المسلمون وقتها في حالة إنهاك شديدة بعدما اجتاحت المغول معظم المدن الإسلامية الكبرى وخربتها.

ولم يكن كل الجيش الذي يملكه بركة خان من المسلمين بل كان يضم في قبيلته الذهبية عددا كبيرا من الوثنيين الذين لا يزالون على وثنيتهم رغم دخول الإسلام في كثير من الجند، فلم يشأ بركة خان بخبرته وبحكمة إدارته وتصريفه للأمور أن يجعلها حربا دينية بين مسلمين ووثنيين، ولو أصبحت كذلك لانسحبت جموع كبيرة من جيشه إلى جهة هولاكو وضعفت جدا قوة بركة خان والمسلمين الذين معه، وخاصة بعد عدم قدرة بيبرس على الالتحاق به في الحرب الشاملة، فأراد بركة خان فقط تعطيل هولاكو وإشغاله وإنهاك قوته وقوة جيشه حتى لا يتفرغ لمحاربة المسلمين مع الاعتماد على عامل الوقت الذي كان في مصلحة المسلمين؛ حيث كان الإسلام يكتسب في كل يوم أنصارا جدد بدخول الكثيرين فيه، ولهذا دبر بركة خان فكرة الغنائم لتكون سببا للحرب بينه وبين هولاكو.

يلاحظ أن ما قرره جنكيز خان في حياته في أي شأن من شئون التتار اعتبر بينهم كالدين المتبع فلا يجرؤ أحد على مخالفته، فكما لم يستطع أحد منهم مخالفته حيا لم يستطع أحد كذلك مخالفته ميتا، كان من حكمه فيهم أن لأسرة جوجي ثلث كل غنيمة يغنمها التتار في أي معركة يخوضونها حتى لو لم تشترك فيها القبيلة الذهبية، وهذا ما قصر فيه هولاكو، فأرسل إليه بركة خان برسالة حادة شديدة ومهينة استشاط منها هولاكو غضبا فقرر على إثرها أن يبعث بجيش ليقاتل به بركة خان فقام كل أفراد القبيلة الذهبية بالقتال مع بركة خان ضد الجيش الذي أرسله هولاكو ولم يتخلف منهم رجل واحد، وأفلحت بذلك خطة بركة خان في التعطيل واستنزاف قوة هولاكو وجيشه.

واستطاع بركة خان هزيمة الجيش الذي أرسله هولاكو شر هزيمة وذلك عام 660هـ، فجمع هولاكو جيشا أكبر لملاقاة القبيلة الذهبية وبركة خان، فانهزم جيش بركة خان هذه المرة وكان يقوده أحد قواده وهو قائد مسلم حسن الإسلام واسمه "نوغاي"، لكن غطرسة هولاكو جعلته يفكر في إرسال جيش أكبر بكثير ليفني بركة خان ومن معه، فأرسل جيشا جرارا يقوده "أباقا بن هولاكو" فخرج إليه بركة خان بنفسه على رأس جيشه، فهزمهم هزيمة تشبه هزيمتهم في عين جالوت وبيسان، حيث أفنت جميع الجيش ولم ينج منه إلا العدد القليل الضئيل وذلك سنة 661 هـ، مما اضعف بالفعل قوة هولاكو العسكرية بعد هلاك جيشين كبيرين في مدة لا تزيد عن الثلاث سنوات.

وفي أثناء تلك الفترة كان يرسل بركة خان بالدعاة المسلمين إلى جنود هولاكو فنما الإسلام بينهم كما كان ينمو ويتزايد في صفوف جيش بركة خان تماما، فانتشر في التتار الإسلام، وكان كل من يسلم يترك جيش هولاكو ويتحول إلى جيش بركة خان حتى صار المسلمون قوة كبيرة في جيش بركة خان وضعف بالتالي جيش هولاكو الذي كان يتآكل باستمرار.

ولم يتحمل هولاكو تلك الأخبار القاتلة له وهو يرى جيشه ينهار أمام عينه، وكان خبر فناء الجيش الذي كان يقوده ابنه اباقا خبرا كافيا لإصابته بمرض الصرع الذي ظل يعاني منه حتى هلاكه عام 663هـ، ليخلفه ابنه اباقا الذي كان لا يقل عن أبيه حقدا وغيظا وحنقا على المسلمين بشكل عام وعلى بركة خان بشكل خاص، ونظرا لما له من ثأر شخصي عند بركة خان.

فلم يكن لدى أباقا من قضية تشغله أكثر من القضاء على بركة خان، وهو الأمر الذي كان يعنيه تماما ويطلبه بركة خان الذي جعل من نفسه ترسا ليتترس به المسلمون وليتقبل صدره وصدر إخوانه ممن معه رماح وسيوف وسهام التتار ليكونوا فداء للمسلمين، فكان ما فعله اباقا هو التنفيذ الكامل لرغبة بركة خان؛ وهو أن يبعد عن ذهنه تماما التوجه لغزو بلاد المسلمين والتفرغ لبركة خان والقبيلة الذهبية فقط، فجمع أباقا من تبقى من جيشه ليكون منهم جيشا جرارا أيضا، فقد كان هولاكو والمغول يملكون أعدادا غير محصورة من المقاتلين، فخرج إليه القائد المسلم "نوغاي" لكنه هزم وأصيب في عينه فحزن عليه بركة خان كثيرا لإسلامهما ولجهادهما معا لفترة طويلة، فلم يكن أمام بركة خان إلا أن يتجهز بالمسير بنفسه لملاقاة اباقا مرة ثانية وليقضي تماما على اباقا ومن معه حتى لا تقوم لهم قائمة، ولكن الله سبحانه أراد أن يرتقي بركة خان إليه قبل أن يلتقي الجيشان، فمات وهو في الطريق إلى الجهاد عام 665 هـ بعد أن قضى خمسة عشرة عاما وهو مسلم مجاهد عمل للإسلام وأخلص له.

أثبت هذا البطل المجاهد المؤمن أن الباب الذي فتحته الآية الكريمة (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً) لا يزال مفتوحا بعد عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وسيظل مفتوحا بإذن الله لمن يريد أن يرتفع عن علائق الأرض، ويكتب اسمه في ديوان المؤمنين المجاهدين العاملين لنصرة هذا الدين الذين يقدمون ما يرضي ربهم سبحانه على كل ما عداه.

وأعطى هذا المجاهد المؤمن الدرس العملي الأهم والأكبر لنا ولكل مسلم؛ بأنه ليس بين الله وبين عباده واسطة ولا نسب وأنه "وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ"، فلا تكفي العروبة ولا النسب لرفعة الإنسان في الدنيا والآخرة، فالسير سير القلوب والأعمال لا سير الأنساب والأقوال والادعاءات، فعلاقة الإسلام أقوى وأوثق مما سواها من العلاقات وهي العلاقة الباقية إلى يوم القيامة وما سواها من علاقات ينقطع.

رحم الله هذا البطل المجاهد الذي لا يعرف كثير من المسلمين عنه شيئا، وأحرى بهم أن يذكروه لأبنائهم وتلامذتهم وأن يذكروه في خطبهم ودروسهم، فما ضعفت أجيال المسلمين إلا عندما أهمل ذكر أمثال هذه النماذج الراقية العالية وحينما صارت قدوات كثير من الشباب المسلم في أناس توافه لا قيمة لهم.

ــــــــــــــــ

[1] تقع في القسم الجنوب الشرقي لروسيا الاتحادية وتبعد عن موسكو مسافة 850 كم. ولا يزال هناك مسلمون في سراتوف تصل نسبتهم حوالي 6 % من السكان ثلثهم من التتار الذين لا يزالون يعيشون في هذه المدينة وتوجد فيها قرابة 30 منظمة إسلامية منها مركز الشباب المسلم ومنظمة النساء المسلمات.
--------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59