عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-11-2012, 05:56 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي




بدأت بـ «أوتپور» وانتهت بـ «مساء الخير صربيا الحرة»

تعتبر ثورة الصربيين على الديكتاتور اليوغسلافي الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش وشعارها «أوتپور» (مقاومة) من ضمن الثورات السلمية التي اطاحت بأحد أشهر الأنظمة الدموية في العصر سلميا بتكتل 18 حزبا في المعارضة بينهم حلفاء انقلبوا عليه، رغم ما كان يستند إليه من تعصب عرقي متطرف يؤيده فيه كثيرون في بلاده حتى بعد كل المجازر التي ارتكبها.

لا شك في أن الصرب تأثروا بالثورات السابقة المشابهة في العديد من الدول القريبة منهم في شرق أوروبا.

حاول ميلوسيفيتش في زمن تزدهر فيه الديموقراطية التلاعب تارة بإثارة المعارك الخارجية، وطورا باستخدام التهديد والوعيد وتعديل الدستور في الداخل للحفاظ على المظهر الديموقراطي الشكلي لنظامه، ووصل به الأمر الى تزوير الانتخابات عام 2000 التي تلت تمديد ولايته الثانية من 1997 مثيرا حفيظة الشعب.

هزت مجازر الديكتاتور سلوبودان ميلوسيفيتش ضد سكان إقليم كوسوفو عام 1998 المجتمع الدولي الذي تحرك بشكل سريع وحازم.

السبب الرئيسي في ردة الفعل الدولية هذه كان الشعور الكبير بالذنب للتأخر في التدخل أثناء ارتكاب نظام ميلوسيفيتش نفسه لمجازر اكثر بشاعة ودموية في البوسنة والهرسك قبل سنوات من حرب كوسوفو ما ادى الى ابادة عشرات الآلاف من السكان في ذلك البلد على مرأى ومسمع من العالم اجمع.

كان النظام الصربي حتى ذلك الوقت لايزال يسمى بـ «النظام اليوغوسلافي» لأن صربيا كانت وريثة يوغوسلافيا والساعية للإبقاء على ما أمكن من وحدة أراضيها التي تفككت وأصبحت 7 دول اليوم: صربيا ـ البوسنة والهرسك ـ كرواتيا ـ الجبل الأسود (مونتينيغرو) ـ سلوفينيا ـ مقدونيا ـ كوسوفو «استقلال من جانب واحد لهذه الدولة»، وبمواجهة التطورات على الساحة الدولية عام 1998 اقدم النظام الصربي على إعلان سلسلة قوانين تقيد حرية الرأي والتعبير وتتحكم في وسائل الإعلام وهو ما اثار حفيظة المثقفين والشباب المعارضين لأسلوب ميلوسيفيتش في الحكم الذي تسبب في عزلة بلادهم ونبذها، فانطلقت من معقلهم الابرز جامعة بلغراد حركة «أوتپور» (معناها مقاومة) والتي نجحت خلال العامين التاليين في التحول الى ثورة سلمية واسعة النطاق تخللتها اعمال عنف وتخريب محدودة، واطاحت ديموقراطيا بأحد اشد الانظمة عنفا ودموية في التاريخ الحديث.

اكتسبت هذه الثورة اسم ثورة «البلدوزر» رمزيا اثر قيام مواطن يوغوسلافي يدعى «لوبيساف ديوكيتش» ويعرف باسم «جو» بقيادة مركبة كبيرة توجه بها بطريقة البلدوزر يوم 5 اكتوبر 2000 لمهاجمة مبنى التلفزيون والإذاعة الرسمي والذي كان رمزا لحكم ميلوسيفيتش.

في 1997 انتهت الولاية الرئاسية الثانية لميلوسيفيتش ومدتها 4 سنوات على رأس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية التي كانت تضم حينها صربيا والجبل الاسود من 1992 وحتى 2006 ومعهما كوسوفو واقتصرت على هاتين الدولتين بعد انفصال الـ 6 الباقية عن يوغوسلافيا الأم بين 1990 و1992.

وبما ان الدستور كان ينص على ان ميلوسيفيتش لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة فقد استصدر قرارا من البرلمان الصربي بتعيينه رئيسا حتى يونيو 2001.

واول قرار له بعد ذلك كان البدء بحملة عسكرية ضد جيش تحرير كوسوفو لصرف الأنظار عن الداخل، فاجتاحت قواته الاقليم لترتكب ابشع الجرائم وتدمر المدن والقرى فوق رؤوس من لم يهجرها من اهلها.

لم يسكت المجتمع الدولي خاصة إدارة كلينتون في الولايات المتحدة عن هذه المأساة فرعى حلف شمال الاطلسي (الناتو) تحت مظلة الأمم المتحدة مفاوضات للسلام بين الطرفين، لكن الطرف الصربي انسحب منها فما كان أمام الناتو الا ان بدأ تحت شعار «التدخل الانساني» سلسلة عمليات حربية ضد الاهداف العسكرية في صربيا اسفرت في 1999 عن رضوخ نظام ميلوسيفيتش الذي يواجه معارضة شرسة في الداخل على الانسحاب الكامل من كوسوفو.

وصدر بعد هذا الانسحاب القرار الدولي 1244 الذي قضى بإرسال قوات سلام الى الاقليم.

ومع نهاية الحرب عادت الأنظار الى الداخل اليوغوسلافي، حيث كان ميلوسيفيتش في وضع محرج بعد الهزيمة امام الناتو وارتفاع اصوات الاستقلال في كوسوفو التي يعتبرها الصرب حاضنة لجزء كبير من تراثهم القومي وذاكرة أجيالهم ومهد الكنيسة الصربية الارثوذوكسية.

توحدت 18 من احزاب وقوى المعارضة ضد الديكتاتور في جبهة المعارضة الصربية ورشحت القومي فويسلاف كوستونيتشا لمواجهته في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعا إليها في سبتمبر 2000، ولكن بناء على تعديل دستوري يسمح بانتخاب الرئيس لولايتين مباشرة من الشعب بدلا من مرتين عبر البرلمان وقد وجدت المعارضة في ذلك محاولة التفافية منه على الدستور لأن التعديل طُرح ليوفر لنفسه فرصتين جديدتين للترشح بعد ولايتيه المنتهيتين.

اجريت الانتخابات في 24 سبتمبر 2000 وقاطعتها غالبية سكان الجبل الاسود (مونتينيغرو) وألبان كوسوفو وأعلنت المعارضة فوزها بأكثر من 50% من الاصوات لكن السلطة رفضت قائلة ان احدا من المرشحين لم يجتز الـ 50% وبالتالي لابد من دورة ثانية، بمواجهة هذا الموقف طلبت المعارضة من انصارها النزول الى الشارع للاحتجاج على النظام، وبدأ العصيان من شركات الكهرباء، حيث اضرب العمال وتصاعد الاحتجاج حتى 5 أكتوبر 2000 عندما توافد مئات الآلاف من الصرب الى العاصمة بلغراد للمشاركة في الاعتصام وعجزت قوات الشرطة والأمن عن مواجهتهم، فاقتحم بعضهم مبنى البرلمان واضرموا النار فيه، كما هاجم آخرون مبنى الاذاعة والتلفزيون وبينهم جو على «البلدوزر».

ميلوسيفيتش المرتعب من الحشود عرض ان ينسحب من الدورة الثانية شرط ان يكمل ولايته حتى يونيو 2001 الا ان المعارضة رفضت وواصلت تحركها فاستقال في 5 أكتوبر 2000 واعترف برئاسة كوستونيتشا للبلاد.

وما ان تسلم الاخير الرئاسة حتى دعا الى انتخابات برلمانية ديموقراطية في ديسمبر حصلت فيها المعارضة على اغلبية الثلثين، وفي 2001 سلمت المعارضة التي تحولت الى سلطة حاكمة ميلوسيفيتش الى المحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا لمحاكمته وقد توفي خلال سير المحاكمة في مارس 2006. وخلال السنوات اللاحقة عملت صربيا على تسليم كبار المطلوبين من مرتكبي جرائم الحرب في ظل نظام ميلوسيفيتش.

بعد ساعات فقط من تنحي ميلوسيفيتش عن الرئاسة عام 2000 أنهت روسيا تأييدها له واعترفت بخليفته كوستونيتشا، وأولى نتائج هذا التحول كانت رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلغراد وتطبيع علاقاتها مجددا مع المجتمع الدولي.

وتوج انصار المعارضة انتصارهم باحتفالات صاخبة في ساحات العاصمة وتجمع عدد كبير من السياسيين والفنانين في ساحة امام مقر البرلمان وغنوا وخطبوا في الناس حتى اطل كوستونيتشا ليخاطب الحشود بجملة شهيرة: مساء الخير يا صربيا الحرة، لكنه قال انه لن يسلم ميلوسيفيتش لمحكمة هي لعبة بيد الولايات المتحدة إلا انه اقدم على ذلك لاحقا، وحسنا فعل.

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59