عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-05-2013, 11:05 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي هجرات القبائل العربية القديمة


ان حضارات الوطن العربي في حدوده المعروفة مازالت اثارها الروحية والفلسفية والكفاحية تتراوح في اهميتها المعاصرة بين التبني من قبل المجتمعات الانسانية التي تضم الأسلام والمسيحية والموسوية وبين اهتمام الدارسين في البحث والتنقيب من قبل المعنيين في جميع ارجاء العالم .

ان تاريخ الحضارة البشرية في المنطقة العربية هو اطول مدى واكثر ثراء وعمقا واتساعا واكثر تسلسلا وترابطا ووضوحا وانسانية كما انه اكثر قابلية للدرس والبحث العلمي (1)

ان الأدوات الحجرية التي صنعها الأنسان والتي اكتشفت حديثا في ( العبيدية ) بجنوب سورية قد حدد تاريخها بأشعاع الكربون 14 بزمن ينحصر فيما بين
35000 – 52000 سنة , في هذه الحقبة الزمنية بالذات كان انسان الهلال الخصيب هو الأول من بني البشر الذي ابتكر فكرة الدفن لموتاه . وقياسا لذلك الزمن السحيق في القدم اعتبره الباحثون في مطاف ارقى الحضارات في عصره (2)

لقد اختلف الباحثون في تعيين المهد الأصلي الذي انطلقت منه الهجرات العربية الى كل من بلاد الرافدين والشام ومصر, و افترضوا مناطق عديدة. من قبيل :

منطقة ارمينيا او شمال غرب افريقيا ا و السواحل الشرقية لافريقيا ا وبابل ا وسورية ا ا وشبه الجزيرة العربية .

اما فيما يتعلق بأرمينية , فقد افترض الباحث – بيتر – بأنها ربما كانت المهد الاصلي للهجرات العربية , بانيا افتراضه على اساس توراتي , فقد جاء في التوراة ( سفر التكوين 8 : 4 ) ان سفينة نوح قد رست بعد انتهاء الطوفان في منطقة منابع نهري دجلة والفرات , و طبقا لما ورد في سورة هود في القرأن الكريم . - نزل من السفينة – حسب رأيه – نوح واولاده الثلاثة سام وحام ويافت , اما حام فقد لعن وطرد , في حين ان يافت ذهب الى بلاد بعيدة , ليكون فيها امة كثيرة العدد , ولم يبقى بجوار نوح سوى ابنه سام الذي انحدر من نسله الشعوب السامية . لكن المؤرخ مسكوني يعترض على هذه الافتراضية ويقول ان هذه الأخبار لم تحدث في زمن قريب حتى ناتي برواية تاريخية كهذه .

اما فيما يتعلق ببلاد الرافدين , فقد افترض العالم الأيطالي – جويدي - ان يكون العراق القديم هو المهد , فقد اهدته دراسته الى لفظة – نهر- الموجودة في اللغات السامية القديمة كالعربية والأرامية والبابلية والأشورية والسريانية . وعلى هذا الأساس استنتج الباحث ان منطقة بابل هي المهد الذي انطلقت منه الشعوب العربية مهاجرة الى شتى الارجاء.

اما الباحث الأمريكي – كلاي – فقد افترض ان تكون سوريا هي المهد كون ان موجات الهجرة التي كانت تصل الى بلاد بابل كانت تأتي من منطقة – امورو – في بادية الشام , لكن هذه النظرية هي الأخرى لم تلقى القبول بدليل ان سوريا كانت المعبر للقبائل النازحة وليست المصدر .

اما نظرية – بارتون – المتعلقة بشمال غرب افريقيا تستند على وجود التشابه في الخصائص الجسدية واللغوية بين الأحباش والبربر والعرب حسبما اعتقده الباحث , و ان القبائل العربية بدأت هجرتها من جبال الأطلس هناك متجهة نحو الشرق , حتى اذا ما وصلت الى الشطر الشرقي للقارة تفرقت , فقسم منها دخل مصر والقسم الأخر واصل السير واستقر في فلسطين وسوريا والباقون عرجوا شمالا ودخلوا العراق القديم واستقروا فيه .

بينما يعتقد الباحث العراقي - جواد علي - ان القبائل العربية كانت في العصر الحجري القديم منتشرة في السواحل الشرقية للقارة الافريقية , ويحتمل انها عبرت البحر الاحمر عبر مضيق باب المندب الى اليمن ومنها تفرقوا الى اتجاهات عدة .

اما النظرية المتعلقة بشبه الجزيلرة العربية فقد لاقت قبولا منقطع النظير من قبل معظم العلماء امثال – سبرنجر – وموسكاتي – وماير – وفيلبي – فهي التي اخذ بها واعتبرت المهد الارومي الاصلي لهجرة القبائل العربية. ( 3 )

اما اسباب هذه الهجرات حسبما اعتقد الباحث – جورج شايلد - فتعزى الى الجفاف التدريجي الذي حل في المنطقة العربية . اذ ان الشواهد والدراسات العلمية اكدت ان هذه المنطقة كانت مطيرة خلال عصر البلايستين قيل ثلاثين الف سنة . ومنذ ذلك الحين اخذ مناخها يتجه نحو الجفاف التدريجي ابتداء من العصر الحجري القديم حتى نتج من جراء ذلك اختفاء الكثير من الأنهار والأبار والواحات في المنطقة العربية مما خلقت ظروف اقتصادية خانقة اجبرت السكان المحليين الى ترك مناطق سكناهم والنزوح الى مناطق الهلال الخصيب الزاخرة بالانهار الكبرى .

ويضيف الباحث - شايلد - في كتابه – الشرق القديم – في ذلك الحين كان شمال اروبا ووسطها حتى جبال الهارتس والالب مغطاة بالثلوج . وكانت انهيارات الجليد تنحدر على السفوح في بطء لكي تذوب مياهها في قيعان الاودية . وكانت العواصف الثلجية التي تمر اليوم بأروبا تثور بصورة مستمرة فوق البحر الابيض المتوسط .

وكانت السحب المحملة بالماء تظلل اراضي افريقيا وجزيرة العرب وتهطل امطارا غزيرة على هذه المناطق طوال السنة . وكانت هذه الاراضي القاحلة اليوم اراض مكتظة بمزارع الخضر واشجار الثمر لكن الظروف المناخية تغيرت تغيرا جذريا , واجبر السكان ان تنزح شمالا بعد ان ضربها الجفاف , فكانت بداية الهجرات الجماعية
اما سبب تغيير مناخ المنطقة العربية يعود الى انحسار الجليد عن اروبا في عصر البلايستين , فقد كان الضغط الكبير فوق القطب الشمالي قديما يجعل الأعاصير الحاملة للمطر والقادمة من المحيط الأطلسي و التي تهب حاليا على القارة الاروبية , كانت تتخطى المنطقة الاروبية وتتجه نحو الجنوب , مكتسحة البحر المتوسط ومنطقة الصحاري في شمال افريقية و جبال لبنان حتى تصل الى بلاد الرافدين والجزيرة العربية . وهكذا فان الاراضي في بلاد العرب التي تعاني حاليا من الجفاف و العطش , كانت تتلقى في الماضي امطارا على مدار السنة فكانت اراضيها دائمة الخصوبة مغطاة بالعشب الأخضر الطويل , كما كانت تسرح فيها حيوانات مفترسة كثيرة .

يدعم الباحثون نظرية الجفاف التدريجي بتقديم شواهد حية , نشاهدها حاليا في مناطق عدة من شبه الجزيرة العربية اهمها منطقة معان والعلا التي تحولتا بمرور الزمن من مناطق خضراء ذات غابات واسعة الى اخرى صحراوية قاحلة , فمثلا كانت مدينة مكة المكرمة تمون بالأخشاب من غابات الطائف , المنطقة التي كانت تزخر بأشجار الفواكه حتى الى زمن قيام الدولة العثمانية في القرن السادس عشر . نعم لقد كانت الجزيرة العربية تنعم بأنهار كثيرة , تحمل مياه الأمطار العذبة الى المناطق الزراعية الكائنة حول المدن والقرى الزاهرة , مثل نهر الحمث الذي كان احد فروعه يغذي مدينة يثرب التي تغير اسمها الى المدينة المنورة في العام الاول من هجرة رسول الاسلام محمد اليها – كان هذا النهر يتجه غربا ويصب في البحر الأحمر . وكذلك وادي الرمة الذي كان نهره ينبع من موقع كائن قرب مكه المكرمة , يتجه شرقا ويصب في بحر عمان , بالأضافة الى ذلك كانت هناك شواهد تاريخية وجغرافية قدمها الباحث - جواد علي - يدعم بها نظرية الجفاف في تغيير المناخ , قوله : لقد اكتشف عمال شركة ارامكو الأمريكية في مناطق النفط الحالية في كل من نجد والقطيف والأحساء في العربية السعودية على صهاريج ارضية يتصل الواحد منها بالأخر بواسطة انفاق طويلة وعليها فتحات لأستقاء الماء منا . هذا دليل قاطع على ان هذه البقاع كانت في قديم الزمان رياض خضراء تكتنفها اشجار الثمر ( 4 )

يؤكد العلامه الامريكي الشهير - صموئيل نوح كريمر - ان تاريخ شبه الجزيرة العربية تاريخ موغل في القدم وان اولى الهجرات العربية التي خرجت منها الى بلدان الهلال الخصيب حدثت سبعة الاف سنة قبل الميلاد اي في عصور ما قبل التاريخ , وان وجود مستوطنات وتحصينات حجرية في المسالك التي استطرقتها الجماعات المهاجرة في كل من فلسطين وسوريا والعراق خير شاهد على ذلك ( 5 ) .

هاجر الأكديون , اولى القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية في الالف الرابع ق م الى العراق القديم وامتزجوا فيه بالسومريين وكونوا شعب بابل الذي قدم للحضارة الأنسانية الكثير من ميراثها الثقافي , ثم تبعهم الأشوريون في الألف الثالث ق م , تلاهم العموريون الذين كانت قوافلهم تستهل سيرها من مدينة – مريابة – عاصمة سبأ في اليمن متوجهة نحو الشمال بمحاذات البحر الأحمر في سفر شاق طويل عبر الصحراء العربية القاحلة ذات الجو القائض وتحت اشعة الشمس اللاهبة و لشهور عديدة حاملة معها خطها العربي والهة معابدها حتى اذا ما وصلوا اخر المطاف الى - تيماء – نقطة التفرع , عندها كانوا يتفرقون , فقسم منهم يعرج شرقا بأتجاه مدن تدمر والبتراء ودمشق ويستقر فيها والقسم الأخر يتجه غربا و يدخل مصر عن طريق شبه جزيرة سيناء عبر وادي الحمامات او الطميلات , والباقيون كانوا يواصلون سيرهم شمالا حتى يدخلوا وادي الرافدين ويستقروا فيه نهائيا . اما في الألف الثاني ق م فقد هاجر الأراميون متخذين نفس الطريق المذكور , لكنهم استقروا في منطقة السماوة , المدينة الحالية والكائنة في حوض الفرات الجنوبي لكن قسما منهم كان يتوقف وسط الطريق و يستقر في سهل البقاع . واما الكنعانيون فقد هاجروا الى فلسطين منذ الألف الثالث ق م واستقروا فيها نهائيا وبذلك اصبحت ارض كنعان لهم الوطن الام الى يومنا هذا .

لكن قسما منهم سكن السواحل الشرقية للبحر المتوسط وسمو بالفنيقيين . و ان اولى الهجرات لعرب الجزيرة الى وادي النيل كانت من الشمال عبر سيناء حوالي 3500 ق م , اما الهجرات التي حصلت لهم الى مصر عن طريق الجنوب فكانت خلال الألف الأول ق م استهلها العموريون من اليمن بعد ان عبروا البحر الاحمر عبر مضيق باب المندب الى افريقيا ومن هناك واصلوا سيرهم بمحاذاة الساحل الغربي حتى وصلوا الى دلتا النيل واستقروا فيها , وقد ثبتت هذه الحقيقة التاريخية عن طريق الدراسات الأنثروبولوجية التي اجريت على بقايا الهياكل العظمية للعناصرالعربية التي هاجرت
( 6 ) ,

اما المناطق التي انتشرت فيها القبائل العربية بعد النزوح من موطنها الاصلي كانت مناطق الهلال الخصيب على وجه التحديد , خاصة بادية الشام وبلاد الرافدين , فظهرت مملكة الأنباط في البتراء مثلما ظهرت مملكة الغساسنة في حوران قرب دمشق , كذلك ظهرت مملكة المناذرة في الحيرة بالعراق ومملكة الحضر قرب مدينة الموصل التي اشتهرت في نحت التماثيل الصخرية . كل هذه الممالك برزت في الحقبة الزمنية حوالي 300 سنة ق م .

كما ظهرت في سهول تهامة قبائل عدنانية خلال اعوام 1900 ق م . اشهرها قبيلة مضر التي هاجرت الى نجد والى بادية الشام واستقرت فيهما . وقبيلة ربيعة التي سكنت الحجاز و انحدرت منها قبيلة بني اسد , وقبيلة كنانة التي هاجرت الى مكة المكرمة وانحدرت منها قبيلة قريش , و قبيلة تميم التي نزحت الى بادية البصره واستقرت فيها .

كانت الهة المعابد في البلدان العربية القديمة تتشابه مع بعضها , فألهة نجمة الصباح في اليمن كانت تناظر الهة الأشوريين عشتار , و كان كل من الهة الكنعانيين عشتروت و الهة القمر في حضرموت شبيهتان بألهة القمر عند البابليين . و كانت الهة بابل شمس تشبه الهة حضرموت شمش , ان التشابه بين هذه الألهة كان دليل قاطع على ان المجاميع البشرية العربية المتعددة قد انبثقت كلها من موطن واحد . ( 7 ) وفي سبيل التعرف على الطبيعة الاجتماعية للمنطقة العربية , كان لزاما علينا ان نلم اولا بعاداتها وتقاليدها وتاريخها واقتصادها .
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59