عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-15-2012, 04:45 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

والمكتبة الوطنيَّة في باريس ومكتبة جامعة إكس إن بروفنس ومكتبة جامعة كامبريدج، إضافةً إلى تفحُّصي الخاص للفهارس الأساسيَّة الخاصَّة بهذا الأدب - أنَّ الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة لم يُعطِنا أعمالاً أدبيَّة عظيمة شاهقة؛ إذ إنَّه كان يتكوَّن بصورةٍ أساسيَّة من نصوصٍ استُخدمت لأغراضٍ معيَّنة وتركَّزت على موضوع تحوُّل المرء عن دِينه إلى دينٍ آخَر.

وتنقسمُ هذه المخطوطات بعامَّةٍ إلى نوعين اثنين: فهناك ما يُسجِّل الطقوس والتعاليم الإسلاميَّة التي كانت قد أخَذت في الضَّياع والتَّلاشي، وهناك أيضًا النُّصوص التي تنغمسُ في مجادلاتٍ عنيفة مُعادية للدِّيانة المسيحيَّة، والنوعان في كلتا الحالتين يظهران - كما يُشير لويس كارديلاك[6] - تَراجُعًا ملحوظًا عن الكتابات المعقَّدة لعرب العصر الوسيط، مثل: كتابات الهاشمي وابن حزم القرطبي وفراي إنسيلمو من تورميدا، لكنَّ المخطوطات التي فكَّت شيفرتها تكشف حقًّا عن بعض اهتِمامات المجتمع المسلم: هناك كرَّاسات في الفقه، رسائل في السِّحر والشَّعوذة، ورسائل تدورُ حول الوصفات الطبيَّة، ونُبوءات تتعلَّق بالمستقبل، وتعليمات تشرح كيفيَّة التصرُّف في حال باغتت محاكم التفتيش مُؤلِّفي المسلمين وكُتَّابهم، وكتابات تُسجِّل شهادات المسلمين حول ظُروف اضطهادهم، وأزجال في مديح محمد [النبي]، وأشعار تقلد لوب دي فيغا.

لكن على رغم أنَّ الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة كان بعامَّةٍ مُبتذلاً من وجهة النظَر الجماليَّة الصِّرف، بل إنَّه كان أسوأ من ذلك إذا قُورن بمعظم الإنتاج الأدبي خلال العصر الذهبي في إسبانيا، فإنَّ هذا الأدب يكشفُ لنا أحيانًا عن نصوصٍ أدبيَّة ذات قيمةٍ جماليَّة حقيقيَّة لا جدال فيها؛ ومثال ذلك تلك الروايات الرومانسيَّة الملحميَّة (مثل الحديث، أو الملحمة التي تدورُ حول الحصن الذهبي (Alcazar de Oro) التي أعاد كتابتها بالحروف اللاتينيَّة غالميز دي فوينتس في كتاب المعارك (Libro de las batallas)، الذي نشَرَه عام 1975)، إضافةً إلى بعض الأشْعار التي كتبها محمد رمضان (Mahomed Rabadan)، وشُعَراء آخَرون درستهم مانويلا مانزاناريس دي سيري.

لكن رغم كلِّ تحفُّظاتي بِخُصوص القيمة الجماليَّة لمعظم الأدب الإسباني الذي كتَبَه المسلمون بالحروف العربيَّة، فأنا أومن حقًّا بأنَّ هؤلاء الكتاب المجهولين الذين يمتلكون هويَّة مهجَّنة ومصيرًا مأساويًّا يتبوَّؤون مكانةً خاصَّة في الأدب الإسباني في عصر النهضة الذي ينتَسِبون إليه بلا أيِّ شك.

وتكشفُ المخطوطات خاصيَّة أدبيَّة شديدة الأهميَّة إذا قرأناها بتمعُّن واهتمام، ولربما من منظورٍ مختلف قليلاً؛ في هذه المخطوطات سنرى - ونشعُر بنوع من الشفقة والحُزن الاستثنائيَّيْن - اختفاءَ شعبٍ بكامِله وانقِراضَه، ونرى في الوقت نفسِه الجهودَ التي بذلها أبناء هذا الشعب لكبْح جِماح القُوَى التاريخيَّة المحتومة التي كانت ستهبطُ عليهم وتسحَقُهم.

لقد كان مُؤلِّفو الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة مُؤرِّخي عالَم أو ربما كانوا المؤرِّخين المضادِّين؛ إذ إنَّ الوصف الأخير لهم هو أكثر صِدقًا ودقَّةً - يذوب ويختفي.

المأساة الأولى بالنسبة لهؤلاء "المؤرخين" المسلمين تمثَّلت في كونهم غير قادِرين على إنتاج أدبٍ أو كتاباتٍ تتعلَّق بتحوُّلهم من دِينهم إلى الدِّين الآخَر، أو رواياتٍ تحكي حُظوظَهم التاريخيَّة العاثرة باللغة التي استعمَلَها أسْلافُهم في شبه الجزيرة، لقد كانت اللغة العربيَّة الفُصحَى، وحتى اللهجات العاميَّة المستعمَلة من العربيَّة، تنسابُ من بين أيدي المسلمين من الذين بقوا في إسبانيا بسرعة.
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59