ما أنا بالذي أختار عليه أحدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ عندما يغادر المرء أهله وعشيرته وموطنه الذي درج فيه فإنه لا يزال
يحنُّ إليه ، ويشتاق إلى والد ربَّاه ، وأم حنت عليه ، وعشيرة عاش في
أكنافها ، وأتراب قضى معهم أيام الطفولة والصبا ، وديار درج فيها ،
فإذا تيسر له الرجوع إلى ذلك كلّه فغالب نفسه ، وتمسك بإرث جديد ،
وتمسك بديار غير دياره ، وأهل غير أهله ، فإنَّ في ذلك عجباً .
ـ ومن هؤلاء الذين كان أمرهم عجبا زيد بن حارثة ، فقد اختطفه بعض
العرب من أهله صغيراً في غارة من غارات العرب التي لم تكن تهدأ ،
وباعه مختطفوه في سوق عكاظ ، واشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة
بنت خويلد بأربعمائة درهم ، ووهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد زواجه منها .
ـ وعرف والده وعمّه بمكانه ، فخرجا إلى مكة يطلبان فدائه وسألا عن
مكان الرسول صلى الله عليه وسلم حتى عرفاه ، فجاءاه فقالا : يا بن
عبد المطلب ، يا ابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله ، تفكون العاني ،
وتطعمون الأسير ، جئناك في ولدنا عبدك فامنن علينا ، وأحسن في
فدائه ، فإنا سنرفع لك .
قال : وما ذاك ؟
قالوا : زيد بن حارثة .
فقال : أو غير ذلك ، أدعوه فخيروه ، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء ،
وإن اختارني ، فو الله ما أنا بالذي اختار على من اختارني فداء .
قالوا : زدتنا على النّصف .
فدعاه ، فقال : هل تعرف هؤلاء ؟
قال : نعم ، هذا أبي ، وهذا عمّي .
قال : فأنا من قد علمت ، وقد رأيت صحبتي لك ، فاخترني أو اخترهما.
وبلا تردد ولا اعمال فكر ونظر أجاب : ما أنا بالذي اختار عليك ،
أنت مني بمكان الأب والعم .
ـ وكان أمرا فيه عجب وغرابة ، وقد أثار ذلك الأب والعم فقالا : ويحك
يا زيد ، أتختار العبودية على الحريّة ، وعلى أبيك وعمّك ، وأهل بيتك؟
ـ قال : نعم ، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي اختار عليه
أحدا .
• فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال:
اشهدوا أنّ زيدا ابني يرثني وأرثه ، فلما رأى ذلك أبوه و عمّه طابت
أنفسهما وانصرفا (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ثمَّ أبطل الله التبني في محكم كتابه فدعي لأبيه زيد بن حارثة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
{م:جولة في رياض العلماء ـــــــــــ
ـد/ عمر الأشقر ـــــــــــــــــــــــــــ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ