فتح الفتوح ... ( نهاوند )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى ما يسعدهم في دنياهم
وآخرتهم ، وقام في ذلك خير ما قام به نبي ، فاستجاب له أقوام وأعرض
آخرون ، وانضوى تحت لوائه قبائل عربية ، وعادته قبائل ، وكان ممن
استجاب لله ورسوله قبيلة ( مزينة ) التي جاء وفدها الكبير إلى المدينة
وعلى رأسه النعمان بن مُقرّن وإخوته السبعة ؛ فبايعوا وأسلموا ، ولم
يمض إلا قليل من الوقت حتى دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الجهاد ، فاشتركوا في فتح مكة وكان النعمان يحمل راية مزينة .
ـ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام الصدِّيق من بعده فأرسى
قواعد الإسلام في الجزيرة العربية ، ثم انطلقت جيوش المسلمين تبشر
بالدعوة الجديدة ، وانساح المسلمون يفتحون أرض فارس والروم ،
وشارك النعمان في تلك الفتوح وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله
عنه فتح النعمان مدينة ( كسكر ) فولاه الخليفة إمارتها ، ولكن النعمان
لا يحب حياة الإمارة الهادئة ، فكتب إلى أمير المؤمنين أن يعفيه من هذه
المهمة ، وطلب العودة إلى صفوف الجهاد .
ـ بعد انتصارات المسلمين في القادسية والمدائن ، انحاز ( يزدجرد ) ملك
الفرس إلى ( نهاوند ) ، وجمع كل ما يستطيع جمعه واعتبرها معركة
مصيرية مع أصحاب هذا الدين الجديد الذي ينشر المساواة والعدل ،
ويزيل دول الطغيان والظلم . اهتم عمر رضي الله عنه لهذا الأمر ،
وجمع الناس واستشارهم ، بل إنه هَمَّ أن يسير بنفسه ليكون قريباً من
المعركة الفاصلة ، يجمع الناس ويكون ردءاً للمسلمين ، ولكن الصحابة
أشاروا عليه بالبقاء ، وأن يبعث قائداً يرضاه ، واختار عمر رضي الله
عنه النعمان بن مقرن رضي الله عنه ، ودعاه لقيادة جيوش المسلمين
في (( نهاوند )) وقال له : (( إذا أتاك كتابي هذا ، فسر بأمر الله ،
وبنصر الله بمن معك من المسلمين ، ولا توطئهم وعراً فتؤذيهم ،
ولا تمنعهم حقاً فتكفِّرهم ... )) .
ـ وسار النعمان ـ رضي الله عنه ـ ومعه وجوه أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ، منهم : حذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ،
وجرير بن عبد الله البجلي ، المغيرة بن شعبة ... رضي الله عنهم أجمعين.
ـ وصل النعمان إلى (( نهاوند )) ونظم أصحابه وهم ثلاثون ألفاً ، وجعل
على المقدمة نعيم بن مقرن المزني ، وعلى الجناحين : حذيفة بن اليمان
وسويد بن مقرن المزني ، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود .
ـ تلك الأسماء ذات الصحائف الخالدات التي كتبت في التاريخ الإسلامي
أنصع الآيات .
ـ بدأت المعركة يوم الأربعاء ـ سنة 21 للهجرة بعد سبع سنوات من خلافة
عمر رضي الله عنه ـ ، وكان الفرس قد تحصنوا بخنادق حفروها
وربطوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا ، وطال الحصار واستشار
النعمان قادته فأشاروا عليه باستدراج الفرس والتظاهر بالهروب ؛ حتى
إذا ابتعد الجند عن حصونهم وخنادقهم نشبت المعركة ، وافق النعمان
وقال لهم : إني مكبر ثلاثاً ؛ فإذا كانت الثالثة فابدؤوا القتال ، ودعا
النعمان : (( اللهم اعزز دينك ، وانصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن
تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام ، واقبضني شهيداً )) فبكى الناس.
ـ كانت المعركة شديدة ، وفرسان المسلمين يشقون الصفوف وقائدهم
النعمان ، واستجاب الله دعاءه ، فكان أول شهيد . لكن المسلمين
انتصروا انتصاراً كبيراً ، وهرب ( الفيرزان ) قائد الفرس فلحقه
القعقاع بن عمرو وقتله وقُتل ( يزدجرد ) ملك الفرس ، وانتهى أمر
فارس بعد تلك الموقعة التي سميت ( فتح الفتوح ) .
ـ أخفى القائد الذي استلم الراية بعد النعمان ( حذيفة بن اليمان ) خبر
مقتل النعمان عن المسلمين . وعندما سألوا عنه قال لهم أخوه نعيم :
هذا أميركم خُتم له بالشهادة . وبكى المسلمون أمير نهاوند بكاء شديداً .
كان عمر رضي الله عنه ينتظر نتائج هذه المعركة بقلق كبير ، لقد
أسهرته ليالي نهاوند ؛ فما كان يعرف النوم ، يخرج إلى ضواحي
المدينة في حَرِّها القاسي ينتظر أخبار الفتح ، حتى أتاه السائب بن
الأقرع ، فقال له عمر : ما وراءك ؟ قال : فتح الله عليك واستشهد
الأمير ، فقال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعرض عليه السائب
غنائم نهاوند ، غنائم لا تحصى ؛ ولكن عمر لم يأبه لكل هذا ، واعتلى
المنبر ، ونعى إلى المسلمين النعمان بن مقرن المزني وبكى ، وبكى
حتى نشج .
ـ وفي سهل فسيح ممتد في نهاوند ، دفن النعمان ومعه جنوده الشهداء
فسقى الله تلك الأرض وبارك الله فيها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ م: كتاب المنتدى الإسلامي ـ لندن ـ
وذكرهم بأيام الله ـ محمد العبدة ـ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ